إشكالية الكتابة النسائية بين القبول والرفض - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 390889 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856284 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-10-2022, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي إشكالية الكتابة النسائية بين القبول والرفض

إشكالية الكتابة النسائية بين القبول والرفض


د. صفاء درويش









إن الحديث عن الكتابة النسائية يَقتضي مني الإشارة لبداياتها وما حقَّقته المرأة من إنجاز ناجح في دخولها المدارس وتفوقها في الميدان الدراسي والعملي لتكتسب بذلك ثقافة واسعة وتتعرَّف على أهمِّ ما تَنطوي عليه من مواهب وخصوصيات مكَّنتها مِن الكِتابة والدخول إلى مجال الإبداع؛ إذ "يَبقى فعل المرأة الخلاق في شتى حقول الإبداع، ومنها حقل الكتابة الأدبية بصفة خاصة يُمارس نوعًا مِن الإغراء يُحفِّز على تقبُّله قراءةً ومقاربته نقدًا وكأنه نسَق جماليٌّ يَختلِف عن أنساق الحركة الإبداعية ككل.."[1].

إن كتابة المرأة واكتشاف موهبتها جعلها تُضيف لنا وإلى جانب كُتَّاب سبقوها في الكتابة نصوصًا شعريَّة وروائية وقصصية ومسرحية، أثرت الساحة الأدبية، فأصبحْنا نسمَع عن كتابات ليلى أبو زيد، وخناثة بنونة، ورفيقة الطبيعة، وغيرهنَّ من الأسماء التي حفرت أسماءها بجهد جهيد، ومِن ثمَّ برَز في الساحة الأدبية مصطلح جديد أطلق عليه "إبداع المرأة" أو "الكتابة النسائية" التي حقَّقتها نتيجة تفوُّقها تعليميًّا، فبدأ يتبلوَر بذلك "وعي المرأة تبعًا لتحسين الشروط الاجتماعية، إلى جانب كون أن تعليم المرأة العربية أدى إلى ولوج مناصب مهمة في المجتمع، وجعَلَها تفوز باستِقلالها المادي الذي يُكسبها خيرًا مهمًّا مِن استقلال الشخصية، مثَّل التعليم إحدى أدوات التنمية التي تتطلب انخراط المرأة فيها وفقًا لمُستجدات التحوُّلات الاجتماعية، وهو وضع جديد جعل المجتمع ينتبه إلى العنصر النسائي، خاصة وأن المرأة أصبحت تمثِّل نصف الطاقة الإنتاجية للمُجتمع، ولذلك فتحريرها اجتماعيًّا وإدماجها في الرهانات التنموية من خلالخلق فرص الشغل أصبح ضرورة اقتصاديَّةً واجتماعية"[2]، ومِن ثَمَّ أضحتْ قدراتها التي لطالما دُفنت بين غرف المنزل ومطبخه، بين الأواني وتربية الأطفال ورعاية الزوج وطلبات العائلة، فخرجت مِن إطارها الضيِّق بتدرُّج ليتمَّ بلورتها وإبرازها للعيان ولنفسها؛ فكان لا بد عليها أن تحقِّق المُوازنة بين أعمال البيت وكذا التعليم، والتفوُّق فيه والعمل والحفاظ على نجاحها، لتواجه بذلك الفهم الضيق والمحاصر لها بانتقادات لاذعة عند ملاحظة التهاون أو التعب، فمفروض عليها العمل دون تأوُّه؛ هذا التتبع والملاحظة الدقيقة لها كان حافزًا للمضيِّ إلى الأمام وإثبات صبرها وتحدِّيها.

لقد حاولت المرأة العربية والمغربية تتبُّع مسار المرأة الغربية بنشر الوعي وروح النِّضال في أوساط النساء بغية ولوج أحسن المراتب، "فقد تجلىهذا الوعي في مستوى نموِّ الحركات النسائية في الوطن العربي والتي ساهمتْ - بدَورِها - في تحرير العقلية العربية من بعض التصورات السائدة حول المرأة (العطالة، الدونية، النقص) لقد عرف الخطاب النسائي العربي شأنه شأن مُجمل الخطابات العربية الحديثة (السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية) تدرجًا في التعامل مع سؤال التحرير تبعًا لوضعية السياق الغربي، وللعقليَّة العربية"[3].

تُعتبر الكتابة الوثيقة الأساس لإثبات الحضورالنسائي، الذي لا يتجزأ من الأدب الذي تعرَّض "علىيد الحركات النسائية في الغرب إلى الكثير من الانتقاء، ومِحوَر الهجمة الانتقادية يقوم على فكرة أساس مفادها أن الأدب مفهوم ذكوري، وقد ورث حمولةً عبر التاريخ ترجح قضايا الذكور وسلطة الرجل في المجتمعات، وتقلِّل من شأن المرأة في الحياة الاجتماعية الفعلية، وتكرِّس الوضعية البائسة للمرأة، وقد نشأ مفهوم النسائية ضدًّا لمفهوم الأدب اعتقادًا منهنَّ أن الكتابة مفهوم جديد، ويُمكن تحميله الكثير من المعاني والحمولات التي تشد من عزم المرأة"[4]، وترسم لها مستقبلاً زاهرًا بعيدًا عن تسلُّط الرجل، و"تتجلَّى إشكالية الصراع بين المرأة والرجل في قصص الكاتبات النِّساء في العالم العربي بشكل واضِح، فالقيود التي تَشعُر بها المرأة العربية بسبب هيمَنة الرجل تظلُّ قضيةً مؤرِّقةً تلازم فكرهنَّ.."[5]، من خلالها حاولت أن تُثبت نفسها، بتعلُّمها ونجاحها لتدخل مجال الإبداع.

و"يطرَح الحديث عن الأدب المنسوب للمرأة في ذاته إشكالية؛ حيث إنه حقل أدبي جديد داخل حقل الأدب العربي المعاصر، تأرجُح بين القبول والرفض والحضور والغياب، تأرجح منتجته المرأة التي تعدُّ جزءًا من القضايا المطروحة على محكِّ البحث من أيام النهضة الأولى (...) والظاهر أن التصورات النقدية التي حاولت الاقتراب من إشكاليات الأدب النسائي قصد معالجتها واستخلاص ما تتوفَّر عليه من سمات مُفيدة، وكذلك المنظورات الإبداعية التي أنتجت هذا اللون مِن الأدب تنزع إلى رفض هذا المصطلح (الأدب النسائي) الذي يُجزِّئ فعل الإبداع، وإن كانت تقرُّ في سياق رفضها له ما يتوفَّر عليه هذا النمط من الكتابة التي تُنشئها المرأة من خصوصيات تجعل منها ظاهرةً مُتميِّزةً في حقل الإبداع"[6]، ورغم تعارُض الآراء وتعدُّدها، إلا أن هناك حقيقة لا يُمكن تجاوزُها؛ هي الحضور القوي لهذا الإبداع الذي فرض نفسه في الساحة الثقافية العربية، بفعل اجتهاد المرأة في مجال الكتابة، وما استوجبه من متابعة نقدية مكثفة، انتقل معها البحث من مشروعية التسمية والأطروحات النقدية، لتحديد حمولتها الدلالية وتدقيقها، خصوصًا إن علمنا أن هذا المصطلح غالبًا ما يتداول نقديًّا بمفاهيم مختلفة، تبلغ أحيانًا درجة التناقض، مما يُسيء لقيمة المصطلح ويحول دون قيامه بوظيفته التواصلية، وعليه فإذا عُدْنا للتعريفات المقدمة لهذا المصطلح في معظم المراجع العربية، نجدها تتوزع غالبًا بين مفهومين مختلفين:
"الأول: يحدِّد فيما تكتبه المرأة تمييزًا لها عما يكتبه الرجل، بغضِّ النظر عن نوعيَّة موضوعاتها، خاصة كانت أو عامة، مُعتمدًا في ذلك طبعًا على قاعدة ربط الكتابة بجنس الكاتب ونفْي مُحاولة لكَشفِ آثار ذلك المُحتملة على المكتوب، فيستعمل المُصطلَح هنا مرادفًا (لأدب المرأة).

الثاني: يحصرها فيما يُكتَب عن المرأة، بغضِّ النظَر عن جنس صاحبه، رجلًا كان أو امرأة، وبذلك يربطها عكس السابق، بمَوضوعها فقط؛ (ككتابة عن المرأة)، ولو لم يكن كاتبها رجلاً"[7].

