البشائر المفرحات في بيان المهلكات والمنجيات والكفارات والدرجات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1162 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16838 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2021, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي البشائر المفرحات في بيان المهلكات والمنجيات والكفارات والدرجات

البشائر المفرحات في بيان المهلكات والمنجيات والكفارات والدرجات
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾. [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل قول وعمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

إخواني في دين الله! الآياتُ في كتاب الله، والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلُّ آية في كتاب الله، وكلُّ حديث يدلُّ على خير، ويحذِّر من شرّ.

لذلك معنا في هذا اليوم حديثٌ فيه أربعة عناصر، في كل عنصر ثلاثة أنواع من الهداية والإرشاد، وكثير مِن الناس مَن تلبَّس بهذه العناصر كلِّها، أو بعضِها.

العنصر الأول ما يهلك الناس ثلاثة، والثاني ما ينجيهم ثلاثة، والثالث ما يكفر عنهم سيئاتهم ثلاثة، والرابع ما يرفعهم الدرجاتِ عند رب البريات سبحانه وتعالى.

هذا الحديث رواه الطبراني في الأوسط، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله -عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنَجِّيَاتٍ، وَثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ، فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الرِّضَى وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ". [1]

["ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ"]، والمهلكات ليست ثلاثة فقط؛ بل المهلكات كثيرة جدًّا، لكنَّ هذا خطابٌ لصفوة خلقِ الله، لمن آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولا، لمن كانت فيه هذه الصفات، فالمهلكات الكثيرة؛ منها البعد عن دين الله سبحانه وتعالى، كالكفر والشرك والنفاق، وتنفيرِ الناس من هذا الدين، أيّ مهلكةٍ أكبر من هذه يا عباد الله؟! لكنَّ هذه ليست بين المسلمين وليست بين المؤمنين، وليست بين المتقين، فمِن هؤلاء الهلكَى مَن يدعون العقلانية؛ ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾. [الأنعام: 26]

فما جاء الله سبحانه وتعالى بهذا الدين؛ إلاَّ ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. [الأنفال: 42]

وهناك مهلكات خاصة، تقع مِن بعضِ عباد الله المؤمنين، وتحصل ممن يحمل هذ الدين؛ من المسلمين، بيَّنها سيد المرسلين صلى الله عليه وعليهم وسلم، بقوله:
["فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ"]؛ هذه أوَّل الصفات المهلكة للعبد المؤمن؛ [الشحُّ الـمُطاع]، البخلُ يطيعُه الناس فلا يؤدون الحقوق، وقال الراغب: [خصَّ المطاع ليُنَبِّهَ ويبين أنّ الشحّ في النفس ليس مما يستحق به ذمٌّ؛ لأنها طبيعة الإنسان أن يشح بماله، إذ ليس هو من فعله، وإنما يُذَمُّ بالانقياد له]. [2]

شحٌّ مطاع أطاع شحَّه، فالشحُّ موجود، لا مانع، لكن أن تطيعَه هذا الممنوع.

ومدح الله سبحانه وتعالى من لم يطع الشحَّ، وتجنَّبه واتقاه، ووعده بالفلاح فقال: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾. [الحشر: 9]

وقال سبحانه: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾. [التغابن: 16- 17]

فلا تتبعوا الشحَّ المطاع، ولا تتبعوا الهوى، فالشحُّ المطاعُ من المهلكات، واتباعُ الهوى من المهلكات، لأنَّ الشحَّ نابعٌ عن الهوى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ["وَهَوًى مُتَّبَعٌ"]، وهذا من المهلكات، [الهوى المتبع] يظهر في الحكَّام الذين يحكمون بين الناس، والقضاةِ الذين يقضون بين الناس، والدعاةِ الذين نصَّبوا من أنفسهم قضاةً على الناس؛ فبدل أن يدعوا الناس إلى الله، يحكمون عليهم حسب الهوى.

وكذلك الوالدين يميزون بين أولادهم بالهوى المتبع، وسائرِ الناس يقع منهم هوى فيتبعونه، [وهوى متبع].

لذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾. [ص: 26]

وقال سبحانه: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾. [النازعات: 40- 41]

فاتباعُ الشحِّ مهلك، واتباع الهوى مهلك، وهذا مهلك زائد يؤدي إلى مهلك ثالث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ["وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ"]، والعُجْبُ من المهلكات، أن يعجبَ الإنسان بنفسه، أن يعجب بجهاده في سبيل الله، أن يعجبَ بقراءته القرآن، يعجبُ بعمل يقوم به أمام الناس، أو للناس؛ فيأخذه شيء من العُجب، لذلك هذا العجب في المسلمين موجود، ولا يخرجهم من الدين والإسلام لكنّه من المهلكات، واستمعوا إلى ما قاله عزّ وجل عن من كان مع نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، من بعض الصحابة رضي الله عنهم، قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾. [التوبة: 25- 26]

لذلك هذا العُجب يوقع الناس في المهالك، وخذْها من أعلى عُجب كالعجب الذي يحصل من المجاهد في سبيل الله كما رأينا، ﴿ أعجبتكم كثرتكم ﴾، أو عُجب إنسانٍ يصلي الليل، وينظر إلى نفسه أنه قدَّم الشيء الكثير، هذا مهلك.

["وَثَلَاثٌ مُنَجِّيَاتٍ"]، والمنجيات من النار ليست ثلاثة فقط، المنجيات من النار كثيرة، لا تعدُّ ولا تحصى، لكن ذُكِرَت هذه الثلاث على سبيل التخصيص، فكلُّ طاعة تعملها منجية، وفيها نجاة، حتى إماطة الطريق والشوكة، والزجاجة والحجر لك فيه أجر، وهذا فيه النجاة.

وكلُّ عبادة تقوم بها من صلاة أو تسبيح أو ذكر فيه نجاة ومنجية.

وكل الخيرات التي تقدمها منجية وفيها النجاة، ومنها أيضا الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر والسوء؛ لنفسك ولأهلك، ولمن يسمع منك ويطيع، هذه من المنجيات، قال جل جلاله: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾. [الأعراف: 165]

وقال الجبار جلّ جلاله: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ* وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾. [هود: 116- 117]

فالمؤمنون بالجملة؛ كلُّ من ماتوا على الإيمان ناجون بأمر الله سبحانه وتعالى، مصيرهم ومآلهم إلى الجنة إن شاء الله، قال سبحانه:﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ. [يونس: 103]

والمتقون لله عز وجل ناجون برحمته جلّ جلاله، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾. [مريم: 71- 72]

لكن؛ بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهمِّ هذه المنجيات للعبد المؤمن، وهي ميسورة وسهلة، فقال: ["وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الرِّضَى وَالْغَضَبِ"]، عدلٌ سواءً كنت راضيا أو كنت غضبان، اعدل يا عبد الله!

والعدل يكون من القضاة الذين يحكمون بين الناس، ومن الولاةِ والمسؤولين عن الناس، ويكون من الوالدين بين أبناءهم، العدل مطلوب، العدل حتى في الغضب عندما تكون غضبانَ، لا تظلم في القضية مهما صغرت، اعدل يا عبد الله، فهذا مِن المنجِّيات، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ -يعني لا يدفعنّكم كراهةُ قومٍ أو أناسٍ آخرين- ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾. [المائدة: 8]

حتى في الكلام؟ نعم! اعدل حتى في القول والكلام، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾. [الأنعام: 152]

والعدل التوسُّط في الشيء، والإنصافُ وعدمُ المغالاةِ فيه، ووضع الأمر في نصابه.

ومن هنا جاء بالمنجِّية الثانية، هذا من المنجِّيات عدم الإسراف، وهو أن يكون هناك اقتصاد في حال الفقر وفي حال الغنى، فعندما كان الناس قبل شهور تقريبا في حالة غنىً، ورواتبَ تهُلُّ عليهم كلَّ شهر، نسوا يوما أنه قد يذهب منهم هذا الشيء، ما عندهم قَصدٌ وتدبير واقتصاد.

فعندما كان غنيا كان ينفق كيف يشاء، ولم يجعل لهذا اليوم الذي صار الناس فيه على ما ترونه بأعينكم.

فسواء كان الإنسان غنيًّا أو فقيرا فالقصد مطلوب، حتى تنجوَ عند الله عز وجل، وتنجو في دينك ودنياك، فقال صلى الله عليه وسلم: ["وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى"]، من المنجِّيات، قال سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾. [طه: 127].

يهلك نفسه مَن لا يقصد في الفقر والغنى، فيتحول إلى ما ليس بمنجّي، إلى مهلك من المهلكات، لكن المنجِّيات أن تقصد في الفقر والغنى فينجوَ لك مالُك، وينجو لك أهلُك، وتنجوَ أنت من الهموم والكروب، قال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ -أي في الذنوب والخطايا- ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾. [الزمر: 53].

كذلك مهما أسرفَ الإنسانُ فإنه يرجع إلى العدلِ في الرضا والغضب، والقصدِ في الغني والفقر، يرجع حتى يقبلَه اللهُ عزّ وجل، قال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. [الأعراف: 31].

فراقب الله يا عبد الله! واجعل خشيته في قلبك، واجعله نصب عينك في كلِّ لحظة تقوم بها، وهذه الثالثة من المنجيات؛ ["وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ"] من المنجيات، في السرّ عندما تظنّ أنه لا يراك أحد، وفي العلانية أمام الناس، تكون خائفا من الله وتخشاه، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾]. [التوبة: 18].

إتيانكم هنا إلى المسجد، هل هو لرضا فلان أو علان؟ هل أنتم مأمورون به، من مسئولين أو من حكومة أو وزارة أن تأتوا تصلوا هنا؟ جئتم بمحض إرادتكم، أسأل الله أن يكون الدافعُ لهذا خشيةَ الله سبحانه وتعالى، خشيتم أن تضيعَ عليكم فريضة من فراض الله، أسأل أن نكون من ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ سبحانه وتعالى، وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ* وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾. [الرعد: 20، 21]

وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾. [الأنبياء: 49]
يفكرون في الآخرة؛ لأن هذه الصلاة لم يقبض عليها المصلي أجرة، إلا إنسان جاسوس أو عميل أو ما شابه ذلك، يقبض على وجوده هنا، أما غير ذلك لا يرجو إلا الله، فلا توزع هنا كوبونات ولا شيكات، ولا صكات، في المساجد لا توزع مثل هذه الأمور، يأتي يؤدي الصلاة ويذهب، فهذا ما دفعه إلى ذلك إلا مراقبة الله سبحانه وتعالى.

["وَثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ"]، و[الكفارات]: جمع كفارة؛ وهي الخصال والصفات التي من شأنها أن تُكَفِّر، أَيْ: تستر الخطيئة وتمحوها وتغفرها. [3]

وهي أنواع كثيرة؛ منها العفو والمسامحة في الحقوق، عندما تكون هناك خصومات بين الناس، ويكون عند هذا العبد صفحٌ وسماحٌ وعفو، المؤمن حتى يكسب الكفارات، قال سبحانه: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. [المائدة: 45]

يعني إنسان ذهبت عينه أو نفسه، أو ذهب أنفه أو سنه أو أذنه، وعند القضاء سامحَ وعفا عمن قتل القتيل الذي عنده، عفا عمن قتله، عفا عمن قطع أذنه، أو ما شابه ذلك، فهو كفارة له.

ومن اتقى الكبائر؛ اتقى الشرك بالله عز وجل، واتقى عقوق الوالدين، واتقى شرب الخمر والزنا، اتقى الكبائر، فاجتنبها، تكفَّر عنه السيئات والخطيات الأخرى، قال سبحانه: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾. [النساء: 31]

والأعمال الصالحة تكفِّرُ وتمحو الأعمالَ السيئة، "وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾. [العنكبوت: 7]

وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ* لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ. [الزمر: 33 – 35]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

ومن هذه الكفارات ما قاله صلى الله عليه وسلم: ["وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ"]، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾. [البقرة: 153]

وقال سبحانه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾. [البقرة: 238]

ونعوذ بالله أن نكون من المنافقين الذين قال فيهم ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى: ﴿ ... إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾. [النساء: 142]

والصلاةُ لا تصح إلا بالطهارة من الحدثين، الأصغرِ والأكبر، ولا تصحّ إلا بالوضوء فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾. [المائدة: 6]

حتى في أوقات البردِ وشدته، قال صلى الله عليه وسلم: ["وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ"] في وقت البرد وشدته، حتى يكفِّرَ الله عنك ما تقدم من سيئات، فعليك بالوضوء في السبرات، وهذا العمل من الكفارات.

و[إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ]: معناه إِتْمَامُهُ وَإِكْمَالُهُ؛ بِاسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ بِالْغُسْلِ، وَتَكْرَارِ الْغُسْلِ ثَلَاثًا، أي ثلاث مرات. [4]

و[السَّبَرَات]، هي السَّبْرة بالسين، وهي جمع سَبْرة، وهي شدة البرد، وسبرات كسجدة وسجدات في اللغة. [5]

هذه تنفع الإنسان، فلا تتوضأ إلى نصف ساعدك من شدة البرد، ما ينبغي، لا بد من إكمالِ وإسباغ وإتمام المحل كاملا يا عبد الله.

["وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ"]، بعد أن توضأت توكل على الله فتوجّه إلى بيت من بيوت الله سبحانه وتعالى، تؤدِّي فيه الصلاة، لله وحده لا شريك له، ومشيك هذا هو من الكفارات، فالصلاة في جماعة ولأهميتها البالغة بين سبحانه وتعالى كيفيتها أثناء الحروب، حتى في الحرب لا بد للصلاة من جماعة؟ نعم! حتى في الحرب يوجد صلاة جماعة، ولهذه الكيفية آيةٌ طويلةٌ في كتاب الله، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ-في حال القتال والحرب- ﴿ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ ﴾ -أي في حال الأمن وتوقف الحروب- ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾. [النساء: 102- 103]

["وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ"]؛ ودرجات الجنات لا تحصى، وكلٌّ حسب عمله، ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾. [الأنعام: 132]

وهناك درجاتٌ في الدنيا، ومناصبُ وكراسيّ، فالدنيا مليئةٌ بهذه الأشياء، وقد يأخذ منها البعض مع وجود إيمانهم وتوحيدهم، وتأخذ من الدنيا من هذه المراتب، وهناك منازلُ ومنابرُ ودرجاتٌ أعظم منها يوم القيامة، قال سبحانه: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾. [الإسراء: 21]

انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا، بعض الناس فقير جدًّا، وبعض الناس غنيٌّ جدًّا، وبعض الناس مسئولٌ مسئوليَّةً عظمى وكبرى، وبعض الناس يسأل ويتكفّف الناس أعطوه أو منعوه، ولذلك قال: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾.

وعلى قدر الإيمان بالله وقوَّتِه، وإخلاصِه في أعماله الصالحة، يعلو العبد إلى الدرجات العُلَى، قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى* جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى. [طه: 75- 76]

وأهل العلم يرفعهم ربهم درجات، قال سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾. [المجادلة: 11]
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد؛
ومن الأعمال المتيسرة والسهلة والميسورة، التي توصل العبد المؤمن للدرجات العاليات ما قاله صلى الله عليه وسلم: ["وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ"]، وهذا العمل يرفع صاحبه درجات، قال سبحانه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾. [الإنسان: 8- 10]

هذه نية الإطعام؛ يدخل في ذلك إطعامُ المسلم والكافر، إطعامُ الإنسان والحيوان، لا يبخل المسلم على هذا المشرك أو ذاك الكافر، حتى يكسِبَ ودَّ هؤلاء وهديَهم إلى دين الإسلام.

ثانيا: ["وَإِفْشَاءُ السَّلامِ"]، وهذه اجتماعيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وهو من الدَّرَجَاتُ، قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴾. [النساء: 94]
وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا. [النساء: 86]
وقال سبحانه: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾. [النور: 61]
فالمؤمنون الموصوفون بصفات الإيمان والتقوى؛ ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾. [الفرقان: 75]
في الجنة؛ المؤمنون -نسأل الله أن نكون منهم ومعهم، اللهم آمين- ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. [يونس: 10]
أيها الطيبون؛ أفشوا السلام بينكم لتكونوا من ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [النحل: 32].

ومن الدرجات أيضا؛ ["وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ"]، هو من الدَّرَجَاتُ، فمن صفات المؤمنين المتقين المحسنين أنهم؛ ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. [الذاريات: 17- 19].

وهناك مفاضلة وتفاضل، يقول الله عز وجل: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾. [الزمر: 9].

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ -والتسبيح بمعنى الصلاة والذكر وغيرها- ﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾. [ق: 40].

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾. [الإنسان: 26].

يا أهل الدرجات! يا من تريدون الدرجات العلى في الجنة! يا من تريدون النجاة النجاة! يا من تريدون الكفارات! يا من تريدون هذه الأشياء التي تقرِّبكم من الله سبحانه وتعالى وترفعكم عنده منازلَ ومنابرَ ودرجاتٍ، هذا هو ديننا.

وهذه الأعمال البسيطةُ السهلةُ الميسورةُ هي التي ترفعنا عند الله سبحانه وتعالى درجات؛ بإخلاص وتوحيد، بنزع الغل والحقد والحسد من القلوب والصدور، بمحبة المسلمين إن شاء الله، بإفشاء السلام وإطعام الطعام، كلُّ هذه الأمور فيها رفعةٌ في الدرجات إن شاء الله.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلا إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما يا رب العالمين.

اللهم فكّ أسر المأسورين وسجن المسجونين، واقضِ الدين عن المدينين، ونفِّس كرب المكروبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا أجمعين، وأسكنا الفردوس الأعلى من الجنة بلا حساب ولا عذاب يا رب العالمين.

وأقم الصلاة ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. [العنكبوت: 45]



[1] (طس) (5754)، انظر صَحِيح الْجَامِع [3039]، [3045]، صَحِيح التَّرْغِيبِ [53].

[2] انظر فيض القدير [3/ 405].

[3] انظر [فيض القدير].

[4] انظر تحفة الأحوذي [ج1/ ص61].

[5] انظر فيض القدير [3/ 406].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.47 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]