|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إنما أنت في دار المداراة
إنما أنت في دار المداراة فهد بن عبدالله الملا لَمَّا كانت مُخالَطة النَّاس من لَوازِم الحياة، ولَمَّا كانت مُعاشَرتهم من طَبائع النُّفوس؛ إذ النَّفس - غالبًا - مجبولةٌ على الاستِئناس بغيرها، مفطورةٌ على المعايشة والمخالطة. والمرء محتاجٌ لغيره؛ إمَّا لقَضاء حوائجه، أو سفره وتجارته، أو عَمَلِه وعِلْمِه، أو طَلبِ رأيٍ ومشورة. ولَمَّا كانت النُّفوس غير متشاكلة، والطَّبائع غير مُتَماثلة، أضحَى لِزامًا على المرء أنْ يُعاشِرَ الناس بالحسنى؛ ليَسلمَ جانبُه، وتُقضَى أمورُه، وتتمَّ مصالحه، وإلا تَكدَّر مشربه، وضاقَتْ معيشتُه، وجاوَرَه الهمُّ، ورافَقَه النَّصَبُ، وقد قِيل: مَن هجر المداراة قارَنَه المكروه. فليس أصلح للمرء في مُعاشَرة الناس من مداراتهم، والتودُّد إليهم، والتقرُّب منهم، من غير ذُلٍّ ولا مُداهَنة، فبذا تَطِيبُ الحياة وتَصفُو، ويلذُّ العيش ويحلو، فمَن غرس المدارة اجتَنى السلامة. وبالمداراة تُساسُ الأمور، ويُولَجُ إلى الصُّدور، ومَن لم يُدرِكْ حاجته بالغلبة والاستِعلاء فليطلُبها بالترفُّق وحُسن المداراة، وقد قيل: ثُلثَا التعايش مُداراة الناس. ويُروَى عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوله: ((مُداراة الناسِ صدقةٌ)). وأيُّ امرئٍ يَقوَى على ترْك المداراة، ويَصبِر على غُصَصِ المناوأة والمعاداة، وقد قيل: ترْك المداراة طرفٌ من الجنون. ويُروَى أنَّ رجلاً جاءَ إلى وهب بن مُنبِّه فقال: إنَّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدَّثت نفسي ألاَّ أخالطهم، فقال له وهبٌ: لا تفعل؛ فإنه لا بُدَّ للناس منك ولا بدَّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كُنْ فيهم أصمَّ سميعًا، وأعمى بصيرًا، وسَكوتًا نَطوقًا. قال الشاعر: مَا دُمْتَ حَيًّا فَدَارِ النَّاسَ كُلَّهُمُ فَإِنَّمَا أَنْتَ في دَارِ الْمُدَارَاةِ مَن يَدْرِ دَارَى وَمَنْ لَمْ يَدْرِ سَوْفَ يُرَى عَمَّا قَلِيلٍ نَدِيمًا لِلنَّدَامَاتِ وقال الآخَر: بِالْمُدَارَاةِ مَا تُسَاسُ الأُمُورُ مَا لِحُبِّ البُثُورِ تُطْلَى البُثُورُ ومن حِكَمِ الفرس: "مَن لَمْ يَلِنْ للأمور عند التِوائها تعرَّض لمكروه بَلائِها". فالمداراةُ - كما قيل - سياسةٌ رفيعة تجْلبُ المنفعة، وتدفَع المضرَّة، ولا يستَغنِي عنها مَلِكٌ ولا سُوقَةٌ، ولا يدَع أحدٌ منها حظَّه إلا غمرَتْه صُروف المكاره. على أنَّه ينبغي التوسُّط في المداراة؛ إذ لا تحسُن إلا بقدَرٍ وفي مَواضعها، ومع مَن لا يُستغنَى عن مُعاشَرته، وقد قيل: بعضُ المقاربة حزمٌ، وكلُّ المقاربة عجزٌ. وَلاَ خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا واعلَمْ أنَّه إذا سقمت المداراة صارت مُداهَنة، فالمداراة أنْ تُدارِي الناس على وجْه يسلم لك دينك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |