التتار من البداية إلى عين جالوت - الصفحة 14 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826444 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3907 - عددالزوار : 374334 )           »          سحور 9 رمضان.. حواوشي البيض بالخضار لكسر الروتين والتجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 283 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 361 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 480 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 380 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 376 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 382 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11482 - عددالزوار : 180165 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #131  
قديم 17-03-2020, 02:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

إعطاء الشرعية لدولة المماليك (131)


راغب السرجاني



الأثر الخامس لموقعة عين جالوت: إعطاء شهادة الميلاد الحقيقية لدولة المماليك العظيمة، فقد حملت هذه الدولة العظيمة راية الإسلام لمدة (270) سنة، وقد كانت بداية حكم المماليك منذ سنة (648) هجرية عند ولاية شجرة الدر، أي: قبل موقعة عين جالوت بعشر سنوات، ثم زوجها الملك المعز عز الدين أيبك المملوكي،
ولكن عين جالوت هي التي أعطت الشرعية أمام جميع المسلمين لدولة المماليك، فقد حقق المماليك في غضون عشر سنوات انتصارين هائلين على أعداء الإسلام: الانتصار الأول: انتصار المنصورة وفارسكور على جيوش الصليبيين بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا.
الانتصار الثاني: انتصار عين جالوت، ولئن كانت القيادة العامة لجيش المسلمين في موقعة المنصورة ثم في موقعة فارسكور قيادة أيوبية، فإن الجيش كان معتمداً في الأساس على المماليك، أما في عين جالوت فالانتصار كان مملوكياً خالصاً، فكانت القيادة مملوكية والجيش مملوكي، ولذلك شعر الجميع أن هؤلاء المماليك هم أقدر الناس على قيادة الأمة، فسلموا لهم.


وهكذا نشأت الدولة المملوكية، وحملت على عاتقها صد هجمات أعداء الله عز وجل من تتار أو صليبيين، وكانت دولة جهادية في معظم فتراتها.
ومع أن دولة المماليك حاولت أن تضفي شرعية على وجودها بصورة أكبر بعد ذلك حين استضافت أبناء بني العباس في القاهرة ابتداءً من سنة (659) هجرية بعد سنة من عين جالوت مباشرة، وفي عهد الظاهر بيبرس رحمه الله، إلا أن دولة المماليك لم تكن تمثل الخلافة الحقيقية للمسلمين؛ لأنها لم تكن في أقصى اتساعها تسيطر إلا على أجزاء محدودة من العالم الإسلامي، فكانت تسيطر على مصر والشام والحجاز واليمن وأجزاء من العراق وأجزاء من ليبيا، وأما بقية العالم الإسلامي فكان موزعاً بين طوائف شتى، ولم يجد المسلمون معنى الخلافة الحقيقية الجامعة لكل المسلمين، إلا بعد قيام الخلافة العثمانية العظيمة التي أعادت جمع المسلمين بعد سنوات من التفرق.


وعلى العموم فدولة المماليك كانت أقوى دول المسلمين في فترة وجودها، وكانت أكثرها جدية، وأعظمها هيبة، ولذلك كثيراً ما يطلق المؤرخون على العهد الذي عاش فيه المماليك العهد المملوكي، متجاهلين بذلك كثيراً من الممالك والدول الصغيرة التي عاشت إلى جوار دولة المماليك.
إذاً: فدولة المماليك ولدت ميلاداً حقيقياً بعد عين جالوت، وحملت راية الإسلام حوالي (270) سنة، إلى أن جاءت الخلافة العثمانية الكبرى، لتحمل راية المسلمين بقوة بعد دولة المماليك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #132  
قديم 17-03-2020, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

توحد مصر والشام و انتهاء حكم الأيوبيين (132)


راغب السرجاني


الأثر السادس وهو أثر في منتهى الأهمية: عودة الوحدة العظيمة بين مصر والشام، حيث كونت تحالفاً إستراتيجياً صلباً مثّل حاجزَ صدٍ رائع ضد الهجمات الأجنبية، فمصر والشام بما فيها فلسطين يمثلان قلب العالم الإسلامي إستراتيجياً وسياسياً وجغرافياً وثقافياً وتاريخياً،
واتحادهما يمثل عامل أمان كبير جداً لكل المنطقة، كما أنه يقلل كثيراً من أطماع الطامعين في العالم الإسلامي، ومعظم أعداء الإسلام يركزون تفكيرهم على منطقة مصر والشام، وذلك لأسباب دينية واقتصادية وعسكرية وغيرها، ومن هذا يتضح لنا أنه لا نجاة لهذه المنطقة إلا بوحدة شاملة بين كل الشام، بما فيه سوريا وفلسطين والأردن ولبنان وبين مصر؛ ليكوّنا كياناً واحداً،
وهذا هو ما فعلته دولة المماليك الناشئة، وفعله من قبل نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهما الله، وفعلته بعد ذلك الخلافة العثمانية القوية، وصدق الله عز وجل إذ يقول في كتابه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].

وقد شاهدنا في كل لحظات التقدم والتفوق في تاريخ المسلمين الوحدة بين المسلمين، وبالذات بين منطقة مصر والشام.الأثر السابع وهو أثر ملحوظ جداً: اختفى معظم الأمراء الأيوبيين، الذين كانوا أقزاماً في ذلك الزمن الذي لا يعيش فيه إلا العمالقة، والذين فرطوا تماماً في حمل الأمانة الثقيلة التي خلفها لهم جدهم العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولم يكن لهم من هم إلا الصراع على السلطة وجمع المال وتوريث الأبناء،

وعاشوا حياتهم في مؤامرات ومكائد، وداسوا على كل الفضائل والمكارم في صراعاتهم، حتى اشتهر بينهم موالاة النصارى تارة، والتتار تارة أخرى، بل واستعانوا بهم في حرب إخوانهم من المسلمين، وأحياناً في حرب إخوانهم الأشقاء، وظلّ هؤلاء الأقزام يُذيقون شعوبهم الألم والظلم والقهر والخيانة، ويقاومون أي مشروع للوحدة تحت راية واحدة؛ لأن كل واحد منهم يريد الحكم لنفسه، وظلوا يقاومون الحكم المملوكي في مصر سنوات طويلة، ويتعاونون مع الصليبيين لإسقاطه، إلى أن حدثت موقعة عين جالوت الخالدة، فكشفت هذه الزعامات الوهمية الفارغة أمام شعوبها وسقطت، وعرف كل زعيم منهم قدره الحقيقي، ورضي بما يناسب حجمه، فإما أن يرضى بإمارة بسيطة تحت حكم قطز العظيم رحمه الله كما رضي بذلك الأشرف الأيوبي كما فصلنا منذ قليل، وإما أن ينخلع من مكانه ويترك المكان للأقوياء العظماء، فقد حفظت عين جالوت الأمة وحمتها من أعدائها التتار، وحمتها كذلك من شر أبنائها، من أمثال هذه الزعامات الفارغة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #133  
قديم 17-03-2020, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

تحرير بلاد الشام من الإمارات الصليبية (133)



راغب السرجاني



الأثر الثامن: وهو في منتهى الأهمية، ويحتاج إلى تفصيل طويل، وسنتكلم عليه إن شاء الله عند الحديث عن الحروب الصليبية في مجموعة أخرى من المحاضرات، وهذا الأثر هو نتيجة الوحدة بين مصر والشام، واختفاء الأمراء الأيوبيين الأقزام من على الساحة، وظهور الدولة المملوكية القوية، والطبيعة الجهادية لدولة المماليك، والنشأة الإسلامية والحمية الدينية والفقه العالي الرفيع لهذه الدولة،
حدث أمر هائل عظيم، فقد أخذ المماليك على عاتقهم بعد عين جالوت: مهمة تحرير بلاد الشام وفلسطين من الإمارات الصليبية التي ظلت تحكم هذه المناطق منذ سنة (491) من الهجرة، أي: مدة (166) سنة، وهذه الإمارات الصليبية كانت قد عاشت وتمركزت في هذه المناطق في الشام وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا، ولكن بعد عين جالوت بدأ المسلمون يتفرغون لهذه الإمارات الصليبية، ومع أن عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله قد بذلوا جميعاً جهوداً مضنية لتحرير هذه المناطق إلا أنه بقي كثير منها لم يحرر، كما فرط أبناؤهم في بعض الولايات المحررة، فتنازلوا عنها من جديد للصليبيين.

ولذلك فبعد عين جالوت وبعد استقرار المماليك في الحكم بدءوا يوجهون جيوشهم الواحد تلو الآخر لتحرير هذه البلاد الإسلامية العظيمة في كل هذه المناطق.
فبدأ الظاهر بيبرس رحمه الله الذي تولى الإمارة بعد قطز رحمه الله منذ سنة (659) من الهجرة يعني: بعد عين جالوت بشهور قليلة في إرسال الحملات الواحدة تلو الأخرى لتحرير هذه الإمارات الصليبية، وبعد جهاد مضن بدأت الإمارات الصليبية في التساقط في أيدي المسلمين في سنة (664) هـ، -يعني: بعد عين جالوت بخمس سنوات، وحرر المسلمون عدة مدن فلسطينية، فقد حرروا قيسارية وحيفا وحصن أرسوف، وفي سنة سنة (665) حررت صفد في الشمال الشرقي لفلسطين، وبينما كان الظاهر بيبرس رحمه الله يحرر هذه البلاد في فلسطين كان سيف الدين قلاوون رحمه الله أحد أعظم قواده يحرر قليقية في تركيا، وهي مدينة من أعظم المدن في تركيا، وهي إمارة صليبية قديمة، وانتصر هناك على قوات الأرمن النصرانية بقيادة الملك هيثوم، الذي تحالف مع هولاكو في إسقاط بغداد ثم إسقاط الشام، وجمع سيف الدين قلاوون غنائم لا تحصى، وأسر من الصليبيين ونصارى الأرمن أربعين ألفاً.


وفي سنة (665) هجرية، وسنة (666) هجرية حرر الظاهر بيبرس يافا، وفي سنة (667هـ) حررت أنطاكيا وهزم الأمير بوهمند الذي أيضاً كان متحالفاً مع التتار في إسقاط الشام وفي حرب المسلمين هناك، وكانت أنطاكيا أول مملكة صليبية في بلاد المسلمين، فقد احتلت سنة (491) هجرية، وكانت أغنى الإمارات، حتى إن غنائمها من الذهب والفضة كانت توزع على الفاتحين بالمكيال وليس بالعدد من كثرتها، ولم يبق عند وفاة الظاهر بيبرس رحمه الله من المدن الإسلامية المحتلة إلا القليل، مثل عكا، وكانت أقوى المدن المحتلة، وبعض المدن في سوريا ولبنان مثل: صور وصيدا وبيروت وطرطوس واللاذقية في سوريا.


وفي سنة (684) من الهجرة حررت طرابلس، يعني: بعد عين جالوت بست وعشرين سنة على يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون.
ثم خلفه بعد ذلك ابنه السلطان العظيم جداً الأشرف خليل بن قلاوون رحمه الله، وهو من أعظم سلاطين المسلمين، وقد أخذ على عاتقه تحرير كل الممالك الصليبية المتبقية، فحررت عكا الحصينة سنة (690) هجرية، يعني: بعد حوالي قرنين كاملين من الاحتلال الصليبي، وبعد فشل كل أمراء المسلمين السابقين على مدى هذين القرنين بتحريرها، وبفتح عكا سقطت أعظم معاقل الصليبيين في الشام، وبعدها بقليل حررت صيدا وصور وبيروت وجبيل وطرطوس واللاذقية، وبذلك انتهى الوجود الصليبي تماماً من الشام بعد اثنين وثلاثين سنة من موقعة عين جالوت، مما يجعل كل هذا التحرير أثراً مباشراً من آثار عين جالوت، فما أعظم تلك الموقعة التي أعزت الإسلام بهذه الصورة العجيبة، وفي غضون سنوات قليلة! وهناك تفاصيل في غاية الأهمية والروعة في تحرير كل هذه المدن والإمارات، وسنأتي لها إن شاء الله عند الحديث عن الحروب الصليبية في مجموعة خاصة بها بإذن الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #134  
قديم 17-03-2020, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

إسلام الكثير من التتار (134)


راغب السرجاني



الأثر التاسع: ارتفاع قيمة مدينة القاهرة العاصمة المصرية بعد انتصار عين جالوت وبعد قيام دولة المماليك، فقد كانت دولة المماليك أعظم دولة في المنطقة في ذلك الزمن، وقد رفع هذا جداً من قيمة مدينة القاهرة، وبالذات بعد التدمير الذي لحق ببغداد سنة (656) من الهجرة، وبعد سقوط قرطبة سنة (636) من الهجرة، فلم يبق من عواصم العلم والقوة والبأس في بلاد المسلمين إلا مدينة القاهرة، إنها أصبحت أعظم هذه المدن، فقد أصبحت قبلة العلماء والأدباء، ونشطت الحركة العلمية جداً فيها، وعظم جداً دور الأزهر، وأصبح ولا يزال بفضل الله من أعظم جامعات العالم الإسلامي، وحمل لواء الدفاع عن الدين، ونشر الدعوة، وحمل لواء الجهر بالحق عند السلاطين والمطالبة بالحقوق، وتزعم الحركات الجهادية القوية ليس في زمان دولة المماليك فقط، بل حتى في الأزمان التي تلتهم كذلك وإلى زماننا، وبذلك توارثت الأجيال في هذه المدينة العريقة القاهرة الدعوة إلى الله عز وجل، وتوارثت الصحوة الإسلامية، وحمل هم المسلمين ليس في مصر وحدها، بل في العالم أجمع.
الأثر العاشر والأخير: وهو من أعجب الآثار وأعظمها: عندما رأى كثير من التتار دين الإسلام عن قرب، وقرءوا عن أصوله وقواعده وتشريعاته، وعلموا آدابه وفضائله، ورأوا أخلاقه ومبادئه، أعجبوا به إعجاباً شديداً، فقد كانوا كعامة البشر يعانون من فراغ ديني هائل، ولم يكن عندهم الياسق، وكان مؤلفاً من مختلف الأديان مع بعض الاختراعات التي عملها جنكيز خان، فكانوا يعانون من فراغ ديني هائل، وليس هناك تشريع يقترب أو يحاول الاقتراب من دين الإسلام، ومن اهتم به وبحث فيه فلابد أن يرتبط به إن كان صادقاً في بحثه، وباحثاً عن الحقيقة فعلاً.

فبدأ بعض التتار يؤمنون بدين الإسلام، ثم شاء الله عز وجل أن يدخل الإيمان في قلب أحد زعماء القبيلة الذهبية التي هي أحد الفروع الكبيرة جداً في قبائل التتار، وهذا الزعيم هو ابن عم هولاكو مباشرة وأخو باتو قائد التتار المشهور الذي تكلمنا عليه أيام فتح أوروبا، وتلقب هذا الزعيم بعد إسلامه باسم بركة، وتولى زعامة القبيلة الذهبية سنة (652) من الهجرة،

يعني: قبل عين جالوت بست سنوات، وكانت المنطقة التي يحكمها تعتبر شبه مستقلة عن دولة التتار، وهي المنطقة الواقعة شمال بحر قزوين، في جنوب الاتحاد السوفييتي، وبدخول هذا الرجل في الإسلام دخلت أعداد كبيرة من قبيلته في الإسلام، وهذا أمر في منتهى الغرابة؛ لأن هذا كان قبل عين جالوت بست سنوات، فمن الغريب جداً أن التتار الأقوياء يدخلون في دين الضعفاء، فالتتار في ذلك الوقت كانوا يتحكمون في رقاب المسلمين، والمسلمون يهزمون في كل مواقعهم، وهي من المرات القليلة جداً في التاريخ أن يدخل الغازي في دين من يغزوه، والقوي في دين الضعيف، ولكن هذا دين الإسلام، الذي يخاطب الفطرة البشرية، وهذا يعزز المسئولية على أكتاف الدعاة أن يصلوا بهذا الدين إلى غيرهم من أهل الأرض جميعاً، فإن من وصل إليه الدين صحيحاً نقياً فإنه يرجى إسلامه بإذن الله مهما كان معادياً للإسلام في بدء حياته.

ثم بعد موقعة عين جالوت تزايد جداً عدد المسلمين في القبيلة الذهبية، حتى أصبح كل أهلها من المسلمين، فقد أثرت فيهم القوة والانتصار، وتحالفوا مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو، ولهم مع هولاكو حروب متكررة طويلة جداً.
والجدير بالذكر في هذا المقام أن نذكر أن هناك بقايا من هذه القبيلة الذهبية ما زالت موجودة إلى الآن، وهي: عبارة عن بعض الإمارات الإسلامية مثل: إمارة قازان، وإمارة القرم، وإمارة استراخان، وإمارة النوغاي، وإمارة خوارزم، وكل هذه الإمارات ما زالت إلى الآن محتلة من روسيا، ولم تحرر حتى بعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي وسقط، ولا يعلم بها أحد.


ونسأل الله عز وجل لها ولسائر بلاد المسلمين التحرر الكامل والسيادة المطلقة على أراضيها.
ولاشك أن هناك آثاراً أخرى كثيرة لهذه الموقعة الخالدة، والأمر بين يدي الباحثين والدارسين لدراستها، فموقعة عين جالوت من أعظم المواقع في تاريخ الأرض.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #135  
قديم 04-04-2020, 05:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت


- التتار من البداية إلى عين جالوت

أسباب النصر في عين جالوت (135)


راغب السرجاني


لا يفوتنا في هذا المقام أن نقف ونتدبر في أسباب هذا النصر العظيم في عين جالوت، وهي وقفة في غاية الأهمية.
تكلمنا بالتفصيل في محاضرة سابقة على خطوات قطز رحمه الله في إعداد الأمة، وفي إعداد الجيش المنتصر، ونعيد في إيجاز شديد بعض الأسباب التي أخذ بها قطز ونجملها في هذا الحديث الآتي:

السبب الأول وهو أعظم الأسباب: الإيمان بالله عز وجل، والاعتقاد الجازم بأن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل؛ ولذلك اهتم قطز رحمه الله بالناحية الإيمانية عند الجيش والأمة، وعظم جداً دور العلماء، وحفز على حرب التتار من منطلق إسلامي، وليس من منطلق قومي أو عنصري، ولخص ذلك في عين جالوت بكلمته الموفقة: واإسلاماه! ولم يقل: وامصراه! أو واملكاه! أو واعروبتاه! فقد كانت الغاية واضحة جداً عند قطز رحمه الله، وكانت هويته إسلامية تماماً، فوضوح الرؤية ونقاء الهوية كان سبباً مباشراً من أسباب النصر، بل هو أعظمها على الإطلاق.
وقد ظهر لنا بوضوح رسوخ هذا الأمر في نفس قطز رحمه الله عندما لجأ إلى الله عز وجل عند الأزمة الخطيرة في عين جالوت، حيث وقف متضرعاً يناجي ربه ويقول: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار.
فالدعاء هو العبادة، وهو اعتراف من العبد بعبوديته لله عز وجل، وإعلان صريح من العبد أنه محتاج لرب العالمين.
وكان قطز رحمه الله يدرك في كل خطوة من خطوات إعداده أنه لن يفلح إلا إذا أراد الله عز وجل ذلك، ولابد أن يطلب من الله عز وجل باستمرار وبإلحاح وبخشوع وبتضرع أن ينصر الإسلام والمسلمين، فلم ينسب قطز رحمه الله النصر لنفسه ولو مرة واحدة، بل كان دائماً ينسبه إلى الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه قد طلب النصر من الله عز وجل كثيراً، وأن الله عز وجل قد تفضل وتكرم عليه وعلى المؤمنين بالنصر والتوفيق، فلله تعالى المنة والفضل.

السبب الثاني وهو أيضاً هام جداً: الوحدة بين المسلمين، فالأمة المتفرقة لا تنصر، وقد حرص قطز رحمه الله منذ اليوم الأول لارتقائه عرش مصر أن يوحد المسلمين قدر ما يستطيع، فقد عفا عن المماليك البحرية وجمعهم مع المماليك المعزية، وراسل ملوك الشام الأيوبيين، وتقرب منهم، وضمهم إلى قواته، مع كونهم قد حاربوه قبل ذلك سنين طويلة، وضم الجنود الشامية والخوارزمية والمتطوعين إلى جيشه بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم، ونجح في تحقيق ما كان يعتقد الكثيرون أنه من المستحيل، وهو الوحدة بين المسلمين.
السبب الثالث: إذكاء روح الجهاد في الأمة، فقد تيقن قطز رحمه الله أن أهم السبل لاستعادة حقوق المسلمين هو الجهاد، وأنه وإن كان الإسلام دين السلام إلا أنه دين الجهاد والقوة والكرامة والعزة كذلك، وأدرك رحمه الله أن اختيار الحرب أحياناً يكون هو الاختيار الشريف الوحيد.
السبب الرابع: الإعداد الجيد للمعركة، فقد أخذ قطز رحمه الله بكل الأسباب المادية لتقوية جيشه، من إعداد للسلاح، وتدريب للجنود، وترتيب للصفوف، ووضع الخطة المناسبة، واختيار المكان المناسب، وعقد الأحلاف الدبلوماسية المناسبة، وتهيئة الجو على أفضل ما يكون، ويكفي أن نذكر هنا بالصورة الجميلة البهية الرائعة التي كانت عليها جيوش المماليك في عين جالوت، وكأنها تتجه إلى عرض عسكري، وليس إلى معركة ضارية، ومن لم يعد العدة فلا شك أنه واهم، وليس هذا مخالفاً لشرع الله عز وجل، ولا مضاداً بأي صورة من الصور للتوكل على الله عز وجل؛ فالتوكل: هو الأخذ بالأسباب كاملة، واللجوء إلى الله عز وجل لجوءاً كاملاً كذلك.
السبب الخامس: القدوة التي ضربها قطز رحمه الله لجنوده ولأمته في كل الأعمال، وتربية القدوة أفضل بآلاف المرات من تربية الخطب والمقالات. وقد كان قطز رحمه الله قدوة في كل شيء، فقد كان قدوة في أخلاقه وفي نظافة يده وفي جهاده وفي إيمانه وفي عفوه، وفي كل شيء.
فلم يشعر الجنود أبداً بأنهم غرباء عن قطز، فقد نزل رحمه الله بنفسه إلى خندق الجنود وقاتل معهم، فكان حتماً أن يقاتلوا معه.

السبب السادس: عدم موالاة أعداء الأمة، فلم يوال قطز رحمه الله التتار أبداً مع فارق القوة والإعداد بينهما، كما لم يوال أمراء النصارى في الشام أبداً مع احتياجه لذلك، وقد سقط الكثير من الزعماء قبله في مستنقع الموالاة للكفار، وكان منطلقهم في ذلك أن يجنبوا أنفسهم أساساً ثم شعوبهم كما يدَّعون ويلات الحروب، فارتكبوا خطأً شرعياً شنيعاً، بل أخطاءً مركبة، فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع لأعدائه هذا خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقاً خطأ ثالث.
وأما قطز رحمه الله فقد كان واضح الرؤية، وقد تحقق له هذا الوضوح في الرؤية بفضل تمسكه بشرع الله عز وجل، فلم يوال كافراً أبداً على حساب المسلمين.

السبب السابع: بث روح الأمل في الجيش والأمة.
فالأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، فالإحباط والقنوط واليأس ليست أبداً من صفات المؤمنين، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فعمل قطز رحمه الله على رفع الروح المعنوية للجيش وللأمة، ووضح لهم أن نصر الله عز وجل للأمة التي سارت في طريقه عز وجل ليس أمراً محتملاً، بل هو أمر مؤكد يقيني، وهو أمر عقائدي كتبه الله، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21].

