ترجمة الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري رحمه الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7821 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 48 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859404 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393743 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215929 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-03-2020, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي ترجمة الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري رحمه الله

ترجمة الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري رحمه الله
أحمد محمد عاشور




مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ:
وُلِدَ الرَّاحل الكريم فضيلة المُستشار الدُّكتور: مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في الثَّاني عشر من سبتمبر عام 1926 م بمنيا القمح، - وهي بلدُ أُمِّهِ - محافظة الشَّرقيَّة، ونشأ، وتربَّى ببنها بَلَدِ وَالِدِهِ، وله خمسة إخوة: ثلاثة من البنين، واثنتان من البنات.


كان والده الأستاذ شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ من الرَّعيل الأوَّل مِنْ خرِّيجي مدرسة التِّجارة العليا، وعمل مع طلعت باشا حرب [1].


عمل مديرًا لمحلج بنها، كما عمل مديرًا للبنك العقاريِّ.


أمَّا والدته: فكان لها فضل كبير عليه، وكان الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يُثْنِي عليها كثيرًا في لقاءاته وحواراته [2]، حيث كانت تشجِّعه على النَّجاح والتَّفوُّق، بل إنَّها كانت تعِدُهُ مبلغًا ماليًّا عند حفظه لآيةٍ من القرآن الكريم، فكان يتسابق مع إخوته لحفظ القرآن، وكان حريصًا على التَّفوُّق من أجل إرضائها، حيث يقول: "كنت أحرص على التَّفوُّق؛ لأنَّ هذا ممَّا يسرُّ والدتي".


وقد حصل على المركز التَّاسع على مستوى الجمهوريَّة من مدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة.


ثُمَّ التحق بكلِّيَّة الحقوق، وسبب التحاقه بها [3] هو تأثُّره الشَّديد بحركة مُصْطَفَى بَاشَا كَامِل، وسَعْد بَاشَا زَغْلُول الوطنيَّة، وكفاحهما ضدَّ المستعمر، ومحاولة منه لخدمة بلده من خلال هذا الطَّريق.

الشَّهِيدُ الحَيُّ:
وفي التَّاسع من فبراير عام 1946 م، وكان وقتها في الفرقة الثَّالثة من المرحلة الجامعيَّة، وبعد انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية، وحصول معظم البلاد العربيَّة على استقلالها مثل سوريا والعراق، وكان من المفترض حصول مصر على استقلالها، وكانت انجلترا قد ادَّعت أمام الرَّأي العام العالميِّ رضا المصريِّين عن بقائها في مصر بموجب اتِّفاقيَّة سنة 1936م [4]، وأنَّ المصريِّين أنفسهم راضين عن هذا الوضع.


وكان ادِّعاءًا باطلًا، فكان ولا بدَّ أن تتحرَّك الجامعة -جامعة القاهرة-، وكان عدد الطُّلَّاب حوالي خمسة آلاف طالبٍ خرجوا جميعًا، وطالبوا بسقوط الاستعمار، وجلاء الإنجليز، وخرج الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في هذه المظاهرات - على الرغم من عدم اقتناعه بالمظاهرات - [5]، حتَّى وصلوا إلى كوبري عباس، وكان هناك تربُّص من الإنجليز تجاه الطَّلبة؛ لصدِّهم عن مثل هذه التَّظاهرات.


يومئذ أصدر (فتز باتريك باشا) حكمدار الجيزة أمره لمأمور الجيزة أن يترك المظاهرات دون تعرُّض لها حتَّى يتوسَّط الطُّلَّاب كوبري عباس، وعندئذ يحول بينهم و بين العودة، في الوقت ذاته كان (رسل باشا) حكمدار القاهرة قد أصدر أمره لمأمور قسم مصر القديمة؛ كي يسارع بقوَّاته، ويفتح الكوبري، وهكذا وجد الطُّلَّاب المتكدِّسون فوق كوبري عباس أنفسَهم في حصار وَبِيلٍ، وليس أمامهم من خيار سوى الموت غرقا.!!


لكنَّ نفرًا من طلبة هندسة القاهرة استطاعوا إغلاق الكوبرى، فهاجمت الطَّلبة من أمامهم شرطة بلوك النِّظام، فهرول الطُّلَّاب إلى مؤخِّرة الكوبري من جهة الجيزة، فوجدوا البوليس الَّذي وراءهم قد ترك في الكوبري فتحة صغيرة تتسع لمرور شخص واحد لا غير.


وعندما يبلغها طالب يوسعونه ضربًا قاسيًا مميتًا.


وكان الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبَ أَقْسَى ضربة، وأخطر إصابة، إذ أُصِيب بكسر فى الجمجمة بحجم العصا -خمسة في ثمانية سنتيمتر-، كما أُصِيب بشلل نصفيٍّ في جانبه الأيمن، وعندما حُمِلَ إلى المستشفى مع مَنْ حملوه أُدْخِلَ غرفةَ التَّشريح؛ ظنًّا من الأطبَّاء أنَّه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بعد دقائق، وسرت إشاعة موته بين الطُّلَّاب، بل نشر في الصُّحف خبر وفاته [6].


غير أنَّ إرادة الله تَعَالَى شاءت أنَّ يستمرَّ على قيد الحياة، وأُطْلِقَ عليه لقب الشَّهيد الحيِّ.


وظلَّ في مستشفى القصر العيني لمدَّة سنتين، أدَّى في السَّنة الثَّانية منها الامتحان، وتخرَّج سنة 1948 م.


وكان لهذه الضَّربة آثارٌ صحِّيَّة، حيث مزَّقت الأغشية المخِّيَّة المسيطرة على القدم، وكان يُعاني من التَّشنُّج العصبيِّ لذا؛ أَجْرَى عمليةً جراحيَّةً لترقيع المخِّ في انجلترا سنة 1950 م.


خرج منها معافًى بفضل الله تَعَالَى، ومارس حياته العمليَّة، والعلميَّة، والفكريَّة بكلِّ همَّة ونشاط كما سنرى من خلال استعراضنا لمراحل حياته المختلفة، ووظائفه، ونشاطه الفكريِّ.

مَرَاحِلُ تَعْلِيمِهِ وَمَنَاصِبُهُ:
كان الرَّاحل الكريم من المتفوِّقين في دراسته منذ صغره، فكان يحفظ القرآن في الكُتَّاب ببنها، ثُمَّ التحق بمدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة، وحصل على التَّوجيهيَّة، وكان التَّاسع على الجمهوريَّة.
وفي عام 1944م التحق بكلِّيَّة الحقوق جامعة القاهرة، وتخرج سنة1948م.
بتقدير جيِّد، وكان وقتها نزيلًا لمستشفى القصر العيني.
وفي عام 1951م حصل على دبلوم الدِّراسات العليا في الاقتصاد السِّياسيِّ، من كلِّيَّة الحقوق جامعة القاهرة.


ثُمَّ حصل منها على دبلوم الدِّراسات العليا في الشَّريعة الإسلاميَّة سنة 1952 م، وفي عام 1963م سافر إلى فرنسا، وحصل على دبلوم الدِّراسات العليا في العلوم السِّياسيَّة سنة 1963م.
وحصل على دكتوراه الدَّولة سنة 1966م في موضوع (مشكلة تخلُّف العالم الإسلاميِّ).
وقد أحدثت رسالته صدًى واسعًا على المستوى الأوروبي.


حتَّى إنَّ المستشرق الفرنسيَّ Charles Raymond في كتابه DroitIslamique أي القانون الإسلاميِّ قال: إنَّ رسالة الدُّكتور الفَنْجَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قد صحَّحت لديه الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام [7].


