13-04-2019, 04:33 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,036
الدولة :
|
|
رد: القدوة أولى متطلبات القيادة
القدوة أولى متطلبات القيادة (2)
عصام ضاهر
السلف الصالح والقدوة
- مثل يحتذى: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجعل من سلوكه ومواقفه مثلاً أعلى يُحتذى، فكان إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصته وقال لهم:"إني أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني".
- يضحي بنفسه حفاظا على الأمة: يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة. عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.
وتمر الأيام عصيبة على الِإمام أحمد، ويمتحن فيها أشدّ الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء"(1).
لماذا القدوة؟
لا يخلو كتاب في التربية من إيراد القدوة كإحدى الوسائل المهمة لفعاليتها، ففي دراسة أجريت على 446 شاباً و 94 فتاةً تبين أن 75% يرون أن وجود القدوة مهم جداً. وهي من أكثر الوسائل تأثيراً، وهذا لا شك يعود إلى رؤية الناس للنموذج الواقعي الذي يشاهدونه، وبدون هذا التطبيق الواقعي تكون التوجيهات كتابة على الماء لا أثر لها في قلوب المتلقين وعقولهم(2).
كما أن الدراسات تشير إلى أنه خلال أي اتصال بين الناس فإن:
55% من الاتصال يكون بلغة الجسم.
38% من الاتصال يكون بلحن الخطاب.
7% من الاتصال يكون بالكلمات المستخدمة.
يقول سيد قطب- رحمه الله " الدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك لا في الدعاة وحدهم؛ ولكن في الدعوات ذاتها، وهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم لأنهم يسمعون قولاً جميلاً ويشهدون فعلاً قبيحاً فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة، وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان ولا يعودون يثقون في الدين بعد ما فقدوا ثقتهم - برجال الدين(3)".
ويقول ابن القيم رحمة الله " علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم, فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا ! قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم ! فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له! فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطّاع الطريق(4)".
من النصوص السابقة تتضح لنا أهمية القدوة لأن:
عيون الأفراد والمرؤوسين متعلقة بالقائد والمربي، ولذلك أرشد الإمام الشافعي مؤدِّب أولاد هارون الرشيد فقال: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعنّتهم معقودة بيدك، فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح عندهم ما تركته" وتأمل قول الشافعي " القبيح عندهم ما تركته " ولم يقل له: القبيح عندهم ما قلت إنه قبيح !!
الأعمال أفصح من الأقوال، وأبقى أثرا في النفوس ولذا قال ابن الجوزي في كتابه " صيد الخاطر ": "الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول ".
ثقة الأفراد والمرؤوسين في القائد والمربي تكون نتيجة اتصافه بالقدوة، فالقائد والمربي الذي يعطي المثل الصالح من نفسه لمرؤوسيه يستطيع دوما أن يكسب ثقتهم ؛ لأن مسيرة حياته أبقى من صوته وقوله ، فليس القائد من يقول ، وإنما القائد من يفعل ويعمل .
النموذج العملي للأخلاق والقيم والمثل العليا يشيع في النفس إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، كما يثير في نفوس الأفراد والمرؤوسين التنافس في محاولة تقليد ذلك النموذج والاقتداء به. وقد نُقل عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً لأصحابه: ادعوا الناس وأنتم صامتون قالوا: كيف ذلك؟ قال: ادعوا الناس بأفعالكم.
القدوة من أقوى الأساليب تأثيرا في تعديل وتغيير سلوك الناس، ويستطيع كل إنسان أن يحققها في نفسه، إذا توافرت لديه الهمة العالية، والعزيمة الصادقة، والإرادة القوية، كما أنها لا يحدها زمان ولا مكان، فهي تظهر في جميع أفعال الإنسان وأقواله، وحركاته وسكناته.
وما أجمل ما قال الشافعي: "من وعظ أخاه بفعله كان هاديا ". ولقد قال مصطفى صادق الرافعي " الأسوة وحدها هي علم الحياة ".
بعض الوسائل التي تساعدك على أن تصبح قدوة
جدد من نيتك دائما، وأصلح من شأنها، لأنه متى صحت النية وجب الثواب العظيم قال الحسن البصري: " من استطاع منكم أن يكون إماماً لأهله، إماما لحيه، إماماً لمن وراء ذلك، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك منه نصيب".
الدعاء بأن يجعلك الله قدوة للناس، فمن دعاء الصالحين (واجعلنا للمتقين إماما) . قال البخاري: أي أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا .
المداومة على العبادة والإكثار منها، ولا سيما عبادات الخلوة من صيام وقيام، فما أحسن قول الإمام البنا:" كونوا عبّادًا قبل أن تكونوا قوّادًا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة".
قدم العمل على القول، وما أجمل مقولة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – "رحم الله امرأ أمسك فضل القول، وقدم فضل العمل"(5).
طالع واقرأ دائما في سير العلماء العاملين بعلمهم، ومن سبقك من القادة، لأن ذلك يحيي في النفس الهمة.
خذ نفسك بالعزيمة، وابتعد عن الرخص ، لما هَمَّ إمام مصر- الليث بن سعد - رحمه الله- بفعل مفضول ينافي العزيمة، قال له إمام المدينة - يحيى بن سعيد الأنصاري-: "لا تفعل، فإنك إمام منظورٌ إليك"(6).
ليكن طموحك و همك أن تسبق الناس دائما إلى الخير، وأن تكون دليلا لهم عليه.
وفي الختام كلمة
لا يخفى على أي إنسان يعيش في عصرنا، ويرى واقعنا، ويشاهد إعلامنا، أننا نعيش أزمة غياب القدوة الحسنة، والتي تأخذ بأيدي الناس إلى الخير، قدوة تقدم البذل الصامت على الكلام البراق، وينبع الصدق من فعلها، قبل كلامها، ورحم الله صاحب الظلال ، فلقد قال: "إن الكلمة لتنبعث ميتة, وتصل هامدة, مهما تكن طنانة رنانة متحمسة, إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها. ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقو , وتجسيما واقعيا لما ينطق. . عندئذ يؤمن الناس, ويثق الناس, ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق. . إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها . . إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة, لأنها منبثقة من حياة "(7) .
-----------------------------------------------
الحواشي
1) ثلاثون وصية ووصية لتكون قائدا ناجحا . أمين بن محمد المدري .
2) القدوة وأثرها في التربية رقية بنت محمد المحارب .
3) في ظلال القرآن ج1 ص 86 .
4) الفوائد لابن القيم ص 85 .
5) عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري .
6) تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج8 ص 415 .
7) في ظلال القرآن ج 1 .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|