|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
( وقد خلقكم أطوارا )
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: ( وقد خلقكم أطوارا )
كانت شركة «نوكيا» الشهيرة أكبر منتج للهواتف النقالة حتى عام 2007م، وكانت نسبة مبيعاتها تزيد على 40% عالمياً، لكنها لم تنتبه - وهي في نشوة النجاح - أنَّ العالم يتغير، وأن التقنية تتطور بشكل متسارع، ولم تفق من سكرتها إلا وعملاق البرمجيات «آبل» قد وقف معها في ميدان المنافسة. شركة أبل دخلت الميدان بمنتج جديد يتلاءم مع تغير العالم الطبيعي، فطغت على سوق الهواتف المحمولة، وتقلصت حصة نوكيا السوقية، وأصبحت تخسر يومياً في إحدى مراحل انهيارها 23 مليون دولار، واضطرت إلى التخلص من ربع الموظفين أو أكثر، وبدأت القيادات والطاقات في هذه الشركة رحلة التسرب، وانتهى بها المطاف إلى أن ألقت بنفسها في أحضان شركة أخرى (مايكروسوفت). لقد تهاوت شركة نوكيا وسقطت سقوطاً شنيعاً. أما شركة «سامسونج» فقد تنبهت لهذا الأمر، وأدركت أن عليها التغيير وإلا فإنها ستموت، فدخلت ميدان المنافسة وأحدثت خط إنتاج جديد منافس، وحافظت على حياتها وحيويتها. هذا مثال واحد على العديد من الأمثلة الحقيقية في السقوط الكبير لشركات الإنتاج وصعود أخريات يستحق الدراسة والتأمل، وهو لا يخرج عن إطار مسألة الأطوار. ولقد كان بإمكان هذه الشركات - التي تتآكل بسبب تقادمها - أن تُبقي على حياتها وحيويتها بإحدى طريقتين: الأولى: تغيير جوهر نشاطها، الثانية: إحداث خطوط إنتاج جديدة تحوز على نصيبٍ كبير من اهتمام الشركة وطاقاتها ومواردها. إنَّ مشاريع الدعوة ليست بمنأى عن هذه السنة الربانية، ولا بمستثناة من هذا الناموس الكوني، وإنَّ على الدعاة أنْ يعتبروا ويتعظوا، وإن على قيادات المشاريع الدعوية أنْ ينتبهوا لمشاريعهم قبل أن يغمرها طوفان العالم الجديد، وقبل أن ينهكها عمالقة التغيير القادمون. ليس من الحكمة أنْ نتعامل مع الجيل الجديد من الأشخاص والأشياء والتقنيات والأفكار بنفس طريقة التعامل التي كنا ننتهجها في الجيل السابق. لقد لاحظنا اختلاف التشريع في مكة عنه في المدينة، ولاحظنا اختلاف الأسلوب القرآني كذلك في كليهما. ذلك لا يؤثر على حقيقة وجوهر ما ندعو الناس إليه، بل هو الترجمة الحقيقية للمقولة الخالدة عن هذا الدين: «الإسلام صالح لكل زمان ومكان». ولقد نجحت المشاريع الدعوية المبتكرة في الحقبة السابقة، وآتت ثمارها، ولا تزال المجتمعات تقطف من هذه الثمار، ولله الحمد، لكن اجترار التجارب السابقة واستنساخها في هذه الحقبة لن يؤدي إلى نفس النتائج السابقة من النجاح، لأن المعطيات اختلفت بسبب التغيير الذي نعيشه اليوم في مجالات حياتنا المختلفة. لقد علمنا القرآن الكريم أن تعاقب الأحوال وتتالي المراحل لا يقتصر على الذوات، بل يشمل الأوصاف المتلبسة بالذوات، فقال الله تعالى: {اللَّهُالَّذِيخَلَقَكُممِّنضَعْفٍثُمَّ جَعَلَمِنْبَعْدِضَعْفٍقُوَّةًثُمَّجَعَلَمِنْبَعْدِ قُوَّةٍضَعْفًا وَشَيْبَةًيَخْلُقُمَايَشَاءُوَهُوَ الْعَلِيمُالْقَدِيرُ} [الروم: 54]، وهكذا تبدأ المشاريع الدعوية، تنمو للتخلص من الضعف، ثم تتوهج قوة وحيوية، فيغزر الإنتاج، وتُقطف الثمار، ثم تشيخ وتشيب حاملة معها عنصر الضعف.. فالمسألة ليست {شَيْبَةً} فقط! إنها تتضمن {ضَعْفًا} كذلك. تلك المؤسسات الدعوية الناجحة أتى على بعضها حال الشيب والشيخوخة، وبعضها في طريقها إلى هذه الحال، والمأمول من أهل الدعوة المحافظة على حياتها إما بإنتاج مشاريع جديدة توائم العصر وتناسب الجيل وتقدم الإسلام في صورة شابة أخاذة، دون المساس بالثوابت ودون تمييع المحكمات، تحوز هذه المشاريع الجديدة على اهتمام المؤسسات وتستقطب الطاقات والموارد، وإما بتغيير جوهر نشاطها، أما الخيار الثالث وهو أثقلها على النفوس فهو الإغلاق، وهذا الخيار ربما ينتج عن ضعف وعجز