تنظيم المال - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أخلاقيات الزواج في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ماهو الوقف في الإسلام ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحمية .. ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          آيات وأحاديث في فضل الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          غزوة بدر الكبرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,499
الدولة : Egypt
افتراضي تنظيم المال

تنظيم المال


الشيخ أبو الوفاء محمد درويش







المال عصب الحياة، وقيام الناس في الدنيا، يقوم بمعاشهم ويصلح أمورهم، لا يتم للأفراد ولا للأمم أمر إلا به، فإذا صفرت منه يد الفرد ضاقت عليه الأرض بما ربحت، وسدت في وجهه فجاجها، إن جاع لم يجد ما يقيم صلبه، أو يمسك حوباءه، وإن خلقت ثيابه لم يجد ما يستر به سوأته، أو يدفع به غوائل الحر والقر.


وإن خلت منه خزائن الدولة ضعف شأنها، واستهان بها أعداؤها، وطمع فيها من يليها ومن يبعد عنها، وعجزت عن الدفاع عن نفسها، وأصبحت لقمة سائغة لكل من يحاول ازدرادها. وحوادث الماضي تشهد بذلك وتثبته، وأحداث الحاضر تنطق به وتؤيده.


والإسلام هو الدين الخالد الذي أنـزله الله لينظم به شئون العالم إلى يوم القيامة؛ فلا تعجب إن رأيته يُعنى بالمال عناية بالغة: يحض على كسبه من كل وجه مشرع، وينظم تداوله بين الناس، وإنفاقه في الوجوه الصالحة، ويحرم إضاعته بغير نفع.


دعا الإسلام إلى العمل وكسب المال، حتى لا يكون المسلم عالة على غيره، وحتى يصون ماء وجهه أن يريقه بين أيدي الناس.


قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10].


قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].


وقال عليه الصلاة والسلام: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه"[1]، إلى غير ذلك من النصوص التي تحض على كسب المال، والترفع عن ذلة السؤال.


ولكن النفس إذا ذاقت لذة المال وكسبه فتنت به، وأغرمت بجمعه، وأحضرت الشح، وولعت بالحصول عليه بكل وسيلة ومن كل سبيل، وحرصت عليه فلم تنفقه في وجوهه، وضنت بحق الله فيه فلم تخرج منه حق السائل والمحروم، ولم تطعم يتيمًا ولا مسكينًا، ولم تصل به رحمًا، ولم تؤت ذا قربى، فأراد الله أن يحد من شره النفوس ويقف من اندفاعها وجماحها؛ فنبهها إلى ما في الشح من سوء المغبة على النفس وعلى الجماعة، وإلى أن المال بلاء يمتحن الله به عباده ليتبين المصلح من المفسد، والكريم من الضنين، ويمتاز الشاكر من الكنود، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].


وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15].


وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].


وقال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].


وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 8 - 10].


وقال تعالى: ﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [الليل: 11].


وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].


وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنـزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنـزتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنـزونَ ﴾ [التوبة: 34 - 35].


وقال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ [التوبة: 75 - 77].


والنصوص في هذا المعنى كثيرة، وكلها تهيب بالإنسان إلى أن يتحرر من أسر المال، وأن ينفقه في سبيل الخير ووجوه البر، ابتغاء مرضاة ربه.


وعلم الله أن من الناس من يأتيه المال عفوًا صفوًا لم يحرك لجمعه يدًا، ولم يتعب فيه بدنًا، فيكون هينًا عليه، فينفقه في شهوات الشيطان والنفس الأمارة ذات اليمين وذات الشمال من غير أن يتحرى به وجوه الحق والنفع والخير له أو لأمته، فأراد الله أن يعالج هذه الحال بالحكمة السامية والموعظة الحسنة، فنهى عن التبذير والإسراف، وأنذر بسوء المصير كل مبذر ومسرف.


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].


وقال تعالى: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26 - 27].


ووضع دستورًا حكيمًا يعلم الناس القصد في المال.


فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].


وضرب على أيدي السفهاء الذين ينفقون المال في غير وجهه؛ ويعيثون فيه فسادًا، ولا يحسنون تدبيره، وسلبهم حرية التصرف وأمر بالحجر عليهم إرعاء على أموالهم، واحتفاظًا بمصلحتهم.


قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5].


كما أمر الأوصياء بالحرص على أموال اليتامى وتثميرها، وحسن الرعاية لها حتى لا تذهب ضياعًا، فإذا تبين رشدهم، دفعت إليهم تامة موفورة، ونهاهم عن أن يظلموهم منها شيئًا.


قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].


وقال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].


وقد تضمنت هذه الآية الكريمة من الفقه المالي ما فيه بلاغ: دعت إلى امتحان اليتامى، إذا بلغوا سن الرشد، فإن تبين رشدهم وظهر بالاختيار حسن تصرفهم دفعت إليهم أموالهم، وإن تبين سفههم، وقلة خبرتهم بألوان التصرف، وفنون المعاملات لم تدفع إليهم، بل تظل في يد الوصي أو القيم، ينميها بالمعروف.


ونهت عن إتلاف أموال اليتامى بالإسراف فيها، والمبادرة إلى إضاعتها وأكلها واغتيالها قبل أن يبلغوا السن التي تمكنهم من المطالبة بها، ومحاسبة القائمين عليها.


كما أوصت الغني الذي بسط الله له في الرزق أن يتعفف عن هذه الأموال فلا ينال منها شيئًا، وأباحت للفقير الذي قدر عليه رزقه أن يأكل منها بالمعروف، بقدر ما يستحق من الأجر، جزاء عمله فيها ورعايته لها.


وأوصت بالإشهاد على اليتامى إذا دفعت إليهم أموالهم حين يستبين رشدهم، دفعًا لما عسى أن يقع من التغابن بين القصّر والأوصياء، وحسماُ للتنازع بينهما، وقضاء على كل ادعاء.


نهى الإسلام عن أن يخرج الإنسان من ماله كله، ولو في وجوه الخير والبر، فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كعب بن مالك لما أراد أن يخرج من ماله كله صدقة لله تعالى، حين تاب الله عليه.


فقال له "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك"[2].

وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني - وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها - فقال: "يرحم الله ابن عفراء" قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: "لا"، قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: فالثلث؟ قالفالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"[3].


فما أروعه من نظام، وما أعدله من تشريع.


جعل الإسلام في أموال الأغنياء نصيبًا مفروضًا للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون، إبقاء على كرامة المؤمنين أن تجرح بذل التكفف والسؤال، وتوثيقًا لأواصر الود بين الأغنياء والفقراء، حتى لا يحسدوهم على ما آتاهم الله من فضله، فيتعاونون على الإثم والعدوان عليهم، وانتزاع الأموال من أيديهم بغيًا وعدوًا، وسفك دماءهم عدوانًا وظلمًا.


ولا أظنك غافلًا عما أحدثت الاشتراكية الهدامة من الفساد في الأرض، والعدوان على الأبرياء، وانتهاك الحرمات، هذه الاشتراكية الجامحة التي برأ الله منها الإسلام والمسلمين، وجعل دونها سدًا منيعًا بما شرع من فريضة الزكاة المقدرة تقديرًا حكيمًا، هو أحكم ما يمكن أن يتصوره فكر إنسان عليم.


إن جزءًا من أربعين جزءًا من مال الغني الذي ظل في حراسة الله حولًا كاملًا لا يرزأ صاحبه شيئًا، إذا طابت به نفسه لأداء حق الله، وإعانة الفقراء والبائسين على أمر معاشهم، وقد ضمن الله تعالى إخلافه فضلًا منه ونعمه. ﴿ والله واسع عليم.


لقد أظل المسلمين عصر كان الغني يحمل زكاته على كفه ثم يطوف بها على الفقراء، فغني أولئك الفقراء بالمال، وغنيت نفوسهم بالفضيلة، فما كانت أيديهم ولا أعينهم لتمتد إلى ما لا يحل لهم أخذه، ولا يجمل بهم تناوله، تعففًا وقناعة.


ذلك يوم كثر المال في أيدي المسلمين بما أفاء الله عليهم من الفتوح، وما غنموا من الغنائم، وما تدفق في خزائنهم من مال الجزية، وما كسبوا من مزاولة الأعمال الشريفة مع ما صبغت قلوبهم به من الرحمة والإحساس وحب الآخرة.


وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول كما روى الإمام البخاري: "تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، ويقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، أما اليوم فلا حاجة لي بها"[4].

فهل رأت الدنيا عصرًا كهذا العصر الذي اغتنى فيه الناس بالمال والفضائل؟ يوم كان الناس مستمسكين بدينهم، حراصًا عليه، مستقيمين على سنته، فما أجمل الإسلام من دين، وما أعدل شريعته من شريعة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-09-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,499
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تنظيم المال



وكانت هذه الأموال التي لا تجد راغبًا فيها ترد إلى بيت المال لتنفق في مصالح المسلمين: تؤمن بها السبل، وتشق الأنهار، وتُعبّد بها الطرق، وتقام الجسور، ويعد بها ما يستطاع من قوة ومن رباط الخيل، لإرهاب عدو الله وعدو المؤمنين. وما كان الأئمة مفتاتين بإنفاقها في هذا السبيل سبيل الله؛ لأنها من مصارف الزكاة التي أمر الله أن تصرف فيها. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].


حرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، فكل احتيال على إحراز المال بوسيلة لا يجني منها الناس نفعًا، ولا يستدفعون ضرًا فهو محظور شرعًا.


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].


ولعلك توافقني على أن من الباطل ما تأتيه الجماعات المتسكعة التي لا عمل لها إلا إفساد العقول والأفهام والعقائد، وغزو القرى الوادعة المطمئنة، تسقط عليها سقوط الجراد، وتحل بها حلول البلاء، فتقام لها الولائم التي ينفق فيها كل مدخر، ثم لا تنصرف إلا بعد أن تتقاضى ما تفرضه على القرية من جزية البركة، وعادة الشيخ وما إلى ذلك من الضرائب التي تخرب الدور العامرة، وتأتي على الثروات الطائلة، وما أكثر البيوت التي احتلها شبح الفقر بسبب هؤلاء الأقطاب الذين تدور عليهم رحى الخراب.


ولعلك توافقني على أن من الباطل حلوان الكاهن، وما يتقاضاه الدجالون ثمنًا لما يكتبون من التعاويذ والتمائم والصحاف التي يزعمون أنها تشفي المرض، وتدفع الأوصاب، وتجلب الأرزاق، وتؤلف بين القلوب، والله يشهد إنهم لكاذبون؛ وأنها من أفسق الفسوق، وما يؤخذ من المال في مقابلها هو السحت الذي هو أخبث المكاسب.


حرم الإسلام الربا تحريمًا لا هوادة فيه لأنه يفضي بالمال إلى أن يتجمع في أيدي فئة قليلة من الناس، وتجعله دولة بين الأغنياء منهم خاصة، والله يريد أن يكون المال دولة بين الناس جميعًا بقدر حظهم من الجد والنشاط، وقسطهم من السعي والعمل لا أن يسعى فريق من الناس ويجد ويكدح ليجني ثمرة جده وكدحه قوم كسالى عاطلون.


قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة 275-280].


وبذلك قضى الإسلام على الربا قضاء مبرمًا حتى لا يسيطر الأغنياء على الفقراء ويسلبوهم حريتهم، ويستطيلوا عليهم بأموالهم، فينضب معين الإخاء الإنساني؛ ويتقلص ظل المساواة بين الناس.


وما الاشتراكية الهادمة لكل قواعد العدل والنظم، إلا وليدة الربا والاستبداد برؤوس الأموال، وامتصاص دم العامل الفقير حتى انفجر ذلك العامل وقضى على كل نظام وأساس.


وحرم الإسلام الميسر لما فيه من الغرر، وإضافة المال، أو كسبه بغير عمل مثمر ينفع الأمة والأفراد والوطن، ولما يجره من الضغائن والإحن والأحقاد، وسريان روح الشر والفساد، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90 -91]..


وضع الإسلام نظامًا للمعاملات المالية هو أدق وأحكم من كل نظام وجد على الأرض منذ مشى في مناكبها الإنسان، لو راعاه الناس لاستقامت أمورهم، وصلحت أحوالهم:
نظم البيع، والرهن؛ والعارية، والوديعة، والوكالة، والكفالة، وسائر العقود والمعاملات.


ووضع للمداينات نظامًا يكفل حفظ الحق، وراحة المتداينين، وينجيهم من شر النـزاع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282 - 283].


فهل رأيت أو سمعت بنظام أدق وأحكم من هذا النظام؟


إن الدين عند الله الإسلام
نظم انتقال الملكية بالميراث تنظيمًا هو أعدل ما عرفه البشر.


كان من العرب من لا يورث النساء، فجعل الله للنساء نصيبًا مفروضًا.


قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].


ومن الأمم من يجعل التركة كلها لأكبر الأبناء دون غيره؛ ومنهم من يوصي بها لمن يشاء من أهله أو من غيرهم؛ ومن الشرائع ما كان يسوي بين البنين والبنات، فجاء الإسلام بتشريع قضى على كل حيف و جنف، وقسم التركة قسمة هي المثل الأعلى للعدالة، قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [5] أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 11 - 12].


وقال تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].


هذه هي العدالة الحقة التي دفعت معتنقي الديانات الأخرى إلى أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية، ويتركوا نصوص شرائعهم؛ لما ملأ قلوبهم من اليقين بعدل الإسلام ودقة أحكامه.


لعل بعض من في قلوبهم مرض يعترضون على أن الإسلام لم يسو في الميراث بين الذكر والأنثى.


ولو أنهم اصطنعوا الأناة، واستنجدوا العقل؛ لتبين لهم الحق، وعلموا أن في التسوية بينهما ظلمًا مبينًا تبرأ منه العدالة.


إن المرأة التي أعطاها الإسلام نصف نصيب الرجل، أوجب على زوجها أن ينفق عليها من خالص ماله مهما تكن ثروتها فهي مكفية المؤنة ليست مطالبة بشيء من تكاليف الحياة إلا في الأحوال النادرة التي ترجع فيها إلى هذا النصف الذي منحها.


وهذا الرجل الذي أعطى ضعف حظ المرأة له زوج ينفق عليها من خالص ماله، ومهما يكن غناها فلن يرزأها منه شيئًا، وله أولاد يعولهم ويربيهم، فهو سند غيره، ومادة لحياة سواه. والمرأة خفيفة الظهر يكلف بنفقتها كل أولي قرباها الأقرب فالأقرب عند فقدان الزوج، وذلك هو العدل الذي لا عدل بعده.


وكانت الشرائع السابقة تقضي على كل من يريد أن يقرب قربانًا لله تعالى ليكفر به عن إثم اقترفه أن يجعله طعمة للنار.


جاء في سفر اللاوين من أسفار التوراة: "وثور الخطيئة وكبش الخطيئة اللذان أتي بدمهما للتكفير في القدس يخرجها إلى خارج الحلة، ويحرقون بالنار جلديهما ولحمهما وفرثهما".


أما الإسلام فقد نهى عن مثل هذا العمل الذي يعتبر في تشريعه إضاعة للمال، وأمر بأن تعطى هذه النسائك للفقراء والمساكين؛ وأن يطعم منها القانع والمعتر، وفي ذلك من التوسعة على البائسين، وصيانة المال من التلف ما يشهد بسمو هذا التشريع الذي ليس له مثيل.


وكانت الغنائم التي يغتنمها المجاهدون من أعدائهم في الحروب تقدم كذلك طعمة للنار، ولكن الإسلام أبقى على هذه الأموال وصانها من التلف وأحلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولخلفائه من بعده للمجاهدين في سبيل الله قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لي الغنائم"[6].

وقد نظم الله توزيعها تنظيمًا هو آية العدل المطلق فجعل أربعة أخماسها للمجاهدين: للفارس سهمان وللراجل سهم، والخمس لله ورسوله.


قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41].


وأما الفيء الذي لم يوجف عليه المجاهدون بخيل ولا ركاب فهو لله ورسوله يضعه حيث أمره الله.
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 6 - 8]


وبعد فأغلب يقيني أن ما سردته لك من الأدلة وما وقفتك عليه من النصوص قد أقنعك إقناعًا تامًا بأن التشريع الذي شرعه الإسلام لتنظيم المال وتداوله، هو أعدل وأحكم تشريع عرفه الناس منذ كان لهم مال يملكونه ويتبادلونه، ومنذ وضعت لهم شرائع تنظم معاملاتهم؛ وتضبط تصرفاتهم، فازددت اعتزازًا بدينك، وحبًا له، واستمساكًا به، وحرصًا على الجهاد في سبيله.


كما نسأله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا أسرار كتابنا وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي يقربنا إليه، وأن يرزقنا الحلال الطيب الذي يعيننا على طاعته إنه واسع عليم.


[1] البخاري (1968).

[2] البخاري (2606).

[3] البخاري (2591)، ومسلم (1628).

[4] البخاري (1345).

[5] أي لا والد له ولا ولد.

[6] البخاري (427)، ومسلم (521).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 102.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.24 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]