السبب الثامن من أسباب النصر في عين جالوت: الشورى الحقيقية التي سار على هداها قطز رحمه الله في كل خطواته تقريباً، وأقصد بالشورى الحقيقية الشورى التي تسعى حقيقة للوصول إلى أفضل الآراء، لا التي تسعى إلى تثبيت وتدعيم وتأكيد رأي الزعيم، والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، وليست أمراً تجميلياً أو تكميلياً، ولا يصلح لأمة تريد النهوض أن تهمل هذا الأمر الأصولي في الإسلام.
السبب التاسع: توسيد الأمر إلى أهله، فقد ولى قطز رحمه الله أولئك الذين يتصفون بصفتين رئيسيتين وهما: الكفاءة، والأمانة، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]، أي: القوي في مجال عمله، المتفوق على أقرانه، السابق لهم المتقن لعمله المبدع فيه، والأمين الذي لا يضيع حق الله ولا حق العباد، ولا حق الأمة، ولا حق نفسه، فقد ولى قطز رحمه الله فارس الدين أقطاي الصغير رئاسة الجيش مع كونه من المماليك البحرية، وولى ركن الدين بيبرس على مقدمة جيش المسلمين في عين جالوت، مع كونه منافساً له، وصاحب تاريخ وقوة، وزعيماً للمماليك البحرية، وكذلك ولى رحمه الله أمراء الشام على بلادهم، ولم يول أصحابه وأقاربه، ومن كان على هذه الصورة فلابد أن ينصر، فمن حفظ الأمانة فلابد أن يحفظه رب العالمين سبحانه وتعالى.
السبب العاشر وهو من أهم أسباب النصر: الزهد في الدنيا، وما فشل الزعماء الوهميون سواءً في زمان قطز، أو في زماننا، أو إلى يوم القيامة إلا بغرقهم في الدنيا وانغماسهم فيها، وما ظلموا شعوبهم، ووالوا أعداءهم إلا جرياً وراء المادة وسعياً وراء الدنيا.
وقد رأينا في هذه السلسلة الذين تعلقوا بالدنيا كيف كانت حياتهم وطموحاتهم وأحلامهم، ثم كيف باعوا أنفسهم وشعوبهم وأخلاقهم، بل وعقيدتهم من أجل أغراض رخيصة جداً من أغراض الدنيا، ورأينا كيف عاشوا في ذلة ثم ماتوا في ذلة كذلك، فقد رأينا محمد بن خوارزم، وجلال الدين بن خوارزم، والمستعصم بالله، وبدر الدين لؤلؤ، والناصر يوسف الأيوبي وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء عاشوا في ذلة وماتوا في ذلة.


وأما قطز رحمه الله فقد فطن إلى هذا المرض الذي ابتلي به هؤلاء الضعفاء فزهد فيه وتجنبه، وعلم أن متاع الدنيا مهما زاد فهو قليل، وأن نعيمها مهما كان له بريق فهو زائل ومنقطع، فلذلك لم يفتن بالدنيا لحظة، ولم يطمع فيها قيد أنملة، بل حرص على أن يبيع دنياه كلها، ويشتري الجنة، فترك المال الغزير الذي كان تحت يده، ولم يطمع فيه، وباع ما يملك ليجهز جيوش المسلمين المتجهة لحرب التتار، ولم يطمع في كرسي الحكم, فعرض القيادة على الناصر يوسف الأيوبي على ضحالة قدره إذا قبل بالوحدة بين مصر والشام، ولم يطمع رحمه الله في استقرار عائلي أو اجتماعي أو أمن وأمان، بل كرس حياته للجهاد والقتال على صعوبته وخطورته، بل لم يطمع في طول حياة، فقد خرج بنفسه وهو الشاب الصغير على رأس الجيوش ليحارب التتار في حرب مهلكة، ولا شك أنه كان يعلم أنه سيكون أول المطلوبين للقتل، لكنه كان مشتاقاً بصدق إلى الجهاد، ومتمنياً للموت في سبيل الله، فقد كان زاهداً حقاً في الدنيا، ولم يتردد لحظة، وكانت حياته تطبيقاً عملياً جداً لكل كلماته؛ لذلك أعطاه الله عز وجل الدنيا التي فر منها، وأعطاه الكرسي الذي زهد فيه، وأعطاه الغنائم الهائلة والمال الوفير الذي لم يحرص عليه أبداً، فعاش رحمه الله عزيزاً شريفاً، رافعاً رأسه، معزاً لدينه، محبوباً من شعبه، مرهوباً من أعدائه.
فرحم الله هذا العلم الجليل والقائد الفذ قطز الذي تعلمنا منه وما زلنا نتعلم كيف يعيش المسلم بالقرآن، وكيف تخالط كلمات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ذرة في كيانه.
ونسأل الله عز وجل أن يصلح آخرته كما أصلح دنياه، وأن يعزه أمام الخلائق يوم العرض الأكبر، كما أعزه في عين جالوت، وأن يكتب اسمه في سجل الصادقين المخلصين المجاهدين، كما كتب اسمه قبل ذلك في سجل الخالدين.
هذه هي أسباب النصر في هذه الموقعة الجليلة.


نسأل الله عز وجل أن ييسر لنا تحقيقها حتى نرى رجلاً أو رجالاً كـ قطز، وحتى ننعم بنصر أو انتصارات كعين جالوت، وما ذلك على الله بعزيز.
كما نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #136  
قديم 04-04-2020, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

التشابه بين التتار والأمريكان في غزو بغداد (136)


راغب السرجاني


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع المقالات الأخيرة من مقالات قصة التتار: من البداية إلى عين جالوت.
في المقال السابقة تحدثنا عن قصة التتار من بدايتها إلى عين جالوت، وذكرنا فيها تفصيلات وأغفلنا أخرى، وما أغفلناه من هذه التفصيلات لم يكن إلا لضيق الوقت فقط مخافة التطويل، وإلا فالقصة تحتاج أضعاف ذلك الوقت كي تحلل بعناية وتدرس بدقة، ولكن بعد هذه القصة لا بد لنا من وقفة.


نحن لم نقص هذه القصة لمجرد ذكر ما سبق من تاريخ وأحداث على الأرض، أو لمجرد التنظير والتحليل دون عمل أو وقفة، بل للعبرة والتفكر والاستفادة، ولقراءة المستقبل، وما أشبه اليوم بالبارحة! ما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوطها تحت أقدام التتار! وما أشبه المسلمين أيام التتار بمسلمي اليوم! وما أشبه حكام المسلمين أيام التتار بحكام المسلمين اليوم! وما أشبه التتار بالأمريكان! وما أشبه حلفاء التتار بحلفاء الأمريكان! فهي صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب، والأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً في التاريخ، ونحن سنحاول ربط هذه القصة بواقعنا، وإذا أردنا أن نتحدث عن صور أخرى من جوانب التاريخ الإسلامي بصفة خاصة، أو جوانب التاريخ الإنساني بصفة عامة فسنجد كثيراً من الصور تتشابه مع واقعنا الآن، وانظروا إلى هذه المقارنة بين سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني.


ظهر التتار فجأة على مسرح الأحداث تماماً كما ظهر الأمريكان، فأمة التتار أمة بلا تاريخ، قامت على السلب والنهب، وقتلوا الملايين من الأبرياء؛ ليقيموا دولتهم على جماجم البشر، ولتسقى حضارتهم إن كانت هذه حضارة بدماء الملايين المظلومين، وكذلك فعل الأمريكان، فقد قتلوا مئات الألوف بل الملايين من الهنود الحمر؛ لكي يقيموا لهم دولة، ونهبوا ثروات غيرهم، وأقاموا ما يسمونه أيضاً بحضارتهم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين، ومرت الأيام وصار الأمريكان قطباً أوحداً في الأرض تماماً كما صار التتار، ولم يقبلوا بالآخر أبداً، ورسخوا الظلم والبطش والقهر في الأرض مع ادعائهم المستمر أنهم ما جاءوا إلا لنشر العدل والحرية والأمان للشعوب، وهكذا فعل التتار.


وما أشبه طاولة مفاوضات التتار بطاولة مفاوضات الأمريكان، فهم يعطون عهوداً ولا ضمير، ومواثيق ولا أمان، وكلمات جوفاء تطلق في الهواء لتسكين الشعوب وخداعهم إلى حين، وعزمهم مبيت قبل التعهد على نقض العهود، والنية معقودة قبل اللقاء على الطعن في الظهر، وقد دخل الأمريكان بلاد المسلمين بحجج واهية كما دخلها التتار بحجج واهية، ولم يحتاجوا أبداً إلى دليل دامغ أو إلى حجة ساطعة، بل كلها أوهام في أوهام، وادعاءات في ادعاءات، فهم تارة يدعون محاربة الإرهاب، وتارة ترسيخ الديمقراطية، وتارة تحرير الشعوب، وتارة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وتارة البحث عن زعيم هنا أو هناك، وهكذا، فهم يريدون أي سبب ليدخلوا من ورائه؛ لأنهم حتماً سيدخلون.


وحارب الأمريكان في بلاد المسلمين حروباً كحروب التتار، وكانت حروبهم بلا قلب، لا تفرق بين مدني ومحارب أبداً، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين طفل أو شاب أو شيخ كبير، واستولى الأمريكان على ثروات المسلمين تماماً كما فعل التتار، وإلا فما الفارق بين البترول، وبين الذهب والفضة، وما الفارق بين تغيير المناهج وتبديلها وتزييفها، وبين إغراق مكتبة بغداد وطمس كل ما هو إسلامي، فكلاهما يتميزان بروح همجية لا تقبل الحضارة، وكأن الله عز وجل أراد أن يطابق بين أفعال الأمريكان وأفعال التتار، فجعل خطوات الأمريكان في إسقاط بغداد شديدة الشبه بخطوات التتار، فكما تمركز التتار أولاً في أفغانستان كذلك تمركز الأمريكان في أفغانستان، وكما تحالف بدر الدين لؤلؤ زعيم الأكراد في شمال العراق مع التتار، كذلك تحالف أكراد الشمال العراقي مع الأمريكان.


وكما فتح كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع المجال الأرضي التركي لقوات التتار، فتح الأتراك الآن المجال الجوي التركي، وليس هناك فرق بين المجال الأرضي والمجال الجوي.
وكما اخترقت الجيوش التترية أراضي المسلمين دون مقاومة لتصل إلى العراق، كذلك اخترقت جيوش الأمريكان أراضي المسلمين الآن، وليس فقط بدون مقاومة، ولكن بترحيب عال وباستقبال حار، فما أشبه اليوم بالبارحة.


وكما فكر التتار في التعاون مع الشيعة في العراق فكر الأمريكان في ذلك، وكما استغل التتار بعض المنافقين من المسلمين لبث الحرب الإعلامية التي تحط من نفسيات المسلمين وتلقي الرعب في قلوبهم، قام الأمريكان بنفس الشيء، حتى رأينا الصحف القومية في البلاد الإسلامية تتحدث عن تدريبات وتسليحات وإمكانيات الأمريكان، وتوسع الفجوة، يتشابه أعداء الأمة في خططهم وبرامجهم وأساليبهم في غزوهم للأمة الإسلامية، ويساعدهم على ذلك ضعف الأمة، بالإضافة إلى الأمراض التي تنتشر فيها، فلا بد من معالجة أمراضها معالجة جادة، والتمسك بأسباب النصر وتحقيقها، ليتحقق النصر الموعود.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #137  
قديم 04-04-2020, 06:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

الأسباب والأمراض التي تؤدي إلى هزيمة المسلمين (137)



راغب السرجاني



كل هذا الشبه بين التتار والأمريكان لا يخيفني ولا يرهبني، فملة الكفر واحدة، وحال الكفار يتشابه في كل الأزمان، وإنما ما يخيفني حقاً ويرهبني هو تشابه واقع المسلمين اليوم مع واقعهم أيام التتار، ونحن كما ذكرنا في درس سابق لا نهزم أبداً لقوة الكفار، سواء كانوا من التتار أو من الفرس أو من الروم أو الروس أو الأمريكان أو غيرهم، وإنما نهزم لضعفنا في المقام الأول.
افتقر المسلمون أيام التتار لكل مقومات النصر قبل عين جالوت وقبل أيام قطز رحمه الله، فكان لا بد من الهزيمة والذل والهوان، وكذلك افتقر المسلمون في زماننا إلى نفس مقومات النصر، فكانت النتيجة هي العربدة الأمريكية والروسية والهندوسية واليهودية والصربية في أراضي المسلمين.
إن الأمراض الأخلاقية تفشت في الأمة الإسلامية أيام التتار، فكانت سبباً في انهيارهم الرهيب أمام التتار، وهي نفس الأمراض الأخلاقية التي تفشت في أمتنا اليوم.
لذلك لا بد أن يقف المسلمون وقفة صادقة مع أنفسهم، يفتشون فيها عن أدوائهم الخطيرة، ويسألون أنفسهم: لماذا يفعل بهم أهل الأرض ما يشاءون مع أن المسلمين يزيدون على المليار؟ فهذا سؤال لا بد من الإجابة عليه بصدق، ولماذا لا يأبه بنا أهل الشرق والغرب؟ ولماذا نزع الله عز وجل المهابة منا من قلوب أعدائنا، وألقى في قلوبنا الوهن والضعف والخور؟ وهذا يحتاج منا أن نراجع التاريخ والواقع.
تكلمنا في المحاضرات السابقة بصفة عامة عن أسباب النصر أيام قطز رحمه الله، وهي نفس أسباب النصر في كل معارك المسلمين، بدءاً من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومروراً بكل الانتصارات الإسلامية وإلى زماننا الآن، بل وإلى يوم القيامة؛ لأن أسباب النصر من السنن الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل، يقول تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62].
والذي يطلع على أسباب النصر سيدرك بوضوح أن الأمة الإسلامية في زمان انكسارها وضعفها قد تخلت كثيراً عن هذه الأسباب، وابتليت بالعديد من الأمراض الخطيرة، والتي هي ببساطة شديدة عكس أسباب النصر التي ذكرناها في الدرس الثامن من هذه الدروس.
وسنحاول هنا استعراض الأمراض والأسباب التي تعاني منها أمتنا الآن، ثم كيف نتخلص من هذه الأمراض.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #138  
قديم 17-12-2021, 11:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت (138)