من ثمَّة يتَّضح حجم الاختلاف في تحديد المصطلح ومفهومه، وقد خلقت ضجة حول المفهوم في ذاته فما بالك بمواضيعه؟ والملاحظ أنه تمَّ التركيز في تحديد المصطلَح على المرأة وعلى الظروف القاسية التي عاشتها في الماضي والقهر، والظلم المُمارَس عليها، "فالمرأة تَكتب وعليها رقيب، عين الرجل بالأساس وعيون الآخرين، وهي تتبرَّج للقارئ مِن خلال إبراز نوع من الجرأة في التعرية، في سعيها إلى تحدي التزمُّت الاجتماعي، ولكنَّها جرأة لا تبلغ المدى في الحديث عن المسكوت عنه، فهي تَقترب من النار إلى حدِّ الوقوف عندها مخافة الاحتراق.."[8].

يتضح من خلال هذه التسمية حضور أدب مسمى باسمها، مما أدَّى إلى تعدُّد التفسيرات، فهناك من اعتمد في تحديد أصول هذا المصطلح على الفارق الفيزيولوجي؛ ذلك بأن الرجل عندما كان يكتب كان وحده، فبدخول المرأة وإبداعها اعتبرت جنسًا مختلفًا عنه فوصفت بأدب المرأة ليفهم أن ما تبقَّى للرجل.

إن هذا التعريف وتعدَّده أدى إلى عدة تشعُّبات في المفهومنفسِه، "فظهر نقادٌ ميَّزوا بين مصطلحين: كتابة المرأة Lecriture féminineوالكتابة النسائيةl’ecriture feministe. على كل ما تكتبه المرأة، بغض النظر عن نوعية موضوعاتها، والثانية نسبة للاتجاه المناصر لقضية المرأة العادلة، المعروف ب féministeسواء أكان كاتبه رجلاً أم امرأة، وهو ما يعني بعبارة أخرى أن (موضوع المرأة) لا يمثِّل سوى جزء بسيط من مجموع اهتمامات المرأة في المجال الأدبي، وأن الاعتماد عليه وحده لا يعدُّ في الحقيقة كافيًا لاستِخلاص أبرز مقوِّمات هذه المساهَمة، فالكتابة النسائية بمفهومها الواسع لا تَنحصِر طبعًا فيما تُقدِّمه المرأة فقط بقدر ما تشمل كذلك الرجل"[9]، فكلما توغلْنا في المفهوم إلا وستتفرَّع عنه العديد من المصطلحات الأخرى، ولقد صاحب ظهور هذا المصطلح خلافًا بين النقَّاد والأدباء حول مضمون هذه التسمية، التي تتضمن إشكالية تصنيف الأدب على أساس الاختلاف الجنسي، مما وسم مواقف الذين ولجوا دائرة تقديم هذه الإشكالية بالتذبذب بين قبول هذا المصطلح ورفضه.

فهل الكتابة مجال خاص بالرجل لا يُمكن للمرأة أن تدخلَه؟
هل حان الوقت للمرأة لتأخذ القلم وتُبدِع وتَكتُب؟
وما الظروف المساعدة والمُعرقلة لإبداعها؟
هل حان وقت الثورة على العادات والتقاليد المزيفة وإبراز الحقيقة؟
هل يُمكن الوقوف عند موروث نسائي للإبداع في المجالات الثقافية المُختلفة ليكون نقطة انطلاق للمزيد؟
هل يَستطيع القلم أن يتمرَّد على الواقع وأن يخطَّ ما ينبع في الأعماق دون قيود؟
هل يستطيع الإبداع النسائي أن ينجَح في تجاوز النظرة الأحادية الضيِّقة؟
هل بالكتابة والإبداع استطاعت المرأة تحقيق ذاتها فعلاً؟
ما الهدف من إبداع المرأة، ولماذا انسحبَت وتوارت العديد مِن الأقلام النسائيَّة؟
كيف تَحضر المرأة في إبداعات المرأة وكيف يحضر الرجل؟
هل هناك نقط التقاء بين الإبداع النسائي والرجالي أم الخلاف فاصل وحادٌّ بينهما؟
هل بالكتابة مزقت الفروق بينها وبين الرجل؟
كيف تَنظر المرأة للإبداع النسائي؟

كل هذه الإشكالات وغيرها كانت وراء تقدم الكتابة النسائية، فهي المحفِّز والمعرقل في الوقت نفسه، لذا نجدها دائمًا تسعى نحو الجديد "فقد قطعت الأنثى فوق جسر الكتابة شوطًا ليس بالهين، هربت مِن سياف مسرور، وضغط القبيلة التي أرادت أن تكون جزءًا من متاعها ومُتعتِها فقط فلم تسلم من جرابها أسلحتها المعروفة للإعلان عن وجودها الجديد، بل امتشقَت سيف الكتابة، وبارزت به صفحات بيضاء أسالت فوقها عبير استشهادِها، ففي معبد الكتابة، تصلي الذات المبدعة في محراب الانعتاق من أنين الواقع وانجراحاته، هكذا تغتسل في محبرة الوجود، تحيط بها طقوس تسكر من معيني الخيال، وفي هذا الفضاء الفضفاض تنشر علامات الاستفهام والتعجب رداؤها، كلما غزت حقيقة أدبية قبيلة الذكور، وأعلنت أمام شيخِها أنها ترفض الاستسلام والخنوع لملابسات كثيرًا ما طفت مثل الفقاعات فوق صرحنا الثقافي، فكم هو غريب ألا نتخلَّص في ميدان الإبداع؛ حيث يَجلس القلم ملكًا، والحروف رعايا في مملكة اللغة، من هاجس الانزلاق في متاهة مصطلحات"[10]؛ ذلك بأن كثرة التدقيق في المصطلح يفقد الإبداع جماله، ويجعل فنية المادة الأدبية تخضع لقانون العلم، والتمييز الفيزيولوجي، وهذا من سمات العلوم الدقيقة لا الآداب التي تسعى لمخاطبة المتلقي بلغة أقرب لواقعه بعيدًا عن كل الحسابات والأعداد الدقيقة.

إن أيَّ إبداع كيفما كان، يجد في بداية ظهورِه مؤيِّدين ومُعارِضين؛ وذلك تطبيقًا للطبيعة البشريَّة، وهو ما ميَّز ظاهرة كتابة المرأة التي تعرَّضت للعديد من النقد، وصُنِّفت ضمن مصطلحات أبان من خلالها كل مُهتمٍّ عن وجهة نظره، فكثر الكلام، وتمَّ تصنيف الآراء في ثلاثة مواقف:
"هناك أولاً مَن يرفض استعمال كل مُصطلح يَستنِد إلى تصنيف جنسيٍّ مِن مثْل الأدب النسائي، النقد النسائي أو الكتابة والقراءة النسائية؛ لأن ذلك يبطن أيديولوجيا ذكورية تمييزية لا يصحُّ العمل بها عندما يتعلق الأمر بشيء (اسمه الأدب)، وما يؤخذ على هذا الموقف أنه يرى التصنيف قائمًا على التميز والهيمنة؛ ففي مجتمع ذكوري قبلي لا يمكن أن يكون إلا الرجل هو الذي يَصنَع كلَّ اللغات والرموز، وبالتالي فالأدب السائد يَخضع لعلاقات الهيمَنة بين المرأة والرجل، ولا يُمكن أن يتعالى عليها وينفصِل عن الأيديولوجية الذكورية التي تحكمها.

وهناك ثانيًا ذلك الموقف الذي يَعتبر الكتابة النسائيَّة هي كل كتابة صادِرة عن امرأة أو كل كتابة تتناوَل قضية المرأة، وما يؤخذ على هذا الموقف أنه واسع وغير دقيق إذ يَكفي السؤال: إلى أي حدٍّ يمكن اعتبار كل ما تكتبه المرأة كتابة نسائية؟ هو موقف غير دقيق؛ لأنه لا يلتفت إلى أن ما تكتبه المرأة هو - في الأغلب - يكون من خلال أشكال أدبية ليست المرأة بالضبط هي مَن وضَعَها وقنَّنها ورسَم حدودها، فهل يمكن للمرأة أن تعبِّر عن هُويَّتها وتَجربتها من خلال أشكال حامِلة لرُؤية ليست نسائية ما دامت متعلِّقة ببنيات ذهنية واجتماعية تَغلب الذكوري وتُقصي النسائي؟ لماذا لقي التراث النسائي كل ما لقيه من إهمال؟

هذه في الواقع أسئلة الموقف الثالث الذي يحول النقاش من الأحادية والإقصائية إلى التعددية والتعادليَّة، ويَفتح آفاقًا جديدة وخصبة أمام إشكالية الأدب"[11].

إن تعدُّد المواقف وانحصارها على ثلاثة أسس، جعلت المصطلح يتأرجَح بين التأييد والمعارَضة، وهذا دليل على مدى اهتمام النقَّاد بالإبداع النسائي، واختلافهم في الرأي، فللمُؤيدين والرافضين، والمحايدين، حججهم كما سيتَّضح من خلال العناصر الموالية.