أَمَّا عَنِ المَنَاصِبِ الَّتي تَقَلَّدَهَا:
فقد التحق بعد تخرُّجه من كلِّيَّة الحقوق، وعودته من رحلة العلاج الطَّويلة في انجلترا -سبع سنوات- إِثْرَ إصابته في حادث كوبري عبَّاس التحق للعمل في هيئة قضايا الدَّولة، وذلك في أوَّل مايو سنة 1952م.
ثُمَّ نُقِلَ للعمل بمجلس الدَّولة سنة 1955م، وتدرَّج في وظائفه حتَّى وصل إلى وكيل مجلس الدَّولة في 28 فبراير 1981م.
ثُمَّ أُعِيرَ للعمل بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وعمل مستشارًا قانونيًّا لعدَّة وزارت بها.
وقد أسهم في إعداد بعض النُّظم للمملكة كنظام رأس المال الأجنبيِّ، قوانين الصِّحَّة كلها، وقوانين الصِّناعة، والكهرباء.
كما عمل أستاذًا بجامعة الرِّياض، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدُّكتوراه.


وقد انْتُدِبَ فضيلته لتدريس مادَّة الاقتصاد الإسلاميِّ بجامعة الأزهر منذ سنة 1967م، ويعدُّ الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ من أوائل مَنْ درَّس مادَّة الاقتصاد الإسلاميِّ بكلِّيَّة التِّجارة جامعة الأزهر.
كما انْتُدِبَ أستاذًا زائرًا بجامعات الجزائر وبني غازي بليبيا، وأم دَرْمَان الإسلاميَّة بالسُّودان.
عمل مستشارًا لوزير الأوقاف الدُّكتور مُحَمَّد البهي [8] في الفترة من عام 1962م إلى 1964م.
عمل مستشارًا لوزير التَّربية والتَّعليم الدُّكتور/ مُحَمَّد حلمي مراد [9] في الفترة من عام 1968م إلى 1969م.


وقد شارك -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في الكثير من المجالات العلميَّة؛ فكان عضوًا بمجمع البحوث الإسلاميَّة، وعضو المجالس القوميَّة المتخصِّصة (المجلس القومي للخدمات، والتَّنمية الاجتماعيَّة)، وعضو المجلس العلمي للشُّئون الإسلاميَّة (لجنة الدِّراسات الفقهيَّة المقارنة)، وعضو مجلس إدارة بعض مراكز البحوث بجامعتي الأزهر والقاهرة، ورئيس مجلس إدارة الجمعيَّة الخيريَّة الإسلاميَّة حتَّى توفَّاه اللهُ تَعَالَى يوم الخميس الموافق 8/يوليو/2010 م، الموافق 21 من رجب 1431هـ [10].

صِفَاتُهُ الخُلُقِيَّةُ وَوَفَاتُهُ:
تميَّز الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بجملة من الأخلاق الفاضلة، والصِّفات الحميدة مقتديًا بسيِّد الخلق، وإمام البشر سيِّدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذي كان خلقه القرآن، كما حكت عنه السِّيَّدة عائشة حين سُئِلَتْ عن خلق النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [11].


وبيَّن النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ الدِّين حسن الخلق، وهو من أثقل ما يُوضع في ميزان العبد يوم القيامة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ–رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ" [12].


وحسن الخلق دليلٌ على كمال إيمان العبد، روى أحمد في مسنده عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أنَّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" [13]، وإنَّه يبلغ درجة الصَّائم القائم، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِم" [14].


فسار الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ على الدَّرب، وسلك نفس النَّهج متأسِّيًا بالحبيب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يتعامل مع بناته بحلم، ورحمة، وتوجيه مستمرٍّ، ودفع للتَّفوُّق والتَّميُّز، وهو ما تؤكِّده الدُّكتورة ليلى -ابنته الوسطى، أُسْتَاذ النُّظم والمعلومات بجامعة حلون-، حيث أكَّدت على هذا من خلال تعامله معها، وأختيها الدُّكتورة ناهد، والدُّكتورة مُنى، وقربه منهنَّ [15].


وكان دمثَ الخلق بين أقرانه وأصدقاء دراسته، يتواضع لهم، ويحرص على التَّواصل المستمرِّ معهم، كما أكَّد على ذلك المُستشار حامد عبد الدَّايم [16]، والدُّكتور مُحَمَّد الشَّحَّات الجِنْدِي [17].


وكان نِعْمَ المُرَبِّي وَالمُعَلِّمُ، لا يدَّخر جهدًا في نصح طلَّابه، ولا يتوانى في إرشادهم، وكان حريصًا عليهم، وعلى تفوُّقهم، وعلى إعلاء هِمَمِهِم، وكان دائمَ السُّؤال عنهم، والتَّواصل معهم على الرغم من أشغاله الكثيرة ومسئوليَّاته المتعدِّدة، بل كان هو مَنْ يبدأ بالسُّؤال عنهم، وهو ما أكَّد عليه الدُّكتور يُوسُف إِبْرَاهِيم رَئِيس مركز صالح كامل بالقاهرة [18].


وكان يحرص على بثِّ الثِّقة فيهم، والتَّحاور معهم، بل ونشر آرائهم حتَّى ولو كانت مخالفة لرأيه، كما حدث مع الدُّكتور رفعت العوضي في مسألة فائدة البنوك، حيث يرى الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ فوائد البنوك ليست من الرِّبا المحرَّم، بينما يقول الدُّكتور رفعت العوضي: إنَّ فوائد البنوك ربًا محرَّم، فهو يخالفه تمامًا في رأيه، ومع ذلك طالبه بنشر رأيه في إحدى الصُّحف السُّعوديَّة وقت أن كانا يعملان معًا في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة قائلًا له: إنَّ في ذلك إثراءًا للموضوع، وتعميقًا للحوار حوله [19].


فلقد جمع الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ العديد من السِّمات النَّفسيَّة والخلقيَّة، كالمثابرة، والاجتهاد، والنَّشاط الدءوب، وغيرته الشَّديدة على دينه، والجود، والعطاء، والإيثار، والتَّضحية، والتَّواضع، والثَّبات على المبدأ، والإصرار على الحقِّ، والاستعلاء على المساومات والإغراءات، والصَّبر على المحن، والرِّضا بقضاء الله – عَزَّ وَجَلَّ -.

وَفَاتُهُ:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا [20].


وبعد رحلة طويلة حافلة من العطاء، والجهاد، والكفاح، والبحث العلميِّ، والعمل الخيريِّ، ومحاربة الفساد، ونشر القيم الإسلاميَّة، وتوضيح القيم الاقتصاديَّة المستمدَّة من الدِّين الإسلامي، وعملٍ دؤوبٍ، وسعيٍ لخدمة الفقراء والمحتاجين، وحرصٍ على العمل الخيريِّ، وسعيٍ للتَّغلُّب على المشاكل البيروقراطيَّة الَّتي تواجه الجمعيَّات الخيريَّة، وخاصَّة الجمعيَّة الخيريَّة بحيِّ السَّيِّدة زينب، والَّتي كان يرأسها لفترة طويلة.


وبعد قضائه لبعض الأوراق المهمَّة في البنك لصالح الجمعيَّة الخيريَّة الخاصَّة بالوقفيَّات، عاد إلى بيته، ونام على فراشة؛ ليرتاح من عناء الطَّريق، خاصَّة مع تقدُّمه في العمر، وتعرُّضه لأمراض الشَّيخوخة، غير أنَّها كانت النَّومة الأخيرة، حيث فاضت روحه إلى بارئها يوم الخميس الموافق 8/يوليو/2010 م، الموافق 21 من رجب 1431هـ.


فلقد عاش من أجل خدمة هذا الدِّين، ومات وهو يعمل لصالحه مصداقًا للأثر المشهور أنَّ الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنَّه مَنْ عاش على شيء مات عليه، وَمَنْ مات على شيء بُعِثَ عليه [21].


عن جابر، قال: سمعت النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ" [22].


وأحسب أنَّ مثل هذه الميتة من حسن الخاتمة - إِنْ شَاءَ اللهُ -، ومن توفيق الله للدُّكتور الفَنْجَرِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فعن أنس أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ" قَالَ: فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوتِ" [23].


قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قِيلَ: وَمَا عَسَّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: يَفْتَحُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَي مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ" [24].


ولعلَّه رَحِمَهُ اللهُ ممَّن يصدَّق فيهم قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا" [25].


فَاللَّهُمَّ ارْحَمْ هَذَا العَالِمَ الجَلِيلَ، وَاجْعَلْ عِلْمَهُ، وَعَمَلَهُ، وَسَعْيَهُ فِي مُسَاعَدَةِ المُحْتَاجِينَ، وَطَلَبَةِ العِلْمِ الجَادِّينَ، وَالفُقَرَاءِ، وَالأَرَامِلِ، وَالمَسَاكِينَ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِ، وَكَفَّارَةً لِسَيِّئَاتِهِ.


[1] طلعت حرب: (1876-1941)، رائد النَّهضة الصِّناعيَّة والاقتصاديَّة في مصر، تخرَّج في مدرسة الحقوق1889، عُنِيَ بالشُّؤون الاقتصاديَّة، وكان في بداية القرن ال 20 وقفًا على الأجانب، أصدر عام 1910 كتبه "علاج مصر الاقتصادي"، وأنشأ شركات عدَّة توَّجها بتأسيس بنك مصر، وتمَّ افتتاحه في (7مايو1920)، وضع حرب الأساس للنَّهضة الصِّناعيَّة والتِّجاريَّة في معظم الميادين، انظر: الموسوعة العربيَّة الميسَّرة، مجموعة من الباحثين، ج 4، ص 2166،2167 بتصرُّف ط3، 2009، المكتبة العصريَّة، بيروت.

[2] من لقائه بقناة اقرأ الفضائيَّة في برنامج أوراق شخصيَّة، في عام 2006، (تسجيل للدُّكتور الفَنْجَرِي أعطتني إياه ابنته الدُّكتورة ليلى الفَنْجَرِي).

[3] المرجع السَّابق.

[4] تنصُّ معاهدة 1936م على ما يلي :
1- انتقال القوَّات العسكريَّة من المدن المصريَّة إلى منطقة قناة السويس، وبقاء الجنود البريطانيِّين في السُّودان بلا قيد أو شرط.
2- تحديد عدد القوَّات البريطانيَّة في مصر بحيث لا يزيد عن 10 آلاف جندي، و400 طيار مع الموظَّفين اللَّازمين لأعمالهم الإداريَّة والفنِّيَّة، وذلك وقت السِّلم فقط، أمَّا في حالة الحرب فلانجلترا الحق في الزِّيادة، وبهذا يصبح هذا التَّحديد غير معترف به.
3- لا تنتقل القوَّات البريطانيَّة للمناطق الجديدة إلَّا بعد أنَّ تقوم مصر ببناء الثَّكنات وفقًا لأحدث النُّظم.
4- تبقى القوَّات البريطانيَّة في الإسكندرية 8 سنوات من تاريخ بدء المعاهدة.
5- تظلُّ القوَّات البريطانيَّة الجوِّيَّة في معسكرها في منطقة القنال، ومن حقِّها التَّحليق في السَّماء المصريَّة، ونفس الحق للطَّائرات المصريَّة.
6- في حالة الحرب تلتزم الحكومة المصريَّة بتقديم كل التَّسهيلات والمساعدات للقوَّات البريطانيَّة، وللبريطانيِّين حق استخدام مواني مصر، ومطاراتها، وطرق المواصلات بها.
7- بعد مرور 20 عام من التَّنفيذ للمعاهدة يبحث الطَّرفان فيما إذا كان وجود القوَّات البريطانيَّة ضروريًّا؛ لأنَّ الجيش المصريَّ أصبح قادرًا على حرِّيَّة الملاحة في قناة السويس وسلامتها، فإذا قام خلاف بينهما؛ فيجوز عرضه على عصبة الأمم.
8- حق مصر في المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبيَّة.
9- إلغاء جميع الاتِّفاقيَّات والوثائق المنافية لأحكام هذه المعاهدة، ومنها تصريح 28 فبراير عام 1922م، بتحفُّظاته الأربعة.
10- إرجاع الجيش المصري للسُّودان والاعتراف بالإدارة المشتركة مع بريطانيا.
11- حرِّيَّة مصر في عقد المعاهدات السِّياسيَّة مع الدُّول الأجنبيَّة بشرط ألَّا تتعارض مع أحكام هذه المعاهدة.
12- تبادل السُّفراء مع بريطانيا العظمى.
وعلى الرغم من الإيجابيات الَّتي حوتها، والاعتراف باستقلال مصر إلَّا أنَّها لم تحقِّق الاستقلال المطلوب حيث حوت في طيَّاتها بعض أنواع السِّيادة البريطانيَّة حيث ألزمت مصر بتقديم المساعدات في حالة الحرب، وإنشاء الثَّكنات الَّتي فرضت أعباء ماليَّة جسيمة ممَّا يؤخِّر الجيش المصري، وإعداده ليكون أداة صالحة للدِّفاع عنها، كما أنَّه بموجب هذه المعاهدة تصبح السُّودان مستعمرة بريطانيَّة يحرسها جنود مصريُّون؛ لذلك طالبت وزارة النَّحَّاس في مارس 1950 الدُّخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة البريطانيَّة، واستمرَّت هذه المفاوضات 9 أشهر ظهر فيها تشدُّد الجانب البريطانيِّ؛ ممَّا جعل النَّحَّاس باشا يعلن قطع المفاوضات، وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي السُّودان، وقدم للبرلمان مراسيم تتضمَّن مشروعات القوانين المتضمِّنة هذا الإلغاء، فصدَّق عليها البرلمان، وصدرت القوانين الَّتي تؤكِّد الإلغاء الَّذي نتج عنه إلغاء التَّحالف بين بريطانيا ومصر، واعتبرت القوَّات الموجود في منطقة القناة قوَّات محتلَّة، ومن هنا بدء النِّضال يشتعل مرَّة أخرى، ولكن هذه المرَّة نضال مسلَّح، انظر: في أعقاب الثَّورة المصريَّة، عبد الرَّحمن الرَّافعي، ج3، ص27-30 بتصرُّف، ط2، 1409ه، دار المعارف، القاهرة.

[5] من لقائه بقناة اقرأ الفضائيَّة في برنامج أوراق شخصية.

[6] الأستاذ المستشار الدُّكتور مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِي وجهوده نحو قضايا الفكر، والاقتصاد الإسلامي، وخدمة المجتمع، إعداد: بكر إسماعيل ص34،35 بتصرُّف، مؤسسة البابرس ط/1 سنة 2003ه.

[7] الأستاذ المستشار الدُّكتور مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِي وجهوده نحو قضايا الفكر الاقتصادي، وخدمة المجتمع، تأليف السفير بكر إسماعيل –ص15 ط1 مؤسَّسة ألبا برس.

[8] الدكتور محمد محمد البهي (1323ه/ 1905م-1402ه/ 1982م.) من مواليد قرية أسمانيه بشبراخيت بمحافظة البحيرة، تخرج من الأزهر الشريف ، وحصل منها على شهادة العالمِية سنة 1931، ثم سافر إلى ألمانيا وحَصُل على شهادة الدكتوراه من جامعة هامبورج عام 1936م، عاد إلى مصر سنة 1938م، واشتغل بتدريس الفلسفة الإسلامية والإغريقية، بجامعة الأزهر في كليتي أصول الدين، واللغة العربية، عين أول مدير لجامعة الأزهر عام 1961م، وفي عام 1962م، عين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، ثم عاد لإدارة جامعة الأزهر عام 1964م، ثم عُيِّن أستاذا للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة. عندما بلغ الستين من عمره ترك التدريس ورفض قرار مجلس الوزراء بمد خدمته خمس سنوات أخرى وآثر التفرغ للكتابة والتأليف إلى أن وافته المنية في من ذي القعدة1402 هـ / 10 سبتمبر1982م عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما.

[9] الدكتور محمد حلمي مراد: (1919م- 1998م)، حصل على ليسانس الحقوق عام 1939م، عمل وكيلًا للنيابة عام 1943م، حصل على الدكتوراه من باريس عام 1949م، وعُيِّن مديرًا لجامعة عين شمس 1967م، ثم عُيِّن وزيرًا للتعليم عام 1968م، لمدة ستة عشر شهرًا، حصل علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1973م.

[10] احتفاليَّة المستشار الدُّكتور مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِي- إشراف المستشار/ سعيد عبد الوهَّاب الزهوي ص20،21، 22 بتصرُّف- إصدار الجمعيَّة الخيريَّة الإسلاميَّة بالقاهرة 2011م.

[11] مسند أحمد، أبو عبد الله أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشَّيباني (ت 241ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، حديث رقم (24601)، ص148، ط1، 1421ه، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت، وهو (صحيح)، انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، مُحَمَّد ناصر الدِّين الألباني، ج2، ص872، ، ط3، 1408ه،المكتب الإسلامي بيروت.

[12] سنن التِّرمذي، مُحَمَّد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضَّحَّاك، التِّرمذي (ت 279ه)، تحقيق: أحمد مُحَمَّد شاكر وآخرون، كتاب البر والصِّلة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، باب ما جاء في حسن الخلق، حديث رقم (2003)، ج4، ص 363، ط2، 1395ه ، دار الغرب الإسلامي – بيروت، قال المحقق: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

[13] مسند أحمد، حديث رقم (7402)، ص114، قال المحقق: هذا حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، حديث رقم (5726)ج 2، ص998.

[14] مسند أحمد، حديث رقم (25013)، ص 470، قال المحقِّق: حديث صحيح لغيره.

[15] مقابلة شخصيَّة مع ابنته الدُّكتورة ليلى الفَنْجَرِي بمركز صالح كامل بالقاهرة في 27 مارس 2012م.

[16] مقابلة شخصيَّة مع المستشار حامد عبد الدَّايم في مركز صالح كامل 27مارس2012م.

[17] مقابلة شخصيَّة مع الدُّكتور مُحَمَّد الشَّحَّات الجندي بمركز صالح كامل بالقاهرة في 27 مارس 2012م.

[18] مقابلة شخصيَّة مع الدُّكتور يوسف إبراهيم بمركز صالح كامل بالقاهرة في 27 مارس 2012م.

[19] مقابلة شخصيَّة مع الدُّكتور رفعت العوضي بمركز صالح كامل بالقاهرة في 27 مارس 2012م

[20] صحيح البخاري، مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري (ت 256ه) كتاب بدء الوحي، باب الأعمال بالخواتيم، وما يخاف منها، حديث رقم (6493)،ج 8، ص 128، ط1، 1407ه، دار الشَّعب - القاهرة.

[21] صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، حديث رقم (2878)، ج4، ص207.

[22] مسند أحمد ، حديث رقم (14543)، ص413، قال المحقِّق: إسناده قويٌّ على شرط مسلم.

[23] سنن التِّرمذي، باب ما جاء أنَّ الله كتب كتابًا لأهل الجنَّة، وأهل النَّار، حديث رقم (2142)، ج4، ص450، قال الترمذي: هذا حديث صحيح، قال المحقِّق: هذا حديث صحيح.

[24] مسند أحمد، حديث رقم (17784)، ص 323، قال المحقِّق: صحيح لغيره.

[25] مسند أحمد، حديث رقم (7212)، ص 146، قال المحقِّق: صحيح لغيره.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 77.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.43 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]