مصطلح "الأدب" عند العرب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-01-2021, 06:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي مصطلح "الأدب" عند العرب

مصطلح "الأدب" عند العرب





عباس المناصرة



النشأة والتطور والدلالة:
المصطلح هو وعاء لغوي ضخم، ومستودع جامع يحتوي في داخله المناهج والدلالات والحقائق والمكونات التي تعكس المخزون الفكري والثقافي لذاكرة الأمة.

وهو في تطوره التاريخي "كائن حي ذو هوية كاملة، تسجل ظروف ولادته وتطوره الدلالي، ما يعترض هذا المفهوم أو يعتوره، من صحة ومرض، وشحن وتفريغ، وأول ما تصاب به الأمم في أطوار ضعفها الفكري هو طمس مفاهيمها.."[1] واختلاط مصطلحاتها، وما يرافق ذلك من إهمال لخصوصيات هويتها الحضارية، وبذلك يحصل الاضطراب وتضيع اللغة الموحدة التي توحد فكرها، وتحميها من الخلاف والتشتت.

مما سبق ندرك أهمية العودة إلى مصطلح "الأدب" وتاريخ ظهوره في ثقافة أمتنا، وما رافق ذلك من تطور لدلالة هذا المصطلح، تساعدنا في إدراك معانيها المختزنة، وما اعتوره من تقلبات، تفيد الباحثين من أبناء الأمة في تذكر مفاهيمها وتأصيل كيانها في لحظات تداعي الحضارات الطامعة عليها.

يقول شوقي ضيف: "كلمة" أدب" من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار الحضارة، وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم وهو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين سواء أكان شعرًا أم نثرًا"[2].

والملاحظ لمشتقات الكلمة التي كانت سائدة في العصر الجاهلي أنها كانت تدل على المعنى الحسي نحو: الآدب: الداعي للطعام، ومن ذلك ((المأدبة)) الطعام الذي يدعى إليه الناس.

ومع قلة الشواهد التي تتوسع في استعمال الكلمة إلا أنها انتقلت من المعنى الحسي إلى معنى آخر يدل على ما يرافق الكرم والطعام والضيافة والعلاقات الاجتماعية من (تهذيب) يتمتع به (الآدب) المكرم للناس: كأن لا يكون منانًا في كرمه، وأن يكون بشوشًا في استقبال ضيفه، وأن لا ينتقر الضيوف انتقارًا، أي ينتخب وينتقي، بل يكرم الناس جميعًا دون تمييز. وقد يطرح (المتأدب) ما يتمتع به من تهذيب في ضيافته، من ابتعاد عن السلوك المذموم كالجشع في الأكل، والتهام الطعام والإثقال على المضيف. فمن الأول قول طرفة في أخلاق (الآدب) مفتخرًا بقومه يقول:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب منا ينتقر[3]



ومن أمثلة الثاني قول الشنفرى في (المتأدب) من دون ذكر اللفظ ذاته، مفتخرًا بنفسه يقول:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل[4]


وقد تطور اللفظ بدلالته وإن لم تصلنا الشواهد الكافية على ذلك التطور، ولكننا نلمس هذا من خلال أقدم النصوص التي تتصل بهذه الكلمة في فجر الإسلام حيث ظهرت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي))[5] ولا يخفى أن المقصد من – أدبني – في هذا النص يعني ((علمني وهذبني)).

وهذا يدل على أن هذه الكلمة كانت في عهده صلى الله عليه وسلم تعني مادة (التهذيب والتعليم) وفي ذلك إشارة لتطور هذا المعنى في نهاية العصر الجاهلي الذي انتهى ببداية العصر الإسلامي.

وهكذا استمرت هذه الكلمة طوال فترة العصر الإسلامي الأول والأموي على المعنى أو الدلالة نفسها. ولكنها ترسخت وتأصلت في الحياة الثقافية العربية، ثم ظهر إلى جانبها كلمة (المؤدب) التي كانت تطلق على من يعلم أبناء الخلفاء والأمراء (ما تطمح إليه نفوس آبائهم فيهم من معرفة الثقافة العربية)[6].

وبحكم انتشار العلم وبروز دور المؤدب (المعلم) بدأت الكلمة تستقل ويتضح معناها في هذا الاتجاه، حيث كان المؤدب يعلم تلاميذه القراءة والكتابة أولاً، ثم يعطيهم قسطًا من التهذيب والمعرفة، وكانت وسيلته في التهذيب والمعرفة تقوم على الانتقاء والانتخاب من فنون القول الجيد المؤثر (الشعر والخطابة والقصص والحكمة والأمثال والوصايا..) بالإضافة إلى تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف والسّير والأنساب والتاريخ، وبذلك أصبحت الكلمة بحكم هذا الاتساع تقابل كلمة العلم.

وقد وردت أقوال عن الخلفاء والعلماء يوصون المؤدب ويدلونه على كيفية الاختيار لمادة التعليم والتهذيب والعلم كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه لأبي موسى الأشعري (مرْ مَنْ قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي...)[7].

ولما جاء العصر العباسي وازداد سموق الثقافة العربية الإسلامية ارتفاعًا بدأت كلمة (الأدب) تظهر في خضم الازدهار الثقافي وفي تعبيرات الكتاب ومؤلفاتهم، فمنهم من استعملها للدلالة على معرفة أشعار العرب وأخبارهم ولغتهم، ومنهم من اتسع بها لتشمل كل المعارف التي ترقى بالإنسان، فظهرت كتب مثل (الأدب الصغير) و(الأدب الكبير) لابن المقفع وكتاب (الأدب) لابن المعتز، و(البيان والتبيين) للجاحظ، و(العقد الفريد) لابن عبد ربه، حتى قال ابن خلدون: (الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارهم والأخذ من كل علم بطرف)[8] وكأنها أصبحت ترادف كلمة الثقافة بمعناها الموسوعي.

ثم أخذت هذه الكلمة تستقل تدريجيًا في دلالتها عن معنى التهذيب، لتصبح علمًا خاصًا جامعًا لفنون القول الجيد الراقي التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية (الشعر والخطابة والقصص والأمثال والحكم والوصايا والرسائل) وما أضاف إليها العرب في العصر العباسي من فنون جديدة نحو (التوقيعات، والخاطرة، والمناظرة، وأدب الرحلات والمقامات والسيرة...) وغيرها.

واستمر هذا المصطلح في مسيرته حتى القرن التاسع عشر، ليدل على ما ينتجه العقل والشعور من خلال اللغة، ثم استقل في نهاية الأمر على معنى الأدب الخالص، بعد أن استقلت العلوم بدلالتها وعناوينها، ليكون مصطلحًا خاصًا لفنون الشعر والنثر، وقد أضاف إليها العرب في القرن العشرين الفنون التالية: (فن الرواية، وفن المقالة، وفن المسرحية، والحديث الإذاعي، والندوة والحوار والمرافعات، وغيرها من الفنون...) وذلك بحكم انتشار الطباعة والصحافة والإذاعة، وإلى هذا المصطلح ينصرف الذهن في الدراسات الأدبية الحديثة.

ومن خلال استعراض مسيرة هذا المصطلح يمكننا أن نسجل الملاحظات التالية:

1 – أن العرب منذ الجاهلية كانت لهم مجموعة من الفنون القولية التي تعتمد الفصاحة والبيان الجميل، وهي ما نسميه في عصرنا بالأنواع الأدبية (الشعر، والخطابة، والمثل، والحكم، والوصايا، والقصص، والرسائل..) ولكنهم لم يتوصلوا إلى اسم جامع يجمعها في مصطلح واحد، بل كان العرب يتعاملون مع هذه الفنون، كأنواع منفصلة عن بعضها، واستمر ذلك حتى نهاية العصر الأموي.

2 – وفي العصر العباسي بدأ استعمال مصطلح (الأدب) ليدل على فنون الكلام الجيد المؤثر في العواطف من الشعر والنثر، وهي التي كان يختارها المؤدب في تهذيب تلاميذه، وأخيرًا بدأ اللفظ يستقل عن معنى التهذيب ليصبح مصطلحًا جامعًا لفنون الأدب الخالص، وبخاصة في القرن التاسع عشر، بعد أن استقلت العلوم الاجتماعية ومالت إلى التخصص، مع أن المعنى اللغوي القديم ما زال مستعملاً بمعنى التهذيب حتى أيامنا، ولا تزال بعض الجامعات تستعمل مصطلح (كلية الآداب) في تقسيماتها ليدل على المعنى الثقافي الموسوعي القديم.

3 – لقد اكتشف العرب المتعة الجاذبة في الفنون الأدبية فسموها (سحر البيان) فجعلوا من الشعر والخطابة والمثل والقصة مادة سمرهم في مجالسهم ونواديهم، وعندما أوغلوا في تلك المتعة، اكتشفوا فوائد كثيرة تختلط بتلك الفنون الممتعة، وبذلك تعرفوا على الفائدة العظيمة للأدب، والوظيفة التي يمكن أن يؤديها، فجعلوا منه مادة التهذيب والتعليم التي يستعملها المؤدب (المعلم) في تعليم أبناء الخلفاء والأمراء وأبناء الأمة عندما اتسعت قاعدة التعليم، وبذلك اكتشفوا تأثير هذا السحر فوظفوه في حياتهم قبل أن يتمكنوا من تفسيره، ولم يكن عندهم من علم حول طبيعة الأدب إلا القليل، وذلك من خلال تذوقهم الفطري لسحر الأدب وجمال المعاني، وما كانوا يتداولونه في أسواقهم الأدبية من تذوق فطري انطباعي سريع حول ما يلقى من الشعر أو النثر.

4 – ثم تطور الأمر حتى ظهر النقد المنهجي العميق في العصر العباسي، وعندها تعمقت صلاتهم بطبيعة الأدب، وتأصلت عند النقاد. ومما ساعد على ظهور هذه المرحلة الجادة في تفهم طبيعة الأدب، ما رافق تلك الفترة من نشأة وتطور لعلوم اللغة العربية وما كان لها من فضل كبير في تعميق تلك الجهود. وهو أمر يلفت نظرنا إلى أهمية التمييز بين (وظيفة الأدب) و(طبيعة الأدب) وما بينهما من علاقة متينة، تقوم على التأثر والتأثير، وأثر هذه العلاقة وفائدتها لنا في التنظير للأدب الإسلامي، لأنه يكشف لنا قيمة طبيعة الأدب وأهميتها في تحقيق وظيفته، وذلك أن الأدب الراقي في تحقيق طبيعته هو الأدب الناجح في أداء الوظيفة والتأثير.

5 – كما دلتنا سيرة المصطلح على الدور التربوي العظيم للأدب في تاريخ الأمة، وأهمية الأدب تربويًا في تشكيل ذوق الأمة وبناء الوعي العام عند أجيالها، وهو أمر يمكن أن يتوسع فيه علماء التربية والثقافة في دراساتهم التربوية والثقافية المعاصرة.


6 – إن كشف تاريخ هذا المصطلح فيه فائدة عظيمة، تخدم دراساتنا في تعريف (الأدب الإسلامي) وتجذير مفاهيمه، لأن الأدب الإسلامي في تجربته النموذجية الأولى (أدب الصحابة) الكرام رضي الله عنهم، نشأ في أحضان الأدب العربي، وتغذى بخبراته الفنية الغنية، ثم بدأ تأثير الإسلام في الأدب العربي، فأخذ يصبغه بصبغته الفنية والشرعية، عندما أسلم العربي وأخضع نفسه للإسلام في عقيدته وشريعته ونظامه للحياة، واستمر تأثير النموذج الإسلامي الأول في الأدب العربي عبر عصوره الممتدة، وقد تعتوره حالات قوة أو ضعف وانفلات بحسب قرب المسلم من إسلامه أو ابتعاده عنه.

وهنا يجب تذكير دعاة الأدب الإسلامي بتاريخ نشأة الأدب الإسلامي في تجربته الأولى في عهد الصحابة وأهميتها في التنظير للأدب الإسلامي المكتوب باللغة العربية، وكذلك الأدب الإسلامي المكتوب بلغات الشعوب الإسلامية الأخرى، لأن ذلك يساعد الأدب الإسلامي المعاصر على إيضاح أمور كثيرة يحتاج إليها في معركته الأدبية والثقافية والنقدية.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-01-2021, 06:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مصطلح "الأدب" عند العرب

مصطلح "الأدب" عند العرب





عباس المناصرة

مصطلح النقد الإسلامي

لم يعرف العرب مصطلح الأدب مصطلحًا جامعًا (للفنون الأدبية) طوال فترة الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي، لأن ظهوره جاء متأخرًا في العصر العباسي، وهذا معناه أن الصحابة مارسوا الفنون الأدبية فنونًا منفصلة عن بعضها، كما كان سائدًا في عصرهم.

وهكذا ظهر الأدب الإسلامي في تجربته النموذجية الأولى على يد الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – وكان التوجيه التأسيسي لهذا الجيل في أدبه، يتم من القرآن الكريم وآياته، التي تكلمت عن البيان والكلمة وأثرها، والآيات التي فصلت قضية فن الشعر، ومن خلال أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه لشعراء الدعوة، ومن فقه الصحابة للقرآن والسنة، ومن تذوقهم لما يقال بين ظهرانيهم من الفنون الأدبية، التي تمرسوا بها (الشعر، والخطابة، والرسائل، والأمثال، والحكم، والوصايا) وغيرها.

ولم يطرح مصطلح (الأدب الإسلامي) إلا بعد ظهور مصطلح الأدب العربي واستقراره في الثقافة العربية، وكان ذلك عندما بدأت عملية الإحياء والتجديد الإسلامية في عصر النهضة الحديثة، وبالتحديد في النصف الثاني من القرن العشرين، على يد دعاة الإسلام المعاصرين، لمواجهة عملية التغريب والتخريب الثقافي التي كانت تغزو الأمة من جوانب حياتها المختلفة.

والهدف من هذا التمهيد، هو الإشارة إلى الظروف التي اكتنفت ظهور مصطلح النقد الإسلامي، الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الدعوة إلى الأدب الإسلامي، للتعرف على الظروف والعوامل التي أدت إلى بروز الأزمة التي يعاني منها هذا النقد في أيامنا، وذلك بعد مرور أكثر من أربعين عامًا على الدعوة المعاصرة إليه، والتي ظهرت على يد الرواد الأوائل له، وحيث ظهر الجهد الريادي لهذا النقد، بجهود متفاوتة كانت بداياتها على يد جيل الإحياء والتمهيد أمثال المرصفي والرافعي وغيرهم في النصف الأول من القرن العشرين، ولكن الدعوة للأدب الإسلامي لم تتضح معالمها إلا مع بداية النصف الثاني من هذا القرن على يد كل من: سيد قطب، والدكتور صلاح الدين السلجوقي، والدكتور عبدالرحمن الباشا، والدكتور نجيب الكيلاني، وأبي الحسن الندوي – رحمهم الله جميعًا -، ثم جهود كل من محمد قطب وعماد الدين خليل ويوسف العظم وغيرهم...

هذا بالإضافة إلى جهود مباركة لعدد من العلماء الأجلاء كان معظمهم في الجامعات العربية أمثال: الدكتور شوقي ضيف، والدكتور شكري فيصل، والدكتور محمد محمد حسين، والدكتور إبراهيم السامرائي، وأنور الجندي، والشيخ علي الطنطاوي[9] وغيرهم، ساعدت في تأصيل الوعي الأدبي والثقافي العام لدى أبناء الأمة.

ويمكننا متابعة موجات الجهد الذي بذل في التأسيس للنقد الإسلامي الحديث، ودعوته إلى الأدب الإسلامي من خلال مراحل نختزلها في المصطلحات التالية:


1 – مرحلة الريادة (جيل الرواد)[10]:
وهي المرحلة التي ظهر فيها رواد النقد الإسلامي في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين أمثال: سيد قطب، والسلجوقي والكيلاني ومحمد قطب وعماد الدين خليل وغيرهم من الرواد المتناثرين في أقطار الوطن العربي، والذين لم تسعفنا المراجع أو الظروف في تعرف جهودهم.