فيكون خياراً سلبياً، وربما ينتج عن دراسة ونقاش فيكون خياراً إيجابياً. المشاريع والمؤسسات الدعوية ما هي إلا أساليب وطرائق عمل لا تحتمل القداسة، ويجب أن يثبت في الأذهان إمكانية التحولات والأطوار عليها. والشيء الوحيد الذي يجب بقاؤه كما هو نقياً مصفى دون تغيير أو تعديل هو المنهج، والمنهج وحده. ربما يكون أحد الأسباب التي تدفع نحو التشبث بالطرائق القديمة هو الحنين إلى الماضي والميل إلى دفتر الذكريات، وهذا ليس سبباً مقنعاً وليس لغة منطقية، فإن المنافسة شديدة والصراع قائم بين مشاريع الفسطاطَين. أطوارالداعية: كما أنَّ حياة الإنسان تمر بثلاث مراحل مجملة في قوله تعالى: {اللَّهُالَّذِيخَلَقَكُممِّنضَعْفٍثُمَّ جَعَلَمِنْبَعْدِضَعْفٍقُوَّةًثُمَّجَعَلَمِنْبَعْدِ قُوَّةٍضَعْفًا وَشَيْبَةًيَخْلُقُمَايَشَاءُوَهُوَ الْعَلِيمُالْقَدِيرُ} [الروم: 54]، فكذلك مسيرته الدعوية تمر بهذه المراحل: الضعف، ثم القوة، ثم الضعف والشيبة. وفي حين تأتي عليه المرحلة الثالثة، إما لكبر سنه، أو الاستهلاك التام لطاقته، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فإن عليه أن يحافظ على وهجه ولمعانه بطريقة واحدة، هي التغيير - أعني تغيير نشاطه واتجاهاته العملية - وهذا لا يعتبر انتكاسة ولا نكوصاً، وإنما هو استجابة للتحول الحقيقي الذي طرأ عليه في ذاته. ولقد استوقفني جواب ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه حين سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قوله تعالى: {إذَاجَاءَنَصْرُاللَّهِوَالْفَتْحُ 1 وَرَأَيْتَالنَّاسَيَدْخُلُونَفِيدِينِ اللَّهِأَفْوَاجًا 2 فَسَبِّحْبِحَمْدِرَبِّكَوَاسْتَغْفِرْهُإنَّهُكَانَ تَوَّابًا} [النصر: ظ، - ظ£]، فقال: «هو أجل رسول الله أعلمه له، قال: {إذَاجَاءَنَصْرُاللَّهِوَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْبِحَمْدِرَبِّكَوَاسْتَغْفِرْهُإنَّهُكَانَ تَوَّابًا}». فقال عمر: «لا أعلم منها إلا ما تقول»[7]. وعند الدارمي قال ابن عباس: «لما نزلت {إذَاجَاءَنَصْرُاللَّهِوَالْفَتْحُ} دعا رسول الله فاطمة، فقال: (قد نُعيتْ إليَّ نفسي...)» الحديث[8]. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبر الله تعالى عن وظيفته الدعوية، فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّـمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْـحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آلعمران: 164]، فلما جاء نصر الله والفتح أمره الله بنوعٍ جديد من الوظائف، وهو التسبيح والاستغفار، قال ابن كثير رحمه الله: «واعلم أنك إذا فتحت مكة - وهي القرية التي أخرجتك - ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيَّأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى»[9]. قال عكرمة رحمه الله: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط أشدُّ اجتهاداً في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها»[10]. فهذه مرحلة جديدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وطور من أطوار حياته؛ له وظائفه الخاصة به، وإذا كان هذا الأمر يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ ورثته من أهل العلم والدعوة أشد حاجة إلى هذا الخطاب. ولذا فقد كان أهل الحديث من الحفاظ والأئمة يمتنعون عن التحديث في آخر حياتهم خشية الاختلاط، ومن لم يمتنع فإنَّ حديثه يقع تحت أضواء الفحص والنقد، والذهبي يحمِّل المحدِّث مسؤولية ذلك، فيقول: «وليبذل نفسه للطلبة الأخيار، لاسيما إذا تفرد، وليمتنع مع الهرمِ وتغيرِ الذهن، وليعهد إلى أهله وإخوانه حال صحته: أنكم متى رأيتموني تغيرت فامنعوني من الرواية»[11]. فإذا كان حُفاظ الإسلام ودواوين السنة الأئمة الأثبات يجري عليهم الضعف في جوهر ما عُرفوا به من الحفظ والضبط والتصحيح، فكيف بمن هم دونهم في الفضل والقوة العلمية والقدرة العقلية! التجديدحياة: مشاريعنا ومؤسساتنا الدعوية بحاجة إلى التجديد، لضمان استمرارية الحياة فيها، ولا سبيل إلى ذلك إلا عبر جسرٍ من التفكير. وفي هذه الحالة فإننا بحاجة إلى نوعين من أنواع التفكير: التفكير الإستراتيجي الاستشرافي، الذي يجعلك قادراً على التنبؤ بما في المستقبل من فرص وتحديات، ويضع لك الخيارات والبدائل المناسبة للتعامل معها بشكل دقيق وواقعي. والنوع الثاني هو التفكير الإبداعي الذي يخلصك من قيود التبعية للوسائل والأساليب والطرائق، ويجعلك لا ترتبط بشيء سوى الفكرة والمنهج، ويتيح لك الانطلاق في فضاء المشاريع الرحب. في أطوار الدعوة نحن أحوج ما نكون إلى تخصيص جزء من جهودنا في تقييم الواقع الدعوي للمؤسسات، فإنَّ التقييم يفيدنا كثيراً فيما إذا كنا على مشارف مرحلة جديدة، أو ختام مرحلة قديمة، ثم نحن أحوج ما نكون بعدها إلى تخصيص جزء من جهودنا في التفكير الإستراتيجي والإبداعي لننشئ مرحلة جديدة ومشروعاً جديداً، يواكب العصر ويضمن الحياة ويحافظ على التوهج واللمعان. والتفكير - في واقع الأمر - عملية شاقة، لها أصولها وأدبياتها، وليست بالشيء المحبوب لدى كثير من الأشخاص العمليين والتنفيذيين، وأحياناً يقع منهم موقع الذم، لما اعتادوا عليه من تنفيذ المهام، ولما يقع عليهم من مسؤولية إدارة سير الأعمال، ولما تتحلى به أنماط شخصياتهم من ميل نحو الإنجاز يفوق بكثير الميل نحو التفكير. ولذلك تنفر منه هذه الشرائح الدعوية. هذا أمرٌ مفهوم بالنسبة لهؤلاء الأفذاذ الذين شقوا طريق النجاح للمؤسسات، لكن في المقابل يجب ألا تخلو مؤسسات الدعوة من جهد عقلي يقيم الواقع ويستشرف المستقبل ويبتكر الجديد ويصنع الأرقام الصعبة؛ كما يجب أنْ تجعل من التفكير مهمة من المهام الرئيسية للمؤسسة، وإلا.. فإنَّ السقوط بالمرصاد. من أكبر معوقات ممارسة التفكير الإستراتيجي والتفكير الإبداعي داخل المؤسسات الدعوية: الإلف والعادة، وحب القديم والحنين إلى الماضي. والقرآن الكريم ألمح إلى خطورة الإلف والعادة، وذلك حين يتحولان إلى مبادئ يدافع عنها أصحابها، فقال تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لايَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلايَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وقال عز وجل: {وَإذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَاوَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لايَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلايَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]، والانعتاق من أسر الإلف والعادة حين يكونان عائقاً أمام الارتقاء والنهوض مطلب شرعي. وأعتقد أنّ من واجبات المؤسسات الدعوية اليوم - على اختلاف تخصصاتها - تخريج نخبة قادرة على استشراف المستقبل وابتكار الأفكار الإبداعية، فإن هذه النخبة ستكون في المؤسسات بمثابة نخاع العظام في الإنسان، حيث يقوم بإتلاف خلايا الدم الهرمة، وينتج خلايا دم جديدة، فتستمر الدورة الدموية في حيويتها ونشاطها. وهكذا المؤسسات الدعوية بحاجة إلى التجديد الدائم، لا لأجل التجديد ذاته، وإنما للإبقاء على حياة المؤسسة وحيويتها. [1] تفسير الطبري 23/297. [2] تفسير البغوي 4/476. [3] تفسير ابن كثير 6/575. [4] تفسير ابن كثير 6/578. [5] المسند 30/355 ، ح(18406). [6] سنن أبي داود 4/109 كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة ح(4291). [7] البخاري 3/151 كتاب المغازي ح(4294). [8] سنن الدارمي 1/40 المقدمة، بابٌ في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ح(79). [9] تفسير ابن كثير 8/512. [10] تفسير القرطبي 20/158. [11] الموقظة في علم مصطلح الحديث ص66.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |