ذنوب القلوب - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7820 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859360 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393678 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215897 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 19-02-2024, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب

– الخيلاء

- وما الفرق بين العجب والكبر والخيلاء؟ - أما الكبر فقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (مسلم). أي رد الحق، وظلم الناس والاستعلاء عليهم؛ فالكبر يحتاج إلى أناس يتكبر عليهم، وأما العجب، فلا يحتاج إلى غيره، فيعجب المرء بشيء عنده ولم يعرف به أحد، ويرجع ما يعجب به إلى نفسه ولا يرى فضل الله عليه، أما الخيلاء فهو أعلى من العجب، ودون الكبر، وهو أن يرى نفسه أفضل من غيره، فيكبر نفسه ويصغر غيره. كنت وصاحبي نتجاور في مكتبته التي تبرع بأكثر من ٩٠٪ من كتبها للجان الدعوة في أفريقيا، وأبدلها بجهاز حاسوب، فيه أكثر من عشرين ألف كتاب لا يحتاج للاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلا عن البحث الفوري في الشبكة. - وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيلاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا، والإيمان يمان والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر..». وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخير والإبل والفدادين في أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم» (صحيح البخاري). والفدادون: هم الذين يرفعون أصواتهم وهي عادة أهل الإبل في التعامل مع إبلهم، وقيل هم رعاة الإبل والبقر والحمير، وفي رواية في الصحيحين: «في الفدادين عند أصول أذناب الإبل»، ومن هذا الحديث نفهم معنى الخيلاء، وهو عكس السكينة، التي هي الطمأنينة والتواضع. جلس صاحبي خلف جهاز الحاسوب.
دعني أقرأ لك بعض ما جمعت من هذا الموضوع: سميت الخيلاء والمختال مختالا؛ لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له، والله لا يحب كل مختال فخور. وأكثر ما يكون الخيلاء بالأفعال، كأن يتخايل في مشيته، أو في مركوبه، أو في ملبسه، أو نحو ذلك. في غزوة أحد ورد أن أبا دجانة أعلم بعصابة حمراء فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مختال في مشيته بين الصفين، «فقال إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع» (الطبراني في معجمه الكبير). وعن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة وأما الخيلاء التي يحب الله أن يتخيل العبد بنفسه لله عند القتال وأن يتخيل بالصدقة» (تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء»، متفق عليه. وفي لفظ آخر عند البخاري: «من جر ثوبه مخيلة: لم ينظر الله إليه يوم القيامة». وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأصل في ذلك قوله -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقوله -عز وجل-: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد:23)، وقول -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال:47). فذم الله -سبحانه وتعالى- الخيلاء والمرح والبطر. قال ابن القيم عن العجب: «أصله: رؤية نفسه، وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه».
والخيلاء: أن يرى نفسه فوق ما هي عليه، أو ما تستحقه، أو يرى الناس عظمة نفسه. والفخر: هو التمدح بالخصال وذكر المناقب، بتفضيل نفسه على غيره. وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة، ولاسيما الفخر والخيلاء؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها، فيسلم من أختها. وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو: الكبر، وتخيل عظمة نفسه وفضله، وإرادة تعظيم الخلق له، وحمدهم له. وقال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختالا في نفسه، معجبا متكبرا، فخورا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض» انتهى من تفسير ابن كثير. - وما المخرج من هذه الآثام، والحفظ منها؟ - العلاج، دائما بنقض الأسباب، فينظر إلى النقض الذي فيه وعيوبه ويرجع الخير الذي فيه لله -عز وجل-، وأن الله يختبره بما أنعم عليه، ويذكر نفسه أن الله مطلع عليه وينظر إلى قلبه، ولا ينسى أن آثام القلوب وذنوبها أعظم عند الله من ذنوب الجوارح، ويدعو الله -عز وجل- صادقا مخلصا، كما في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم . «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» (رواه مسلم).


اعداد: د. أمير الحداد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-03-2024, 02:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – لا تأمن مكر الله

دخل المسجد بعد صلاة المغرب، وقد غادر جميع المصلين، بادرني بعد السلام: - كنت على يقين أنني سألقاك هنا. ابتسمت لمقولته. - أصبح الوقت بين العشاءين أقل من ساعة، وخير ما يقضي به العبد وقته (كتاب الله)، حياك الله يا (أبا أحمد). - سوف أقطع عليك خلوتك اليوم، في موضوع لعلك تثاب عليه قدر أجرك بقراءة كتاب الله. رحبت به، ودعوته للمجلس الملحق خلف حرم المسجد. - سمعت حديثا في الإذاعة عن صفة (المكر) لله -عز وجل-، وأنها مقيدة، ولا تنسب لله إلا مع من يستحقها، كقوله -تعالى-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30). قاطعته: - أحسنت، نعم الآن الفكرة أوضح، وليس هذا سؤالي، وإنما سؤالي عن موضوع (الأمن من مكر الله) وأنه لا ينبغي لأحد أن يأمن مكر الله! كيف يمكن أن نفهم هذا الأمر؟ شاركنا المجلس (أبو يعقوب)، يأتي قبل الأذان لجميع الصلوات، وربما تولى مهمة الأذان إذا اعتذر مؤذننا، أو تأخر عن الموعد. أخذ (بويعقوب) مجلسه بعد السلام والاستئذان. - كنا نتحدث عن موضوع (الأمن من مكر الله). - موضوع جميل دعونا نتشارك الأجر. - أولا معنى (الأمن من مكر الله) أن يطمئن القلب ويضمن النجاة، ولا يخاف عقوبة الله -تعالى-، مع أنه مقصر في حق الله، معرض عن أوامره، كما قال -تعالى-: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف: 97-99). أي عذاب الله وبأسه ونقمته وقدرته عليهم. قاطعني (أبو حمد). - وماذا عن المؤمن؟ كيف يجب أن يكون حاله؟ - المؤمن في الدنيا يكون على وجل من أن يبتلى ويفتن؛ فيسأل الله الثبات على الدين، كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» (حسنه الألباني- السلسلة الصحيحة)، وكذلك لا يقنط من رحمة الله، بل يسأل الله الثبات على الدين، ويعلم أن ما فيه من خير وصلاح وهدى إنما هو من فضل الله، وهكذا دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران:8). وسئل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن أكبر الكبائر فقال: «أكبر الكبائر: الشرك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله»، فالعبد الصالح يتقرب إلى الله بالطاعات ويسأل الله قبولها، ويخاف ألا تقبل لخلل في نفسه، كما في تفسير قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (المؤمنون:60)، وفي الحديث عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شاب وهو يحتضر فقال - صلى الله عليه وسلم -: «كيف تجدك؟ قال والله يا رسول الله، إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف» (حسنه الألباني). فالعبد المؤمن (لا يأمن مكر الله)، بمعنى لا يضمن الجنة بأعماله الصالحة، بل يخاف ألا تقبل، ويرجو رحمة الله ومغفرته على تقصيره، ويعلم يقينا أن سبيل دخول الجنة هي رحمة الله -عز وجل-، ومع ذلك يجتهد في الطاعات ويبتعد عن المعاصي، وهنا يحضرني حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن أبي هريرة وعائشة -رضي الله عنهما- وجابر وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة (مرتين أو ثلاثا) فسددوا وقاربوا وأبشروا» (السلسلة الصحيحة). - يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في قوله -تعالى-: {أفأمنوا مكر الله}: دليل على أن لله مكرا، والمكر هو التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟، قيل المكر إذا نسب إلى الله فإنه محمود، ويدل على قوة الماكر وأنه غالب على خصمه؛ ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق؛ فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا لله -عز وجل-، مثل قوله -تعالى- {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (النمل:50)، ومثل قوله -تعالى-: {ويمكرون ويمكر الله} (الأنفال)، والمعنى: «فمكر الله -عز وجل- فيمن يستحقه من أعدائه، وفيمن يمكر بأنبيائه وأوليائه، فهو صفة كمال ومدح لله -عز وجل-؛ لأنه يقع على من يستحقه». - وما خلاصة هذا الموضوع يا (أبا معاذ)؟ - خلاصته أن قلب العبد المؤمن ينبغي أن يكون على وجل من عذاب الله، وعلى خوف من سوء العاقبة، وأن يخلو من الاتكال على حوله وقوته، ويتعلق بالله -عز وجل-، في ثباته على الدين، والتزامه أوامر الله، ويكثر دعاء الله -عز وجل- أن يثبته على دينه، وأن يميته على الإسلام، وأن يرزقه حسن الخاتمة وألا يزيغ قلبه بعد الهداية، وأن يحفظه من الفتن وألا يجعل مصيبته في دينه، وأن يرزقه الصدق والإخلاص في العمل، ومع كل ذلك يحسن الظن بالله، بأنه لا يضيع أجر المحسنين.


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 13-03-2024, 12:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب

– القنوط من رحمة الله

بعد صلاة العشاء، رافقني (أبو أحمد) مشيا إلى مساكننا. - تحدثنا عن (الأمن من مكر الله)، وأنه لا ينبغي لعبد أن يأمن مكر الله، ولاسيما إن كان معرضا عن دين الله، غارقا في معصية الله، وماذا عن (القنوط من رحمة الله).؟ - ربما نستطيع أن نقول: «إن على المؤمن ألا يأمن مكر الله»، وعلى العاصي «ألا يقنط من رحمة الله»؛ وذلك لقول الله -تعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53). قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «هذه أرجى آية في كتاب الله»؛ فالفقيه هو الذي لا يُيَئِس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معصية الله. - كلام جميل، زدنا من تفسير هذه الآية. - في تفسير ابن عاشور (يغفر الذنوب)، الألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم الاستغراق بمعنى إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك، ثم لم يكتف بذلك بل أكده بقوله (جميعا)، فيا لها من بشارة ترتاح لها النفوس! وما أحسن التعليل {إنه هو الغفور الرحيم}.! وهنا أذكر كلام ابن القيم في الأسماء الحسنى المقترنة التي تختم بها الآيات: «فإن لله -عز وجل- كمالا من اسم الغفور، وكمالا وجمالا من اسم الرحيم، وكمالا جديدا من اقتران هذين الاسمين فهو -سبحانه- (الغفور الرحيم)..»، فلا شك أن الغفور الرحيم لن يعذب عباده التائبين! - وما الفرق بين اليأس والقنوط؟ - (اليأس) و(القنوط) كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا في المعنى، وإذا تفرقتا اجتمعتا في المعنى، و(اليأس) ورد في قوله -تعالى- عن يقعوب: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87). وقالوا القنوط أشد اليأس، وقال آخرون بل اليأس أشد من القنوط؛ لأنه صفة الكافرين، وقالوا اليأس يكون مع المصيبة، وهو انقطاع الأمل من زوالها، والقنوط مع المعصية وهو استبعاد مغفرتها، وعلى كل حال المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، مهما كان ذنبه، ومهما كانت مصيبته! وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا قال: «يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله» (حسنه الألباني). منازلنا تبعد سبع دقائق مشيا إلى المسجد، ومنزل (أبي حمد) قبل منزلي بمئة متر تقريبا. - ولا ينبغي أن يكون (الرجاء) برحمة الله ومغفرته سببا في التهاون في المعصية فضلا عن الدوام عليها؛ فالعبد ينبغي أن يخوف نفسه من قصد المعصية والعزم عليها؛ فإن قصدتها فليخوفها من ارتكابها، فإن غلبته فليخوفها من الإصرار عليها وليأمرها بالتوبة، وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب فليذكرها بالاستغفار وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب قنوطا من رحمة الله فليذكرها أنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون. اقترح علي صاحبي أن نقرأ ما ذكره ابن تيمية في مسألة القنوط. - لك ذلك فالكتب كلها -ولله الحمد- محمولة في جيبي! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الآية السابقة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53): المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله -تعالى- وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله، ولا أن يقنط الناس من رحمته. والقنوط من رحمة الله بمنزلة الأمن من مكر الله -تعالى- وحالهم مقابل لحال مستحلي الفواحش؛ فإن هذا أمن مكر الله بأهلها وذاك قنط أهلها من رحمة الله، والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له؛ إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنوبه، وإما بأن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة بل هو مغلوب معها، والشيطان قد استحوذ عليه فهو ييأس من توبة نفسه، وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له، وهذا يعتري كثيرا من الناس، والقنوط يحصل بهذا تارة وبهذا تارة، فالأول كالراهب الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين أن الله لا يغفر له فقتله، وكمل به مائة، ثم دل على عالم فأتاه فسأله فأفتاه بأن الله يقبل توبته والحديث في الصحيحين، والثاني كالذي يرى للتوبة شروطا كثيرة، ويقال له: لها شروط كثيرة يتعذر عليه فعلها فييأس من أن يتوب» (مجموع الفتاوى).


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20-03-2024, 10:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب

– قسوة القلب

- وهذه صفة أخرى للقلب، كثيرا ما أقرأ وأسمع عنها أنها (أمراض القلوب)، وأنت تقول: إنها من (ذنوب القلوب). - نعم هي من (ذنوب القلوب)؛ لأنها تؤدي إلى اكتساب السيئات واستحقاق غضب الرب والعذاب يوم القيامة، دعني أورد لك ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب: «وسئل أيما أولى:‏ معالجة ما يكره الله من قلبك مثل‏: ‏الحسد والحقد والغل والكبر والرياء والسمعة ورؤية الأعمال وقسوة القلب، وغير ذلك، مما يختص بالقلب من درنه، وخبثه‏؟‏ أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة‏:‏ من الصلاة والصيام وأنواع القربات‏‏ من: النوافل والمنذورات مع وجود تلك الأمور في قلبه‏؟‏ أفتونا مأجورين‏. فأجاب -رحمه الله-‏:‏ الحمد لله‏،‏ من ذلك ما هو عليه واجب‏،‏ وأن للأوجب فضلا وزيادة‏،‏ كما قال -تعالى- على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏«‏ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه‏»‏‏.‏ ثم قال‏:‏ «‏ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (متفق عليه)،‏ والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب، فإن القلب ملك، والأعضاء جنوده‏؛‏ فإذا خبث الملك خبثت جنوده؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:‏‏ «‏ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله». كنت وصاحبي بانتظار موعد إقلاع رحلتنا لأداء العمرة، قررنا الذهاب والرجوع في اليوم نفسه، بحجز أول رحلة في الصباح، والعودة مع آخر رحلة، كانت أول تجربة لنا بهذا الجدول السريع. - أليس (قسوة القلب) من الأمور التي توعد الله صاحبها بـ(الويل)؟! - بلى، أحسنت، وذلك في قوله -تعالى-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الزمر:22). فهو من ذنوب القلوب التي توعد الله صاحبها بالويل، كما للمطففين، وكما للهمزة اللمزة، وكما قال العلماء: «كل ذنب جزاؤه الويل فهو من الكبائر»، نسأل الله العافية. والقلب القاسي، يمنع صاحبه من كل خير، فلا ينتفع بموعظة ولا يتذكر الآخرة، ولا يتورع عن معصية، حتى مع أولى الناس ببره والديه؛ لذا وجب على العبد أن يراقب قلبه، فإذا بدأت فيه علامات القسوة عالجها فور حدوثها. اقترح علي صاحبي أن نجلس في المقهى الموجود في صالة الانتظار نتناول شيئا قبل الإقلاع، فقد غادرنا بيوتنا بعد صلاة الفجر مباشرة، أخذنا حاجتنا. - وعلامات قسوة القلب؟! - الغفلة عن الطاعات والآخرة والموت، والانغماس في الشهوات والملذات، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة» (صحيح على شرط مسلم)، يسمع آيات الله فلا تتجاوز طبلة أذنه، ويرى الجنازة ولا يتجاوزه المشهد بؤبؤة عينه. ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله، خلقت النّار لإذابة القلوب القاسية، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي. إذا قسا القلب قحطت العين، قسوة القلب من أربعة أشياء، إذا جاوزت قدر الحاجة الأكل والنّوم والكلام والمخالطة، كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطّعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ. ومن أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته. القلوب المتعلّقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها. القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها، اشغلوا قلوبهم بالدنيا ولو شغلوها بالله والدّار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة، ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد. إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكّر ونقي من الدغل رأى العجائب، وألهم الحكمة»(الفوائد). «القلب المخبت ضد القاسي والمريض، والله -سبحانه- الذي جعل بعض القلوب مخبتا إليه، وبعضها قاسيا، وجعل للقسوة آثارا، وللإخبات آثارا، فمن آثار القسوة: تحريف الكلم عن مواضعه، وذلك من سوء الفهم وسوء القصد، وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب، ومنها نسيان ما ذكر به وهو ترك ما أمر به علما وعملا، ومن آثار الإخبات: وجل القلب لذكره -سبحانه- والصبر على أقداره والإخلاص في عبوديته والإحسان إلى خلقه» (شفاء العليل). ولعلك تذكرنا ببعض ما ورد في صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من لين القلب وهديه في هذا الأمر. - دعني أبحث لك في هاتفي: في أقل من دقيقة وجدت ضالتي، اسمع يا (أبا خالد): يقول -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159). عن عطاء بن يسار - رضي الله عنه - قال: «لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، قال أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا» (البخاري). وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يشكل قسوة قلبه، قال: «أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك» (حسن لغير) (صحيح الترغيب). إن العبد يحتاج أن يلين قلبه، ولاسيما مع انتشار الحياة المادية والمظاهر الدنيوية، التي أصبحت غاية كثير من الناس، يحتاج بين فترة وأخرى أن يتذكر الموت، والآخرة، والوقوف بين يدي الله، بل كلما ازداد العبد علما بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانا ولينا في قلبه، لأن العقيدة الصحيحة بالله هي مفتاح كل خير، من أعمال القلوب وأعمال الجوارح.


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 26-03-2024, 12:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – الحسد- غطى الحسد قلوبا.. فتركوا الحق وقد عرفوه

بدأ ضيفنا حديثه في اجتماع الثلاثاء، بعد صلاة العشاء. - عن هشام عن الحسن البصري قال: «ليس من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد؛ فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شيء». استغرب كثير من الحضور هذه المقولة التي تجعل الحسد طبيعة بشرية! تابع حديثه: - نعم أعلم أن كثيرا منا يعد (الحسد) خطيئة، نعم هو كذلك إذا تلكم العبد أو فعل أما مجرد الشعور بألا تحب أن يرتفع عليك أحد، وألا ينال غيرك أكثر منك، فهذا ينسجم مع الفطرة، فعلى العبد أن يروض هذا الشعور، كما يروض شهواته الأخرى، ويجعله تحت سيطرته في بداياته، أما إذا تركه ينمو، ويكبر، فربما غلب الحسد الدين، وهذا هو المنهي عنه، والأمثلة على ذلك كثيرة أولها: حسد إبليس لآدم، وحسد قابيل لأخيه، وحسد إخوة يوسف له. استأذن منظم الاجتماع محدثنا: - يمكن لمن لديه سؤال أو تعقيب أن يسأل في أثناء الحديث، فهذا لقاء وحوار، وليس محاضرة واستماع، تابع محدثنا كلامه. - والحسد ركن من أركان الكفر، وأركانه: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فهذا أمية بن أبي الصلت يقول: لا أؤمن برسول ليس من ثقيف، وأبو جهل يقول: والله ما كذب محمد قط! ولكن إذا كانت السدانة والحجابة في بني هاشم، ثم النبوة، فما بقي لنا؟ فالكبر يمنع الانقياد، والحسد يمنع قبول النصيحة، والغضب يمنع العدل، والشهوة تمنع العبادة. ومنشأ هذه الأربعة، جهل ذلك الحاسد بربه وجهله بنفسه. وكلكم يعرف حديث النبي - رضي الله عنه - الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه -: «إياكم والحسد! فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب»، وهذا الحديث في سنن أبي داوود وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة. استغربت أن هذا الحديث ضعيف؛ لأني أذكر أني حفظته منذ المرحلة الثانوية، وما مر علي درس أو خطبة جمعة إلا وسمعته. تابع الشيخ: - والحديث الصحيح في ذلك، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - رضي الله عنه -: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا...». سأل أحدهم: - هل يمكن أن تذكر لنا مصدر هذه المقولة عن (أركان الكفر الأربعة)؟ ابتسم محدثنا: - كنت سأفعل وأحسنت بهذا السؤال. يقول ابن القيم في (الفوائد): واذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئا منها، وعليها يقع العذاب، وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها؛ فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا، ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبواب الشرور؛ فإنها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه. ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنفسه؛ فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات، لم يتكبر ولم يغضب لها ولم يحسد أحدا على ما أتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله؛ فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويحب زوالها عنه ويكره الله ذلك. فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته؛ ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة؛ لأن ذنبه كان عن كبر وحسد. فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده والرضا به، وعنه والإنابة إليه، وقلع الغضب بمعرفة النفس، وأنها لا تستحق أن يغضب لها وينتقم لها، فإن ذلك إيثار لها بالغضب والرضا على خالقها وفاطرها، وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب له -سبحانه- وترضى له؛ فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها، وكذا بالعكس. وفي زاد المعاد يقول ابن القيم وفي سورة الفلق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. المقصود أن العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد؛ ولهذا -والله أعلم- إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم؛ فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنا، فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته. فالحاسد عدو النعم وهذا الشر هو من نفس الحاسد وطبعها، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها بل هو من خبثها وشرها، بخلاف السحر فإنه إنما يكون باكتساب أمور أخرى واستعانة بالأرواح الشيطانية؛ فلهذا -والله أعلم- قرن في السورة بين شر الحاسد وشر الساحر؛ لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن، فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين، وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن وهو الوسوسة في القلب، فذكره في السورة الأخرى كما سيأتي الكلام عليها إن شاء الله -تعالى-؛ فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه، بل هو أذى من أمر خارج عنه، ففرق بينهما في الذكر في سورة الفلق. وكثيرا ما يجتمع في القرآن الحسد والسحر للمناسبة. ولهذا اليهود أسحر الناس وأحسدهم؛ فإنهم لشدة خبثهم فيهم من السحر والحسد ما ليس في غيرهم وقد وصفهم الله -تعالى- في كتابه بهذا وهذا فقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة:102).


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 03-04-2024, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – الغل

- وما الفرق بين الغل والحسد؟ - تعرف أن الحسد هو (تمني زوال نعمة الآخر)، أما الغل فهو حقد وعداوة قلبية، تتولد غالبا من خلاف على أمر؛ فالحسد لا مسبب له، أما الغل فيكون بإساءة ولو متخيلة، وإذا اشتد الغلّ أصبح (حقدا)، وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «صيام شهر الصبر وثلاثة من كل شهر يذهبن كثيرا من وحر الصدر» (صحيح الترغيب)، وفي رواية «من وغر الصدر»، (الوحر: الغل. والوغر: الغيظ). صاحبي حصل على الإقامة الدائمة في كندا، لبناني الأصل، مركز عمله في الكويت، ملتزم بشرع الله، حريص على تعلم الحلال والحرام فيما يعنيه من أمور معاشه. دعاني لتناول عشاء (خفيف) في أحد المطاعم اللبنانية. - ولماذا تصف هذه الأعمال بأنها ذنوب، وكثير من الكتب يصفها بأنها أمراض للقلوب؟ - أظن أن وصف ذنوب أدق؛ لأنها تؤدي إلى النار إن لم يتب العبد منها كما في ذنوب الجوارح؛ فهي ذنوب تسجل في صحيفة العبد يحاسب عليها يوم القيامة، يقول ابن القيم: «فإن ما يعاقب عليه من أعمال القلوب هو معاص قلبية، يستحق العقوبة عليها كما يستحقه على المعاصي البدنية؛ إذ هي منافية لعبودية القلب؛ فإن الكبر والعجب والرياء وسوء الظن محرمات على القلب، وهي أمور اختيارية يمكن اجتنابها فيستحق العقوبة على فعلها». - وهل كل غل ذنب؟ - (الغل)، كما (الحزن)، أمران موجودان في الدنيا لا يكاد يخلو قلب عبد منهما؛ ولذلك وصف الله -عز وجل- أنهما لا ينفيان إلا في الجنة، كما في قوله -عز وجل- عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر:٣٤)، وعن الغل قال -عز وجل-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:٤٣). وقال -سبحانه-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجر:٤٧)، وفي التفسير أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «إني أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}»، وذلك بعد موقعة الجمل، فقد حصل بينهم ما حصل لدرجة الاقتتال وكلهم مبشر بالجنة! فلا تخلو الدنيا من (الغل) يزيد أو يقل. من الأمور التي تجذبني للمطاعم اللبنانية ما يقدمونه (ضيافة) قبل إحضار الأطباق المطلوبة، الزيتون اللبناني بنوعيه، وما يصحبه من مقبلات. طلب صاحبي عشاء خلا من اللحوم، كما اتفقنا. تابعت بياني: وفي الحديث: عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: «نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها؛ فرب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم» (صحيح لغيره). يقول ابن القيم -رحمه الله- : أي لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله وتنقيه منه، وتخرجه عنه؛ فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا، ودواء هذا الدغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة . الرابع: أن يعزم على كف شره عن الناس، ويطهر قلبه من الغل لأي من المسلمين. وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» (البخاري). فضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأنه كان بينهما تمام العداوة في الدنيا، حتى إن أحدهما قتل الآخر، فقلب الله هذه العدواة التي في قلب كل واحد منهم، وأزال ما في نفوسهما من الغل؛ لأن أهل الجنة يطهرون من الغل والحقد؛ كما قال الله - تعالى- في وصفهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجر: (47). قال ابن الأنباري : ما مضى من التآخي قد كان يشوبه ضغائن وشحناء، وهذا التأخي بينهم الموجود عند نزع الغل هو تأخي المصافاة والإخلاص. قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر:10)، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: «هذا شامل لجميع المؤمنين، ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحبّ بعضُهم بعضاً؛ ولهذا ذكر الله في هذا الدعاء نفي الغل عن القلب الشامل لقليله وكثيره الذي إذا انتفى ثبت ضده وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصحُ ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين؛ وذلك أن الإنسان -وإن اقتص له ممن اعتدي عليه- فلا بد أن يبقي في قلبه شيء من الغل والحقد علي الذي اعتدي عليه، ولكن أهل الجنة لا يدخلون الجنة حتى يقتص لهم اقتصاصا كاملا، فيدخلونها علي أحسن وجه؛ فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة».


اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 100.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 95.87 كيلو بايت... تم توفير 4.69 كيلو بايت...بمعدل (4.66%)]