ويهمنا أن نتعرف على (نموذج الرائد) بشكل عام ووصفه والتعرف على أهمية فعله الريادي في هذا المجال.

فالرائد بشكل عام: هو مكتشف يتعرف على ظاهرة ما، لأنه أدرك أهميتها قبل كثير من الناس، ويكون فضله واضحًا، عندما يلفت نظر الناس من حوله إلى أهمية الظاهرة أو الفكرة التي اكتشفها، كما أنه يسلط الضوء على تلك الظاهرة ويضعها في بؤرة الاهتمام، وهو بهذا يقدح شرارة التأسيس ويثير الانتباه إلى تلك الظاهرة.

وعندها يتحلق المهتمون بهذه الظاهرة، لدراستها ومتابعتها، وإيضاح معالمها، والتفصيل لبعض خفاياها، ثم الدعوة إليها.

وتمتاز رؤية الرائد في تلك الفترة للظاهرة أو الفكرة تلك، بأنها رؤية أولية استطلاعية، كما أنها تتأثر بقدراته وعلمه وخبراته، ومقدار الجهد المبذول منه في تلك المرحلة الاستكشافية، فقد يكون الرائد جريئًا متمكنًا، وقد يكون لمحه للفكر طويلاً، فيرى كثيرًا من خطوطها ومعالمها، وقد تمنعه الظروف من معاودة المتابعة والمراجعة، فتبقى عند الخطوط الأولية للرؤية.

وقد يكون الرائد متيقظًا، ولكنه قليل الخبرة، غائم الرؤية، يسيطر عليه الانبهار بالمحيط البيئي للظاهرة، فلا يرى الأمور جيدًا، أو أن جهده كان لمحًا سريعًا، فهو في النهاية يصف لنا ما تمكن من رؤيته في تجربته تلك، وهذا ما استطاع أن ينجزه في تقديم الظاهرة أو التعريف بالفكرة.

ويهمنا أن نؤكد أن فكر الريادة فعل يمتاز بالجرأة، ويقوم على الانتباه والاستكشاف والاستطلاع، ولكنه فعل ناقص غير مكتمل، تلزمه جهود وجولات ومتاعب من دعاته، حتى تتضح معالمه وتستبين سبله.

وهذا ما فعله رواد النقد الإسلامي، وهو أمر طبيعي أن لا يكتمل العلم والفهم لأي قضية إلا بتتابع الجهود واستمرارها في الأجيال المتعاقبة.

وكان فضل هؤلاء النفر، يوم أن نبهوا الأمة إلى ضرورة استكمال فكر النهضة الإسلامية في الجانب الأدبي والثقافي، وإثبات شمولية الإسلام وكماله وصلاحه لكل زمان ومكان، أسوة بالجهود الإسلامية المبذولة في الاتجاه نفسه من مجالات كثيرة: كالاقتصاد والفقه والسياسة وعلم النفس والتربية وغيرها من الجوانب الأخرى التي تؤصل للنهضة الإسلامية.

فقد كانوا روادًا متحمسين يتحسسون طريق النهضة لأمتهم وسط الظلام، الذي يتحسس فيه الرواد الطريق تحسسًا، وتحيط بهم عقبات وصيحات من الاستهجان والاستنكار من أبناء الأمة المضبوعين، فما بالك بردة الفعل لدى الأعداء.

2 – مرحلة دعاة الريادة:
استطاع جهد الرواد أن يوصل الدعوة للأدب الإسلامي إلى كثير من الناس الذين أعجبوا بها، والتفوا من حولها، خاصة بعد أن أدرك الكثيرون أهمية الأدب في حياة الأمم والشعوب، وشاهدوا بأنفسهم كيف استطاع دعاة التغريب أن ينجحوا في استقطاب الناس لدعواتهم وأفكارهم عن طريق الأدب وفنونه المختلفة.

وبذلك ظهر جيل دعاة الريادة، تمثلهم ثلة من أساتذة الجامعات أمثال: (الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا، والدكتور محمد مصطفى هدارة، والدكتور عبدالباسط بدر، والدكتور عبدالقدوس أبو صالح، والدكتور صابر عبدالدايم، والدكتور سعد أبو الرضا، والدكتور عبدالمنعم يونس، والدكتور وليد قصاب، وكذلك جهود كل من حسني جرار، وأحمد الجدع من خارج الجامعة،... وغيرهم).

وهم الذين تسلموا راية الدعوة للأدب الإسلامي من جيل الرواد، وقد استطاع دعاة الريادة أن يحملوا جهود الرواد حول فكرة الأدب الإسلامي، وأن يوصلوها إلى آفاق جديدة، وتمكنوا من إيصالها إلى قاعدة شعبية واسعة، كما تمكنوا من تذليل كثير من العقبات التي كانت تقف في طريقها، وكانت لهم جهود مباركة في شرح الفكرة والتبشير بها، ونشرها من خلال الكتابة في الصحافة وإصدار الكتب والمحاضرات، ودفع الفكرة إلى الدراسات الجامعية العليا للاعتراف بها، وقد حصلوا على اعتراف فعلي من بعض الجامعات العربية والإسلامية، وكذلك من خلال عقد المؤتمرات التي تهتم بالأدب الإسلامي، وتبحث في شؤونه، وأخيرًا تكللت هذه الجهود في جمع دعاة الأدب الإسلامي في رابطة عالمية هي (رابطة الأدب الإسلامي العالمية)[11] من أجل خدمة الأدب الإسلامي وتجذير الدعوة إليه من خلال عمل جماعي مؤسسي، يستعمل الأساليب الممكنة في دفع الدعوة إلى هذا الأدب نحو الأمام.

وهكذا بدأ الاستقطاب لأعداد كبيرة من المؤمنين بهذا الأدب والداعين إليه، وهذه شهادة حق لجيل دعاة الريادة تكشف فضلهم وجهدهم في الانتصار لهذا الأدب واكتساح الأشواك من طريقه، حتى خفتت حدة المعارضة لهذا الأدب وبدأ الاعتراف به بين شرائح الأدباء والمثقفين يمتد بشكل لافت للنظر.

لكن المذهل في هذا الجيل الذي نجح في الدعوة إلى فكرة الأدب الإسلامي، أنه لم ينجح في طرح مفاهيم محددة وواضحة حول تعريف الأدب الإسلامي والفكر النقدي الذي يطرحه[12]، فبقيت تعريفات الرواد المختزلة على حالها، دون إضافة أو تفصيل أو تصحيح أو تعديل، يقول الدكتور صالح آدم بيلو بعد ذكره لتعريف سيد قطب للأدب الإسلامي وتعريف محمد قطب للفن الإسلامي معلقًا:


(ويكاد الكاتبون والباحثون الذين خاضوا في هذا الموضوع للوصول إلى تعريف موحد للأدب الإسلامي، لا يخرجون عن ذلك إلا في بعض ألفاظ وعبارات)[13].

ويقول الدكتور محمد زرمان: (وعلى الرغم من هذه النهضة الشاملة، التي شهدتها حركة الأدب الإسلامي فقد بقي المصطلح من الناحية النقدية في حاجة ماسة إلى الدراسة والإثراء والمناقشة والتعمق لمعالجتها معالجة علمية وموضوعية دقيقة)[14].

وذلك لأن هذا الجيل (جيل دعاة الريادة) عاش على فكر الرواد وشرحه، ولم يبذل جهدًا كافيًا في استكمال العمل الريادي وتفصيل الجهد النقدي للرواد، ولم يصلوا إلى نظرية إسلامية في النقد، تأخذ بيد المبدع المسلم نحو الرقي الفني، وعندما حاولوا هداية الإبداع الإسلامي، كانت تطبيقاتهم عشواء، لأنها لا تهتدي بنظرية إسلامية واضحة المعالم، بل كان فعلهم النقدي يقوم على خلط مناهج النقد الغربي المسيطر على الساحة الأدبية، مع مقولات النقد العربي القديم، ومن خلال منظور الخبرة الفردية المتفاوتة من شخص إلى آخر.

