|
|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (88) صـــــ(1) إلى صــ(8) شرح زاد المستقنع - مباحات الصلاة هناك مباحات يجوز للمصلي أن يفعلها في صلاته ولا حرج عليه، ومنها: رد المار بين يديه، وعد الآيات بأصابعه أثناء القراءة، والفتح على الإمام إذا أخطأ أو أرتج عليه، ولبس الثوب أثناء الصلاة، ولف العمامة، وقتل ما يؤذي كالحية والعقرب ونحوها، وقراءة ما شاء من أول السورة أو وسطها أو آخرها، والبصق عن يساره، وإذا كان في المسجد ففي ثوبه. مباحات الصلاة [رد المار بين يدي المصلي] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وله رد المار بين يديه].الضمير في (له) عائد إلى المصلي، سواء أكان في فرض أم في نفل. وقوله: [وله رد المار بين يديه] قال بعض العلماء: بل يجب عليه ذلك. وقال بعض العلماء: لا يرد.وهو قول طائفة من أهل الرأي، فقد كانوا يرون أن هذا من المنسوخ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اسكنوا في الصلاة)، والصحيح أنه ليس بمنسوخ، وأن الحكم باق إلى قيام الساعة، وأنه لا يجوز أن تترك إنسانا يمر بين يديك، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (فليقاتله فإنما هو شيطان)، وقوله عليه الصلاة والسلام عن السترة أنها: (مثل مؤخرة الرحل، فلا يضره من مر وراء ذلك)، فإن قوله: (فلا يضره) يدل على أنه إذا مر بينه وبين قبلته ضره. قال العلماء: إن من صلى ومر المار بين يديه تضرر الاثنان، فيتضرر المصلي لأنه قطع عن خشوعه، وإذا سكت عنه أعانه على الإثم والعدوان، ومن أعظم الإثم والعدوان إثم العبادات والاعتداء على حدود الله عز وجل في المقام بين يديه، فقالوا: يأثم المصلي من هذا الوجه؛ لأنه أعانه وسكت عنه، ويأثم المار عند علمه؛ لأنه فعل ما نهي عنه شرعا من المرور بين يدي المصلي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه). قال أبو النضر: لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة.ولذلك شدد الشرع في هذا المرور؛ لأنه يشوش على الناس في صلاتهم ويقطعهم عن الخشوع، وهو عبادة لا نعلم علتها الحقيقية، فمن الله الأمر وعلى الرسول البلاغ وعلينا الرضا والتسليم، وليس هذا بكثير على أشرف العبادات، وأكمل المقامات وهي الصلاة. والمار بين يدي المصلي لا يخلو المصلى معه من أحوال: الحالة الأولى: أن تشعر به قبل المرور، وهذا يتأتى حينما يكون الإنسان قد رمى ببصره إلى موضع سجوده فأحس بالمار من جهة يمينه أو من جهة يساره قبل أن يحول بينه وبين القبلة، فإن شعرت به قبل مروره مددت اليد، وهذا المد من باب التنبيه، ولا يجوز لك في هذه الحالة أن تبدأ بالمقاتلة، وهذا على خلاف ما يرى من بعض الناس -أصلحهم الله- فإنه بمجرد أن يمر بين يديه يضربه، وهذا لا يجوز؛ لأن أذية المسلم والإضرار به محرمة، ولا تجوز إلا في الحدود الشرعية التي أذن الله بها ورسوله عليه الصلاة والسلام، وبناء على ذلك لا يبتدئ الناس بالدفع أو ضربهم على صدورهم مباشرة، وإنما يمد مدا قويا حتى يتنبه المار، فإذا أحسست أن ثبوت اليد يحول بينك وبينه أثبت اليد واكتفيت بالإثبات دون حركة، فإن انصرف فبها ونعمت؛ لأنه ربما يكون المار مشوش الذهن، وربما يكون شارد الذهن، وربما يكون غير منتبه لما أمامه، فإذا وضعت يدك تنبه، فحينئذ يرتدع، ولا شك أن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، فإن أصر على المرور في هذه الحالة دفعته، فإن أصر قاتلته، فلك حق الدفع، ولو كان ذلك على وجه الإضرار.واختلف العلماء لو أنه دفعه وسقط وانكسر، أو أصابه ضرر، فقال بعض العلماء: أذن الشرع بالمقاتلة ودمه هدر، فإن مات فلا يلزم الدافع الضمان ولا يجب عليه القصاص. وقال بعض العلماء: إنه ضامن، فلا إثم عليه في الدفع، ولكنه يضمن.وهذا القول أقوى الأصول؛ لأن إسقاط الإثم عليه لا يستلزم إسقاط الضمان، وبناء على ذلك ترده وتدفعه، فإن حصل له ضرر فإنه من يدك، وابتلاء ابتلاك الله به، كما يبتلى الرجل بالسقم في جسمه والبلاء في جسده فيضمن؛ لأن الأصل الضمان حتى يدل الدليل على الإسقاط، وليس هنا دليل يدل على إسقاط الضمانات، فالدليل عندنا في الإذن بالمقاتلة، لكنه لا يستلزم إسقاط الضمان، وفرق بين قوله: (فليقاتله)، وبين قوله: (فليقتله)، فإن المقاتلة هي المدافعة، وهو أسلوب عام، أي أعم من أن يكون دالا على الإسقاط. واختلف العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: (فليقاتله). فقال بعضهم: ليس المراد أن يقاتل بمعنى أن يدافعه في الصلاة، وإنما المراد أن المار على حالتين: فإن دفعته فلا إشكال، وإن لم يندفع، وغلب فإنهم قالوا: فليدع عليه في صلاته، فإن القتل يستعمل بمعنى اللعن، وبمعنى الدعاء، ومنه قوله تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة:30]، وقوله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس:17] أي: لعن، فقالوا: إنه بمعنى الدعاء عليه، فإذا غلب المكلف فحينئذ يدعو عليه لعظيم الضرر الذي أصابه.ولكن القول الثاني -وهو أن المراد بالمقاتلة المدافعة- أقوى، وهو قول الجماهير، وليس المراد به استباحة دمه والخروج عن كونه مصليا.فإن كان المار قويا، وكنت ضعيفا وغلبك فحينئذ قالوا: الإثم على المار دون المصلي.وفي بعض الأحيان في حال الجلوس بين السجدتين أو التشهد لا تستطيع المصلي أن يدفع إلا إذا كان الإنسان قويا يستطيع أن يقاتل، فحينئذ لا حرج؛ فلقد رأيت رجلا ضعيف البنية أمسك بساق رجل حتى كاد أن يموت الرجل بسبب ما أعطاه الله من القوة، لكن الإشكال إذا غلبه، فقالوا: إذا غلبه فالإثم على المار دون المصلي. وقد ذكر العلماء حالات المرور بين يدي المصلي فقالوا: لا يخلو المصلي والمار بين يديه من حلالت، ففي حالة يأثمان، وحالة لا يأثمان، وحالة يأثم المار دون المصلي، وحالة يأثم المصلي دون المار.فالحالة الأولى التي لا يأثمان فيها صورتها أن يكون المصلي كفيف البصر، ويمر المار وهو لا يدري أنه مار بين يدي المصلي.فسقط الإثم عن الأعمى؛ لأنه لا يرى، وهذا ليس بإمكانه، وسقط الإثم عن المار لكونه لا يعلم. الحالة الثانية التي يأثمان فيها: أن يبصره وهو قادر على دفعه ولا يدفعه، ويمر المار دون وجود عذر، مع علمه أنه مار بين يدي المصلي، فيأثمان معا. الحالة الثالثة التي يأثم فيها المار دون المصلي: أن يكون المصلي كفيفا والمار مبصرا عالما، فيأثم المار دون المصلي.وأما الحالة الرابعة التي يأثم فيها المصلي دون المار، كأن يكون المار كفيف البصر، أو لا يعلم فيمر دون أن يدفعه، فحينئذ يأثم المصلي دون المار.فذكرنا أن السنة رد المار بين يدي المصلي، وعبر المصنف بهذا الرد على العموم، فيشمل كل ما مر بين يديك، سواء أكان إنسانا أم حيوانا، فإذا مر الشيء بين يديك فإنك تدفعه، خاصة إذا كان مما يقطع الصلاة فإن الأمر فيه أشد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه.أما بالنسبة لغير الآدمي، وهي الحيوانات، فهي على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: ما يمكن رده بمد اليد، كالبعير وكالبقرة إذا كانت مماثلة لموقف المصلي، فإذا مد يده تنبه البعير وانصرف عنه، وكذلك البقرة، وفي حكمها أيضا الحمار والبغل ونحوه مما هو عظيم الجثة بحيث يماثل الإنسان حال قيامه. الضرب الثاني: أن يكون مما لا يمكن رده من الحيوانات، كالطائر إذا مر بين يدي الإنسان، فإنه يتعذر عليه أن يرده بيده. الضرب الثالث: أن يكون مما يمكن رده في حال القيام مع حدوث الانتقال من ركن إلى ركن، وذلك كالهره، فالهرة الصغيرة إذا مرت لا تستطيع أن تردها إلا إذا انحنيت إليها، وكذلك البهمة الصغيرة من الغنم كالسخلة ونحوها، فإنك تضطر إلى أن تنحني، فتنتقل من ركن القيام إلى ركن الركوع، وربما تبالغ في الانحناء لردها كالقطة، فحينئذ هناك أوجه: قال بعض العلماء: يجوز له أن يدفعها ولو بالرمي، فينحني مسرعا في انحنائه، أي: ينتقل بسرعة ويأخذها ويرميها، ثم يرجع إلى قيامه ويغتفر هذا الانتقال.وهذا قال به بعض السلف. القول الثاني: أنه يرد بقدمه، ولا يرد بيده، فينتقل الرد من كونه بيده إلى كونه بقدمه، فيدفعها بقدمه، فإذا جاءت تمر فإنه حينئذ يجعل قدمه في منتصف الهر ونحوه ثم يرمي به فيغتفر هذا، ويكون كالمدافعة باليد. القول الثالث: أنه يتقدم حتى يلتصق بالحائط أو بسترته، فتمر البهمة من ورائه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لذلك.وأقوى هذه الأقوال وأعدلها والقولان الأخيران، فإما أن يكون الدفع بالقدم، وإما أن يكون الدفع بأن يتقدم حتى يلتصق ثم تمر هي من رواءه كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام.والرد المشروع أن يكون قبل دخوله فيما بين الإنسان وبين سترته، أما لو جاوز هذا المكان ومر، فقال بعض العلماء: يرده. وقال بعضهم: لا يرده؛ لأنه إذا رده حصل مروران بين يدي المصلي.وهذا أقوى، أعني الأخير؛ فإنه إذا فات الإنسان ومر، فحينئذ قد سقط التكليف وأصبح من المتعذر؛ لأن الإخلالات تنقسم إلى قسمين: ما لا يمكن تداركه فلا تكليف، وما يمكن تداركه فإنه يكلف به الإنسان، وهذا مما لا يمكن تداركه؛ فإن المرور قد فات، فحينئذ لا يطالب برده، ولأن رده يتضمن مفسدة من الانشغال مع حصول مرور زائد، وبناء على ذلك لا يشتغل برده ثانية. الأمر الثاني الذي يراد التنبيه عليه: أن يكون المرور فيما بين يدي المصلي، فلو مر من وراء سترته فإنه بالإجماع لا يؤثر؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السيرة: (مثل مؤخرة الرحل، فلا يضره من مر وراء ذلك)، فدل على أن المرور وراء السترة لا يؤثر، وثبتت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر حينما مر الناس من وراء السترة، فالسترة جعلت كغاية، فالدفع يكون فيما بينه وبين هذه الغاية، ولا يشرع له الدفع فيما زاد عن هذه الغاية.ويبقى النظر لو كان الإنسان يصلي إلى غير سترة، أو كانت سترته بعيدة، فهل يشرع له أن يتقدم حتى يرد؟و a السنة للإنسان أن تكون سترته على ممر الشاة من موضع سجوده، وهذا يأتي بأكثر من ذراع، فهذا القدر يتركه ويسجد، كما جاء في حديث سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (جعل هذا القدر ممر الشاة) قالوا: العلة في هذه -والله أعلم- أن لا يشبه عبدة الأ [عد الآيات أثناء الصلاة]قال رحمه الله تعالى: [وعد الآي]، المراد بالعد: الحساب، والآي جمع آية، وهي آيات القرآن.ومراد المصنف أن المصلي إذا أراد أن يعد الآيات في صلاته فلا حرج عليه في ذلك، وقد جاء حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (كان يعقد أصابعه لعد الآي)، ورخص فيه بعض السلف رحمة الله عليهم، وجاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم لذلك. وقال العلماء: إنه اغتفر هذا الفعل لكونه يسيرا، وقد يحتاج الإنسان للعد لطلب فضيلة، كما في قيام الإنسان بمائة آية وقيامه بألف آية في الليل، فبين المصنف رحمه الله بهذه العبارة أن من اشتغل بعد الآي فلا حرج عليه، ولكن الأكمل والأفضل والأعظم أجرا أن يقتصر على التلاوة بالتدبر.وأما عد الآي فإن حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه لم أعثر على من صححه وقال بثبوته، ولذلك يبقى على الأصل، ولأن المصلي إذا عد الآي فإن ذلك يشوش عليه فكره، وكذلك قد يمنعه ويحول بينه وبين تدبر معاني الآيات، ولذلك قالوا: إنه خلاف الأولى على أقل درجاته. [الفتح على الإمام] قال رحمه الله تعالى: [والفتح على إمامه] إذا صليت وراء إمام وارتج على هذا الإمام أو أخطأ فإنه يحق لك أن تفتح عليه، والفتح على الإمام يكون عند حدوث الخطأ، والخطأ يأتي على صور في تلاوة القرآن، فتارة يكون الإمام واقفا عند الآية لا يعرف ما بعدها، وتارة يردد الآية على سبيل اللبس مع آية أخرى، خاصة في المتشابه من الآيات.ففي هاتين الحالتين يفصل في حكمه، فإذا كان الإمام قد ارتج عليه فقرأ الآية ثم وقف ولم يكمل ما بعدها؛ فإنه حينئذ يحتمل أن يكون وقوفه لتدبر أو تفكر أو اتعاظ، ويحتمل أن يكون وقوفه لمكان الخطأ وعدم معرفة ما بعد الآية على سبيل النسيان، فإن غلب على ظنك أنه قد وقف على هذه الآية على سبيل الخطأ جاز لك أن تبادره بالفتح وأن تعاجله به، وأما أن يبادر الإنسان مباشرة بالفتح فلا؛ لأن الأصل سكوت المأموم وعدم كلامه، وإنما أبيح لك أن تتكلم فاتحا على الإمام عند وجود الحاجة، فلما تردد الحال بين كونه محتاجا أو غير محتاج بقي على الأصل. ولذلك قال العلماء: ليس كل سكوت من الإمام في وسط الآيات أو عند ختم الآيات يدل على أنه قد التبس عليه، أو ارتج عليه، ولذلك هذا النوع من الوقوف ينبغي على الإنسان أن لا يتعجل فيه؛ لأنه ربما قرأ الإمام فأدركه خشوع الآية فقطع نصفها، وربما غلبته نفسه بالفكر والتأثر فوقف حتى يسترجع نفسه، وربما لم يستطع إكمال الآية لضيق نفسه، ونحو ذلك. قالوا: ففي مثل هذه الصور لا يعاجل الإنسان بالفتح، وهذا إذا وقف الإمام على رأس الآية، أو وقف أثناء الآية، إلا أنهم قالوا: إن وقوف الإمام أثناء الآية أبلغ في الدلالة على كونه ناسيا منه إذا وقف عند آخر الآية.أما وقوفه عند آخر الآية فلا شك أن مبادرتك بالفتح خلاف الأولى، وذلك أنه من المعهود في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءته سكت، ثم كبر للركوع، فلربما سكت الإمام من أجل الركوع، فلذلك كان وقوفه على رأس الآي وتأخره في قراءة ما بعدها لا يدل على كونه ناسيا. ومن هنا قالوا: من فقه الإمام إذا كان وقوفه على سبيل النسيان أن يكرر الآية التي وقف عليها، فإن تكراره يشعر من وراءه بالخطأ، فهذا إذا وقف على رأس الآيات. أما الحالة الثانية: وهي أن يرتج على الإمام، والمراد به: أن تجده يكرر الآية على وجهين وهذان الوجهان لا أصل لهما، بمعنى أن أحدهما الصحيح والآخر خطأ، أما لو كررهما على وجهين يحتملان الصواب -كما هو الحال في القراءات المختلفة- فهذا ليس محل كلام العلماء رحمة الله عليهم. فقولهم: (إذا ارتج) مأخوذ من رج الشيء إذا خض، والمراد بذلك أن الإمام يتردد في الآية.أما إذا أخطأ فقرأ الآية على غير ما أنزلت عليه، فحينئذ بمجرد خطئه تبادره بالفتح، ويختلف هذا الوجه عن الوجه الذي قبله بكون الوجه الذي قبله يتحرى فيه المأموم، وهذا الوجه يبادر فيه بالفتح. وقوله: [على إمامه] تقييد فيه نوع من التخصيص؛ لأن الإضافة تقتضي التخصيص، فدل على أنه يشرع له أن يفتح على إمامه دون إمام آخر، ودون قارئ آخر. ولذلك صور: الصورة الأولى: لو أن إمامين صليا بجوار بعضهما، فأخطأ أحد الإمامين وكنت وراء المصيب وسمعت بخطأ الثاني الذي لا تأتم به، قالوا: لا يفتح عليه؛ لأنه ينشغل عن صلاته خاصة مع وجود من يفتح عليه. الصورة الثانية: أن يقرأ بجوارك إنسان كتاب الله عز وجل فيخطئ، فهنا قال بعض العلماء: يجوز لك أن تفتح عليه، بخلاف الإمام. ومن العلماء من قال: إنه لا يفتح عليه كالإمام الذي لا تأتم به، ومن رخص في الفتح عليه قال: إن هذا -أي الفتح- إنما شرع لإصلاح الخطأ في كتاب الله عز وجل، ولعظيم حرمة كلام الله عز وجل، فيشرع للإنسان أن يبين خطأه، ويغتفر هذا الكلام ويقصد به الذكر، فخففوا في هذا، كأن يقرأ بجوارك قارئ فيخطئ، فلك أن تقرأ الآية التي يقرأها، وهذا على سبيل التعبد لا على سبيل الرد.وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة -أعني إذا أخطأ الإمام- فهل من حقك أن ترد عليه أو ليس من حقك ذلك؟ وذلك على وجهين مشهورين عند العلماء رحمة الله عليهم، فذهب جمهور العلماء إلى مشروعية الفتح على الإمام، وأن الإمام إذا أخطأ في قراءته كان من حقك أن تفتح عليه بالصواب، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه إلى عدم جواز الفتح على الإمام وقال: إنه يلزم المأموم أن يسكت، وأما الإمام فإنه يتذكر، فإن تذكر فبها ونعمت، وإلا ركع وانتقل إلى موضع آخر من كتاب الله عز وجل.والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لما ثبت في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة يقرأ فيها، فالتبس عليه، فلما انصرف قال لأبي بن كعب: أصليت معنا؟ قال: نعم قال: فما منعك أن تفتح علي). قالوا: فهذا يدل دلالة واضحة على مشروعية فتح المأموم على إمامه، وأنه لا حرج على المأموم إذا تكلم بما يعين إمامه على صواب قراءته، وهذا المذهب لا شك أنه أقرب المذاهب إلى السنة.وأما ما يفتح فيه من الأخطاء فالصواب أنه يفتح في جميع الأخطاء، سواء أأخطأ بإسقاط آية أم جملة أم كلمة أم حرف أم غير الشكل، وسواء أكان تغيير الشكل محيلا للمعنى أم غير محيل للمعنى؛ لأن المقصود إصلاح قراءته لكتاب الله عز وجل.وعلى هذا فيشرع الفتح على الأئمة في هذه الأحوال كلها، والإنسان مثاب على هذا الفتح ومأجور عليه. [لبس الثوب أثناء الصلاة] قال رحمه الله تعالى: [ولبس الثوب]. أي: وله لبس الثوب في الصلاة.وهذا مبني على حديث مسلم، فقد جاء عن وائل بن حجر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر للصلاة والتحف بإزاره). قال بعض العلماء: هذا يدل على مشروعية لبس الإنسان لثوبه أثناء الصلاة، ولكن قالوا: بشرط أن لا يكون بالحركة الكثيرة، فإن التحاف النبي صلى الله عليه وسلم بالإزار إنما كان على وجه ليس فيه كثير عبث وكثير حركة، بخلاف الدخول في الثوب الآن، فإنه يحتاج إلى كثير حركة وكثير فعل، ولذلك يفرق بين اللبس الذي فيه كثير الحركة، وما فيه يسير الحركة.وبناء على ذلك فله أن يصلح ثوبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أصلح إزاره، وصورة ذلك أن تكون العمامة على رأسه فيلفها، أو يرفع الغطاء -أعني غطاء القلنسوة- عن جبهته لكي يسجد عليها، ونحو ذلك، فهذا لا حرج فيه، أما ما كان من اللباس يحتاج إلى كثير عمل فإنه لا يفعله في صلاته. [لف العمامة] قال رحمه الله تعالى: [ولف العمامة]. أي: إدارتها؛ لأنها إذا سقطت أزعجته، ولذلك قالوا: لا حرج عليه في لفها؛ لأنه ربما انحلت العمامة فسقط كورها، خاصة عند السجود؛ فإذا ارتفع من سجوده وأراد أن يعيد كورها فإنه لا حرج عليه في ذلك إلحاقا بالتحاف النبي صلى الله عليه وسلم بالإزار. ومن أهل العلم من قال: فرق بين الإزار والعمامة ونحوها؛ لأن الإزار يتوقف عليه ستر العورة الذي من شروط صحة الصلاة، فكان أمره أشد من العمامة التي لا يشترط فيها ما يشترط في الإزار، فلذلك فرقوا بين العمامة والإزار.ولكن هذا التفريق محل نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كبر وقد ائتزر، وإنما مراد وائل شد الإزار، وشد الإزار لا شك أنه مرحلة فوق تغطية العورة، فخرج عن كونه مؤديا لشرط الصحة إلى ما هو فضل أو معين على الفضل. [قتل الحية والعقرب والقمل في الصلاة] قال رحمه الله تعالى: [وقتل حية وعقرب وقمل]. أي: وللمصلي أن يقتل الحية العقرب، وأن يقتل القمل.أما قتله للحية والعقرب فقد جاء فيه حديث السنن من أمره عليه الصلاة والسلام بقتل الأسودين في الصلاة، أي: العقرب والحية.وهذا يدل على سماحة الشريعة ويسرها، ووجه ذلك أن المصلي لو اشتغل بصلاته وجاءته العقرب فلدغته فإن ذلك مظنة أن يموت، وكذلك إذا لدغ من الحية، ولذلك يعتبر هذا -أعني جواز القتل أثناء الصلاة- من باب ارتكاب أخف الضررين، ويعتبره العلماء من باب تعارض المفسدتين، فعندنا مفسدة الفعل وهو القتل الذي يخرج المصلي عن كونه مصليا، ومفسدة فوات النفس وحصول الضرر بلدغة الحية والعقرب. فلذلك قالوا: كون الشريعة تأذن بقتل الحية وبقتل العقرب يدل على تقديم المفسدة العليا على المفسدة الدنيا، وهذا أصل في الشريعة، ومنه القاعدة المشهورة: (إذا تعارضت مفسدتان أكبرهما)، وبعضهم يقول: (روعي ارتكاب أخفهما بدفع أعظمهما) أي: لدفع الأكبر، ومن ذلك كسر السفينة، كما في قصة موسى مع الخضر، حيث علل الخضر عليه السلام كسرها بقوله فيما حكى الله تعالى عنه:: {فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} [الكهف:79]، فكسرها أفضل من أخذها بالغصب كلها، ولذلك قالوا: كسر السفينة مفسدة أهون من فوات السفينة بكاملها.وعليه فرع العلماء جواز أن يذهب ثلث الوقف لاستصلاح ثلثيه، ونحو ذلك من المسائل، فكون الشريعة تأذن بقتل الحية والعقرب في الصلاة من باب ارتكاب أخف الضررين؛ فإن الاشتغال بالقتل أولى من كون الإنسان يلدغ، قالوا: لأنه إذا لدغ شوشت عليه صلاته، ولم يستطع أن يصلي وربما مات، فلذلك قالوا: تقدم المفسدة العليا أعني فوات النفس. ومما تفرع على هذا الأصل من المسائل: أنك لو خفت من شيء يفضي بك إلى فوات نفسك فإنه يجوز لك في الصلاة أن تدفعه، فلو جاء الإنسان أسد وهو في صلاته شرع له أن يفر، أو يتخذ السلاح، أو يضربه بالسلاح درءا لمفسدة فوات النفس، وكذلك الحال بالنسبة لغيره، فلو رأيت أعمى يكاد يقع في حفرة جاز لك أن تقطع الصلاة لإنقاذه إن توقف إنقاذه على قطع الصلاة، وجاز لك أن تتكلم، وأن تصوت بصوت تمنعه من الوقوع إن كان ذلك يمكن، فقالوا: هذا من باب حفظ الأنفس، ولا شك أنه مطلوب شرعا، بل هو أحد الضروريات الخمس التي راعتها الشرائع كلها. ومن ذلك أيضا: المرأة إذا كان معها صبيها الصغير فرأته قد اقترب من نار، أو خشيت عليه السقوط على وجه يوجب تلف نفسه، أو ذهاب عضو من أعضائه، أو حصول الضرر عليه، قالوا يجوز لها أن تتحرك وتنقذه، فإن توقفت نجاته على الخروج من الصلاة شرع لها الخروج من الصلاة.فكل هذه الأمثلة مخرجة على ما ذكرناه.أما الأدلة التي دلت على مشروعية تحصيل حفظ الأنفس بفوات الصلاة، فمنها حديث السنن الذي ذكرناه في قتل الحية والعقرب. ومنها: ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (جاءه الشيطان في الصلاة فتكعكع، فتكعكع الصف الأول، ثم لما سلم عليه الصلاة والسلام سأله أصحابه، فقالوا: رأيناك تكعكعت فتكعكعنا - أي: رأيناك تأخرت فتأخرنا- فذكر أن الشيطان قد جاءه بشهاب فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أعوذ بالله منك)، وفي رواية: (أعوذ بالله منك ألعنك بلعنة الله).إلى أخر الحديث. وقالوا: إن كونه يأتيه بشهاب من نار ثم يدفعه النبي صلى الله عليه وسلم يدل على دفع المفاسد التي هي دون القتل؛ فإن شهاب النار محرق ولكنه لا يصل إلى درجة فوات النفس فجعلوا حديث الحية والعقرب فيما فيه فوات النفس، وجعلوا حديث النار فيما فيه الضرر البالغ على الإنسان. ومن الأدلة أيضا: مشروعية الصلاة حال القتال والمسايفة فإن الله أذن للعبد أن يصلي ويقاتل، وذلك حفظا لنفسه، فدل على أنه يجوز للإنسان أن يتحرك تحصيلا لهذا الأصل الذي ذكرناه.وما الحية والعقرب فبعض العلماء يفرق بين الحية والعقرب، قالوا: إن شأن الحية أخف من شأن العقرب، والسبب في ذلك أن الحيات لا يعترضن غالبا إلا من اعترضهن، وربما مرت الحية على ساق الإنسان ولا تؤذيه، وربما مرت أمامه ولا تتعرض له، وإنما تتعرض لمن يتعرض لها. فقالوا في هذه الحالة: هي أخف من العقرب، بخلاف العقرب فإن ضررها أبلغ وقصدها للأذية أبلغ، ففي حالة كونه يتضرر من الحية قالوا: يتريث ولا يعجل إذا غلب على ظنه أنه قد يأمن الشر، وإنما يجوز لك أن تقطع الصلاة، أو تقاتلها أثناء الصلاة إذا كان الفعل يسيرا، وغلب على ظنك كونها ضارة لك وقال بعض العلماء: لا يفصل بهذا التفصيل؛ لأن الحية مأمور بقتلها. قال رحمه الله تعالى: [فإن أطال الفعل عرفا من غير ضرورة وبلا تفريق بطلت ولو سهوا] بعد أن بين لنا رحمه الله أنه يشرع للمصلي أن يفعل هذه الأفعال من قتل الحية وقتل العقرب بين لنا أنه إن طال فعله -أي للقتل ورد المار- بحيث يؤثر في صلاته استأنف الصلاة، وإلا بنى. وهذه المسألة للعلماء فيها وجهان: فجمهور العلماء على الجواز، ومنهم الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع، ووافقهم أهل الحديث وأهل الظاهر.وذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم مشروعية هذه الأفعال، فقال: إن الحركة في الصلاة نسخت، وذلك بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث مسلم: (اسكنوا في الصلاة).والصحيح أنه باق، وأنه لا حرج على الإنسان أن يفعل هذه الأفعال عند وجود أسبابها وموجباتها. فإذا قلنا على مذهب الجمهور: إنه يشرع لك أن تقتل الحية وأنت في الصلاة، سواء أكانت فريضة أم نافلة، وأنه يشرع للإنسان أن يتسبب في نجاة غيره إذا كان في الصلاة، فحينئذ لا يخلو فعلك من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون فعلا يسيرا. والحالة الثانية: أن يكون فعلا كثيرا.فإن كان فعلا يسيرا فإنه مغتفر عند الجمهور، ومثال ذلك أن يكون بجوار الإنسان عصا فأخذها ورفعها مباشرة وضرب بها الحية ثم رماها وألقاها، فهذا فعل يسير، أو كان بجواره رمح فأخذه وطعن به الحية فقتلها، فهذا أيضا يسير مغتفر.وإن كان فعلا كثيرا، فهذا يوجب استئناف الصلاة، بمعنى أنه قد خرج عن كونه مصليا وتستثنى حالة المسايفة وهي القتال، فإن الكثير فيها والقليل على حد سواء، فلو أن العدو نزل بالمسلمين في وقت الصلاة، فقاتلوه بحيث لم يبق إلا قدر أدائها، قالوا: يقاتل على حالته، ولو كان في حال ضربه بالسيف، فإنه يقاتل ويصلي ولو ترك ركوعه وسجوده لقوله تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة:239].وإذا ثبت أنه يشرع لك أن تفعل هذه الأفعال، وقلنا: إن الكثير مؤثر، فللعلماء وجهان في هذه ضابط هذا الكثير المؤثر: فقال بعض العلماء: الكثير عندي يرجع إلى العرف ومراده بالعرف أنه لو نظر إليه شخص وهو في حال أفعاله وحكم بكونه غير مصل بطلت صلاته، وأما لو نظر إليه ورأى أن فعله يسيرا، ولا يخرج في العرف عن كونه مصليا، فصلاته صحيحة، ويبني على ما مضى. وقال بعضهم: الضابط ثلاث حركات، وبشرط أن تكون متتابعات، فإن فرق بينها لم يؤثر، فإذا تتابعت ثلاث حركات فأكثر حكم ببطلان صلاته، ويستأنف الصلاة. وقوله: [فإن أطال الفعل عرفا] دل على أن المصنف رحمه الله يميل إلى التقييد بالعرف، كما هو مذهب الشافعية ووافقهم جماعة على ذلك.وذهب الحنفية إلى الضابط بالعدد وهو عندهم ثلاث حركات متتابعات.والقول بالعرف من القوة بمكان، ولكن تعتبر الثلاث الحركات في بعض الصور.
__________________
|
#92
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (89) صـــــ(9) إلى صــ(15) [قراءة أواخر السور وأوساطها] قال رحمه الله تعالى: [ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها]. أي: يباح لك إذا صليت أن تقرأ أواخر السور وأواسطها، ولا حرج عليك في ذلك؛ لأن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} [البقرة:136]، إلى آخر الآية، وفي الركعة الثانية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64]، إلى قوله {اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران:64]). قالوا: فهذا يدل على جواز قراءة جزء السورة في ركعة وجزء السورة الثانية في ركعة ثانية، وهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. لكن قالوا: الأفضل والأكمل أن يقرأ السورة كاملة، وذلك أفضل لكونه هدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب، ولاشتمالها على الموعظة، فإن إتمام السور أبلغ من اقتطاع أجزاء منها لكن قالوا: ربما احتاج الإنسان أن يذكر الناس بآيات، أو كانت قراءته تخشع في مواضع دون مواضع فحينئذ لا حرج عليه أن يتخير من كتاب الله عز وجل، ويقرأ بعض الآيات في ركعة ثم غيرها في ركعة أخرى، سواء من أواخر السور، كأواخر سورة البقرة أو أواخر سورة آل عمران، أم من أواسطها، كما جاء في حديث ابن عباس في صلاته عليه الصلاة والسلام في الرغيبة، فكل ذلك جائز وسائغ. أما الدليل على جواز ذلك فعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)، فكونه يقرأ من وسط السورة أو آخرها هو الذي تيسر له، ولذلك لا حرج عليه في فعله هذا الوجه، لكن الأفضل والأكمل إتمام السور لما ذكرناه، ولأنه الهدي الغالب من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. [تسبيح الرجل وتصفيق المرأة في الصلاة للحاجة] قال رحمه الله تعالى: [وإذا نابه شيء سبح رجل، وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى].قوله: [سبح] اختصار لـ (سبحان الله) فقوله: [سبح رجل] أي: قال: سبحان الله.ويرفع بها صوته إذا نابه شيء، كأن يقرع عليه ضيف الباب، أو يتحرك عنده الطفل حركة غريبة ويخشى عليه فيقول له: سبحان الله.حتى يتنبه.أو كان هناك أمر يحتاج إلى التنبيه عليه لجالس بجواره، فإنه يقول: سبحان الله. والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، فدل هذا على مشروعية أن يسبح الرجال.ومن ذلك أن ينوب الإنسان أمر داخل الصلاة، فإنه من باب أولى وأحرى، كأن يسهو الإمام، فإذا سها الإمام في الأفعال تسبح له، فلو أن إماما كبر للجلوس بين السجدتين فإذا به يحاول القيام، أو قام ووقف فإنك تسبح؛ لأن الجلوس بين السجدتين لا بد من الرجوع إليه، فهو ركن من أركان الصلاة، وهكذا إذا فعل فعلا يحتاج إلى تنبيهه عليه، ولا حرج عليك في ذلك لعموم قوله عليه والصلاة والسلام: (إنما التسبيح للرجال).وأما التصفيق فقد ثبت في جزء الحديث الثاني، وهو يختص بالنساء، والحديث في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، وفيه دليل على أن النساء إذا علمن بخطأ الإمام وسهوه وغفل الرجال عن التنبيه، أو صلت المرأة مع زوجها وسها فإنها حينئذ تصفق له، والتصفيق ينقسم إلى قسمين في الأصل: تصفيق مشروع في الصلاة، وتصفيق غير مشروع وهو تصفيق أهل اللهو والمجون.ويكون التصفيق ببطن الكف إلى بطن الكف، وهو التصفيق المعروف والمعهود، سواء أوقع بالمقابلة الكاملة أم كان بجزئه، كأن يجعل أصابعه على بطن راحته فإنه يعتبر من التصفيق. أما التصفيق المشروع الذي يكون في الصلاة فقيل: هو أن تضرب بظاهر الكفين على بعضهما. وقال بعض العلماء: التصفيق المشروع في الصلاة أن تضرب ببطن إحدى اليدين على ظهر الأخرى. وقيل: أن تقلب فتجعل الظاهر على باطن الأخرى.وسواء أفعلت هذا أم هذا فكل ذلك جائز ومشروع، وفي هذا الحديث حجة لما ذهب إليه جمهور العلماء من أن صوت المرأة عورة، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صرفها من اللفظ إلى التصفيق، مع أن المرأة قد تصلي مع محارمها ولم يرد استثناء. ولذلك قالوا: عدل عن التسبيح إلى التصفيق بالنسبة للنساء لمكان الافتتان بأصواتهن، والفرق بين قولنا: إن صوت المرأة عورة، وقولنا: ليس بعورة يظهر في مسألة محادثتها للرجال من دون حاجة، فإن القول بأنه ليس بعورة معناه أنه لا حرج أن يسمع الرجل صوت المرأة إذا أمن الفتنة.والأصل أن الغالب كالمحقق، ولذلك قالوا: الأصل فيه أنه عورة، ولا يرخص إلا لحاجة كسؤال واستفتاء ونحو ذلك. [البصق في الصلاة] قال رحمه الله تعالى: [ويبصق في الصلاة عن يساره وفي المسجد في ثوبه].البصاق والبساق والبزاق ثلاث لغات، بالصاد والسين والزاي. وقوله: [ويبصق في الصلاة عن يساره] لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يبصق قبل وجهه، ونهاه أن يبصق عن يمينه، وقال: (عن يساره تحت قدمه)، فإذا كان في برية فإنه يشرع له أن يتفل عن يساره ويبصق عن يساره تحت قدمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.أما إذا كان في المساجد وكانت مفروشة فإنه لا يجوز له أن يبصق لا عن يمينه ولا عن يساره ولا قبل وجهه ولا وراء ظهره، فلا يجوز له بحال أن يبصق داخل المسجد، وفي القبلة أشد، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك وقال: (البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)، وهذا حينما كانت المساجد من التراب، وكان عليه الصلاة والسلام يدفنها، وثبت عنه في الحديث الصحيح أنه لما رأى نخامة في قبلة المسجد حكها، ثم طيب مكانها صلوات الله وسلامه عليه.فهذا يدل على تعظيم أمر المساجد، وأنه لا يجوز البصاق فيها، وقد ثبت في حديث مسلم أنها من خطايا أمته التي عرضت عليه صلى الله عليه وسلم. وقال بعض العلماء: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق في المسجد لمكان الأذية والضرر فإن هذا يدل على أن كل شيء فيه أذية للمصلين وفيه إضرار بهم لا ينبغي للمسلم أن يفعله في المسجد، فالأصل أن ترفع المساجد وأن تكرم لظاهر آية النور في قوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} [النور:36].والمراد بها المساجد. قال بعض المفسرين: معنى قوله تعالى: (أن ترفع): أي: تصان عما لا يليق بها حسا ومعنى، فما لا يليق بها حسا مثل البصاق ونحوه كالقاذورات، وما لا يليق بها معنى كلغط أهل الدنيا ونحوه؛ فإنها لم تبن لهذا، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: (من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا). فقال العلماء: في هذا دليل على أنه ينبغي صيانة المساجد، ولذلك قالوا من دخل بنعليه على مسجد مفروش فإنه لا يخلو من الإثم؛ لأنه إنما شرعت الصلاة في النعلين في ما هو غير مفروش، أما إذا كان مفروشا فإنها قد خرجت عن صورة السنة، ولا بد في صورة السنة من التأسي والاقتداء، فكونه يصلي على فراش على خلاف ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الفراش غير موجود على عهده صلوات الله وسلامه عليه، ولم يصل على فراش البتة، بل قام على حصير -كما في حديث أنس في الصحيحين- فلم يقم بنعليه صلوات الله وسلامه عليه.فهذا يدل على أن المعنى هو عدم أذية المصلين، وعدم التسبب في الإضرار بهم، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام -وهو أصل في الشرع- أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار)، وخرج العلماء عليه القاعدة المشهورة التي هي إحدى قواعد الفقه الخمس (الضرر يزال)، فلذلك لا يشرع للمصلي أن يتفل قبل وجهه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟!) أي: هل يرضى أحد أن يستقبل من قبل وجهه بالنخامة؟! فالله أجل، ولله المثل الأعلى.فإن كان في المسجد فإنه يبصق في ثوبه كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، ثم يدلك الثوب، أو كما هو موجود الآن من المناديل التي يضعها المصلي في جيبه، فله الحق أن يخرجها من الجيب ويبصق فيها ولا حرج عليه في ذلك، لكن السنة والأولى له إذا بصق في المنديل أن يجعله في شقه الأيسر وأن لا يجعله في شقه الأيمن؛ لأن المعنى موجود.ولا ينبغي أن نجعل الأواني التي تحفظ هذه الفضلة من هذه المناديل في قبلة المصلين، وهذا خطأ يشيع عند بعض الناس، فإنهم يجعلون هذه الأواني التي تحفظ بقايا النخامات قبل المصلين أمام وجوههم، ولذلك لا يشرع مثل هذا، وإنما تصرف إلى مياسر الصفوف ونحو ذلك. الأسئلة [حكم الرد على الإمام إذا أخطأ في التجويد] qهل يجوز لنا أن نرد على الإمام إذا أخطأ في حكم من أحكام التجويد؟ a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: تجويد القرآن وترتيله أمر لازم، وذلك لقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل:4]، وهو مشروع؛ فإن القرآن إنما نزل على صورة معينة، وهذه الصورة تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبريل، وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناقلتها الأمة جيلا بعد جيل، ورعيلا بعد رعيل على صورة مخصوصة وهيئة مخصوصة عرفت بمصطلح اصطلحوا على تسميته بالتجويد.وهذا المصطلح يكاد يكون إجماع السلف رحمة الله عليهم ومن بعدهم على كونه مشروعا في الأصل، فلم يوجد في العصور المتقدمة بل إلى عهد قريب من يقول: إن التجويد بدعة.وذلك لأن القرآن واضح في الأمر بترتيل القرآن.والمراد بترتيل القرآن إعطاء الحروف حقها ومستحقها، ولذلك قال الله عز وجل: {بلسان عربي مبين} [الشعراء:195]، فلم يقتصر على وصفه بكونه لسانا عربيا حتى أضاف إليه كونه مبينا، قيل: مبينا من جهة كونه يبين الحق، وقيل: مبينا من جهة اللفظ.ولا مانع من الجمع بين المعنيين كما هو مقرر في أصول التفسير أن اللفظ إذا احتمل المعنيين وكان يمكن أن يطلق عليهما معا فإن الأصل حمله على ذلك العموم المقتضي لهما معا.وقد اختص أهل القرآن بتجويده وضبطه وإتقانه وتحريره، وكان لهم شرف هذا الضبط وهذا التحرير، وعقدت لهم مجالسهم في بيوت الله عز وجل وفي أماكن حلق الذكر والعلم، ولم ينكر أحد هذا العلم، بل قالوا في حكمتهم المشهورة: القراءة سنة متبعة لا تؤخذ إلا من أفواه الرجال فكانوا يأخذون القرآن بالتلقي.وأخذ المصاحف والقراءة بها فيها بالطريقة الموجودة اليوم ما عرف إلا في هذه الأزمنة الأخيرة، وإنما كان في القديم لا يقرأ الإنسان إلا عن طريق الشيخ صيانة لكتاب الله عز وجل وحفظا له من الخطأ والزلل.ومن قال: إن التجويد بدعة فإن قوله محل إشكال عظيم؛ إذ لو قلنا: إن الإنسان يقرأ القرآن على ظاهره فكيف يقرأ قوله تعالى: (كهيعص)؟ فمن أين جاءتنا معرفة المدود لنقرأ: (كاف، ها، يا، عين، صاد)؟ ومن أين جاءتنا تلاوة هذه الحروف على هذا الوجه المعين؟ فما جاءنا إلا عن طريق الرواية، فكما أنه ألزم بهذه الرواية على هذا الوجه فكذلك الشأن في كتاب الله عز وجل في حروفه، ولذلك تجد التنوين والغنة والإخفاء وغيرها من الأحكام تترتب عليها مسائل دقيقة في صفة الحروف.وقد أثر عن علي رضي الله عنه أنه لما فسر الترتيل فسره بإعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها، ولذلك قرر العلماء رحمهم الله لزوم التجويد، ومرادهم بذلك التجويد الذي تنضبط به الحروف، وتنضبط به مخارج الحروف، أما الزائد على ذلك من التحبير والتحسين والإتقان الذي هو مرتبة الكمال فهو مرتبة فضل، وليس بمرتبة وجوب، ولذلك لا حرج في كون الإنسان يجهله، لكن إذا جاء إلى القدر اللازم مثل إخفاء الحرف، ومثل كون الحرف منونا، والذي تبين به صفة الحروف، فهذا سنة متبعة، وينبغي التأسي فيها والاقتداء بسلف هذه الأمة ومن بعدهم، ولا شك أن هذا الأمر مما يكاد يكون مجمعا عليه بين أهل العلم رحمة الله عليهم.وعليه فإذا أخطأ الإمام في أحكام التجويد بما يخل، فلا شك أنه يشرع الفتح عليه ويلزم؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما لو أخطأ في الآية كلها، ولذلك يشرع في مثل هذه الصورة أن يفتح عليه، أما إذا كان في الكمال فإنه يغتفر، وخاصة إذا كان من الأميين الذين يطول ردهم، والله تعالى أعلم. حكم الفتح على الإمام بصوت عال q يلاحظ على بعض المأمومين في قضية الفتح على الإمام أنه إذا كان في مؤخرة المسجد يفتح على الإمام بصوت عال يسمع في أرجاء المسجد، فهل هذا الفتح يعتبر من العبث الذي يؤثر في صحة الصلاة؟ a هذه المسألة مهمة جدا، خاصة في صلاة التراويح، فتجد الناس يمسكون المصاحف، وقد يكون أحدهم خارج المسجد، فإذا أخطأ الإمام رفع صوته ورد على الإمام، وهذا يعتبر من الأمور التي ينهى عنها؛ لأنه لا حاجة إلى كلامه، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها. ولذلك قال العلماء: إذا كان وراء الإمام من يتولى الرد عليه فإنه يترك الأمر له؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى أن يتكلم. وقالوا: إنه لو أخطأ الإمام وأنت خارج المسجد، بحيث لا يمكن أن يبلغ الصواب الإمام فإنه حينئذ يشرع ترك الفتح؛ لأنه يعتبر من العبث؛ إذ ليس فيه إلا التشويش على المأمومين، لكن لو كنت في طرف الصف أو بعيدا، ويغلب على ظنك أنك لو فتحت ربما نقل غيرك فتحك للذي أمامه، والذي أمامه لمن أمامه حتى يصل إلى الإمام، فحينئذ لا حرج أن تفتح عليه لكي يبلغ بصوتك، بل وترفع صوتك ولا حرج عليك في هذا.أما لو وجد وراء الإمام من يفتح عليه وينبهه على الخطأ فحينئذ يلتزم الإنسان الصمت كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المأموم وراء الإمام، فينصت ويسكت؛ لأنه هو الأصل في المصلي، والله تعالى أعلم. [قتل القمل أثناء الصلاة] q ما حكم قتل القمل في الصلاة؟ a القمل له حالات: الحالة الأولى: أن يشوش على المصلي، كما لو كان في رأسه وبين شعره وآذاه وأزعجه، فقد شرع له أن يقتله، ويكون ذلك كما هو معلوم بحركة الإصبع. الحالة الثانية: أن يكون بعيدا عن الأذية، كأن يراه على ثوبه، فبعض العلماء يعمم ويقول: يقتل القمل مطلقا، فيدخل في هذه الحالة أن يقتله ولو كان على ثوبه؛ لأن الضرر في مظنة الوقوع فإذا كان في هذه الساعة على الثوب فربما بعد ساعات يكون على الجسد، ومن ثم قالوا: يشرع له أن يقتله بناء على العموم ولا تجد العلماء يفرقون بين كونه مشوشا في الصلاة أو غير مشوش، لكن لو أمكن الإنسان أن يصبر عنه حتى ينتهي من صلاته فهو أولى وأحرى وقتل القمل -كما يقول العلماء- حركته يسيرة وفعله يسير، ولذلك لا يشدد فيه، وليس كقتل غيره، والله تعالى أعلم.
__________________
|
#93
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (90) صـــــ(16) إلى صــ(25) أسئلة [دعاء المصلي أثناء الصلاة إذا مر بآية عذاب أو رحمة] Q إذا قرأ الإمام قول الله عز وجل: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة:40] ونحوه، فهل يشرع أن يقول الإمام والمأموم: (سبحانك.بلى)، أم لا يشرع؟ A نعم.فهذا فيه حديث في السنن عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (سبحانك.بلى) لما قرأ قوله تعالى:: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة:40]، وهذا إنما يكون في النافلة، أما في الفرض فلا.وكان عليه الصلاة والسلام في قيام الليل إذا مر بآية عذاب استعاذ، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، ولذلك ما حفظ عنه عليه الصلاة والسلام إلا في قيام الليل.ولذلك يعتبر هذا الأصل في صلاة النافلة، فلا حرج على المصلي أن يفعل ذلك؛ لأن أمرها أخف من أمر الفريضة، وأما في الفريضة فإنه يسكت لأنه الأصل، حتى يدل الدليل على جواز الكلام والنطق؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة:238]، قال الراوي: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) [حكم تصفيق الرجال والنساء في الحفلات والأعراس] Q ما حكم التصفيق للرجال في الحفلات ونحو ذلك، وما حكم التصفيق للنساء في غير الصلاة، كالأعراس ونحوها؟ A التصفيق من صنيع أهل اللهو؛ ولذلك لا يشرع، ويسقط مروءة طالب العلم والعالم إذا فعلاه، وأما عوام الناس فينبهون على أنه من صنيع أهل اللهو ومن لا يؤبه له، أما طلاب العلم وأهل الفضل ومن هم قدوة فلا يصفقون، وحملوا قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال:35] على هذا الوجه، والله تعالى أعلم. [حكم تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة] Q ما حكم تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة؟ A تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة منهي عنها. فقد قال العلماء: نهي عنها.واختلفوا في العلة، فقال بعضهم: لأنه تشبه باليهود، ولذلك لا يغطي فمه. وقال بعض العلماء: نهي عن تغطية الفم في الصلاة لأنه لا يحسن القراءة وإخراج الحروف، وأيا ما كان فلا مانع من تعليل النهي بالعلتين؛ لأن أصح الأقوال عند الأصوليين أنه يجوز تعليل الحكم بعلتين، وبناء على ذلك نقول: إن تغطية الفم في الصلاة فيها محظور وهو صعوبة خروج الحروف من مخارجها مع ما فيها من التشبه، والله تعالى أعلم. [الواجب على المصاب بسلس البول إذا دخل وقت الصلاة] Q شيخ كبير به سلس البول ولا يتحكم في بوله، فهل يجب عليه غسل ما وصل إليه البول من الثياب دائما وخاصة إذا كان بعيدا عن بيته؟ A من كان بهذه الحالة فإنه إذا دخل عليه وقت الصلاة يغسل الأماكن المتنجسة من ثوبه الذي يلي فرجه وما أصابه البول، فإن شق عليه وعسر فحينئذ يمكنه أن يستبدله بثوب آخر إذا كان يشق عليه غسله، كما هو الحال في أيام البرد، فإنه إذا غسل الثوب لا يستطيع أن يلبسه مباشرة، فإذا وجد مثل هذا فليتخذ له سروالين ونحوهما كما هو الأصل في الواجبات، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد أوجب الله عليه الطهارة للصلاة، وكونه يصلي على هذه الحالة مع القدرة على التخلي عن هذه النجاسة لا يباح له ولا يرخص له.وأما مسألة تطهره للصلاة فإنه كلما دخل عليه وقت الصلاة يشرع له أن يتوضأ، ولا يضره خروج البول أثناء وقت الصلاة، كالمستحاضة.لكن في مسألة تغيير الثوب وغسل البول، فإذا شق عليه، أو لم يمكنه ذلك، كالمريض الذي يكون طريح الفراش ولا يستطيع أن يجد الماء الذي يغسل به العضو، وحضره وقت الصلاة وخاف خروجه فحينئذ يجوز له أن يصلي ولو كان في ثوبه البول لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم. [الأمر بغض الصوت للمرأة] Q زوجي كثير الخروج بنا إلى منزل أهله، وإذا ذهبنا إلى منزلهم أجلس مع أهله جميعا في مجلس واحد ويكون معهم أخوه البالغ من العمر خمسة عشر عاما، وأكون أثناء الجلسة متحجبة بالحجاب الإسلامي الكامل، إلا أنني أتحدث بصوت مسموع مع والدة زوجي وأخواته، وأحيانا يتعدى الأمر إلى الضحك، وقد حاولت عدم التحدث بصوت مسموع والإقلال من ذلك، لكني لم أستطع، فما الحكم في مثل هذه الحالة؟ A إذا كان الإنسان في مثل هذه الحالة يأمن الفتنة فلا حرج أن يجلس القرابات النسوة مع بعضهن ويتحدثن ويكون صوتهن عاليا، لكن إذا كان بجوارهن رجال وكانوا أجانب فإنه في هذه الحالة ينبغي عليهن الغض من الصوت وعدم إسماع الرجال الأجانب؛ لأن الرجل يفتن بصوت المرأة غالبا، واغتفر العلماء صغار السن ومن هو قريب البلوغ إذا أمن منه أن يفتتن، والله تعالى أعلم. [حكم قصر الصلاة لمن كان عمله خارج مدينته] Q رجل يسكن في مكة وعمله خارجها، فهل يقصر الصلاة إذا خرج من مكة إلى مكان عمله، أو لا؟ A إذا خرج من مكة إلى مكان العمل ولم يكن له مستقر في مكان العمل، كبيت يسكنه ومزرعة يقوم عليها، أو ملك له فيها فإنه في هذه الحالة يقصر بشرط أن لا يقيم أو ينوي الإقامة أربعة أيام فأكثر، فإن نوى الإقامة أربعة أيام فإنه ينتقل إلى حكم المقيم، ويلزمه إتمام الصلاة من أول يوم ينزل فيه في ذلك الموضع، والله تعالى أعلم. [حكم قراءة الآية من نصفها في الصلاة] Q ما حكم القراءة في الصلاة من نصف الآية لا من أولها، علما بأن المعنى مكتمل؟ A هذا خلاف السنة، فالسنة أن يبتدئ بأول الآية كما ذكرنا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قراءته عليه الصلاة والسلام في ركعتي الفجر أما لو فعل ذلك فإن صلاته صحيحة، والله تعالى أعلم. [حكم الدعاء في القنوت بغير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم] Q هل يجوز للإنسان الدعاء بالأذكار التي فيها مواضع دعاء كأذكار الصباح والمساء والنوم أثناء القنوت وغيره، أو الاستغفار بسيد الاستغفار؟ a القنوت لا يشرع فيه إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والحاجة الداعية إلى القنوت، فإذا قنت الإنسان فإنه يقتصر على الوارد كقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك)، وقوله: (اللهم لك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد) ونحو ذلك من الأدعية الواردة.ثم يقتصر على أمرين: الدعاء على من فيه ضرر على المسلمين، والدعاء لمستضعفي المسلمين، فإن زاد عن هذين الموضعين -كأن يدعو بأمور خارجة عنهما- فقد حكم العلماء ببطلان صلاته؛ لأنه كلام خارج عن المشروع كما لو تكلم بكلام أجنبي، ولذلك قال الإمام أحمد: إن زاد عن الوارد حرفا واحدا فاقطع صلاتك.تشديدا في هذا الأمر.ومن البدع المحدثة الاستسقاء في القنوت، فهذا بدعة وليس له أصل، وينبغي تنبيه الأئمة على أنه ينبغي عليهم التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتصار على الألفاظ التي وردت، فتدعو على من ظلم، وتدعو للمسلمين بالنصرة والتأييد، والزائد على ذلك يعتبر من البدعة والحدث، والإمام يأثم ويتحمل مسئولية من وراءه، وينبغي على الأئمة إذا أرادوا أن يفعلوا أمرا وله أصل من الشرع أن يسألوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وأن لا يختلقوا من عندهم بالاجتهادات والاستحسانات.ولذلك شدد العلماء رحمهم الله في القنوت، وعباراتهم فيها مشهورة، وينبغي التقيد بما ذكرنا، فإذا دعا بمثل هذا الدعاء فقنوته صحيح ومشروع وأما إذا زاد عليه، وكانت الزيادة بما لم يشرع فحينئذ تنوي المفارقة، أي: تنوي أنك منفرد، ولا حرج إذا خفت الفتنة أن تسجد مع سجوده، ثم إذا رفع ترفع معه، ولا تنو الاقتداء به.وهذا أصل عند العلماء رحمة الله عليهم إذا طرأ في الإمام ما يوجب بطلان إمامته، والله تعالى أعلم. [الواجب على من فاتته تكبيرة من تكبيرات الصلاة على الميت] Q كيف يصنع من فاتته تكبيرة من تكبيرات الصلاة على الميت؟ A إذا فاتت تكبيرة فأكثر من تكبيرات الصلاة على الميت، فإنه في هذه الحالة لا تخلو الجنازة من حالتين: الحالة الأولى: أن تدرك بقدر يقضي فيه الإنسان ما فاته، فحينئذ تكبر التكبيرة وتتم الأذكار الواردة فيها.وأما الحالة الثانية وهي الموجودة الآن: أن ترفع مباشرة، فإذا رفعت مباشرة فإنك تكبر بدون دعاء وذكر، ثم توالي بين التكبيرات، كأن يفوتك تكبيرتان، فتقول: الله أكبر، الله أكبر، السلام عليكم.فهذا هو المشروع والذي عليه العمل عند أهل العلم رحمة الله عليهم، وإنما قالوا بالتفريق بين كون الجنازة حاضرة ومرفوعة لأن حضورها هو الذي شرعت فيه الصلاة، ولذلك لا يصلى عليها قبل حضورها، فالصلاة عليها بعد رفعها كالصلاة عليها قبل حضورها، ولذلك قالوا إنما يشرع القضاء وذكر الأذكار بين التكبيرات إذا كانت الجنازة ثم.والله تعالى أعلم. [قول الإمام للمؤذن أقم الصلاة] Q هل من السنة قول الإمام للمؤذن أقم الصلاة؟ وهل للإمام أن يطيل في الركوع في الفريضة لكي يتسنى للداخل إدراك الركعة؟ A لا يقول الإمام للمؤذن أقم، ولا يتنحنح، ولا يفعل شيئا.فإذا كان الإمام يأتي من قبل المسجد والمؤذن يراه، فحينئذ يسكت الإمام ولا يقل: أقم، لكن لو كان المؤذن يأتيه الإمام من ورائه، أو يأتيه من مكان يريد أن ينبهه وينبه من أمامه حتى يمكنه أن يدخل إلى الصف الأول فلا حرج أن يقول: أقم.خاصة إذا كان الإمام لم يصل تحية المسجد، ولذلك يشدد في كلامه وذكره، فالأولى والأفضل أن يكون دخوله على وجه يتنبه به المؤذن لإقامة الصلاة.والله تعالى أعلم.
__________________
|
#94
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (سنن الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (91) صـــــ(1) إلى صــ(11) شرح زاد المستقنع - سنن الصلاة كما أن للصلاة أركانا وواجبات وشروطا، فلها أيضا سنن ينبغي المحافظة عليها، ومنها: السترة، والاستعاذة عند آية وعيد، والسؤال عند آية رحمة، ونحوها. سنن الصلاة [السترة] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وتسن صلاته إلى سترة قائمة كمؤخرة الرجل] ذكر المصنف رحمه الله تعالى جملة من الأحكام والمسائل التي كانت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، وشرع بعد بيان صفة الصلاة في بيان الأمور التي يسن للإنسان أن يحصلها في صلاته، ومنها السترة. فيقول رحمه الله: [وتسن]، وهذا التعبير يدل على أن جعلك للسترة إنما هو على سبيل الندب والاستحباب، بمعنى أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى صلى إلى سترة. والسترة أصلها: ما يستتر به الإنسان، ويشمل ذلك ما يستر عورته، أو يستره إذا كان في مكان، ولكن المراد بها هنا سترة مخصوصة حكم الشرع باعتبارها، فأنت إذا صليت تحتاج إلى حد معين تمنع فيه الناس أن يمروا بينك وبينه، وهذا الحد وضعه الشرع على سبيل العبادة؛ لأن المكلف إذا خلي من مرور الناس بين يديه كان ذلك أدعى لخشوعه، وأدعى لحضور قلبه، ثم إن هذه الصلاة تكون لها حرمة، فيمتنع المار أن يمر بين يدي المصلي، وذلك إنما يكون بوضع حد معين، وهو الذي وصف في الشرع بكونه سترة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن السترة: (مثل مؤخرة الرحل، فلا يضره من مر وراء ذلك)، أي: مثل مؤخرة الرحل سترة للمصلي، ثم لا يضره من مر وراء هذه السترة.وأمر عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث إذا صلى المصلي أن يجعل السترة تلقاء وجهه، ولذلك ذهب طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم إلى أن جعل السترة أمام المصلي في صلاته أمر واجب، ولا شك أن هذا القول أقرب لظاهر السنة الثابتة في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إننا إذا تأملنا خطر المرور بين يدي المصلي وتشديد الشرع في أمره وترهيب المار من مروره فإنه يتضمن الدلالة على أن السترة واجبة. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو يعلم المار بين يدي المصلي -أي ما في ذلك من الوعيد والعذاب- لكان أن يقف أربعين أهون من أن يمر بين يديه). قال أبو النضر: لا أدري أقال أربعين يوما، أو أربعين سنة، أو أربعين شهرا.فأمر يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول أمر عظيم يدل على عظم خطر المرور بين يدي المصلي، فإذا كان الأمر كذلك فإن من مقصود الشرع صيانة الناس عن هذا الخطر، وحفظهم عن الوقوع في هذا الضرر، وذلك إنما يكون بسبيل الإلزام، فإذا ألزم المصلي بجعل السترة كان ذلك أدعى لحفظ الناس من الوقوع في هذا المحظور.والسترة تكون جدارا، وتكون جمادا، وتكون حيوانا، فلا حرج أن تستتر بظهر إنسان، ولا حرج أن تستتر بحيوان، فلو أنك دخلت المسجد وأردت أن تصلي تحية المسجد ولا تجد شاخصا إلا ظهر إنسان أمامك فإنه لا حرج أن تصلي وراء ظهره، وقد جعلت في نفسك أن هذا الظهر بمثابة السترة لك، ويحق لك إذا وقع موقفك في الصف الذي يلي الصف أن تجعل الصف الأمامي بمثابة السترة.وتكون السترة حيوانا، كأن ينيخ الإنسان بعيره ثم يجعل أحد جنبي البعير سترة له؛ لأنه لا يليق أن يجعل وجهه أمامه، وهكذا بالنسبة للرجل، حتى لا يظن أنه ساجد للبعير أو ساجد للإنسان، فسدا لذريعة السجود لغير الله عز وجل، لا تجعل الحي قبل وجهك، وإنما تأتي من قفاه إذا استحسن أن تكون في القفا، أو تأتي من جنبه، كالحيوان من بهيمة أو إبل أو بقر أو غير ذلك، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينيخ بعيره ويصلي إليه.وكذلك تكون السترة جمادا، وهذا الجماد قد يكون حائلا كالجدار وكالبناء، فهذا لا إشكال في كونه سترة مؤثرة.لكنه يكون في بعض الأحيان شاخصا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى كل منهما، فلما دخل الكعبة اقترب من جدارها وصلى إلى الجدار، وكذلك اعتبر الجماد الشاخص كما في حديث أبي جحيفة وهب ابن عبد الله السوائي رضي الله عنه وأرضاه في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ثم ركزت له عنزة)، وهذا يدل على جواز الصلاة إلى الشاخص، كأن تغرز عودا أو عصا أو رمحا أو نحو ذلك ثم تصلي إليه، أو تضع حجرا، لكنهم قالوا: إذا صليت إلى الحجر فاجعله عدة أحجار حتى لا تشابه عبدة الأوثان، سدا لذريعة المشابهة لعبدة الأوثان؛ لأنه إذا جعل حجرا واحدا فكأنه يشابه أهل الأوثان بعبادتهم للأنصاب ونحوها، فقالوا: تجعل حجرين أو ثلاثة بجوار بعضها حتى تخرج من مشابهتهم. وكذلك قالوا: السنة في الصلاة إلى الحجر أو الشاخص أن تجعل الشاخص إما على حاجبك الأيمن، أو على حاجبك الأيسر، ولكن لا تجعله أمامك مباشرة حتى لا تشابه عبدة الأوثان.وفيه حديث أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى جعل السترة على جانبه الأيمن، أو على جانبه الأيسر، ولم يصمد لها صمدا، أي: ما جعلها أمامه كأنه يسجد لها كحال عبدة الأوثان. قوله: [قائمة كمؤخرة الرحل] الرحل: هو ما يكون على ظهر البعير، ومؤخرته -كما ضبطها بعض العلماء- بقدر ذراع، وهي تحفظ الراكب من ورائه.فإن كانت السترة صغيرة الحجم طلب ما هو أعلى منها، وذلك أن العالي أدعى لانتباه الناس له وتوقيهم المرور بين يدي المصلي.ثم السنة في هذا الشاخص أن تجعل بين سجودك وبين مكانه قدر ممر الشاة، فمكن أن يكون قدر ذراع، وهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان بين منبره والجدار قدر ممر الشاة قال بعض العلماء: الحكمة فيه -والعلم عند الله- أنه يمنع من مشابهة عبدة الأوثان؛ لأنه إذا كان بينك وبين السترة حائلا دل على أنك لا تقصدها. قال رحمه الله تعالى: [فان لم يجد شاخصا فإلى خط].الخط يكون في الأرض التي هي كالبرية، والتي يمكن وضع الخطوط فيها، وللعلماء في مشروعية هذا الخط قولان مشهوران: فقال الجمهور بعدم مشروعيته، وذلك لشدة الضعف في الحديث الذي ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن لم يجد فليخط خطا)، فالضعف في الحديث قوي جدا، وأشار بعض العلماء إلى تحسينه كالحافظ ابن حجر وغيره، ولكن الكلام فيه قوي، لكن قال العلماء رحمة الله عليهم: لو لم يدل عليه الحديث لاقتضاه الأصل؛ لأن المقصود منع الناس، وليس المراد به أن يكون سترة.ثم اختلفوا في صورة هذا الخط، فقال بعضهم: يجعله في أحد جانبيه كالحال في العصا. وقيل: يجعل الخط من أمامه على آخر ما ينتهي إليه سجوده كالحال في الجدار المعترض. وقيل: يجعله كالهلال. أي: كالمحراب الذي يدخل فيه الإنسان، وأصح الأقوال أن الأمر واسع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليخط خطا) -على القول بثبوت الحديث- ولم يبين كيف يكون، فيبقى الأمر على إطلاقه إعمالا للأصل. قال رحمه الله تعالى: [وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط]. أي: تبطل الصلاة إن صليت إلى السترة بمرور كلب أسود بهيم، وهذا فيه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)، فهؤلاء الثلاثة بأمر الشرع يقطعون الصلاة، أي أن الشرع دل على أنهم يقطعون الصلاة على سبيل العبادة، والله تعالى أعلم بعلة ذلك، وإن كانوا قد ذكروا في الكلب وخصوه بالأسود لورود الخبر أنه شيطان.وهذا القول -أعني القول بقطع الصلاة بمرور أحد هؤلاء الثلاثة- هو أصح الأقوال وأعدلها، وهو مذهب الإمام أحمد وطائفة من أهل الحديث، بمعنى أن المكلف يطالب باستئناف الصلاة، ومثال ذلك: لو قمت تصلي تحية المسجد، فجاءت امرأة، أو مر حمار -أكرمكم الله- بينك وبين السترة، فهذا المرور لهذه الدابة يوجب قطع الصلاة، فلو صليت ركعة من تحية المسجد فكأنك لم تصل، فتسأنف الصلاة ولو كنت في التشهد الأخير، فمروره بين يديك في هذه الحالة يوجب انقطاع الصلاة من أصلها فتستأنف الصلاة، وكأنك في غير صلاة، ولو كانت فرضا، أي ولو كنت في فرض فإنك تستأنف الصلاة، وهذا على أصح أقوال العلماء.وخالف الجمهور رحمة الله عليهم من الحنفية والمالكية والشافعية، فقالوا: لا يقطع الصلاة واحد من هؤلاء الثلاثة. قالوا: أما الحمار فلثبوت حديث ابن عباس في الصحيح أنه قال: (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد).ووجه الدلالة أن الأتان مرت بين المصلين فلم يوجب ذلك قطع صلاتهم، فدل على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة. قالوا: وأما المرأة فلما ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح).كانت حجرته عليه الصلاة والسلام صغيرة الحجم إلى درجة أنها لو نامت رضي الله عنها لا يجد مكانا يسجد فيه صلوات الله وسلامه عليه، ولكنها وإن كانت ضيقة فهي واسعة بما فيها من الإيمان والحكمة ونور القرآن، وبما فيها من خير النبي صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الآفاق صلوات الله وسلامه عليه. قالوا: لو كان مرور المرأة يقطع الصلاة لامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على هذه الصورة.وعند التأمل لهذه النصوص التي احتج بها جمهور العلماء رحمة الله عليهم فإننا نرى أن الدليل الذي دل على قطع الصلاة أرجح، وذلك لكونه نصا في موضع النزاغ. ثانيا: أن اعتراض أم المؤمنين عائشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو اعتراض الجزء، والقاعدة في الأصول أن الجزء لا يأخذ حكم الكل، ولذلك لو حلفت وقلت: والله لا أدخل الدار، فأدخلت رجلا ولم تدخل الأخرى لم تحنث؛ لأنه لا يصدق عليك أنك قد دخلت إلا بالجرم كله، و [التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة في الصلاة] قال رحمه الله تعالى: [وله التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة ولو في فرض]. قوله: [وله] أي: للمصلي، فلك إذا صليت نافلة أو فريضة وقرأت آية عذاب أن تسأل الله أن يعيذك منه، أو قرأت آية رحمة أن تسأل الله من فضله.والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام في قيام الليل من حديث حذيفة أنه ما مر بآية فيها ذكر رحمة إلا وقف وسأل الله من فضله، ولا مر بآية فيها ذكر عذاب إلا استعاذ بالله عز وجل. قالوا: فهذا يدل على مشروعية أن يسأل المكلف ربه من فضله إن مر بالرحمة، ويستعيذ به إن مر بالعذاب، ولا فرق عند القائلين بهذا القول بين الفرض والنفل.والصحيح أنه يفرق في السؤال بين الفرض والنفل كما ذهب إليه الجمهور؛ فإنه -كما في الحديث الصحيح- لما نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة:238]، قال الراوي: (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام)، فدل على أن الأصل في المصلي أن يسكت، وقال عليه الصلاة والسلام في الإمام: (إذا قرأ فأنصتوا)، فالأصل عدم الكلام، فلما ثبتت السنة بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، ولم يثبت حديث صحيح واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا في الفرض؛ إذ لا يعقل أنه يصلي بأصحابه صلوات الله وسلامه عليه هذا الردح من الزمان الطويل ولا يثبت عنه في فرض واحد أنه فعل ذلك، فحينئذ نقول: يجوز في النفل ما لا يجوز في الفرض، فيشرع فعل ذلك في النفل دون الفرض، وهذا هو أعدل الأقوال وأقربها إلى السنة، فعلى المصلي إذا كان وراء الإمام أن ينصت ويمتنع عن الحديث، ويختص حكم هذه المسألة بالنفل دون الفرض. ولذلك قال المصنف: [ولو في فرض]، وكلمة (لو): تشير إلى الخلاف، ومعنى ذلك أن هناك من يقول بتخصيصه بالنفل دون الفرض، وهو مذهب الجمهور، وهو أقرب الأقوال وأعدلها، ولذلك ينبغي الاقتصار عليه في النوافل دون غيرها، أعني: الفرائض. الأسئلة [حكم السترة في الحرم المكي] q ما حكم السترة في الحرم المكي؟ a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: السترة في الحرم المكي وغيره حكمها واحد، وذلك لثبوت السنة على سبيل العموم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن الحرم، والقاعدة في الأصول أن العام يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه.ولم يثبت حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في استثناء مكة، فبقيت على الأصل.لكن قالوا: إن اقترب من المطاف وآذاه الطائف وتعذر عليه منعه فإن هذا يوسع فيه، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (يا بني عبد مناف: إن وليتم هذا الأمر فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار) قالوا: فكأنه يمنع.هناك وجه ألطف من هذا الوجه في استثناء الطائف، قالوا: لأن الطائف في صلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة).فمروره أصلا هو من الصلاة، فهذا التوجيه من أدق ما قيل في هذه المسألة، فالطائف عند مروره استثني وأما غيره فيبقى، ولذلك استثناؤه على هذا الوجه لا حرج فيه.والدليل الذي يدل على أن مكة وغيرها على حد سواء حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم -لأنه نزل بالمحصب بجوار الحجون بعد أن أتم ليالي منى فبات بها وتأخر ولم يتعجل عليه الصلاة والسلام- قال: ثم ركزت له عنزة.وركز العنزة إنما يقصد به أن تكون سترة له عليه الصلاة والسلام، فدل على أن مكة وغيرها على حد سواء، خاصة على القول الذي يقول: إن حرم مكة كله آخذ حكم مضاعفة الصلاة، وهو قول من القوة بمكان، ولذلك يقوى أن يكون حرم مكة كله يمتنع فيه المرور بين يدي المصلي، والله تعالى أعلم. [منع الأطفال من المرور بين يدي المصلي] q عند الصلاة إلى سترة هل يمنع الأطفال من المرور بين يدي المصلي وكيف؟ a يمنع الطفل من المرور بين يدي المصلي، وإن كانت الصلاة نافلة وأزعج المرأة طفلها فإن لها أن تنحني وتتناوله وترفعه حتى لا يمر، وهذا من أرفق ما يكون إذا كان مما يصعب رده؛ لأن الانحناء في النافلة أوسع منه في الفرض، وقال بعض العلماء بجوازه في الفرض لحديث أمامة بنت أبي العاص رضي الله عنه، قالوا: إنه حملها النبي صلى الله عليه وسلم.ولكن حديث أمامة فيه إشكال؛ لأن حديث أمامة لم ينتقل فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالانحناء، وإنما كان يرفعها وإذا سجد وضعها ثم حملها عند رفعه، فما كان ينتقل بالانحناء؛ لأنه في الفرض لو انحنى انتقل من ركن القيام إلى ركن الركوع، ولربما اضطر إلى الجلوس، فلما كان النفل يجوز لك أن تجلس فيه مع القدرة على القيام وسع في حملها في النفل دون الفرض، والله تعالى أعلم. [حكم المرور بين يدي المأمومين لغير حاجة.] q إذا مر الرجل بين المأمومين لغير حاجة، فهل ينبغي له هذا، وهل عليه حرج؟ a لا يمر بين يدي المأمومين إلا من حاجة، أما إذا لم توجد الحاجة فلا، وأذكر من أهل العلم رحمة الله عليهم من مشايخنا من يقول: يشرع دفعه إذا مر للتشويش والأذية؛ لأنه ينشغل الواحد بدفعه لمصلحة الكل، فيجوز أن ترتكب المفسدة الدنيا لجلب المصلحة العليا، فلذلك قالوا: يشرع أن تدفعه فتنشغل وحدك تحصيلا لمصلحة الكل، ومنع بعض العلماء من دفعه، وقالوا لأنه إذا اندفع انشغل وهو مكلف بمصلحته والعذر متعلق بمصلحة الغير، فلا يسوغ؛ لأنه لا إيثار في القرب. [المقصود بالكلب الذي ورد أنه يقطع الصلاة] q قول المصنف رحمه الله: (بمرور كلب أسود) هل المراد به هذا الكلب المعهود، أم أنه يطلق على السباع وغيرها؟ a يختص بالكلب المعروف، أما السباع كالأسد والنمر ونحوه فلا يدخل في هذا، وأما في الصيد فإنه يدخل فيه لقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} [المائدة:4]، فوصف الجارحة مع الكلب يدل على أنه يجوز أن تعلم أسدا الصيد وتصيد به، وهكذا لو علمت نمرا أو غيره من السباع العادية؛ لأنه يصدق فيه وصف الجارحة والكلب لكن (ال) في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكلب) عهدية، فيشمل كلب البادية وكلب الحاضرة.والكلاب التي تكون في البادية للصيد معروفة، وهي صغيرة الحجم، فهذا الذي يقطع الصلاة، فنقول بالعموم في جنس الكلاب، بخلاف الكلب فهناك فرق بين الكلب والكلب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية الأسد في قوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم سلط عليه كلبا من كلابك) حين دعا على عتبة بن أبي لهب، ثم لما خرج في تجارته إلى الشام قال: إني أخاف دعوة محمد.فكان إذا نام ينام بين أصحابه، فلما كان على تخوم الشام جاء الأسد وافترسه من بين أصحابه.فأخذ العلماء من قوله صلى الله عليه وسلم (.كلبا من كلابك) أنه وصف الأسد بكونه كلبا، فدل على أنه في عرف الشرع قد يطلق الكلب ويراد به الأسد أو كل جارح؛ لأنه مأخوذ من الكلب، وهذا كما نبه عليه ابن منظور رحمة الله عليه في (لسان العرب) فالصيد يكون بأي نوع من الحيوانات المفترسة من السباع، وقد كان عدي يصيد بالسباع على اختلاف بالكلاب وغير الكلاب، وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقال: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها؟ والباز هو الصقر.فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكر عليه.فنقول: بعض العلماء يقول: اسم الكلب عام كما جاء في الصيد، ونقول: الصيد شيء، والكلب في الصلاة شيء آخر؛ لأنه في الصلاة أمر تعبدي، وفي الصيد من جانب الكلب والقوة، والمقصود تحصيل الرفق بالناس في الصيد.فجاز في الصيد على سبيل العموم رفقا بالناس، ولذلك يقال هنا بخصوصه في الكلب المعهود دون غيره، والله تعالى أعلم. [حكم دعاء القنوت] q هل دعاء القنوت خاص بالفريضة دون النافلة؟ a نعم.القنوت قنوتان: قنوت فرض، وقنوت نفل.فقنوت الفرض مثل الدعاء في النوازل، فالدعاء في النوازل يقتصر فيه على الوارد مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك)، وكذلك قوله: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق)، ثم بعد أن تنتهي من هذا التمجيد الوارد في هذين الخبرين تدعو على من ظلم من الكفار، وتدعو بالنصرة للمسلمين، وتقتصر على ذلك لا تزيد، فلو دعا بالاستسقاء كان بدعة، ولو دعا بنجاح الطلاب في الاختبار كان بدعة، وهذا مما يحدث الآن، فبعضهم يدعو بنجاح الطلاب في الاختبار، وبعضهم يدعو بعموم الأدعية، وهذا لا يجوز، فالصلاة لا يجوز فيها الكلام إلا بقدر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، فما ورد في القنوت يقتصر عليه، ولذلك قال الإمام أحمد: إن زاد على الوارد حرفا واحدا فاقطع صلاتك.يعني أنه قد خرج عن كونه مصليا.ولذلك ينبغي على الإمام أن يحتاط لصلاة الناس فيدعو بالوارد، ويدعو بنصرة المؤمنين بجوامع الدعاء، مثل (اللهم انصر المستضعفين) ونحو ذلك من جوامع الدعاء، ولا داعي للإطالة والخروج عن المعهود والتكلف، فلذلك يقتصر على جوامع الدعاء، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يدعو بالنصرة للمسلمين وهلاك على الكافرين، ثم يختم ويسجد.أما بالنسبة لقنوت النافلة وهو قنوت الوتر فيدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الفضل، لا على سبيل الفرض، فلو دعا بغير هذا الدعاء جاز، ولو زاد على الوارد جاز، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الحسن، والحسن كان صغير السن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الدعاء لازما بالقيد لعلمه الصحابة، ولألزم الصحابة بهذا الدعاء في الوتر على سبيل الخصوص، ولأن الوتر رفق بالناس ليسأل المصلي فيه حاجته في ليله فوسع على الناس أن يسألوا من حوائج الدنيا والآخرة ما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم، والله تعالى أعلم. [بيان الترتيب فيما يكون سترة للمصلي] q في الحديث: (فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا)، فهل هذا على الترتيب أم على التخيير؟ a قوله: (إن لم يجد) دليل على الترتيب، وهذا أصل، فإن وردت في الكتاب فهي على الترتيب، ففي كفارة اليمين قال تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} [المائدة:89]، وفي قراءة ابن مسعود: (متتابعات)، فاشترط في جواز الصيام وإجزائه في كفارة اليمين أن لا تستطيع الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة.وبعض العامة هداهم الله إذا حلف اليمين وحنث ينتقل مباشرة إلى الصوم، وهذا لا يجزيه لإجماع العلماء على أن كفارة اليمين بالصيام شرطها عدم الوجد، أي: عدم القدرة.وهكذا قالوا: لو أن إنسانا وجبت عليه الرقبة في الظهار، أو الجماع في نهار رمضان، أو في القتل فانتقل -وهو قادر على أن يشتري رقبة- إلى صيام شهرين متتابعين لم يجزه، فكأنه لم يصم ويصبح صومه نافلة؛ لأنه شرط مقيد بنص الشرع: {فمن لم يجد} [المجادلة:4]، {فمن لم يستطع} [المجادلة:4]، فالذي لم يجد له حكم، والذي لم يستطع له حكم، أما أن ينتقل إلى درجة ما بعد الشرط و {فمن لم يجد} [المجادلة:4]، مع القدرة والوجد فهذا خارج عن الحد المعتبر.فلما قال: (فإن لم يجد) دل على الترتيب لا على التخيير، ولذلك يبتدأ بالشاخص ثم بالعصا ثم بعد ذلك بالخط كما ورد في الخبر على القول بثبوته، والله تعالى أعلم.
__________________
|
#95
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (أركان الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (92) صـــــ(1) إلى صــ(5) شرح زاد المستقنع - فصل: أركان الصلاة [1] للصلاة أركان دلت عليها الأدلة من الكتاب والسنة، ومن تركها عمدا بطلت صلاته، ومن تركها سهوا فإن أمكنه أن يعود عاد وأداها، وإن لم يمكنه فإنه يقضي الركعة كاملة، وهي: القيام، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال عن الركوع، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال عن السجود، والجلوس بين السجدتين وغيرها. [أركان الصلاة] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [فصل أركانها]. ركن الشيء: دعامته وعمدته التي يقوم عليها، وقد دلت النصوص الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة على أركان الصلاة، وهذه الأركان من تركها عامدا بطلت صلاته، ومن تركها ساهيا فإن أمكنه أن يعود إليها عاد وجبرها، وإن لم يمكنه العود إليها فإنه يقضي الركعة كاملة.فمن ترك قراءة الفاتحة عامدا وهو يرى ركنيتها بطلت صلاته، ولو في ركعة واحدة، ومن تركها ساهيا، كما لو صليت فابتدأت الصلاة مباشرة، وقرأت دعاء الاستفتاح، ثم سهوت فقرأت: {والتين والزيتون} [التين:1]، فابتدأت بالسورة قبل أن تبدأ بالفاتحة، فلما كنت في أثنائها تنبهت أو ذكرك من وراءك إن كنت إماما، فإنك ترجع وتقرأ الفاتحة وتتدارك الركن؛ لأنه يمكن التدارك حيث لم تدخل في ركن بعدي، أما إذا كان لا يمكن التدارك كأن تكون دخلت في الركعة الثانية فتذكرت أنك في الركعة الأولى لم تركع أو لم تسجد، وقمت إلى الركعة الثانية فإنه حينئذ يلزمك قضاء الركعة الأولى، على تفصيل في كونك تلغي الركعة وتلفق، أو تبني الصلاة وتعيد الركعة من موضعها؟ [الأدلة من السنة على أركان الصلاة] الأركان هي أهم شيء في الصلاة، والأصل فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم مع أصحابه في المسجد، فدخل رجل فصلى واستعجل في صلاته، فلم يحسن ركوعه ولا سجوده ولا جلوسه، فلما فرغ من الصلاة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل)، فرجع الرجل وصلى كحاله أولا، ثم أتاه فسلم فرد عليه، فقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، فلما كانت الثالثة قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).فهذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم فيه الأركان التي لا تصح الصلاة إلا بها، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنك لم تصل)، فيكون بيانه هنا بيانا للأركان، ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم رحمة الله عليهم أن حديث أبي هريرة هذا الذي يسميه العلماء: (حديث المسيء صلاته) قد جمع التنبيه على أركان الصلاة، فلذلك اعتنى علماء الإسلام رحمهم الله بهذه الكلمة، وهي مصطلح الأركان والواجبات والسنن.وهذه المصطلحات ليست ببدع كما يظن بعض من ليس عنده إلمام بالعلم وضبطه، فيظن أن هذه أمور محدثة، فيقول: من أين جاءنا الركن أو الواجب أو السنة؟ فإنا نظرنا في الشرع فوجدناه تارة يقول: إذا فات هذا الشيء بطلت الصلاة، أو: يجب قضاء الركعة، ووجدناه تارة يبين أن الشيء الذي فات يمكن جبره بالسجود، ووجدناه يرخص في ترك شيء، فعلمنا أن أعمال الصلاة ثلاثة أشياء: شيء تبطل الصلاة بعدم وجوده، وشيء يمكن جبره بالسجود، وشيء يتسامح فيه فلو تركه الإنسان ولو متعمدا صحت صلاته. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين ثم سلم -كما في قصة ذي اليدين- فقال له ذو اليدين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم يكن.فقال: بلى.قد كان بعض ذلك.فسأل الصحابة: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم.فرجع فصلى ركعتين)؛ وكان قد قام من مصلاه كما في الصحيح، قال الراوي: وأنبئت أن عمران قال: ثم سجد سجدتين وسلم.فدل هذا على أن الأركان لا تجبر إلا بالفعل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر السهو موجبا لإسقاط الركن، بل تعتبر الركعة بمثابة الركن في الصلاة الجامع للأركان، فهي أصل في الصلاة، فكما أن الظهر قائمة على أربع ركعات كذلك كل ركعة قائمة على أركانها.ثم وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم تفوته أشياء من أفعال الصلاة ويجبرها بالسجود، فقد صلى عليه الصلاة والسلام إحدى صلاتي العشي، فسجد السجدة الثانية من الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد، بل استوى واعتدل قائما، فلما كبر سبح له الصحابة ليعود إلى جلسة التشهد، فأشار إليهم بيديه من وراء ظهره أن: قوموا. أي: إني لست براجع وقد لزمكم الركن البعدي الذي هو القيام للركعة الثالثة، فقام الصحابة، فأتم بهم الركعتين ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم، فهنا فات شيء من أفعال الصلاة، ولكنه اعتبره مجبورا بالسهو، فعلمنا أن مرتبة هذه الأفعال دون مرتبة الأفعال التي قبلها.وكذلك أيضا وجدناه عليه الصلاة والسلام يرى بعض الأقوال في الصلاة لازمة.وبعضها غير لازمة، فقال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فلم يعتد بالصلاة ولم يعتبرها عند عدم وجود الفاتحة، ووجدناه يسامح في ترك دعاء الاستفتاح، فقد قال له أبو هريرة: (يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي).فقد ثبت قطعا أن الصحابة لم يعلموا ما الذي يقول، فلو كان هذا الدعاء حتما كالفاتحة لألزمهم به وعلمهم إياه، فدل على أن هناك أمورا تلزم في الصلاة وأمورا لا تلزم، ولذلك قلنا: إن مثل هذا سنة.فأصبحت القسمة عندنا بتتبع واستقراء الشرع تنقسم إلى هذه الثلاثة الأقسام، فوجدنا ما هو ركن وما هو واجب وما هو سنة. فلو قال قائل: إن هذا بدعة نقول: إن الأسماء في ظاهرها بدعة - أي: لا نعرفها في القديم- ولكنها في الحقيقة موجودة في حكم الشرع، ولا مشاحة في الاصطلاح أن تسمي الشيء بأي اسم ما دام أن الشرع قد ترك لك التسمية والحكم موجود. فإنك لو قلت: جميع أقوال الصلاة وجميع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لازم لتناقضت النصوص، ولو قلت: إن جميع ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة ليس بلازم لتناقضت النصوص.فإذا لا بد من التفريق بين اللازم وغير اللازم، وذلك هو مصطلح العلماء بالأركان والواجبات والسنن. وقوله: [فصل] يبين دقته رحمه الله تعالى، حيث ذكر صفة الصلاة كاملة، ثم جاء يبين ما الذي يلزم وما الذي لا يلزم، ثم الذي يلزم منه ما هو ركن تتوقف الصلاة عليه، ومنها ما ليس بركن وهو الواجب الذي لا تتوقف صحة الصلاة عليه، بحيث لو تركه الإنسان سهوا أمكنه أن يجبره بسجود السهو.فابتدأ رحمه الله بالأركان، اعتناء بالأهم، وهذا من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى؛ لأن أهم ما في الصلاة أركانها، ولذلك ابتدأ، فقال: [أركانها].والضمير عائد إلى الصلاة. [الركن الأول: القيام] قال رحمه الله تعالى: [أركانها: القيام].القيام ضد القعود، يقال: قام إذا انتصب عوده، أي: استتم. وقوله: [القيام]، أي: أول ركن من أركان الصلاة القيام، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة:6]، وقال تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة:238]، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر).هذه النصوص دلت على وجوب القيام ولزومه على سبيل الركنية والفرض، ولذلك ذهب إلى هذا الحكم جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم، لكنهم قالوا: الصلاة لا تخلو من حالتين: إما أن تكون فريضة أو نافلة، فإن كانت فريضة وصلى جالسا مع القدرة على القيام بطلت صلاته؛ لأنه لم يصل كما أمره الله بالقيام، لكن لو كان في نفل صح له أن يصلي جالسا لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)، وهذا إنما هو في النفل. والظاهرية حملوا قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) على الفريضة بالنسبة للمعذور، وقولهم مردود؛ لأننا لو حملنا هذا الحديث على الفريضة بالنسبة للمعذور لردت نصوص الشريعة التي تدل على أن كل مريض ومعذور أجره كامل كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)، فحينئذ بتناقض النصوص، فدل هذا الحديث على صرف عموم الحديث الذي معنا عن ظاهره، وأن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) النافلة دون الفريضة، ووجدنا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السفر يصلي على دابته غير المكتوبة. ومن هنا قلنا: إنه يجوز في النفل ما لا يجوز في الفرض، بدليل أنه في السفر يصلي على الدابة حيثما توجهت، وهذا في النافلة دون الفريضة.وعليه فيلزمك القيام لصحة الصلاة المفروضة، لكن بشرط أن توجد القدرة، وذلك لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]، وقوله سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، فالعاجز عن القيام معذور.وقد أثبت المصنف أن القيام مع القدرة ركن. وأما ضابط القيام فقالوا: الضابط في القيام أن لا تصل كفاك إلى ركبتيك، فلو انحنيت بحيث تصل الكفان إلى الركبتين فقد خرجت عن كونك قائما إلى كونك راكعا ومنحنيا. ويتفرع على هذا مسائل: المسألة الأولى: لو أن إنسانا يكون جالسا فيكبر الإمام تكبيرة الإحرام، فيقوم فيستعجل فيكبر تكبيرة الإحرام قبل أن يستتم قيامه، فلا تنعقد تكبيرة الإحرام؛ لأن من شروط انعقادها أن يكون قائما كما أمر الله عز وجل، فإذا كان أثناء قيامه وانتصابه رفع يديه وكبر ولم يستتم، بحيث أمكن لليدين أن تنال الركبتين، وهو الانحناء المؤثر، فهذا لا يعتد بتكبيره؛ لأن هذا الركن -وهو تكبيرة الإحرام- يشترط فيه أن يكون في حال القيام، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر).فدل على أن القيام يسبق التكبير، ومن فعل هذا الفعل فقد سبق تكبيره القيام، فلم يصل كما أمره الله. المسألة الثانية: المعذور الذي لا يستطيع القيام يصلي قاعدا، وهيئة القعود تختلف، فبعض الأحيان لا يستطيع أن يصلي قاعدا إلا على علو ونشز، كأن يجلس على دكة أو سرير أو كرسي، فهذا الجلوس ينبغي أن يفصل فيه، فإن كان قادرا على القيام في تكبيرة الإحرام، فلا يأتي ويجلس مباشرة ويكبر، وإنما يكبر قائما؛ لأنه بإمكانه أن يكبر في حال القيام، ثم يجلس إذا كان يشق عليه أن يقوم، وإن كان يمتنع أو يصعب عليه أن يقوم، كالحال في المشلول، فإنه يكبر وهو جالس، أما إذا كان يمكنه أن يقف فإنه يقف ويجعل الكرسي وراءه ولا حرج، فإن أدركته المشقة رجع فجلس، كما هي القاعدة في الفقه أن الضرورة تقدر بقدرها، ويتفرع عنها أن ما أبيح للحاجة يقدر بقدرها. فلما كانت ضرورته أن القيام يشق عليه نقول: كبر قائما ثم اجلس. لكن لما كانت الضرورة أن يتعذر عليه القيام قلنا: كبر جالسا ولا حرج.فهذا له قدره وهذا له قدره، فينبه الناس؛ لأنك قد ترى الرجل يكبر وهو جالس مع أنه يستطيع أن يقف، وقد يقف ويتناول الكرسي ويخرج به وهو حامل له، فمثل هذا لا يرخص له أن يؤدي الركن وهو تكبيرة الإحرام في حال قعوده، فهذا ينبه عليه، فإن تعذر عليه القيام قلنا: يجلس. وهذا الجلوس جلوسان: جلوس على هيئة شرعية، وجلوس على غير الهيئة الشرعية.فجلوس الهيئة الشرعية كأن يجلس الإنسان متربعا أو مفترشا أو متوركا، ووجه كونها شرعية أنها جلسة اعتبرها الشرع للتشهد وللجلسة بين السجدتين، فإذا كان جلوسه على هذه الهيئة فحينئذ لا إشكال عليه لو جلس بهذه الصفة.لكن الإشكال إذا جلس الجلسة الثانية، وهي غير الهيئة الشرعية، كأن يجلس على سرير أو كرسي، فإنه بجلوسه على السرير والكرسي في حال القيام يعذر، لكن عند التشهد لا يكون ملاصقا للأرض، ومقصود الشرع أنك عند التشهد أو بين السجدتين تكون قريبا من الأرض، فحينئذ يكون ارتفاعه على الأرض خلاف ما ورد في الشرع من كونه ملتصقا بالأرض. قال العلماء: إن تعذر عليه أن يجلس انتقل بالانفصال هذا لكونه متصلا بالأرض عن طريق الكرسي، فكان في حكم الجالس، وأبيح له أن يصلي على هذه الهيئة، أما لو كان بإمكانه أن ينزل ويجلس جلسة المفترش، أو جلسة المتربع فإنه يلزمه ذلك ولا يجلس على كرسي ونشز؛ لأنه يفوت صفة الصلاة.وفي جلوسه متربعا أو مفترشا وجهان للعلماء، وأشار إلى ذلك الطبري وابن المنذر في الأوسط.فقال بعض العلماء -وهو مأثور عن بعض الصحابة-: يجلس جلسة التشهد.وهذا أقوى، وذلك لأنها هيئة أقرب لهيئة الصلاة. وقال بعضهم: يجلس متربعا لأنه أرفق.وهذا مأثور عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.والأمر واسع فإن كان الأرفق له أن يجلس متربعا جلس، وإن كان على جلسة المتشهد جلس، لكن ينبغي أن ينبه على إعانته على السجود؛ فإن جلوسه كجلسة المتشهد أبلغ في إعانته على السجود من هيئته إذا كان على هيئة المتربع؛ لأنه عند التربع يحتاج إلى كلفة حتى يتمكن من السجود.ودليلنا على الترخيص أن يصلي جالسا ما ثبت في حديث عمران رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان عمران مبتلى بالبواسير، فشكى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)، فوسع النبي صلى الله عليه وسلم للمعذور؛ لأن من به بواسير فإنه يشق عليه في هيئات الصلاة أن يقوم، ولربما أضره القيام، ولذلك رخص له صلوات الله وسلامه عليه، فدل على التوسعة في حال وجود العذر، وأنه عند وجود الرخصة والعذر لا حرج، وقد قال تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]:. [الركن الثاني: تكبيرة الإحرام] قال رحمه الله تعالى: [والتحريمة].المراد بالتحريمة تكبيرة الإحرام، فالركن الأول: القيام مع القدرة، والركن الثاني: تكبيرة الإحرام. فبعض العلماء يختصر ويقول: التحريمة.ومراده تكبيرة الإحرام.ووصفت بكونها تحريمه أو تكبيرة إحرام لأن المكلف إذا جاء بها دخل في حرمات الصلاة، ولا يمكن أن يحكم بكونه مصليا إلا بعد إتيانه بها.والتكبير للدخول في الصلاة يعتبر ركنا من أركان الصلاة، والدليل على ركنيته قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيحين للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، فأمره بالتكبير.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر تكبيرة الإحرام في أكثر من ستين حديثا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك بلغ مبلغ التواتر. وأما إلزام المكلف بها بحيث لو لم يأت بها لم تصح صلاته فلقوله عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، فقوله في هذا الحديث: (تحريمها التكبير)، أي أن دخول المكلف في حرمات الصلاة يتوقف على شيء وهو تكبيرة الإحرام.فإن وجد هذا الشيء حكمت بكونه مصليا وقد دخل في الحرمات، وإن لم يوجد حكمت بكونه غير مصل، ولذلك قالوا: هي ركن من أركان الصلاة.وتكبيرة الإحرام للعلماء -رحمهم الله- فيها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تكبيرة الإحرام لا تنعقد إلا بلفظ: (الله أكبر) بخصوصه، كما هو مسلك المالكية والحنابلة من حيث الجملة. الوجه الثاني: يصح للمكلف أن يقول: (الله أكبر) وما اشتق من هذا اللفظ، كأن تقول: (الله كبير)، وتنعقد تحريمته، وهو قول الشافعية. الوجه الثالث: يصح للمكلف أن يدخل في الصلاة بكل لفظ دال على التعظيم، فإن قال: (الله العظيم) أو (الله الجليل) صح ذلك وأجزأه واعتبر داخلا في حرمات الصلاة، وهو قول الحنفية. والصحيح أنه لا بد من قول المكلف: (الله أكبر)، وأنه لو غير في هذه الصيغة ولو بالذكر العام فإنها لا تنعقد تحريمته ولا يعتبر داخلا في حرمات الصلاة.فإن كان القيام ركنا فلا تصح تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يستتم المكلف قائما، وإن كان القيام موسعا فيه كصلاة النافلة فيصح أن يكبر وهو جالس تكبيرة الإحرام، ويصح أن يكبر أثناء قيامه، ويصح أن يكبر بعد أن يستتم قائما.وبناء على هذا فإن من الأخطاء التي يفعلها بعض الناس في الصلاة المفروضة أن تقام الصلاة فيستعجل الشخص في القيام، فقبل أن يستتم قائما يكون قد كبر.فلا ينعقد تكبيره إلا بعد ثبوت القيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، فجعل التكبير مرتبا على القيام، ولذلك لا بد من سبق القيام للتكبير، ولا يصح أن يكبر قبل أن يستتم قائما، فتلازم القيام والتكبير.
__________________
|
#96
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
__________________
|
#97
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
__________________
|
#98
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (أركان الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (95) صـــــ(9) إلى صــ(18) الأسئلة [مواطن قراءة الفاتحة للمؤتم] Q متى يقرأ المكلف الفاتحة خلف الإمام، خاصة إذا لم يترك له الإمام فرصة للقراءة؟ A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فإن قراءة الفاتحة وراء الإمام تكون في السكتات، كسكوت الإمام ما بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة، وقد جاء هذا عن سعيد بن المسيب، وهذا الأثر وإن كان مرسلا فإنه يدل على أن أقل درجاته أنه كان معهودا عند السلف الصالح رحمة الله عليهم، ومعلوم مكانة سعيد بن المسيب، فهو قريب إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يقال: إن المدينة إلى عهد مالك لم تدخلها بدعة.فكيف بعهد سعيد بن المسيب الذي كان من أقرب الناس إلى عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم?! ولذلك يسكت الإمام هذه السكتة، وهي من فعل السلف، ويعطي للمأموم مجالا أن يقرأ، فإذا أمكنته قراءتها فالحمد لله، وإذا لم يمكنه أن فليقرأها يستمر، ولو استمر الإمام في قراءته؛ لأننا قلنا: يتشاغل بالركن عن الواجب، على القول بوجوب الإنصات لقراءة الإمام.ولذلك أمر بها أبو هريرة، فقد روى البيهقي عنه بالسند الصحيح في جزء القراءة خلف الإمام أنه أمر بها، وقال: (حتى ولو قرأ الإمام).ولذلك فإنه يقرأ الفاتحة ولو لم يعطه الإمام مجالا لقراءتها؛ لانشغاله بما هو ركن تنعقد به الصلاة ولا تصح بدونه، والله تعالى أعلم. [قراءة القرآن] Q ما حكم قراءة الفاتحة للمأموم خلف إمامه في صلاة النفل؟ A الحكم في ركنية الفاتحة شامل للفرض والنفل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في الصلوات، ولم يفرق بين حال الائتمام والانفراد والإمامة، فيبقى هذا العموم على ظاهره، ويلزم المكلف بالقراءة على كل وجه، سواء أكان في فريضة أم نافلة، ولا وجه للتخصيص لعدم ثبوت دليل يخصص، والله تعالى أعلم. [بم تدرك الركعة؟] Q مصل كبر تكبيرة الإحرام وانتهى منها في الركوع أو في أثناء الركوع، فهل تجزيه؟ A إذا جئت متأخرا والإمام راكع، فكبرت، ثم رفع الإمام، أو كبرت وأثناء التكبير رفع الإمام، فهذه المسألة على صورتين: الصورة الأولى: أن تكبر لركوعك وتنتهي من التكبير بكماله، أي: بعد انتهائك من حرف (الراء) من قولك: (أكبر) قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) فأنت مدرك للركوع، وأيضا قبل أن يتلفظ الإمام بـ (السين) من: (سمع الله لمن حمده)، ولو رأيته بالفعل؛ لأن العبرة بالقول وليس بالفعل، وبناء على ذلك فلو رأيته تحرك ثم مباشرة أدركت التكبير وكبرت، فإنه يجزيك وتعتبر مدركا للركوع وتسقط عنك الركعة.الصورة الثانية: أن يرفع الإمام، أو أن يسمع الإمام في أثناء تكبيرك أو قبل تكبيرك، فحينئذ لا تعتبر مدركا للركوع، فإذا قلت: (الله أكبر) وما بين لفظ الجلالة وأكبر قال: (سمع الله)، فحينئذ تتم تكبيرك وتبقى قائما، فقد أدركت ركن القيام ولم تدرك ركن الركوع.وبناء على هذا يلزمك أن تقضي هذه الركعة لعدم إدراكك لركوعها، والله تعالى أعلم. [انتظار الإمام الداخل إلى الصلاة أثناء الركوع] q هل للإمام إذا كان راكعا أن ينتظر الداخل إلى المسجد لإدراك الركعة؟ A هذه المسألة اختلف فيها السلف رحمة الله عليهم، فكان بعض العلماء يقول: إذا ركع الإمام وسمع رجلا يدب إلى الصف فإنه لا ينتظره؛ لأن الصلاة لله وليست للناس؛ لأنه إذا انتظره وأطال القيام أساء من وجوه: أولها: أنه قصد الداخل ولم يقصد العبادة، وبناء على ذلك قالوا: هذا يخل في قصده ونيته، والمساجد لله وليست للناس.ثانيها: أنه يشق على الجماعة من أجل الفرد، والأصل تقديم ضرر العامة على ضرر الخاصة، فإن إطالة الركوع مشقة لمن ركع وهم الجماعة، وكونه يرفع من الركوع مشقة على المنفرد وهو المسبوق، فقالوا: إنه يلزمه أن يعتد بركوعه المعتاد، فإن بلغ القدر الذي في مثله يرفع رفع.وقالت طائفة من العلماء بالتفصيل: فإن كان يشق الانتظار على المأمومين فلا ينتظر، كالمساجد الكبيرة التي يكون فيها فسحة والمكان بعيد بين بابها وبين آخر الصفوف؛ لأنه إذا انتظر شق على المأمومين، وأما إذا كان لا يشق عليهم فإنه ينتظر، وذلك لعموم الأوامر، ولثبوت السنة بما يشهد بهذا، فقد ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (كان يصلي في الظهر حتى لا يسمع قرع نعال)، والمراد بذلك إطالته للقيام لكي يدرك المأمومون الصلاة.وقالوا مجيبين عن الأولين: أما قولكم: فإنه يطيل من أجل الناس فإن الصورة ليست مقصودة، وإنما المقصود معنى الصورة، فإنه لما أطال ليس لذاك الرجل، بدليل أنه لا يعرف من الداخل، وإنما أطال تحصيلا للقربة، فكان ثوابا للجماعة وثوابا للداخل، فالمأمومون يحصلون الخير فيسبحون أكثر، وتطول صلاتهم، وليس هناك مشقة.فقالوا: إنما أطال تحصيلا للقربة؛ لأنه إذا أطال كان أعظم لأجرهم وعونا للمكلف أن يدرك الفضل، فليس ثم إخلال.ومن هنا نفهم عبارة بعض العلماء الذين يقولون بهذا القول، قالوا: فإن كان الذي دخل يعرفه أنه من ذوي الشرف أو ذوي الجاه حرم عليه.وقال بعض العلماء: تبطل صلاته إن كان قصد مثل هذا الرجل، أي أن قصده بإطالة الركوع هو مداهنة هذا الرجل أو محبته أو تأليفه، أو نحو ذلك مما ليس بمقصد شرعي.والمقصود أن أصح الأقوال أنه إذا كان لا يشق على المأمومين ونية الإمام صالحة فلا حرج لظاهر السنة في حديث الظهر، ولعموم الأدلة التي دلت على معونة الناس في تحصيل الخير، والله تعالى أعلم. [حكم صلاة راتبة العشاء خلف من يصلي التراويح] qإذا كان المأموم خلف إمامه في صلاة التراويح، فهل له في ركعتين منها أن ينوي سنة العشاء؟ A لا حرج على المأموم أن ينوي الراتبة (سنة العشاء) مع الإمام في صلاة التراويح، وكان بعض العلماء يستحب غير هذا فيقول: أستحب أن يدخل وراء الإمام بنية التراويح ولا يقلبها راتبة، حتى إذا انتهى من الوتر صلى ركعتين؛ لأنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (صلى ركعتين بعد الوتر).قالوا: لأنه إذا فعل هذا فقد حصل فضل قوله صلى الله عليه وسلم (من قام مع إمامه حتى ينصرف ... ) الحديث.قالوا: لأن الركعتين الأوليين من التراويح إنما هي من القيام، أي: من إحياء الليل، فلو نوى بها راتبة العشاء خرج عن كونه مقتديا بالإمام لاختلاف النيتين.والأولون يقولون: يدخل بنية الراتبة من أجل قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا)، قالوا: لأنه سيحتاج بعد هذا أن يشفع بعد الوتر فيفوته هذا الفضل.والذي تميل إليه النفس أن لا ينوي، وإنما يصلي حتى يوتر، ثم بعد الوتر يصلي ركعتين؛ لثبوت فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) على سبيل الاختيار، وهذا لا اختيار له لمكان ضيق الوقت، والله تعالى أعلم. [توجيه إشكال في قراءة الفاتحة للمؤتم] Q أشكلت علي حديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فقد قرأت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما لي أنازع ... ) الحديث.فقال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة والفاتحة أيضا.فما قولكم في هذا الإشكال؟ A هذا يحتاج إلى نظر، فـ أبو هريرة بنفسه أمر بها، وقد روى ذلك عنه البيهقي في جزء (القراءة خلف الإمام) بالسند الصحيح، فأين ثبت قوله: (والفاتحة أيضا) بهذا اللفظ؟ إلا إذا كان السائل فهمه من قوله: (فانتهى الإمام عن القراءة وراء الإمام).فـ أبو هريرة رضي الله عنه أخبر أنهم كانوا يقرءون، فإذا قرأ الإمام مثلا: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] فالناس خلفه يقرءون: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]؛ لأنهم كانوا يرون أن الإمامة تقتضي المشاركة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الجزء الزائد، ولذلك قال: (فقراءة الإمام).لأن الإمام يختار في هذا الموضع، لكن الفاتحة ليس باختياره، وإنما هي قراءة للكل.فقوله: (فقراءة الإمام له قراءة) أي: ما يختاره من السور ويعينه فهو له قراءة.أي: تجزئ المأموم.ولو فرض غير هذا فإن حديث:: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص على قراءة الفاتحة صراحة، وقول أبي هريرة (فانتهى الناس) متردد بين ما ذكرناه فهو محتمل، فالتشريع للأمة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، وكون الناس انتهوا أو لم ينتهوا هو جزء الحكاية، ولا يعتبر حجة.ثم إن أبا هريرة نفسه بين أنه تلزم قراءة الفاتحة، فلا يعقل أنه يروي أن الناس انتهوا عن القراءة، ثم يروي إلزاما المأموم بقراءة الفاتحة إلا ومراده ما زاد عن الفاتحة وليس الفاتحة نفسها.فهذا أمر ينبغي التنبه له، ولذلك أوصي طالب العلم بالتحفظ، خاصة في حكاية سنة النبي صلى الله عليه وسلم.فبعض الأحيان قد تجد في بعض فتاوى العلماء، أو قد تجد في كتبهم أنهم حينما يصفون شيئا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: من السنة كذا وكذا.ويكون ذلك من السنة المفهومة، وليس بالصريح، فينبغي أن يفرق بين حكاية النص، وبين فهم مدلول النص، فالفهم شيء والنص شيء آخر.فإذا جئت تحكي شيئا عن السنة وتثبته، بمعنى أن تقول: وكان كذا وكذا، أو قال أبو هريرة كذا وكذا، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فينبغي أن تتقيد فيه باللفظ ولا تراعي فيه ما ترى، ولا تراعي فيه المذهب؛ لأن هذا أمانة لا بد فيه من الحيطة والحذر، خاصة طلاب العلم، ولذلك ما رأيت شيئا يكمل به طالب العلم في فقهه وفهمه وفتواه وقضاءه وحكمه بعد توفيق الله عز وجل مثل الأمانة والتحفظ.فلتتحفظ في فهمك، ولا تتجاوز في فهم الشيء أكثر مما دل عليه النص، ولا تتجاوز في بيان ما دلت عليه النصوص.فكونك ترى شيئا فتأتي وتقول: السنة كذا وكذا.بمعنى أنك تحكي السنة، وتقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو: فعل كذا وكذا، وأنت تفهم الشيء فتحكيه قولا، أو تحكيه سنة، فهذا أمر من الصعوبة بمكان، إلا في حالة واحدة رخص فيها العلماء، وهي بيان الهدي الذي يكون على سبيل السياق، مثل أن يحكي الإنسان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العموم، لكن يحتاط في المواضع.ولذلك كان من دقة العلماء المتقدمين أنهم يقولون: وكان من هديه عليه الصلاة السلام كذا وكذا.فيذكرون الهدي المنصوص عليه، فإذا جاءوا إلى مواضع الخلاف، لا يقولون: وكان من هديه كذا وكذا.وإن كان الواحد منهم يرى أنه من الهدي، لكن يقولون: وقال عليه الصلاة والسلام كذا وكذا.فيكون القول محتمل الوجهين، فلا تجد أحدهم ينص صراحة بناء على مذهبه، أو يقول: وكان من هديه كذا وكذا على أصح قولي العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام كذا وكذا.وهذا موجود خاصة عند المتقدمين، وهذا من الورع والتحفظ.وهذا على خلاف حالنا اليوم، فإنك تجد الرجل إذا رأى قولا أو رأيا، أو اعتبر قولا فهو يرى أنه السنة التي لا جدال فيها، وقد تكون هذه السنة بنصوص محتملة، وقد تكون بأحاديث ضعيفة حسنت بالشواهد والاعتبار، فيأتي ويحكم بكونها السنة الثابتة التي لا تقبل نقاشا، وأن دلالتها صريحة لا تحتمل قولا ثانيا، فلا يجوز أبدا أن إنسانا يحكي ما ليس صريحا على وجه الصراحة، ويحكي المحتمل على وجه غير محتمل، فهذا ليس من الأمانة؛ لأن العلم أمانة وتحفظ.فعلى الإنسان أن ينقل العلم للناس مثل ما هو عليه لا يزيد فيه بفهمه ولا ينقص منه برأيه، وهذه هي الأمانة، ومن فعل ذلك بارك الله له في علمه، وغالبا لن تجد طالب علم يتحفظ، ويتقيد في أخذه للعلم وفهمه، وإفهام الناس وبيان الفتوى لهم إلا وجدت الله عز وجل قد وضع له القبول في فتاويه وفي علمه.لأنه من الصعوبة بمكان أن يترجح عندي قول في مسألة فيها حديث محتمل، وهناك نصوص أخرى عارضته، فآتي وأغرس في نفوس طلاب العلم أن هذه هي السنة وحدها، فيصبح كل من خالفه من أهل العلم كأنه مرتكب لما خالف السنة، فهذا لا ينبغي، إنما ينبغي أن أقول: ترجح، أو ظهر لي، أو: هذا هو السنة على ما ظهر، أو: على أصح أقوال العلماء، أو: هناك قول آخر لقوله تعالى، أو لقوله عليه الصلاة والسلام، أو: لكن الصحيح كذا وكذا.فإذا رأيت من خالفك تعلم أن عنده سنة وأن عنده حجة فلا تبالغ في الإنكار عليه، ولا تستعجل في استهجانه، وقد يكون الحق معه، وكان السلف يقولون: (قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب)، وهذا في النصوص المحتملة، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يجاوز دلالة النصوص، بل ينبغي عليه أن يتقيد، فالشيء المحتمل يقول عنه: محتمل.فهذه فائدة عارضة، وأوصي بها طلاب العلم كثيرا، خاصة في هذا الزمن الأخير، ولذلك كان الوالد رحمة الله عليه كثيرا ما يوصيني ويقول لي: أي علم تستطيع أن تأخذه من الأوائل فابدأ به؛ لأنه ليس من السائغ أن يبدأ الإنسان بعلمه من الأواخر.ولا يعني هذا هجران العلماء الموجودين، إنما المراد أن تلتزم بمنهج الأوائل وطريقة سلفك الصالح رحمة الله عليهم، فكنت كثيرا ما أرجع إلى كتب الأولين، فأجد المسألة تعرض بشيء من الأمانة والتحفظ، ووالله إن بعض العبارات في الفتاوى وفي الشروحات تلمس فيها من العالم من خلال كلامه خوفه من الله عز وجل، وتلمس ورعه وتحفظه وصيانته.ولذلك لو جئت تجمع فتاوى المتقدمين قد تجدها لا تتجاوز جزءا واحدا، فتجد السؤال وجوابه بكل تحفظ وحذر من الزيادة عما دلت عليه النصوص الشرعية، وهذا هو العلم، فمن سلك هذا المسلك فقد علم وفهم.ولكن إذا جئت اليوم إلى إنسان في مسألة تريد أن يبين لك فيها حكما قال لك: هذه مسألة خلافية سبق الكلام فيها بين العلماء، ويكتب رسالة، أو يجيب عن سؤال فتجده يبين لك المسألة ويبين لك دليلها، وقد يكون هذا الدليل حديثا اختلف في إسناده، أو يكون دليلا صحيحا ثابتا في الكتاب والسنة ولكن دلالته محتملة، فيأتي ويذكر الحديث، فلا ينتهي منه حتى يقول: قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، ويملي عليك خطبة في حجية السنة، بمعنى: إن خالفتني فقد خالفت السنة، وإن تركت قولي فأنت على غير محجتي، وعلى هلاك.وهذا لا ينبغي؛ لأنك إذا أصبحت تحجر الناس كلهم على رأيك وفهمك، فإنك ستأتي إلى الأقوال المخالفة وتستهجن آراء العلماء، وتبالغ في ذم الرجال، وتعتبر شيخك هو الوحيد الذي ينبغي قبول السنة منه، وأنه إن خرج أحد عن الذي في كتاب فلان فليس من أهل السنة والجماعة، ويصل بك الأمر إلى أنك تجد أقوالا للسلف الصالح رحمة الله عليهم -إذ الخلاف قديم وموجود بين أئمة العلم- فتحتقر هذه الأقوال وهي لأئمة وعلماء، وقد يكون الذي رجحه مشايخك من أقوال الشذاذ والأفراد، فتأتي وتقول: سبحان الله! جماهير أهل العلم خالفوا السنة! إي نعم لا تعتد بالرجال إنما اعتد بالدليل.وقد تجد أقوال أفراد من التابعين أو الصحابة نسيت وتركت، وأصبح العمل في القرون كلها على قول انتشر وذاع، فهل أصبحت هذه الأمة كلها على ضلالة، وهي أمة معروفة بالعلم والورع والصلاح والإخلاص لله عز وجل، أفكل هؤلاء ما أصابوا الجادة?! فهذا أمر يحتاج إلى تنبه، فإنك تجد بعض طلاب العلم اليوم يفرحون ببعض الأقوال المنفردة، فبعض طلاب العلم قد يفرح عندما يجد أن هذا القول لا يقول به إلا الأفراد، وهذا موجود وملموس في طلاب العلم، ولذلك ينبغي التأني والتريث وأخذ العلم عن أهله، والتحفظ في ضبط العلم وتحريره، فإذا قال لك العالم: هذا القول هو الصواب، وظهر لي منه كذا فعليك أن تفتش وتنقب؛ إذ ليس قوله هو الغابة، وليس هو النهاية، فقد سبقه رجال فحول وأرباب في العلم، وأناس لهم فهمهم وعلمهم وورعهم وقدمهم الراسخة، فينبغي الرجوع إليهم والاعتداد بأقوالهم، والتنبه لكون الأمر مجمعا عليه أم أن فيه خلاف، وهل الدلالة مسلمة أم لا.فكثير من الطلاب يغتر بمثل هذا، إذ يأتيني طالب علم قرأ رسالة ما لمتأخر وهو مقتنع اقتناعا كاملا أن الحق في هذه الرسالة، وكأن صاحبها هو المعصوم؛ لأن أسلوب الرسالة يحمل هذا الطالب على أنه لا يحيد عنها؛ لأن صاحبها ابتدأها بالسنة وأهمية السنة وحجية السنة، وكأنه يقول: إنني قد أصبتها فإياك أن تحيد عنها.وهو وإن أصاب شيئا لكنه محتمل، فليس هذا من الأمانة، فينبغي التحفظ والصيانة، خاصة في المسائل الخلافية.فإذا جاء الطالب قلت له: هذا القول الذي تقوله يستدل بحديث كذا وكذا، وهذا الحديث دلالته مختلف فيها حتى بين الأصوليين؛ لأن دلالته معارضة بما هو أقوى منها، أو هذا الحديث ضعيف، وتحسينه قول لبعض العلماء، وهناك حديث أصح منه، فتجد الطالب مقتنعا اقتناعا كاملالا يرضي أن يتركه.وفي بعض الأحيان نجد الطالب لا يحفظ [حكم صلاة الجالس القادر على القيام] Q بعض النساء -هداهن الله- يعملن في البيوت طوال الوقت، فإذا جاء وقت الصلاة صلين وهن جالسات بحجة أنهن متعبات لا يستطعن القيام، فما حكم هذا، وما هو توجيهكم لهؤلاء النسوة؟ A إذا كانت الصلاة فريضة وصلت المرأة جالسة وهي قادرة على القيام، فعليها أن تعيد صلاتها، ولو جلست مائة سنة بهذه الحال لا تجزيها الصلاة، وينبغي عليها أن تعيد صلواتها مدة حياتها إذا لم يكن ثم عذر؛ لأنها لم تصل كما أمرها الله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته أن يرجع ويصلي لفوات ركن الطمأنينة، فكيف بركن القيام، ولذلك يلزمهن الإعادة لهذه الصلوات.وأما إذا كان التعب عذرا بينا، كما يكون في بعض النساء الحوامل، وقد تكون بعض النساء ضعيفة البنية، فيحصل لها إرهاق شديد، خاصة مع شدة السهر أو نحوها، وتخشى السقوط في صلاتها، أوتخشى الضرر فلا حرج أن تصلي جالسة، لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]، وهكذا إذا كانت مريضة كما ذكرنا.أما الترخص والتوسع في هذا فإنه يوجب بطلان الصلاة، والله تعالى أعلم، لكن ينبغي أن ينصح الرجال بالتخفيف على النساء، حتى لا يضطررن إلى ذلك، فالحكمة تقتضي تخفيف أعباء البيوت حتى لا تصبح معونة على تركهن لفريضة الله عز وجل. [حكم تقييد الصلاة على الراحلة] Q هل الصلاة على الراحلة مقيدة بصلاة الوتر كما ثبت في الحديث الصحيح، أم أنها مطلقة في جميع صلاة النفل بما فيها السنن والرواتب؟ A صيغة السؤال تفيد أنه ورد حديث يقول: (لا تصلوا النافلة في السفر إلا إذا كانت وترا على الدابة).وهذا لم يرد، ولهذا فلينتبه طالب العلم، وليحذر من الكلمات في التعبير، فينبغي أن تنتبه لمنطوق اللفظ ودلالة المفهوم؛ لأنك غدا ستكون المعلم والمربي والمفتي والقاضي، فينتبه الإنسان في العبارات، ولتكن عنده دقة، ولا يحمل النصوص في دلالتها ما لا تحتمل، فانتبه رحمك الله وقل: هل هي مقيدة بالوتر، أو ليست مقيدة بالوتر؟ أما النصوص فهي تدل على العموم، كما في حديث ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض)، وهذا في الصحيح.وكما في حديث أنس، حيث يقول ابن سيرين: (خرجنا فاستقبلناه بعين التمر، فلقيناه يصلي على حماره ووجهه من ذا الجانب، فقلنا: رأيناك تصلي إلى غير قبلة! قال: لولا أني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته).فالمهم أن النصوص الواردة ورد فيها في الوتر، ووردت نصوص أنه أوتر على بعيره، لكن هذا ليس على سبيل التقييد.والقاعدة في الأصول أن ورود الخاص بخصوصه لا يقتضي حمل العام عليه ما لم تفهم القرائن أو تدل الأصول على اعتبار هذا الحمل.ولذلك فالذي يقوي العموم في النوافل قوله: (إلا الفرائض)، ويشمل هذا الوتر، وهكذا لو توضأ وأراد أن يصلي ركعتي الوضوء، أو ركعتي استخارة، أو يتنفل طاعة وقربة لله في سفره، فلا حرج عليه أن يصلي على دابته حيث توجهت به. [حكم تكبيرة الانتقال إذا دخل المصلي والإمام راكع] Q رجل دخل المسجد والإمام راكع، فدخل معهم في الصلاة، وجعل تكبيرة الإحرام والركوع تكبيرة واحدة، فهل هذا يجزئه؟ A قال بعض العلماء: لا بد من التكبيرتين.وقال بعضهم: تجزيه تكبيرة واحدة.وهذا هو الصحيح.وهذا ظاهر؛ فإن النصوص لم يرد فيها الإلزام بالتكبيرتين، لكن الذين قالوا بالإلزام قالوا: لأنه يكبر التكبيرة الأولى للإحرام، والثانية: للركوع.وهذا محل نظر؛ لأنه لو جاء والإمام ساجد فإن قالوا: يكبر أيضا تكبيرتين، فحينئذ نقول: إنه ليس في حال قيام؛ لأن تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة وللقيام، فلذلك ليس ثم ركن قيام إذا كان ساجدا.وبناء على ذلك قال بعض العلماء الذين يقولون بالتكبيرة الواحدة: لو كبر تكبيرتين لم يجزه؛ لأنه إذا كبر في القيام لزمته القراءة، وهو لم يقرأ ويريد أن يركع، ولذلك قالوا: لا يصح منه.والصحيح: أنه يجزيه؛ لأنه كبر للقيام في وقت لا يتسنى له فيه قراءة الفاتحة فسقطت للعجز فأجزأه أن يكبر، فمن فعل هذا فلا حرج، ومن فعل هذا فلا حرج، لكن الأشبه والأقوى أن يكبر تكبيرة واحدة، وهذا أصل خرجه العلماء على القاعدة الشرعية: (اندراج الأصغر تحت الأكبر)، وهذا له ضوابط كثيرة، فالأصغر هو تكبيرة الركوع، والأكبر تكبيرة الإحرام، فاندرج الأصغر تحت الأكبر.ولذلك لو جئت وأنت متأخر والإمام في الركعة الثالثة واقف فإنك تكبر تكبيرة واحدة مع أن الإمام تعتبر صلاته في الثالثة، فإذا كان كذلك فمعناه أن عليك تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام للثالثة؛ لأنه قام لها الإمام ولها تكبيرة خاصة.فقالوا: أصل الاندراج يدل عليه.وله نظائر في العبادات والمعاملات، ومن نظائره في المعاملات أن يسرق الإنسان -والعياذ بالله- ويزني ويقتل، فقالوا: إن حد القتل يأتي عليها جميعا.فلو كان محصنا فزنى وقتل فإنه يقتل بالقصاص، فيعتبر قتله قصاصا يندرج تحته قتله بالرجم، ولا حاجة أن يرجم، ولذلك يقولون: يندرج الأصغر تحت الأكبر؛ لأن حد القتل أعظم من حد الزنا في الأصل، بدليل تنوع حد الزنا وعدم تنوع حد القتل، قالوا: فاندرج الأصغر تحت الأكبر.وهو مذهب بعض الصحابة رضوان الله عليهم الذين يقولون بالاندراج.وتتفرع على هذه القاعدة فروع منها هذه المسألة، وهي أنه لو قدم والإمام راكع، فقالوا: يكبر تكبيرة واحدة، فتندرج تكبيرة الركوع تحت تكبيرة الإحرام.نسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وموجبا لرضوانه العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#99
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
__________________
|
#100
|
||||
|
||||
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (واجبات الصلاة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (97) صـــــ(11) إلى صــ(22) حكم ترك ركن أو واجب من الصلاة عمداً قال رحمه الله: [أو تعمد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته بخلاف الباقي] أي: كذلك لو تعمّد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته بخلاف البواقي، إلا إذا كان لعذر فيُعذر.فمن ترك ركناً متعمداً، كما لو لم يقرأ الفاتحة وهو ذاكر ومتعمِّد بطلت صلاته، أو قرأ الفاتحة وسورة، ثم قال: بدلاً من أن أركع أسجد.فسجد مباشرة، فإنه حينئذٍ يكون قد ترك ركن الركوع والرفع من الركوع فتبطُل صلاته إذا تعمد.فهذا بالنسبة للأركان وهو بالإجماع.وهكذا لو ترك الترتيب بين الأركان، كما لو قال: أسجد ثم أقوم وأركع.فإنه حينئذٍ تبطل صلاته؛ لأن الترتيب يُعتبر من فرائض الصلاة، ولا تصح إلا به. [أحكام السنن] قال رحمه الله: [وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال] ذكر لنا رحمه الله الصلاة مجملاً، ووصف لنا الصلاة بصفتها الكاملة، ثم قال: ما عدا الأركان والواجبات والشروط فسنن، سواءٌ أكانت من الأقوال أم من الأفعال، فلا تبطل الصلاة بتركها، فمن فعلها فقد أُثِيب وأَحْسَن، ومن تركها فلا إثم ولا حرج عليه. قال رحمه الله: [ولا يشرع السجود لتركه، وإن سجد فلا بأس] أي: ولا يشرع سجود السهو بترك هذا المسنون قولاً كان أو فعلاً، فإن سجد فلا بأس. وبعض العلماء يقول: إذا كان الإنسان ترك سنة يسجد لها، ولا يُفرق بين الواجبات وغيرها.وهذا القول مذهبٌ والعمل على خلافه عند أهل العلم رحمة الله عليهم، والصحيح أن السنة لا يجب جبرها؛ لأنها ليست بلازمة، ولو كانت لازمة لنُزِّلَت منزلة الواجبات، فيكون رفعة لها عن مرتبتها التي نص الشرع أو دلّ دليل الشرع، على كونها فيها، وبناءً على ذلك لا تُنَزَّل السنن منزلة الواجبات، فحيث ترك سنة نقول: إنه لا حرج عليه، ولكن فاته الأكمل والأفضل.والدليل على ذلك أن الصحابة كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم سنن، ومع ذلك لم يُلزِمهم بسجود السهو لعدم إتيانهم بهذه السنن.ألا ترى دعاء الاستفتاح لم يطلع عليه أبو هريرة إلا بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستفتح بهذا الدعاء، فدلّ على أن السنن لا يجب جبرها بسجود السهو، وإن فعل ذلك فقد قال بعض العلماء: لا حرج أن يسجد للسهو. لكن بعض أهل العلم يقول: لو أن الإنسان ألف السنة - أي: أعتادها-، وداوم عليها ثم أتاه الشيطان فنسيها، فلو جبرها بسجود السهو فإنه حسن أي أنه يُفرِّق بين السنة التي يداوم عليها والسنة التي لم يداوم عليها، فإن كان مداوماً على الدعاء الذي بعد التحميد، وهو قوله: (ملء السماوات وملء الأرض ... ) إلخ، أو مداوماً على دعاء الاستفتاح وتركه ناسياً قالوا: يسجد للسهو، وحسنٌ منه أن يفعل ذلك. الأسئلة [مناسبة تقديم المصنف للمكروهات قبل الأركان والواجبات] q أشكل عليَّ تقديم المصنف رحمه الله للمكروهات على الأركان والواجبات فهل هذا هو الأولى؟ a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فهذا من الدقة بمكان، لأن الإنسان إذا جاء يصلي فإنك تحذِّره مما يكره قبل أن يشرع في الصلاة؛ لأن التحذير يقع قبل التلبس بالشيء لا بعده، ولذلك تقديمه على الأركان والواجبات له وجه من جهة التحذير ومن جهة والبيان، حتى يكون الإنسان على بينة من أمره، وهذا اعتذارٌ للمصنف، وإلا فإنه يستقيم لو أنك ذكرت الشروط، ثم الأركان، ثم الواجبات، ثم السنن والمستحبات، ثم المخالفات وهي المكروهات، وهذا أيضاً له وجهه، ويفعله بعض العلماء رحمة الله عليهم، فهذا له وجهه وهذا له وجهه، والله تعالى أعلم. [وجوب التلفظ بجميع أذكار الصلاة وضابطه] q إذا كانت قراءة الفاتحة يجب التلفظ بها، فهل يُقاس على ذلك بقية أذكار الصلاة؟ a نعم، فلا بد لمن كبر أن يتلفظ بالتكبير، فلو تلفظ في نفسه لم يقم بالواجب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، وقوله: (إذا كبَّر فكبروا)، ولا يصدق على الإنسان أنه كبَّر إلا إذا تلفَّظ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)، والقول إنما يكون باللفظ، والكلام النفسي لا يعتبر قولاً، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن يقول: إن الكلام النفسي كلام.وبناءً على ذلك لا بد وأن يتلفظ، واللفظ يكون بتحريك الشفتين واللسان وحصول الحروف على الوجه المعتد به، والله تعالى أعلم. [حكم متابعة الإمام في السنن] q ما هو حكم متابعة الإمام في السنن، وهل تضر مخالفته عند تركها؟a متابعة الإمام في السنن ليست بواجبة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكرنا في حديث أبي هريرة -كان يفعل السنن وهي خافية على الصحابة، فدل على أنها ليست بواجبة ولا لازمة.ومن الأدلة على عدم وجوبها حديث أنس في الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، ثم فصَّل وبين، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن قوله: (فإذا كبر فكبروا) تفصيل لإجمال وهو قوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فبين صلوات الله وسلامه عليه ذلك الإجمال بقوله: (إذا كبروا فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) فقولوا: (ربنا ولك الحمد))، وفي الرواية الثانية: (إذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: (وَلا الضَّالِّينَ) فقولوا: (آمين)) فهذا كله يدل على ما يجب وما هو ركن، وأن ما ليس مذكوراً في هذا من السنن فالأمر موسَّع فيه.فلا يجب على المكلف أن يتابع إمامه في السنن، فلو أن الإمام جلس جلسة الاستراحة وأنت لم تجلس فلا حرج.وهذا إذا كانت سنة فعلية، وفي حكمها السنة القولية، فلو أن الإمام قرأ دعاء الاستفتاح ولم تقرأه فإنه لا حرج عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ دعاء الاستفتاح ويتركه بعض الصحابة ولم يُنكِر عليهم، وكذلك كان يزيد في قوله: (سمع الله لمن حمده) قوله: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض ... ) إلخ، وكان يخفى على كثير من أصحابه، ومع ذلك لم يُلزِم به، فدلّ على أنه على سبيل النفل لا على سبيل الوجوب، وأن المكلف لو ترك هذه السنن فلا حرج عليه، والله تعالى أعلم. [حكم من صلى بغير طهور ثم ذكر بعد خروج وقت الصلاة] q صلى رجل وهو محدث وكان ناسياً، ولما خرج وقت الفريضة تذكر أنه صلى بغير وضوء، فما الحكم؟ a لا تصح الصلاة إلا بطهور كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وبناءً على ذلك فإنه إذا تذكر داخل الوقت، أو تذكر بعد خروج الوقت فإنه يُلزَم بقضاء الصلاة، ولو تذكر بعد أيام، ولو تذكر بعد شهور، بل ولو تذكر بعد أعوام فإنه يلزم بقضاء الصلاة؛ لأنه لا تُقبل منه صلاة إلا بطهور كما ذكرنا، والله تعالى أعلم. الفرق بين من صلى وفي ثوبه نجاسة وبين من صلى تاركاً للطهارة q أشكل عليَّ فهم مسألتين: الأُولى: صلى وفي ثوبه نجاسة ناسيا فصحت صلاته، والثانية: صلى ونسي أنه ليس بمتوضئ فلم تصح صلاته، وهل المسألتان من باب واحد؟ a الطهارة نوعان: طهارة حدث وطهارة خبث، وينبغي في الأصل أن يتساويا في الحكم؛ لأنه يقال: كيف إذا صلى وعليه نجاسة ناسياً وتذكّر بعد الصلاة تصح صلاته، وإذا صلى وهو ناسٍ للوضوء، أو ناسٍ للغُسل يُلزم بالإعادة؟! والجواب: أن الفرق واضح وظاهر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وجاء دليل الشرع بالأمر بطهارة الخبث، فلما جاءت السنة تستثني في حديث النعلين طهارة الخبث بقيت طهارة الحدث على الأصل الذي يُوجِب عدم صحة الصلاة إلا بفعلها.وهناك مخرج آخر لبعض الفقهاء، حيث يقولون: إن طهارة الخبث من التروكات، وطهارة الحدث من الأفعال والواجبات، فيُغتفر في التروكات ما لا يُغتفر في الواجبات، فالتروكات الأمر فيها أوسع من الواجبات، فصحَّت صلاته في التروكات ولم تصح في الواجبات، والله تعالى أعلم. [لزوم مقارنة تكبيرات الانتقال للأفعال] q هل يكبِّر المصلي ثم ينتقل إلى الركوع، أم يكبر أثناء الانتقال، أم يكبر بعد الانتقال؟ a الأولى والأحرى أن يكون التكبير مقارناً؛ فإن بعض السنن تشير إلى ذلك، كما في صحيح البخاري من حديث خباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني قد بدنت)، فقد دل ذلك على أن قوله كان مُصاحباً لفعله، فلو كان فعله يسبق قوله لما شعر به الصحابة، ولما كانوا سابقين له، لكن لما أقترن قوله بفعله دل على أن الصحابة يشعرون بالانتقال فتكون خفتهم موجبة للسبق فقال: (لا تسبقوني فإني قد بدنت)، فدل هذا الحديث -كما قرر غير واحد من الأئمة- على أن الأولى بالإمام والمنفرد والمأموم أن يجعل الذكر مقارناً، إلا ما دل الشرع على تأخيره، كالتحميد بعد انتهائه من الرفع، فقد قالت عائشة: ثم قال وهو قائم: (ربنا ولك الحمد)، فهذا يشرع بعد تمام القيام.أما التكبيرات فتشرع عند الانتقال، خاصة الإمام.قال بعض العلماء: في تخصيص الأئمة حكمة لطيفة، وذلك أن المأمومين منهم من يرى الإمام ولا يسمع صوته، ومنهم من يسمع صوته ولا يرى شخصه، فلو سبق القول الفعل أو الفعل القول فإن هذا يحدث الاختلاف، فإن الأعمى يسمع الصوت ولا يرى الشخص، فلربما سبق بالفعل إذا كان الإمام يسبق بالقول، وكذلك الحال لو كان يرى شخصه ولا يسمع صوته كالحال في الصفوف البعيدة جداً التي يرى فيها الإمام ولا يسمع فيها صوته، فلو كان الإمام بمجرد قيامه من التشهد يقوم ولا يكبر إلا إذا وقف، فإنك إذا كنت في الصف الأخير ولا تسمع صوته، فإنه مظنة أن تراه يتحرك فتتحرك مع أنه لم يكبر للانتقال، قالوا: فهذا يؤدي إلى سبق المأموم للإمام.ولذلك قالوا: يُحتاط بالمقارنة فهذا أولى وإن كان بعض السنة يُفهم منه سبق القول للفعل، والله تعالى أعلم. [عمرة أهل مكة في رمضان] q هل لأهل مكة عمرة، خصوصاً في رمضان؟ a لا حرج على أهل مكة أن يعتمروا، فإن الترغيب في العمرة خاصة في رمضان النص فيه عام، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة يُحرِّم على أهل مكة أن يعتمروا، ولو نقل المنع عن بعض السلف فإن هذا لا يقوى على التحريم.فالتحريم والمنع يحتاج إلى دليل ينص على أنهم لا يعتمرون، وفي حديث ابن عباس في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم في المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك -أي دون المواقيت- فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة).فدل على أن لأهل مكة أن يُهِلوا، ويشمل ذلك تلبيتهم بالحج والعمرة، خصوصاً أن مذهب طائفة من العلماء أن العمرة واجبة، ولذلك لا يُفرَّق بين أهل مكة وغيرهم، ولكن كان بعض العلماء رحمة الله عليهم يقول: لا ينبغي للمكي أن يذهب للعمرة ويُفَوِّت فضل الطواف بالبيت، وأُثر عن بعض أصحاب ابن عباس أنهم كانوا يقولون: عمرة أهل مكة الطواف بالبيت.ووجه ذلك أنهم خرجوه على النظر، فقالوا: لأنهم إذا خرجوا إلى التنعيم تكلَّفوا الخروج، فما دام أن العمرة يقصد منها الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فإن هذه الخطوات التي يذهب بها إلى التنعيم ويرجع منه الأولى أن تُستغل في الطواف بالبيت.أي: بدلاً من أن يذهب إلى التنعيم ويتكلَّف الذهاب فليطُف بالبيت، فمن هنا تخرَّج قولهم: عمرة أهل مكة الطواف بالبيت.إلا أن هذا إنما يكون لأُناس معروفين بالمرابطة عند البيت، فتجدهم لا يفرطون في مكة، ولا يفرطون في الصلاة في الحرم، ولا يفرطون في الطواف، بحيث إذا خرج من مكة ضاع عليه وقته في الذهاب، فيكون فيه نوع من الاشتغال بالمفضول عن الأفضل، لكن إذا كان مثل حالنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، حيث تجد الإنسان في مكة وعهده بالبيت منذ أسابيع أو شهور، وبعضهم ربما تمر عليه فترة طويلة وهو لا يرى البيت، لأنه يرى قول من يقول إن الصلاة بمكة كلها مضاعفة، فتَرَخَّص في هذا القول، وإذا قيل له: انزل وطُف بالبيت قال: فيه فتن.فيُضيِّع الشيطان على كثير من الأخيار الخير بسبب ما يكون من هذه الأعذار والعلل العقلية، ففي هذه الحالة الأولى له أن يعتمر، فالطواف بالبيت له فضله، فإذا كان الشخص قائماً بمكة كثير العبادة في الحرم فلا شك أن الأفضل أن يشتغل بالطواف، ومن أراد أن يُصيب فضل العمرة في مكة تحصيلاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة في رمضان فإنه لا حرج عليه، وليس هناك دليل يمنع، ومَن مَنع يُطالَب بالدليل، لكن الاستكثار من الخروج والرجوع وتكرار العمرة للمكي وغير المكي بدون موجب لا أصل له، فإذا وجد الموجب فلا حرج، كرجل قدم من الآفاق فاعتمر، ثم أراد أن يعتمر عن أبيه الذي لم يعتمر، أو عن أمه التي لم تعتمر فلا حرج، لكن لو أراد هذا الآفاقي بعد إتيانه بالعمرة أن يأتي إلى التنعيم ويعتمر نقول له: طف بالبيت؛ لأن الآفاقي الأفضل له أن يشتغل بالطواف بالحرم؛ لأن المقصِد أولى من الوسيلة، فإن خروجه إلى العمرة مآله إلى الطواف بالبيت، فالأفضل منه أن يشتغل بالطواف بالبيت، وهذا هو الذي ذكره غير واحد من أهل العلم رحمة الله عليهم، وإلا فالأصل الجواز، والبقاء على الأصل معتبر حتى يدل الدليل على الزوال عنه، والله تعالى أعلم. [حكم طواف الوداع للمعتمر] q ما حُكم طواف الوداع للمعتمر؟ a هذه مسألة خلافية، فمن العلماء من قال بوجوبه لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية رضي الله عنهما وأرضاهما أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي عليه جبة عليها صفرة من أثر الطيب، وهو معتمر بالجعرانة فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ قال: فأُوحِي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يغط كغطيط البكر، فلمّا سُرِّي عنه قال: أين السائل؟ قال: أنا.قال: انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك).قالوا: وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك).فهذا يدل على أن العمرة تأخذ حكم الحج، فإن كان طواف الوداع واجباً في الحج فيلزمكم أن تقولوا بوجوبه في العمرة.وذهب طائفة من العلماء إلى أنه لا يجب طواف الوداع في العمرة.وهذا هو الصحيح؛ لأنه الأصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عائشة أن تطوف طواف الوداع بعد فراغها من عمرتها بعد الحج، ولأن الدليل الذي استدلوا به إنما هو أشبه بالتروكات لا بالأفعال، ووجه ذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) المراد به حسب السياق الذي ورد في القصة: اصنع في عمرتك هذه ما أنت صانع في حجك من الانكفاف عن المحظورات؛ إذ لو كان المراد به الأفعال لوجب عليه أن يخرج إلى عرفة، وأن يبيت بمزدلفة، وأن يفعل ما يفعله الحاج في الأفعال، فدل على أنه في مقام التروكات، وليس في مقام الأفعال.فبما أن قوله: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) تخرج منه أفعال الحج، فإن طواف الوداع من أفعال الحج، وتأكّد هذا من جهة النظر في معنى طواف الوداع، ففي حديث عائشة في طواف الوداع في الصحيح قالت رضي الله عنها: (كان الناس يصدرون من فجاج منى وعرفات) بمعنى أنهم يكون آخر عهدهم بمنى وعرفات، قالت: (فأُمِروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافاً)، والسبب أنهم كانوا يطوفون يوم النحر فيبعد عهدهم بالبيت، فشُنِّع على الحاج أن يصدُرَ من حجه دون أن يطوف بالبيت، قالت: (فأُمِروا -وهذا تخصيص واضح بالحاج- أن يجعلوا آخر عهدهم -أي: عهد الحاج- بالبيت طوافاً)، فصار من واجبات الحج، ولم يصر من واجبات العمرة، ويتأكد هذا بأن عائشة بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بطواف الوداع في الحج لم يأمرها أن تطف طواف الوداع في عمرتها، وإلا كانت ستقول: أُمِر الناس إذا صَدَروا من مكة أن يطوفوا؛ لأنه يشمل المعتمر وغير المعتمر.ولذلك الذي تميل إليه النفس أنه لا يصح الاستمساك بقوله عليه الصلاة والسلام: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) بوجوب طواف الوداع.وذلك لأنه ثبت بدليل الشرع أن المراد به ترك المحظورات، فإن كان لا يشمل أفعال الحج الواجب من رَمْي الجمار والمبيت بمزدلفة ونحوها من الواجبات، فكذلك لا يشمل طواف الوداع الذي هو من خصوص الحج، لكن الأولى والأحرى إذا أحب الإنسان أن يخرج من الخلاف أن يطوف للوداع.ومن الأدلة أيضاً التي تدل على ضعف قول من يقول بطواف الوداع في العمرة قول: بعض العلماء -وهو استنباط جيد-: إن الذين قالوا بوجوبه على المعتمر اضطربت أقوالهم، فقال بعض العلماء: يجب على المعتمر بمجرد انتهائه من عمرته.أي: بعد أن ينتهي من العمرة ينزل ويطوف.وقال بعضهم: لا.بل أجمعوا على أن المعتمر إذا طاف وسعى ومشى مباشرة ليس عليه طواف وداع.فاضطربت أقوالهم في المعتمر الذي يَصدُر مباشرة، ثم اضطربت في المعتمر الذي يجلس، قال بعضهم: إن جلس ساعة وجب عليه طواف الوداع.وقال بعضهم: إن جلس فرضاً وجب عليه طواف الوداع.وقال بعضهم: إن جلس خمسة فروض، أو يوماً كاملاً وجب عليه طواف الوداع.فلو كان طواف الوداع واجباً على المعتمر لما تُرِك على هذا الاختلاف، ولحَدّ الشرع فيه حداً معيناً يُنتَهى إليه، ولذلك يَقوى أنه اجتهاد، والأصل براءة الذِّمَم، وإن احتاط المكلف فلا حرج عليه، والله تعالى أعلم. [حكم التقبيل والمداعبة للصائم] q هل يجوز التقبيل والمداعبة للصائم إذا لم يُنزل، وما الحكم إذا أنزل دون جماع؟ a أما التقبيل فلا حرج فيه على الصائم، فقد جاء في حديث عمر رضي الله عنه في تقبيل الصائم أنه كالمضمضة، ولكن إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أنه يقع في المحظور فإن الوسائل آخذة حكم المقاصد فيَتَّقي ويَمتَنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لإربه كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد قال العلماء: أكمل الناس أجراً في الصيام من اتقى الرفث واللغو، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان الجواز وتوسِعةً على الأمة، ولكن الأفضل والأكمل تركه.ولذلك قال بعض العلماء: إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم المفضول كان أفضل في حقه.ولا يُشكِل على هذا أن يقول قائل: لو كان الأفضل ترك التقبيل فلماذا لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإنهم قالوا: فعله تشريعاً، ولم يفعله على سبيل القصد.وفرقٌ بين التشريع والقصد، ومن هنا يتخرَّج قولهم: إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما قد نهى عنه فهذا الفعل يصرف النهي إلى الكراهة.فحين يقول قائل: كيف يصير هذا الشيء مكروهاً مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله؟ عندئذ تقولون: لأن المقام مقام تشريع، ولا يسري عليه ما يسري على عموم الأمة.فنسأل الله العظيم أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وأن يجعل ما تعلمناه وعلّمناه خالصاً لوجهه الكريم.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |