ترشيد خطوات الأدب الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4408 - عددالزوار : 847593 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3938 - عددالزوار : 384622 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 163 - عددالزوار : 59468 )           »          المستشرقون.. طلائع وعيون للنهب الاستعماري الحلقة الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 587 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أبواب الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          المتسولون (صناعة النصب والاحتيال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          إلى كل فتاة.. رمضان بوابة للمبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أســـرار الصـــوم ودرجات الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-01-2021, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي ترشيد خطوات الأدب الإسلامي

ترشيد خطوات الأدب الإسلامي



د. عماد الدين خليل






نحن اليوم بأمس الحاجة إلى إشارات متواصلة تحركنا وتدلنا على الطريق كي لا نبقى ثابتين في مواقعنا، وكي نمضي دائمًا صوب الأفضل والأحسن في زمن يتطلب التحرك إلى الأمام من أجل ألا تشد أعناقنا إلى الماضي بأكثر مما يجب، فـ{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة]. وعلى المسلم، أديبًا كان أم مفكرًا أم داعية أم خطيبًا، أن يكون في قلب العصر ما وسعه الجهد وأن يكون مستقبليًا..

لقد تفوق علينا الغربيون – إلى حدّ كبير – بتعاملهم مع الواقع، وبإمساكهم بالكتلة وحيثياتها، وبتطلعم دائمًا إلى المستقبل – بغض النظر عن اختلافنا الجذري مع رؤيتهم للكون والحياة، وهي رؤية مترعة بالأوهام والظنون والأباطيل – إلا أنهم على المستوى المادي أمسكوا بالعالم من خلال قدرتهم المدهشة على التعامل مع الواقع والتطلع إلى المستقبل، حتى إننا صرنا نشهد في معاهدهم وجامعاتهم أقسامًا علمية للمستقبليات.

يصعب الجواب بطبيعة الحال على الأسئلة المطروحة كافة، حتى في صيغ مختزلة، لأن هذا يتطلب وقتًا، ويخشى – أيضًا – أن تكون الإجابات السريعة بمثابة قوالب جاهزة قد لا يسلّم بها بسهولة، ولذا سألجأ إلى طريق آخر هو محاولة متابعة النبض الأساسي لهذه الأسئلة في سياقات:


السياق الأول: يعنى بإشكالية المنهج الفكري.
السياق الثاني: يعنى بإشكالية القداسة والحرية.
السياق الثالث: يتابع مسألة السلطة أو المرجعية, ولسوف أمر مرورًا سريعًا على هذه السياقات.

في المنظور الغربي هناك ما يمكن اعتباره أزمة العقل الغربي التي يجب ألاّ نقع في مصيدتها والتي تقوم على مفهوم خاطئ ينطوي على افتراض "إما هذا أو ذاك" والذي أسر ولا يزال العقل الغربي، وانسحب على ديارنا إلى حد كبير، رغم أنه يمثل خطرًا كبيرًا على رؤيتنا الإسلامية الوسطية والشمولية للأشياء والخبرات والأنشطة المعرفية والاجتماعية والسياسية.

في الغرب نجد أنفسنا أمام ثنائية الفرد أو الجماعة، العدل أو الحرية، الله أو الإنسان، الأرض أو السماء، الروح أو الجسد.. ثنائيات عديدة حاولت أن أحصيها فتجاوزت الثلاثين عددًا.. وهي جميعًا تصطرع مع بعضها في العقل الغربي وفي واقع الحياة الغربية بحيث إننا نجد – على سبيل المثال – توجهًا شموليًا جماعيًا ساحقًا صارمًا كالذي نفذته الماركسية في شرقي أوربا، يقابل برد فعل وبزاوية مقدارها مائة وثمانون درجة، من خلال الوجودية التي أسسها "جان بول سارتر" و"كاميه" وآخرون في الساحة الغربية ذهبت مع الفرد إلى المدى واعتبرت (الآخر) (هو الجحيم) ولا تزال الأفعال وردودها تعمل عملها هناك..

لقد دفعت الأممية نفسها والتي حاولت أن تلغي خصوصيات الجماعات والشعوب، إلى تشكل حالة نقيضة من الشوفينية (النازية أو الفاشية) والتي قادت إلى مجزرة بشرية لا يزال العالم يعاني من آثارها حتى اليوم.

