|
|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
شرح حديث أبي هريرة: "لا يفرك مؤمن مؤمنة"
شرح حديث أبي هريرة: "لا يفرك مؤمن مؤمنة" سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً؛ إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها آخَرَ))، أو قال: ((غيرَه))؛ رواه مسلم. وقوله: ((يَفْرَك)) هو بفتح الياء، وإسكان الفاء، وفتح الراء، معناه: يُبغِض، يقال: فَرِكَتِ المرأةُ زوجَها، وفَرِكَها زوجُها، بكسرِ الراءِ، يَفْرَكُها بفتحها؛ أي: أبغَضَها، والله أعلم. قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: ذكر المؤلِّف رحمه الله فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً؛ إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها خُلُقًا آخَرَ)). الفَرْكُ: يعني البغضاء والعداوة، يعني لا يُعادي المؤمن المؤمنةَ كزوْجتِه مثلًا، لا يُعاديها ويُبغِضها إذا رأى منها ما يَكرَهُه من الأخلاق؛ وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيامُ بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازِن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر، وأيهما أعظم وقعًا، فيغلِّب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيرًا؛ هذا هو العدل. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: 8]، يعني لا يَحمِلْكم بُغضُهم على عدم العدل، اعدلوا ولو كنتم تبغضونه؛ ولهذا لما بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة إلى أهل خَيْبَرَ لِيَخرُصَ عليهم ثمر النخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عامَلَ أهل خَيْبَرَ حين فتَحَها على أن يَكْفوه المؤونة، ويقوموا بإصلاح النخيل والزرع، ولهم النصفُ. فكان يبعث عليهم من يخرُصُ عليهم الثمرة، فبعث إليهم عبدالله بن رواحة فخرَصَها عليهم، ثم قال لهم: يا معشر اليهود، أنتم أبغضُ الخلقِ إليَّ، قتَلتُم أنبياء الله عز وجل، وكذَبتم على الله، وليس يحملني بُغضي إياكم على أن أَحِيفَ عليكم، قد خرَصتُ عشرين ألف وَسْقٍ من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبَيْتم فلي، فقالوا: بهذا قامت السمواتُ والأرض. فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمَرَ أن يكون الإنسان حاكمًا بالعدل والقِسط، فقال: ((لا يَفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً))؛ يعني لا يُبغضها لأخلاقها، ((إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها خُلُقًا آخَرَ)). إذا أساءتْ مثلًا في ردِّها عليك مرة، لكنها أحسنتْ إليك مرات، أساءتْ ليلة لكنها أحسنتْ لياليَ، أساءت في معاملة الأولاد مرة، لكن أحسنت كثيرًا... وهكذا. فأنت إذا أساءت إليك زوجتُك، لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل، واحكم بالعدل. وهذا الذي ذكَرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المرأة، يكون في غيرها أيضًا ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك، إذا أساء إليك يومًا من الدهر، فلا تنسَ إحسانَه إليك مرة أخرى، وقارِنْ بين هذا وهذا، وإذا غلَبَ الإحسان على الإساءة، فالحكم للإحسان، وإن غلَبَت الإساءة على الإحسان، فانظُرْ إن كان أهلًا للعفو فاعفُ عنه، ومَن عفا وأصلَحَ فأجرُه على الله، وإن لم يكن أهلًا للعفو، فخُذْ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك، لكن انظر للمصلحة. فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلةٌ؛ مِن زوجيَّة، أو صداقة، أو معاملة، في بيع أو شراء أو غيره، أن يعامله بالعدل، إذا كَرِهَ منه خلُقًا أو أساء إليه في معاملة، أن ينظُر للجوانب الأخرى الحسنة؛ حتى يقارِن بين هذا وهذا، فإن هذا هو العدل الذي أمَرَ الله به ورسوله، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]. المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 122- 124)
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |