وثن الملاحدة في القديم والحديث - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191073 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2651 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 933 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92801 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-01-2021, 05:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي وثن الملاحدة في القديم والحديث

وثن الملاحدة في القديم والحديث
ياسر بن عبده بن إبراهيم حليس


المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
من المسائل المهمة مسألة قديمة حديثة وهي القول بالصدفة في أسباب نشأة الكون، وأن هذا الكون قد نشأ بمحض الصدفة، وأن وجوده ليس وجوداً مقصوداً ولا مفتقراً إلى خالقٍ أوجده، ومعلوم بداهةً بطلان هذا القول، وسأبين من خلال هذا المختصر نشأة هذا القول ونقده نقدا مختصراً يبين بطلان هذا القول الفاسد، وقد سميته وثن الملحدين في القديم والحديث) فالقول بالصدفة وأن الطبيعة فاعلة أشبه ما يكون بوثنٍ تعلق به من تعلق من الملاحدة قديماً وحديثاً.

وقد جعلت هذا المختصر على عدة مطالب وهي كالتالي:
مدخل: الإلحاد القديم وعلاقته بالإلحاد المعاصر.
المطلب الأول: تاريخية القول بالصدفة.
المطلب الثاني: مناقشة القول بالصدفة.
كتبه: ياسر بن عبده إبراهيم حليس
المملكة العربية السعودية - تبوك
♦♦ ♦♦ ♦♦

مدخل:
الإلحاد القديم وعلاقته بالإلحاد المعاصر:
كان الإلحاد بمفهومه المعاصر في القديم يطلق على فئتين تقريباً، فئة جاء ذكرها في القرآن وهم الدهرية الذين كانوا يقولون ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24] فجعلوا الدهر هو المتصرف فيهم بالإحياء والإماتة، وأنكروا وجود الله سبحانه وتعالى يقول ابن كثير رحمه الله: ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة، ويقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا (وما يهلكنا إلا الدهر) وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24] أي: يتوهمون ويتخيلون، ويقول التهانوي عنهم: (فرقة من الكفار ذهبوا الى قدم الدهر واستناد الحوادث الى الدهر... وذهبوا الى ترك العبادات رأسا لأنها لا تفيد، وإنّما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو الواقع فيه. فما ثمّ إلّا أرحام تدفع وأرض تبلع وسماء تقلع وسحاب تقشع وهواء تقمع، ويسمّون بالملاحدة أيضا)[1] ولا شك أن قولهم هذا إنكار صريح لوجود الله، وزعمٌ منهم أن المتصرف فيهم هو الزمان وتقلب الليل والنهار.

وأما الفئة الثانية فهم الطبائعيون هم الذين نسبوا المخلوقات إلى الطبيعة، وقالوا إن الطبيعة هي التي توجد وتخلق يقول ابن الجوزي: (لما رأى إبليس قلة موافقته على جحد الصانع لكون العقول شاهدة بأنه لا بد للمصنوع من صانع حسن لأقوام أن هذه المخلوقات فعل الطبيعة، وقال: ما من شيء يخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع فيه فدل على أنها الفاعلة)[2] وقد تصدى لبعض شبههم في كتابه "تلبيس إبليس" وذكر شيئاً مما عندهم، وقد ذكر القحطاني الأندلسي في نونيته الشهيرة هؤلاء الفلاسفة الطبائعيين ورد عليهم قبل ألف عامٍ تقريباً في نونيته الشهيرة فأحسن فيها وأجاد رحمه الله رحمةً واسعة، وستأتي معنا لاحقاً.

يقول التهانوي - رحمه الله - عنهم: (فرقة يعبدون الطبائع الأربع أي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة لأنّها أصل الوجود، إذ العالم مركّب منها وتسمّى هذه الفرقة بالطبائعية)[3].

ويسمى هذا المذهب في الفلسفة العامة بالمذهب الطبيعي أي أنهم ينسبون كل شيء إلى الطبيعة، وأن الطبيعة هي الوجود كله، وأن لا وجود إلا للطبيعة، ومعنى ذلك أنهم يردون جميع الظواهر في الوجود إلى الطبيعة، وهم بهذا ينكرون الخالق الصانع المدبر[4]، فهم في حقيقة الأمر قد قاربوا الدهريين في نسبة الأشياء والوقائع والحوادث في الكون لغير الله عز وجل.

وهذه النسبة إلى الطبيعة في التصرف فكما أنها قديمة، فهي أيضاً حديثة ومطروحة في زماننا هذا وبقوة، وكثيراً ما تنسب بعض الكوارث التي تنزل بالناس من براكين وأعاصير وزلازل إلى الطبيعة؛ فتُعامل على أنها فاعلة وهي في الحقيقة مفعوله، فيقال: الطبيعة غضبت، الطبيعة فعلت وهكذا، وهذا لاشك أنه إلحاد وفيه نسبة الحوادث إلى غير الله عز وجل وهو نتيجة للمذهب الطبيعي الإلحادي الذي ينسب المتغيرات في الكون إلى الطبيعة والمادة والكون نفسه، ولست أقصد هنا من يجريها على لسانه دون فقه ونظر في معناها من أبناء المسلمين، وهذا لا شك بأنه خطأ ومن شرك الألفاظ، ولكن ليس بالضرورة أن قائله ينكر وجود الله.

وأما الإلحاد في العصور المتقدمة لم يكن حالة منتشرة سائدة بين الناس، ولكنه في العصور المتأخرة فهو من الكثرة بمكان، لا سيما في أوروبا التي جابهت طغيان الكنيسة، وكان مما افترضته (الكنيسة على أتباعها أن يؤمنوا بأن الأرض ليست كروية وأنها مركز الكون، والغريب أنهم جعلوا هذه الآراء عقيدة ودينا لأتباعهم، ولما جرب العلماء هذه الآراء وأخضعوها للبحث العلمي وجدوها خرافة لا أساس لها من الصحة، وجهلا لا حظ لها من العلم، فأعلن العلماء رفضهم لها وللكنيسة معا)[5] وبعد الانقلاب على الكنيسة باسم العلم قبل ثلاثة قرون تقريباً، تبنت اليهودية العالمية هذا الفكر الإلحادي لتقضي به على جميع الأديان؛ وتسيطر عليها، وقد كانوا يشجعون أيّ فكر أو حركة ضد الدين وأهله -أي دين كان- وينشرون الشعارات البراقة مثل: إقامة الحياة السعيدة، أو العيش السعيد للبشر في ظل أنظمتهم المزعومة، وتحقير أمرهم في أعين العامة، وخصوصًا علماء الدين؛ حيث ألصقوا بهم شتَّى التُّهم لتنفير الناس عنهم وعن مبادئهم، ثم تشجيع النظريات المعادية للدين أو لرجال الدين، أو الجانحة إلى التفلُّت من عقيدة الإيمان بالله تعالى، وإطلاق الألقاب الفخمة على كل شخص، أو فكر يظهر منه ذلك مهما كانت حقارة القائل أو الفكر[6].

فما لبثت هذه الأفكار حتى نشأت مذاهب فلسفية مادية هدامة تقول بإنكار وجود الله عز وجل فمكنت اليهود مما كانوا يصبون إليه من إبعاد الناس عن معتقداتهم، فخرجت مذاهب فكرية كالعلمانية والشيوعية والوجودية، فأما العلمانية فأحجمت عن الدين وجعلته فقط في الكنيسة دون شؤون الحياة الأخرى، ولم تخل من الإلحاد بل هي الممهدة له[7]، بل من رحمها خرجت الشيوعية والوجودية التي من أبرز سماتها إنكار وجود الله عز وجل.

وانتشرت كذلك الكثير من النظريات العلمية الإلحادية[8] التي لها دور في نشر الإلحاد حتى بين آحاد الناس، كنظرية دارون التي وظفها أهل الإلحاد لصالحهم، والقول بالصدفة أي: أن هذا الكون نشأ صدفة، أو القول بالانفجار العظيم أي: أن هذا الكون نتج عن ذرات اجتمعت فأحدثت انفجاراً عظيماً نشأ منه هذا الكون، وغير ذلك من النظريات الكونية التي تتكلم عن حدوث الكون، وأغلب هذه النظريات التي تتحدث عن الكون وكيفية نشوئه في معزل عن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى.

ومعلومٌ أن التفكر في المخلوقات سببٌ لمعرفة الله عز وجل وأنه الخالق المدبر لهذا الكون، وهذا مقتضى الفطرة الربانية التي أودعها الله عز وجل قلوب الناس، فإذا انحرف الناس عن مقتضى هذه الفطرة، وهي معرفة الله عز وجل وأنه الرب الخالق المدبر، فضلاً عن إنكار وجوده!! كان هذا سبب عظيم لتعطيل التفكر في المخلوقات ونسبتها إلى غير خالقها، فيصبح من هذا حاله جلُّ تفكيره في هذا العالم المادي مع إنكاره للغيبيات، ومعلوم أن هذا الاعتقاد مصادم للفطرة التي خلق الله عز وجل الناس عليها، وأيضاً فيه مكابرة لإنكارِ أمرٍ معلوم بالضرورة، فينشغل بالمصنوع عن الصانع، وبالمخلوق عن الخالق، فيأتي بالأضحوكات من المقالات الغير معقولة، والنظريات والفرضيات التي تخالف أموراً بديهية فطرية، فيكون حظه من هذا النظر ما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ [الروم: 7، 8] وأما عن حواسهم التي زعموا أنهم لم يروا بها الخالق عز وجلفأنكروا وجوده لأنه غير محسوس بزعمهم يقول الله عز وجل ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

يقول الشيخ بن عثيمين: (ومن الطرق التي توصل إلى معرفة الله عز وجل الأمور العقلية، فإن العقل يهتدي إلى معرفة الله إذا كان القلب سليما من الشبهات، فينظر إلى ما في الناس من نعمة فيستدل به على وجود المنعم، وعلى رحمة المنعم، لأنه لولا وجود المنعم ما وجدت النعم، ولولا رحمته ما وجدت النعم)[9] فهذا أمرٌ بدهي، ولكن إذا كان القلب قد سيطرت عليه الشبهات والأهواء لا يتحرج من إنكار أظهر البديهيات وهو وجود الله عز وجل، فلا ينفع حينها نظرٌ ولا تفكر ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40] وسيأتي مزيد من بيان هذا قريباً.

المطلب الأول: تاريخية القول بالصدفة:
في نظري أن جلَّ النظريات والمقالات الإلحادية المعاصرة هي امتدادٌ لما عليه بعض فلاسفة اليونان القدماء[10]، فمن مقالاتهم أن العالم لا يمكن أن يكون خلق من العدم المحض، وأن المادة الأولى التي خلق منها الكون هو الماء لإمكان تشكله، ثم جاء من يقول إن المادة التي تكَّون منها الكون هو الهواء؛ ثم جاء من يقول أن أصل الخلق مادةٌ لا شكل لها ولا نهاية ولا حدود، ثم جاء من يقول - الفيلسوف اكزنوفنس - إن خالق هذا الكون هو غير ما ذهب إليه الأقدمون، بل ذهب إلى أنه إله ليس مثل تركيب البشر، ولا يفكر كتفكيرنا، بل هو إله كله سمع، وكله بصر، وهو بكلامه هذا اقترب من إثبات وجود خالق حقيقي للكون، ثم تعددت الآراء بعد ذلك في المادة التي خلق منها الكون إلى أن جاء من يقول إن الكون مكون من ذرات أربع عناصر لا تخرج عنها وهي (التراب والماء والنار والهواء) وأن القوة التي تحرك هذه الذرات هي قوة الحب والنفور!! أقول: (وما هو الشيء الذي أحدث فيها الحب والنفور؟!) ثم جاء (ديموقريطس) الذي ينسب إليه المذهب الذري، وقال: إن الكون مكون من ذرات متشابهة متجانسة أزلية قديمة لا بد لها من فراغ وحركة، وأما سبب حركة هذه الذرات فيقول أنها: (ضرورة عمياء) أقول: كأنه يعني أنها جاءت بالمصادفة، أي أن هذه الذرات أثناء حركتها في هذا الفراغ عشوائياً نشأ هذا الكون بما فيه من مخلوقات فنسب نشوء هذه الذرات وحركتها إلى المصادفة (الضرورة العمياء) أي من قبل نفسها، وقال بأن المادة أزلية، وهذا لا شك أنه إلحاد!، ولكن هذه الإجابة لم تعجب من أتى بعده من الفلاسفة!!، فقال بعضهم: كيف لضرورة عمياء أن تنشأ هذا الكون العظيم المكون من جماد وحيوان ونبات وبهذا الاتقان وبهذا الجمال، فالضرورة العمياء لا تخلق إلا الفوضى، وهذا الكون لم يصدر إلا عن رشيد حكيم بصير[11] وهناك أقوال أخرى مختلطة عند هؤلاء الفلاسفة في تفسير حدوث الكون، وأصبح من هؤلاء الفلاسفة من يدعى بالفلاسفة الإلهيين، وهم الذين يثبتون أن لهذا الكون قوة فاعلة.

والمتأمل لهذه الأقوال يجد أن الأقوال المعاصرة والقديمة متقاربة، وسبب ذلك أنها تخرصات فكرية مكونة من مقدمات ونتائج قد يكون خطأها أكثر من صوابها لابتعادها عن الوحي، واعتمادها على المنطق اليوناني خصوصاً فيما يتعلق بالإلهيات وعلى فرضيات ذهنية ليس لها أساس في الواقع، فقول ديموقريطس المتقدم من أن نشوء الكون والمخلوقات ضرورة عمياء هو قول قريب ممن يقول بأن الكون نشأ صدفة عن طريق التقاء الذرات، أو أن الطبيعة هي الفاعلة، وبما أن الطبيعة فاعلة فهي إذن عمياء غير عاقلة ولا تعي ما تصنع[12].

ثم جاء من الفلاسفة المحدثين المتأخرين (ديفيد هيوم) من يقول: (إننا لا نعلم عن العلة شيئاً إلا أنها الحادثة السابقة التي نشاهدها قبل حدوث معلولها، وإذن فلا بد من مشاهدة الحادثتين معاً السابقة واللاحقة على السواء، إننا نستدل من وجود الساعة على وجود صانعها، لأننا رأينا الساعة والصانع كليهما، وإذن فوجود الكون لا يقوم دليلاً على وجود صانعه، إلا إذا رأينا الصانع والمصنوع جميعاً)[13] وهذا إنكار صريح منه للخالق عز وجل وحجته المنطقية في ذلك أنه رأى المصنوع وهو الكون، ولم ير الصانع فهذا يقتضي بزعمه عدم وجوده.

وأيضاً المذهب الوضعي الذي جاء به (أوجست كونت) والذي مفاده أن كل معرفة لا تدرك بالحس أو لا تأتي عن طريق الحس فهي غير يقينية، ولو كانت من الحقائق المطلقة كالدين أو ما وراء الطبيعة[14] فهذا المذهب الوضعي كان له أثر كبير في موجة الإلحاد التي اجتاحت أوروبا ووصل إلى بعض الشباب المسلمين.

ومنهم من يقول بأن الله قد مات أو في طريقه إلى الموت! وملحدٌ آخر يقول بأن الله يحتضر في الشعوب المتخلفة! وعلة ذلك النظرة العلمية المادية السائدة في أوروبا[15]، أقول: ناقل الكفر ليس بكافر؛ ولكن هذا حال كثير من الملحدين.

فبين القديم والحديث تجتمع أسباب للإلحاد والتي من أهمها إعجاب الإنسان بنفسه وعقله واعتقاده بأنه قادر على معرفة الكثير من الأسرار في هذا الكون حتى تجرأ على إنكار وجود الله الذي وجوده ضرورة عقلية وفطرية قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾ [غافر: 36، 37] فهو يريد أن يبلغ أبواب السماء ليكشف كذب موسى عليه السلام من أن هناك رباً أرسله إليهم[16].

ومن هذه الأسباب التطور العلمي المادي والتجريبي الذي حصل في الأزمان المتأخرة، وبعد الثورة في أوروبا على طغيان الكنيسة التي كانت تجبر الناس على ما تقرر في كتبهم المحرفة، والتي كانت تعارض العلم والواقع الذي كانوا يرونه بأعينهم، ثم ما لبثوا حتى خلف خلفٌ طردوا هذا الأمر على جميع الأديان، فجعلوا أن الدين يعارض العلم، ولم يستثنوا أي دين حتى الدين الإسلامي على أيدي المستشرقين، وبعض المنتسبين إلى الإسلام حيث جعلوه بمنزلة النصرانية المحرفة ظلماً وبهتاناً، وأصبح رواد هذه المدارس المادية والوضعية لا يؤمنون إلا بما هو مادي محسوس، فأهملوا الماورائيات (الغيبيات) فكان من جملة ذلك إنكار وجود الله، ثم زاد انتشاره عندما فرض بالقوة على بعض البلدان الماركسية الشيوعية فأصبح مذهباً تعتنقها دولاً بكبرها كروسيا والصين مثلاً، وأصبح من أبناء المسلمين من يعتنق هذه المذاهب كالشيوعية والعلمانية على ما فيها من سوءات.

وسأناقش إحدى شبههم الواهية التي تعلق بها الملاحدة الذين ينكرون وجود الله عز وجل وهو أمرٌ قديمٌ وحديث في نفس الوقت كما تقدم، وهو قولهم بأن الطبيعة هي الخالقة، فالذي أوجد الأرض والسماوات، والجماد والحيوانات، والإنسان وغيره من المخلوقات هي الطبيعة وحدها، وعند سؤالهم كيف تكونت البحار ونزلت الأمطار وحدثت الزلازل والبراكين والأعاصير فالجواب عندهم دائماً هو الطبيعة، أي أن جميع قوانين الكون أوجدتها الطبيعة ولا خالق لهذه الأشياء، وإذا قيل لهم كيف أُوجدت الطبيعة قالوا عن طريق الصدفة!! ومعلومٌ أن القول بالصدفة يعنون به أن هذا الكون ليس له خالق، بل الأمور وجدت هكذا اتفاقاً من غير تدبير، وهذا يتعارض ويتناقض مع الآيات القرآنية التي تحث على التفكر في المخلوقات والمصنوعات التي يُعرف الله عز وجل بها، وذلك بوجودها وإتقانها الذي يدل على وجود خالقها وإرادته وقدرته وحكمته، وهذا ما سأتناوله في الرد على هؤلاء الملاحدة في المطلب القادم، وأبين أن التفكر السليم قد يكون السبب في علاجهم من هذه الآفة الخطيرة والشبهة السيئة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-01-2021, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وثن الملاحدة في القديم والحديث

وثن الملاحدة في القديم والحديث
ياسر بن عبده بن إبراهيم حليس




المطلب الثاني: مناقشة القائلين بالصدفة:
قبل مناقشة قول الملاحدة من أن الكون قد وجد صدفة أو القول بأن الطبيعة هي الخالقة أو الفاعلة، ينبغي أن أنبه إلى أمر قد مر معنا سابقا قبل الكلام عن التوحيد وعلاقته بالتفكر ألا وهو الفطرة، إذ من المتقرر في الكتاب والسنة والإجماع أن الإيمان بوجود الله وأنه الخالق المدبر وأنه المستحق للعبادة، هو ضرورة فطرية عند جميع بني آدم كما قال تعالى على لسان رسله: ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: 10] وقال صلى الله عليه وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))[17] وهذا لازم الميثاق الذي أخذه الله من ظهور بني آدم في عالم الذر، فالمناقشة في وجود الله مناقشةٌ في أمرٍ ضروري في النفوس، فمن أعظم الأدلة على وجود الله وربوبيته هي هذه الفطرة التي أودعت في النفوس، ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكر الناس ليعودوا لأصل فطرتهم، وهذه الفطرة موجودة في كلِّ نفس ولو بلغ بها الانحراف أرجاء سحيقة، بل حتى لو قال بعدم وجود الله عز وجل بشبه واهية فإنه سيظل في شك وحيرة؛ لأنه لا يكاد أن يلقي بصره في مكان إلا وجد فيه دليلاً على وجود خالقٍ مدبر مصرف لهذا الكون.


وسأشير إشارة بسيطة إلى أدلة وجود الله وربوبيته، وجميع ما تقدم في الباب الثاني من علاقة التفكر بأركان الإيمان هي في الحقيقة أدلةٌ على وجود الله عز وجل وفيها الرد عليهم؛ ولكن سأذكر باختصار أهم الأدلة على وجود الله عز وجل.

أولاً: الفطرة التي تعترف بوجود الله فهي الحقيقة التي لا ينكرها إلا مكابر وجاحد، قد أعمى الله بصيرته، وذكر الرازي[18] عدة وجوه في دلالة الفطرة على الصانع عز وجل منها:
الوجه الأول: إن لطم الصبي على وجهه يدل على وجود الصانع المختار، لأن الصبي العاقل إذا وقعت اللطمة على وجهه يصيح ويقول: من الذي ضربني وما ذاك إلا أن شهادة فطرته تدل على أن اللطمة لما حدثت بعد عدمها وجب أن يكون حدوثها لأجل فاعل فعلها.

الوجه الثاني: إن الإنسان إذا وقع في محنة شديدة وبلية قوية لا يبقى في ظنه رجاء المعاونة من أحد، فكأنه بأصل خلقته ومقتضى جبلته يتضرع إلى من يخلصه منها -الله عز وجل- ويخرجه عن علائقها وحبائلها وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67] وهذا واقع محسوس مشاهد.

يقول الميداني- رحمه الله -: ما هو شعور أكبر ملحد في الدنيا إذا تراكبت عليه الهموم والأحزان والمصائب، وصدمته المخاطر من كل جهة، فلم يجد سببا مادياً ينقذه؟ أفلا تتيقظ فيه الفطرة في أشد الحالات، فينادي أيتها القوة المهيمنة على العالم أسعفيني؟! كحال فرعون حين أدركه الغرق أدرك أنه ما كان إلا في غرور فآمن بإله موسى وهارون، بعد أن كان جاحداً منكراً[19].

والله عز وجل قد أودع في الإنسان فطر وغرائز كثيرة، فالأم تشعر بعاطفة الأمومة، سواءً علمت السر في ذلك أم لم تعلم، وكذلك الطفل حديث الولادة يساق سوقاً إلى ثدي أمه دون أن يتعلم، وكذلك الشعور بروح في أجسادنا فيها سر حياتنا، فندافع عنها، ونحرص على بقائها.. وغير ذلك من الأمثلة كثير...ولا شك أن هذه الفطر والإحساسات لم توجد فينا عبثاً، بل هي فطرٌ صادقة وموافقة للواقع الكوني الذي نعيشه، ومن أصدق هذه الفطر والإحساسات هي وجود الله وتلهفه دائماً لإغاثته ومعونته، ولا يستطيع الغض من هذه الفطرة[20].

ثانياً: دلالة الخلق على وجود الله، وهي دليل قرآني عقلي، والتي يسميها بعضهم دليل الاختراع، فكل ما في الكون من موجودات دالة على من أوجدها وهو الخالق عز وجل لأنه لا خالق لها سواه، وهذا كثيرٌ ذكره في القرآن، إذ أن المخلوق لا بد له من خالق، فمحال للشيء أن يوجد نفسه، ومحال للشيء أن يوجد من العدم دون أن يوجده أحد، إذن فلا بد من خالق لها وهو الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35، 36] وأدلة الخلق في القرآن كثيرةٌ جداً قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54] فجميع هذه الأشياء أوجدها الله عز وجل وهي دالةٌ عليه سبحانه وتعالى لأن الأثر لا بد له من مؤثر، والمصنوع لا بد له من صانع.

ثالثاً: دليل الإتقان والعناية: ويعني أن كل شيء من الموجودات خلق لأجل الإنسان؛ وذلك ليقوم بالغاية التي خلق لأجلها وهي عبادة الله عز وجل، فمن تأمل السماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والشجر والنبات والدواب وغير ذلك وجد أنه مسخرة مهيأة للإنسان لينتفع بها ووجد فيها العناية الإلهية التي لا تأتي اتفاقاً ولا مصادفةً بل لا بد لها من حكيم مدبر، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾[النبأ: 6 - 16] وهذا دليل على عناية الله بخلقه بأن هيأ لهم ما تقوم به حياتهم، وهو دليلٌ أيضاً على الاختراع؛ لأنه عز وجل هو الموجد لهذه الأشياء، والله عز وجل يذكر عباده في هذه الآيات وآيات أخرى كثيرة في القرآن؛ لكي يتفكروا فيها ويتذكروا موجدها؛ ليعلموا أنه الحق الخالق المستحق للعبادة.

وقد ذكر هذين الدليلين ابن رشد في كتابه مناهج الأدلة[21] وأخبر أنها طريقة الشرع ووافقة ابن تيمية[22] على ذلك، والملاحظ أن كلا الدليلان قائمان على التفكر في والتدبر في آثار صنع الله عز وجل، وفيه إشارة إلى أن من شك في وجود الله!!عز وجل إن أعمل عقله وتجرد من هواه كان هذا التفكر سبباً له في الاهتداء والرجوع إلى اليقين والفطرة السوية.

يقول ابن رشد – رحمه الله -: وهذا الدليل (هو الصراط المستقيم التي دعا الناس منها إلى معرفة وجوده ونبههم على ذلك بما جعل من فطرهم من إدراك هذا المعنى...)[23] ثم ذكر أن هذه هي الفطرة التي نبه عليها في آية أخذ الميثاق من ظهر آدم.

بل ويذهب ابن رشد إلى أبعد من ذلك فيقول عن علم الله والذي استدل عليه من هذين الدليلين قوله: (أما العلم فقد نبه الكتاب العزيز على وجه الدلالة عليه في قوله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] وهي أن المصنوع يدل من جهة الترتيب الذي في أجزائه، أعني كون صنع بعضها من أجل بعض، ومن جهة موافقة جميعها للمنفعة المقصودة لذلك المصنوع انه لم يحدث عن صانع هو (طبيعة) وإنما حدث عن صانع رتب ما قبل الغاية قبل الغاية فوجب أن يكون عالماً به)[24].

رابعاً: دليل النعم وما أكثرها في هذه الحياة الدنيا، ويمكن إدخال هذا الدليل في الدليلين السابقين دليل العناية والاختراع، فجميع ما في هذا الكون من نعم الله عز وجل؛ فتسخيره الشمس والقمر والليل والنهار نعمه، وإمساكه السماء أن تسقط على الأرض نعمة، وجعله الأرض مهاداً وقراراً نعمه، وتسخيره المخلوقات للإنسان نعمه، وخلقه للإنسان بهذه الطريقة وإمداده بالعقل نعمه، والنعم أكثر من ذلك بكثير بل تعد ولا تحصى، وهذه النعم لا بد لها من منعم وهو المنعم الكريم سبحانه وتعالى.

خامساً: دليل الهداية وهي المقصودة من قوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50] والهداية بمعناها العام تعني: هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، وهذا المعنى يتضح لنا جلياً حينما نشاهد المخلوقات من حولنا وما أودع فيها من الهدايات، يقول ابن القيم –رحمه الله-: (وهذه النمل من أهدى الحيوانات وهدايتها من أعجب شيء، فإن النملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها الطريق، فإذا ظفرت به حملته وساقته في طرق معوجة، فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين؛ لئلا ينبت فإن كان ينبت مع فلقه باثنتين فلقته بأربعة، فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد انتظرت به يوما ذا شمس فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها، ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها...)[25].


ويقول: (ومن علم العنكبوت أن تنسج تلك الشبكة الرفيعة المحكمة وتجعل في أعلاها خيطا ثم تتعلق به فإذا تعرقلت البعوضة في الشبكة تدلت إليها فاصطادتها ومن علم الظبي أنه لا يدخل كناسة إلا مستدبرا ليستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وخشفه[26]...ويقول... ومن علم اليربوع أن يحفر بيته في سفح الوادي حيث يرتفع عن مجرى السيل ليسلم من مدق الحافر ومجرى الماء ويعمقه ثم يتخذ في زواياه أبوابا عديدة ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزا رقيقا فإذا أحس بالشر فتح بعضها بأيسر شيء وخرج منه ولما كان كثير النسيان لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة علامة له على البيت إذا ضل عنه ومن علم الفهد إذا سمن أن يتوارى لثقل الحركة عليه حتى يذهب ذلك السمن...)[27].


وقد اهتم العلماء قديماً بذكر عجائب المخلوقات والهدايات التي ألهمها الله عز وجل إياها لتقوم بها أمورها، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته وعلمه وقدرته، وهي من أعظم الأدلة على وجوده، فالله عدلٌ حتى مع الحيوان، فإن الله عز وجل لو لم يوجد هذه الغرائز والطبائع لدى الحيوان لما استطاعت هذه الحيوانات والحشرات والمسخرات البقاء، ولما استطاع الإنسان أن يستثمرها، فالتفكر في عجائب المخلوقات والمصنوعات من الأمور الدالة على وجود الله وربوبيته وألوهيته.


وأدلة وجود الله أكثر بكثير مما ذكرت؛ لأن كل ما في الكون علوي وسفلي فيه الدلالة على الخالق الباري المصور ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7].
وفي كل شيء له آية ♦♦♦ تدل على أنه واحد

وأما عن قولهم بأن هذا الكون قد نشأ صدفة، أو أن الطبيعة هي الفاعلة أي هي التي أوجدت نفسها فهو قول باطل بالضرورة، بل ويتعارض مع البديهيات العقلية، بل العلماء من التجريبيين والطبيعيين من أنكر هذا القول لمناقضته الواقع.

وأما القول بالصدفة أو المصادفة فنقول:
الصدفة أو المصادفة في اللغة تعني الموافقة ويقال صادفه فلان أي: لقيه بغير موعد ولا توقع[28] والمعنى اللغوي هو ذاته المعنى الاصطلاحي الذي يريده هؤلاء الملاحدة من أن هذا الكون وجد صدفة أو اتفاقاً من غير قصد ولا إرادة، والمقصود من ذلك هو إنكار وجود الله أو إنكار خالق لهذا الكون.

وهذا القول قال به كثيرٌ من الملحدين كما تقدم كديموقريطس من القدماء ومن المعاصرين[29]، يقول أحد الفلاسفة المحدثين (ليس وراء نشأة الإنسان غاية أو تدبير...إن نشأته ليست إلا نتيجة اجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة)[30].

وكل من أنكر أن هذه المصنوعات من خلق الله حاصلُ قوله أنها وجدت اتفاقا أو مصادفةً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما مثال الدهرية في هذا، الذين جحدوا الصانع سبحانه وتعالى، فمثال من أحس مصنوعات فلم يعترف أنها مصنوعات، بل نسب ما رأى فيها من الصنعة إلى الاتفاق والأمر الذي يحدث من ذاته)[31].

والقول بأن الكائنات العلوية والسفلية وما فيها من إتقان وعناية وجمال وتنوع واختلاف قد نشأ صدفةً، فهو لا شك بأنه قولٌ يناقض الفطرة وبدائه العقول وفيه من التضليل والاستخفاف بالعقول ما فيه، فكيف يعقل أن هذا الكون الذي يسير بنظام دقيق لا يضطرب!، وبدقةً متناهية لا توصف!، أن يكون قد نشأ من غير تدبير ولا تصريف ولا قدرةً ولا حكمةً ولا إرادة، فهذا يستحيل على العقول أن تدركه وعلى الأذهان تصوره، فأكثر الملاحدة عندما يسألون عن أصل وجود الشيء وتسلسله إلى أولياته يجيبون بأنه وجد صدفة فحينما يسألون كيف تكون الكون واجتمعت ذراته أو كيف تكون السديم (الغاز الذي تكون منه الكون) فيقولون: بالمصادفة.

وفي الحقيقة أن القول بالصدفة قولٌ يكذبه الواقع، بل هو هروب من الواقع والحقيقة، ثم ما الدليل العلمي على وجود الصدفة؟! وهم معظمون للعلم والتجربة، بل هي تهربٌ عن الحقيقة ومكابرة واضحة فاضحة أضحكت منهم العقلاء.

ولن أستدل ببطلان قولهم بكلام العلماء المسلمين بل بعلماء الغرب الماديين مثلهم الذين ما زادهم العلم إلا تصديقاً بوجود الله عز وجل يقول صاحب كتاب العلم يدعو إلى الإيمان في نقضه للمصادفةإن حجم الكرة الأرضية، وبعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس، وأشعتها الباعثة للحياة، وسُمك قشرة الأرض، وكمية الماء، ومقدار ثاني أوكسيد الكربون، وحجم النيتروجين، وظهور الإنسان وبقاءه على قيد الحياة، كل أولاء تدل على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد كما تدل القوانين الحسابية الصارمة أنه ما يمكن حدوث كل ذلك يحدث مصادفة في وقت واحد..)[32].

ويقول عالم الطبيعة الحيوية البيولوجية فرانك آلن الكندي المتوفى سنة 1944م وحائز على وسام توري الذهبي للجمعية الملكية بكندا: (إن ملاءمة الأرض للحياة تتخذ صورا عديدة لا يمكن تفسيرها على أساس المصادفة أو العشوائية. فالأرض كرة معلقة في الفضاء تدور حول نفسها، فيكون في ذلك تتابع الليل والنهار، وهي تسبح حول الشمس مرة في كل عام، فيكون في ذلك تتابع الفصول، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة مساحة الجزيء الصالح للسكنى من سطح كوكبنا ويزيد من اختلاف الأنواع النباتية أكثر مما لو كانت الأرض ساكنة، ويحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات اللازمة للحياة ويمتد حولها إلى ارتفاع كبير (يزيد على 500 ميل) ويبلغ هذا الغلاف الغازي من الكشافة درجة تحول دون وصول ملايين الشهب القاتلة إلينا، منقضة بسرعة ثلاثين ميلا في الثانية، والغلاف الذي يحيط بالأرض يحفظ درجة حرارتها في الحدود المناسبة للحياة، ويحمل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات، حيث يمكن إن يتكاثف مطرا يحيي الأرض بعد موتها، والمطر مصدر الماء العذب، ولولاه لأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة، ومن هنا نرى أن الجو والمحيطات الموجودة على سطح الأرض تمثل عجلة التوازن في الطبيعة....وعلى ذلك فإن الأرض بحجمها وبعدها الحاليين عن الشمس وسرعتها في مدارها، تهيئ للإنسان أسباب الحياة والاستمتاع بها في صورها المادية والفكرية والروحية على النحو الذي نشاهده اليوم في حياتنا، فإذا لم تكن الحياة قد نشأت بحكمة وتصميم سابق...)[33] فجميع ما في الطبيعة قد أسس على حكمة بالغة وإتقان لا يوصف، فيستحيل أن توجد هذه الأكوان بطريقة عمياء لا عقل لها ولا علم ولا إرادة، وأن تكون هذه الآثار بلا مؤثر، وهذه المصنوعات بلا صانع، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35، 36] فهذا الدليل العقلي يصلح لئن يستدل به في هذا الموضع، فلا يصح أن يخلقوا ابتداءً من غير خالق.

ويمكن أن يجاب على هؤلاء الملاحدة بمثال وحجة بديهية، فلو أن لدينا صندوقا فيه خمسون ألف حرفاً عشوائية ثم جاء من يلقي هذه الحروف من غير قصدٍ على الأرض فتناثرت، فجاء من يعيد هذه الحروف إلى مكانها فأخبرك أنه وجد عشرُ كلمات صحيحة، فالاحتمال والمصادفة فيما أخبر به ممكن ووارد وقد يحدث ولا ريب، ثم بعد ذلك لو وضعنا خمسين ألف حرف ووضعناها في صناديق ثم جاء من الناس من عبث بها فألقى هذه الحروف العشوائية على الأرض فتبعثرت! ثم جاء من يحملها عن الأرض ولكنه تفاجأ!! بأن وجد من هذه الحروف ما شكل عدة جمل صحيحة فهل هذا يصدق؟! فالجواب أن هذا مستبعد ولكنه غير مستحيل وقد يحدث! ثم جاء بعد ذلك من وضع مليون حرف في عدة صناديق ورفعها في مكان لا تصل إليها أيدي الناس، ولكن ما لبث إلا أن سقطت هذه الصناديق جميعها على الأرض، ولكن المفاجأة!! أن من جاء يحمل هذه الحروف ليعيدها إلى مكانها وجدها قد كونت بحروفها العشوائية وبالمصادفة كتاب (زاد المعاد) لابن القيم بترتيب أبوابه وآياته وأحاديثه وأشعاره دون أن ينقص حرفاً واحداً، فهل هذا معقول؟! أو صحيح البخاري بأبوابه وترتيباته، وتعليقاته،...فالجواب قطعاً أن هذا مستحيل بالبديهة، فإذا كان هذا في حروف معدودة وكلمات معدودة يستحيل أن تأتي بهذه الكتاب -مثلاً- فكيف بكلمات الله وآياته الكونية التي لا حصر لها في هذا العالم الفسيح من مخلوقات كجماد وحيوانات ونباتات ونجوم بالملايين وبحار وعوالم سفلية وعلوية لا يعلمها إلا الله فهذه جميعها مخلوقات الله وخلقت بنظام دقيق لا يتخلف، والخلق من صفات الله التي لا نفاد لها، وكذلك آياته الشرعية وأوامره التي هي كلامه، وكلامه سبحانه وتعالى من صفاته التي لا نفاد لها[34].

فبهذا الكم الهائل من المخلوقات، وبهذا النظام الدقيق الذي لا يختلف، والإتقان الرتيب الذي لا يتخلف في الكون وجميع المخلوقات العلوية والسفلية العجيبة، يستحيل أن يكون هذا الكون بما فيه، أن يكون مجرد مصادفة عمياء!!.

فقانون الصدفة يقول: (إن حظ الصدفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانيات المتكافئة المتزاحمة، فكلما قل عدد الأشياء المتزاحمة، ازداد حظ المصادفة، وكلما كثر عددها قل حظ المصادفة)[35] يعني أن الأشياء المكافئة إذا كان عددها قليل ففرصة المصادفة فيها أكبر، وكلما زاد العدد كلما قلت فرصة المصادفة حتى يصبح مستحيلاً كما تقدم بيانه في المثال المتقدم، فكيف بهذا الكون الذي فيه من المخلوقات العلوية والسفلية، ما لا يحصيه إلا الله.

ومما ينقض هذا القول المتهالك أن اختلال العناية والإتقان في الخلق قد يؤدي إلى فساد الكون، واختلال الطبيعة، فالمتأمل والمتفكر في الخلق يجد أن العناية محاطة بالكون من كل جهة، فالنجوم والكواكب تسير بنظام ودقة بحيث لا تصطدم في بعضها، والليل والنهار يتعاقبان بحيث لا يختل نظامهما فيختل بذلك نظام المخلوقات وقد مر معنا في ثنايا البحث الكثير من الأمثلة، فيستحيل أن تكون هذه الدقة المقصودة والإتقان المبدع والعناية الفائقة والحكمة البالغة نتيجة مصادفة عمياء.

ولو سلمنا بأن هذا الكون نشأ من تصادم حركات الذرات في بعضها البعض فمن الذي حرك هذه الذرات فنشأ هذا الكون المحكم الإتقان؟! إنه الخالق عز وجل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.


[1] كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (1/ 800).

[2] تلبيس إبليس (ص 41).

[3] كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 1130).

[4] انظر: المعجم الفلسفي (2/ 17).

[5] الوحي والإنسان قراءة معرفية (ص112).

[6] انظر: المذاهب الفكرية المعاصرة (2/ 1005) وانظر: كواشف زيوف (ص435).

[7] انظر: المعجم الفلسفي (ص84-85).

[8] انظر: كتاب نقض النظريات الكونية لمحمد الإمام.

[9] شرح السفارينية (ص 150).

[10] فلاسفة اليونان على ضربين، الأول: هم من اتجهوا إلى المنحى الروحي فهؤلاء قد ذهبوا إلى وجود ذات مجردة عن المادة والمدة، منزهه عن عوارض الجسمانية ترجع إليها وأثبتوا أن جميع الموجودات ترجع إلى هذه الذات فهو المصدر الأول والموجد الحقيقي لجميع الكائنات، اشتهروا هؤلاء بالمؤلهين منهم فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، ولكن لنعلم أن إثباتهم للخالق ليس هو كما عند أهل الإيمان فليتنبه، والثانية: الفلاسفة الماديون الذين اتجهوا إلى المنحى المادي فنفوا كل موجود سوى المادة والماديات فكل ما لا يدرك عندهم بالحواس الخمس فلا وجود له، فمن هؤلاء أبيقور وديموقريطس. انظر: كواشف زيوف (445-449) وانظر: المادية والليبرالية (ص48-53).

[11] انظر: قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والإيمان (ص 27-35) لنديم الجسر بتصرف شديد واختصار. وانظر: كواشف زيوف (ص444).

[12] لعل هذه التقريرات الفلسفية هي التي جعلت المتكلمين يهتمون بإثبات وجود الله وأنه الخالق القادر على الاختراع ويجعلونه أول واجب على المكلف؛ وأن هذا الكون محدث، ويحاولون إثبات ذلك بعلم المنطق، فجعلوا المنطق كالأصل في إثبات العقائد ما أدى إلى انحرافهم في كثير من المسائل العقدية، وهذا وجه تأثرهم بالفلاسفة، ولهذا كان للمتكلمين نصيب من تعطيل الله، وذلك بإنكار صفاته، فالعلاقة بين الإلحاد والفلسفة علاقة طردية كلما تعمق الشخص في الفلسفة كلما اقترب إلى الإلحاد أكثر.

[13] كواشف زيوف (ص454).

[14] انظر: جهود المفكرين المسلمين في مقاومة التيار الإلحادي (ص189).

[15] انظر: كتاب الملحد (صادق العظم) (ص19).

[16] انظر: تفسير ابن جرير (21/ 387).

[17] تقدم تخريجه.

[18] انظر: تفسير الرازي (19/ 71).

[19] انظر: العقيدة الإسلامية وأسسها (ص108).

[20] المصدر السابق (86-87).

[21] ص 118.

[22] درء تعارض العقل والنقل (9/ 321) وما بعدها.

[23] الكشف عن مناهج الأدلة (ص 121).

[24] المصدر السابق (ص129).

[25] شفاء العليل (ص 69).

[26] الخشف: صغير الظبي أول ما يولد. انظر: لسان العرب (9/ 70).

[27] المصدر السابق (ص 65).

[28] لسان العرب (9/ 188) والمعجم الوسيط (1/ 510).

[29] منهم هكسلي وأرنست هكل ووبرتراند رسل وغيرهم من الفلاسفة المتأخرين، من المعاصرين العرب الذين قالوا بذلك إسماعيل أحمد أدهم ويوسف العظم وكلاهما قد هلك انظر: رسالة: لماذا أنا ملحد(ص 10).

[30] الله يتجلى في عصر العلم (ص 57).

[31] بيان تلبيس الجهمية (1/ 500).

[32] العلم يدعو إلى الإيمان (ص 142) كريسي موريسون.

[33] الله يتجلى في عصر العلم (ص15).

[34] هذا المثل مستفاد من كتاب قصة الإيمان (ص295).

[35] قصة الإيمان (ص293).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 103.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 101.47 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]