تحقيق تخريج مسألة (إنا أنـزلنا المال)

[ابوالوليد المسلم]

تحقيق تخريج مسألة (إنا أنـزلنا المال)




















أ. د. محمد بن تركي التركي





قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: وسألت أبي عن حديث رواه ابن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبي المراوح، عن أبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ": إنا أنـزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واديان من مال " وذكر الحديث.









قال أبي: يروونه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد عن النبي صلى الله عليه وسلم.




♦♦♦♦♦♦










رجال الإسناد:




• ابن أبي فُديك: محمد بن إسماعيل، صدوق ربما أخطأ، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 635.




• ربيعة بن عثمان بن ربيعة القرشي التيمي، أبو عثمان المدني (ت 154).




روى عن زيد بن أسلم، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، وغيرهم.




روى عنه ابن أبي فديك، وابن المبارك، ووكيع، ومحمد بن عجلان، وغيرهم.




أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.




قال ابن معين، وابن نمير: ثقة. وقال الحاكم: كان من ثقات أهل المدينة ممن يجمع حديثه.




وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان فيه عسر[1]. وذكره ابن حبان في الثقات.




وقال النسائي: ليس به بأس.




وقال أبو زرعة: إلى الصدق ما هو، وليس بذاك القوي.




وقال أبو حاتم: منكر الحديث، يكتب حديثه.




قال ابن حجر: صدوق له أوهام.




انظر تهذيب الكمال 9/132، التهذيب 3/259، التقريب (1913).




زيد بن أسلم، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 635.









• أبو مراوح الغفاري الليثي المدني. قال مسلم: اسمه سعد. وسماه بعضهم واقد.




روى عن أبي واقد الليثي، وأبي ذر الغفاري، وحمزة بن عمرو الأسلمي.




روى عنه زيد بن أسلم، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار.




قال العجلي: مدني تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين.




وقال أبو داود: له صحبة.




وقال أبو أحمد الحاكم: يعد في النفر الذين ولدوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسماهم.




روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه حديثان من روايته عن أبي ذر، وحمزة الأسلمي. وهما جميع ماله عندهم من حديث.




قال ابن حجر: قيل له صحبة، وإلا فثقة من الثالثة.




قلت: ويمكن الجمع بأن يقال إن له صحبة اللقي في الطفولة، كما أشار الحاكم أبو أحمد ولكن ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ بدليل وجود واسطة بينهما في هذا السند، وقد صوبه البيهقي، كما سيأتي، وإن لم يكن هو أرجح الوجوه عموماً، والله أعلم.




أسد الغابة 5/293، تهذيب الكمال 34/270، التهذيب 12/227، التقريب (8350).









• أبو واقد الليثي، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 600.




• عطاء بن يسار، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 553.









تخريج الحديث:




روى زيد بن أسلم هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى أحد الرواة دونه:




أولاً: رواه ربيعة بن عثمان، واختلف على الراوي عنه:




1- فرواه أحمد بن صالح، ودحيم، عن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد، عن أبي المراوح، عن أبي واقد الليثي.




2- ورواه أحمد بن الفرج، عن ابن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد، عن أبي المراوح.




3- ورواه أبو الأزهر، عن ابن أبي فديك، عن ربيعة، عن زيد، عن أبي واقد الليثي عن أبي مراوح.









ثانياً: ورواه ثلاثة من الرواة، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد.




ثالثاً: ورواه عبدالله بن حسين بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن واقد الليثي.









وفيما يلي تفصيل ما تقدم:




أولاً: رواه ربيعة بن عثمان، واختلف على الراوي عنه:




1- فرواه أحمد بن صالح، ودحيم، عن ابن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد، عن أبي المراوح، عن أبي واقد الليثي:




أخرجه الطبراني في الكبير 3/248، رقم 3303، من طريق أحمد بن صالح.




والمؤلف في العلل 2/107، رقم 1817، عن أبيه، عن دحيم.




كلاهما عن ابن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، به.




وذكره أبو حاتم في هذه المسألة، وفي المسألة رقم 479، من رواية ابن أبي فديك، به.




كما ذكره الدارقطني في العلل 6/299، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2 ق 164/ب) من رواية ربيعة بن عثمان، به.




قلت: وأحمد بن صالح، هو المصري: ثقة حافظ (التقريب 48).




ودحيم: عبدالرحمن بن إبراهيم العثماني: ثقة حافظ متقن (التقريب 3793).









2- ورواه أحمد بن الفرج، عن ابن أبي فديك، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد، عن أبي المراوح:




أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2 ق 289/أ) في ترجمة أبي مراوح، وابن مندة في معرفة الصحابة ـ كما في أسد الغابة 5/294 ـ.




كلاهما عن محمد بن يعقوب الأصم، عن أحمد بن الفرج، عن ابن أبي فديك، به.




وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/81، من رواية ربيعة به، إلا أنه قال: عن واقد أبي مراوح الليثي. وعزاه إلى ابن مندة وأبي نعيم.




قلت: ولعل هذا تحريف في النسخ؛ فقد تقدم تخريجه عند أبي نعيم، والذي وقع عنده:




عن أبي مراوح، ولم يذكر واقداً، وكذا ذكره ابن الأثير في موضع آخر، كما تقدم عن ابن مندة، وسيأتي عن البيهقي ما يؤيد هذا.




وهذا الوجه من رواية أحمد بن الفرج، هو أبو عتبة الحجازي الحمصي، وقد تكلم فيه، وقال عنه ابن حجر: هو وسط. (لسان الميزان 1/245).









3- ورواه أبو الأزهر، عن ابن أبي فديك، عن ربيعة، عن زيد، عن أبي واقد الليثي، عن أبي مراوح:




أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 7/272، رقم 10281، عن أبي طاهر الفقيه، عن أبي حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، عن أبي الأزهر، به.




وقال البيهقي: كذا وجدته في كتابي، والصواب عن أبي مراوح، عن أبي واقد الليثي، ورواية [هشام][2] بن سعد أصح، وكذلك رواه عبدالله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد.




قلت: وأبو طاهر الفقيه، هو محمد بن محمد بن مَحْمِش، قال الذهبي: الفقيه العلامة القدوة، شيخ خراسان (السير 17/276).




وأبو حامد، هو الخشاب، قال الذهبي: الشيخ المسند الصدوق (السير 15/284).




وأبو الأزهر، هو أحمد بن الأزهر: صدوق كان يحفظ، ثم كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه. ولعل هذا مما حدث به من حفظه.




ومما تقدم فلعل الوجه الأول أرجح عن ابن أبي فديك؛ حيث رواه ثقتان حافظان كذلك، في حين خالفهما في الوجه الثاني متكلم فيه، والله أعلم.









ثانياً: ورواه ثلاثة من الرواة، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي:




أخرجه أحمد 5/218، 219، والطبراني في الكبير 3/247، رقم 3300، 3301، وفي الأوسط 3/221، رقم 2467، والبيهقي في شعب الإيمان 7/271، رقم 10277، 10278، وأبو عبيد في فضائل القرآن[3] (192)، رقم 8/51، والقطيعي في جزء الألف دينار (269)، رقم 176، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1 ق 164/أ، ب)، وأبو عبدالله القاسم بن الفضل الثقفي في الأربعين (ق 94/ب).




كلهم من طريق هشام بن سعد.




والطبراني في الكبير 3/247، رقم 3302، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1 ق 164/ب) من طريق سعيد بن سليمان، عن محمد بن عبدالرحمن بن مجبر.




وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1 ق 164/ب)، والبيهقي في شعب الإيمان 7/272، رقم 10281، معلقاً، من طريق عبدالله جعفر بن نجيح المديني.




كلهم عن زيد، عن عطاء، عن أبي واقد.




وذكره أبو حاتم في المسألة رقم 479، والدارقطني في العلل 6/298، من رواية هشام بن سعد، في مقابل رواية ربيعة في الوجه الأول من الاختلاف عليه، وقالا: وحديث هشام ابن سعد أشبه بالصواب[4].




قلت: وهشام بن سعد، قال ابن حجر: صدوق له أوهام (التقريب 7294). ولكنه من أثبت الناس في زيد بن أسلم. (تهذيب الكمال 30/208).




ومحمد بن عبدالرحمن بن مجبر: ضعيف جداً. (لسان الميزان 5/246).




وأما عبدالله بن جعفر، فهو والد علي بن المديني، وهو ضعيف.، (التقريب 3255).




ثالثاً: ورواه عبدالله بن حسين بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن واقد الليثي:




أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1 ق 164/ب)، من طريق محمد بن عباد المكي، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبدالله بن حسين بن عطاء بن يسار[5]، به.




قلت: وعبدالله بن حسين: ضعيف (التقريب 3275).









النظر في المسألة:




مما تقدم يتضح أنه اختلف على زيد بن أسلم وعلى بعض الرواة عنه، وخلاصة ما تقدم من الاختلاف عليه ما يلي:




1- رواه ربيعة بن عثمان ـ في الراجح عنه ـ، عن زيد، عن أبي المراوح، عن أبي واقد.




2- ورواه ربيعة بن عثمان ـ في وجه مرجوح عنه ـ، عن زيد، عن أبي المراوح.




3- ورواه ربيعة أيضاً ـ في وجه مرجوح عنه ـ، عن زيد، عن أبي واقد، عن أبي المراوح.




4- ورواه هشام بن سعد، وعبدالله المديني، ومحمد بن عبدالرحمن بن مجبر، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد.




5- ورواه عبدالله بن حسين بن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن واقد الليثي.









ولعل أرجح هذه الأوجه، هو الوجه الرابع؛ حيث رواه هشام بن سعد، وهو صدوق له أوهام، لكنه من أثبت الناس في زيد بن أسلم، وتابعه عبدالله المديني وهو ضعيف، وأما متابعة ابن المجبر فلا يعتد بها، لأنه ضعيف جداً.









في حين لم أجد من تابع ربيعة في الوجه الأول، الراجح عنه، ولا في الوجهين الباقيين، وهو كما تقدم صدوق له أوهام. وكذا لم أجد من تابع عبدالله بن حسين على الوجه الخامس، وهو ضعيف، كما تقدم.









ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه للوجه الثالث، حيث قال في هذه المسألة بعد أن سأله ابنه عن رواية ربيعة في الوجه الأول، قال " يروونه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.




وصرح بترجيحه له في المسألة رقم (479)، حيث قال: وحديث هشام أشبه.









وفي المسألة رقم (1817)، حيث قال: إنما هو عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.









والحديث من وجهه الراجح إسناده صحيح إن شاء الله، وإن كان فيه هشام بن سعد، وهو صدوق له أوهام، ولكنه من أثبت الناس في زيد بن أسلم، فتكون روايته عنه صحيحة بخصوصها، كما تابعه عبدالله المديني، وهو وإن كان ضعيفاً كما تقدم، ولكنه يصلح للمتابعة، والله أعلم.









وله أيضاً شواهد صحيحة كثيرة عن عدد من الصحابة وبعضها في الصحيحين، وانظر بعضها عند مسلم 2/725، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين...، والله أعلم.

[1] الذي في التهذيب أن هذا القول من رواية ابن سعد عن الواقدي، والصحيح أنه من كلام ابن سعد، وليس من كلام الواقدي، كما رجح ذلك محقق كتاب تهذيب الكمال 9/134.



[2] وقع في المطبوع: " همام " ولعل الصواب هشام، فهو الذي رواه عن زيد، كراوية عبدالله بن جعفر، كما سيأتي، إضافة إلى أني لم أجد في الرواة من اسمه همام بن سعد، والله أعلم.



[3] وقع في هذه الطبعة وهي بتحقيق وهبي غاوجي: " حدثنا عبدالله بن صالح، عن هشام بن سعد "، والصواب كما جاء في الطبعة الجديدة بتحقيق مروان عطية وآخرين (ص 322): " حدثنا عبدالله بن صالح، عن الليث، عن هشام "، فعبدالله بن صالح إنما يروي عن الليث، وهو كاتبه، ولا يروي عن هشام، وكذا جاء في شعب الإيمان من رواية الليث عن هشام، والله أعلم.



[4] وقد يوحى هذا بأن الدارقطني اعتمد على ما ذكره ابن أبي حاتم، فقد اقتصر على الوجهين اللذين عنده، وقال كقول أبي حاتم فيه، وقد يكون في هذا حجة لمن قال إنه استفاد من علل ابن أبي حاتم، والله أعلم.



[5] وقع في المخطوط: " ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبدالله بن حسن، عن عطاء بن يسار، عن زيد "، وصوابه، كما أثبته، فليس في شيوخ حاتم من اسمه عبدالله بن حسن، وإنما عبدالله بن حسين بن عطاء بن يسار، وكذلك فعطاء ليس من تلامذة زيد، وإنما من شيوخه، والله أعلم.