النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي (2) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213557 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-10-2020, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي (2)

النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي (2)


وائل حافظ خلف






وصية الإمام أبي الوليد الباجي لولديه، والمعروفة بالنصيحة الولدية
وهي من النفاسة في غاية المكانة، وحق لها أن تكتب بجاري النضار
ولو لم تقف - شَاعَكَ الخيرُ - من سلسلة "من روائع وصايا الآباء للأبناء" إلا على ذي الوصية لوجدتها (( شافيةً كافية، ومجزئةً مغنية؛ بل لوجدتها فاضلة عن الكفاية، وغيرَ مُقَصِّرة عن الغاية )). فَدُونَكَها.

قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الباجي - رضي الله عنه ورحمه - في القسم الثاني من الوصية:
(( وأما القسم الثاني مما يجب أن تكونا عليه وتتمسكا به:
فأن يلتزم كل واحد منكما لأخيه الإخلاصَ والإكرام والمراعاة في السر والعلانية، والمراقبةَ في المغيب والمشاهدة.

وليلزم أكبرُكما لأخيه الإشفاقَ عليه، والمسارعةَ إلى كل ما يحبه، والمعاضدةَ فيما يُؤْثِره، والمسامحة لكل ما يرغبه.

ويلتزم أصغركما لأخيه تقديمَه عليه، وتعظيمَه في كل أمر بالرجوع إلى مذهبه، والاتباع له في سره وجهره، وتصويب قوله وفعله.

وإنْ أنكر منه في الملإ أمرًا يريده، أو ظهر إليه خطأ فيما يقصده؛ فلا يُظهر إنكاره عليه، ولا يجهر في الملإ بخطيئته، وليبين له ذلك على انفرادٍ منهما، ورفقٍ من قولهما، فإن رجع إلى الحق وإلا فليتبعه على رأيه؛ فإن الذي يَدخل عليكما من الفساد باختلافكما أعظمُ مما يُحْذَر من الخطأ مع اتفاقكما، ما لم يكن الخطأ في أمر الدين، فإن كان في أمر الدين فليتبع الحق حيث كان، وليثابر على نصح أخيه وتسديده ما استطاع، ولا يُخْلِ يده عن تعظيمه وتوقيره.

ولا يُؤثِر أحدكما على أخيه شيئًا من عَرَض الدنيا فيبخل بأخيه من أجله، ويُعْرِض عنه بسببه، أو ينافسه فيه.

ومن وُسِّع عليه منكما في دنياه فليشارك بها أخاه، ولا ينفرد بها دونه. وليحرص على تثمير مال أخيه، كما يحرص على تثمير ماله.

وأَظْهِرَا التعاضد والتواصل، والتعاطف والتناصر، حتى تُعرَفا به؛ فإن ذلك مما تُرضيان به ربَّكما، وتَغيظان به عدوَّكما.

وإياكما والتنافسَ، والتقاطعَ والتدابر، والتحاسدَ، وطاعةَ النساء في ذلك؛ فإنه مما يُفسد دِينَكما ودُنياكما، ويَضَع من قدْركما، ويحط من مكانكما، ويحقر أمركما عند عدوكما، ويصغر شأنكما عند صديقكما.

ومَن أسدى منكما إلى أخيه معروفًا أو مكارمة أو مواصلة فلا ينتظر مقارضة عليها، ولا يذكر ما أتى منها؛ فإن ذلك مما يوجب الضغائن، ويسبب التباغض، ويقبح المعروف، ويحقر الكبير، ويدل على المقت والضَّعَة، ودناءة الهمة.

وإنْ أحدَكما زَلَّ وترك الأخذ بوصيتي في بر أخيه ومراعاته، فليتلافَ الآخر ذلك بتمسكه بوصيتي، والصبر لأخيه، والرفق به، وترك المقارضة له على جفوته، والمتابعة له على سوء معاملته؛ فإنه يَحمد عاقبة صبره، ويفوز بالفضل في أمره، ولا يكون لما يأتيه أخوه كبيرُ تأثير في حاله.

واعلما أني قد رأيت جماعة لم تكن لهم أحوال ولا أقدار، أقام أحوالَهم، ورفع أقدارَهم، اتِّفاقُهم وتعاضدُهم.

وقد رأيت جماعةً كانت أقدارهم سامية، وأحوالهم نامية، مَحَقَ أحوالَهم، ووضع أقدارَهم، اختلافُهم؛ فاحذرا أن تكونا منهم.

ثم عليكما بمواصلة بني أعمامكما وأهل بيتكما، والإكرام لهم، والمواصلة لكبيرهم وصغيرهم، والمشاركة لهم بالمال والحال، والمثابرة على مهاداتهم، والمتابعة لزيارتهم، والتعاهد لأمورهم، والبر لكبيرهم، والإشفاق على صغيرهم، والحرص على نماء مال غنيهم، والحفظ لغَيْبهم، والقيام بحوائجهم دون اقتضاء لمجازاة، ولا انتظار لمقارضة؛ فإن ذلك مما تسودان به في عشيرتكما، وتعظمان به عند أهل بيتكما.

وَصِلا رحمكما وإن ضَعُف سببُها، وقَرِّبا ما بَعُدَ منها، واجتهدا في القيام بحقها، وإياكما والتضييع لها؛ فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( مَن أحب النسأ في الأجل، والسعة في الرزق؛ فَلْيَصِلْ رحمه )).

وهذا مما يَشْرُف به ملتزمُه، ويَعْظُم عند الناس مُعَظِّمُه.


وما علمت أهل بيت تقاطعوا وتدابروا إلا هلكوا وانقرضوا.

ولا علمت أهل بيت تواصلوا وتعاطفوا إلا نَمَوْا وكَثُرُوا وبُورِكَ لهم فيما حاولوا[1].


ثم الجار، عليكما بحفظه، والكف عن أذاه، والستر لعورته، والإهداء إليه، والصبر على ما كان منه.

فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( لا يُؤْمِنُ مَن لا يَأْمَنُ جارُه بوائقَه )).


وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )).


واعلما أن الجوار قرابة ونسب، فَتَحَبَّبَا إلى جيرانكما كما تَتَحَبَّبَان إلى أقاربكما. ارْعَيَا حقوقهم في مشهدهم ومغيبهم، وأحسنا إلى فقيرهم، وبالغا في حفظ غَيْبِهم، وعَلِّما جاهلهم.


ثم مَن علمتما مِن إخواني وأهل مودتي فإنه يتعين عليكما مراعتهم وتعظيمهم، وبرهم وإكرامهم، ومواصلتهم؛ فقد رُوي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه حدَّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( إن أَبَرَّ البر أن يَصِلَ الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه )).


ثم إخوانكما، عاملاهم بالإخلاص والإكرام، وقضاء الحقوق، والتجافي عن الذنوب، والكتمان للأسرار.

وإياكما أنْ تُحَدِّثا أَنْفُسَكما أن تنتظرا مقارضةً ممن أحسنتما إليه، وأنعمتما عليه؛ فإن انتظار المقارضة يمسح الصنيعة، ويُعيد الأفعالَ الرفيعةَ وضيعةً، ويَقْلِبُ الشكرَ ذَمًّا، والحمدَ مَقْتًا.

ولا يجب أن تعتقدا معاداة أحدٍ، واعتمدا التحرُّزَ من كل أحد. فمَن قصدكما بمطالبةٍ، أو تكرر عليكما بأذيةٍ، فلا تُقَارِضاه جهدكما، والتزما الصبر له ما استطعتما؛ فما التزم أحد الصبر والحلم إلا عَزَّ ونُصِرَ،ومَن بُغِيَ عليه لَيَنْصُرَنَّه الله.

وقد استعملت هذا بفضل الله مرارًا؛ فحَمِدْت العاقبة، واغتبَطت بالكف عن المقارضة.

ولا تستعظما من حوادث الأيام شيئًا؛ فكل أمر ينقرض حقير، وكل كبير لا يدوم صغير، وكل أمر ينقضي قصير.

وانتظرا الفرَج؛ فإن انتظار الفرج عبادة. وعَلِّقا رجاءكما بربكما وتوكلا عليه؛ فإن التوكل عليه سعادة.

واستعينا بالدعاء، والجئا إليه في البأساء والضراء؛ فإن الدعاء سفينة لا تَعْطَب، وحزب لا يُغْلَب، وجُند لا يهرب.

وإياكما أن تستحيلا عن هذا المذهب، أو تعتقدا غيره، أو تتعلقا بسواه فتهلكا، وتخسرا الدين والدنيا.


وربما دعوتما في شيء فنالكما مع الدعاء مَعَرَّة، أو وصلت إليكما مَضَرَّة؛ فازدادا حرصًا على الدعاء، ورغبة في الإخلاص والتضرع والبكاء؛ فإن ما نالكما من المضرة بما سلف من ذنوبكما، واكتسبتماه من سَيِّئ أعمالكما. ومع ذلك فالذي ألهمكما إلى الدعاء ووفقكما لا بد أن يُحسن العاقبة لكما، وقد نجاكما بدعائكما عن الكثير، وصرف به عنكما من البلاء الكبير.

وإذا أنعم عليكما ربُّكما بنعمة فتلقياها بالإكرام لها، والشكر عليها، والمسامحة فيها، واجعلاها عونًا على طاعته، وسببًا إلى عبادته.