• المؤيدون:
الفريق المتبنِّي لمصطلح الكتابة النسائية، والقائل بوجود خصوصيات في هذه الكتابة تُميِّزها عما كتبه الرجُل، ومِن مُتبنِّي هذه الفكرة نجد العديد من النقَّاد من جملتهم:
زهرة الجلاصي، التي أكَّدت أنَّ للمرأة حقًّا في الكتابة والتميُّز، فقد أُعطيَت حقوقًا كثيرة، و"لعلَّ مِن أهمِّ الحقوق التي كسبتْها المرأة حق امتلاك شهادة ميلاد كاتبة، تُخوِّل لها الخروج من دائرة المجموعة الصامتة، لتُصبح مقروءةً ومَسموعة، ولتتخذ لها مكانًا في المشهد الأدبي، وهي اليوم أشدُّ وعيًا مِن أيِّ زمن مضى بدورها كمُنتِجةِ خطابٍ يبلغ صوتها ويُساهم في توصيل مواقفِها ووجهات نظرها، سواء فيما يخص صورتها أو علاقتها بالمُجتمَع، فهي تُدرك دور أشكال التمثيل الأدبي (شعر، قصة، ورواية) في تغيير السائد، والانتصار على رواسب "ثقافة الموؤودة"؛ من أجل تكريس "ثقافة المولودة"[12]، من هنا يتَّضح بأنحصول المرأة على هذه الشهادة لم يكن من الأمور السهلة، بل كابدت وعانت لتجعَلَ لنفسِها قيمةً داخلَ الساحة الأدبية العربية والمغربية.

ومن مؤيِّديها في الرأي أيضًا: عبدالحميد عقار "الذي بيَّن أن الكتابة النسائيَّة حقَّقت خلال العقدين الأخيرين، تراكمًا وحضورًا ملحوظَين لافتين، هذا الإسهام يُعتبر علامة تغيُّر في أفق الكتابة الإبداعية، وفي محتواها وتشكيلها الأسلوبي والفني، وأبعد مِن ذلك فيها إغناء للمشهد الأدبي والثقافي عامة برؤية جديدة، أو مُغايرة في مستوى الرغبة والتحقق معًا، ولا يتعلَّق الأمر بمجرَّد استيهامات ضد سلطة الممنوع وقمْع الشريك ذي الهوية الجنسيَّة المختلفة؛ بقدر ما هو تَجسيد لكفاءة تعبيريَّة، ولخبرة فنيَّة في تصوير الجسَد النابض بالحياة، والمسكون بالافتِتان عاشقًا ومَعشوقًا.."[13]، بيَّن عبدالحميدعقارمن خلال قولهبأنكتابة المرأة مكَّنتها مِن وضْع مَسار كتابي تُعبِّر فيه عن رغبتها في الوصول وتحقيق الذات، الذات المتميِّزة فنيًّا وتعبيريًّا لا شكليًّا فقط.

أما جليلة الطريطر، فأكَّدت أن وصول المرأة لهذه المكانة كان بعد حرب ونِضال لتمنح مركز القوة والصوت الأقوى قائلة: "إن مسار المرأة الكتابي كان نضاليًّا عسيرًا، إنه يَعكس بالتأكيد الصراع الذي احتدَّ في واقع المرأة العربية بين التمسُّك بالأُنوثة والإمساك بالقلم، خاصَّة وأنَّ الكتابة سلطة ينهَض بها الصوت الأقوى والأكثر سُلطة، لقد أضحى القلم عند أكثر مِن كاتبة أكثر من أداة للكتابة، إنه سلاح وأداة وجود"[14]، فقد بينت الكاتبة أن فعل كتابة المرأة جاء بعد صراع وجهد، فقد اعتبرت الكتابة عند المرأة سلاحًا وأداة للوجود، بدونها لا وجودَ لها لتجزم في الأخير أن "الكِتابة النسائيَّة ظاهِرة فرديَّة واجتماعيَّة صحيَّة، وأن عود الكاتبات العربيات آخِذٌ في الاشتِداد..".

تُضاف إليهم نعيمة هدى التي اعتبرت "النشاطات الثقافية والتأمُّلات التجريديَّة، والنظريات ذات التركيبة الفلسفيَّة والإبداعات الواعية للرجال، بينما تبقى للنساء إنتاج الأحاسيس والخيال غير المقيَّد بالفِكر العلمي، فالرجال يُفكِّرون برؤوسهم والنساء بأحشائهنَّ"[15]، ميَّزت نَعيمة هدى بين الكتابة النسائية والذكورية اعتمادًا على المواضيع، فاعتبرت أن للرجل مواضيعَه التي أبلغ فيها والمتعلِّقة بالجانب الثقافي، والتصورات التجريدية التي تعتمِد الرمز والفكر الفلسفي، في حين أن المرأة تتخصَّص في الإحساس والخيال العلمي، فهي تنطلق في كتابتها من إحساسها وخيالها مُبعِدة أي تصوُّر عِلمي دقيق؟

و"في ضوء كلِّ هذه العوامل والاعتِبارات المُتداخِلة يُمكن القول نسبيًّا أن نوعًا من حساسية وخصوصية الكتابة الأنثوية بدأت تتشكَّل وتتكون سماته وملامحه ومفرداته ومضامينه وجماليته.."[16]، فباختلاف الآراء يتبين أن هناك ظاهرة جديدة اكتسحت الساحة الأدبية فأثارت الجدل.

إن الكتابة النسائية حسب قول نعيمة هدى رسمتْ لنَفسها مسارًا جماليًّا وفنيًّا خاصًّا، والغريب في الأمر أن العديد من الناس يَعتبرون كتابة المرأة ظاهرةً جديدةً، وتَعتبر الباحثة رشيدة بنمسعود أن هذه الخصوصية كانت موجودة منذُ القِدَم فـ"الكتابة النسائية باعتبارها نشاطًا إبداعيًّا هي موجودة فعلاً منذ الخنساء حتى حنان الشيخ وسحر خليفة؛ لأن كل ما تَكتُبُه المرأة - حسب فرجينيا وولف - هو دائمًا نسائيٌّ، والكتابة الصادرة عن المرأة كما هو معروف تُعتبَر كتابة فئة كانت تعيش على الهامش، لكنها اليوم نراها تزحَف بإصرار وصمْتٍ نحو مركز الفعل الثقافي والسياسي، فمِن خلال مُقاربتنا لبعض الإصدارت النسائية خاصة على مستوى السرد، القصة / الرواية، وانطلاقًا مِن بعض المكونات السردية التي تتمثل في (الشخوص - اللغة - التيمة) نلاحظ أن السمات العامة التي تتميَّز بها الكتابة النسائية تتحدَّد أساسًا في الحضور المُرتفع للمرأة، البطلة، امرأة للركوب وإقبار الشهرة.

إن هيمنة حضور البطل الأُنثوي في كثير من النصوص السردية تسعى من خلالها إلى الكشف عن الموقع الاجتماعي الذي تحتله المرأة داخل الهرم المُجتمعي، وبهذا ترتبط الكتابة النسائية بما هو مرحلي، الشرط الاجتماعي بوجوهه المتعدِّدة: القهر، الاضطهاد، والدونية، لكن هذا الوضع الذي تُعاني منه المرأة والذي يَنعكِس بدَوره على كتاباتها له علاقة بمُواصَفات تاريخيَّة وثقافية وسياسية قد تؤول إلى الزَّوال إذا غابت شروطها الموضوعية، وهذا ما يجعل من الموقع الاجتماعي تعبيرًا عن لحظة في مسار الكتابة النسائية وليس شرطًا محدَّدًا لها"[17]، فهي تُميِّز الكتابة النسائية في موضوعها، وليس في جنسها، وهو ما تسعى إليه الجهود النسائية برفض التمايز على أساس جنسي، بل موضوعي أو أسلوبي بقولها: "الكتابة ككل كتابة مُغايرة، يُمكن مقاربتها من زاوية التنويعات الأسلوبية التي تَرتبط بالذات المتلفِّظة، وهذا ما يَحدو بنا إلى القول: إن علاقة كل من محمد شكري ومحمد زفزاف وإدريس الخوري باللغة ليست هي علاقة خناثة بنونة ورفيقة الطبيعة وليلى أبو زيد وزهرة زيراوي مثلاً، بمعنى أن علاقة المرأة المبدعة باللغة علاقة يحكمها "التابو اللغوي أكثر ممَّا يَحكم الكتابة عند الرجل، الشيء الذي يتجلى حتى على المستوى الشفوي"[18].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 130.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.77 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]