رمضان شهر التنزيل والترتيل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تقوى الله فوزٌ وسعادةٌ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تَعِسَ عَبْدُ المُوْضَة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف نغرس حب القرآن في نفوس أبنائنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أدب الطبيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المرأة وبرُّ الوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خمس نصائح ذهبية لورثة الأنبياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          بشائر لمن يريد العفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التحقق بمشاعر العبودية لله عز وجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-06-2019, 12:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,850
الدولة : Egypt
افتراضي رمضان شهر التنزيل والترتيل

رمضان شهر التنزيل والترتيل


محمد الأحمدي العلمي الإدريسي



﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 1 - 3]، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
وبعد:
قال تعالى:﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه...)، وروى الإمام أحمد والطبراني في المعجم الكبير (عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراة لِسِتٍّ مضَت من رمضان، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلَت من رمضان).


فمن خلال هذين النصين القرآني والحديثي، نعلم بأن الباري سبحانه وتعالى اصطفى هذا الشهر الفضيل بعديد من الخصائص والمميزات، ومن أبرزها: نزول القرآن الكريم فيه، ولو اكتف بهاته الخصيصة لكفته شرفًا وفخرًا، فشهر رمضان الكريم كما هو معلوم كاد أن يسمى بشهر القرآن، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
إذًا هذا الشهر الكريم اجتمع فيه ما تفرَّق في غيره من الشهور الأخرى؛ من إنزال للقرآن، وتعهُّد جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومعارضته إياه للقرآن في كل لليلة من رمضان، وهذا الحدث العظيم انعكس على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالخير والبركات، كيف لا تكون هاته الثمار من كتاب احتوى على خيري الدنيا والآخرة، ومتضمن لكل الرسالات التي جاءت قبل مجيء سيد الوجود صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28].
إن الله تبارك وتعالى هيَّأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي قبل مبعثه بسنوات عديدة، فمن حين لآخر كان يذهب لغار حراء يقضي وقته في عبادة ربه، والتفكُّر فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ولا منهج محدد يطمئن إليه ويرضاه، وكان أكثر ما يقيم فيه خلال شهر رمضان المبارك، يترك أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وينصرف عنها وينقطع بنفسه في هذا الغار للتفكر والتدبر والتأمل والالتجاء إلى الله جل وعلا، وكان اختياره لهذه العزلة من الأسباب التي هيَّأها الله تعالى له ليعدَّه لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين، وإذا كان هذا مع سيد الوجود، فمن باب أولى وأحرى المربي والداعية والمصلح أن يهيئ نفسه أولًا، ويصلحها حتى يكون مؤثرًا في غيره، فما بالك بتلقي كلام الله عز وجل، فلولا قدرة الله ورحمته علينا، لَما استطعنا أن نتحمله ونتلوه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].
وموجز ما قد تقرر في كتب السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ أربعين عامًا وكان يتعبد في غار حراء، فجأةً دخل عليه ورأى شيئًا غريبًا، مَن جاءه من ورائه، فغطَّه وضمَّه ضمة شديدة حتى كاد أن يموت عليه الصلاة والسلام، فقال له: اقرأ قال: ما أنا بقارئ، هذه الكلمات هنا أذِنَ الرب عز وجل أن تُرْحَمَ البشرية، أذِنَ الرب عز وجل بهذه الكلمة أن يتغير مجرى التاريخ، هنا بدأ الوحي ينزل، هنا بدأت الرحمات تتنزل، اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، وكان النبي خائفًا فزعًا من هذا الذي دخل عليه،ما هذا الذي يحصل ويقول له: اقرأ قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ قال: ما أنا بقارئ، فإذا بجبريل عليه السلام الروح الأمين يبدأ تلاوة أول آية من الوحي؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
لَمَّا سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام الرباني، فزع فزعًا شديدًا، إنه كلام غريب ليس بشعر، وليس بكلام بشر، إنه الكلام الرباني الذي أنزله بإذنه لأهل الأرض، هنا رحمة الله شعت كالنور لِتُغَيِّر تاريخ البشرية كلها، فالله أكبر يوم أذِن الرب عز وجل أن ينزل الوحي إلى البشر، الله أكبر يوم أذن الرب عز وجل أن تُنْقَذَ البشرية من الضلال، ومن وحل الشرك والفساد، وأن تُرحم البشرية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، الله أكبر يوم أمر الله جبريل أفضل وسيد الملائكة والروح الأمين، أن ينزل على سيد خلقه وأفضل خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد رآه النبي أيضًا وله ستمائة جناح، كل جناح غطى الأفق: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 - 195]، وقال جل في علاه: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، بنزول الوحي أضاء الكون وأشرق، فقد كانت البشرية عامة والجزيرة العربية خاصة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم - كانت في ضلالات الشرك والجهل، وشتى أنواع الفساد العقدي والفكري والأخلاقي والتربوي...، حتى إنه كانت تدور الحروب على أسباب واهية، وأصبحت البشرية حين ذاك على شفا حفرة من النار، تحتاج إلى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه، وهنا آن أوان البعثة المحمدية، وظهرت بشريات الصبح والنور، فبعث الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم لإخراج الناس من الشرك إلى التوحيد، ومن الظلمات إلى النور؛ قال الله تعالى: الر ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هاته الآية الكريمة: (لتهديهم به من ظلمات الضلالة والكفرِ إلى نور الإيمان وضيائه، وتُبصِّر به أهلَ الجهل والعمَى سُبُل الرَّشاد والهُدَى).
وفي هذا السياق نجد أن البعثة النبوية الشريفة تتلخص في هاته الآيات الكريمات؛ قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].
وقال جل في علاه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (يُذكِّر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم عليهم من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، يتلو عليهم آيات الله المبينات، ويزكِّيهم؛ أي: يُطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية).
وقال ابن سعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن: (ويُزكيكم؛ أي: يطهِّر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية).
من خلال هاته المقاصد النبوية الشريفة، والقيم النبيلة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - نعلم أن الحالة التي كان عليها مع القرآن أكمل الأحوال، وكانت عنايته به أبلغ العناية، وكان اهتمامه به أجمل الاهتمام، فقد كان صلى الله عليه وسلم كثير المدارسة للقرآن العظيم، فكان يتدارسه مع جبريل عليه السلام، فصحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان صلى الله عليه وسلم يتدارسه مع أصحابه، فصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرَأ عليَّ"، قلتُ: يا رسولَ الله! آقرأُ عليك وعليك أُنزل؟ قال: "نعم"، فقرأتُ سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: "حسبُك الآن"، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرِفان، وكيف لا تذرف عيناه ويبكي صلى الله عليه وسلم من أثر القرآن على نفسه؟ وقلبُه أَليَن القلوب وأرقها وأخشعها وأبرَّها وأزكاها، فقد صحَّ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فوالله إني أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده، وكان صلى الله عليه وسلم يتأدَّب بآدابه، ويتخلَّق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمَّه القرآن كان فيه سخطه، فصح عن سعد بن هشام أنه قال لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى، قالت: فإن خُلُق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن؛ رواه مسلم.
وهكذا كان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالقرآن، بحيث نجدهم عاشوا به ومعه علمًا وعملًا، كيف لا ومدرسة القرآن أطلقها محمد صلى الله عليه وسلم؟! فهم فهِموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه، لذلك كان شغلهم وهمُّهم القرآن، وكانت لهم حالات وأحوال مع القرآن الكريم، وبلغ تأثُّرهم به تأثرًا عجيبًا، كانوا يُحيون به ليلهم، ويزينون بتعلُّمه وتعلِيمه وتدارس أحكامه نهارهم، وتدمع وتبكي عند تلاوته عيونهم.
وفي هذا السياق نجد الإمام القرطبي أورد في كتابه الجامع لأحكام القرآن:(كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يعلموا ما فيهنَّ من العلم والعمل، كما نقل أبو عبدالرحمن السلمي عن عثمان وابن مسعود وأُبي كعب رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى، حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا).

ويقول أنس رضي الله عنه: (كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا)؛ يعني عظُم قدره إذا حفِظ هاتين السورتين، وهما نحو أربعة أجزاء إلا ربع، وقدره يعني مكانته؛ وذلك لأن في سورة البقرة أكثر الأحكام فيها ذكر الحج، وفيها ذكر الصيام، والنفقات، وذكر الطلاق، والرجعة، وذكر الرضاع، وذكر النفقات، وما أشبه ذلك، وكذلك آل عمران أيضًا فيها كثير من القصص، ومن الأحكام.

وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله).


ومن الصحابة أيضًا الذين اعتنوا بالقرآن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ عنه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». ولَمَّا سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ابن مسعود قال: (قرأ القرآن ثم وقف عنده وكفى به علمًا).


كيف لا يكون هذا حالهم رضي الله عنهم، وقد قال الباري في وصف القرآن، ووصف أهل خشيته معه: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]؟
هكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم مع القرآن، فقد تنبهوا إلى هذا، وفهموا أن المقصود من تلاوة القرآن ليس مجرد التلاوة وتحريك اللسان به دون فَهْم لمعانيه وأسراره، قال الحسن البصري رحمه الله: (أُنزِل القرآنُ لِيُعمَل به، فاتخذوا تلاوته عملًا).
إن الله ما أمر ولا نهى إلا ليمتثل الأمر بالفعل والنهي بالترك، وجميع الأوامر والنواهي في القرآن جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها.
قال الشعبي رحمه الله: (إذا قرأتم القرآن فاقرؤوه قراءة تسمعه آذانكم، وتفهمه قلوبكم، فإن الأذنين عدل بين اللسان والقلب، فإذا مررتم بذكر الله فاذكروا الله، وإذا مررتم بذكر النار فاستعيذوا بالله منها، وإذا مررتم بذكر الجنة فاسألوها الله).
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بتسبيح سبَّح، وإذا مر برحمة سألها، وإذا مر بعذاب استعاذ بالله منه.
وفي هذا السياق يمكن حصر بعض من الشروط والمعايير التي لا بد منها لجودة التلاوة والتدبر في كتاب الله تعالى، فينتفع القارئ بقراءته، ويرتقي بها في الدرجات العلا، وهي:
1- أول شرط من شروط الانتفاع بكتاب الله تعالى تلاوة وتدارسًا وتدبرًا، هو تعلم مبادئ اللغة العربية ومعرفة معاني كلماتها ودلالات ألفاظها، فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، بل هي مفتاح الوحي بشقيه، وهذا الأخير مطلوب في المستوى المتوسط لكل مسلم.
2- الاستعانة بكتب التفسير، ولا سيما المختصرة منها، وكلما انفتح القارئ لكتاب الله تعالى على تفسيره، انفتحت له فضاءات أوسع وأرحب لفهم كتاب الله العزيز.
3- الالتزام بأهم قواعد وأحكام التلاوة؛ لأن العبرة بالكيف والإتقان وليست بالكمِّ.
4- على المسلم أن يخلص قصده ونيته لله تعالى بالقراءة.
5- إن القارئ لكتاب الله تعالى وهو يقرأ القرآن، عليه أن يعمل في ذهنه وتصوراته أن القرآن الكريم كلام الله تعالى المعجز، وأن يستشعر ذلك أثناء تلاوته، ويخشع له ويتأثَّر به، فيتأنَّى بتلاوته ويتدبَّر آياته، ويعلم أنه مُخاطب به، فيتلقى ما فيه من أوامر ونواهٍ ومواعظ وعِبر على أنها موجَّهة له، وهو المقصود والمخاطب به.
6- كما يتذكر القارئ للقرآن الكريم أنه لا تنقضي عجائبه، فينبغي إعمال فكرِه وتقليب نظره في الآيات الكريمة، بهدف الوصول إلى فهم القرآن الكريم، وفهْم معانيه ومقاصده.
7- كما ينبغي لقارئ القرآن الكريم تكرار تلاوة الآيات الكريمة وترديدها؛ لأن التكرار يعين على استقرار المعاني في النفوس وتثبيتها في القلب والعقل.
8- التفاعل مع الآيات التي يتلوها المسلم بالاستغفار والتسبيح والاستعاذة، وقد وصف حذيفة بن اليمان رضي الله عنه تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، فقال: (يقرأ مُترسلًا، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذَ).
9- كما ينبغي لقارئ القرآن تحيُّن أوقات الانشراح النفسي، والإقبال الوجداني على الذكر، ومظان اليقظة الإيمانية.
10- على القارئ للقرآن أن يقرأه بمنهج التخلق، وهذا يعني العمل بالقرآن وتطبيقه على أرض الواقع، وفي شؤون الحياة كلها، بدءًا بتطبيقه على النفس وفي كل حركاتها وسكناتها، وانتهاءً بتطبيقه في المجتمع والأمة بأكملها.
11- كما يتطلب من القارئ للقرآن أن يقرأه بمنهج التحقق فهمًا وإدراكًا وعلمًا؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
وختامًا، فإن القرآن الكريم هو حبل الله المَتِين، والصراط المستقيم، والنور الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، من تمسَّك فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن تعبَّد به تلاوةً وتدارسًا وتدبرًا، فقد فاز في الدارين، وصدق القائل إذ يقول:
نعم السمير كتابُ الله إن له
حلاوةً هي أحلى من جنى الضرب

به فنون المعاني قد جمعنَ فما

تفتر من عجب إلا إلى عجب

أمر ونهي وأمثال وموعظة
وحكمة أودعت في أفصح الكتب

لطائف يجتليها كل ذي بصر
وروضة يجتنيها كل ذي أدب

فاللهم اجعَل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا وعلِّمنا منه ما جهِلنا، وارزُقنا اللهم تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا آناء الليل وأطراف النهار، سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.97 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]