|
|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
عندمًا يكون الطلاق هروبًا
عندمًا يكون الطلاق هروبًا تهاني الشروني كان قرار الانفصال بيني ويبن زوجي قرارًا موفقًا بحمد الله، فقد تم في هدوء وعن تراض بيننا وتشاور، فقد أدركت في هذه المرحلة من العمر أن الرابطة التي ربطتني به قد أوشكت على الانتهاء وأصبح لكل منا نظرة مختلفة عن الحياة والأسلوب الذي يريد كل منا أن يكمل به مشوار حياته وأدركت وقد تعديت الخمسين من العمر وتزوج أولادي وأصبحت جدة أنعم بأحفادي وأولادي أنني أريد أن تكون لي حياة مستقلة بعض الشيء، خاصة وأن زوجي من الرجال الذين يريدون أن تكون الزوجة متفرغة لهم طوال الوقت. ووجدت أني أتململ من تلك المسؤولية، وأنني أصبحت عصبية، وودت ألا أحمل أحدًا ضريبة هذه العصبية، خاصة وأن من حق من أتم رسالة له أن يجتهد ليجد لنفسه رسالة جديدة يحيا بها وتسعده، وهكذا فرض علينا الطلاق نفسه ورأى كل منَّا أن الانفصال باحترام وهدوء هو خير ما يناسبنا. وبالفعل على مدار سنتين مضتا، منَّ الله عليَّ فيهما بالفراغ والصحة، وأسأله تعالى ألا يجعلني من المغبونين فيهما. وقد أصابني بعض القلق حين لاح في الأفق أثر سلبي لهذا القرار، ففي أحد الأيام جاءت أصغر بناتي تحمل طفليها بين يديها، والغضب يملؤها، وكانت منفعلة أشد الانفعال.. باكية صارخة مهددة غير مبالية بأي شيء، تود لو استطاعت أن تطيح بالدنيا من حولها، وتردد بأعلى صوتها: سأنفصل عن هذا الرجل.. لا أريد أن أراه ثانية.. إنه الأنانية مجسدة، وإنه وإنه... تكفى معه هذه السنوات الأربع. أخذت أهديء من انفعالها بكل وسيلة، وحين هدأت قليلا قالت: لقد تعبت.. لابد أن في الطلاق مخرجًا من هذا العناء، وتعلق بي الأحفاد، فتركت ابنتي لترتاح قليلا، واتصلت هي بصديقة لها تأنس بحديثها، وخرجت مع الأحفاد في نزهة قصيرة، وحين عدت كانت ابنتي أكثر هدوءًا، وأخذت تسألني: أليس الطلاق هو الحل؟.. ألم يكن حلًا لكِ ولوالدي؟.. ووجدتني أتصل بوالدها ليدور الحوار بيننا جميعا، ولتعلم أننا لا نتخذ الطلاق مهربًا ولا مبدءًا. وكان مما دار في الجلسة الأسرية: نعم الطلاق حل حين يصبح شريك الحياة هو المشكلة، وحين يمكن انفصام الشركة بدون خسائر فادحة على أيٍ من أعضائها. الطلاق هو الحل حين يتعذر التفاهم وتبتعد المسافات بين المرأة وزوجها، ويصعب التقارب بينهما بعد محاولات حقيقية وعشرة كافية. لقد جعل الله سبحانه الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، حتى تكون هناك فرصة للوئام والالتئام، وحتى لا ينهار طريق الرجوع إذا أدرك الزوجان أن الحياة بينهما يمكن أن تعود وتستمر بمعروف وإحسان، وأحسَّ كلاهما أن الحياة بدون الآخر أصعب مما يعانيان سويًا. لقد خلق الإنسان في كبد ومشقة وتعب، ومن رحمة الله أن جعل الزواج فيه من السكينة والرحمة ما يخفف من المتاعب لكل من الزوجين، فعلينا ألا نسارع في اتخاذ قرار الطلاق فهو قرار بهدم ما يمكن أن يعين كل من الزوجين على تحمل مصاعب الحياة. والطلاق إذا لم يكن له أسباب جوهرية يكون في حد ذاته سببا للفشل والمعاناة من الوحدة ومضاد للفطرة، حيث يحتاج كلا الزوجين لبعضها البعض. ومما لا شك فيه أن قدرة الزوج والزوجة معًا على تربية أولادهما أعلى وأفضل من أن ينشأ الأولاد مع أحدهما، وأحفظ لهم، بل التربية داخل الأسرة صيانة لهم من كثير من الأمراض المزعجة. الطلاق شرع من شرائع الله، والله جلَّت حكمته جعله حلًا حين تستحيل الحياة الزوجية، لأنه سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد جعله في أضيق الحدود، ولذلك حين يقع الطلاق ويصبح هو الحل، بل هو الحل الوحيد وليس هناك حل غيره، ويستنفذ مرَّاته المقدرة شرعا حينئذ يكون مخرجا، ويكون ما بعده أهون مما قبله، وحين تتم الأمور بتقوى الله تتنزل رحمات الله، ووقتها تكون هناك فرصة أخرى لإعادة تشكيل الحياة. قلت لها: "ابنتي الغالية.. لست وحدك! إن زوجك يحبك، ويريد أن يكمل معك مشوار الحياة، وأطفالك بين يديك يريدونكما معًا، وإذا كان طلاق الغاضب لا يقع فانفعالك وأنت غاضبة لا يجيز لكِ أن تتحدثي عن الطلاق باعتباره مخرجًا من الغضب". وقال أبوها: "إن الطلاق قرار بالتخلي عن المسؤولية، وقد يكون قرارًا بتحمل مسؤولية أصعب، وما دمتِ يا ابنتي مسؤولة فكوني أهلًا لما حُمّلتي، واستعيني بالله وأعيني زوجك على أن تكون الحياة بينكما مودة ورحمة، ولا يهم التعب فهو سنة الحياة.. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}. الانشقاق:6. أدركت ابنتي أن هذا الاجتماع الأسري، وخيط التفاهم بينها وبين والدها ما كان له أن يوجد لولا سنوات من التعاضد والترابط، لو أن العرى انفصمت مبكرًا، لو أن العداوة والغضب والانتقام تحكموا فينا.. عرفت أن الطلاق حين يكون هروبًا أو انتقامًا فإن الأبناء يخسرون عاجلًا وآجلًا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |