تعريف النقد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836929 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379447 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191303 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2671 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 664 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 951 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1105 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 857 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2020, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي تعريف النقد

تعريف النقد


د. بليل عبدالكريم





أ- لـغة:
قال ابن فارس: النون والقاف والدال، أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيء وبروزه.

من ذلك: النقد في الحافِر، وهو تقشُّره، والنقد في الضِّرس: تكسُّره، وذلك يكون بتكشُّف لِيطه عنه.

ومن الباب: نقد الدرهم، وذلك أنْ يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك.

ودرهم نقد: وازنٌ جيد، كأنَّه قد كشف عن حاله فعلم[1].

ويأتي النقد بمعنى كشف العُيوب، قال أبو الدرداء: "إن نقدت الناس نقدوك"؛ أي: عبتهم واغتبتهم، من قولك: نقدت الجوزة أنقدها، ونقد الدرهم، ونقد له الدرهم؛ أي: أعطاه إيَّاه.

ونقد الدراهم؛ أي: أخرج منها الزيف، وناقدت فلانًا، إذا ناقشته بالأمر[2].

ب- اصطلاحًا:
"النقد في حقيقته تعبيرٌ عن موقفٍ كلي متكامل في النظرة إلى الفن عامَّةً، أو إلى الشِّعر خاصَّةً، يبدأ بالتذوُّق؛ أي: القدرة على التمييز، ويعبرُ منها إلى التفسير والتعليل والتحليل والتقييم، خطوات لا تُغنِي إحداها عن الأخرى، وهي متدرجةٌ على هذا النسق؛ كي يتَّخذَ الموقف نهجًا واضحًا، مؤصلاً على قواعد - جزئيَّة أو عامَّة - مؤيدًا بقوَّة الملكة بعد قوَّة التمييز"[3].

ويتغايَرُ مفهومُ النقد بحيثيَّات الفن الذي يخاضُ فيه، فنقد الأدباء والشُّعَراء غير نقد الفُقَهاء وأهل الفرق، ونقد الأصوليين غير نقد المحدِّثين؛ فلكلٍّ قواعدُه ومناهجُه، غير أنَّ المشترك بينها هو النظر في المقالة لبيان عُيوبها، وكشف نقائصها، ثم الحكم عليها بمعايير فنِّها، وتصنيفها مع غيرها.

والمعايير والأحكام الصادرة تتفاوَتُ وتتغايَرُ بحسَب الفن الذي يمارسُ فيه النقد، وبحسَب النُّقَّاد وملكاتهم العلميَّة.

كما للنقد مفردات مُقاربة؛ مثل: التقييم والرُّدود، والمناظرات والمحاورات، والجدل والمباحثة، والمِراء والمناقشة، وإنْ كان لكلِّ واحدٍ ما يُميِّزُه عن غيرِه من دواعي وأساليب وغايات ودوافع.

فالتقييم يكون في الغالب للمقالات والإنتاج الفكري بمنهجيَّة عرض الخطأ والصواب، السيِّئ والحسن.

والنقد يُمارَسُ على الرجال من حيث الأهليَّة العلميَّة والعدالة والثقة، كما يكونُ على المقالات والمذاهب والأدب والشعر، والمراد بيان الزيف والأخطاء، وكشف القيمة.

والنقد عند أهل الحديث هو وصفٌ في الراوي، يثلمُ عدالته ومُروءته؛ ممَّا يترتَّبُ عليه سُقوطُ كلامه وردُّه، وهو مرادفٌ لكلمة "الجرح".

أمَّا الرد ففي الغالب يكونُ هدمًا لمقالة أو فكرة جملة وتفصيلاً.

والجدل يكونُ بالأخذ والرد، والطرح والبدائل.

والمناظرة تكون بالمواجهة؛ فينظُر الخصمان لبعضهما، وينظر كلٌّ منهما في قول الآخَر، فهي جدلٌ لكن مباشر بين المتجادلين، وغالب المناظَرة في مسائل الاختلاف، وغالب الجدل في مسائل الخِلاف، والرُّدود جملتُها في مسائل الخلاف.

ويغلبُ استعمالُ مصطلحِ النقد في الأدب والشعر والفلسفة، والرُّدود في الفقه والعقائد، والجدل في علم الكلام ومقالات الفرق، والجرح والتعديل ونقد الرجال في علم الرجال، والمناظرة والمناقشة والمباحثة والحوار في أيِّ فنٍّ تواجَهَ فيه الطرفان، اتَّفقا في الرأي أو اختلفَا.

ج- مفاهيم مقاربة:
الرد: الردُّ لا يكون إلا إلى خلفٍ؛ لذا يغلبُ على الرُّدودِ الطعنُ في المقالة وتخطئة قائلها، وبَيان فساد حُجَجِها، وتتبُّع ثغراتها، وكشف عوارها.

قال الراغب: الرد: صرف الشيء بذاته أو بحالةٍ من أحواله، يُقال: رددته فارتدَّ[4].

المحاورة: من الحوار، وأصله من الحَوْرِ، وهو الرُّجوع عن الشيء وإلى الشيء.

والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وهم يتحاورون؛ أي: يتَراجَعون الكلام، واستَحار الدار، استنطَقَها[5].

ورد الحوار في القُرآن الكريم في ثلاثة مواضع:
﴿ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ... ﴾ [الكهف: 34].

﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ... ﴾ [الكهف: 37].

وقوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1].

ويصطلحُ على أنَّ الحوار هو مراجعةٌ بين طرفين بتداول متكافئ للكلام، يغلب عليه الهدوء والبُعدُ عن الخصومة.

المناظرة: لغة: من النظير أو من النظر، واصطلاحًا: هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارًا للصواب[6].

وهي من أساليب المباحثة والمذاكرة في مجالس العلم، بعرضِ الآراء، وطرحِ وجهات النظَر للبحث، وتحرِّي أقواها، وبيان الفُروق ومُقارنة الأوجُهِ، ويكون الغرض منها الوصول إلى الصواب في الموضوع الذي اختلفت أنظارُ المناقشين[7].

الحجاج: من حجَّ، الحاء والجيم أصولٌ أربعة، الأول: القصد، ومن الباب المحَجَّة، وهي جادَّة الطريق، وممكن أنْ يكون الحُجَّة مشتقة من هذا؛ لأنها تقصد، أو بها يُقْصَد الحق المطلوب.

يُقال: حاججت فلانًا فحججْته؛ أي: غلبته بالحجَّة، وذلك الظفر يكون عند الخصومة.

والجمع حُجَج، والمصدر الحِجاج[8]، والمطلوب بالحجاج هو ظهور الحجَّة.

قال الفيروزآبادي: الحجَّة بالضمِّ: البرهان... المحجاج: الجدل... والغلبة بالحجَّة، وكثرة الاختلاف، والتردُّد... والتحاج: التخاصُم[9].

والمحاجَّة من الحجاج، وهي أنْ يطلب كلُّ واحدٍ أنْ يردَّ الآخر على حجَّته أو محجَّته.

والفرق بينها وبين المجادلة، أنها استدلالٌ على دعوى يعتقدُ صدقها، أمَّا المجادلة فهي محاجَّةٌ مع إلزام الخصم بما لم يصرحْ.

ورد لفظ الحجة باشتِقاقاته في "20" موضعًا على وجهين[10].

1- الخصومة: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ [البقرة: 139]، ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [آل عمران: 66].

2 – الدلالة المبينة: ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأنعام: 149].

يعني: الحجة البالغة الوثيقة؛ فالحجَّة هي الدلالة المبينة للمحجة؛ أي: المقصد المستقيم، والذي يقتضي صحَّة أحد النقيضين؛ فالله - تعالى - جعَلَ ما يحتجُّ به الذين ظلَمُوا مستثنًى من الحجَّة.

ويجوزُ أنَّه سمَّى ما يحتجُّون به حجَّة؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [الشورى: 16]، فسمَّى الداحضة حُجَّة، والمُحَاجَّة أنْ يطلب كلُّ واحد رد الآخَر عن حجَّته ومَحَجَّته[11].

فالحجَّة هي البرهان، وعند النظار أعمُّ منه لاختِصاصه عندهم بيقين المقدِّمات، وما ثبت به الدعوى من حيث إفادته للبيان يُسمَّى بيِّنة، ومن حيث الغلبة به على الخصم يُسمَّى حُجَّة[12].

فكلُّ ما استدلَّ به على صحَّة الدعوى فهو حجَّة[13].

والمجادلة بالباطل قد تُسمَّى حجة؛ كقوله - تعالى -: ﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [الشورى: 16].

إمَّا على حسبانهم وظنِّهم، أو على أسلوب قولهم هي حجَّة بينهم.

والحجة أنواعٌ:
1 – حجَّة إقناعيَّة: وهي التي تفيدُ القانعين القاصرين عن تحصيل المطالب بالبراهين القطعيَّة العقليَّة، وربما تقضي إلى اليقين بالاستكثار.

2- حجة برهانية: كقوله - تعالى -: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].

فليست حجَّة إقناعيَّة، بل هي برهانيَّة تحقيقيَّة؛ إذ لا تكادُ النفس تخطر للمتأصِّل نقيض الإله، بعدما تحقَّق عنده استحالة الخلاف في خبره - تعالى - واستِمرار العادة بين ذي قُدرتين على تطلُّب الانفراد والقهر في كلِّ جليلٍ وحقيرٍ.

فكيف بِمَن اتَّصف بأقصى غايات التكبُّر؟
فضلاً عن أخطار فرض النقيضين، مع الجزم بأنَّ الواقع هو الطرف الآخَر.

نخلص إلى نقاطٍ جامعةٍ لما سلف:
1. الحجَّة هي الدلالة المبينة للقصد على صحَّة الدعوى.

2. الحجَّة هي البرهان والدليل والبيِّنة، وكلُّ ما كان لغلبة الخصم فهو حجَّة.

3. الحجَّة قد تكون حقًّا وقد تكون باطلاً.

الجدل: الجيم والدال واللام أصلٌ واحد، وهو من باب استحكام الشيء في استرسالٍ يكون فيه امتداد الخصومة ومراجعة الكلام.

ويُقال للزمام الممَرِّ: جَدِيل، ويُقال: جَدَل الحَب في سنبله، قوي[14].

وجَدَلَهُ يَجْدُلُه ويَجْدِلُه: أحكَمَ فتله، والجَدَلُ: اللَّدد في الخصومة، والقُدرة عليها، وجَدَّلَهُ فانجَدَل وتجَدَّل: صرَعَه على الجدالة[15].

ورَدَ لفظ الجدال بصِيَغِه في "29" موضعًا من القُرآنِ على "3" أوجُه، وسميت سورة بالمجادَلة[16]:

1- الخصومة: فذلك في قوله - تعالى -: ﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ ﴾ [الرعد: 13]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [لقمان: 20].

2- المراء: ﴿ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ [هود: 32].

3- المناظرة والمحاورة: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

فالجِدال هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جَدَلْتُ الحبل؛ أي: أحكمت فتله، كأنَّ المتجادلين يفتلُ كلُّ واحدٍ الآخَر عن رأيه.

وقيل: الأصل في الجدال الصِّراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة[17].

فتكون المجادلة منازعة في مسألةٍ علميَّةٍ لإلزامِ الخصم، سواء كان كلامه في نفسه فاسدًا أو لا[18]، بدفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجَّةٍ أو شُبهةٍ، وهو ما لا يكون إلا بمنازعة الغير[19].

وإذا علم بفساد كلامه وصحَّة كلام، خصمه فنازَعَه مكابرةً، ومع عدم العلم بكلامه وكلام صاحبه فنازَعَه معاندةً[20].

والأصل في الجدال الخصام؛ لذا كان الأمر بأنْ يكون بالتي هي أحسن؛ لأنَّ غالب ما يَرِدُ فيه الجدال يكونُ مذمومًا؛ ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].

قال السعدي: أي: أكثر مجادلة ومنازعة، مع أنَّ ذلك غير لائق به، ولا عدل منه، والذي أوجَبَ له ذلك - وعدم الإيمان بالله - إنما هو الظلم والعناد، لا لقصور في البيان والحجَّة[21].

ووصف الله - تعالى - عِناد الخصوم وفِرارهم من الحق بأنَّه لا يكون إلا بالجدال: ﴿ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ﴾ [الزخرف: 58]؛ أي: منازعةً ومراءً، لا طلبًا للحقِّ والهداية.

والجدل يحملُ معنيَيْن، وهما الشد بإحكامٍ، ثم الإلقاء على شيءٍ صلب، فحوَى معنى المنازعة في المباحثة، بالأخْذ والرد، التمسُّك والدِّفاع عن قولٍ، والرد والهجوم على قولٍ.

فلا يكون جدلاً إلا بإحكام القول الأوَّل، وطرح الثاني بقوَّةٍ تكسر أدلَّته، فيشد المجادل على رأيه، ويُوهن رأي خصمه.

لذا؛ تجدُ الجدال بعرضِ أقوال الخصوم وعرضِ أقوال المذهب، ثم الهجوم على أقوال الخصم واحدةً واحدةً، وتفنيدها بأوجُهٍ مُتعدِّدة.

بعدَها بيان رجحان قول المذهب، واستِعراض أوجُه الترجيح بتفصيلٍ يمنع وُرود الاعتِراضات عليه، فيسبر ثم يقسم.

ويطرحُ الجدل بصِيَغٍ: إنْ قيل كذا فكذا، وقولهم كذا فيه كذا.

وقد يعرض المجادل صورًا لاعتراضات لم يطرحها خصمه، ولوازم قول خصمه، يبغي من ذلك إحكام الخِناق على قول خصمه، وإلزامه بمحظورات قوله، ومتناقضات رأيه.

ثم يفتل قوله ليَقوَى أكثر بضعفِ قولِ الخصم، واستعراض فرضيَّات قد توهم ضعف قوله هو فيُفنِّدها.

ولا يعدُّ النقد جدلاً دون عرض الأقوال المتعارضة، وطرح الاحتِمالات التي قد ترد، وإن لم يذكرها الخصم.

عكس الرُّدود التي يُكتَفى فيه بدحض مَقالة الخصم دُون عرض لمزيدِ قولٍ أو احتمالات.

والنقد يكونُ بالمقارنة والأخْذ والردِّ، فيبين الحسن من القول، والرَّدِيء فيه، ويُقارب بين أقوال ليستخرج أحسنَها، أو يضم بعضَها لبعض وَفْق نسقٍ توفيقيٍّ بوحدةٍ مفاهيميَّة متكاملةٍ.

وخِلاف ذاك التلفيق، وهو بجمعِ أقوالٍ متناقضة ومحاولة حشرها في نسقٍ واحدٍ، رغم انتفاء الوحدة المفاهيميَّة بينها، فتكون شبهَ الإسهال الفكري، عوارها بائنٌ من أوَّل لمحةٍ؛ حيث يبدو عدم الانسِجام بين أفكارها وأصولها، والتلفيق يكونُ في الفلسفات والعقائد والفقه.

قسَّم بعض الباحثين الحوار إلى ثلاثة أقسام؛ هي:
الأول: المناظرة؛ يكون الغرض منها الوصول إلى الصواب في الموضوع الذي اختَلفتْ أنظار المتناقشين فيه.

الثاني: الجدال؛ يكون الغرض منه إلزامَ الخصم والتغلُّب عليه في مَقام الاستدلال.

الثالث: المكابرة؛ لا يكون الغَرض منها إلزامَ الخصم، ولا الوصول إلى الحقِّ؛ بل اجتياز المجلس والشهرة أو مطلق اللجاجة[22].

وقد تحملُ المناقشة الواحدة في المجلس الواحد الأنواع الثلاثة.

المكابرة: لا يكون الغرض منها إلزامَ الخصم، ولا الوصول للحقِّ؛ بل اجتياز المجلس، والشهرة، أو مطلق اللجاجة، أو غير ذلك من الأغراض التي لا تُغنِي فيه من الحق فتيلاً[23].

فإذا علم بفساد كلامه وصحَّة كلام خصمه فنازَعَه، فهي "المكابرة".

ومع عدم العِلم بكلامه وكلام صاحِبِه فنازَعَه، فهي "المعاندة".

وأمَّا "المغالطة" فهو قياسٌ مُركَّب من مُقدّماتٍ شبيهة بالحق، ويُسمَّى "سفسطة"، أو شبيهة بالمقدِّمات المشهورة ويُسمَّى "مشاغبة".

وأمَّا "المناقضة" فهي منع مقدمة مُعيَّنة من الدليل، إمَّا قبل تمامه، وإمَّا بعده.

والأول إمَّا منع مجرَّد عن ذِكر مستند المنع، أو مع ذكر المستند، وهو الذي يكونُ المنع مبنيًّا عليه مثل: لا نسلم أنَّ الأمر كذا، ولِمَ لا يكون الأمر كذا، أو لا نسلم بكذا، وإنما يلزم لو كان الأمر كذا.

ويسمى أيضًا بالنقض التفصيلي عند الجدليِّين.

والثاني وهو منع المقدمة بعد تمام الدليل[24].

المراء: هو طعنٌ في كلام الغيرِ؛ لإظهار خلل فيه من غير أنْ يرتبطَ به غرضٌ سوى تحقير الغير[25].

والفرق بين الجِدال والمِراء، قيل: هما بمعنى، غير أنَّ المراء مذمومٌ؛ لأنَّه مخاصمةٌ في الحقِّ بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال[26].


[1] "مقاييس اللغة"؛ ابن فارس، ج2، ص577.

[2] "لسان العرب"؛ ابن منظور، ج14، ص254.

[3] "تاريخ النقد الأدبي عند العرب"؛ إحسان عباس، دار الثقافة: بيروت، ط(4)، 1983، ص5.

[4] "المفردات"؛ الراغب الأصفهاني، ص192.

[5] "لسان العرب"؛ ابن منظور، ج4، ص(638-640).

[6] "التعريفات"؛ الجرجاني، ص298.

[7] "تاريخ الجدل"؛ محمد أبي زهرة، ص5.

[8] "معجم مقاييس اللغة"؛ ابن فارس، ج 1، ص(3771، 378، 379).

[9] "القاموس"؛ الفيروزآبادي، ص234.

[10] "إصلاح الوجوه والنظائر"؛ الدامغاني، ص118.

[11] "المفردات"؛ الراغب، ص115.

[12] "الكليات"؛ الكفوي، ص406.

[13] "التعريفات"؛ الجرجاني، ص94.

[14] "معجم مقاييس اللغة"؛ ابن فارس، ج1، ص222.

[15] "القاموس المحيط"؛ الفيروزآبادي، ص976.

[16] "إصلاح الوجوه والنظائر"؛ الدامغاني، ص103.

[17] "المفردات"؛ الراغب، ص97.

[18] "التعريفات"؛ الجرجاني، ص85.

[19] "الكليات"؛ الكفوي، ص353.

[20] المرجع نفسه: ص849.

[21] "تيسير الكريم الرحمن"؛ السعدي، ص454.

[22] "تاريخ الجدل"؛ محمد أبو زهرة، ص5.

[23] المرجع نفسه: ص5.

[24] "الكليات"؛ الكفوي، ص4.

[25] "التعريفات"؛ الجرجاني، ص266.

[26] "الفروق اللغوية"؛ العسكري، ص159.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.03 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]