أسباب العلمانية في المجتمعات الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الآداب الإسلامية في الحياة الاجتماعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          خواطر سريعة في العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          القول فيمن مات وقد لزمه الحج والعمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          خطة إيمانية شاملة أعمال اليوم والليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          قصة زواج موفق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          القوامة وأثرها في استقرار الأسرة والمجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ماذا أفعل مع طفلي العنيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لأن عقلك يستوعب أكثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أذكياء ولكن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2024, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,028
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب العلمانية في المجتمعات الإسلامية




أسباب العلمانية في المجتمعات الإسلامية



إن أعظم خير ومنة قد منّ الله تبارك وتعالى بها علينا هي نعمة الإسلام. وأقوم شريعة هي شريعة الرحمن، فكانت الأمة التي استحقت أن تسمى بـ«المسلمين» لتحقق معاني الإسلام فيها: إسلام القلب والجوارح، وإسلام الفرد والمجتمع، وإسلام الحياة كلها لله تعالى وحده لا شريك له، وهو الإسلام الذي تضمنته تلك الكلمة العظيمة التي تعدل الكون كله، وهي: «لا إله إلا الله».
ظلت هذه الأمة قرونا تقود الجماعة البشرية وتسيطر على العالم المتحضر إلا قليلا، وهي تتبوأ مركز الأمة الوسط بين العالمين الشرقي والغربي، كل ذلك بفضل إدراكها لتلك الكلمة العظيمة والعمل بمقتضاها وتحقيق مدلولها في واقع الحياة، ثم أخذ شأن هذه الأمة في الانحطاط وحضارته في الذبول وفقدت شيئاً فشيئاً مركزها المرموق وومنزلتها، ولم يكن لذلك من سبب إلا أن نور: «لا إله إلا الله» قد خفت، ومقتضياتها قد أهملت، فهذه الكلمة: «لا إله إلا الله» هي روح هذه الأمة وسر وجودها ومنبع حياتها، فإنها ظلت تفقد من ذاتها بمقدار ما تفقد من نور هذه الكلمة حتى آل الأمر في العصور الأخيرة إلى الفقدان الكامل أو شبه الكامل.
وعندما تصاب أمة من الأمم بهذا المرض المدمر «فقدان الذات» فإن أبرز أعراضه يتمثل في الانبهار القاتل بالأمم الأخرى والاستمداد غير الواعي من مناهجها ونظمها وقيمها.
وقد وقع ذلك في حياة الأمة الإسلامية تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم : «لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه» رواه مالك بسند صحيح وأصله عند مسلم.
لقد خيل للأمة أن هذا الداء العضال يمكن مداواته بشعارات ساذجة ومظاهر جوفاء تتلقاها جميعها من الكفار الذين أصبحنا نسميهم بـ«العالم المتحضر» أو بـ«الأمم الراقية».
وكان استعدادنا الذاتي وقابليتنا للذوبان هما الأكبر للحرب النفسية الشرسة التي نسميها «الغزو الفكري» أمثال الاشتراكية - والقومية - والوطنية - والديمقراطية - والحرية - وفلسفة التطور - واللادينية، وغيرها من المسميات والشعارات، وسرت عدوى هذه الأوبئة سريان النار في الهشيم، وتغلغلت في العقول والقلوب، التي فقدت رصيدها من «لا إله إلا الله» أو كادت، وترتب على ذلك ظهور أجيال ممسوخة هزيلة، ومرت في مطلع هذا القرن حقبة مظلمة راجت فيها سوق الأفكار الموبوءة والمذاهب المنحرفة، حتى قيل: إن هذه الأمة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وأنبت في وسط الركام والظلام رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فانفجرت في كل بلد إسلامي حركة تصحيحية تستمد وقودها من الكتاب والسنة مباشرة، وتم إدراك أن سبب انحطاط هذه الأمة هو انحرافها عن حقيقة: «لا إله إلا الله».
معنى العلمانية
المعنى اللفظي
لفظ العلمانية ترجمةغير صحيحية لكلمة «Secularism» وهي كلمة لا صلة لها بلفظ «العلم» ومشتقاته على الإطلاق، والترجمة الصحيحة للكلمة هي «اللادينية» أو «الدنيوية».
أما المعنى التعريفي لهذه الكلمة:
تقول دائرة المعارف البريطانية في مادة «Secularism»: هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وظل هذا الاتجاه من خلال التاريخ الحديث كله باعتبار أنها حركة مضادة للدين ومضادة للنصرانية لما عانته هذه الشعوب من قسوة الحياة في ظل النصرانية المنحرفة المتسلطة.
ويقول قاموس «العالم الجديد» لوبستر: إن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شؤون الدولة ولاسيما التربية العامة.
ويقول معجم اكسفورد: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسا للأخلاق والتربية.
ويقول المعجم الدولي الثالث الجديد: إن اتجاه الحياة شأن خاص، وإن الدين له اعتبارات أخرى لا صلة لها بالدنيا ولا بالحكم، والقول المشهور: «أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله» هو مأخود من إنجيل متى (17 - 21)، وقد تجاهلوا أن السيد المسيح قال ذلك ردا على اليهود الذين أرادوا الإيقاع بينه وبين قيصر الروم؛ فسألوه: هل ندفع الجزية والضريبة لقيصر أم لا؟ فرد عليهم بسؤال هو: ما الصورة التي توجد على الدينار والعملة التي بين أيديكم؟ فقالوا: هي صورة قيصر! فقال لهم: إذاً أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا القول لا يعني أن مسألة الحلال والحرام لا تكون لله كما زعم دعاة العلمانية.
والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو: «فصل الدين عن الدولة»، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل: إنها فصل الدين عن الحياة، لكان أصوب؛ لذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أم للفرد.
إذاً ما الأسباب التي أدت إلى دخول العلمانية في العالم الإسلامي؟
سوف نقوم بتقسيمات لكي يتضح الأمر بصورة أسهل.
- أولاً: انحراف الأمة الإسلامية.
- ثانياً: التخطيط اليهودي الصليبي
وسوف نؤجل ثانياً إلى وقت آخر.
الحديث عن تأخر الأمة الإسلامية وانحطاطها في القرون الأخيرة طويل ومتشعب، ولكن السمة البارزة في هذا التأخر هي الانحراف عن فهم الإسلام نفسه، وهذا الانحراف هو نتيجة وسبب في آن واحد.
- نتيجة: للوهن الذي أصاب الأمة الإسلامية «حب الدنيا وكراهية الموت» وإصابتنا بالذل هو ترك الجهاد بالمفهوم الواسع للكلمة، ومعلوم من فقه التربية الإيمانية أن الله يعاقب على الذنب بالذنب، وهو صنف من أصناف العقاب، وهكذا عوقبت الأمة الإسلامية على انحرافها العملي والسلوكي بانحراف أشد منه في العقيدة والتصور.
وهو سبب لما تلاه من أحداث جسام ومخاطر جمة اجتاحت الرقعة الإسلامية من أقصاها إلى أدناها، وعلى سبيل المثال:
1 - الركود العلمي العام: الذي هيمن على الحياة الإسلامية في عصر كانت أوروبا فيه قد نفضت غبار الماضي وحثت الخطى على الطريق في العلم والاكتشاف.
2 - الضعف المادي والمعنوي: الذي جعل البلاد الإسلامية لقمة سائغة للكفار وجعل أوروبا تلتهمها قطعة قطعة، ولقد كانت هزيمة العثمانيين في «سان جونار» وتقهقر المماليك السريع أمام نابليون مؤشراً واضحاً على هذين المثالين، ولا ننسى كذلك تفوق الكفار علميا وعسكريا، والحقد الصليبي الذي بث سراياه الفكرية جنباً إلى جنب مع السرايا «الاستعمارية»، ورغم كل هذا فإن المسلمين لم يؤتوا إلا من قبل أنفسهم حسب القاعدة التي سنها الله تعالى في ذلك إذ قال: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وأوضحها الرسول[: «دعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم حتى يقاتل بعضهم بعضا» مسلم.
وعلى سبيل الإجمال نستطيع أن نقول: كما أن العلمانية ظهرت في أوروبا نتيجة لتحرير الدين النصراني، فقد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة انحراف المسلمين. أما مظاهر هذا الانحراف فيمكن إيجازها فيما يلي:
انحراف في مفهوم الأولوهية:
1- توحيد الطاعة والاتباع
2 - توحيد الإرادة والقصد «العبادة».
1 - توحيد الطاعة والاتباع
نسي المسلمون تلك القاعدة التوحيدية العظمى: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وغفلوا عن قوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}، وبذلك صرفوا هذا النوع من العبادة أو جزءا منه إلى الحكام والولاة وعلماء المذهب المتعصبين ومشايخ الطرق الصوفية، فضلاً عن المشعوذين الذين تهيأ لهم الجو بما كان يسيطر على الأمة من جهل وسذاجة، وقد كانت الدول التي تتقاسم العالم الإسلامي ثلاث دول:
الدولة المغولية في الهند، والدولة الصفوية في فارس، والدولة العثمانية في البحر الأبيض المتوسط.
- بالنسبة للدولة الصفوية: يمكن القول بأنها كانت منحرفة انحرافا يجعل انتسابها للإسلام اسماً فقط، فقد كانت باطنية، وكان الحكم فيها يجري على آراء وأهواء علماء الباطنية المتعصبين، وكان الشغل الشاغل لملوكها هو مهاجمة الدول العثمانية؛ لأنها سنية.
- أما الدولة المغولية: فكان بعض ملوكها مثل «أورنك زيب» جاهلين بحقيقة الإسلام، وكان فهمهم له مختلطا بكثير من الخرافات والتصورات غير الصحيحة، وذلك لأنهم لم يعتنقوا الإسلام الصافي، بل دخلوا فيه على الصورة المشوهة التي كانت عليها الأمة الإسلامية في العصر العباسي الثاني؛ حيث كانت الصراعات المذهبية والفكرية والطوائف الباطنية التي نخرت في جسم الأمة مما هيأ لهم اكتساح العالم الإسلامي، وهذا الجهل بالإضافة إلى كون المسلمين أقلية بين الهندوس، جعل إلغاء الشريعة الإسلامية من قبل الإنجليز لا يقابل بكثير من المعارضة. يتبع



اعداد: جاسم السويدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-03-2024, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,028
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب العلمانية في المجتمعات الإسلامية




أسباب العلمانية في المجتمعات الإسلامية (2-2)



أما الدولة العثمانية: فعلى الرغم من كونها أصلح الدول الثلاث عقيدة وسلوكا؛ إلا أنها كانت تعيش في بحر من ظلمات الجهل في باب العقيدة؛ حيث كانت تسيطر على سلاطينها الطرق الصوفية كالنقشبندية والمولوية فضلا عن التعصب المذهبي، كانت بعيدة عن منهج الخلافة الراشدة بعدا يزداد أو يقل حسب نوعية خلفائها.
ولا نستطيع أن ننكر مآثر الدولة العثمانية ومزاياها التي تستحق الثناء والتقدير، فهي التي جعلت المد الإسلامي في أوروبا الشرقية يبلغ مداه بعد أن فقد المسلمون بلادهم في أوروبا الغربية بسقوط الأندلس، وهي التي كسرت الكماشة الأوروبية التي كادت تطبق فكيها على العالم الإسلامي ولم تتمكن من ذلك إلا بعد انهيار الدولة العثمانية، غير أن هذه المآثر لم تجنب الدولة العثمانية الاستمرار في خط الانحراف الذي ورثته من أسلافها، ومن مظاهر ذلك فيما يتعلق بالحكم ومنهجه في الدولة العثمانية، أنها كانت تطبق عمليا المذهب الحنفي بتعصب، وعارض علماؤها «شيوخ الإسلام» من فتح باب الاجتهاد، وتتمثل هذه المعارضة في العداء ضد الحركات والأفكار التجديدية التي كانت تنبذ الجمود وتدعو إلى الانطلاق الفكري المستمد مباشرة من الكتاب والسنة كدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (1206هـ)، والإمام الشوكاني (1250هـ)، والشيخ الألوسي (1342هـ) وغيرهم، وعندما قفل باب الاجتهاد نتج عنه نتائج سيئة منها:
1 - استمرار الحكم على طريق «الملك الجبري» الوراثي الذي ابتدأ في عهد الأمويين، وقد يقال: إن هذا الأمر أقره العرف وله إيجابياته، ولاسيما في أسرة مجاهدة كآل عثمان: ولكن كان في الإمكان على الأقل أن يكون مبدأ الشورى، هو القاعدة الأساسية للحكم مع استمرار الخلافة وراثية.
وأما أن تترك الأمور على تلك الحال، فإن الطريق إلى الاستبداد والظلم مهيأه، وهو ما حصل فعلاً من بعض السلاطين والولاة بصفة خاصة.
2 - قصور الاستنباط الفقهي عن مجاراة الوقائع المحدثة:
إن الحياة البشرية عرضة لتغيرات لا يدرك مداها العقل البشري بحكم حجبه عن علم الغيب، وذلك يجعل المجتهد في الشريعة ذا مهام مهمة جداً، ودقة نظرته في الحلول تعتمد على واقع البيئة التي من حوله، وكل هذا عارضه خلفاء وعلماء الدولة العثمانية وأقفلوا باب الاجتهاد وقيدوه في دائرة التراث المأثور عن فقهاء الحنفية السابقين، وفي الوقت الذي كان الفقه فيه جامدا، كانت الحياة حسب سنة الله جارية متطورة.
وبالتالي ضاقت دائرة الفقه الواقعي، بل الافتراضي عن الإحاطة بأحداث الحياة كلها، وما وحاشا أن تكون الشريعة قد ضاقت.
ومن المؤسف أن الذي حصل أول الأمر هو أن باب الاجتهاد لم يفتح ولم يكسر، بل استوردت القوانين الأجنبية الكافرة.
ولكن الطريق الملتوية البطيئة التي سلكتها عملية الاستيراد والتي كان حسن النية أحد أسباب تقبلها، لم تلفت الأنظار إلى خطورتها، فقد بدأت هذه الطريق باسم الإصلاح والتنظيم الذي تقتضيه الظروف الواقعية ولنضرب مثالا لكي يتضح الأمر، والمثال هو الجيش العثماني:
كان الجيش العثماني مكوناً من قبل مجموعات من المتطوعين، يحملون السلاح ويجاهدون في سبيل الله، فلم يكن لهم جيش منظم مدرب على أن يستخدم الأسلحة الحديثة ويفرغ نفسه لمهمة الجهاد؛ فكان من الصعب أن توضع اللوائح النظامية والتدريب المنتظم الحديث في ذلك الوقت مع جمود الفقه فيه، وليس بوسع العلماء أن يحدثوا ذلك، كما أنه لم يكن في مقدور قادة الجيش نفسه؛ لأن الجمود العلمي والذهني الذي ليس من الإسلام في شيء، قد كان يقضي على كل فرصة للتطوير والإبداع.. إذاً ما الحل؟
لجأت الدولة العثمانية إلى ملوك أوروبا الذين كانو لا يزالون في نظر العثمانيين حتى ذلك الحين كفرة حقيرين، يطلبون منهم إيفاد مدربين للجيش العثماني، وجاء المدربون من ألمانيا، وفرنسا، والسويد، ولأول مرة في التاريخ الإسلام يتولى تدريب وتنظيم الجيش الإسلامي خبراء كفرة.
وكانت.. هذه هي البداية ثم تلاها بعد ذلك ما تلاها؟
فكان الاستيراد في إصلاح الجهاز الإداري، ثم إصلاح الجهاز التعليمي، ومنه البعثات الدراسية إلى أوروبا، ثم إصلاح منهج الحكم، وهنا أصر دعاة التغريب على أن تنشأ مجالس نيابة على الطريقة الأوروبية وأن يوضع دستور مكتوب ذو قواعد وبنود على النمط الغربي، وكان لهم ما أرادوا.
لقد نتج عن ضيق دائرة الفقه عن استيعاب الحياة أن ظلت القوانين المستوردة تحل رويدا رويدا مواقع جديدة من الحياة الإسلامية دون النظر إلى خطورتها، إلى أن جاء الوقت الذي أصبح اقتباس هذه القوانين أمراً مقرراً ومنهجاً لا غبار عليه.
وهذا بينه الرسولصلى الله عليه وسلم في الحديث: «إن عرا الإسلام تنقض عروة عروة، أولها الحكم وآخرها الصلاة». ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثانياً: الانحراف في توحيد الإرادة والقصد «العبادة»
ظهرت الصوفية في العصر العباسي لأسباب تاريخية، منها ضعف الخلافة المركزية أو انحرافها، وانغماس الناس في الترف وانصرافهم عن الاهتمام بالدار الآخرة، وكانت الإصابة تأتي بقدر تمسك الصوفي وقربه من الكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح.
وكان الخطأ الأساسي في الفكر الصوفي النظرة العدائية إلى الحياة الدنيا، التي لها تأثر بالفكر البوذي والفلسفة الإشراقية.
ولن ندخل في تفصيل هذا الفكر وبيانه، ولكن لندع الصوفية أنفسهم ولننظر إلى أثرهم المعنوي في الأمة:
كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة والآلام وهو يرى الناس فئتين:
فئة صالحة تعمل للآخرة وتتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات، ولكنها لا حظ لها من الدنيا.
وأخرى فاسقة عاصية مقصرة في حق الله تعالى تتمتع بالحياة ونعيمها، ولا ثالثة لهما.
ويبدو الخيار أمامه صعباً، أيكون مع الأولى فيقضي على نفسه بالحرمان أو ينضم إلى الثانية فيقع في الحرام؟!
كان معظم الأمة بطبيعة الحال لم ينقطعوا عن الدنيا، لكنهم كانوا يعملون فيها مع الإحساس بالذنب والندم ينتابهم، لأنهم يرون أنهم لا يعبدون الله حين يقومون بذلك، وغاب عنهم أن ذلك جزء من الغاية العظمى التي خلقوا لأجلها.
وكل هذه الانحرافات وقعت قبل احتكاك الغرب اللاديني بالشرق، بل قبل الدولة العثمانية، وعندما سيطر العثمانيون ازداد الأمر سوءاً وتطورت الانحرافات حتى توهم الناس أن العبادة هي ما يأمرهم بها المشايخ والأولياء من البدع، ووقعت الأمة في الشرك الحقيقي من بعض السذج والجهلة والعامة مع بعض العلماء بالتمسح بالأضرحة وتقديس الموتى والبيت المشهور فيه يقول أحدهم:
يا خائفين من التتر
لوذوا بقبر أبي عمر
وبهذا خبا نور الجهاد وأصبحت المدارس لا أثر للتربية الجهادية فيها، وحتى مناهجها التعليمية كانت متخلفة ومحدودة.
ولا ننسى كذلك بالإضافة إلى الصوفية أن كتب الفقهاء المتأخرين ساعدت وبغير قصد على مد هذا الانحراف، وهذا يرجع إلى تقسيماتهم لأحكام الشرعية إلى عبادات ومعاملات، واضعين في القسم لأول الأحكام التعبدية المحضة، وفي الآخر الأحكام التعبدية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي ومشكلاتها، ولم يقولوا ولم يعتقدوا أن القسم الثاني ليس عباديا، ولكنهم وضعوا القسمة لاعتبارات فنية اصطلاحية لا تمس جوهر الموضوعات.
وهذا لم يكن في المؤلفات التي ألفت في القرنين الأول والثاني، غير أن هذا التقسيم أصبح بعد ظهور الصوفية وحدوث الانفصام العملي في الحياة الإسلامية.
وكذلك واكب هذا الانحراف انحراف آخر، وهو مفهوم الإيمان بالقدر، فلقد كتب أحد المستشرقين الألمان وهو يؤرخ لحال المسلمين في العصور الأخيرة، يقول: «طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه، وقد كان لهذه الطبعة أثران مختلفان متناقضان: ففي العصر الإسلامي الأول أدت دورا كبيرا في الحروب إذ حققت نصرا متواصلاً؛ لأنها دفعت في الجندي روح الفداء، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي؛ فقذف به إلى الانحدار وعزله عن الأحداث العالمية».
إن هذا الرجل وهو كافر أدرك هذه الحقيقة، حقيقة الفرق بين الإيمان بالقدر كما فهمه السلف، وبين الإيمان الذين ابتدعه الخلف متأثرين بالمتصوفة؛ فالذنب ليس ذنب العقيدة، بل هو ذنب المعتقدين، فانقلب التوكل على الله إلى تواكل رخيص مذموم سماه المتصوفة «يقينا» وسماه الآخرون «قناعة» واحتسبه الكل عند الله.
فكان معنى التوكل عند أبي حامد الغزالي وهو من معتدلي الصوفية أن يدور بالبوادي بغير زاد ثقة بفضل الله تعالى عليه في تقويته على الصبر أسبوعاً أو ما فوقه، والرضا بالموت إن مات، وإذا علمنا أن هذا الكلام يكتب وينشر ويستساغ عند الناس والحملات الصليبية على أشدها، أدركنا مدى الانحراف، لقد استسلم المسلمون لنوم طويل - محتجبين بالقدر - فلم يوقظهم إلا هدير الحضارة الغربية، وهي تقتحم حصونهم.
وكانت المفاجأة المذهلة التي زعزعت إيمان الأمة بدينها، وهو الإيمان الذي كان خامداً بارداً، وفي لحظة الانهيار هذه قال المستشرقون والمبشرون وأذنابهم: إن الدين -وعقيدة القدر خاصة- هو سبب التأخر والجمود في العالم الإسلامي.
وصدقهم المغفلون الذين كانوا لا يعرفون من شعائر الدين إلا ما رسمه لهم مشايخ الطرق الصوفية، ولا من قواعده إلا أن من الإيمان أن يرضى المرء بما كتب له، وعلى المفهوم الخاطئ باسم الزهد في الدنيا والاستسلام للذل والفقر تحت ستار الإيمان بالقدر، وبهذا تقهقرت الحضارة الإسلامية حتى لفظت أنفاسها على يد الغزو العسكري والحضاري القادم من الغرب.
أن هذا الانحراف في التصورات الإسلامية كان المنفذ الذي تسربت منه العلمانية، كأحد مظاهر الغزو الفكري، لتقول لنا: إن الدين لا علاقة له بالحياة، ولا بالسلوك العملي، وإنما هو رابطة قلبية بين العبد وربه للفوز بالعالم الأخروي.
ونورد هنا نماذج لتقبل المسلمين الذاتي للأفكار العلمانية:
الكاتب رفاعة الطهطاوي: وهو شيخ مسلم درس في فرنسا، كان يستحسن ويقارن ويترجم مع الشرح عبارات (روسو، وفولتير) مع علم أصول الفقه؛ فكان يخرج باستنباطات من أصول الفقه بالمعنى الذي يريده (روسو وفولتير)، فيقول: فما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه يشبه ما يسمى عندهم بالحقوق الطبيعية والنواميس الفطرية، وهي عبارة عن قواعد عقلية تحسيناً وتقبيحاً، ويؤسسون عليها أحكام المدنية، وكذلك يقول: ما نسميه بالعدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية، وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والتولع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم في القوة والمنعة، يسمونه محبة الوطن، كتاب (المرشد الأمين).
خير الدين التونسي: وهو شيخ آخر من علماء المسلمين، تأثر بالحضارة الغربية ففي كتابه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) صـ90، 98، 166، يقول: تحذير ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عما يحمد من سيرة الغير الموافقة لشرعنا، بمجرد ما انتقش في عقولهم من أن جميع ما عليه غير المسلم من السير والتراتيب ينبغي أن يهجر، وتآليفهم في ذلك يجب أن تنبذ ولا تذكر».
وهو يعني بذلك اقتباس الطرائق الغربية في الحكم؛ كالدستور المدون والمجالس النيابية.
هذه بعض الشواهد التي تطوع بها أمثال هؤلاء بتسويغ النظم اللادينية في أمتهم وهيأوا النفسية الإسلامية لتقبلهامندفعين بدوافع نفسية ذاتية، فقد جاء بعدهم أناس مغرضون صرحاء اتخذتهم القوى المتآمرة على الإسلام أصابع لمخططاتها ومعاول لهدم الكيان المادي والمعنوي للأمة الإسلامية.



اعداد: جاسم السويدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.97 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]