الإطار القانوني لممارسة التجريب العلمي على الأشخاص - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 637 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 269 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 368 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 837018 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-03-2019, 12:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي الإطار القانوني لممارسة التجريب العلمي على الأشخاص

الإطار القانوني لممارسة التجريب العلمي على الأشخاص














د. ليلى جمعي



مقدمة:


سيظل التطور العلمي في مجال العلوم الطبية مساحة أمل واسعة لكثير من المرضى وذويهم خلال كفاحهم ضد المرض الذي عادة ما ينخر أجسامهم ويوقف حياتهم، مما يجعل من مسألة دعم البحث العلمي في هذا المجال بشرى تستحق كل التقدير بالنسبة للمرضى وعوائلهم،كما قد يعد العمل في مجال تطوير البحوث الطبية شغفًا كبيرًا لكثير من الباحثين من أصحاب التخصص، الذين قد لا يتوانَوْن عن تجريب كل ما هو ممكن للتوصل لكل ما هو جديد، سواء بهدف مساعدة مرضاهم على تجاوز ما يعيقهم؛ من عجز أو مرض، أو بغية تحقيق ذواتهم، والشهرة لأنفسهم بسبب الآفاق التي قد يفتحونها[1] أمام مستقبل البحث العلمي.





إذ لا يمكن لأحد أن ينكر التطور الذي عرفته البشرية في مجال الصحة، بسبب تطور إمكانية زرع الأعضاء والأنسجة، سواء كان مصدرها الإنسان أو غيره من الكائنات الحية، إضافة إلى استعمال بعض الأجسام ذات الطبيعة الآلية،إلا أن تحقيق مثل هذا التطور قد لا يكون ممكنًا إلا بعد تجريب تلك الأساليب العلاجية الجديدة، أو الأدوية المكتشفة وثبوت فعاليتها.





إن حدوث أي تقدم علمي في مجال المكتشفات العلمية الطبية لا يمكن لمسه على أرض الواقع إلا بعد عمل شاق وتجارِب علمية كثيرة، تبدأ عادة بالتجارب على الحيوانات، لتنتهي بالتجريب على الإنسان،ولكن إلى أي مدى يمكن لهذه التجارب أن تكون آمنة وغير ضارة بالأشخاص الذين قد تمارس عليهم؟





إن إلحاح مثل هذه التساؤلات يجد سببه في حقيقة تأثر الجسد الإنساني بكل ما قد يتناوله الإنسان من مأكولات أو أدوية أو أي مادة الأخرى، وهو ما يجعل البعض يتحفظ على إجراء مثل تلك التجارب على الإنسان من أجل تطوير محتمل لوسيلة علاجية ما، وجريًا وراء التنافس لتحقيق مزيد من الإنجازات في هذا المجال؛لذا اتجهت الكثير من القوانين الحديثة - منها القانون الجزائري - إلى وضع الأطر القانونية المناسبة لإجراء التجارب العلمية على البشر، سعيًا منها للتوفيق بين إمكانية دعم البحث العلمي الطبي، بسبب أهميته في حماية صحة الأفراد والمجتمع على السواء، ومكافحة الأمراض، ولكن دون إغفال لإلزام الباحث المبادر بالتجارِب باتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات الضرورية لضمان سلامة الشخص الذي يخضع لتلك التجارب، فما هي هذه الأطر؟






للإجابة على السؤال المطروح أعلاه، يجب أولاً الوقوف على الأساس القانوني لممارسة هذا النوع من التجارب، ثم تحديد الالتزامات التي وضعها القانون على عاتق الباحثين الذين يمارسون تلك التجارب؛ لضمان سلامة الأشخاص الخاضعين لها.





المبحث الأول: الأسس القانونية للتجريب العلمي على الأشخاص:


يعد التجريب العلمي أساس أي تطور علمي في مجال العلوم التجريبية، بما فيها العلوم الطبية، ولو كان محله الإنسان، رغم ما قد ينجر عن ذلك من خطر على صحة ذلك الشخص وسلامته الجسدية؛لذا تتجه الدول الحديثة إلى تحديد الأطر القانونية التي يسمح بموجبها وفي حدودها للباحثين العاملين في مجال العلوم البيوطبية بتجريب نتائج أبحاثهم على الأشخاص، الذين رضوا وقبلوا الخضوع لها، ولكن بعد استشارة المجلس الوطني لأخلاقيات مهنة الطب، الذي لا يمكن ممارسة التجريب دون موافقته في الحالة التي لا يرجى من ورائها الاستطباب بالنسبة للشخص الذي اختار الخضوع للتجريب المقترح عليه من قِبل الباحثين أصحاب المشروع.





المطلب الأول: مواصفات الأشخاص الذين يمكنهم الخضوع للتجريب العلمي:


نصت المادة 12 من ق ص على أن هياكل الصحة مدعوة إلى القيام بأعمال التكوين والبحث العلمي...باعتبارها الوسيلة الفعالة لتطوير الصحة وترقيتها،إلا أنه يجب وفق المادة 13 من نفس القانون على تلك الهياكل ممارسة تلك النشاطات مع الاحترام الكامل للمريض،فهل هذا يعني أنه يتوجب على الباحث العلمي في مجال العلوم الطبية أن يتوقف عند حدود المرض الذي قد يعاني منه الشخص المريض الخاضع للبحث؟





يبدو جليًّا من النصوص السابقة أن البحث العلمي الطبي قد ينصب على دراسة مرض ما، مما يجعل من المرضى الذين يعانون من ذلك المرض عينة جيدة لمساعدة الباحث على التقدم في أبحاثه،إلا أنه يمكن أن نستشف أيضًا من ذات النصوص المنظمة لهذا النوع من البحوث[2] أنه يمكن للأشخاص الأصحاء التطوع للخضوع لهذا النوع من التجريب أيضًا.





حيث نصت المادة 168 من ق ص في هذا الإطار على أنه: "ينشأ مجلس وطني لأخلاقيات العلوم الطبية، يكلف بتوجيه وتقديم الآراء والتوصيات حول عملية انتزاع الأنسجة والأعضاء وزرعها، والتجريب، وكل المناهج العلاجية التي يفرضها تطور التقنيات الطبية والبحث العلمي، مع السهر على احترام حياة الإنسان وحماية سلامته البدنية، وكرامته، والأخذ بعين الاعتبار الوقت الملائم للعمل الطبي، والقيمة العلمية لمشروع الاختبار والتجريب"[3].





نستنتج من النص السابق أن التجريب العلمي على الإنسان ممكن، سواء كان ذلك بهدف العلاج، أو بسبب القيمة العلمية لمشروع الاختبار أو التجريب،وهو ما يمكن أن نستنتجه أيضًا من المادة 168/3 من نفس القانون، التي نصت على وجوب خضوع التجارِب التي لا يرجى من ورائها العلاج للرأي المسبق للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية،وهذا يدل على أن التجريب العلمي قد يكون هدفه علميًّا بحتًا، كما قد يهدف إلى غاية مزدوجة، هي تطوير البحث العلمي في مجال العلوم الطبية والعلاج معًا.





تتم ممارسة التجارب على الأشخاص بشروط، هي رضا الشخص المعني، مضاف إليه وجوب موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات مهنة الطب عندما لا يكون الهدف من التجريب هو العلاج، مع التزام طاقم البحث بالحفاظ على حياة وسلامة الشخص محل التجريب.





المطلب الثاني: الموافقة المسبقة للشخص الخاضع للتجريب:


نصت في هذا الصدد المادة 168/2 من ق ص على أنه: "يخضع التجريب للموافقة الحرة والمستنيرة للشخص موضوع التجريب...".





يجب - وفق النص المذكور أعلاه - أن تكون موافقة الشخص الذي قبل الخضوع للتجريب حرة ومستنيرة، فما المقصود بذلك؟





الفرع الأول: وجوب الموافقة الحرة:


أكدت المادة 168/2 على ضرورة موافقة الشخص على الخضوع للتجريب في كل الأحوال، ولا يعتد بتلك الموافقة إلا إذا كانت حرة.





وتوصف موافقة الشخص بأنها حرة متى استكملت الشروط التي يتطلبها القانون لتكون كذلك.





وذلك بأن تكون صادرة عن شخص كامل الأهلية وسالم الرضا:


1 - أن يكون الشخص كامل الأهلية:


يعتد بموافقة الشخص على الخضوع للتجريب متى عبر عن إرادته تلك وهو كامل الأهلية، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 40 من ق م، والتي تعتبر الشخص كامل الأهلية متى بلغ من العمر تسع عشرة سنة، متمتعًا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه[4]، فهل هذا يدل على أن القانون يمنع العلماء والباحثين من ممارسة التجريب العلمي على الأطفال ومن في حكمهم؟





نصت المادة 168/2 من ق ص بعدما أكدت المادة التي قبلها على إمكانية ممارسة التجارب العلمية الطبية على الأشخاص، على أنه: "يخضع التجريب للموافقة الحرة...للشخص...وعند عدمه لممثله الشرعي،"مما يعني أن المقنن الجزائري يسمح بممارسة التجريب العلمي على الأطفال ومَن في حكمهم من دون تمييز بين التجريب العلمي البحت والتجريب العلمي العلاجي، مع العلم أن تبني المقنن لمثل هذا الموقف من شأنه أن يشكل خطرًا على الأطفال، خاصة الأصحاء منهم؛لذا كان حريًّا به - أي القانون الجزائري - النص صراحة على منع ممارسة التجارب العلمية على الأطفال الأصحاء خاصة، ولو كانت بموافقة ممثليهم الشرعيين على ذلك، أو على الأقل كان يجب عليه تحديد الشروط والضوابط التي يمكن بمقتضاها ممارسة تلك التجارب، ولا يترك ذلك منوطًا بالسلطة التقديرية للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية وحده، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 169/3 من ق ص[5].





2 - سلامة الرضا:


توصف موافقة الشخص على الخضوع للتجريب بأنها حرة متى عبر عن موافقته تلك وهو كامل الأهلية[6]، ودون أي ضغط أو إكراه أو غش أو تدليس أو غلط من شأنه أن يَعيب رضاه بالخضوع لها.





إلا أن الصعوبات التي تعترض الباحثين والعلماء للحصول على عينات بشرية للاختبار بسبب تخوُّف الأشخاص من الآثار الجانبية السلبية لهذا النوع من التجارِب على صحتهم وحياتهم، أو نتيجة لحرص الباحثين على سرية أبحاثهم، وما قد يتوصلون إليه من نتائج جزئية إلى حين استكمال أبحاثهم تلك، والوصول بها إلى نهايتها - قد تُشكِّلُ عائقًا حقيقيًّا أمام الباحثين والمؤسسات المشرفة على تلك البحوث في الحصول على موافقة الأشخاص بالخضوع لتلك التجارب، ما قد يدفع بالباحثين للسعي للحصول على عينات بشرية لممارسة اختباراتهم وتجاربهم بطرق ملتوية تعفيهم من ضرورة الالتزام بضرورة احترام الموافقة الحرة للشخص محل التجريب،ومن تلك الطرق اللجوء إلى الأشخاص المحرومين من حرياتهم بالمؤسسات العقابية لاستعمالهم كفئران تجارب،وخير شاهد على وقوع مثل هذه الممارسات ما حدث في ألمانيا - خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية - وكذلك في غيرها من الدول، مثل يوغسلافيا سابقًا، من جرائم واعتداءات من جراء ممارسة التجريب العلمي الطبي على أشخاص أحياء من السجناء، خاصة في حالة الحروب،وهو ما تنبه له القانون الجزائري، كما يظهر من نص المادة 12 من المرسوم التنفيذي رقم 92- 276 [7]، والتي بموجبها ألزم المقننُ الطبيبَ بعدم استعمال مهاراته ومعرفته بهدف تعذيب أو إهانة الأشخاص مسلوبي الحرية تحت أي ظرف كان،وهذا يعني أن الطبيب الباحث ملزم بعدم استعمال الأشخاص مسلوبي الحرية كمحل للتجريب والاختبار في أبحاثه، وإلا عد معتديًا على هؤلاء الأشخاص دون رضاهم، باعتبار أن وجودهم داخل المؤسسات العقابية ووجوب خضوعهم لإدارة تلك المؤسسات يجعلهم في حكم الأشخاص تحت الإكراه.





إذًا لا يمكن للشخص أن يخضع للتجريب العلمي إلا إذا أبدى موافقته الحرة بقبول خوض التجربة المعنية بكل حرية،ولا يمكن أن توصف موافقته تلك بأنها حرة إلا إذا خاض تلك التجربة على ضوء التوضيحات المقدمة له من الأشخاص القائمين على تلك التجارب، بهدف شرح كل الحقائق والملابسات التي قد تصاحب أو تترتب على عملية التجريب، وهو ما أكد عليه القانون الجزائري الذي اشترط في تلك الموافقة أن تكون حرة ومستنيرة.





الفرع الثاني: الموافقة المستنيرة:


يحتاج فهم مصطلحات أي تخصص دقيق وإدراك معاني الموضوعات التي يتناولها بالبحث والدراسة، زيادة على الإحاطة الواسعة أو اطِّلاع المتعمق بجزئيات ذلك التخصص - إلى الدراسة الطويلة والمتعمقة والعمل والبحث المتواصل على مدار سنوات طويلة، لا يمكن أن تتيسر إلا لمن بذل كثيرًا من الجهد.





زيادة على ما سبق ذكره، أصبحت الحقائق العلمية أكثر تعقيدًا بسبب التطورات المستمرة للأبحاث التي ما فتئ الباحثون والعلماء يجدُّون في إنجازها في إطار دراساتهم الأكاديمية، وبمناسبة شغفهم المعرفي وطموحاتهم العلمية، في ظل تنافس الدول والمؤسسات على تطوير تلك الأبحاث، خاصة في مجال العلوم البيوطبية؛ لأنها تشكل بوابة أمل لصحة الإنسان الذي يطمح لصحة أفضل، وسيطرة أكبر على الأمراض التي كانت وما زالت تهدد صحته وحياته؛لذا قد يستحيل على الشخص إذا لم يكن متخصصًا - أو من باب أولى إذا كان أميًّا - أن يفهم تلك المصطلحات، سواء تعلقت بالأمراض أو بالأدوية وغيرها من الوسائل العلاجية المختلفة؛ ما يوجب على الطبيب الباحث إعلام وإحاطة الأشخاص الذين قبلوا الخضوع للتجارب العلمية التي يحتاجها في مشروعه العلمي بكل المعلومات التي تتعلق بتلك التجارِب وكيفية إجرائها، والنتائج والمضاعفات التي قد تترتب عنها، كما يجب في كل الأحوال ألا تكون تلك المضاعفات ضارة بصحة الشخص محل التجريب، ولا بأجهزته الحيوية ووظائفها.





وهو ما أكد عليه القانون الجزائري، الذي اشترط في أن تكون موافقة الشخص على الخضوع للتجريب حرة ومستنيرة، وفق ما هو منصوص عليه صراحة في المادة 168/2 من ق ص،إلا أن موافقة الشخص محل التجريب لا تكون كافية وحدها في حالة ما إذا كان التجريب في إطار البحث العلمي البحت، بل لا بد من أن تكون مرفقة بموافقة المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية.





المطلب الثاني: وجوب موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات الطب على التجارب غير العلاجية:


نصت المادة 168/3 من ق ص على خضوع التجارِب التي لا يرجى من ورائها العلاج للرأي المسبق للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية المنصوص عليه في المادة 168/1.





يتولى المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية وفق المادة 168/1 من ق ص المهام المشار إليها في المادة 168/3 من نفس القانون: فما هي هذه المهمة الملقاة على عاتقه في هذا الإطار؟ وما هي الواجبات التي يجب عليه الالتزام بها بهذه المناسبة؟





الفرع الأول: توجيه وتقديم الآراء والتوصيات المتعلقة بالتجريب العلمي:


يتولى المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية بحكم المادة 168/1 من ق ص توجيه وتقديم الآراء والتوصيات المتعلقة بالتجريب العلمي، وتطور المناهج العلاجية التي يفرضها تطور التقنيات الطبية والبحث العلمي.





يقوم المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية بالإشراف على النشاط البحثي في مجال العلوم الطبية من خلال قيامه بعملية التوجيه، وتقديمه للآراء والتوصيات المتعلقة بالتجريب العلمي، وتطور كل المناهج العلاجية التي يفرضها تطور التقنيات الطبية والبحث العلمي.





إلا أنه لا يمكن ممارسة أي تجارب علمية على الإنسان لغايات علمية بحتة دون موافقة ذات المجلس، الذي يتوجب عليه عند إبداء موافقته حول إجراء تلك التجارب السهر على احترام حياة الإنسان، وحماية سلامته البدنية، وكرامته، مع أخذ الوقت الملائم للعمل الطبي بعين الاعتبار، ومراعاة القيمة العلمية لمشروع الاختبار والتجريب.





الفرع الثاني: الواجبات الملقاة على المجلس:


يجب على المجلس عند إبداء موافقته على إجراء التجريب العلمي على الإنسان أن يتأكد من القيمة العلمية لمشروع الاختبار والتجريب، مع التزامه باحترام حياة الإنسان وحماية سلامته البدنية وكرامته.





1 - مراعاة القيمة العلمية لمشروع الاختبار والتجريب:


يقع على عاتق المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية واجب التأكد من القيمة العلمية لمشروع التجريب والاختبار قبل إبداء موافقته عليه وفق ما هو منصوص عليه صراحة في المادة 168/1 من ق ص.





وهذا يعني أن القيمة العلمية لمشروع التجريب تعد أحد المعايير المحددة لمدى قبول المجلس لممارسة التجريب العلمي على الإنسان الحي من عدمه، إضافة إلى ضرورة التأكد من عدم إضرار عملية التجريب بحياة الإنسان وسلامته الجسدية أو كرامته الإنسانية.





2 - السهر على احترام الإنسان وحمايته:


يحتاج تطور البحث العلمي في مجال العلوم الطبية - بسبب طبيعته إضافة إلى أهميته لحماية الصحة الإنسانية على المدى البعيد - إلى كثير من الجهد والمال لإجراء التجارب تلو التجارب من أجل رصد النتائج العلمية المتوصل إليها والتأكد من صحتها،إلا أن تلك النتائج تبقى حبرًا على ورق ودون أي أهمية ما لم تؤكد صحتَها التجارِبُ التي يتم إجراءها على الإنسان.





إلا أن التجريب الطبي العلمي على الإنسان لا يكون دائمًا خاليًا من المخاطر على صحة هذا الأخير وحياته؛لذا ألزم القانون الجزائري المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية، استنادًا إلى المادة 168/1 من ق ص، بواجب السهر على حماية حياة الإنسان وسلامته البدنية وكرامته؛لأن تطوير البحوث الطبية لإضفاء مزيد من التفعيل على التقنيات الطبية الحديثة، لا بد ألا يتم على حساب حياة وسلامة وكرامة الشخص الذي قبِل الخضوع لتجريب تلك التقنيات أو غيرها من التجارِب الطبية العلمية بغية تطوير العلاج أو إحدى التقنيات الطبية كيفما كانت طبيعتها.





المبحث الثاني: التزام الباحثين بسلامة الشخص موضوع التجريب:


نصت المادة 168/2 من ق ص على أنه يجب حتمًا أثناء القيام بالتجريب على الإنسان في إطار البحث العلمي احترام المبادئ الأخلاقية والعلمية التي تحكم الممارسة الطبية، كما أكدت غيرها من المواد على وجوب مراعاة حماية صحة الإنسان وحياته أثناء القيام بتلك التجارب، وفي كل الأحوال لا يمكن إجراء تلك التجارب إلا بعد موافقة الشخص محل التجريب، زيادة على موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات الطب،الذي يجب عليه عند إبداء موافقته على تلك التجارب أن يضع نصب عينه واجب السهر على احترام حياة الإنسان وسلامته البدنية.





المطلب الأول: ممارسة التجريب في إطار احترام المبادئ الأخلاقية والعلمية للممارسة الطبية:


يكون المبادر بالتجريب العلمي في المجال الطبي باعتباره طبيبًا باحثًا في الطب ملزمًا - كغيره من الباحثين في العلوم المختلفة والأطباء الممارسين - بالقيام بعمله وفق ما تقتضيه القواعد العلمية والخلقية.





الفرع الأول: وجوب التزام المبادر بالتجريب بالمبادئ الأخلاقية والعلمية للممارسة الطبية:


نصت المادة 168/1 من ق ص، كما سبق ذكره، على أن الباحث المبادر بالتجريب ملزم - فيما يقوم به من تجارب على الإنسان - بالمبادئ الأخلاقية والعلمية للممارسة الطبية؛ أي إنه ملزم باحترام مجموع المبادئ العلمية التي تحكم النشاط العلمي والمهني الطبي والمتفق عليها بين أهل الاختصاص فيما يجريه من تجارب على الأشخاص،كما يكون ملزمًا بالامتثال للمبادئ الأخلاقية التي تحكم الممارسة الطبية في إطارها العام.





ونعني بالمبادئ الخلقية للممارسة الطبية وفق ما نصت عليه المادة الأولى من مدونة أخلاقيات الطب[8]: "مجموع المبادئ والقواعد والأعراف التي يتعين على كل طبيب...أن يراعيها وأن يستلهمها في ممارسة مهنته،"والتي يكون الطبيب الممارس أو الطبيب الباحث ملزمًا بمقتضاها باحترام حياة الفرد وشخصه البشري وسلامته البدنية[9]، كما يجب عليهما ممارسة نشاطهما في مكان تتوافر فيه التجهيزات الملائمة والوسائل التقنية الكافية، ويمنع عليهما في كل حال من الأحوال ممارسة نشاطهما في ظروف من شأنها أن تضر بنوعية الأعمال التي يمارسانها بما قد يعرض حياة المريض أو الشخص الخاضع للتجريب لخطرٍ من شأنه المساس بحياة الشخص أو سلامته البدنية[10].





الفرع الثاني: مسؤولية الباحث المبادر بالتجريب عن الإخلال بالتزاماته المهنية:


يتحمل المبادر بالتجريب مسؤولية أي مساس بأخلاقيات الممارسة الطبية أو بالأسس العلمية المطلوب منه احترامها أثناء قيامه بعملية التجريب على الشخص.





يسأل الباحث المبادر بالتجريب الذي أخل بالمبادئ الخلقية والعلمية المطلوب منه الالتزام بها أثناء قيامه بعملية التجريب للمسؤولية التأديبية دون المساس بإمكانية مساءلته مدنيًّا وجنائيًّا، وهو ما أكدت عليه المادة 221 من ق ص، التي نصت على أنه: "لا تشكل ممارسة العمل التأديبي عائقًا بالنسبة:


للدعاوى القضائية المدنية أو الجنائية.


للعمل التأديبي الذي تقوم به الهيئة أو المؤسسة التي قد ينتمي إليها المتهم".





كما أن رضا الشخص بالخضوع للتجريب لا يعفي المبادر بالتجريب من مسؤولياته المدنية عن الأضرار التي قد يتسبب فيها الشخص المتضرر.





المطلب الثاني: مسؤولية المبادر بالتجريب عن الأضرار التي تصيب الشخص محل التجريب:


نصت في هذا الصدد المادة 168/4 من ق ص على أنه: "لا يبرئ موافقة الشخص موضوع التجريب ورأي المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية المبادر إلى التجريب من مسؤوليته المدنية".





الفرع الأول: إمكانية تضرر الشخص من جراء التجارب التي قبل الخضوع لها:


تهدف التجارب العلمية التي يقوم بها الباحث المبادر بالتجريب على الأشخاص إلى التأكد من مدى فعالية نتائج الاختبارات التي سبق له التوصل إليها أثناء قيامه بعملية التجريب الأولية على الحيوانات،غير أنه لا يمكن للباحث ممارسة تلك التجارب - أي تلك التي يقوم بها على الأشخاص - إلا في ظل احترامه والتزامه بالمبادئ الخلقية والعلمية للممارسة الطبية[11].





إلا أن التزام الباحث بالمبادئ العلمية والخلقية للممارسة الطبية أثناء قيامه بعملية التجريب، وكذلك حصوله على موافقة الشخص محل التجريب والمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية - بعد تقديره للأهمية العلمية لمشروع البحث موضوع التجريب - لا يشكل ضمانات قاطعة لعدم إمكانية تضرر الشخص محل التجريب من تلك التجارب التي قبِل الخضوع لها بإرادته الحرة والمستنيرة،وهذا أمر طبيعي؛ لأن الهدف من التجريب على الأشخاص هو تطوير البحث العلمي الطبي، أو التوصل إلى المزيد من التأكيد للنتائج التي سبق للمبادر بالتجريب التوصل إليها خلال المراحل السابقة لبحثه.





إذًا هناك احتمال وارد بإمكانية تضرر الشخص محل التجريب من جراء تلك التجارب التي قبل الخضوع لها بكل حرية، ولتقويض هذا الاحتمال حمل القانون الجزائري المبادر بالتجريب المسؤولية المدنية عن الأضرار التي قد يتسبب في حدوثها للشخص محل التجريب بسبب ما يمارسه عليه من تجريب،وهذا يعني أن المبادر بالتجريب ملزم قانونًا وبمقتضى المادة 168/4 من ق ص بسلامة الشخص محل التجريب رغم قبوله الحر بالخضوع للتجريب.





الفرع الثاني: عدم إعفاء موافقة الشخص والمجلس الوطني لأخلاقيات الطب المجرب من مسؤوليته المدنية عن تلك الأضرار:


يستطيع الطبيب الباحث المبادرة بإجراء التجارب على الأشخاص بعد حصوله على موافقة الشخص محل التجريب، إضافة إلى موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية،إلا أن توافر تلك الموافقة لا يعفيه - أي الباحث المبادر بالتجريب - من مسؤولياته المدنية تجاه الشخص موضوع التجريب على النحو الوارد ذكره في المادة 168/4 من ق ص.





وذلك لأن حماية سلامة الأشخاص وحياتهم يعتبر مبدأً دستوريًّا وفق ما جاء التأكيد عليه في المواد 34 و35 من الدستور، وجواز ممارسة التجارب على الأشخاص بناءً على موافقتهم الحرة والمستنيرة، لا يعد مبررًا لقبول تضررهم من جراء تلك التجارب، بحجة أنهم قبلوا الخضوع لها بكل حرية؛ لذا يكون المبادر بالتجريب ملزمًا بسلامة الشخص محل التجريب بمقتضى المادة 168/4 من ق ص.





يكون الطبيب الباحث مسؤولاً مدنيًّا عما يتسبب فيه من ضرر للأشخاص محل التجريب؛لأن عمله ومشاركته في تطوير البحوث الطبية يجب ألا يكونا منفصلين عن حرصه على الحفاظ على سلامة الأشخاص الذين قبلوا أن تكون أجسامهم محلاًّ لتلك التحارب التي يقوم بإجرائها من أجل تحقيق المزيد من التقدم على مستوى البحث العلمي.





الخاتمة:


إذًا لقد حاول المقنن الجزائري التوفيق بين حاجة المجتمع لتحقيق المزيد من التطور على مستوى التقنيات الطبية وضرورة حماية سلامة الأشخاص الذين قبلوا المشاركة في التجارب الطبية التي يقوم بها الباحثون من أجل تطوير تلك التقنيات، وكذلك حياتهم.





ويظهر هذا الموقف التوفيقي للمشرع الجزائري من خلال اعترافه الصريح بإمكانية قيام الباحثين بالتجريب على الأشخاص الذين يقبلون بكل حرية الخضوعَ لتلك التجارب، وبعد الحصول على موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية،إلا أنه قيد الباحث أثناء قيامه بتلك التجارب أن يلتزم بسلامة الأشخاص محل التجريب من خلال إلزامه باحترام المبادئ العلمية والخلقية التي تقتضيها الممارسة الطبية، كما اعتبره مسؤولاً مدنيًّا عن أي ضرر قد يتسبب فيه من جراء عملية للشخص محل التجريب،وهذا يعني أن تطور البحث العلمي يجب ألا يتم على حساب سلامة الأشخاص الخاضعين للتجريب وأمنهم.







[1] تختلف الغايات والأهداف التي من أجلها يسعى الباحثون والعلماء إلى تطوير مكتشفاتهم وأعمالهم العلمية بين شغف البحث والمعرفة وتحقيق الشهرة والحصول على المال والمكانة العلمية.


[2] أي قانون الصحة.


[3] لقد ورد في نفس النص باللغة الفرنسية على أنه يمكن إجراء التجريب على الشخص متى كان ذلك ملائمًا لمقتضيات العلاج، أو بسبب القيمة العلمية لمشروع الاختبار أو التجريب.


[4] ينظر المواد 40 وما بعدها من القانون المدني، والخاصة بالأهلية.


[5] ينظر الجزئية المتعلقة بضرورة موافقة المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية.


[6] أي أن يكون قد بلغ سن تسع عشرة سنة كاملة مع سلامة قواه العقلية.


[7] المؤرخ في 06 يوليو 1992، والمتعلق بمدونة أخلاقيات الطب.


[8] - الصادرة بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 92- 276 المؤرخ في 6 يوليو 1992، المنشور بالجريدة الرسمية رقم 52 الصادرة في 08-07 -1992.


[9] المادة 6 والمادة 7 من مدونة أخلاقيات الطب.



[10] المادة 14 و17 من نفس المدونة.


[11] انظر ما سبق قوله حول هذه المسألة في ص 8 من هذا البحث.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.10 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]