والحذرَ الحذرَ من أنْ تُهينا نعمةَ ربِّكما فتتركَكما مَذْمُومَيْنِ، وتزولَ عنكما ممقوتَيْنِ؛ روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( يا عائشة، أحسني جوارَ نِعَمِ الله -تعالى-؛ فإنها قَلَّ ما زالت عن قوم فعادت إليهم ))[2].

وإياكما أنْ تُطْغِيَكُما النعمةُ فتُقَصِّرا عن شكرها، أو تَنْسيا حقها، أو تظنا أنكما نلتماها بسعيكما، أو وصلتما إليها باجتهادكما، فتعود نقمة مؤذية، وبلية عظيمة.


وعليكما بطاعة مَن وَلَّاه الله أمركما فيما لا معصية فيه لله -تعالى-؛ فإن طاعته من أفضل ما تتمسكان به وتعتصمان به ممن عاداكما.

وإياكما والتعرض للخلاف لهم، والقيام عليهم؛ فإن هذا فيه العطب العاجل، والخزي الآجل، ولو ظفرتما في خلافكما، ونفذتما فيما حاولتما؛ لكان ذلك سبب هلاككما لما تَكسبانه من المآثم، وتُحدثان على الناس من الحوادث والعظائم.

ثم مَن سعيتما له، ووَثِقتما به، لا يُقَدِّم شيئًا على إهلاككما، والراحة منكما؛ فإنه لا يَأمن أن تُحْدِثا عليه ما أحدثتما له، وتَنهضان بغيره كما نهضتما به.

فالتزما الطاعة، وملازمة الجماعة؛ فإن السلطان الجائر الظالم أرفق بالناس من الفتنة، وانطلاق الأيدي والألسنة.

فإنْ رابَكما أمرٌ ممن وُلِّي عليكما، أو وصلتْ منه أذيةٌ إليكما، فاصبرا وانقبضا، وتحيَّلا لصرف ذلك عنكما، بالاستنزال والاحتمال والإجمال، وإلا فاخرجا عن بلده إلى أن تصلح لكما جهتُه، وتعود إلى الإحسان إليكما نيتُه.

وإياكما وكثرة التظلم منه، والتعرض لذكره بقبيحٍ يُؤْثَر عنه؛ فإن ذلك لا يَزيده إلا حَنَقًا وبِغضة فيكما، ورضا بإضراره بكما.

وابدأا بعد سد هذه الأبواب عنكما بترك منافسة مَن نافسكما، ومطالبة من طالبكما؛ فإنه قد يبدأ بهذه المعاني من يعتقد أنه لا يتوصل منها إلى محظور، ولا يتشبث منها بمكروه، ثم يفضي الأمر إلى ما لا يريده ولا يعتمده، من مخالفة الرئيس الذي يقهر من ناوأه، ويغلب من غالبه وعاداه.

وإن رأيتما أحدًا قد خالف مَن وُلِّي عليه، أو قام على مَن أُسند أمره إليه، فلا ترضيا فعله، وانقبضا منه، وأغلقا على أنفسكما الأبواب، واقطعا بينكما وبينه الأسباب، حتى تنجلي الفتنة، وتنقضي المحنة.

وإياكما والاستكثار من الدنيا وحطامها، وعليكما بالتوسط فيها، والكفاف الصالح الوافر منها؛ فإن الجمع لها، والاستكثار منها، مع ما فيه من الشغل بها، والشغب بالنظر فيها، يصرف وجوه الحسد إلى صاحبها، والطمع إلى جامعها، والحَنَق على المنفرد بها: فالسلطانُ يتمنى أن يَزَِلَّ زَلة يتسبب بها إلى أخذ ما عَظُم في نفسه من ماله، والفاسقُ مرصَدٌ لخيانته واغتياله، والصالحُ ذامٌّ له على استكثاره منه واحتفاله.

يخاف عليه صديقه وحميمه، ويُبغضه من أجله أخوه شقيقه، إن منعه لم يعدم لائمًا، وإن بذله لم يجد راضيًا.

ومَن رُزِق منكما مالًا فلا يجعل في الأصول إلا أقلَّه؛ فإن شَغَبَها طويل، وصاحبَها ذليل، وهي ليست بمال على الحقيقة إن تغلَّب على الجهة عدوٌّ حالَ بينه وبينها، وإن احتاج إلى الانتقال عنها تركها أو ترك أكثرها.

ومن احتاج منكما فلْيُجْمِلْ في الطلب؛ فإنه لا يفوته ما قُدِّر له، ولا يدرك ما لم يُقَدَّر له.

وقد ذكر الله -تعالى- ما وعظ به العبدُ الصالحُ ابنَه في مثل هذا، فقال: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16].


واجتنبا صحبة السلطان ما استطعتما، وتَحَرَّيا البُعد منه ما أمكنكما؛ فإن البعد منه أفضل من العز بالقرب منه؛ فإن صاحب السلطان خائف لا يأمن، وخائن لا يُؤمن، ومسيء إن أحسن. يَخاف منه ويُخاف بسببه، ويتهمه الناس من أجله. إن قُرِّب فُتِن، وإن أُبعد أحزن.

يحسُدك الصديق على رضاه إذا رضي، ويتبرأ منك ولدك ووالداك إذا سَخِط. ويكثُر لائموك إذا مَنع، ويَقِلُّ شاكروك إذا أَشبع.

فهذه حال السلامة معه، ولا سبيل إلى السلامة ممن يأتي بعده.

فإن امتُحن أحدُكما بصحبته، أوْ دَعَتْه إلى ذلك ضرورةٌ، فليتقلَّلْ من المال والحال، ولا يَغْتَبْ عنده أحدًا، ولا يُطالِبْ عنده بَشرًا، ولا يَعصِ له في المعروف أمرًا، ولا يستزله إلى معصية الله -تعالى-؛ فإنه يطلبه بمثلها، ويصير عنده من أهلها. وإن حَظِي عنده بمثلها في الظاهر فإن نفسه تمقته في الباطن.

ولا يرغب أحدكما في أن يكون أرفع الناس درجة، وأتمهم جاهًا، وأعلاهم منزلة؛ فإن تلك حال لا يَسلم صاحبها، ودرجة لا يثبت مَن احتلها.

وأسلم الطبقات الطبقة المتوسطة: لا تُهْتَضَم من دَعَة [3]، ولا تُرمق من رفعة.

ومِن عَيْب الدرجة العليا أن صاحبها لا يرجو المزيد، ولكنه يخاف النقص، والدرجة الوسطى يرجو الازدياد، وبينها وبين المخاوف حجاب.

فاجعلا بين أيديكما درجة يشتغل بها الحسود عنكما، ويرجوها الصديق لكما.

ولا يطلب أحدكما ولاية؛ فإن طلبها شَيْن، وتركها لمن دُعي إليها زَيْن.

فمَن امتُحن بها منكما فلتكن حالُه في نفسه أرفعَ من أن تُحدث فيه بَأْوًا[4]، أو يُبدي بها زَهْوًا.

وليعلم أن الولاية لا تزيده رفعة، ولكنها فتنة ومحنة، وأنه مُعَرَّضٌ لأحد أمرين: إما أن يُعزل فيعود إلى حالته، أو يسيء استدامة ولايته؛ فيَقْبُح ذِكرُه، ويَثْقُل وِزْرُه. وإن استوَت عنده ولايتُه وعزلُه كان جديرًا أن يستديم العمل، فيبلغ الأمل، أو يُعزل لإحسانه، فلا يحط ذلك من مكانه.

وأَقِلَّا ممازحة الإخوان وملابستهم، والمتابعة في الاسترسال معهم؛ فإن الأعداء أكثر ممن هذه صفته، وقَلَّ مَن يُعاديك ممن لا يعرفك ولا تعرفه.


فهذا الذي يجب أن تمتثلاه وتلتزماه، ولا تتركاه لعَرَض ولا لوجهِ طمعٍ، فربما عرَضَ وجهُ أمرٍ يروق، فيستزل عن الحقائق بغير تحقيق، وآخره يظهر من سوء العاقبة ما يوجب الندم حيث لا ينفع، ويتمنى له التلافي فلا يمكن.

فإن فقدتما وصيتي هذه ونسيتما معناها، فعليكما بما ذكر الله -تعالى- في وصية لقمانَ لابنه؛ فإن فيها جِمَاعَ الخير، وهي: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17-19].



وإني لأُوصيكما وأعلم أني لن أغني عنكما من الله شيئًا، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف: 67].



وهو حسبنا ونعم الوكيل.


هذا آخر الوصية القيمة..
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..


[1] مصداقًا لما ورد في بعض الأحاديث من أن أعجل البر ثوابًا صلة الرحم، وأنها منسأة للأجل، محبة للأهل، مثراة للمال، حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة (وفي لفظ: فقراء)، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا. وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون. انظر "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري: كتاب البر والصلة - الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت والترهيب من قطعها، و"مجمع الزوائد" (8/151-152)، و"الصحيحة" (918، 978)، و"صحيح الجامع" (2/995) الحديث رقم (5705).

[2] ضعيف هذا. راجع "الإرواء" للشيخ ناصر، (7/20-23)، الحديث رقم (1961).

[3] الدعة: الراحة والسكون، وسعة العيش ورغده.

[4] البَأْوُ: الكِبر والفخر.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.20 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]