ولأنهم لم يصلوا إلى بلورة فقه نقدي مستخرج من الإسلام والأدب، يوحد منظورنا النقدي ويحمي المبدع المسلم من مزالق الضعف، ويهديه إلى سبل الإبداع والرقي بالأدب الإسلامي، والاستقلال به عن سيطرة النقد الغربي، الذي يسيطر على الساحة الأدبية، برزت الأزمة النقدية التي يعاني منها النقد الإسلامي المعاصر، لأننا لا نملك المقاييس الإسلامية التي نحاكم بها النص الأدبي، فكيف نطالب بإسلامية الأدب؟ ونحن لا نملك نظرية واضحة لإسلامية الأدب، وهو أمر يكشف ضعف الخطاب النقدي، ويؤدي إلى ضعف الاستقطاب الجماهيري لصالحه.

والحق يقال أن هذا الجيل رغم كل ما قلنا لابد أن نلتمس له العذر الواضح، فقد كان في مرحلة دعوة لإيضاح الحقائق المطموسة من الأدب الإسلامي ويواجه تغول التيارات التغريبية التي تحيط بالأمة، حيث استهلكت كثيرًا من جهوده، وأشغلته عن إنجاز ما كان يتوقع منه.

ومع ذلك لا نستثني جهود نشطاء النقاد من هذا الجيل، الذين أدركوا أن الدعوة إلى فكر الريادة النقدي قد أشبعت، وأن النقد الإسلامي بحاجة إلى قفزة تُفصل شيئًا من مشروعه النقدي، فأخذوا على عاتقهم الدعوة إلى فكر التأسيس للمرحلة الجديدة (دعاة الإبداع).



------------------
[1] دورة المفاهيم الإسلامية، معهد الفكر الإسلامي، المنعقدة في الجامعة الأردنية، الورقة الثانية 1996م.
[2] تاريخ الأدب العربي، شوقي ضيف، ط9، ص3، دار المعارف.
[3] ديوان طرفة بن العبد.
[4] لامية العرب للشنفري.
[5] الحديث (أدبني ربي...) انظر النهاية، ابن الأثير، غريب الحديث والأثر ج1، ص3 والوافي في تاريخ الأدب، فائز الغول ومجموعة من المؤلفين ج1، ص5.
[6] تاريخ الأدب العربي، شوقي ضيف، ص8.
[7] العمدة ج1/11.
[8] مقدمة ابن خلدون، ص408.
[9] انظر كتب كل من: الدكتور شوقي ضيف سلسلة تاريخ الأدب العربي. د. شكري فيصل: المجتمعات الإسلامية وتطورها اللغوي الأدبي في القرن الأول وتطور الغزل... ود.محمد محمد حسين: الاتجاهات الوطنية في الأدب، حصوننا مهددة من الداخل.... ود.عبدالرحمن رأفت الباشا: نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، الرياض 1985م. وأنور الجندي: دراسات إسلامية معاصرة، وكتب الشيخ علي الطنطاوي.
[10] انظر كتب كل من: سيد قطب: في التاريخ فكرة ومنهاج، وفي ظلال القرآن، والنقد الأدبي أصوله ومناهجه.. ومحمد قطب: منهج الفن الإسلامي، وصلاح الدين السلجوقي: الفن الإسلامي من خلال كتاب الإسلامية والمذاهب الأدبية.. ونجيب الكيلاني: الإسلامية والمذاهب الأدبية ومدخل إلى الأدب الإسلامي من سلسلة كتاب الأمة.
[11] رابطة الأدب الإسلامي العالمية: النظام الأساسي، ومجلة الأدب الإسلامي، الإصدارات والنشر ومقابلات صحفية متعددة مع الدكتور عبدالقدوس أبو صالح (رئيس الرابطة) التي يشرح فيها فكرة الرابطة.
[12] هذا رأي الباحث، ولا ترى إدارة تحرير المجلة أن هذا الرأي قائم على استقراء دقيق لجميع ما كتب حول الأدب الإسلامي (تعليق المجلة).
[13] من قضايا الأدب الإسلامي: د.صالح آدم بيلو ص57.
[14] ملخصات مؤتمر الأدب الإسلامي: الأدب الإسلامي النشأة والمصطلح د.محمد زرمان ص17، جامعة الزقاء الأهلية 1999م.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.01 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]