دروس رمضانية - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          16طريقة تجلب بها البركة لبيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ألا تشعرين بالحر ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المرأة عند الإغريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          القاضي الفارس الفرج بن كنانة وأسد بن الفرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مجموع الأثبات الحديثية لآل الكزبري الدمشقيين وسيرهم وإجازاتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من مواعظ الإمام سفيان الثوري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أولادنا... هل نستوعبهم؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الشَّبَابُ وَرَمَضَان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-02-2020, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

علو الهمة في رمضان (من دروس رمضان وأحكام الصيام)


الشيخ أحمد علوان





الحمد لله، أعطى فأجزل، ومنَّ فأفضل، أتم علينا النعمة ورضي لنا الدِّين وأكمل، وأتوب إليه وأستغفره من التقصير فيما أقول وأعمل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الظاهر والباطن والآخِر والأول، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخُلق الأفضل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبعهم بإحسان ما ليل أدبَر وصُبح أقبل، وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فالمسلمُ مِن صفاته أن يكون عالي الهمة، وعندما يأتي رمضان تكون همته أعلى، والقرآن الكريم يدفعنا في كثير من آياته إلى علو الهمة، فهيا نلقي الضوء على بعضها:
قال تعالى: ï´؟ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [البقرة: 148]، وقال تعالى: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾ [آل عمران: 133]، وقال أيضًا: ï´؟ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ï´¾ [الحديد: 21]، وقال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ï´؟ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ï´¾ [الصافات: 61]، وقال تعالى: ï´؟ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ï´¾ [الذاريات: 50]، وقال تعالى: ï´؟ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ï´¾ [المطففين: 26].


وقد أخبَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحب أصحاب الهمة العالية، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفْسافها))[1].


وكان مِن دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجُبن والهرَمِ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر))[2].


ومِن هذا الدعاء نتعلَّم أن المسلم لا يستسلم للعجز، ولا يسلِّم نفسه للكسل، وإنما عليه أن يتغلب عليهما؛ فلا يعجِز ولا يكسَل، وأن يستعيذ بالله منهما.


إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفِّز هِمَم الصحابة، ويدفعها للنشاط والعبادة؛ عن ربيعة بن كعبٍ الأسلمي، قال: كنت أبِيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُه بوَضوئه وحاجته، فقال لي: ((سَلْ))، فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجنة،قال: ((أو غير ذلك؟!)) قلت: هو ذاك،قال: ((فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود))[3].


فإذا أرادت النفس أن تصعَدَ إلى مراقي العلى، وأن تصل إلى معالي الدرجات، فالمطلوب الهمة العالية، والهمة العالية يصحبها نَفْس كبيرة؛ فالنفس الكبيرة مع الهمة العالية تحقق المراد والمنشود، وعلى قدر ما يتعنَّى الإنسان، ينال ما يتمنَّى؛ يقول المتنبي:
وإذا كانتِ النفوسُ كبارًا ♦♦♦ تعِبَتْ في مرادِها الأجسامُ


عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنَّة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصبَح منكم اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمن تبع منكم اليوم جنازةً؟))، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمَن أطعَم منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمَعْنَ في امرئٍ إلا دخل الجنة))[4].


قال عمرُ بن عبدالعزيز: "أيها الناس، إن لي نَفْسًا توَّاقةً، لا تُعطَى شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه، وإني لما أعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها، وهي الجنة؛ فأعينوني عليها يرحمكم الله"[5].


كما "اجتمع عبدالله، ومصعب، وعروة - بنو الزبير - وابن عمر، فقالوا: تمنَّوْا،فقال عبدالله بن الزبير: أتمنى الخلافةَ، وقال عروة: أتمنى أن يؤخَذَ عني العلمُ، وقال مصعب: أتمنى إمرةَ العراق، والجمعَ بين عائشةَ بنت طلحة، وسُكينةَ بنت الحسين،فقال ابن عمر: أما أنا، فأتمنى المغفرة،فنالوا ما تمنَّوْا، ولعلَّ ابنَ عمرَ قد غُفِرَ له"[6].


إنه التنافس الشريف في أمر الدين وأمور الآخرة؛ قال الحسن: "مَن نافسك في دِينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقِها في نحره"، وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت ألا يسبقَك إلى الله أحد، فافعَل".


أيها الصائم، ماذا عن همتك في رمضان هذا العام؟ هل تُكثِر مِن ذكر الله؟ هل ستختم القرآن في رمضان أكثر من مرة؟ هل تتذلل لربك وتدعوه كثيرًا؟ هل تحافظ على صلاة التراويح ولا تنصرف إلا مع الإمام؟ هل بعد الانصراف تصلي في بيتك ولو ركعتين؟ هل تتصدق وتنفق؟ هل تصِلُ أرحامك؟ هل فكرتَ في إفطار الصائم؟ هل تجلس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس؟ هل تحافظ على أداء النوافل حتى يبنى لك بيت في الجنة؟ هل تشعر أن همتك هذا العام أعلى من رمضان الماضي؟ لماذا كل هذا؟ لأن أصحاب الهمم يبحثون عن القِمَم، والقِمَم لا تُنال بالملل، وإنما بالجِدِّ والعمل.


هل يمكن للصائم أن يجمع كل هذه الأعمال؟ والجواب: نعم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا، كما وصف ابن القيم قائلًا: "وكان مِن هَدْيِه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ مِن أنواع العبادات"[7].


وقال ابن القيم: "وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن مَن آثَر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسَبِ ركوب الأهوال واحتمال المشاقِّ تكون الفرحة واللذة؛ فلا فرحة لِمَن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعةً، قاده لحياة الأبد"[8].


احذَرِ الشيطان! واحذَرْ سَوْفَ!
قال يحيى بن معاذ: "يا بن آدم، احذر الشيطان؛ فإنه عتيقٌ وأنت جديدٌ، وهو فارغٌ وأنت مشغولٌ، وهمته واحدةٌ، وهي هلاكك، وأنت مع همم كثيرة، والشيطان يراك وأنت لا تراه، وأنت تنساه وهو لا ينساك، ومِن نفسِك له عونٌ، وليس مِن نفسِه عونٌ".


لا تقل: متى؟ وكيف؟ وأين؟ وقل: أفعل..أستعين بالله..إن شاء الله..
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: "وإياك والتسويفَ؛ فإنه أكبرُ جنود إبليس"،وقال في المدهش: "تزوَّجَ التواني بالكسل؛ فولد بينهما الخسران"، وقيل لأحد الصالحين: أوصِنا، قال: احذَرْ سوف!


وقال أحمد شوقي: "الطائر يطير بجناحيه، والمرء يطير بهمَّتِه".


فكُنْ رجلًا رِجْله في الثَّرى ♦♦♦ وهامَة همَّته في الثريا


وصية عملية:
راحةُ الآخرة لا تأتي براحة الدنيا، فإذا أردت نعيم الآخرة، فاتعَبْ في الدنيا، وإذا كانت همتك أن تكون في الصفوف المتقدمة في الجنة، فكُنْ كذلك في الدنيا.
♦♦♦


السؤال الحادي عشر: مَن هم أقربُ الناس شَبَهًا برسول الله صلى الله عليه وسلم خَلْقًا؟
الجواب:
الذين كانوا يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم خَلْقًا من بني هاشم[9]:
الحسن بن علي بن أبي طالب.
الحسين بن علي بن أبي طالب.
جعفر بن أبي طالب.
عبدالله بن جعفر.
قثم بن العباس بن عبدالمطلب.
أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب.
مسلم بن عقيل بن أبي طالب.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب السواك:
إن السواك سنةٌ مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واظَب على استعماله، وأوصى أصحابه وأمته به؛ فهو يطهِّر الفم، ويُرضي الرب؛ فقد جاء عند البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب))، ومن آداب وأحكام استعماله ما يأتي:
1- استعماله في كل وقت، وفي المواضع المستحبة:
فقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكثَرَ استعمال السواك؛ عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت بالسواك حتى خِفْتُ على أسناني))[10].


واستعمله صلى الله عليه وسلم في مواضع أخرى، منها:
عند الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس، لأمرتهم بالسواك مع كل صلاةٍ))[11].


عند الوضوء: فقال صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل وضوءٍ))[12].


عند قيام الليل: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقُدُ من ليلٍ ولا نهارٍ، فيستيقظ إلا تسوَّكَ قبل أن يتوضَّأَ[13].


عند الاستيقاظ من النوم: عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواكِ[14].


عند قراءة القرآن: عن علي بن أبي طالبٍ، قال: إن أفواهَكم طرقٌ للقرآن؛ فطيِّبوها بالسواك[15].


عند دخول البيت: عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيتَه بدأ بالسواك[16].


عند تغيُّر رائحة الفم: عن حذيفة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشُوصُ فاه بالسواك[17].


والعلة أن الإنسان إذا قام من نومه، تتغير رائحة فمه، فاستحب له أن يستعمل السواك عند تغير الفم.


عند الجمعة: عن عبدالرحمن بن أبي سعيدٍ الخدري، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((غُسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ، وسواكٌ، ويمس من الطِّيب ما قدر عليه))[18].


عند الاحتضار: عن عائشة كانت تقول: إن مِن نِعَم الله عليَّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبدُالرحمن، وبيده السواك، وأنا مسندةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرَفْتُ أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فتناولتُه، فاشتدَّ عليه، وقلت: أُليِّنُه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فليَّنْتُهُ، فأمَرَّه...[19].


2- البَدْء بالجهة اليمنى من الأسنان:
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمُّن ما استطاع في شأنه كله؛ في طُهوره وترجُّله، ونعله، قال مسلمٌ: وسِواكه[20].


واختلفوا في استعمال السواك: باليد اليمنى أو باليسرى، فللحديث المتقدم، باليمنى؛ حيث التيمن في كل شيء، وهو الصواب، وقال بعضهم: باليسرى؛ لأنه يستعمل في إزالة الأذى.


3- غَسْل السواك بعد الاستياك:
عن عائشة، أنها قالت: كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه))[21].


4- معرفة كيفية التسوُّك:
توجَد طريقتان: الأولى: التسوُّك طولًا، يذهب بالسواك من أعلى لأسفل.
الثانية: التسوُّك عَرْضًا: يستعمل السواك من اليمين إلى اليسار، والعكس.


والراجح: الاستعمال الثاني؛ لأسباب:
أولًا: استعمال السواك بالطريقة الأولى - طولًا - فيه ضرَر على اللِّثَة والأسنان.
ثانيًا: لحديث حذيفة المتقدم: (كان إذا قام من الليل يشُوصُ فاه بالسواك)، وعلق الإمام النووي قائلًا: "يَشُوصُ فاه بالسواك، فهو بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة، والشَّوص: دَلْكُ الأسنان بالسواك عَرْضًا"[22].


فوائدُ استعمالِ السواك:
قال ابن القيم: "وفي السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللِّثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذِّكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات"[23].


توصل الباحثون المسلمون إلى أن المعجون المطهر لا يستمر تأثيره أكثر من 20 دقيقة ثم يرجع الفم إلى حالته العادية، لكن بالسواك لا يعود مستوى الجراثيم الفموية إلى حالته إلا بعد ساعتين على الأقل.


لجأتِ العديد من الشركات الأجنبية إلى إدخال خلاصة السواك في صناعة المعجون.
♦♦♦


درس الفقه: حُكم الإفطار في رمضان لغير عذر:
إن تعمُّد الفِطر في رمضان بلا عذر كبيرةٌ من الكبائر، وقد عدَّها الذهبي في الكبائر، وهي الكبيرة السادسة، بعنوان: إفطار يوم من رمضان بلا عذر، فقال: "وعند المؤمنين مقرَّرٌ أن مَن ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض، أنه شر من الزاني والمكاس ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنُّون به الزندقةَ والانحلال"[24].


وعلى مَن أفطر في نهار رمضان عامدًا متعمدًا أن يسارع بالتوبة إلى الله، ويقضي ما أفطره من أيام، وليحذر كلُّ مَن فعل هذا ما توعَّده به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة؛ فقد جاء عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((بينا أنا نائمٌ إذ أتاني رجلان، فأخذا بضَبْعيَّ، فأتيا بي جبلًا وعرًا، فقالا لي: اصعَدْ، حتى إذا كنت في سواء الجبل، فإذا أنا بصوتٍ شديدٍ، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قال: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقومٍ معلقين بعراقيبهم، مشققةٍ أشداقهم، تسيل أشداقهم دمًا، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلَّةِ صومهم...))[25].
(1) الضَّبْع: العَضُد.
(2) العراقيب: جمع عرقوب، وهو: عصَب غليظٌ فوق عقِبِ الإنسان.
(3) الشِّدق: جانب الفمِ مما يلي الخدَّ.
(4) يُفطِرون قبل تحلَّةِ صومهم؛ أي: قبل وقت الإفطار.


وقال البخاري - بصيغة التمريض - في صحيحه: ويُذكَر عن أبي هريرة رفعه: ((مَن أفطر يومًا من رمضان من غير عذرٍ ولا مرضٍ، لم يقضِه صيامُ الدهر وإن صامه))، وبه قال ابن مسعودٍ، وقال سعيد بن المسيَّب، والشعبي، وابن جبيرٍ، وإبراهيم، وقتادة، وحمادٌ: (يَقضي يومًا مكانه)[26].
والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان - دار الصفوة بالقاهرة


[1] المعجم الكبير للطبراني (2894)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (1890).

[2] البخاري (2823)، مسلم (2706).

[3] مسلم (489).

[4] مسلم (1028).

[5] البداية والنهاية، لابن كثير، (ج12، ص657)، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، ط1/ 1418 هـ = 1997 م.

[6] سير أعلام النبلاء، للذهبي، (ج4، ص141)، مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3/ 1405 هـ = 1985 م.

[7] زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، (ج2، ص30).

[8] مفتاح دار السعاد، لابن القيم، (ج2، 15)، دار الكتب العلمية - بيروت.

[9] لمعرفة المزيد، انظر: فتح الباري، لابن حجر، (ج7، ص97).

[10] المعجم الكبير للطبراني (12286)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (1377).

[11] البخاري (887)، وفي رواية لمسلم: ((لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ))، رقم (252).

[12] ذكره البخاري في: "باب سواك الرَّطب واليابس للصائم".

[13] سنن أبي داود (52)، وحسنه الألباني.

[14] مسند أحمد (5979)، وإسناده حسن.

[15] سنن ابن ماجه (291)، وصححه الألباني.

[16] مسلم (253).

[17] البخاري (245)، مسلم (255).

[18] مسلم (846).

[19] البخاري (4449).

[20] أبو داود (268)، وصححه الألباني.

[21] أبو داود (52)، وحسنه الألباني.


[22] شرح النووي على مسلم (ج3، ص144).

[23] الطب النبوي، لابن القيم، ص243.

[24] الكبائر، للإمام الذهبي، ص44، دار ابن الهيثم، ط1/ 1427هـ = 2006م.

[25] صحيح ابن خزيمة (1986)، وابن حبان (7491)، ومستدرك الحاكم (1568)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

[26] البخاري (ج3، ص32)، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12-02-2020, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

لا تغضب (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله مجيب الدعوات، وبنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل الخيرات والبركات، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: يقبَل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فنحن الليلة على موعد مع وصية من أوجز وأبلغ الوصايا النبوية؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردد مرارًا، قال: ((لا تغضب)[1].

فتلك وصية نبوية، وهي مِن أوجز وأقصر الوصايا على الإطلاق، وهي توصي بعدم الغضب، وإذا كانت هذه الوصية يجب أن يتحلى بها المؤمن في كل وقت، فهي في رمضان أكثر توكيدًا، حيث الصيام والجوع والعطش والمشقة، فقد يضطر الصائم إلى الخروج عن شعوره بسلوك الآخرين؛ فوجَب أن يكظِمَ غيظه، وأن يتحلى بالصبر والحِلْم.

وتأتي الوصايا النبوية لتناسب السائلين؛ فلعل السائل كان غضوبًا، فلما طلب الوصية، كانت المناسبة: (لا تغضب)..بل دل على أن عدم الغضب طريق إلى الجنة؛ عن أبي الدرداء قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عملٍ يدخلني الجنة، قال: ((لا تغضب ولك الجنة))[2].

وقد امتدَحَ القرآن الكريم الكاظمين الغيظ، الذين يملِكون أنفسهم عند الغضب، فقال ربنا: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 133، 134].

وقال أيضًا: ï´؟ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ï´¾ [الشورى: 36، 37].
أيها الصائم، اكظِمْ غيظك، وكفَّ غضبك؛ مع زوجتك، وأولادك، وجيرانك، في الأسواق، مع السائقين في وسائل المواصلات، مع التجار، مع أصدقائك؛ فإن عدم الغضب وكَظْمَ الغيظ من حسن الخُلق، قيل لابن المبارك: اجمع لنا حُسن الخُلق في كلمةٍ، قال: ترك الغضب...وقال الحسن: أربعٌ مَن كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَن ملك نفسه عند الرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب.

هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب؟
لم يكن رسول الله يغضب إلا إذا انتُهكت حُرمات الله؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما انتقم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيءٍ يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله، فينتقم لله)[3].

فلم يكن يغضَب لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ عن عبدالله بن سلامٍ، قال: إن الله لما أراد هدى زيد بن سعنة، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه محمدٍ صلى الله عليه وسلم حين نظرتُ إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهلَه، ولا تَزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت ألطف له لأن أخالطه، فأعرف حِلمه من جهله،قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الحجرات ومعه علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فأتاه رجلٌ على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، إن بُصرى قرية بني فلانٍ قد أسلموا، ودخلوا في الإسلام، وكنتُ حدثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابتهم سنةٌ وشدةٌ وقحوطٌ من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيءٍ تعينهم به فعلتَ، فنظر إلى رجلٍ إلى جانبه أراه عليًّا رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيءٌ، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلانٍ إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: ((لا يا يهودي، ولكني أبيعك تمرًا معلومًا إلى أجل كذا وكذا، ولا تسمي حائط بني فلانٍ))، قلت: بلى، فبايعني، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل، فقال: ((اغدُ عليهم فأعِنْهم بها))، فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثٍ، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظٍ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب لمطلٌ، ولقد كان لي بمخالطتكم علمٌ، ونظرت إلى عمر، وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلَك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدوَّ الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته لضربتُ بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمرَ في سكونٍ وتؤدةٍ، ثم قال: ((يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر وأعطه حقه، وزِدْه عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما روَّعْتَه))، قال زيدٌ: فذهب بي عمر رضي الله عنه، فأعطاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَزيدَك مكان ما روعتُك، قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، مَن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر، قلت: الحَبْر، قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلتَ وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمرُ، لم تكن من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهله، ولا يزيده الجهل عليه إلا حِلمًا، فقد أخبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدك أن شطرَ مالي - وإني أكثرها مالًا - صدقةٌ على أمة محمدٍ"[4].

أسباب الغضب:
قال الإمام الغزالي - رحمه الله -: "والأسباب المهيجة للغضب هي: الزَّهو والعُجْب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاقٌ رديئةٌ مذمومةٌ شرعًا، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب؛ فلا بدَّ مِن إزالة هذه الأسباب بأضدادها"[5].

أنواع الغضب:
مِن الغضب ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فأما المحمود: فما كان لله، كما كان رسول الله لا يغضب إلا إذا انتُهكت حرماتُ الله، وفي ذلك يقول شوقي:
فإذا غضِبْتَ فإنما هي غَضْبةٌ *** للحقِّ لا ضِغْنٌ ولا شَحْناءُ

وقد قال ربنا حكاية عن موسى عليه السلام عندما رجَع لقومه فوجدهم يعبُدون العِجل: ï´؟ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ï´¾ [الأعراف: 150].

وأما المذموم: فما كان للنفس، أو للهوى، أو للشيطان، أو لأمر من أمور الدنيا، وفي ذلك يذكر الإمام الغزالي قصة، وفيها أن "رجلًا عابدًا بلغه أن قومًا يعبدون شجرة، فغضب لذلك، وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليسُ في صورة شيخ، فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك؟ تركتَ عبادتَك واشتغالك بنفسك وتفرغتَ لغير ذلك، فقال: إن هذا من عبادتي، قال: فإنى لا أتركك أن تقطعها، فقاتله، فقال إبليس: يا هذا، إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرِضْه عليك، فقال العابد: لا بد لي من قطعها، فنابَذه للقتال، فغلبه العابد وصرعه، فعجز إبليس، فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال: وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه، فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك، إنما أنت كَلٌّ على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسيَ جيرانك، قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك عليَّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارينِ إذا أصبحت، فأنفقت على نفسك وعيالك، فتفكر العابد فيما قال، وقال: صدق الشيخ، فرجع العابد إلى متعبده، فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه، فأخذهما، وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم يرَ شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبتَ، والله ما أنت بقادر على ذلك، قال: فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال: هيهاتَ! فأخذه إبليسُ وصرعه، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا، غلبتَني، فخَلِّ عني وأخبرني كيف غلبتك أولًا وغلبتني الآن، فقال: لأنك غضبت أول مرة لله، وكانت نيتُك الآخرةَ، فسخَّرني الله لك، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا، فصرعتُك"[6].

علاج الغضب:
أولًا: أن تستعيذ بالله من الشيطان:
عن سليمان بن صُرَد، قال: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوسٌ، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمةً، لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لستُ بمجنونٍ[7].

ثانيًا: تغيير الهيئة:
عن أبي ذر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: ((إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع))[8].

ثالثًا: السكوت:
عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((علِّموا، ويسِّروا، ولا تعسِّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت))[9].

رابعًا: الوضوء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضبَ مِن الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ))[10].

خامسًا: تذكَّرْ ثواب كاظم الغيظ:
عن معاذِ بن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفِذَه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيِّرَه الله مِن الحُور العِين ما شاء))[11].
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشَّهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفَد، وأسألك قرة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء[12].

وصية عملية:
عليك بوصيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تغضَبْ، وإذا غضبتَ فقاوِمْ غضبك، وتغلَّبْ عليه، وحقِّقِ السنَّة فيه.
♦♦♦♦


السؤال الثاني عشر: سورتان تُعرَفان بـ: "الزهراون"، فما هما؟
الجواب: سورة البقرة، وآل عمران.
وذلك لِما جاء عن أبي أمامةَ الباهلي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين؛ البقرةَ، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتانِ، أو كأنهما غَيَايتانِ، أو كأنهما فِرْقان من طيرٍ صوافَّ، تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أَخْذَها بركةٌ، وتَرْكَها حسرةٌ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ))[13].
سُمِّيَتَا بالزَّهْراوين: لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما...الغَمامة والغَيَاية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة.
♦♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الطريق:
مِن الآداب التي لا يستغني عنها كل إنسان؛ فمن لوازم الحياة أن يكون للناس طريق يمشون فيه، ويتحركون منه، ويمارسون حياتهم من خلاله، وللطريق آداب وأحكام، وهي:
1- حق الطريق:
عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات))، فقالوا: ما لنا بد؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريقَ حقها))، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر))[14].
وهذا حديث جامع في حق الطريق؛ فقد أورد عددًا من آداب الطريق، وهي:
غضُّ البصر: وهو من الآداب، بل من الواجبات، أن تغُضَّ بصرك عن النظر إلى العَوْرات، فهذا من حق من يمر عليك، وهذا للرجال وللنساء؛ قال تعالى في حق الرجال: ï´؟ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ï´¾ [النور: 30].
وقال في حق النساء: ï´؟ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ï´¾ [النور: 31].

كفُّ الأذى: يجب على المؤمن أن يكف أذاه عن أي أحد، فلا يؤذي أحدًا؛ في طريق أو في غيره؛ فالمسلم مَن يسلَم الناس من أذاه، والأذى – على وجه العموم - يكون بالكلمة، أو بالفعل، أو حتى بالإشارة، ولعل المراد بأذى الطريق أن تميط ما يؤذي الناس في طريقهم؛ كشجر، أو حجر، أو عَظْم، أو شوك.
وليعلَمْ أن إماطة الأذى من طريق الناس مما يثاب عليه ويؤجر؛ فهي صدقة لصاحبها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))[15]، بل هو سبب في دخول الجنة؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة، في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس))[16].

ردُّ السلام: مِن حق الطريق أن من يلقي عليك السلام، وجب عليك أن ترد عليه السلام؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ï´¾ [النساء: 86].

الأمر بالمعروف: وهذا مِن حرص الإسلام على تحقيق النُّصح للآخرين، بأنه مهما وجدت الفرصة لتنصح أخاك، أو لتبذل معروفًا - فافعَلْ؛ فالدِّين النصيحة.

النهي عن المنكر: لا ننسى أن من أسباب خيرية الأمة أن أفرادها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإذا وقعَتْ عينك على منكَر، أو سمِعَتْ أُذنك منكرًا، وكنت مؤهلًا للقيام بدور مَن يغير المنكَر - فلا تُفرِّط.

2- هداية السائل:
فلو سألك أحد المارة، لتدله على بيت أحد من الناس، أو عن طريق من الطرق لتصفه له، فلا تبخل عليه إن كنت من أهل المكان، أو على علم بما سألك عنه، أما إذا لم تكن تعلم، فلا تقل بما لا تعلم؛ حتى لا تُضلَّ الناس، وهذا مما يقع فيه كثير من الناس، فلا حرج إن قلت: لا أدري، وثواب مَن يهدي الناس لطريقهم قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... ودَلُّ الطريق صدقةٌ))[17].

3- عدم قضاء الحاجة:
فاحذَرْ أن تقضيَ حاجتك في طريق الناس، فهذا مما يجلب لعنة الله على فاعله؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اتقوا اللعَّانينِ))، قالوا: وما اللعَّانانِ يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم))[18].

4- إعانة المحتاج:
فلو أن أحدًا من الناس طلب منك أن تعينَه على حمل شيء، أو فِعل أمر في الطريق، فجدِّد نيتك، وأعِنْه على طلبه وحاجته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((...ويُعين الرجلَ على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقةٌ))[19].

5- سَيْر النساء في جوانب الطريق:
عن أبي أسيدٍ الأنصاري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارجٌ من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: ((استأخِرْنَ؛ فإنه ليس لكُنَّ أن تحقُقْنَ الطريقَ، عليكن بحافَاتِ الطريق))، فكانت المرأةُ تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلَّق بالجدار مِن لصوقها به[20].
فليس للنساء أن يمشين في وسط الطريق، ولكن جوانب الطريق لهن، فهذه تعاليم الإسلام، فعلى المرأة أن تلتزم بها، وتسير عليها؛ حتى لا تحدُثَ مخالفاتٌ في المجتمَع.

6- الالتزام بقوانين الطريق والمرور:
فلو رأى راكب السيارة أو الدراجة تعليماتٍ مرورية، فعليه أن يلتزم بها؛ فلا يكسر إشارة مرور، أو يسير في اتجاه معاكس، أو يستعمل آلة التنبيه بلا داعٍ، فهذا بلا شك ما دام أنه قد ينتج عنه ضرر للآخرين، فهو مخالف لهَدْي الإسلام.
وقد جمع الإمام ابن حجر آداب الطريق في أبيات شعرية، فقال:
جمعتُ آدابَ مَن رام الجلوسَ على ال
طَّريق مِن قولِ خير الخَلْق إنسانَا

أفشِ السلام وأحسِنْ في الكلام وشمِّ
تْ عاطسًا وسلامًا رُدَّ إحسانَا

في الحمل عاوِنْ ومظلومًا أعِنْ وأغِثْ
لهفانَ، إهْدِ سبيلًا واهدِ حيرانَا

بالعُرف مُرْ وانهَ عن نُكرٍ وكُفَّ أذًى
وغضَّ طرفًا وأكثِرْ ذِكْرَ مولانَا؟![21]​



♦♦♦♦


درس الفقه: ما يُفسِد الصوم:
وفي هذا الباب مسألتانِ:
المسألة الأولى: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء فقط.
المسألة الثانية: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء والكفَّارة معًا.

أولًا: ما يُفسِد الصوم ويجب فيه القضاء فقط:
الأول: الأكل والشرب عمدًا، أما لو أكل أو شرب ناسيًا فليس عليه شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا نسي فأكل وشرب، فليتمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه))[22].
الثاني: تعمُّد القَيْء، بخلاف ما لو غلَبه، فلا قضاء ولا كفارة؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ذرَعه قيءٌ وهو صائمٌ، فليس عليه قضاءٌ، وإن استقاء فليَقْضِ))[23].
الثالث: مَن أكَل أو شرب ظانًّا عدم طلوع الفجر، أو غروب الشمس، فظهر له خلافُ ظنِّه، فجمهور العلماء على وجوب القضاء.
الرابع: إدخال شيء إلى الجوف عمدًا من الفم، وتناول ما ليس فيه غذاء، أو ما في معنى الغذاء.
الخامس: الحيض والنفاس.
السادس: الإنزال، وهو تعمُّد إخراج المني، وقد يكون سببه المباشرة، أو التقبيل، أو اللمس، ونحو ذلك.
سواء كان بالمباشرة، أو التقبيل، أو باليد، وكذا تعمُّد إنزال المذي، وهو الذي يخرج عند الشهوة، فكل هذه صورٌ تُفسِد الصوم وتوجب القضاء.

ثانيًا: ما يُفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معًا:
إن الجمهور على أن الذي يوجب القضاء والكفارة معًا: الجِماع في نهار رمضانَ عامدًا متعمدًا.
الدليل:
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكتُ يا رسول الله، قال: ((وما أهلكك؟)) قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبةً؟))، قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين؟))، قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟))، قال: لا، قال: ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمرٌ، فقال: ((تصدَّقْ بهذا))، قال: أفقرَ منا؟ فما بين لابتَيْها أهلُ بيتٍ أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: ((اذهَبْ فأطعِمْه أهلَك))[24].
ويرى الجمهور: أن الرجلَ والمرأة سواء في وجوب الكفارة، بشرط التعمُّد والاختيار، بخلاف الشافعية، فيرون وجوب الكفارة على الرجلِ فقط.

الكفارة على الترتيب أم التخيير:
يذهب الجمهور: إلى أن الكفارةَ على الترتيب المذكور في الحديث، بخلاف المالكية، فقالوا: الكفارة على التخيير، فأيها فعَل صح، ومن عجز عنها لزِمَتْه حتى يستطيع.

هل تتعدَّد الكفَّارة بتعدد الجِماع؟
إذا جامع أكثر من مرة في يوم واحدة، فالواجب كفارة واحدة، ولو جامع في أيام متفرقة فعليه كفارة عن كل يوم؛ لأن كل يوم عبادةٌ مستقلة، وعند الأحناف كفارة واحدة.
مقدار العَرَق:
تعريف العَرَق: 15 صاعًا، فيكون العرق عند الجمهور = 6و30 كجم، وعند الحنيفة: 75و 48[25].
والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة


[1] البخاري (6116).

[2] المعجم الأوسط، للطبراني (2353)، صحيح الجامع (7374).

[3] البخاري (6853).

[4] المعجم الكبير للطبراني (371)، وصحيح ابن حبان (288)، ومستدرك الحاكم (6547)، وقال: صحيح الإسناد.

[5] إحياء علوم الدين، (ج3، ص172).

[6] إحياء علوم الدين، (ج4، ص377) باختصار.

[7] البخاري (6115).

[8] أبو داود (4782)، وصححه الألباني.

[9] أحمد (2136)، وقال الشيخ/ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[10] أبو داود (4784)، وضعَّفه الأرناؤوط.

[11] أبو داود (4777)، والترمذي (2493)، وقال: حديث حسن غريب.

[12] جزء من دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي (1305)، وصححه الألباني.

[13] مسلم (804).

[14] البخاري (2465).

[15] البخاري (2989)، مسلم (1009)، عن أبي هريرة.

[16] مسلم (1914).

[17] البخاري (2891).

[18] مسلم (269).

[19] البخاري (2989).

[20] أبو داود (527)، وحسنه الألباني.

[21] فتح الباري، لابن حجر، (ج11، ص11).

[22] البخاري (1933)، مسلم (1155).

[23] أبو داود (3280)، وصححه الأرناؤوط.

[24] البخاري (2600)، مسلم (1111).

[25] المكاييل والموازين الشرعية، ص38 بتصرف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12-02-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

قل: إن شاء الله (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذَّكَّرَ أو أراد شكورًا، وبعد:
فإننا الليلة نقتبس من سورة الكهف درسًا قرآنيًّا، وهو تقديم قولك: (إن شاء الله) قبل كل شيء؛ فالاستعانة بالله سبحانه وتعالى في كلِّ شيء أمرٌ مطلوب ومرغوب، كما أن تقديم المشيئة قبل كل فعلٍ مستحسَنٌ ومحبوب؛ فقد عاتَب ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم مرةً على عدم تقديم المشيئة قبل قوله ووعده، ومنها يعلمنا القرآن ذلك، وإليكم أحبابي بعضَ الآيات التي تناولت تقديمَ المشيئة:
قصة الذبيح؛ يقول تعالى: ï´؟ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [الصافات: 102].

سيدنا موسى عليه السلام؛ قال تعالى: ï´؟ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ï´¾ [القصص: 27].

قصة موسى مع الخضِر؛ قال ربُّنا: ï´؟ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ï´¾ [الكهف: 69].

سيدنا يوسف عليه السلام؛ قال الله: ï´؟ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ï´¾ [يوسف: 99].

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ يقول ربنا: ï´؟ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ï´¾ [الفتح: 27].

مشيئة الله قبل كل شيء؛ قال صاحب المشيئة: ï´؟ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [التكوير: 29].

وإليكم الآيةَ التي يدور حولها درسُ الليلة، وهي قوله تعالى: ï´؟ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ï´¾ [الكهف: 23، 24].

سبب النزول:
يذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: "عاتَب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الرُّوح والفتية وذي القرنين: غدًا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثنِ في ذلك، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يومًا، حتى شقَّ ذلك عليه، وأرجَف الكفارُ به، فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة، وأُمِر في هذه الآية ألا يقول في أمرٍ من الأمور: إني أفعل غدًا كذا وكذا، إلا أن يعلِّقَ ذلك بمشيئة الله عز وجل؛ حتى لا يكون محققًا لحكم الخبر، فإنه إذا قال: لأفعلن ذلك ولم يفعل، كان كاذبًا، وإذا قال: لأفعلن ذلك إن شاء الله، خرج عن أن يكون محقِّقًا للمخبَرِ عنه".

ويعلق الإمام ابن كثير - رحمه الله - قائلًا: "هذا إرشادٌ من الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيءٍ ليفعله في المستقبل، أن يرُدَّ ذلك إلى مشيئة الله عز وجل، علَّام الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكُنْ لو كان كيف يكون".

يأجوج ومأجوج والمشيئة:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن يأجوج ومأجوج يحفِرون كل يومٍ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فسنحفِره غدًا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس، حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفِرونه غدًا، إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه، وهو كهيئته حين تركوه، فيحفِرونه، ويخرجون على الناس، فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء...))[1].

موقف لنبي الله سليمان في المشيئة:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأةً، كلهن تأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقُلْ: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم يحمل منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ، جاءت بشق رجلٍ، وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون))[2].

والمراد: لو أن نبي الله سليمان استثنى وقال: إن شاء الله، لتحقَّق مراده، وحصل طلبُه.

قصة الملك والوزير[3]:
كان هناك ملِك وله وزير، وكان الوزير دائمَ التوكل على الله في جميع أموره، ويقول: خيرًا إن شاء الله، وفي يوم من الأيام انقطع إصبع للملك، وخرج الدم منه، فلما رآه الوزير، قال: خيرًا إن شاء لله، فغضب الملك على وزيره، وقال: أين الخير والدم يخرج من إصبعي؟ وبعدها أمر الملك بسجن الوزير، وما كان من الوزير كعادته إلا أن قال: خيرًا إن شاء الله، وذهب به إلى السجن، ومن عادة الملك: أنه يخرج كل يوم جمعة إلى النزهة، وبعد استراحة قصيرة ذهب الملك إلى الغابة، وكان هناك أناس يعبدون صنمًا لهم، وهذا هو عيد هذا الصنم، ويريدون قربانًا لتقديمه إلى الصنم، فصادَف أن وجَدوا هذا الملك، فأخذوه ليقدموه قربانًا، ولكنهم ما لبثوا أن نظروا إلى إصبعه، فقالوا: هذا لا ينفع؛ لأن به عيبًا، ولا يجوز تقديم قربانٍ به عيب، وأطلقوا سراحه، حينها تذكر الملك قول الوزير عند قطع إصبعه: (خيرًا إن شاء الله)، فلما عاد الملك من رحلته، أطلق سراح الوزير من السجن وأخبره بالقصة، واعترف الملك بأن قطع إصبعه كان خيرًا له.

ولكن استغرب الملك مِن الوزير عندما أمر بسجنه، فقال: (خيرًا إن شاء الله)، فقال الوزير: أنا وزيرك، ودائمًا معك، ولو لم أدخل السجن لكنت معك في الرحلة، وبالتالي قبض عليَّ وقدموني قربانًا، وأنا لا يوجد بي عيب؛ ولذلك كان دخولي السجن خيرًا لي.

ومنه: فعلى المسلم أن يعتاد قول: إن شاء الله، فلو أردت أن تفعل شيئًا، قل: إن شاء الله، وإذا أردت أن تزور أحدًا، فقل: إن شاء الله، بل كل شيء تعزم على فعله في المستقبل، فقل: إن شاء الله، فما من شيء يجري إلا بتقدير الله ومشيئته، وهو من الأدب مع الله.

وصية عملية:
تعوَّد أن تقول قبل فعل أي شيء: بسم الله، وإذا هممت بفعل شيءٍ في المستقبل، فقل: إن شاء الله، فكلاهما يجلب بركة.
♦♦♦

السؤال الثالث عشر: مَن هم العبادلة الأربعة؟
الجواب: العبادلة: يطلق على كل من كان أول اسمه (عبدالله)، وقال النووي: بلغ عددهم قريبًا من مائتين وعشرين، لكن المقصود بهم هنا: أربعة من أصغر الصحابة، جمعوا علمًا غزيرًا، وتأخَّرت وفاتهم، هم:
عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب.
عبدالله بن عمر بن الخطاب.
عبدالله بن الزبير بن العوام.
عبدالله بن عمرو بن العاص.
وسبب اشتهارهم بذلك: هو ما قاله العلماء: "إن هؤلاء عاشوا طويلًا حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اتفقوا على شىء قيل: هذا قولُ العبادلة، أو فعلهم"[4].
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب قيام الليل:
إن قيامَ الليل مِن أرقِّ وأجمل العبادات التي يتقرب بها المرء إلى ربه عز وجل، ولا يحافظ عليه كلُّ إنسان؛ فهو دأب الصالحين، وقرة العابدين، وسلوك المتقين، وشرف المؤمنين، فهذه العبادة لها آداب وأحكام، وهي:
1- الإخلاص واستحضار النية:
وهذا الأدب يتوقف عليه قبول أي عمل؛ فكل عمل أخلص صاحبه لربه، فهو أرجى لقبوله، وإذا شابَه شيءٌ من رياء فهو أدعى لردِّه على صاحبه، فأخلِصْ في عملك، وجدِّدْ نيتك قبل النوم، وفي ذلك ما أُثِرَ عن معاذ: أنه كان يقول: "إني لأحتسب نَوْمَتي كما أحتسب قَوْمَتي".

2- إيقاظ الأهل:
فتلك سنَّة مِن السنن المهجورة، وهي أن الرجل إذا قام من الليل لا يوقظ أهله، وإذا قامت هي الأخرى لا توقظ زوجها؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبَتْ، نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلَّتْ، وأيقظت زوجها، فإن أبى، نضحت في وجهه الماء))[5].

3- استعمال السواك:
عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليَسْتَكْ؛ فإن أحدكم إذا قرأ في صلاةٍ وضع ملَكٌ فاه على فيه، فلا يخرج من فيه شيءٌ إلا دخل فم الملك))[6].

4- البَدْء بركعتين خفيفتين:
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي، افتتح صلاته بركعتينِ خفيفتين[7].

5- القيام مَثْنَى مَثْنَى:
عن ابن عمر: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعةً واحدةً توتِرُ له ما قد صلى))[8].

6- طول القيام:
عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طولُ القُنوت))[9].

7- الختام بوِتْر:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا آخِرَ صلاتِكم بالليل وِتْرًا))[10].

8- قضاء القيام عند الفَوَاتِ:
عن عائشة، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبَتَه، وكان إذا نام مِن الليل، أو مرِض، صلَّى مِن النهار ثنتَيْ عشرة ركعةً"[11].

9- القراءة بين الجهر والسر:
عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرٍ: ((مررتُ بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك))، فقال: إني أسمعتُ مَن ناجيت، قال: ((ارفع قليلًا))، وقال لعمر: ((مررتُ بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك))، قال: إني أوقظ الوَسْنان، وأطرد الشيطان، قال: ((اخفِضْ قليلًا))[12].

10- الإكثار من الدعاء:
عن جابرٍ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ، يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ))[13].

11- النوم حال غلَبة النوم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآنُ على لسانه، فلم يدرِ ما يقول، فليضطجع))[14].

12- الأخذ بأسباب تيسير قيام الليل:
الأول: "ألا يكثر الأكل، فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام؛ فالأصل هو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام، الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح، وتضعُفُ بها الأعصاب؛ فإن ذلك أيضًا مجلبة للنوم، الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار؛ فإنها سنَّة للاستعانة على قيام الليل، الرابع: ألا يحتقب الأوزار بالنهار؛ فإن ذلك مما يقسي القلب ويحُول بينه وبين أسباب الرحمة"[15].
♦♦♦

درس الفقه: حكم من مات وعليه صيام:
قال أهل العلم: إن مَن مات وعليه فوائت من الصلاة، فإن وليه أو غيره لا يصلي عنه، وكذلك الذي يعجِز عن الصيام لا يصوم عنه أحد أثناء حياته.

فإذا مات وعليه صيام أيامٍ لم يتمكن من صيامها قبل موته، فقد اختلف الفقهاء في حكمه:
يرى الإمام الشافعي وأحمد: أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويجوز من الأجنبي إذا أذن الولي.

ودليلهم:
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه))[16].

عن ابن عباسٍ، قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين، قال: ((أرأيتِ لو كان على أختك دَينٌ، أكنت تقضينه؟!))، قالت: بلى،قال: ((فحقُّ الله أحقُّ))[17].

فهذان حديثان قويان للاستدلال على من يرى صيام الولي عن الميت.

أما أبو حنيفة ومالك، وقول للشافعي: فيرون أن وليه لا يصوم عنه، بل يطعم عن كل يوم مُدًّا.

ودليلهم:
الصيام عبادة بدينة، لا تقبل النيابة.
عن عائشة أنها قالت: "لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم"[18].
عن ابن عباسٍ قال: "إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصُمْ، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاءٌ، وإن كان عليه نذرٌ قضى عنه وليه"[19].

ويجمَع الإمام النووي بين المذهبين، فيقول: "وللشافعي في المسألة قولان مشهوران: أشهرهما: لا يصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وأما الحديث الوارد: (من مات وعليه صيام، أطعم عنه)، فليس بثابت، ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين؛ فإن مَن يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام، وتجويز الإطعام، والولي مخيَّر بينهما"[20].

وعليه: فالمسألة مختلَف فيها بين الأئمة الأربعة؛ فلولي الميت أن يرى ماذا يفعل، وله أن يختار الصوم أو الإطعام، والإمام النووي يرجح قضاء الصيام، المهم في المسألة إبراء ذمة الميت، وأداء حق الله.

والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] ابن ماجه (4080)، وصححه الأرناؤوط.

[2] البخاري (6639)، مسلم (1654).

[3] أخذتها عن عدد من العلماء والدعاة، لكن لم أجد لها مصدرًا، وقد يستأنس بها في هذا المقام.

[4] انظر: تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي، (ج1، ص267)، دار الكتب العلمية، بيروت.

[5] أبو داود (1308)، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336)، ومسند أحمد (7410).

[6] شعب الإيمان للبيهقي (1938)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (720).

[7] مسلم (767).

[8] البخاري (990) مسلم (749).

[9] مسلم (756).

[10] البخاري (998)، مسلم (751).

[11] مسلم (746).

[12] سنن الترمذي (447)، وصححه الألباني.


[13] مسلم (757).

[14] مسلم (787).

[15] إحياء علوم الدين، (ج1، ص356) باختصار.

[16] البخاري (1952) مسلم (1147).

[17] السنن الكبرى للنسائي (2926)، سنن ابن ماجه (1758)، وصححه الأرناؤوط.

[18] السنن الكبرى للبيهقي (8232).

[19] أبو داود (2401)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح موقوفًا.

[20] شرح النووي على مسلم (ج8، ص25، 26) باختصار.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12-02-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

المؤمن كالنحلة (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان






(من دروس رمضان وأحكام الصيام)


للأئمة والدعاة




الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما خلقتَنا ورزقتنا، وهديتَنا وعلمتنا، وفرَّجت عنا، لك الحمد بالإسلام، بالقرآن، بالأهل والمال والمعافاة، بسطتَ رزقنا؛ فلك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا، أما بعد:

فلقاؤنا الليلة يدور حول حديث جميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يشبه المؤمن فيه بالنحلة، ويبرز فيه رائعة من روائع التشبيهات النبوية؛ فتعالَوْا لنعيش معًا مع هذا التشبيه، ولنتعرَّف على صفات النحل، وكيف يستفيد المؤمن مِن هذا التمثيل النبوي.



عن أبي رَزينٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل المؤمن مَثَل النحلة، لا تأكُلُ إلا طيِّبًا، ولا تضَعُ إلا طيِّبًا))[1].



وفي رواية أخرى: ((والذي نفسُ محمد بيده، إن مَثَل المؤمن لكمَثَل النَّحلة، أكلَتْ طيبًا، ووضعَتْ طيبًا، ووقعَتْ فلم تكسِرْ ولم تُفسِدْ))[2].



قال العلامة المناوي - رحمه الله -: "ووجه الشبه: حذق النحل، وفِطنته، وقلة أذاه، وحقارته، ومنفعته، وقنوعه، وسعيه في الليل، وتنزُّهه عن الأقذار، وطيب أكله، وأنه لا يأكل مِن كسب غيره، وطاعته لأميره، وأن للنحل آفاتٍ تقطعه عن عمله، منها: الظلمة، والغَيْم، والريح، والدخَان، والماء، والنار، وكذلك المؤمن له آفات تُفقِره عن عمله؛ ظلمة الغفلة، وغَيْم الشك، وريح الفتنة، ودخَان الحرام، ونار الهوى"[3]




كما أكد علماءُ الحشرات أن النحلَ لا يمتص إلا رحيق الأزهار الفواحة، كما أن العسَل الخارجَ من بطنها مِن أطيب الإفرازات الحيوانية وأنفعِها على الإطلاق.



ومِن صفات عالَم النَّحل: أنه يعمَل ويجتهد، ويثابر طَوال يومه في بناء خليَّته، وتشييد مدينتِه، ويحافظ على نَسْله، وله شجاعة وإقدامٌ، ويُضحِّي بنفسه مِن أجل بني خليَّتِه، ويحبُّ العملَ الجماعي، وهذا واضحٌ وجليٌّ، كما أن النحل لا يتبرَّم مِن العمل، بل يعمَل في صمتٍ، ولا ينتظر منصبًا أو مكانةً في خليَّتِه.



النحل في القرآن:

جاءت سورةٌ كاملة في القرآن الكريم باسم سورة (النحل)، وهذا من تكريم الله لتلك الحشرة الصغيرة، ولفت انتباه المؤمنين للتشبه بهذا الكائن؛ قال تعالى: ï´؟ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي ï»؟سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾ [النحل: 68، 69].



بين المؤمن والنحلة:

المؤمن لا يأكل إلا طيبًا، وتلك صفة النحل:

عن أبي سعيدٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي))[4].



المؤمن لا يقول إلا طيبًا، والنحل يخرج العسل:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((.... ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فليقُلْ خيرًا، أو ليسكُتْ))[5].



المؤمن يحب العمل الجماعي، والنحل متعاون:

عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمنُ للمؤمن كالبنيان، يشُدُّ بعضُه بعضًا))، وشبَّكَ بين أصابعه[6].



ومما جاء في سيرته صلى الله عليه وسلم: أنه كان في بعض أسفاره، فأمر بإصلاح شاةٍ، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحُها، وقال آخر: عليَّ سلخها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((وعليَّ جمع الحطب))، فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك، فقال: ((قد علمتُ أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم؛ فإن الله يكره مِن عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه))[7].



إن ملامحَ الجماعة في دِيننا تظهر في كل العبادات التي نتعبد بها لله؛ فالصلاة تؤدى في جماعة المسجد، وتصوم الأمة كلها شهرًا واحدًا في وقت واحد، ويؤدُّون فريضة الحج في آنٍ واحد ومكان واحد، ويخرجون لصلاة العيد مكبِّرين مهلِّلين في صوت واحد، كما أن ربنا إذا نادى علينا في كتابه ينادي بصيغة الجمع، فيقول: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس.



مِن صفات المؤمن أن يكون نافعًا للغير كالنحل:

عن ابن عمر: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله تعالى: أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى: سرورٌ تُدخِله على مسلمٍ...))[8].



ومما أُثِر عن علي رضي الله عنه قوله: "كونوا في الناس كالنحلة في الطير؛ إنه ليس من الطير شيءٌ إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطيرُ ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالِطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايِلوهم بأعمالكم وقلوبكم؛ فإن للمرءِ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع مَن أحَبَّ"[9].



وأعجبني ما قاله الشيخ الغزالي - رحمه الله -: "المسلم كالنحلة التي تطوف بالحدائق والحقول، تطعَمُ الخير، وتُعطي العسل، ولا يرى أحدٌ منها إلا ما يسُرُّ"؛ "كنوز من السنة".



فعلى المؤمن الصائم: أن يتعلمَ مِن النحل؛ فلا يقبل إلا الطيب، ولا يتكلم إلا بالطيب، ولا يطعَم إلا الطيب، ولا يلبَس إلا الطيب، ولا يشرب إلا الطيب، ولا يكسِب إلا الطيب، فإذا عاش المؤمن كالنحل - يتحرى الطيبَ مِن كل شيء، وفي كل شيء - كانت نهايتُه بإذن الله طيبةً؛ قال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 32].



وتلك دروس جليلة، ومهما كثرت فهي قليلة، لكن في المثال الواحد، ما يُغني عن ألفِ شاهد.

وصية عملية:

كُنْ طيبًا في كلامك، وفي أفعالك، وفي حركاتك، وفي طعامك وشرابك؛ فالطيب يعيش حياةَ الطيبيين.

♦ ♦ ♦




السؤال الرابع عشر: مَن هم الأنبياءُ العرب؟

الجواب:

الأنبياء العرب أربعة، وهم: سيدنا هود، سيدنا صالح، سيدنا شعيب، سيدنا محمد.

♦ ♦ ♦




خاطرة بعد الفجر: (آداب السلام):

إن السلامَ تحيةُ الإسلام، وشِعار الأمة، وجاءت تحية الإسلام لننشر بها السلام والأمان في ربوع الأرض، وفي أرجاء المعمورة، وتلك التحية لها آدابٌ وأحكام، وهي:

1- أن نلتزمَ بتحية الإسلام:

فالسنَّة التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم هي أن نقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فتلك هي التحية المشروعة والمرفوعة والمأجورة، فلا يليق بأمة لها نبي هو المعلم والمربي أن تغيِّرَ مِن سنَّته، أو تستبدل بتعاليمه غيرَها، ومَن يُقدِم على ذلك فهو كالذي يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فهذا هبوط وهبوط، إن تركنا سنَّة هادينا ومرشدنا صلى الله عليه وسلم.



إن تحيةَ الإسلام، وهي السلام، تحية كل الأنبياء، مِن آدمَ إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، بل ما تعلمه سيدنا آدم هو إلقاء السلام؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خلَق الله آدم ونفخ فيه الرُّوح، عطَس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه، فقال له ربه: رحمك الله يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة، إلى ملأٍ منهم جلوسٍ، فقل: السلام عليكم، قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه، فقال: إن هذه تحيتُك وتحيةُ بنيك...))[10].



2- أن نحرص على إفشاء السلام:

مِن أهم آداب وأحكام السلام: أن ننشره في الناس؛ فنشره نشرٌ للأمن والسلامة والسكينة والاطمئنان، فجاءت السنة داعمةً لهذا الأدب؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم))[11].

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفشوا السلام، وأطعِموا الطعام، واضرِبوا الهَام، تُورَثوا الجِنان))[12].



3- أن تبدأ مَن تلقاه بالسلام:

عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم سِتٌّ))، قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: ((إذا لقيتَه فسلِّمْ عليه...))[13].



4- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

وهي أكمل ألفاظ السلام، ويليها: السلام عليكم ورحمة الله، ويليها: السلام عليكم.

عن عمران بن حصينٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشرٌ))، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: ((عشرون))، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: ((ثلاثون))[14].



5- رد السلام:

قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ï´¾ [النساء: 86].



وعن أبي هُرَيرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام...))[15].



يقول الإمام النووي: "إن كان المُسلَّمُ عليه واحدًا تعيَّن عليه الردُّ، وإن كانوا جماعةً، كان ردُّ السلام فرضَ كفايةٍ عليهم، فإن ردَّ واحدٌ منهم سقط الحرجُ عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم، أثِموا كلُّهم، وإن ردُّوا كلُّهم، فهو النهايةُ في الكمال والفضيلة"[16].



6- يسلِّم الصغيرُ على الكبير، والراكب على الماشي، والقليلُ على الكثير:

عن أبي هريرةَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليُسلِّمِ الراكبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير))[17].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُسلِّم الصغير على الكبير، والمارُّ على القاعد، والقليل على الكثير))[18].



7- صافِحْ أخاكَ بعد سلامك عليه:

عن حذيفةَ بن اليمانِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن المؤمن إذا لقي المؤمنَ فسلَّم عليه، وأخَذ بيده، فصافَحه، تناثرت خطاياهما، كما يتناثر ورقُ الشَّجر))[19].



8- سلِّمْ قبل أن تسأَل أو تتكلم:

مِن آداب السلام: أن تسلِّمَ قبل أن تتكلم؛ فالسلام هو مفتاح السؤال؛ عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السلام قبل السؤال، فمَن بدأكم بالسؤالِ قبل السلام، فلا تُجيبوه))[20].

كذلك لا تتكلَّم قبل أن تسلِّمَ؛ فالسلام مفتاح الكلام؛ عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السلامُ قبل الكلام))[21].



9- لا تُسلِّم على مَن يَقضي حاجته:

فلو مررتَ بإنسان يقضي حاجته، أو علِمْتَ أن أحدًا بالخلاء، فلا تسلِّم على هذا ولا ذاك؛ عن المهاجر بن قنفذٍ: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: ((إني كرهتُ أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهرٍ، أو قال: على طهارةٍ))[22].

فالإنسان المشغول بالبول، أو كان في حمام، يُكرَه أن يلقى عليه السلام، ويُكرَه مِنه الرد.



10- يستحب تكرار السلام إذا لم تسمع:

عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان (إذا تكلَّم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا، حتى تُفهَم عنه، وإذا أتى على قومٍ فسلَّم عليهم سلَّم عليهم ثلاثًا)[23].



11- سلِّمْ على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرِفْ:

عن عبدالله بن عمرٍو: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خيرٌ؟ قال: ((تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرِفْ))[24]؛ فالهَدْي النبوي يوصي بأن يسلم المسلم على أخيه، يعرفه أو لا يعرفه.



12- سلِّمْ على الصبيان والأطفال:

عن أنس بن مالكٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (مرَّ على غلمانٍ فسلَّم عليهم)[25]، وهي السنَّة.

وعنه، قال: مرَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نلعب، فقال: ((السلامُ عليكم يا صبيان))[26].



13- سلِّمْ على أهل بيتِك:

قال ربنا: ï´؟ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ï´¾ [النور: 61].

وعن أبي أمامة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله، إن عاش كُفِيَ، وإن مات دخل الجنة: مَن دخل بيته بسلامٍ، فهو ضامنٌ على الله عز وجل،ومَن خرج إلى المسجد، فهو ضامنٌ على الله،ومَن خرج في سبيل الله، فهو ضامنٌ على الله))[27].

وما جاء عن أنس بن مالكٍ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بنيَّ، إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّمْ، يكون بركةً عليك وعلى أهل بيتك))[28].



14- يجوز حملُ السلام وتبليغه، وأن ترد عليه إذا وصَلك:

عن غالبٍ، قال: إنا لجلوسٌ بباب الحسن، إذ جاء رجلٌ، فقال: حدثني أبي، عن جدي، قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائتِه فأقرِئْه السلامَ، قال: فأتيتُه فقلت: إن أبي يُقرِئك السلامَ، فقال: ((عليك السلامُ، وعلى أبيك السلامُ))[29].

فمن السنَّة أن تقول لشخص: بلِّغْ سلامي لفلان، وإذا بلغك سلامٌ، فرد على المبلغ: وعليك وعليه السلام؛ فالسنَّة حافلةٌ بهذه الصور مِن جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابِه رضي الله عنهم.



15- لا تتشبَّهْ بغير المسلمين في التحية:

فغيرُ المسلمين كأهل الكتاب - مثلًا - تحيتهم بالإشارة، والرؤوس، والأكُفِّ، ونحن مأمورن بمخالفتهم؛ عن جابر بن عبدالله: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُسلِّموا تسليمَ اليهودِ والنصارى؛ فإن تسليمَهم بالأكُفِّ، والرؤوس، والإشارة))[30].



توضيحٌ وبيان:

وللإمام ابن حجر في ذلك كلام جميل، يقول فيه: "ويستثنى من ذلك: حالة الصلاة؛ فقد وردَتْ أحاديث جيدة أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي إشارةً، وكذا مَن كان بعيدًا بحيث لا يسمع التسليم، يجوز السلام عليه إشارةً، ويتلفَّظ مع ذلك بالسلام"[31].

ويقول أيضًا: "والنهي عن السلام بالإشارة مخصوصٌ بمَن قدر على اللفظ حسًّا وشرعًا، وإلا فهي مشروعةٌ لمَن يكون في شُغُلٍ يمنَعه مِن التلفُّظ بجواب السلام؛ كالمصلِّي، والبعيد، والأخرس، وكذا السلام على الأصم"[32].

ويتضحُ مما سبق: أنه قد يضطر الإنسان لأن يشير بالتحية مقرونة بالسلام، وهذا في أضيق الأحوال؛ كأن تسلِّمَ على أصمَّ، أو مَن كان بعيدًا عنك لا يسمعك؛ فالنهيُ عن التحية بالإشارة إذا كان المُسلِّمُ قادرًا على فعله، لكن عدل إلى الإشارة، وهذا وجهُ النهيِ.



16- هل يجوز السلام على غير المُسلِم؟

عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تبدَؤوا اليهودَ ولا النصارى بالسلامِ، فإذا لقيتم أحدَهم في طريقٍ، فاضطرُّوه إلى أضيقِه))[33].



وهذا السؤال يتضمن عدة نقاط:

الأولى: حُكم بَدءِ غير المسلِم بالسلام:

جاء عن النووي قوله: "وأما أهلُ الذمة فاختلف أصحابنا فيهم؛ فقطَع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، وقال آخرون: ليس هو بحرام، بل هو مكروه، ولو أراد تحية بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعَم الله صباحك،فلا بأس به إذا احتاج إليه، فيقول: صبحتَ بالخير، أو السعادة، أو بالعافية، أو صبَّحك الله بالسرور، أو بالسعادة والنعمة، أو بالمسرة، أو ما أشبه ذلك"[34].



الثانية: حُكم إلقاء السلام على مجلس فيه مسلِمون وغيرُ مسلِمين:

قال علماؤنا: لو أن مسلمًا أقبَل على جمع فيه المسلِم وغير المسلِم، فالسنَّة أن يسلِّمَ قاصدًا المسلِمين.



الثالث: حُكم رد تحية غير المسلِم:

إذا سلَّم غيرُ المسلِم على المسلِم، فيكون الردُّ عليهم كما جاء في الحديث الشريف، عن أنسٍ: أن أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الكتاب يُسلِّمون علينا، فكيف نردُّ عليهم؟ قال: ((قولوا: وعليكم))[35].



17- حُكم السلام على النساء:

يقول صاحب الأذكار: "إن كانت زوجتَه أو جاريتَه أو مَحرمًا من محارمه، فهي معه كالرجل مع الرجل، فيستحبُّ لكل واحد منهما ابتداءُ الآخَر بالسلام، ويجب على الآخر ردُّ السلام عليه، وإن كانت أجنبيةً، فإن كانت جميلةً يخاف الافتتانَ بها، لم يُسلِّمِ الرجلُ عليها، ولو سلَّم، لم يجُزْ لها رد الجواب، ولم تسلِّمْ هي عليه ابتداءً، فإن سلَّمَتْ، لم تستحقَّ جوابًا، فإن أجابها كُرِه له، وإن كانت عجوزًا لا يفتتن بها، جاز أن تسلِّمَ على الرجل، وعلى الرجل ردُّ السلام عليها، وإذا كانت النساء جمعًا، فيسلِّمُ عليهن الرجل، أو كان الرجال جمعًا كثيرًا، فسلَّموا على المرأة الواحدة جاز، إذا لم يخف عليه ولا عليهن، ولا عليها أو عليهم فتنة"[36].



وأخيرًا، أحوالٌ يُكرَه فيها إلقاء السلام:

يُكرَه السلام على النائم، والمشتغل بقضاء الحاجة.

يُكرَه السلام على المُصلِّي أو المؤذِّن.

يُكرَه السلام أثناء خُطبة الجمعة.

يُكرَه السلام على مشتغلٍ بقراءة القرآن.

♦ ♦ ♦




درس العصر: قضاء رمضان:

هذه مسألة مِن المسائل الفقهية المهمة، والمتعلقة بقضاء رمضان؛ فالذي يُفطر في رمضان بعُذْر، والأعذار متعددة؛ فقد يُفطِر بسبب الكِبرَ والهَرَمِ، أو بسبب المرض العارض، أو المرض المزمن، أو تفطر المرأة بسبب الحمل أو الرضاعة، أو تفطر بسبب الحيض والنفاس، وتتعدَّد صور القضاء؛ فمنهم مَن يسارع بالقضاء ويُعجِّل به، ومنهم مَن يداهمه رمضان التالي فيأتي عليه، ولم يكُنْ قضى ما فاته مِن رمضان الماضي؛ كلُّ هذه صورٌ نتعرَّض لها في هذا الدرس.



وإليك - حبيبي الصائم - نص الفتوى[37] لدار الإفتاء المصرية في قضاء رمضان، وفيها أن: "قضاء رمضان إذا لم يكن عن تعدٍّ لا يجب على الفور، بل يجب وجوبًا موسعًا في خلال العام، وقبل حلول رمضان التالي؛ فقد صح عن أم المؤمنين عائشة: "أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان"، فإن أخَّر القضاء حتى دخل عليه شهر رمضان الآخَر صام الحاضر، ثم قضى بعده ما عليه، ولا فدية عليه، سواء كان التأخير لعذر أو لغير عذر، على ما ذهب إليه الأحناف والحسَن البصري، وذهب مالكٌ والشافعي وأحمدُ إلى أنه يجب عليه القضاء فقط، إن كان التأخير لعذر، أما إذا كان التأخير بدون عذر فيلزمه القضاء والفدية، ولا يشترط التتابع".



والحاصل: أن القضاءَ على مَن أفطر في رمضان يكون على التراخي، وفي خلال العام، فلو تأخر القضاءُ حتى دخل رمضانُ آخرُ، فلو كان لم يقضِ لعذر، فعليه القضاء فقط، وإن ترك القضاء لغير عذر، فعليه القضاءُ مع الكفارة، وإن كان الإمام أبو حنيفة يرى القضاء فقط، سواء ترك القضاء لعذر أو لغير عذر.

والله أعلم.





نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة





[1] صحيح ابن حبان (247)، والمعجم الكبير للطبراني (459)، وحسنه الأرناؤوط.




[2] مسند أحمد (6872)، وقال الشيخ / أحمد شاكر: إسناده صحيح.




[3] فيض القدير شرح الجامع الصغير، للعلامة المناوي، (ج5، ص511)، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط1/ 1356هـ.




[4] أبو داود (4832)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.




[5] متفق عليه.




[6] البخاري (2446)، مسلم (2585).




[7] إمتاع الأسماع، للمقريزي، (ج2، ص188).




[8] المعجم الأوسط للطبراني (5787)،وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (906).




[9] سنن الدارمي (320)، إسناده صحيح، وهو موقوفٌ على عليٍّ.




[10] الترمذي (3368)، وقال: حسن غريب.




[11] مسلم (54).




[12] الترمذي (1854)، وقال: حسن صحيح غريب.




[13] مسلم (2162).




[14] أبو داود (5195)، والترمذي (2689)، وقال: حسن غريب.




[15] البخاري (1240)، مسلم (2162).




[16] انظر: الأذكار، للنووي، ص246، تحقيق: عبدالقادر الأرنؤوط، دار الفكر، بيروت - لبنان، 1414 هـ - 1994 م.




[17] مسند أحمد (8312)، وصححه الأرناؤوط.




[18] البخاري (6234).




[19] المعجم الأوسط للطبراني (245)، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (526).




[20] ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (ج6/ 509)، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود - علي محمد معوض، وشارك في تحقيقه: عبدالفتاح أبو سنة، الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط1/ 1418هـ = 1997م، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (816).




[21] الترمذي (2699)، وحسنه الألباني.




[22] أبو داود (17)، وقال الشيخ الأرناؤوط: صحيح.




[23] رواه البخاري.




[24] البخاري (28)، مسلم (39).




[25] مسلم (2168).




[26] أحمد (12896)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.




[27] الأدب المفرد للبخاري (1094).




[28] الترمذي (2698)، وقال: ((هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ)).




[29] أبو داود (5231)، وحسنه الألباني.




[30] السنن الكبرى للنسائي (10100).




[31] فتح الباري (ج11/ ص19).




[32] المرجع السابق نفسه (ج11/ ص14).





[33] مسلم (2167).




[34] الأذكار للنووي، ص253، 254 بتصرف.




[35] مسلم (2163).




[36] الأذكار، للنووي، ص252.




[37] راجع: من كتاب أحكام الصيام، الصادر عن دار الإفتاء المصرية، ص93.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12-02-2020, 02:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

مع ذي القرنين (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله مغيثِ المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، ومُسبِل النِّعَم على الخَلْق أجمعين، عظُم حِلمُه فستَر، وبسط يدَه بالعطاء فأكثَر، نِعَمُه تَتْرَى، وفضله لا يحصى، مَن أناخ بباب كرَمِه ظفِر، وأزال عنه الضرَّ وجبَر ما انكسَر، وبعد:
فلقاء الليلة مع قصة مِن قصص سورة الكهف، وهي قصة: (ذي القَرْنَينِ)، ويتضمن النقاط التالية:
التعريف بذي القرنين.
مِن عوامل البناء والتمكين في قصة ذي القرنين.
كيف نستفيد من القصة؟!

قال تعالى: ï´؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ï´¾ [الكهف: 83 - 98].

أولًا: مَن هو ذو القَرنين؟
اختلَف المفسرون والمؤرخون حول تحديد شخصية ذي القرنين، فقيل: هو الإسكندر المقدوني، وقيل: قورش الإخميني، وقيل: أبو كرب شمر بن عمرو الحميري، وناقش البعض هذه الأقوال، وخرج بتلك النتيجة: إن ذا القَرنين لم يكن واحدًا من الثلاثة، ويبقى أن تكون شخصيته مثلًا في العدل والإصلاح، والحاكم الصالح، ويكفي أنه عَلَم قرآني بارز، للتركيز على الدروس والعِبَر والحِكَم والسُّنن [1].

لِمَ سُمِّي بذي القَرنين؟
قيل: لأنه طاف مشارق الأرض ومغاربها، وقيل: لأنه كان له ذؤابتانِ كالقرنين، والأول أوجهُ..والراجح: أن ذا القَرنين ليس نبيًّا، وإنما كان ملِكًا صالحًا.

ثانيًا: مِن عوامل البناء والتمكين:
1- إقامة العدل:
التزَم ذو القرنين العدلَ في حُكمه ومُلكه، وذلك في كل شيء، حتى مع المخالفين له، فلم يتخذِ الظلمَ والتجبُّرَ مسلكًا في تعامله مع الغير؛ قال تعالى: ï´؟ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ï´¾ [الكهف: 87، 88].

وهذا المنهج هو أساس إقامة أي ملك، وبناء أي أمة، وفي ذلك يقول ابن تيمية، المقولة الشهيرة: "إن اللهَ يُقيم الدولةَ العادلة وإن كانت كافرةً، ولا يُقيم الظالمةَ وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدلِ والكفرِ، ولا تدوم مع الظُّلم والإسلامِ"[2].

إن عدلَ الحاكم يدفَعُه لأن يعطيَ أصحابَ الحقوق حقوقَهم، لقد مر عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بعبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وهو صبيٌّ يلعب مع الصبيان، ففرُّوا ووقف، وقال: ما لك لم تفِرَّ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أُجرِمْ فأخافَك، ولم تكن الطريقُ ضيقةً فأوسِّعَ لك![3].

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "لا سلطانَ إلا بالرجال، ولا رجالَ إلا بمال، ولا مال إلا بعِمارة، ولا عِمارة إلا بعدلٍ".

كتب بعضُ عمال عمرَ بن عبدالعزيز رضي الله عنه إليه: "أما بعد، فإن مدينتَنا قد خرِبَتْ، فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يقطع لها مالًا يرُمُّها به، فعَل، فكتب إليه عمر: أما بعد، قد فهمتُ كتابَك، وما ذكرتَ أن مدينتَكم قد خرِبَتْ، فإذا قرأتَ كتابي هذا فحصِّنْها بالعدل، ونَقِّ طرقَها مِن الظُّلم؛ فإنه مَرَمَّتُها، والسلام"[4].

2- العمل الجماعي والتعاون:
قال تعالى: ï´؟ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ï´¾ [الكهف: 94 - 96].

وليكُنْ تعاونُك في الحق لا في الباطل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل الذي يعين قومَه على غير الحق كمَثَل بعيرٍ تردَّى في بئرٍ، فهو ينزع منها بذَنَبِه))[5].

قال بعض البلغاء: صديق مساعد: عضُدٌ وساعدٌ.

وقيل:
إني رأيت نملةً
في حيرةٍ بين الجبال

لم تستطِعْ حَملَ الطعا
مِ وحدها فوق الرمال

نادَتْ على أختٍ لها
تُعينُها فالحِمْل مال

لم يستطيعا حملَه
تذكَّرا قولًا يقال

تعاونوا جميعُكم
فالخيرُ يأتي بالوصال

نادَتْ على إخوانها
جاؤوا جميعًا بالحبال

جرُّوا معًا طعامهم
لم يعرِفوا شيئًا مُحال


وعندما بويع أبو بكر بالخلافة، خطب في الناس، فقال: "أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ حتى آخُذَ الحقَّ منه"[6].

ثالثًا: الاستفادة مِن القصة:
قوة البناء:
كلما كان البناء قويًّا، كان عمرُه أطولَ وأدوم، ولا يستطيع أحد أن ينقضه؛ فذو القَرنين بنى ما بين الجبَلين من حديد، ثم أذاب عليه النحاس؛ ليَزيدَه قوة وصلابة، فلما أراد القوم المفسدون أن يهدموه فشِلوا؛ قال تعالى: ï´؟ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ï´¾ [الكهف: 97]، فعجَزوا عن أن يعتلوه؛ لارتفاعِه، أو يثقُبوه؛ لصلابتِه.

الاعتراف بفضل الله:
فمهما يبلُغ الإنسان مِن مُلك أو سلطان، فلا يجوز أن يَشغَله ذلك عن شُكر نعمة الله، والإقرار بمنِّه وكرَمِه عليه، كما فعل ذو القرنين؛ قال الله: ï´؟ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ï´¾ [الكهف: 98].

العفَّة والقناعة:
لما عُرِضَ عليه أن يأخذ خَراجًا في مقابل أن يبنيَ لهم السد، عَفَّ عن مالهم؛ طمعًا فيما أعطاه الله له؛ قال ربنا: ï´؟ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ï´¾ [الكهف: 94، 95].

الطموح والهمَّة العالية:
لقد طاف ذو القَرنين مشارقَ الأرض ومغاربها؛ ليبلِّغَ دعوة الله عز وجل، وينشُرَ العدل في الأرض.

استثمار الطاقات:
استطاع ذو القَرنين أن يستغلَّ طاقات القوم الذين لا يفقَهون، وغرَس فيهم ثقتَهم بأنفسهم، عندما قال لهم: ï´؟ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ï´¾ [الكهف: 95].

الإتقان في العمل:
لما بنى ذو القَرنين السدَّ بين الجبَلين، أتقن بناءَه، وأحسن رفعه، فما استطاع القوم المفسدون أن يعلوه أو ينالوا منه، وتلك نتيجة الإتقان، فلما أتقَن أعداؤنا تقدَّموا، ولما أهمَلْنا فشِلْنا.

الأَخْذُ بالأسباب:
لَمَّا آتاه اللهُ الأسبابَ، أخَذ بها، وعندما أخَذ بها، مكن الله له في الأرض، فإذا أرادتِ الأمةُ أن يمكن اللهُ لها، فلتأخُذْ بأسباب التمكين والنصر، وبالتأمُّل ترى أن كلمة (سببًا)، تكررت في القصة أربعَ مرات، ففيها إشارةٌ واضحة للأخذ بالأسباب، والتوكُّل وليس التواكُل.

التواضُعُ:
قال تعالى: ï´؟ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ï´¾ [الكهف: 97، 98]؛ فالعدلُ مع العمل، والتعاون من الجميع، ثم بتواضُع الحاكم والقائد، وقبل كل ذلك إيمان بالله جل جلاله: طريقٌ إلى التمكين في الأرض.

وتلك دروسٌ مستفادة مِن قصة ذي القَرنين، وهذا هو الهدف مِن القصص القرآني؛ أن نقفَ معه، ونأخذ منه الدروس والعِبَرَ والعظاتِ.

وصية عملية:
ما أجملَ أن تجمَعَ أهل بيتك، فتجلسَ معهم، لمدارسة القرآن الكريم، يقرأ كل واحد صفحة، إنها لحياةٌ كريمة؛ أن يجتمعَ الأهلُ على طاعة الله.
♦♦♦


السؤال الرابع عشر: أربعةٌ ملَكوا الأرض، فمن هم؟
الجواب: الأربعة الذين ملكوا الأرض، هم:
"سيدنا سليمان بن داود، ذو القرنين، بختنصر، النمرود".

"عن سفيان الثوري، قال: بلَغني أنه ملَك الدنيا كلَّها أربعة: مؤمنانِ، وكافرانِ؛ سليمان النبي عليه السلام وذو القرنين، ونمرود وبختنصر، وذكروا أن نمرود استمر في مُلكه أربعمائة سنة، وكان قد طغى وبغى، وتجبَّر وعتَا، وآثَر الحياة الدنيا"[7].
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آدابُ الاستئذان:
تأتي آداب الاستئذان لتُظهِرَ مدى الذوق الإسلامي، والسلوك العالي في الدخول على الآخَرين، وينبغي للمستأذن أن يتأدب بتلك الآداب، ويتحلى بهذه الأخلاق، وهي:
1- أن تراعيَ الأوقات المناسبة:
بيَّن القرآنُ الكريم الأوقاتَ التي ينبغي الاستئذان فيها، وجمعها في هذه الآية الكريمة؛ يقول ربنا: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 58].

يقولُ ابن كثير: "هذه الآياتُ الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضِهم على بعضٍ؛ فأمر اللهُ تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدَمُهم مما ملكت أيمانُهم وأطفالهم الذين لم يبلُغوا الحُلمَ منهم في ثلاثة أحوالٍ: الأول: مِن قبل صلاة الغداة؛ لأن الناسَ إذ ذاك يكونون نيامًا في فُرشِهم، ï´؟ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ï´¾ [النور: 58]؛ أي: في وقتِ القيلولة؛ لأن الإنسانَ قد يضعُ ثيابه في تلك الحال مع أهله، ï´؟ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ï´¾ [النور: 58]؛ لأنه وقتُ النوم"[8]

2- لا تقِفْ بوجه الباب:
عن عبدالله بن بسرٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم)[9].

3- أن تغُضَّ بصرك:
عن سهلِ بن سعدٍ الساعدي، قال: إن رجلًا اطلع في جحرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى - مشط - يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لو أعلم أنك تنتظرني، لطعنت به في عينيك))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعِل الإذن من قِبَل البصر))[10].

4- أن تقرع الباب ثلاثًا وبرفق:
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعورٌ، فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا، فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له، فليرجع))[11].

وقد يكون الاستئذان بالنداء، أو بدق الباب، أو برن الجرس؛ فالاستئذان يكون بطريقة منها، وليس كلها، ولتستأذن ثلاثًا، وتفصل بينها، وبدون إزعاج؛ عن أنسٍ: "أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تُقرَع بالأظافير"[12].

5- أن تُعرِّفَ بنفسك:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ((من ذا؟!))، فقلت: أنا، فقال: ((أنا أنا))، كأنه كرِهها[13].

6- أن تسلِّمَ قبل أن تدخل:
قال تعالى: ï´؟ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ï´¾ [النور: 61].

استأذَن رجل من بني عامر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرُجْ إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟))، فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل[14].

7- استأذِنْ على محارمك:
مِن الأدب أن تستأذن على أمك؛ عن عبدالله بن مسعود، قال: (عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم)[15].

وسأل رجلٌ حذيفة فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: "إن لم تستأذن عليها، رأيت ما تكرَهُ"[16].

وعلى زوجتك: "عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود، قالت: كان عبدالله إذا جاء مِن حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق؛ كراهيةَ أن يهجُمَ منا على شيءٍ يكرهه"[17].

وعلى أختك: عن عطاءٍ، قال: سألت ابن عباسٍ، فقلت: أستأذن على أختي؟ فقال: نعم، فأعدت فقلت: أختانِ في حجري، وأنا أمونهما وأنفق عليهما، أستأذن عليهما؟ قال: نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟[18].

8- رد المصلي على المستأذن:
بيَّنَتْ لنا السنة النبوية ماذا يفعل المصلي لو استأذن عليه أحد؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استُؤذِن على الرجل وهو يصلي، فإذنُه التسبيح، وإذا استُؤذِن على المرأة وهي تصلي، فإذنها التصفيق))[19].

9- ارجِعْ إن لم تجد أحدًا، أو لم يؤذن لك:
قال تعالى: ï´؟ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ï´¾ [النور: 28].

فإذا اعتذَر لك صاحب البيت، فاقبَلِ اعتذاره، والتمِسْ له العذر.

وتلك آداب الاستئذان، وقد جمعتها في تسعة، أسأل الله أن تكون منجية لنا وشافعة.
♦♦♦


درس الفقه: كيفية صيام دول الشمال[20]:
الجواب: "المقترح لأهل تلك البلاد: أن يسير تقدير الصوم عندهم على مواقيت مكة المكرمة؛ حيث إن الله قد عَدَّها أم القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودة دائمًا؛ ليس في القِبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلَّتْ.

أما التقدير بأقرب البلاد فهو تقدير مضطرب جدًّا، والقائلون به يشترطون سهولة معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلدان اعتدالًا مِن غير مشقة أو اضطراب في ذلك، وذلك كله منتفٍ بالدربة والمممارسة، بل إنه يُدخل المسلم في حيرةٍ أشد من حيرته الأولى، وهذا ما دعا إليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق - جاد الحق علي جاد الحق - إلى الميل إلى استبعاده بعد أن ذكره خيارًا ثانيًا، داعيًا أهل البلاد التي يطول فيها النهار إلى العمل بمواقيت مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، فقال رحمه الله: "وقد يتعذَّر معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلاد اعتدالًا إلى النرويج، ومِن ثم أميل إلى دعوة المسلمين المقيمين في هذه البلاد إلى صوم عدد الساعات التي يصومها المسلمون في مكة أو المدينة، على أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض، دون نظرٍ أو اعتداد بمقدار ساعات الليل أو النهار، ودون توقُّف في الفِطر على غروب الشمس أو اختفاء ضوئها بدخول الليل فعلًا؛ وذلك اتباعًا لِمَا أخذ به الفقهاء في تقدير وقت الصلاة والصوم استنباطًا من حديث الدجال، وامتثالًا لأوامر الله وإرشاده في القرآن الكريم رحمة بعباده".

وقد اعتمدته دار الإفتاء المصرية فيما بعد؛ بدءًا من فضيلة الشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق "فتوى رقم 421 لسنة 1981 م".
والله أعلم.



نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] انظر: فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، للدكتور/ علي الصلابي، ص140، 141 باختصار، دار المعرفة، بيروت - لبنان، ط5/ 1430هـ = 2009م.

[2] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية، ص29، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، ط1/ 1418هـ.

[3] تاريخ دمشق، لابن عساكر، (ج28، ص165)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 هـ = 1995 م.

[4] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم، (ج5، ص305)، دار السعادة، مصر، 1394هـ = 1974م.

[5] ابن حبان (5942)، وحسنه الأرناؤوط.

[6] البداية والنهاية، (ج8، ص89).

[7] انظر: فتح الباري، لابن حجر، (ج6، ص385)، البداية والنهاية، لابن كثير (ج1، ص171).

[8] تفسير ابن كثير (ج6، ص81).

[9] أبو داود (5186)، وصححه الأرناؤوط.

[10] البخاري (6901)، مسلم (2156).

[11] البخاري (6245)، مسلم (2153).

[12] شعب الإيمان، للبيهقي (8436).

[13] البخاري (6250)، وعند مسلم (2155) بدون قوله: (كأنه كرهها).

[14] أبو داود (5177)، ومصنف ابن أبي شيبة (25672)، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (818).

[15] مصنف ابن أبي شيبة (17606)، والسنن الكبرى للبيهقي (13556).

[16] الأدب المفرد، للبخاري (1060).


[17] مسند أحمد (3615)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن.

[18] الأدب المفرد (1063).

[19] السنن الكبرى، للبيهقي، (3338)، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (497).

[20] انظر: أحكام الصيام، ص68 - 70 باختصار.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 12-02-2020, 02:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

العبادات تعلمنا النظام (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله أبدع ما أوجد وأتقن ما صنع، وكل شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظَمته خضَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: تعالى في مجده وتقدس وفي خَلْقه تفرَّد وأبدع، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله: أفضل مقتدًى به وأكمَل متَّبَع، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والتقى والورَع، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ولنهج الحق لزِم واتبَع، وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فإن مِن أبرز القيَم التي يرسمها لنا شهر رمضان: قيمة النظام؛ فالنظام فطرة في هذا الكون، وضرورة من ضروريات الحياة؛ يقول تعالى: ï´؟ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ï´¾ [يس: 38 - 40].

فالكون كلُّه يسير بنظام وإتقان؛ الشمس والقمر، والليل والنهار، والكواكب والنجوم، والسماء والأرض؛ قال ربنا: ï´؟ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ï´¾ [النمل: 88].

النظام في القرآن الكريم:
إن القرآنَ الكريم يدعونا صراحة إلى النظام؛ فقد بيَّن ربنا أن الملائكة لديها نظام؛ قال تعالى: ï´؟ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ï´¾ [الصافات: 1]، وأنها ستأتي يوم القيامة وهي منظَّمة ومصطفَّة: ï´؟ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ï´¾ [الفجر: 22]، بل إن البشَر عندما يأتون للعَرْض على الله يوم القيامة يُعرَضون وهم منظَّمون: ï´؟ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ï´¾ [الكهف: 48]، ويُغْني عن كل هذا أن في القرآنِ الكريم سورة كاملة اسمها سورة (الصف)، وفيها قوله: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ï´¾ [الصف: 4].

فإذا كان النظام هو سمةَ الكون، ومظهَرَ العبادات، ومنهج القرآن، فأين المسلِمون الآن مِن قيمة النظام؟ ولماذا يرضى البعضُ أن يعيش بالارتجال ولا يقبَل إلا بالعشوائية؟!

النظام في السنة النبوية:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم بالنظام في حياته، سلمًا وحربًا، فجاء النظام في تسوية الصحابة للصلاة؛ جاء عن أبي مسعودٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: ((استووا، ولا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم، لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))[1].

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((إنما جُعِل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع، فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لِمَن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد، فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف مِن حُسْن الصلاة))[2].

هاتان الروايتانِ توضِّحان معالم النظام في الاصطفاف للصلاة، وهذه صور سِلميَّة، واهتم كذلك بالنظام في الاصطفاف للحروب؛ ففي السيرة النبوية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدرٍ، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بني عدي بن النجار - قال ابن هشامٍ: يقال: سوَّادٌ مثقلة، وسوادٌ في الأنصار غير هذا، مخففٌ - وهو مستنتلٌ من الصف - قال ابن هشامٍ: ويقال: مستنصلٌ من الصف - فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله، أوجعتَني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقِدْني،فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: ((استقِدْ))، قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال: ((ما حملك على هذا يا سواد؟))، قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جِلدي جِلدَك،فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير"[3].

العبادات والنظام:
إننا نتعبَّد لله سبحانه وتعالى بالصلوات الخمس في اليوم والليلة، وكل صلاة يجب أن يسبقها طهارة ووضوء، وكل صلاة لها وقت، وعدد من الركعات، ولها كيفية وهيئة تؤدى بها، يجب على كل مصلٍّ أن يلتزم بها، ولا يخرج عن نظامها، وإلا صار مخالفًا لنظام الصلاة.

والزكاة كذلك لها أحكامها ووقتها؛ فزكاة المال - مثلًا - تؤدى كل عام، وببلوغ النصاب، وتخرج لأناس عيَّنهم الشرع وحددهم، وجعل الزكاة لا تصرف إلا لهم.

والحج له أشهر معلومات وأماكن محدودات، لا يُقبَل من الحاج أن يذهب لأداء مناسك الحج في غير تلك الأشهر، ولا يصح أن يؤديها في أماكن غيرِ تلك التي حددها له الشرع الحنيف.

أما عبادة الصيام، التي لها شهر معلوم ووقت معدود، فشهر رمضان هو الوحيد الذي فرضه الله على عباده، وإذا صامه المسلم، فوقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

فهذه الأركان الخمسة من الشهادتين والصلاة والزكاة والحج والصيام تعطينا دروسًا للانضباط والنظام في أنفسنا وحياتنا، وتغرس فينا التنظيم والترتيب في معاملاتنا وسلوكنا؛ فهي - بلا شك - تربية للمسلمين على هذه القيمة الجمالية.

تأمل..قصة عجيبة عن النظام:
عرَض بعض الدعاة على رجل أمريكي مشهدًا حيًّا للحرم المكي وهو يعِجُّ بالمصلين قبل إقامة الصلاة - وكان فيه إفطار في رمضان - ثم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء للاصطفاف في رأيك؟ فقال: - ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار،فقال: إذًا، 12 ساعة، فقالوا له: إنهم مختلفو اللغات، فقال: هؤلاء لا يمكِنُ اصطفافهم،ثم حان وقت الصلاة،فتقدَّم الشيخ السديس وقال: استووا،فوقَف الجميع في صفوف منتظمة في لحظات قليلة،فأسلَم الرجل[4].

دعوة للنظام:
مما سبق يتضح أن النظام سلوك متأصل في الكون والعبادات، لا ينفك لحظة، فحريٌّ بنا - نحن المسلمين - أن نسايرَ فطرة الكون، وأن نتعلم من عباداتنا؛ فالتزِمِ النظام في غرفتك، وبيتك، ومدرستك، وعملك، ومسجدك، وسيارتك، وطريقك، وحياتك الزوجية، ومواعيدك وأوقاتك.

فالمسلم ينبغي أن يكون منظمًا مرتبًا في حياته؛ قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إنكم قادمون على إخوانكم؛ فأصلِحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس؛ فإن الله لا يحب الفُحْش، ولا التفحُّش))[5].

أيَّهما يختار؟!
لو أن طفلًا صغيرًا نظر إلى رجل مسلم يحافظ على صلاته، ويكثر من صيامه، ويتلو آيات ربه، ثم يجده يهمل نفسه إهمالًا شديدًا في ملابسه، ولا يلتزم بوعوده، وفي الناحية الأخرى يجد هذا الطفل رجلًا ليس منضبطًا بالدين إطلاقًا، فقد لا يصلي ولا يهتم بالصيام إلا في رمضان..فقد وجد في الأول العبادة، لكن مع الإهمال وعدم الالتزام، وفي الآخر: الأناقة، والنظافة، والاهتمام، صارِحْني...أيَّهما يختار؟!

أثقأن إجابتك ستكون الثاني؛ فالمظهر أخَذه، والنظام جذَبه، والاهتمام شدَّه..

وأنا أقول: الأول: يحتاج إلى إعادة نظر في سلوكه، وأن يكون صورة مشرفة لإسلامه ودِينه.

والثاني: يجب أن يعود لربه، ويؤدي ما عليه، وإلا فما فائدة النافلة بدون الفريضة؟!

الصائمون وطعام الإفطار:
قالوا: "إن المصريين يُهدرون أكثر من 3 مليون طن من الطعام سنويًّا، ونسبة إهدار الطعام في رمضان تصل إلى 60%، ثم إن الذين يبحثون عن حلٍّ وعلاج لهذه المشكلة، قالوا: لو نظمنا هذا السلوك لاستطعنا أن نوفر طعامًا لـ: 3.5 مليون مصري محتاج"...فالتغلُّب على المشكلات يكون بالنظام.

وصية عملية:
لا تقبَلْ أنت كمسلم إلا أن تكون منظمًا مرتبًا، نظِّمْ بيتك، وغرفتك، ومكتبك، وعملك، وأوقاتك، وملابسك؛ فالنظام عنوان المسلم في حياته!
♦♦♦

السؤال الخامس عشر: مَن الذي فتح مصر؟ وفي أي عام؟
الجواب:
هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عام: 20 ه، الموافق: 641م.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الزيارة:
إن الإنسان لا يخلو إما أن يزور أباه وأمه، أو يزور أخاه وأخته، أو يزور أقاربه أو أصدقاءه، وهذه الزيارة أيًّا كانت، فلها في الإسلام فضائلُ وآدابٌ، ومنها:
1- تجديد النِّية:
لقد تكرَّر هذا الأدبُ فيما سبق من آداب؛ فاستحضار النية واستذكارها مِن أهم ما يمكن فعله؛ فقد يفعل الإنسان الشيء، وليس له نية، فلا يخرُجُ مِن عمله بشيء، وتجديد النية هنا أن يُحدِّثَ المرء نفسه: لماذا سأزور فلانًا؟ هل زيارتي لمصلحة شخصية؟ أو لغرض دنيوي؟ أم زيارتي لله؟ فإذا كانت لله، فهذا ما أعدَّه الله للزائرين في الله؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن رجلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله له على مَدْرَجته ملَكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه مِن نعمةٍ تَرُبُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه))[6].

وربُّ العالمين أخبرنا أنه أوجب محبته لمن يزور أخاه لا يزوره إلا لله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: وجبَتْ محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ))[7].

كما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعده بالجنة؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أنْ طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا))[8].

2- اختيار الوقت المناسب للزيارة:
مِن أبرز آداب الزيارة: أن يختار الزائر الوقت المناسب للمزور، ما أمكنه ذلك؛ حتى لا يكون هناك إحراج، وحتى يكون المزور على استعداد في استقبال مَن يزُوره، وليكن هذا الاختيار بمكالمة عبر الهاتف أو برسالة، أو بوسيلة أخرى، لتتحرى الأوقات المناسبة.

3- مراعاة آداب الاستئذان:
على الزائر أن يراعي آداب الاستئذان، التي سبق الحديث عنها في آداب الاستئذان، بأن يستأذن ثلاثًا، ولا يقف بوجه الباب، وأن يسلِّمَ على مَن قصد زيارتهم، والاستئذان عليهم.

4- الحذَر مِن الإفراط في الزيارات:
لتحذَرْ - أخي الزائر - أن تُكثِر من الزيارات، إلا لحاجة أو لسبب؛ كأن يطلب منك شخص أن تزوره؛ عن عطاءٍ، قال: دخلتُ أنا وعبيد بن عميرٍ على عائشة، فقالت لعبيد بن عميرٍ: قد آنَ لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمَّهْ كما قال الأولُ: زُرْ غِبًّا، تَزْدَدْ حُبًّا..."[9].

5- مراعاة مدة الزيارة:
كُنْ زائرًا خفيفًا، فإذا زرت صديقك أو قريبك، فلا تُطِلِ المدة عنده، اللهم إلا إذا أظهر رغبته في ذلك، وطلب منك أن تجلس معه؛ فقد يكون مشغولًا، أو عنده ارتباط بشيء ما، ويتحرج أن يخبرك به.

6- غَضُّ البصر عن محارم البيت:
فلا يصحُّ للزائر ولا يليق أن يطلق بصره يجول في كل ركن مِن أركان البيت، ويتأكد هذا عند دخوله؛ فعليه أن يُخفِض طرفه، فلا يرفع بصره؛ حتى لا يطَّلِع على عَوْرات البيت.

7- الجلوس حيث يأذَنُ صاحب البيت:
إن صاحبَ البيت أعلمُ بحال بيته، فإذا زاره أحد، فقال له: اجلس هنا، فما على الزائر إلا أن يلبي طلبه؛ فالزائر قد يجلس في مكان يكشِف فيه البيت، أو يرى محارمه، مما يُغضِب صاحب البيت.

8- عدم إمامة صاحب البيت إلا بإذنه:
عن أبي عطية، قال: كان مالك بن حويرثٍ يأتينا إلى مصلانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدَّم فصَلِّه، فقال لنا: قدموا رجلًا منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لِمَ لا أصلي بكم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن زار قومًا فلا يؤمَّهم، وليؤمَّهم رجلٌ منهم))[10].

وعلَّق الإمام الترمذي على هذا الحديث، قائلًا: والعمل على هذا عند أكثرِ أهل العلم مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، قالوا: صاحب المنزل أحقُّ بالإمامة مِن الزائر، وقال بعض أهل العلم: إذا أذِن له، فلا بأس أن يصلي به.

ويؤكد هذا ما جاء عن أبي مسعودٍ الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... ولا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه))[11].

9- عدم الانصراف إلا بإذن صاحب البيت:
إذا زار المسلم أخاه، ثم أراد أن ينصرف، فعليه أن يستأذن منه، ولا يخرج من بيته إلا بإذنه؛ لئلا يطَّلِع على محارم البيت؛ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقُمْ حتى يستأذنه))[12].

ولا شكَّ أن هذا التوجيه النبوي فيه ذوقٌ عالٍ، وأدبٌ رفيع؛ فمَن خالَف فقد خالَف آداب الإسلام.

10- شُكر صاحب البيت والدعاء له:
إن شُكر الناس مِن شكر الله؛ فالذي يشكر الناس كمَن يشكر الله، ومِن باب الشكر: أن تشكر مَن قُمْتَ بزيارته، واستقبلك في بيته؛ عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سألكم بالله فأعطوه، ومَن استعاذكم بالله فأعيذوه، ومَن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له، حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه، ومَن استجاركم فأجيروه))[13].

وأذكرك أخي بدعاء الشكر على الطعام والشراب، وبدعاء الإفطار؛ فمِن السنَّة إذا أكلتَ عند صديقك أو شربتَ أن تقول: ((اللهم أطعِمْ مَن أطعَمنا، واسقِ مَن سقانا))[14].

ويضاف إليه: أن تدعو لِمَن أفطرت عنده فتقول: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامَكم الأبرارُ، وصلت عليكم الملائكة)[15].

11- مرافقة الضيف حتى الباب:
وهذا يُعَدُّ مِن قَبيل تمام الزيارة وكمال الضيافة، قال الشعبي: "مِن تمام زيارة الزائر: أن تمشي معه إلى باب الدار، وتأخذ برِكابه"[16].

تمت آداب الزيارة في أحدَ عشَر، جعلها الله ذُخرًا لِمَن عمِل بها ثم نشَر.
♦♦♦


درس الفقه: مِن أحكام الصيام:
1- هل يجوز قضاء التراويح؟
عند الشافعية، يقول الخطيب الشربيني: "(ولو فات النفل المؤقت) سنَّت الجماعة فيه؛ كصلاة العيد، أو لا؛ كصلاة الضحى، (نُدب قضاؤه في الأظهَر)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها))[17]، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قضى ركعتي الفجر لما نام في الوادي عن صلاة الصبح إلى أن طلعت الشمس)[18]، (وقضى ركعتي سنة الظهر المتأخرة بعد العصر)[19]، ولأنها صلاة مؤقتة؛ فقُضِيت كالفرائض، وسواء السفر والحضر، كما صرح به ابن المقري"[20].

ويقول الإمام النووي: "إن الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمدٌ والمزني وأحمدُ في روايةٍ عنه، وقال أبو حنيفة ومالكٌ وأبو يوسف - في أشهر الرواية عنهما -: لا يقضي"[21]...وعليه: فمَن فاتته صلاة التراويح، فعلى مذهب الشافعية، يُندَب له القضاء.

2- حُكم التبرُّد بالماء:
إن تبرُّد الصائم بالماء الذي صفته: أن يصب الماء على بدنه منعًا للحر، أو خوفًا من العطش، هو جائز، لا يضر الصائم، ولا يفسد الصوم؛ فعن عائشة، وأم سلمة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان (يدركه الفجر وهو جنبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم)[22].

وجاء عن أنس، أنه قال: (إن لي أبزن أتقحم فيه، وأنا صائمٌ)[23]، والأبزن: حوض مِن فخَّار أو غيره.
مع الحرص بعدم دخول الماء إلى الجوف.
والله أعلم.

يراجع كتاب: نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة.


[1] مسلم (432).

[2] متفق عليه.

[3] السيرة النبوية، لابن هشام، (ج1، ص626)، تحقيق: مصطفى السقا وغيره، مطبعة مصطفى الحلبي، ط2/ 1375هـ = 1955 م.

[4] ذكَرها الدكتور/ يحيى اليحيى، رئيس لجنة التعريف بالإسلام، في برنامج "أسرة واحدة" على قناة المجد الفضائية.

[5] أبو داود (4089)، ومسند أحمد (17624)، ومستدرك الحاكم (7371)، وقال: صحيح الإسناد.

[6] مسلم (2567).

[7] مسند أحمد (22030)، والمعجم الكبير للطبراني (150)، ومستدرك الحاكم (7314)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

[8] الترمذي (2008)، وحسنه الألباني.

[9] صحيح ابن حبان (620)، وصححه الأرناؤوط.

[10] أبو داود (596)، والترمذي (356)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

[11] مسلم (673).

[12] مسند الفردوس، للديلمي (1200)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1/ 1406 هـ = 1986م، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (182).

[13] أحمد (5743)، والحاكم في المستدرك (2369)، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين.

[14] مسند أبي يعلى (1517)، وإسناده صحيح.

[15] أبو داود (3854)، وقال الألباني: صحيح.

[16] الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح (ج3، ص238).

[17] مسلم (684).


[18] أبو داود (447)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

[19] البخاري (1233)، مسلم (834).

[20] انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني، (ج1، ص457)، دار الكتب العلمية، ط1/ 1415هـ - 1994م.

[21] المجموع شرح المهذب، للنووي، (ج4، ص43).

[22] متفق عليه.

[23] البخاري (ج3، ص30)، باب اغتسال الصائم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 12-02-2020, 02:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

قانون النصر في غزوة بدر (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار، وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، سخَّر لنا الفُلك ومهد لها أمواه البحار، خلق الشمس والقمر وجعل الليل والنهار، صورنا فأحسن صورنا وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار، أما بعد:
فإن الأحداثَ تفرض نفسها، ففي مثل هذا اليوم، السابع عشر من شهر رمضان عام 2هـ، كانت غزوة بدر الكبرى، التي تحدث عنها القرآن الكريم في كثير من الآيات؛ سورة آل عمران، والأنفال، والحج، والدخان، بل سماها القرآن "يوم الفرقان"؛ كما جاء في سورة الأنفال، التي سماها البعض: سورةَ بَدْر؛ لأنها نزلت في معركة بدر، وكانت أول معركة فارقة بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر.

إن المتأمل في تلك الغزوة يرى أن عدد المسلمين كان أقل من عدد المشركين، ولم تكن عدة ولا عتاد المسلمين كعتاد المشركين، ثم في النهاية انتصر المسلمون على المشركين؛ بإيمانهم بالله، وتوكلهم عليه، وثقتهم فيه، وأخذهم بالأسباب..

عدد المسلمين:
اختلفوا في عددهم، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، فقيل: (313)، أو (314)، أو (317)، أو (319) رجلًا.

عدد المشركين:
كان يتراوح بين التسعمائة والألف، عندما جيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم برجل، فقال له: ((كم القوم؟))، قال: هم والله كثيرٌ عددهم، شديدٌ بأسهم، فجهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم، فأبى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله: ((كم ينحَرون مِن الجُزُر؟))، فقال: عشرًا كل يومٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القوم ألفٌ، كل جزورٍ لمائةٍ، وتبعها))[1].

فالعدد متفاوت بينهم؛ فـ: 319 صحابي على أكثر قول، إلى ألف من المشركين..أي بنسبة واحد إلى ثلاثة تقريبًا.

عدد البعير والخيول بين الفريقين:
المسلمون: كان معهم سبعون بعيرًا وفرَسانِ فقط - فرس للمقداد، وآخر للزبير - وستون درعًا فقط.
بينما المشركون: كان معهم سبعمائة بعير، وسبعون فرسًا، وقيل: مائة فرس، وكذا: ستمائة درع.

المسلمون يأكلون التمرات والمشركون يأكلون الإبل:
فالمسلمون: كما جاء أن رسول الله عندما قال صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض))، قال عُمَير بن الحُمَام الأنصاري: يا رسول الله، جنةٌ عرضها السموات والأرض؟ قال: ((نعم))، قال: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟)) قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمراتٍ من قَرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلةٌ، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل"[2].

أما المشركون:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأل: ((كم ينحرون من الجزر؟))، فقال: عشرًا كل يومٍ.
فالصحابة يأكلون تمرات، والمشركون ينحرون الإبل والجزور ليأكلوها.

لِمَن النصر؟
بعد هذه المفارقات والمقارنات بين جيش المؤمنين وجيش المشركين، كانت الغلبة والنصر للمسلمين، والسبب: تحقيق قانون النصر؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ï´¾ [الحج: 40].

فالإيمان بالله والتوكل عليه، وأنهم نصروا الله في حياتهم ومعاشهم، فنصرهم الله على أعدائهم، ورجعوا كما قال سعد بن أبي وقاص: "فما رجَع أحدٌ منهم يريد أن يركب إلا وجَد ظهرًا، للرجل البعير والبعيران، واكتسى مَن كان عاريًا، وأصابوا طعامًا مِن أزوادهم، وأصابوا فداءَ الأسرى فأغنى به كل عائلٍ"[3].

كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عماله: (عليكَ بتقوى الله في كل حال ينزل بك؛ فإن تقوى الله أفضلُ العُدَّة، وأبلغ المكيدة، وأقوى القوة، ولا تكن في شيء من عداوة عدوك أشد احتراسًا لنفسك ومن معك من معاصي الله؛ فإن الذنوب أخوف عندي على الناس من مكيدة عدوهم، وإنما نعادي عدونا ونستنصر عليهم بمعصيتهم، ولولا ذلك لم تكن لنا قوة بهم؛ لأن عددَنا ليس كعددهم، ولا قوتنا كقوتهم...)[4].

إن عدد المسلمين اليوم يقارب: مليارًا وسبعمائة مليون مسلم، وعدد اليهود: لا يتجاوز عشرين مليونًا، فلو أن كل مسلم بصق بصقة، لأغرقناهم في هذا البصاق، لكن كثرتنا كما وصفها رسولنا في هذا الحديث؛ عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأممُ أن تَدَاعى عليكم كما تَدَاعى الأَكَلة إلى قصعتها))، فقال قائلٌ: ومن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غُثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله مِن صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائلٌ: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهيَةُ الموت))[5].

والأصلُ أن الله يُلقي الرعب في قلوبهم منا؛ ï´؟ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ï´¾ [آل عمران: 151]، لكنها قد تزول ببُعدنا عن ربنا، وهو الواقع، وتتحقق عندما يقيم المسلمون شرع ربهم، ويطبقون الإسلام الشمولي الواقعي الوسطي الواضح الإنساني الرباني، ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ï´¾ [البقرة: 208].

والعجيب..أننا لو طالعنا واستقرأنا معارك المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي، لم نجد معركة يفوق فيها عدد أهل الإسلام عدد الأعداء، اللهم إلا في معركة حنين - 8هـ - فهي المعركة الوحيدة التي زاد فيها عدد المسلمين - الذي بلغ: 12 ألفًا - على الأعداء، ومع ذلك لما تسرَّب إليهم العُجب بالنفس، وكثرة العدد، والثقة الزائدة عن حدها، عندما قالوا: ((لن نُغلَب اليوم من قلةٍ))، كانت الهزيمة، ولا شك أن هذا مرضٌ خطير، ويأتي الوصف القرآني لجيش المسلمين في أول المعركة، ï´؟ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ï´¾ [التوبة: 25].

وبالمقارنة بين بدر وحنين، يتضح أن عدد المسلمين في بدر كان ثلث عدد المشركين، بينما في حنين: كان عدد المشركين ثلث عدد المسلمين، وانتصر المسلمون في بدر، وهُزموا في حنين؛ لنعلَم أن العبرة ليست بالكثرة مع المعصية، وإنما بالقلة مع الطاعة والأخذ بأسباب التمكين، وأن القلة المؤمنة لا تضر مع الكثرة الكافرة.

فكانت نتيجة معركة حنين أن نصَر الله المسلمين؛ لثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قلة مِن الصحابة رضي الله عنهم؛ قال تعالى: ï´؟ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ï´¾ [التوبة: 26].

فإذا أرادت الأمة الإسلامية أن تنتصر على أعدائها، فالمطلوب أن تعودَ لربها، وتتمسك بسنَّة نبيها:
يا أمَّة المصطفى، توبوا لخالقكم
حتى يرُدَّ عدوًّا فاغرًا فاه

إنَّ البلاءاتِ لم تنزِلْ بأمتنا
إلا بذنبٍ عظيمٍ قد فعلناه

قوموا اتَّقوا اللهَ وادعوه فلا أمَلٌ
في النصرِ يا أمَّتي إلا بتقواه

يا أمتي وحِّدوا للحق صفَّكُمُ
إنَّ التنازعَ للخُسرانِ عُقباه

يا أمتي اتجهوا للهِ في ثقةٍ
إن تنصُروا ربَّكم يَنْصُرْكم الله


وصية عملية:
علِّموا أولادكم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو هدي السلف الصالح.
♦♦♦


السؤال السابع عشر: كم عدد الغزوات والسرايا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
أولًا: الفرق بين الغزوة والسرية:
الغزوة: تطلق على المعارك التي شارك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إليها، حدَث فيها قتال أم لم يحدث، كثر العدد أم قل.
السرية: تطلق على مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم، أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغالبًا يكون العدد قليلًا.

ثانيًا: عدد الغزوات: كان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعًا وعشرين غزوة.
ثالثًا: عدد السرايا: كانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيًا وثلاثين.
♦♦♦

خاطرة بعد الفجر: (آداب الوضوء):
إنها عبادة لا يستغني عنها كل مسلم؛ فهي متكررة كل يوم، بل تتكرر في اليوم قبل كل صلاة، وإذا أراد غير الصلاة، استحب له أن يتوضأ؛ كتلاوة القرآن، وذِكر الله، والدعاء، والنوم، والإسلامُ اهتم اهتمامًا بالغًا بالباطن كما اهتم بالظاهر؛ فالطهارة في الإسلام قسمان: باطنة وظاهرة، فالباطنة: الخلاص من النفاق والرياء والحقد وكل مرض قلبي خبيث، والظاهرة: الوضوء والاغتسال والنظافة الخارجية، والوضوءُ عبادة لها آدابها وأحكامها، وبيانها كالتالي:
1- استحضِرْ نية الوضوء:
أخي المتوضأ، جدِّدْ نيتك قبل وضوئك؛ فتجديد النية للوضوء يُخرج الخطايا ويغسل الذنوب؛ كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسَل وجهه، خرج مِن وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ كان بطشتها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل رِجليه خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيًّا مِن الذنوب))[6].

2- سَمِّ الله:
التسمية قبل الوضوء سنَّة، وليست واجبة؛ حتى لا يفهم البعض من الحديث: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) أنها على الوجوب[7]، واختلفوا في التسمية قبل الوضوء، فيرى الإمام أحمد أنه: "لا يصح في ذلك حديث، ولو صح لكان معناه: لا وضوء كاملًا"[8]، "وذهب الحنفية والشافعية إلى أنها سنةٌ، وقد دل على السنية حديث: "كل أمرٍ ذي بالٍ"، فيتعاضَد هو وحديث الباب على مطلق الشرعية، وأقلها الندبية"[9].

اقتصِدْ في الماء:
إن الاقتصاد والاعتدال من سمات سلوك الإسلام؛ فالمسلمون مطالبون بأن يقتصدوا في كل شيء؛ في المأكل والمشرب والملبس، وحتى في الإنفاق، وكذا في استعمال الماء، فلا إسراف ولا تبذير، وإنما اتزان واعتدال، وقد وصفنا ربنا بالوسطية، فلو كان لدى الإنسان وفرة في الماء، فعليه أن يتوضأ بلا مبالغة، فإذا ندر الماء جاز له أن يغسل الأعضاء مرة واحدة، فإذا زادت ندرته، جاز له أن يغسل الفرائض فقط - غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرِّجلين - وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء الاقتصاد؛ قال أنس: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُدِّ، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمدادٍ)[10]....والمد: ملء الكفين المتوسطتين بالماء،والصاع: أربعة أمداد.

3- حافِظْ على وضوئك:
مِن صفات المؤمن: أن يحافظ على وضوئه، والمعنى يظل بوضوئه مدة زمنية، فإذا فسد وضوءه لسببٍ ما، أسرع إلى الماء فتوضأ؛ ليبقى دائم الوضوء؛ عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالكم الصلاةُ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ))[11].

4- أسبِغْ وضوءك:
وذلك بغَسْل الأعضاء جيدًا، والتدليك، وإيصال الماء لكل عضو؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟!))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطَى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))[12].

والإسباغ يكون في الصيف والشتاء، بالماء الدافئ في الصيف، أو الماء البارد في الشتاء، مع العلم أن تدفئةَ الماء في الشتاء جائزة.

ومِن إسباغ الوضوء: أن يحرِّكَ الخاتَمَ في الإصبع؛ حتى يصل الماء إلى الموضع الذي تحته، ويجب على المرأة أن تزيلَ طلاءَ الأظفار - ويعرف بالمناكير وغيره - أما الحنَّاء فلا تؤثِّر في الوضوء؛ لأنها لا تمنَع وصول الماء.

5- ابدَأْ باليمين:
مِن هَدْيِ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يحب التيمُّنَ في كل شيء، وهو في وضوئه آكَد؛ عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأتم فابدَؤوا بميامنكم))[13].

6- توضَّأْ ثلاثًا ولا تزِدْ:
عن معاذ بن جبلٍ قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ واحدةً، واثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، كلَّ ذلك كان يفعل)[14].

يقول الإمام النووي: "وقد أجمع المسلمون على أن الواجبَ في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاثَ سنَّة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرةً مرة، وثلاثًا ثلاثًا، وبعض الأعضاء ثلاثًا، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، قال العلماء: فاختلافها دليلٌ على جواز ذلك كله، وأن الثلاثَ هي الكمال، والواحدة تجزئ"[15].

فالنبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة، ومرتين، وثلاثًا، وأكثر فعله ثلاثًا، وهي السنَّة والكمال، وليحذَرِ المتوضِّئ المبالغة في الوضوء، فمن زاد عن ثلاثة، فقد خالف السنَّة، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف الطُّهور؟ فدعا بماءٍ في إناءٍ فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأدخل إصبَعيه السبَّاحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسبَّاحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هكذا الوُضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلَم))، أو ((ظلَم وأساء))[16].

7- استعمِلِ السواك بعد فراغك:
وهذا مِن مواطن استعمال السواك؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتُهم بالسواك عند كل وضوءٍ))[17].

8- عليك بالذِّكْر بعد الوضوء:
عن عمرَ بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني مِن التَّوَّابين، واجعلني من المتطهرين، فُتِحت له ثمانية أبواب الجنة، يدخل مِن أيها شاء))[18].

فمن السنة بعد الوضوء: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.

9- صلِّ ركعتين بعد الوضوء:
عن عقبة بن عامرٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة))[19].

ويجدر بنا أن نذكر هنا بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه بالجنة؛ فقد أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سمع صوت دفِّ نعليه في الجنة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ عند صلاة الفجر: ((يا بلال، حدِّثْني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعت دفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة))، قال: ما عملت عملًا أرجى عندي: أني لم أتطهر طُهورًا، في ساعة ليلٍ أو نهارٍ، إلا صليت بذلك الطُّهور ما كتب لي أن أصلي"[20].

جاءت آداب الوضوء - والحمد لله - في عشرة كاملة، أرجو أن تكون مفيدة وشاملة.
♦♦♦

درس الفقه:
حُكم استعمال العِطر:
استعمال العِطر في نهار رمضان لا يُبطل الصيام، وليحذر الصائم استنشاق العطر؛ حتى لا يصل شيء منه إلى الجوف... أما البخور: فالأولى ألا يستعمله في نهار رمضان؛ فقد يصل شيء منه إلى الجوف.

ويأتي السؤال المتكرر: ما حكم استخدام العطور الكحولية؟
والجواب: "القول بعدم نجاسة الكحول وبأنه ليس خمرًا هو ما أفتى به الشيخ بخيت المطيعي في مجلة الإرشاد؛ (العدد الأول من السنة الأولى، شهر شعبان 1351هـ)، وهو ما عليه دار الإفتاء المصرية، كما يجوز استخدام الكحول في الطيب والعطور، والمنظفات والأدوية مِن غير حرج في ذلك شرعًا"[21].

حُكم إبر الأنسولين:
إبر الأنسولين لا تفطر الصائم، ولا مانع من أخذها، والصيام معها صحيح.

حُكم نقل الدم في رمضان:
إذا وقفنا على حكم الحجامة، نحكم على نقل الدم؛ فحُكم الحجامة في نهار رمضان عند الأئمة الأربعة، يقول ابن قدامة: "يرى الحنابلة أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: يجوز للصائم أن يحتجم، ولا يفطر"[22].

وعليه: فالجمهور يرون أن الحجامة لا تفطر الصائم، وكذا نقل الدم لا يبطل الصيام، بشرط أن يأمَنَ على نفسه الضرر، والضعف.

حُكم تناول المرأة لأدوية تؤخر الحيض:
هذه المسألة يشترك فيها الطب مع الشرع، فيرجع للطبيب، فإن قال: لا يترتب عليه ضرر، فالشرع يقول: لا حرج في ذلك، والأفضل: أن تكون المرأة طبيعية، فتقضي مدة الحيض، ثم إذا طهرت واغتسلت تصوم، ثم تقضي بعد رمضان ما عليها من أيام.
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] مسند أحمد (948)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[2] مسلم (1901).

[3] مغازي الواقدي (ج1، ص26)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، ط3/ 1409 = 1989م.

[4] حلية الأولياء، لأبي نعيم، (ج5، 3029).

[5] أبو داود (4297)، وحسنه الأرناؤوط.

[6] مسلم (244).

[7] ابن ماجه (397)، وأبو داود (102)، والترمذي (25)، وحسنه الألباني.

[8] شرح صحيح البخاري، لابن بطال، (ج1، 231)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد - السعودية، الرياض، ط2/ 1423ه = 2003م.

[9] سبل السلام، للصنعاني، (ج1، ص74)، دار الحديث، بدون طبعة وبدون تاريخ.

[10] مسلم (325).

[11] ابن ماجه (277)، وصححه الأرناؤوط.

[12] مسلم (251).

[13] ابن ماجه (402)، وصححه الأرناؤوط.

[14] المعجم الكبير للطبراني (125)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (4909).

[15] شرح النووي على مسلم (ج3، ص106).

[16] أبو داود (135)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.


[17] ذكره البخاري في: "باب سواك الرطب واليابس للصائم".

[18] الترمذي (55)، وصححه الألباني.

[19] مسلم (234).

[20] البخاري (1149).

[21] انظر: الفتوى رقم (4731)، بعنوان: [حُكم استخدام الكحول في العطور وغيرها]، على موقع دار الإفتاء المصرية، وتاريخ الإجابة: 29/ 12/ 2012م.

[22] المغني، لابن قدامة، (ج3، ص120) بتصرف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 12-02-2020, 02:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

قيم بدرية (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله، يسَّر للمؤمنين سبل طاعته، وأعان على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اجتباه مِن رسله واصطفاه لرسالته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وذريته، والتابعين لهم بإحسان ومَن سار على نهجه وطريقته، أما بعد:
فإننا ما زلنا نعيش مع غزوة بدر، وتعالوا لنأخذ من غزوة بدر بعض القيم النبوية الجميلة، التي يجب أن يتعلم منها العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب؛ ليقف الأعداء على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب، وليتعلم القادة والزعماء أخلاق القيادة في الإسلام، ومِن ذلك:
القيمة الأولى: مشاركة القائد جنوده:
عندما يشارك القائد جنوده يتغير الحال تمامًا، فيدفع الجنود إلى مضاعفة الجهد، ويحفزهم للبلاء الحسَن في الحرب قبل السلم، وهذه صفات القائد الصالح في كل عصر ومصرٍ، وبرزت تلك الأخلاق من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جاء عن ابن مسعودٍ قال: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثةٍ على بعيرٍ، وكان أبو لبابة وعليٌّ زميلَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا كانت عُقْبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشي عنك، فيقول: ((ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما))[1].

القيمة الثانية: تقدير رأي الجنود:
اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعركة بدر مكانًا نزل عنده، ثم كان لأحد الصحابة - وهو الحباب بن المنذر - رأيٌ غيرُ الذي اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدر رأيه واحترم وجهة نظره، تروي كتب السير أنه صلى الله عليه وسلم: لما خرج يبادر المشركين إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماءٍ من بدرٍ نزل به، قال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة))، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه مِن القُلُبِ، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أشرتَ بالرأي))، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماءٍ من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُبِ فغُوِّرت، وبنى حوضًا على القَليب الذي نزل عليه فمُلئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية"[2].

فمِن كمال القيادة، وتمام الريادة: أن يأخذ القائد برأي الجندي، إن كان صاحب خبرة، وذا رأي، وألا يحقر آراء الجنود؛ فقد يأتي الخير من الغير.

القيمة الثالثة: العدل بين القائد وجنوده:
إن القائد الصالح، والمدير الناجح، هو الذي لا يرى نفسَه فوق الناس، فيظلم هذا، أو يجور على فلان، وإنما يعدل، وإن كان الحق عليه؛ فأبو بكر رضي الله عنه أول ما تولى الخلافة، نادى في الناس: إني وليت عليكم، ولست بخيركم، ولا شك فإن أبا بكر تعلَّم مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موقف له صلى الله عليه وسلم في العدل بينه وبين جنوده، يضرب به المثل؛ فقد ورد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدرٍ، وفي يده قِدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بني عدي بن النجار، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: ((استوِ يا سواد))، فقال: يا رسول الله، أوجعتَني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقِدْني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: ((استقِدْ))، قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال: ((ما حملك على هذا يا سواد؟))، قال: يا رسول الله، حضَر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير"[3].

القيمة الرابعة: عدم الاستعانة بمشرِكٍ على مشرك:
إنها أخلاق الإسلام، وتعاليم سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، وترسيخ لأخلاقيات الحروب، وإبراز للحروب الشريفة، التي لن تجدها إلا في الإسلام؛ جاء عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدرٍ، فتبعه رجلٌ من المشركين، فلحقه عند الجمرة، فقال: إني أردت أن أتبعك وأصيب معك، قال: ((تؤمن بالله عز وجل ورسوله؟))، قال: لا، قال: ((ارجِعْ؛ فلن نستعين بمشركٍ))، قال: ثم لحقه عند الشجرة، ففرح بذاك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له قوةٌ وجَلَدٌ، فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك،قال: ((تؤمن بالله ورسوله؟))، قال: لا، قال: ((ارجع؛ فلن أستعين بمشركٍ))، قال: ثم لحقه حين ظهَر على البيداء، فقال له مثل ذلك، قال: ((تؤمن بالله ورسوله؟))، قال: نعم، قال: فخرج به"[4].

القيمة الخامسة: احترام الأسرى وإكرامُهم:
لما أكرم الله المسلمين بالنصر في معركة بدر، وأصابوا من المشركين سبعين أسيرًا، وقتلوا منهم سبعين رجلًا، تأتي قيمة جمالية أخرى من القيم النبوية في الحروب، وهي تكريم الأسير، والإحسان إليه، والتوصية به، قال ابن إسحاق: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى، فرَّقهم بين أصحابه، وقال: ((استوصوا بالأسارى خيرًا))...وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشمٍ، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى... فقال أبو عزيزٍ: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجلٌ من الأنصار يأسرني، فقال: شُدَّ يديك به؛ فإن أمَه ذات متاعٍ؛ لعلها تفديه منك، قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدرٍ، فكانوا إذا قدموا غَداءهم وعَشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجلٍ منهم كسرة خبزٍ إلا نفحني بها، قال: فأستحيي فأردها على أحدهم، فيردها عليَّ ما يمسها"[5]، وهذا الموقف يذكرنا بقول الله: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8].

ومِن التكريم للأسير: عدم التمثيل به؛ فقد ورد أن سهيل بن عمرو لما أُسِر قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، انزع ثنيَّتيه، يدلع لسانه؛ فلا يقوم عليك خطيبًا أبدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا أُمثِّلُ به، فيمثِّلَ اللهُ بي، وإن كنتُ نبيًّا))[6].

القيمة السادسة: الاعتراف بالجميل لبعض المشركين:
أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأبي البَخْتَرِيِّ، فقال: ((مَن لقي أبا البَخْتَرِيِّ، فلا يقتُلْه))، قالوا: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله؛ لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يبلُغُه عنه شيءٌ يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريشٌ على بني هاشمٍ"[7].

عن جُبَير بن مطعِمٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدرٍ: ((لو كان المُطعِمُ بنُ عدي حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النَتْنى، لتركتُهم له))[8].

والسبب: أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلة الطائف، دخَل مكة في جوار المطعم بن عدي، في وقت ازداد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم حنقًا وتكذيبًا، فلم ينسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الموقف للمطعِم، إنه الوفاء والاعتراف بالجميل من الحبيب النبيل صلى الله عليه وسلم، صاحب الغرة والتحجيل، المؤيد بجبريل، والمذكور في التوراة والإنجيل.

صدَق مَن قال:
شهِد الأنامُ بفضلِه حتَّى العِدَا ♦♦♦ والحقُّ ما شهِدَتْ به الأعداءُ

وصية عملية:
أحضِرْ كتابًا مِن كتب السيرة النبوية، واقرأ على أولادك ولو صفحة واحدة يوميًّا، أو مِن حين لحين، أو أحضر وسيلة عصرية؛ كالفيديوهات أو الرسوم المتحركة، التي تتناول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
♦♦♦


السؤال الثامن عشر: مَن هم الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك؟
الجواب: هم:
"كعب بن مالك، هلال بن أمية، مُرارة بنُ الرَّبيع".
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الشرب:
إن الماء نعمةٌ لا تدانيها نعمة؛ فهو أساس الشرب، فكل مشروب يعتمد على الماء، بل إن الله خلَق كل شيء من ماء؛ قال تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ï´¾ [النور: 45]، وتبلغ نسبته 70% من إجمالي مساحة الأرض، كما أن جسم الإنسان يحتوي على 70% من الماء، وبتوفُّره صار أرخص موجود، لكنه أغلى مفقود.

قالوا: إن الإنسان يستطيع أن يعيش أسابيع بدون طعام، لكنه لا يستطيع أن يعيش أسبوعًا واحدًا بدون ماء.

والشرب له آداب وأحكام، أذكرها في النقاط التالية:
1- اشرِبْ باليمين:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمُّن في طعامه وشرابه، وترجُّله وتنعُّله، بل في شأنه كله؛ عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشِماله، ويشرب بشِماله))[9].

فوجب مخالفة الشيطان، وعدم الأكل أو الشرب بالشمال، بل إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دعا على رجل تكبَّر عن الأكل باليمين؛ عن سلمة بن الأكوع: أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشِماله، فقال: ((كُلْ بيمينك))، قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعتَ))، ما منعه إلا الكِبْر، قال: فما رفعها إلى فيه[10].

وقد سبق بيان ذلك في آداب الطعام؛ فليحذر المخالفُ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المتعمد تركها، وإلا فربنا يتجاوز عن الخطأ والنسيان.

2- سَمِّ اللهَ:
فالتسمية قبل كل شيء، وقبل الشرب قل: (بسم الله)، فهي تجلب البركة، وتطرد الشيطان.

3- اشرَبْ قاعدًا:
من السنَّة أن تشرب قاعدًا، مع جواز الشرب قائمًا عند الحاجة، وإليك ما جاء من أحاديث، ثم ما توصل إليه العلماء؛ عن أنس وأبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنهما -: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا)، وفي رواية لأبي سعيد: (زجَر عن الشرب قائمًا)[11].

عن ابن عباسٍ، قال: (سقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مِن زمزمَ، فشرِبَ وهو قائمٌ)[12].

وعن النزال، قال: أتى عليٌّ رضي الله عنه على باب الرَّحَبة (فشرب قائمًا)، فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائمٌ، وإني (رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلتُ)[13].

فإذا كانت بعض الأحاديث تنهى عن الشُّرب قائمًا، وأخرى تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا، فكيف نحُلُّ هذا الإشكال؟!

قال ابن القيم: "وكان أكثر شربه قاعدًا، بل زجر عن الشرب قائمًا، وشرب مرةً قائمًا، فقيل: هذا نسخٌ لنهيه، وقيل: بل فِعلُه لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عينٍ شرِب فيها قائمًا لعذرٍ، وسياق القصة يدل عليه؛ فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو وشرب قائمًا.. والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائمًا، وجوازه لعذرٍ يمنع مِن القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، والله أعلم"[14].

أقول وبالله التوفيق: الأصل أن تشرب قاعدًا؛ فهو أكثرُ فِعله صلى الله عليه وسلم، مع جواز الشرب قائمًا لعذر.

4- اشرَبْ في ثلاث:
عن أنسٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أَرْوى وأبرَأُ وأمرأ))، قال أنسٌ: (فأنا أتنفَّس في الشراب ثلاثًا)[15].

والمعنى هنا: (أروى): أكثر ريًّا، و(أبرأ): مِن ألم العطش الذي قد يحصل بالشرب مرة واحدة، و(أمرأ): أجمل انسياغًا؛ كما قال النوويُّ.

(يتنفس)؛ أي: يخرج نَفَسه، ويبعد الإناء عن فمه، ويتنفس خارجه ثلاثًا، ثم يعود للشراب.

5- لا تشرَبْ من فِي السقاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرَبَ مِن فِي السقاء)[16].

السقاء: إناءٌ يوضَع فيه الماء، وله فمٌ يشرب منه، ومثله القِربة، ويشبههما: الزجاجة.

والنهي محمول على ما لو كان هناك مَن يشرب غيره، فلو كانت الزجاجة له خاصة، فلا نهيَ، فإذا وجد غيره ليشرب من الزجاجة، فينبغي ألا يشرب مِن فمها مباشرةً.

قال ابن القيم: وفي هذا آدابٌ عديدةٌ:
منها: أن تردُّد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومةً ورائحةً كريهةً يُعافُ لأجلها.
ومنها: أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء، فتضرر به.
ومنها: أنه ربما كان فيه حيوانٌ لا يشعر به، فيؤذيه.
ومنها: أن الماء ربما كان فيه قذاةٌ أو غيرها لا يراها عند الشرب، فتلِج جوفه.
ومنها: أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء، فيضيق عن أخذ حظه من الماء، أو يزاحمه، أو يؤذيه، ولغير ذلك من الحِكم.

6- لا تتنفَّس في الإناء:
عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرب أحدكم، فلا يتنفَّس في الإناء...))[17]، وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه[18]، فلا تتنفَّسْ في الإناء، ولا تنفخ فيه.

والعلة في ذلك، يبينها العلماء، قال ابن حجر: "لأنه ربما حصل له تغيُّر من النَّفَس، إما لكون المتنفِّس كان متغيِّرَ الفم بمأكول مثلًا، أو لبُعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفَس يصعَد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشدُّ مِن التنفُّس"[19].

وقال النووي: "والنهي عن التنفس في الإناء هو مِن طريق الأدب؛ مخافة من تقذيره ونتنه، وسقوط شيء مِن الفمِ والأنف فيه، ونحو ذلك"[20].

7- لا تشرَبْ في آنية الذهب والفضة:
نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب في آنية الذهب والفضة؛ عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبَسوا الحرير والديباج؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة))[21]، وتوعد مَن يشرب فيها بأن له نار جهنم؛ عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شرب في إناءٍ من ذهبٍ أو فضةٍ، فإنما يُجرجِر في بطنه نارًا مِن جهنَّم))[22].

8- اقتصِدْ في شُربك:
أُمِرنا بالاقتصاد في شتى أمور حياتنا، وبعدم الإسراف في الطعام والشراب؛ قال تعالى: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ï´¾ [الأعراف: 31].

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يشرب في مِعًى واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاءٍ))[23].

9- احمَدِ اللهَ بعد الشراب:
أخبَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن اللهَ يرضى عن الرجل يأكل أو يشرب، فيحمد الله بعد طعامه وشرابه، فيقول: (الحمد لله)؛ عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكلَ الأكلة فيحمَده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمَده عليها))[24].

عن أبي أيوب الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: ((الحمد لله الذي أطعَم وسقَى، وسوَّغه وجعَل له مخرجًا))[25].

وإذا كان المشروب لبنًا، فليدعُ بهذا الدعاء، الذي جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((.... ومَن سقاه الله لبنًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه؛ فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن))[26].

10- أعطِ الإناء لِمَن عن يمينك:
وهذا مِن قَبيل التيامن، وتقديم اليمين سنَّة، فلو كانوا مجموعة، فأتي لهم بماء ليشربوا، فالسنَّة أن يعطي الأيمنَ فالأيمن؛ فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبنٍ قد شِيبَ بماءٍ، وعن يمينه أعرابي، وعن شِماله أبو بكرٍ، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: ((الأيمن فالأيمن))[27].

وليستأذن مَن يجلس عن يمينه، إذا رغب أن يعطي غيره، هكذا يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشرابٍ، فشرب منه وعن يمينه غلامٌ، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟))، فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثِر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتَلَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يدِه[28].

11- اشرَبْ أخيرًا إن كنت ساقيًا:
وتلك سنَّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي قال: ((إن ساقيَ القوم آخرُهم شُربًا))[29].

12- لا تطرَحِ الشرابَ الذي وقع فيه الذباب:
فإذا وقع في الشراب ذبابة، أو بعوضة، فاغمسها في الإناء ثم انزعها؛ فقد يتقذر البعض من ذلك، على الرغم أنه فِعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، فليغمِسْه ثم لينزعه؛ فإن في إحدى جَناحيه داءً، والأخرى شفاءً))[30].

قد يتعجب البعض، بل وصل الأمر ببعضهم أنهم أنكروا هذا الحديث، فيقول: كيف تجمع الذبابة بين النقيضين - الداء والدواء -؟! نقول: أليست النحلة تعطي العسل وتلقي السم، ثم إن كان رسول الله قد قال، فقد صدق؛ فهو لا ينطق عن الهوى، وذكر الإمام ابن حجر في ذلك كلامًا للمتخصصين، فقال: "ذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه، فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادتان، فيزول الضرر بإذن الله تعالى"[31].

13- لا تترُكِ الإناء مكشوفًا:
هذه سنَّة قد يغفُلُ عنها بعض الناس، وهي أن يترك الإناء مكشوفًا؛ عن جابرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((غطُّوا الإناء، وأَوْكُوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج؛ فإن الشيطان لا يحُلُّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودًا، ويذكر اسم الله، فليفعل؛ فإن الفُوَيْسِقَةَ تُضرم على أهل البيت بيتهم))[32].

وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء؛ فإن في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، أو سقاءٍ ليس عليه وكاءٌ، إلا نزل فيه مِن ذلك الوباء))[33].

هذه هي آداب الشرب، وهي ثلاثة عشر، جعلها ربي نافعةً لي ولسائر البشر.
♦♦♦


درس الفقه:
1- حُكم مَن ظن طلوع الفجر أو غروب الشمس:
يرى جمهور الفقهاء: أن مَن أكل أو شرب بعد الفجر، ظانًّا عدم طلوعه، أو أكل أو شرب قبل غروب الشمس ظانًّا غروبها، فلما سأل، تبين له أنه أخطأ - يجب عليه القضاء؛ فعن شُعَيب بن عمرو بن سليمٍ الأنصاري، قال: أفطرنا مع صهيبٍ الحبرِ، أنا وأبي في شهر رمضان في يوم غيمٍ وطَشٍّ، فبينا نحن نتعشى إذ طلَعَتِ الشمسُ، فقال صهيبٌ: "طُعمةُ الله، أتمُّوا صيامَكم إلى الليل، واقضُوا يومًا مكانه"[34].

وقال ابن قدامة: "وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع، وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت، ولم تغِبْ، فعليه القضاء، هذا قول أكثر أهل العلم مِن الفقهاء وغيرهم"[35].

2- حُكم تقبيل الزوجة في الصيام:
تقبيل الزوج لزوجته، لا حرج به ولا بأس، بشرط الحذر من الشهوة، والأمن من الإنزال، فإن كان يخشى على شهوته إن قبَّلها أن ينزل، فلا يُقبِّل، فإن أنزل وجب عليه القضاء.

أما إن كان مِن الذين يملِكون أنفسهم، ويتحكمون في شهوتهم، وإن قبَّلها لا يخشى شهوته فله أن يقبِّلَ، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقبِّل وهو صائمٌ، ويباشر وهو صائمٌ، ولكنه أملَكُكم لإِرْبِه)[36].

وعن أبي هريرة: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخرُ فسأله، فنهاه، فإذا الذي رخَّص له شيخٌ، والذي نهاه شابٌّ[37].

3- حُكم بلع الريق والبلغم:
أولًا: بلع الريق: بلع الصائم للريق لا بأس به؛ فالفقهاء يعدونه مما لا يمكن الاحتراز منه، كغبار الطريق وشمِّ الروائح.
ثانيًا: بلع البلغم: إذا بلع الصائم البلغم، فصيامه صحيح، إلا إذا أخرجه مِن جوفه، ثم ابتلعه، فإنه يُفطر.

4- حُكم وضع قطرة العين في نهار رمضان:
"مذهب الإمام مالك: أن كل ما دخل من الفم ووصل إلى الحلق والجوف فإنه يُفطر، وعند أبي حنيفة كل ما وصل مِن شيء من الخارج إلى الجوف فهو مفسد للصوم، حتى الحصاة أو النواة أو التراب، ومثل ذلك لو وصل إلى جوف الرأس بالإقطار في الأذن، ومذهب الشافعي أن الداخل المقطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ إلى البطن لا يفطر"[38].
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لابن سيد الناس، (ج1، ص287)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، دار القلم - بيروت، ط1/ 1414 = 1993م.

[2] السيرة النبوية، لابن هشام، (ج1، ص620).

[3] المرجع السابق نفسه، (ج1، ص626).

[4] مسند أحمد (25158)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

[5] السيرة النبوية، لابن هشام، (ج1، ص645).

[6] مغازي الواقدي (ج1، ص107).

[7] أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، (ج5، ص59)، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، ط1/ 1415هـ = 1994 م.

[8] البخاري (4024).

[9] مسلم (2020).

[10] مسلم (2021).

[11] مسلم (2024)، و(2025).

[12] البخاري (1637)، مسلم (2027).

[13] البخاري (5615).

[14] زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، (ج1، ص143، 144).

[15] مسلم (2028).

[16] البخاري (5628).

[17] البخاري (5630)، مسلم (267).

[18] أبو داود (3729)، والترمذي (1888)، وقال: حسن صحيح.

[19] فتح الباري (ج10، ص92).

[20] شرح النووي على مسلم (ج3، ص160).

[21] البخاري (5633).

[22] مسلم (2065).

[23] مسلم (2063).

[24] مسلم (2734).

[25] أبو داود (3851)، وصححه الأرناؤوط.

[26] أبو داود (3730)، والترمذي (3455)، وقال: حديث حسن.

[27] البخاري (5619)، مسلم (2029).

[28] البخاري (2451).

[29] مسلم (681).

[30] البخاري (3320).

[31] فتح الباري (ج10، ص252).


[32] مسلم (2012).

[33] مسلم (2014).

[34] السنن الكبرى، للبيهقي (8017).

[35] المغني، لابن قدامة (ج3، ص147).

[36] مسلم (1106).

[37] أبو داود (2387)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[38] أحكام الصيام، ص89، 90.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12-02-2020, 02:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

خلق التفاؤل (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)


للأئمة والدعاة




الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرَضين، سبحانه سبحانه! بهرت عظمته قلوب العارفين، وأظهرت بدائعه نواظر المتأملين، نصب الجبال فأرساها، وأرسل الرياح فأجراها، ورفع السماء فأعلاها، وبسط الأرض فدَحَاها، الملائكة مِن خشيته مشفقون، والرسل مِن هيبته خائفون، والجبابرة لعظَمته خاضعون، له مَن في السموات والأرض كلٌّ له قانتون، أما بعد:

فإن المسلم لا يعرف اليأس ولا القنوط، ومِن أخلاقه وصفاته: أن يكون متفائلًا، لا متشائمًا؛ فاليأس ليس مِن أخلاق الإسلام، وليس من أخلاق الأنبياء؛ فالأنبياء لم ييئسوا قط، ولم يعرِفِ اليأس طريقًا إلى قلوبهم، وكذا نبينا كان دائم البِشْر والأمل، وكان يعلِّم الصحابة الأمل في أحلك الظروف، ويغرس في نفوسهم التفاؤل في أصعب الأوقات، فكيف يتشاءَم الإنسان وربُّه موجود، أو ييئس ودائمًا بابه مفتوح.



ورمضان مِن العبادات التي تربي في نفوسنا خُلق التفاؤل، فقبل رمضان نعصي الله، ويأتي رمضان ليعطينا الأمل، ويبشرنا بمغفرة الذنوب، ونعيش رمضان بالأمل والبشارات القرآنية والنبوية، ويمضي رمضان وقد غفر الله لمن صامه حق الصيام، وقامه حق القيام.



ونحن بصدد سورة من سور القرآن الكريم، ضربت المثل العالي في تربية الأمل وعدم اليأس؛ فسورة سيدنا يوسف عليه السلام قدَّمت لنا أنموذجًا فريدًا في الثقة بالله وعدم القنوط، فبعد أن فَقدَ سيدنا يعقوب الابن الثاني - بنيامين - بعد فقدِه أخاه يوسف، لم ييئس لحظةً، ولم يقنط، فقال لبنيه: ï´؟ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ï´¾ [يوسف: 87].

هل بعد هذا الأمل أمل؟! وهل بعد هذه الثقة ثقة؟! وهو - أي سيدنا يعقوب - صاحب الألم، وفاقد الولد، يدعو لعدم اليأس.



تأملات في سورة يوسف:

عندما فقد يعقوب ولده - يوسف - كان جوابه: ï´؟ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ï´¾ [يوسف: 18]، ولما فقَد الولد الثاني - بنيامين - قال: ï´؟ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ï´¾ [يوسف: 83]، فالآية الأولى رقم (18)، والآية الثانية رقم (83)، فبينهما: 65 آية، والآية التي جاءت بالبشارة والأمل: ï´؟ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ï´¾ [يوسف: 96]، هي الآية رقم (96).

وعددُ الآيات بين غياب يوسف وبشارة يعقوب: (78) آية، والمدة الزمنية مِن وقت غياب يوسف لحين عودته: ثمانون سنة، وقيل: غير ذلك[1].

والشاهد: أنه مهما طالت المدة، وامتد الأجل، فكُنْ صاحب أمل.



إن التشاؤم من أخلاق الجاهلية؛ ولذلك حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا طِيَرة، وخيرُها الفألُ))، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال: ((الكلمة الصالحة يسمَعُها أحدكم))[2]، وكان التفاؤل مما يعجب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجِبه الفأل الحسَن، ويكرَه الطِّيَرة)[3].



وعلَّم أصحابه رضي الله عنهم أن يستبشروا بالخير دائمًا، ولا ييئسوا؛ فمِن بين وصاياه ما جاء عن أبي موسى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعَث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: ((بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا))[4].



بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغيِّر أسماء الأشخاص والأماكن على سبيل التفاؤل؛ عن سعيد بن المسيَّب: أن جده حزنًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما اسمك؟))، قال: اسمي: حزنٌ، قال: ((بل أنت سهلٌ))، قال: ما أنا بمغيرٍ اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيَّب: (فما زالَتْ فينا الحزونةُ بعدُ)[5].



ومنه كثير في السنة النبوية؛ فزينبُ كان اسمها برَّةَ، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وغيَّر اسم رجلٍ كان اسمه العاص، فسماه مطيعًا، وغيَّر اسم عاصية وقال: ((أنتِ جميلة))، وكان لا يتطير من شيءٍ، غيرَ أنه كان إذا أراد أن يأتي أرضًا سأل عن اسمها، فإن كان حسنًا، رُئِيَ البِشرُ في وجهه، وإن كان قبيحًا رُئِيَ ذلك في وجهه، وغيَّر عمرُ اسم (قليل)، وقال: أنتَ كثيرُ بن الصلت.



التفاؤل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لما شارَف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، لقيه أبو عبدالله - بريدة بن الحصيب الأسلمي - في سبعين مِن قومه مِن بني سهم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أنت))؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: ((برد أمرنا وصلَح))، ثم قال: ((ممن))؟ قال: مِن أسلم، فقال لأبي بكر: ((سلمنا))، ثم قال: ((مِن بني من))؟ قال: من بني سَهْم، قال: ((خرج سهمُك يا أبا بكر))، فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: ((أنا محمد بن عبدالله، رسول الله))، فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم مَن كان معه جميعًا، قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سَهْم طائعين غير مكرهين[6].



وعن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يومٌ كان أشد من يوم أحدٍ، قال: ((لقد لقيتُ مِن قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلالٍ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، فقال، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا))[7].



كانت الطائف ثاني أعظم مدينة في الجزيرة العربية بعد مكة المكرمة، وامتازت بالكثافة السكانية والتجارة العربية، وكان مِن بينها قبيلة ثَقِيف، القبيلة القوية المعروفة، فلما ارتدت الجزيرة العربية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يثبت إلا ثلاثُ مُدن وقرية واحدة، وهي: المدينة، ومكة، والطائف، وقرية بشرق الجزيرة العربية.



وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده)) قد تحقَّق بعد سنين طوال، فأخرج الله من أصلابهم: خالد بن الوليد، عمرو بن العاص، أبا حذيفة بن عتبة، عكرمة بن أبي جهل، فأسلموا بعد ذلك.



عن البراء بن عازبٍ، قال: لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفِرَ الخندق، عرَض لنا في بعض الجبل صخرةٌ عظيمةٌ شديدةٌ، لا تدخل فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وألقى ثوبه، وقال: ((باسم الله))، ثم ضرب ضربةً فكسر ثلثها، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحُمْر الساعة))، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثًا آخر، فقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض))، ثم ضرب الثالثة فقال: ((باسم الله))، فقطع بقية الحجر، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء))[8].

وإني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانعُ



وهذا دعاء مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لصرف الأحزان والهموم، ودفع اليأس والقنوط؛ عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: دخل رسول صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ المسجد، فإذا هو برجلٍ مِن الأنصار، يقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟))، قال: همومٌ لزمتني وديونٌ يا رسول الله، قال: ((أفلا أعلِّمك كلامًا إذا أنت قلتَه أذهَب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دَيْنَك؟))، قال: قلت: بلى يا رسول، قال: ((قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ: اللهم إني أعوذ بك مِن الهمِّ والحزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّيْن، وقهر الرجال))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهَب الله عز وجل همي، وقضى عني دَيني[9].



ألا بُعدًا لليأس والتشاؤم، ومرحبًا بالأمل والتفاؤل؛ فشتانَ بين المتفائِل والمتشائِم؛ فالمتفائل يقول: إن كأسي مملوءة إلى نصفها، والمتشائم يقول: إن نصف كأسي فارغة.



فكم لله مِن لطفٍ خفي

يَدِقُّ خَفاه عن فهمِ الذَّكِيِّ



وكم أمرٍ تُساءُ به صباحًا

فتأتيك المسرَّةُ في العشِيِّ



وكم يُسْرٍ أتى مِن بعدِ عُسْرٍ

ففرَّج كُرْبةَ القلبِ الشَّجِيِّ



إذا ضاقَتْ بك الأحوالُ يومًا

فثِقْ بالواحدِ الأحدِ العَلِيِّ




وصية عملية:

أحسِنِ الظنَّ بربك دائمًا، فلو أحسنتَ الظنَّ، لرأيتَ الحياةَ جميلةً، وسترى مستقبَلَك بقدرِ تفاؤلِك وحُسنِ ظنِّك.

♦♦♦♦♦




السؤال التاسع عشر: ما هي السُّوَر التي بدأت بالحمد في القرآن الكريم؟

الجواب: خمس سور، وترتيبها كالتالي:

سوة الفاتحة؛ قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾.

سورة الأنعام؛ قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ï´¾ [الأنعام: 1].

سورة الكهف؛ قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ï´¾ [الكهف: 1].

سورة سبأ؛ قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ï´¾ [سبأ: 1].

سورة فاطر؛ قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [فاطر: 1].

♦♦♦♦♦




خاطرة (بعد الفجر): (آداب عيادة المريض):

إن عيادةَ المريض مِن جملة حق المسلم على أخيه المسلم، بل مِن آكد الحقوق الإسلامية، التي توثق العلاقات الأسرية والأخوية بين المسلمين، وفي عيادة المريض ما فيها من التكافل المعنوي، والتضامن الرُّوحي، والتجاوب النفسي، والتفاعل المجتمعي، ولعيادة المريض أحكام وآداب، منها:

1- النية الصالحة:

إذا أردت أن تزورَ مريضًا، فجدِّدْ نيتك، وأحسِنِ استحضارها، فكلما عددت النوايا، زادت الأجور والعطايا، من رب البرايا، وتذكر الثواب الذي أعده الله عز وجل لعوَّاد المرضى، وسأذكرك ببعض النوايا:

♦ ثمار الجنة:

عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن عاد مريضًا، لم يَزَلْ في خُرفةِ الجنة))، قيل: يا رسول الله، وما خُرفة الجنة؟ قال: ((جَناها))[10].



♦ منزل في الجنة:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طِبْتَ وطاب مَمْشاكَ، وتبوأتَ مِن الجنة منزلًا))[11].



♦ رحمة الله:

عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن عاد مريضًا، لم يَزَلْ يخوض في الرحمةِ حتى يجلِسَ، فإذا جلس اغتمَس فيها))[12].



♦ صلاة الملائكة:

عن عليٍّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن مسلمٍ يعود مسلمًا غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف مَلَكٍ حتى يمسي، وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملكٍ حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة))[13].



♦ في ضمان الله:

عن معاذٍ قال: عهِد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسٍ، مَن فعل منهن كان ضامنًا على الله: ((مَن عاد مريضًا، أو خرج مع جنازةٍ، أو خرج غازيًا في سبيل الله، أو دخل على إمامٍ يريد بذلك تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فيسلَم الناس منه ويسلم))[14].



2- اختيار الوقت المناسب:

على العائدِ أن يختار الوقت الذي يناسب المريض، وإن استطاع أن يخبره قبل ذهابه فليفعل، قيل للإمام أحمد بن حنبل: "فلانٌ مريضٌ، وكان عند ارتفاع النهار في الصيف، فقال: ليس هذا وقتَ عيادةٍ"[15].



3- سؤال المريض عن حاله:

إذا عُدْتَ مريضًا فاسأله عن حاله، واطمئِنَّ عليه، كيف حالك الآن؟ فهذا مما لا شك فيه يريح النفوس، ويجبُرُ القلوب، وامتثل قول القائل:

كيف أصبحتَ؟ كيف أمسيتَ؟ ممَّا *** يَزْرعُ الوُدَّ في فؤادِ الكريمِ



وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فعندما خرج علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسنٍ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمدِ اللهِ بارئًا[16].



4- الدعاء للمريض:

ادعُ لمريضك بالشفاء والثبات على الألم، ولك أن تدعوَ بما شئتَ، ولو كان بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أفضل، واختَرْ ما شئتَ؛ مِن بين تلك الأدعية النبوية:

الدعاء الأول: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريضٍ يعوده قال له: ((لا بأس، طهورٌ إن شاء الله))[17].



الدعاء الثاني: عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما مِن عبدٍ مسلمٍ يعود مريضًا لم يحضُرْ أجله فيقول سبع مراتٍ: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيَك، إلا عُوفِيَ))[18].



الدعاء الثالث: عن عبدالله بن عمرٍو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشفِ عبدك فلانًا، ينكأ لك عدوًّا، أو يمشي لك إلى صلاةٍ))[19].

الدعاء الرابع: عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: ((اللهم ربَّ الناس، أذهِبِ الباس، اشفِه وأنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا))[20].



جواز الرقية الشرعية للمريض: عن أبي سعيدٍ: أن جبريلَ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، اشتكيتَ؟ فقال: ((نعم))، قال: ((باسم الله أرقيك، مِن كل شيءٍ يؤذيك، مِن شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، باسم الله أرقيك))[21].



عن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلَم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضَعْ يدك على الذي تألم مِن جسدك، وقل: باسم الله ثلاثًا، وقل سبع مراتٍ: أعوذ بالله وقدرته مِن شر ما أجِدُ وأحاذر))[22].



5- تذكير المريض بأجر الصبر:

من خلال حديثك معه، ذكِّره بثواب المرض، وأجر الصابرين؛ عن أنسٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ابتلى اللهُ العبدَ ببلاءٍ في جسده، قال للملَك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، فإن شفاه غسله وطهَّره، وإن قبضه غفَر له ورحمه))[23].



والنصح له بالثبات والثقة في الله، والرضا بقضائه وقدره، وعدم إظهار الشكوى أو التسخُّط؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلمَ مِن نصَبٍ ولا وصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزنٍ ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها مِن خطاياه))[24].



يا صاحبَ الهمِّ، إن الهمَّ منفرِجُ

أبشِرْ بخيرٍ؛ فإن الفارجَ اللهُ



اليأسُ يقطَعُ أحيانًا بصاحبِه

لا تيئَسَنَّ؛ فإن الكافيَ اللهُ



إذا بُلِيتَ فثِقْ باللهِ وارْضَ به

إن الذي يكشِفُ البَلْوى هو اللهُ








6- عدم إطالة وقت الزيارة:

لخص الإمام ابن حجر آداب عيادة المريض، فقال: "الأدب في العيادة ألا يطيلَ العائد عند المريض حتى يُضجِرَه، وألا يتكلَّمَ عنده بما يزعجه، وجملة آداب العيادة عَشَرة أشياء، منها: ألا يقابِلَ البابَ عند الاستئذان، وأن يدُقَّ البابَ برِفْق، وألا يُبهِمَ نفسَه؛ كأن يقولَ: أنا، وألا يحضُرَ في وقت يكون غير لائق بالعيادة؛ كوقت شرب المريض الدواء، وأن يخفف الجلوس، وأن يغُضَّ البصر، ويقلِّل السؤال، وأن يُظهر الرقة، وأن يخلص الدعاء، وأن يوسع للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصبر؛ لِما فيه مِن جزيل الأجر، ويحذره من الجزع؛ لِما فيه مِن الوِزر"[25].



فينبغي لزائر المريض ألا يطيل المكث عنده؛ حتى لا يشق عليه؛ فقد يتضرر من ذلك، ويتحرج منه، إلا إذا طلب منه الجلوس، قال صاحب التمهيد: "ولا خلاف بين العلماء والحكماء أن السنَّة في العيادة التخفيف، إلا أن يكون المريض يدعو الصديق إلى الأنس به"[26].



قال بعضهم:



حُسن العيادةِ يومٌ بين يومينِ

واقعُدْ قليلًا كمِثلِ اللَّحْظ بالعينِ



لا تُبْرِمَنَّ عليلًا في مُساءَلةٍ

يَكْفيك مِن ذاكَ تَسْأَلْهُ بحَرْفينِ








7- طلب الدعاء مِن المريض:

إن الملائكةَ جلساءُ المريض؛ فالدعاء عنده أرجى للقبول، وأسرع للوصول؛ عن عمر بن الخطاب، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلتَ على مريضٍ، فمُرْه أن يدعوَ لك؛ فإن دعاءَه كدعاء الملائكةِ))[27].

وعن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرتم المريض، أو الميت، فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكةَ يُؤمِّنون على ما تقولون))[28].



8- عيادة المريض غيرِ المسلم:

لا مانع شرعًا من عيادة غير المسلم، بل فيها ما فيها من تأليف القلوب، وقد فعل ذلك حبيبُنا ومعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: كان غلامٌ يهودي يخدُمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعُوده، فقعد عند رأسه، فقال له: ((أسلِمْ))، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلَم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار))[29].

♦♦♦♦♦



درس الفقه:

1- حُكم صيام من يداوم السفر:

للمسافر رخصة الفطر، وصومه أفضل إن قدر عليه، ولم يشقَّ عليه؛ قال تعالى: ï´؟ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾[البقرة: 184]، فإن خاف ضررًا، أو خشِيَ هلاكًا، أفطَر.

والسفر الذي يباح فيه الفطر، يقدر بمسافة: 83.5 كم تقريبًا، وأن يكون سفرًا مباحًا، وإذا كان عمله يقتضي طول مدة السفر، والتنقلات المستمرة، فهذا لا يرفع عنه الرخصة وهي الفِطر.



2- التدخين في رمضان يفطر أم لا؟

مَن تعمَّد التدخين في نهار رمضان، فصيامه غيرُ صحيح، ووجب عليه القضاء، بالإضافة إلى أن التدخين محرم شرعًا، وعادة سيئة، ومضرة بالصحة، وقاتلة للمدخِّن.



3- حُكم استعمال المرأة لمرطب الشفاه في نهار رمضان:

الصحيح أنه لا يضر الصوم، ولا يُفطر الصائم، ما دام لم يصل منه شيء إلى الجوف.



4- هل بخاخة الربو تفطر؟

بخاخة الربو تفسد الصيام؛ لأن السائل الذي يخرج من البخاخة يصل إلى الجوف.



5- حكم الغسيل الكلوي في نهار رمضان:

الصوم صحيح، إلا إذا أخذ بعض الأدوية المغذية أثناء الغسيل، فإنه يفطر.



6- حكم الاستمناء والاحتلام في رمضان:

الاستمناء: تعمُّد إنزال المني بسبب، فمن فعله في رمضان، فقد بطَل صومه، ووجب عليه القضاء.

الاحتلام: مَن استيقظ من نومه، فوجد بللًا في ثيابه، فهذا أنزل بغير اختيار؛ فصيامُه صحيح؛ لأن الاحتلامَ بغير اختياره، ووجب عليه الغسل.



7- حُكم خلع الأسنان في نهار رمضان:

إن أمن ألا يصل شيء إلى جوفه، فلا حرج في خلع أسنانه، ولا يفسد صومه، والأحوط تأخيره إن أمكن.

والله أعلم.



نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام

لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة





[1] قيل: بين غياب يوسف وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وقيل: ثلاث وثمانون سنة، وقال آخرون: ثمان عشرة سنة، وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها؛ انظر: تفسير الطبري، (ج16، ص274، 275) بتصرف.




[2] البخاري (5755)، مسلم (2223).




[3] ابن ماجه (3536)، وقال الشيخ/ شعيب الأرناؤوط: صحيح.




[4] مسلم (1732).




[5] البخاري (6193).




[6] سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي، (ج3، ص251، 252)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبدالموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1/ 1414 ه = 1993 م.




[7] البخاري (3231)، مسلم (1795).




[8] مسند أحمد (18694)، وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج7، ص397)، وقال: ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسنادٍ حسَن عن البراء.




[9] أبو داود (1555)، وضعفه الأرناؤوط.




[10] مسلم (2568).




[11] الترمذي ( 2008)، وحسنه الألباني.




[12] مسند أحمد (14260)، قال الأرناؤوط: صحيح لغيره.




[13] الترمذي (969)، وقال: حسن غريب.




[14] مسند أحمد (22093)، وحسنه الأرناؤوط.




[15] الآداب الشرعية، لابن مفلح (ج2، ص200).




[16] البخاري (4447).




[17] البخاري (5656).




[18] أبو داود (3156)، والترمذي (2083)، وقال: حسن غريب.




[19] المعجم الكبير للطبراني (107).




[20] البخاري (5743)، مسلم (2191).





[21] مسلم (2186).




[22] مسلم (2202).




[23] مسند أحمد (12503)، ومسند أبي يعلى (4235)، وإسناده حسن.




[24] البخاري (5641).




[25] فتح الباري (ج10، ص126).




[26] التمهيد، لابن عبدالبر (ج1، ص196)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبدالكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، تاريخ النشر: 1387 ه.




[27] ابن ماجه (1441)، وضعفه الأرناؤوط.




[28] مسلم (919).




[29] البخاري (1356).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 12-02-2020, 02:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,966
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

مع فتح مكة (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب مِن عذابه وسطواته، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الحمد لله الذي خلق الخَلْق بقدرته، وأعزهم بدينه، وميَّزهم بأحكامه، وأكرمهم بنبيه محمد، وبعد:
فإن فتح مكة كان نصرًا مبينًا، وتأييدًا وتمكينًا للمسلمين؛ فقد أعز الله الإسلام، ودخل المسلمون مكة منتصرين متواضعين، ورسموا صور العزة والكرامة، رافعين رؤوسهم، معتزين بدينهم، معلنين أنه لا عزة لهم إلا بالإسلام، وباتباع رسول الأنام صلى الله عليه وسلم.


يقول الشيخ الغزالي: "إن هذا الفتح المبين ليذكره بماضٍ طويل الفصول كيف خرج مطاردًا؟! وكيف يعود اليوم منصورًا مؤيدًا؟! وأي كرامة عظمى حفَّه الله بها في هذا الصباح الميمون؟! وكلما استشعر هذه النعماء، ازداد لله على راحلته خشوعًا وانحناء، ويبدو أن هناك عواطف أخرى كانت تجيش في بعض الصدور"[1].


ويكتمل الفتح بدخول عدد من المشركين في الإسلام، نقتصر على ذكر البعض:
لا عزة إلا بالإسلام؛ فمَن اعتز بالإسلام أعزه الإسلام، وإذا ابتغى المسلم العزة في غير الإسلام أذله الله، ولما اعتز بلال بدينه، وثبت على إسلامه، جاء الوقت ليعلن فيه للجميع، أنه الإسلام الذي يرفع أتباعه، بغض النظر عن اللون والقبيلة، فمن انتمى لدين الإسلام عاش عزيزًا، ومن لم ينتمِ إليه عاش ذليلًا.


لما دخل المسلمون مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا أن يصعد فوق الكعبة ليرفع الأذان، إنه بلال الذي كان ولا يزال تنظر إليه قريش على أنه العبد الحبشي الأسود، يأتي ليصعد فوق أطهر وأشرف بقعة في الأرض، إنه بلال الذي كان ماضيه أنهم كانوا يعذبونه في صحراء مكة، ويضعون الحجارة على صدره ليرجع عن دينه، ويأبى معتزًّا بدينه، ويقول: أحدٌ أحدٌ.


صعِد بلال على مرأى ومسمع من الجميع - مسلم وكافر - ليرفع الأذان، وينادي بصوته الندي صيحات التكبير، والموقف بالنسبة للمؤمنين ليس بغريب ولا عجيب، لكن المشركين في عجب ودهشة.


إنها العزة في موطن النصر:
يقول ابن هشام: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة عام الفتح ومعه بلال، فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوسٌ بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدًا ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه.


وقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته.


وقال أبو سفيان: لا أقول شيئًا، لو تكلمتُ لأخبرَتْ عني هذه الحصى، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد علمت الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقولَ: أخبرك"[2].


إن الكعبة لم يكن لها سلم ليصعد عليه بلال، غير أنه كان ضعيفًا صغيرًا، فإذ به يثب وثبة القوي العزيز، ويتسلق تسلق الصقور، فيصدح بالحق، ويرفع بالتكبير، وتتجلى صورة أخرى للعزة، فيُسلم بأذانه أبو محذورة، فما قصته؟!


"لما سمع الأذان، وهو مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزئون، ويحكون صوت المؤذن غيظًا، فكان أبو محذورة من أحسنهم صوتًا، فرفع صوته مستهزئًا بالأذان، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر به فمثل بين يديه، وهو يظن أنه مقتولٌ، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده، قال: فامتلأ قلبي والله إيمانًا ويقينًا، وعلمت أنه رسول الله، فألقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان، وعلمه إياه، وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وهو ابن ستَّ عَشْرةَ سنةً، فكان مؤذِّنَهم حتى مات، ثم عقبه بعده يتوارثون الأذان كابرًا عن كابرٍ"[3].


إن الله أعز الصحابة رضي الله عنهم عندما اعتزوا بإسلامهم، فإذا أرادت الأمة العزة فلتعتزَّ بدينها، ولتُطِعْ ربها، وتقتدِ بنبيها؛ فأساس العزة الطاعة لله وللرسول؛ قال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [المنافقون: 8]؛ لذا قال أبو بكر الشبلي: مَن اعتز بذي العز، فذو العزِّ له عزٌّ.


والعزة في موالاة المؤمنين، وعدم موالاة الكافرين، قال ربنا: ï´؟ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ï´¾ [النساء: 139].


قال الطبري: "فإن الذين اتخذوهم - أي المنافقين - من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم، هم الأذلاء الأقلاء؛ فهلَّا اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العزة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، فيعزهم ويمنعهم؟!"[4].

عزة أهل العز:
عن محمد بن خلاد قال: لما حج المهدي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبقَ أحد إلا قام، إلا ابنَ أبي ذئب، فقال له المسيب بن زهير: هذا أمير المؤمنين! فقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: لقد قامت كل شعرة في رأسي[5].


رسالة نقفور - ملك الروم - إلى الرشيد:
"مِن نقفور ملك الروم، إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي، أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أمثاله إليها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردُدْ ما حصل قبلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.


قال: فلما قرأ الرشيد الكتاب، استفزه الغضب حتى لم يمكن أحدًا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه خوفًا من زيادة قول أو فعل يكون منهم، واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبد برأيه دونه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، مِن هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابَك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام)[6].


ولك أن تختم بقصة الشيخ سعيد الحلبي - عالم الشام - وهي من القصص الرائعة في العزة والرفعة[7].


وصية عملية:
اعتزَّ بدينِك؛ فوالله لا عزة لك إلا بالإسلام، ومهما بحثت عن العزة في غير الإسلام فستكون الذلة.
اللهم أعِزَّنا بالإسلام، وأعز الإسلام بنا، وأيِّدْنا بالحق، وأيِّدِ الحق بنا.
♦♦♦


السؤال العشرون: اذكُرْ أسماء الملائكة التي وردت في القرآن صراحة:
الجواب: الملائكة الذي ذُكروا في القرآن بأسمائهم خمسة، وهم:
جبريل، وميكائيل؛ قال تعالى: ï´؟ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 98].


الملكان هاروت وماروت؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ï´¾ [البقرة: 102].


خازن النار مالك؛ قال تعالى: ï´؟ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ï´¾ [الزخرف: 77].


أما إسرافيل، وهو صاحب النفخ في الصور، فقد جاء ذِكره في الأحاديث النبوية، وللعلماء فيها كلام، لا فائدة من ذكره هنا، وقد يقول البعض: إن ملك الموت، هو (عزرائيل)، وليس عليه دليل.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب المجلس:
إن الإنسان بطبيعته في حاجة إلى الآخرين، يجلس معهم، يتحدث إليهم، وأحيانًا يجلس مع أهله، وأخرى يجلس مع أقاربه، وقد يجلس مع جيرانه أو أقرانه في العمل، وقد يكثر الجلوس مع الأصدقاء والأصحاب، مهما اختلفت المجالس وتعددت أجناسها وطبيعتها، فلها في الإسلام آداب وأحكام، وهي:
1- السلام على الجالسين عند الدخول:
فمن السنة لمن يدخل على المجلس أن يبدَأَهم بالسلام؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلِّم؛ فليست الأولى بأحقَّ مِن الآخرة))[8].


فإذا كانوا مجموعة أجزأ عنهم واحد، وإذا سلم واحد على مجموعة، أجزأ أن يرد عليه واحد، نقل ابن حجر عن الماوردي قوله: "لو دخل شخص مجلسًا، فإن كان الجمع قليلًا يعمهم سلامٌ واحدٌ فسلَّم، كفاه، فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس، ويكفي أن يرد منهم واحد، فإن زاد فلا بأس، وإن كانوا كثيرًا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم، وتتأدى سنة السلام في حق جميع من يسمعه، ويجب على من سمعه الرد على الكفاية، وإذا جلس سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين"[9].


ومن السنة: التيامن في الدخول، فيبدأ بالأيمن فالأيمن إذا سلم؛ فقد علمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التيامُنَ في كل شيء.


2- لا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما:
مِن أدب المجالس ألا يفرق بين اثنين؛ لِما قد يكون بينهما من صداقة أو حديث، فلا تفرق إلا بإذن؛ عن عبدالله بن عمرٍو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يحل لرجلٍ أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما))[10].


وإذا كان المجلس حلقةً فلا تجلس في وسطها؛ لِما فيه من الأذى وتخطي الرقاب، وتسبب الضرر للآخرين، وقد نهينا عن كل ذلك؛ عن حذيفة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَن مَن جلس وسط الحلقة"[11]، وقد بوب الإمام الترمذي، بعنوان: (باب ما جاء في كراهية القعود وسط الحلقة).


3- لا يقيم أحدًا مِن مكانه:
وهذا من كمال الأدب، وتمام الذوق؛ عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا))[12].


وهذا فِعل الصالحين المتواضعين؛ فقد ذكر البخاري في الأدب المفرد: أن ابن عمر كان إذا قام له رجلٌ من مجلسه لم يجلس فيه.


وإذا قام من مجلسه، ثم عاد إليه، فله الحق أن يجلس فيه؛ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قام من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحقُّ به))[13].


وتركه هنا يكون لحاجة أو لعذر، كأن ترك أثرًا له، حتى لا يجلس أحدٌ فيه، فرجوعه إليه من الأدب وليس للوجوب، وإلا فالمكان في الأصل ليس ملكًا له، وفي ذلك يقول القرطبي: "هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب؛ لكونه ليس ملكًا له لا قبل ولا بعد، ليس بحجة؛ لأنا نسلم أنه غير ملك له، لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه، فصار كأنه ملك منفعته، فلا يزاحمه غيره عليه"[14].


4- الترحيب بالداخل:
إنها عظمة تعاليم ديننا، وسنة الحبيب نبينا صلى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبهَ سمتًا وهديًا ودلًّا - وقال الحسن: حديثًا، وكلامًا، ولم يذكر الحسن السمتَ والهديَ والدلَّ - برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها، كانت (إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها، وقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها)[15].


وللعلماء كلام وتفصيل في القيام للقادم، وقال سعيدُ بن العاص: "لِجليسي عليَّ ثلاثُ خصال: إذا دنا رحَّبتُ به، وإذا جلس أوسعت له، وإذا حدَّث أقبلتُ عليه"[16].


وخلاصته: ما نقله ابن حجر عن أحد العلماء، فقال: "إن القيام يقع على أربعة أوجه: الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرًا وتعاظمًا على القائمين إليه، والثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولِما فيه من التشبه بالجبابرة، والثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، والرابع: مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها"[17].


5- تفسحوا في المجلس:
قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ï´¾ [المجادلة: 11]، وهذا في كل مجلس، أن توسع للآخرين وتفسح لهم، حتى يوسع الله لك في الدنيا والآخرة، وفي حديث ابن عمر السابق: ولكن تفسحوا وتوسعوا، وفيه تآلف للقلوب، وتوادد بين الجلوس؛ عن عبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: أُخبِر أبو سعيدٍ بجنازةٍ، فعاد تخلَّف، حتى إذا أخذ الناس مجالسهم، جاء، فلما رآه القوم تشذبوا عنه، فقام بعضهم ليجلس في مجلسه، فقال: لا، إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن خير المجالس أوسعها، ثم تنحى وجلس في مجلسٍ واسعٍ))[18].


6- لا يتناجى اثنانِ دون الآخَر:
إذا جلس ثلاثة يتسامرون ويتبادلون الحديث معًا، فلا يخلو اثنان دون الثالث؛ فقد يحزنه؛ عن عبدالله رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، أجل أن يحزنه))[19]، وقال ربنا: ï´؟ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ï´¾ [المجادلة: 10].


7- عدم الخوض في أعراض الآخرين:
يجب تجنُّب المنكَرات في المجلس، وذلك بالبُعد عن الغِيبة والنميمة والكذب؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الحجرات: 12]، والسخريَّة والاستهزاء من الناس؛ قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ï´¾ [الحجرات: 11]، ونبذ الكلام البذيء، وفحش اللسان، والحذر من الكذب ليضحك الجلوس؛ عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحِك بها جلساءه، يهوي بها مِن أبعدَ من الثريا))[20].


فاحرِصْ على المجالس الطيبة الحميدة، البعيدة عن المعاصي والآثام، فإن جلست فرأيت منهم إصرارًا على أذى الناس، فأعرض عنهم، حتى لا تكون منهم، فتكتب من جلساء السوء.


فالجليس الصالح: لا يقبَل الفُحش من القول، ولا الغِيبة والنميمة، ويبتعد عن الجدال، ويجتنب رفع الصوت، وكل ما فيه إيذاء للآخرين، وإذا تكلم في عِرض غيره، ردَّ عنه، كما أنه يحفظ أمانة المجلس، ولا يفشي سره لغير الحاضرين؛ لأنه مؤمن، والمؤمن مؤتمن على مجالسه وأحاديثه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المَجالِسُ بالأمانة)).


8- ألا يخلو المجلس من ذكر الله:
ينبغي ألا تخلو مجالسنا من ذكر الله عز وجل، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكون لنا في الدنيا بركة، وفي الآخرة حجة؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمارٍ، وكان لهم حسرةً))[21]، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلُّوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرَةً، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم))[22]، وعن الحسين بن علي رضي الله عنه، أنه سأل أباه - عليًّا - رضي الله عنه، فكان مما سأله، قال: فسألته عن مجلسه،فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر[23].


9- كفَّارة المجلس:
بَدَأ المجلس بالسلام، وخير ختام له أن يكون بذكر الله والاستغفار؛ حتى يغفر الله للجالسين ما قالوه من زلات، وما أصابوه من عثرات وهفوات؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن جلس في مجلسٍ فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك))[24].
♦♦♦


درس الفقه:
1- هل ارتكاب الكبائر يُبطل الصيام؟
مِن خلال دراستنا لأحكام الصيام، فليس ارتكاب الكبائر مِن مبطلات الصيام، ومن خلال حديث البخاري، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابه)).


يقول ابن عبدالبر: "مَن اغتاب أو شهد زورًا أو منكرًا لم يؤمر بأن يدَعَ صيامه، ولكنه يؤمر باجتناب ذلك؛ ليتمَّ له أجر صومه"[25]..فالمعاصي والكبائر لا تبطل الصيام، وإنما تُحبِط أجره، وتنقص ثوابه.


2- ما حُكم النوم طيلة نهار رمضان؟
لا شك أن صيامه صحيح، كأن صلى الفجر ثم نام، وصلى الظهر ثم نام، وهكذا، فالنوم لا يتنافى مع الصيام، ولا يؤثر فيه، وهذا ما أجمع عليه العلماء؛ إذ قالوا: "إذا نام جميع النهار وكان قد نوى من الليل صح صومه على المذهب، وبه قال الجمهور، فالنوم لا يؤثر في الصوم، سواءٌ وجد في جميع النهار أو بعضه"[26].


لكن ينصح باستغلال الشهر، وينشغل بتلاوة القرآن، وذكر الله، وصلة الأرحام، والسعي في حاجات الناس، فمثل هذا الشهر فرصة لا ينبغي التفريط فيه.


3- طهرت الحائض قبل الفجر، فما الحكم؟
إذا طهرت المرأة الحائض قبل صلاة الفجر، وتأكدت أن الدم انقطع، فعليها أن تنوي الصيام، وصومها صحيح، وإن أخرت الغسل لما بعد الفجر، كما هو الحال مع الجنب والمحتلم؛ فالثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا ثم يصوم.
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام
لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] فقه السيرة، للشيخ/ محمد الغزالي، ص381، دار القلم - دمشق، ط1/ 1427 ه.

[2] السيرة النبوية، لابن هشام (ج2، ص413).

[3] الروض الأنف، لأبي القاسم السهيلي، (ج7، ص138)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1/ 1412 ه.

[4] تفسير الطبري (ج9، ص913).

[5] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي، (ج8، ص234)، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1412 هـ = 1992 م.

[6] تاريخ الرسل والملوك، للطبري، (ج8، ص307)، دار التراث - بيروت، ط2/ 1387 هـ.

[7] تقدم ذكرها، ص75.

[8] أبو داود (5208)، وصححه الأرناؤوط.

[9] فتح الباري (ج11، ص14).

[10] أبو داود (4845)، والترمذي (2752)، وقال: حديث حسن.

[11] أبو داود (4826)، والترمذي (2753)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

[12] مسلم (2177).

[13] مسلم (2179).

[14] فتح الباري (ج11، ص64).

[15] أبو داود (5217)، وصححه الأرناؤوط.

[16] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج المزي، (ج10، ص507)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط1/ 1400 = 1980م.

[17] فتح الباري (ج11، ص51).

[18] أحمد (11137)، وصححه الأرناؤوط.

[19] البخاري (6290).

[20] مسند أحمد (9220)، وابن حبان (5716)، وحسنه الأرناؤوط.

[21] أبو داود (4855)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[22] الترمذي (3380)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ.

[23] الطبقات الكبرى، لابن سعد، (ج1، ص326)، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1/ 1410هـ = 1990م.

[24] الترمذي (3433)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.


[25] انظر: التمهيد، لابن عبدالبر، (ج19، ص56).

[26] انظر: المجموع، للنووي (ج6، ص346)، والمغني لابن قدامة (ج3، ص116) بتصرف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 361.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 355.49 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]