هكذا نجد أنفسنا في الساحة الغربية أمام الافتراض الخاطئ أو الموهوم الذي عصمنا الله سبحانه منه بالمنهج الشمولي الذي يجمع الثنائيات، ويحقق بينها التصالح والتناغم والوفاق {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [143 البقرة]. والوسطية هنا ليست موقعًا جغرافيًا، ولكنها رؤية ومنهج عمل يعرف كيف يجمع بين الفرد والجماعة والعدل والحرية والروح والجسد والدنيا والآخرة والأرض والسماء.. إلى آخره..

نحن يجب أن نرجع ثانية إلى قاعدتنا الأساسية ونستبدل بالمنهج الفكري الخاطئ القائم على افتراض (إما هذا أو ذاك) مبدأ (هذا وذاك).

وبالتالي، فإننا بإحالة أسئلة المحور الأول للملتقى* في عمومها، على هذا المنظور، سنجد أنفسنا إزاء مفارقة تضعنا في الحالة الغربية، وهذا – في أساسه – خطأ في المنهج: إما التراث وإما المعاصرة، إما الأديب وإما الفقيه، إما الأنا وإما الآخر، إما الشكل وإما المضمون.

هاهنا – على سبيل المثال – يصير الشكل جزءًا أساسيًا من المضمون أو بالعكس، ولن يتحقق أدب أو إبداع أو فن إلا بالالتحام الداخلي الحميم بين الطرفين. والأمر نفسه يمضي إزاء ثنائية التراث والمعاصرة التي يمكن فيها أن يقبل أحدهما الآخر، كما يجعل الأنا أو الخصوصيات الذاتية لهذه الأمة تنفتح على خبرات الغير، ولا تغلق عليها، وتقودنا إلى حالة انتقاء محكم مدروس لخبرات الآخرين حيث الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

"إن هذا يقودنا – بالضرورة – إلى موضوع الحداثة" ذات الخلفيات الرؤيوية (الأيديولوجية) المنحرفة بزاوية حادة عن المنظور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، والمترعة بالضلالات والظنون والأوهام، والمستمدة من غثاء أديب وفيلسوف مهووس (نيتشه) الألماني الذي قدم في أعماله رؤية شبه جنونية للحياة، ومن المعطيات السريالية التي يسميها (فاولي) في كتابه (عصر السريالية) "عالم الجنون والظلام والدجنّة" الموغل في دهاليز الكبت والجنس والرؤى المتداعية داخل لا واعية الإنسان من أجل استجاشتها وتقديم غثاء يهشم ثوابت اللغة ويمضي حتى إلى تهشيم الأعراف الفنية والتقاليد الإبداعية التي صنعتها أجيال متعاقبة على مدى القرون الطوال سواء في بنية الرواية أو المسرحية أو القصة القصيرة أو سائر الأجناس الأدبية التي كادت تيارات الحداثة في اتجاهاتها كافة أن تأتي عليها من القواعد.

لكن هذا كله يجب ألا يحجب عنا بعض الجوانب الإيجابية من حلقات الحداثة التي تمثل خبرات جيدة يمكن التعامل معها، ومحاولة توظيفها في الأدب الإسلامي وبخاصة في مجال النقد التطبيقي.

إن المسلم – إذا أردنا الحق – هو أكثر الناس تقدمية وحداثة (بالمفهوم اللغوي لا الاصطلاحي) لأنه يضع نفسه في حالة توازن وتناغم مع قوانين الكون والحياة وسنن الله العاملة في التاريخ.. الإنسان المسلم، وليس الماركسي الشيوعي، كما كان يدعي يومًا، هو الذي يقف في قمة حركة التاريخ، قديرًا على التحرك صوب المستقبل بسبب من توافقه مع نبض الحركة الكونية والتاريخية إذا عرف كيف يحسن التعامل معها من أجل استجاشة طاقاته المبدعة واختزال حيثيات الزمن والمكان في تعامله مع الكتلة، في ضوء مبادئ الاستخلاف والتسخير والاستعمار، التي أكد عليها القرآن الكريم في أكثر من موضع.. هذا هو الذي مكن الأجيال الأولى من أبناء هذا الدين، من أن تنشئ حضارة متميزة، وتغير خرائط العالم، وتقيم دولة تنتشر على قارات ثلاث.


ليس ثمة ضير من قبول الحداثة بمعناها اللغوي وقبول الخبرات والكشوف المستحدثة إذا عرفنا كيف نفك الارتباط بين التقنيات النقدية الحرفية الصرفة وبين الخلفيات الرؤيوية من أجل إغناء وتعزيز حركة الأدب الإسلامي المعاصر بالمزيد من الخبرات والكشوف.

لكن هذا كله يجب ألا يحجب عنا أن المذاهب الغربية في الأدب أو الفكر أو الحياة، بما أنها معطيات وضعية، لا تملك القدرة على الاستمرار والبقاء.. فها هي ذي البنيوية تتلقى ضربات مؤثرة منذ أواخر الستينات لكي يحل محلها دفق جديد من تيارات الحداثة وصولاً إلى التفكيكية وما بعدها..

ومن قبل كانت الوجودية قد تداعت هي الأخرى وسبقتها وأعقبتها الشوفينية والعدوانية ونقيضها "الأممية" وها هي ذي الليبرالية الغربية تؤول.

بسبب من فقدانها أي عمق روحي أو إنساني – إلى طرق مسدودة، وتحاول أن تغطي على مأزقها بتبريرات فلسفية وتنظيرية تسعى لأن تمنحها القدرة على إيجاد ثغرات في الممرات المسدودة، كما فعل (فرنسيس فوكوياما) في (نهاية التاريخ) و(صموئيل هنتنكتن) في (صراع الحضارات) حيث حاول أن يجد شاخصًا محددًا لإطلاق النار عليه – بعد انهيار وزوال الاتحاد السوفياتي – من أجل حماية وحدة الثقافة والحضارة الغربية وتفوقها وهيمنتها على مقدرات الأمم والشعوب.

إن البنيوية – على سبيل المثال – تملك قدرة فائقة في مجال النقد التطبيقي من خلال اختراقها للنص ومتابعتها للدلالات الأساسية في أنساقها وأنساقها المضادة مما يمكن الناقد من سبر غور النص الإبداعي والوصول إلى نتائج أكثر إحكامًا من ذلك الجهد النقدي المنصب من الخارج والذي يتابع علاقة النص بصاحبه ويبالغ في هذه المتابعة فيما يقودنا إلى نوع من النقد "الذاتي" كذلك الذي كنا نقرؤه لطه حسين وزملائه في الأربعينيات والخمسينيات.

إننا بحاجة إلى نقد أكثر موضوعية وانضباطًا ويمكن أن نتعلم من بعض الحلقات الغربية سبل التعامل النقدي الأكثر إحكامًا، وبالتالي فنحن لسنا ملزمين بإثارة مشكلة "إما هذا أو ذاك" وإنما الأخذ بمبدأ "هذا وذاك" من أجل تحقيق التصالح والوفاق والتكامل بين الثنائيات.

وفي ضوء هذا المعيار يمكن التعامل مع التراث وتجاوز أية حساسية يثيرها افتراض "القداسة والحرية". فالتراث ليس مقدسًا، ونحن إذا فككنا الارتباط بين الأصول الإسلامية، قرآنًا وسنة ورصيدًا تشريعيًا، وبين معطيات الامة التي تنطوي على الخطأ والصواب.. باعتبار أن الأصول الإسلامية بعمقها الغيبي ومصدرها الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تعلو على الخبرة البشرية النسبية القاصرة التي تخطئ وتصيب، حيث كل بني آدم يؤخذ منهم ويرد عليهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا فككنا الارتباط بين هذا وذاك وجدنا أنفسنا بإزاء تراث ينطوي على حلقات الإيجاب والسلب معًا.. وما أكثر المساحات الرمادية والسوداء في تراثنا!!

باختصار شديد، إننا نجد أنفسنا قبالة نمطين من المعطيات التراثية، نمط يمكن قبوله وتمريره عبر اللحظات الراهنة باتجاه المستقبل، ونمط لا يمكن قبوله وتمريره إذ لم يعد قادرًا على أن يجد له موضعًا في شبكة المعطيات المعرفية في العصر الراهن.

ومسألة القداسة لا وجود لها في تاريخنا.. إنه حتى خلفاؤنا الأوائل الذي غيروا خرائط الدنيا وأقاموا دولة الإسلام وأنشؤوا حضارته المتميزة، والذين حكموا بما أنزل الله سبحانه، حتى هؤلاء ما خطر على بالهم أو بال المسلمين عمومًا أن يحاطوا بهالة القداسة وفق أي معيار من المعايير.

إن أبا بكر رضي الله عنه قالها بوضوح "أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم" وقال "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يستجيش أبناء الأمة ويحفزها لممارسة النقد والاعتراض، فيما سبق أن سمّاه المفكر الجزائر (مالك بن نبي) رحمه الله "الديمقراطية المركبة" (إذا جازت التسميات) فالديمقراطية الغربية ذات وجه أو طبقة واحدة وهي منح الأمة حق النقد والاعتراض، أما ديمقراطيتنا، أو شورانا بعبارة أدق، فهي تحفيز الأمة ودفعها إلى ممارسة النقد والتقويم والاعتراض.

ولقد جمع ابن الخطاب رضي الله عنه جماهير المسلمين يومًا في مسجد المدينة، وراح يستفز واعيتهم الناقدة أو المعترضة فسألهم: "ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا؟" أي لو انحرفت عن الثوابت المتفق عليها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقام أحد المصلين من الناس البسطاء وقال: "لو ملت برأسك إلى الدنيا كذا، لقلنا بسيوفنا كذا "وأشار إلى القطع. فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "ويلك أتقول هذا لأمير المؤمنين"؟ فما يكون من أمير المؤمنين إلا أن يوقفه ويقول: "دعه فليقلها لنا، فوالله لا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا ولا خير فينا إن لم نسمعها منكم".

ولكن، إلى جانب هذه الحالة التي تكررت كثيرًا عبر تاريخنا، فهنالك حالات الاستلاب والابتزاز والقسر السياسي.. ومهما يكن من أمر فإن مفهوم "القداسة" مسحوب علينا من الخارج، من خبرات الكنيسة والتعامل الكنسي في الساحة الغربية، وليست تقليدًا أصيلاً في تراثنا. وكما يقول المثل "رمتني بدائها وانسلّت" وسنكون سذجًا إن قبلنا هذا المنظور وقلنا: إن تراثنا ينطوي على القداسة، وإن علينا أن نحترمه ونتشبث بأذياله.

وثمة تساؤل آخر هو: "من أين يكتسب الإبداع قدسيته"؟ والجواب أن الإبداع ليس أمرًا مقدسًا، إنه معطى بشري يقدمه هذا الأديب أو ذاك، وينطوي هو الآخر على خبرة بشرية لا تحيطها أية هالة من القداسة، فإن من حق الناقد أن يخترق النص الإبداعي وأن يقول فيه ما يشاء.. والملتقي يملك هو الآخر سلطة اختراق النص والحكم عليه.. فالأديب ليس هو صاحب السلطة الوحيدة في العمل الإبداعي، فهنالك إلى جانبه الناقد والمتلقي سواء أكان هذا أو ذاك مستهلكًا أو دارسًا أو جمهورًا من الناس.. فليس ثمة تفرد في أقطاب التعامل مع النص شرط أن يلتزم التعامل معايير النقد الموضوعي، وأن يتجاوز حالة الترهل التي حكمت – ولا تزال – مساحات واسعة من معطياتنا النقدية التي عكست إلى حد كبير الذوق والخبرات الخاصة.

أما بخصوص إشكالية السلطة أو المرجعية حيث يثير المحور سؤال: من يمتلك حق التنظير أو التأطير للأدب الإسلامي؟


والجواب هو أن الأديب صاحب الرؤية الإسلامية نفسه صاحب الحق في بناء عمله الإبداعي ولن يتناقض هذا بأية حال من الأحوال مع مطالب الرؤية الإسلامية للأديب وثوابتها المتفق عليها.. ذلك أن "الالتزام" هو في نهاية الأمر "حرية"، فعندما أصبح مسلمًا وعندما أريد أن أعبر عن رؤيتي من خلال هذا الجنس أو ذاك من الأجناس الأدبية، فأنا أملك حريتي في الاختيار والتعبير معًا.. ليس ثمة قسر أو إكراه.. وبالتالي عندما يصير الأديب إسلاميًا فإنه يلتزم رؤيته بطواعية وحرية دونما أي قسر أو إكراه من الخارج.. ومن ثم تجيء معطياته تدفقًا عفويًا منسابًا لخياره الحر وقناعاته الباطنية المتشكلة في عقله وروحه ووجدانه.

إننا لن نجد – بحال من الأحوال – أديبًا إسلاميًا قيل له اكتب هذه القصة أو القصيدة أو الرواية أو المسرحية وفق منظور إسلامي فيلبي الأمر رغبًا أو رهبًا.. أبدًا.. فإن الإبداع الأدبي الإسلامي لا يخرج عن دائرة الالتزام الحر بالرؤية أو التصور الذي اختاره الأديب طواعية ودونما أي قدر من القسر أو الإكراه.. ووجد نفسه بالتالي منساقًا لأن يقدم منظوره للكون والحياة والإنسان تعبيرًا عما يمور في نفسه وعقله ووجدانه والذي أصبح بمثابة خبزه اليومي حين ينام ويصحو، ويصلي ويصوم، ويكتب ويحاضر، ويتعامل مع الآخرين وهو ينبض بالهم الإسلامي الذي يتدفق في معطياته بعفوية، كما تتدفق المياه الثرة من العيون العذبة في باطن الأرض بدون قسر أو إكراه.

ثمة ما تجب الإشارة إليه، وهو أن الأديب المسلم قد يجد نفسه أحيانًا إزاء بعض الحالات التي ترتطم أو يشك بأنها ترتطم مع الثوابت الإسلامية وحينذاك لابد من استدعاء الفقيه.

والفقيه في الخبرة الإسلامية، لا ينتمي كما قد يخيل إلى بعضهم إلى منظمة دينية قسرية أو "إكليروسية" على الطريقة المسيحية في الغرب.. الفقيه المسلم بما يملكه من عقل مرن حر هو صانع حياة وقائدها ومهندسها، وهو يتعامل مع الحالات المستجدة برؤية سمحة تستمد نبضها من الإسلام نفسه.. وإنه لمن الخطأ أن نسحب مرض وغثيان الغرب العلماني أو النصراني إلى ديارنا ونقول: إن استدعاء الفقيه هو كبت للأديب.

إن التكشف الذي تجاوز حدوده في الأعمال الأدبية باسم الواقعية أمر مرفوض، ولا يتطلب استدعاء الفقيه.. يكفينا ما تعرضه شاشات السينما والتلفزيون والإنترنت من فضائح جنسية، وليس من مهمة الأدب أن يعيد علينا بالكلمة ما تعرضه التقنيات الحديثة من صور فاضحة.. إن مهمة الأدب أن يعيد للإنسانية طهرها الضائع وللسلوك البشري وضاءته.. أن يخرجنا من الآبار الضيقة التي يختنق فيها الإنسان وتتحول فيها الحياة إلى حظيرة للحيوانات ينزو فيها بعضها على بعض.

هذا كله لا يتطلب استدعاء للفقيه لأن ضمير الأديب ورؤيته الإيمانية ستصده عن ذلك وتمنحه معالم الطريق.. إلا أن هناك بعض الحلقات التي تقتضي تبادلاً في الرأي بين الطرفين: الأديب والفقيه، بحثًا عن الحلول والممرات الممكنة.

لابد إذن من إحكام خطواتنا نحو المستقبل وترشيد حركة الأدب الإسلامي التي تأكدت – بفضل الله سبحانه – عبر ربع القرن الأخير حيث صدرت مئات الكتب والبحوث، واخترقت جدران الأكاديمية وأنجزت عشرات الرسائل في أروقة الدراسات العليا، وأقيمت الندوات والمؤتمرات في بلدان العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وصدرت مجلات متخصصة، وعقدت في أجهزة الإعلام ندوات ولقاءات لا تعد ولا تحصى.

وقبل هذا وذاك، ومع هذا وذاك نهضت رابطة الأدب الإسلامي العالمية لكي تمارس دور القائد والمرشد لحركة الأدب الإسلامي المعاصر، ولتنفذ جملة خصبة من المعطيات لدعم هذا الأدب وإغنائه.


--------------------
* ملتقى البردة الثاني للأدب الإسلامي الذي عقد في الموصل بالعراق في منتصف آب (أغسطس) 2002م.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.08 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]