الأمراض التي تعاني منها أمتنا الآن (1)


راغب السرجاني


عدم وضوح الهوية الإسلامية
المرض الأول: عدم وضوح الهوية الإسلامية، والقاعدة الإسلامية الأصيلة التي وضحت لنا بعد عين جالوت هي: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]، ونصر الله عز وجل يكون بتطبيق شرعه والالتفاف حول راية إسلامية واحدة، ولا بد أن تكون الراية إسلامية بوضوح، فلا عنصرية ولا قبلية ولا قومية.
وأما البعد عن منهج الله عز وجل، وقبول الحلول الشرقية والغربية، والإعراض عن كتاب الله عز وجل وعن سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فهذا أصل البلاء وموطن الداء، ولم يتغير المسلمون إلا عندما ظهر من ينادي بالنداء الجميل العميق: وإسلاماه، كما وضحنا قبل ذلك في أسباب النصر في عين جالوت، ومهما حاول أي قائد أن يحفز شعبه بغير الإسلام فلن يفلح هو أو أمته أبداً، فقد أبى الله عز وجل أن ينصرنا إلا إذا ارتبطنا به في الظاهر والباطن، إذا كان ظاهرنا وباطننا إسلامياً، وسياستنا مسلمة، واقتصادنا وإعلامنا وقضاؤنا وجيشنا إسلامياً، بوضوح دون تستر ولا معارضة ولا خوف ولا وجل، فليس هناك ما نستحي منه، بل الذي يتبرأ من الدين هو الذي يجب أن يستحي.

الفرقة بين المسلمين
المرض الثاني: الفرقة بين المسلمين، وهي عكس الوحدة بين المسلمين، وكما كانت تتصارع الأقليات الإسلامية أيام التتار وجلال الدين يعيش فساداً في بلاد المسلمين، بينما جيوش التتار تقبع على بعد خطوات قليلة جداً منه، كذلك نرى الآن الخلاف والشقاق يدب بين كل بلاد المسلمين تقريباً، وقلما تجد قطرين إسلاميين متجاورين إلا ووجدت بينهما صراعاً على حدود، أو اختلافاً على قضية، فقد انشغل المسلمون تماماً بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تعربد في ربوع العالم الإسلامي، وجعلوا همهم التراشق بالألفاظ والخطب، وأحياناً بالحجارة والسلاح مع إخوانهم المسلمين، ولا شك أن التنازع بين المسلمين قرين الفشل، كما ذكر ربنا ذلك في كتابه بوضوح فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، فهذا مرض من الأمراض الخطيرة التي نراها بأعيننا، وهي تفسر لنا تمكن الأمريكان وغيرهم من بلاد المسلمين.

الترف والركون إلى الدنيا
المرض الثالث: الترف والركون إلى الدنيا، فقد كبرت الدنيا جداً في عيون المسلمين أيام التتار، وكذلك في أيامنا، فهناك أجيال كاملة من المسلمين اليوم لا تعيش إلا لدنياها، وإن كانت حقيرة وذليلة، فاليوم كل فرد يعيش لنفسه، ويجمع المال ويتجمل ويحسن معيشته، ويتنعم بأنواع الطعام والشراب والمراكب والمساكن، ويستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى المتجددة، وهكذا غرق المسلمون في دنياهم، وتجد الكثير من الشباب يحفظ من الأغاني الماجنة أكثر مما يحفظ من القرآن، وكثير منهم يعرف بالتفصيل تاريخ حياة الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات، ويعرف سيرة كل لاعب في بلادنا أو في غيرها، ولا يعلم شيئاً عن تاريخ وسيرة أبطال وعلماء وقواد المسلمين، بل لا يعلم شيئاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد لا يعلم شيئاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وهذا مرض يحتاج إلى علاج.
فالترف من أسباب الهلكة الواضحة، يقول الله عز وجل في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، وقد وصل الترف اليوم في بلاد المسلمين إلى عموم المسلمين، حتى وصل إلى فقرائهم، فتجد الرجل قد لا يجد قوت يومه وهو لا يستغني عن السيجارة، ويكاد لا يجد ما يستر به نفسه وأولاده، ثم يجلس الساعات على المقاهي وما إلى ذلك، وقد لا يستطيع أن يعلم أولاده، ولكنه يحرص كل الحرص على اقتناء فيديو أو طبق فضاء، وأما الترف الفكري فهو كثير جداً، فتجد أذهان الكثير ممن يعتبرون أنفسهم من المثقفين مملوءة بأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع أبداً، إما أفكار فلسفية، أو مدارس علمانية، أو نظريات مادية، أو أقوال وحكم لأناس لا يزنون شيئاً أبداً في ميزان الحق، وهذا لا يصح لأمة تعاني الأزمات، وأكثر من بقعة من بقاعها محتلة، وهي متأخرة في معظم مجالات الحياة، في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية، بل والأخلاقية، فهذا لا يستقيم أبداً، ولكنه واقع نراه بأعيننا، وهو واقع أليم، ونحن لا نريد أن نكون كالنعام نضع رءوسنا في الرمال، ونخفي هذه الحقائق عن أعيننا لنعيش في سعادة، فهذا من الغباء والحماقة.
فعلينا أن نواجه أمراضنا، ونقف وقفة جادة لنعالجها، ولن يصلح حال المسلمين وتحرر بلادهم أبداً إلا بتطبيق شرع ربنا، وموافقتنا لسننه سبحانه وتعالى في النصر، وهذا مشاهد في التاريخ وفي الواقع.

ترك الجهاد
المرض الرابع من أمراض الأمة الإسلامية الخطيرة: ترك الجهاد، وهذا نتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا والترف الزائد عن الحد، فقد ترك المسلمون الجهاد، ورضوا بالسير في ذيل الأمم، وقبلوا ما سماه عدوهم: السلام، وهو في الواقع استسلام، ولم يفقه المسلمون الآن كما لم يفقهوا أيام التتار أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن السلام لا يمكن أن يكون خياراً إلا في بعض الظروف، وأما إذا انتهبت حقوق المسلمين، وسفكت دماؤهم وشردوا عن أرضهم، واستهزئ بدينهم وبرأيهم وبمكانتهم فلا يمكن أن يكون السلام هو الخيار المطروح، فالسلام لا يكون إلا باستعادة كامل الحقوق، ولا يكون إلا ونحن أعزاء، نمتلك قوة الردع الكافية للرد على العدو إذا خالف معاهدة السلام، أما بدون ذلك فالسلام لا يكون سلاماً، بل يكون استسلاماً، وهو ما لا يقبل في الشرع.
ويجب أن يفقه المسلمون جيداً أن كلمة الجهاد ليست عيباً يجب أن نستحي منها أو نداريها، ولا كلمة قبيحة يجب أن تنزع من مناهج التعليم ومن وسائل الإعلام ومن صفحات الجرائد والكتب، ومن خطب الجمعة ومن الدروس ومن غير ذلك، بل هي كلمة عظيمة جداً، فالجهاد ذروة سنام الإسلام وأعلى ما فيه، شاء ذلك أعداء الأمة أم أبوا، سواء من خارجها أو من أبنائها، فكلمة الجهاد بمشتقاتها وردت في كتاب الله عز وجل أكثر من (30) مرة، وكلمة القتال بمعنى قتال الأمة لأعدائها وردت أكثر من (90) مرة في كتاب الله عز وجل، وكلمة النصر وردت أكثر من (140) مرة، فأين نذهب بهذه الكلمات والآيات؟ وأين نذهب بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال:65]؟ وبقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]؟ ومتى تظهر الغلظة إذا كانت كل بلاد المسلمين محتلة، ونحن لا زلنا نبحث على السلام؟ وأين نذهب بقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة:36]؟ وأنى لأمة تريد أن تحمي نفسها، وتدافع عن عرضها وشرفها أن تترك الجهاد والقتال؟ وفي أي عرف أو قانون أو ملة تصر الأمة التي احتل شرقها وغربها على عدم الحديث عن الجهاد والقتال والحرب والإعداد؟ ومرض ترك الجهاد وترك الحديث عنه وترك الإعداد له من أعظم أمراض الأمة، ولم يوجد في تاريخنا أبداً قيام إلا به، ولنا في التاريخ عبرة.

إهمال الإعداد وترك الأخذ بالأسباب
المرض الخامس وهو مرض خطير كذلك: إهمال الإعداد المادي للحروب، وقد رأينا كيف اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكنهم من النصر، سواء من الجنود أو السلاح، أو تجهيز الطرق أو وضع الخطط، أو الاهتمام بالأحلاف والحرب النفسية، أو إعداد الخطط البديلة، وكان إعدادهم متميزاً حقاً، وعلى الجانب الآخر كان المسلمون يعيشون في واد آخر، فقد أهملت الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يعد يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب جنده، ولم توضع الخطة المناسبة، ولم توجد المخابرات الدقيقة، وتهاون المسلمون جداً في إعدادهم، ورتبوا أولوياتهم بصورة مخزية، فأنفقوا الملايين على القصور والرخام والحدائق والحفلات، لم ينفقوا شيئاً على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد، فقلّ ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية، وكثر ظهور المطربين والمطربات والراقصين والراقصات واللاعبين واللاعبات واللاهين واللاهيات، وأمة بهذا الإعداد لن تحرر بلادها من عدو محتل، ولا بد أن تهزم، وأمة الإسلام بغير إعداد لا بد أن تهزم، وليس معنى التوكل على الله عز وجل أن نهمل الأسباب، ولا معنى الإعداد أن نهمل الاعتماد على ربنا سبحانه وتعالى، بل لا بد من الأمرين معاً، أن نبذل قصارى جهدنا في إعداد الأسباب المادية، وأن نلجأ إلى الله عز وجل بصدق لينصرنا على أعدائنا، وأن ييسر لهذه الأسباب أن تؤتي نتائجها.
إذاً: إهمال الإعداد مرض خطير جداً وما زال مستمراً، وراجعوا الإحصائيات لحال الأمة الإسلامية في المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ من أجل أن تعرفوا مدى المأساة التي تعيشها الأمة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #139  
قديم 02-09-2022, 02:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت (139)

الأمراض التي تعاني منها أمتنا الآن (2)


راغب السرجاني


افتقاد القدوة
المرض السادس: افتقار المسلمين إلى القدوة، فتربية القدوة أفضل آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات، فالجنود يشعرون بالغربة الشديدة ويفقدون الحماس تماماً إذا افتقدوا القدوة، وإذا ألقي ألف خطاب للتحميس على الجهاد، فلن يفعل شيئاً إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث.
كذلك إذا ألقي ألف خطاب عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا وتحمل المصائب الاقتصاية، لا يغني شيئاً إن وجد الشعب زعيمه يتنعم في القصور، وينفق الملايين على راحته وسعادته ورفاهيته وحفلاته الصاخبة.
وكذلك ألف خطاب عن الأخلاق الحميدة، لا يقدم شيئاً في الأمة إن كان الذي يقتدى به ما يصلي أصلاً ولا يصوم، ولا يتسم بنظافة اليد واللسان والضمير والوجدان، إذ كيف يلتزم شعب بدينه وبشرع ربه وهو قلّما استمع إلى لفظ الجلالة من زعيمه أو أستاذه أو مربيه؟

موالاة الأعداء
المرض السابع وهو خطير جداً: موالاة أعداء الأمة، وليس في ديننا لبس ولا غموض، وقد تركنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فموالاة أعداء الأمة مرض خطير، وقد كانت هذه المصيبة دوماً سبباً مباشراً من أسباب سقوط الأمة الإسلامية، وما جرَّت موالاة أعداء الأمة على الأمة إلا الويلات والكوارث، وإنها والله لخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
يقول تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57]، وهذا تحذير مباشر وخطير.


الإحباط
المرض الثامن:
الإحباط، فالأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والقنوط ليس أبداً من صفات المؤمنين، قال الله عز وجل: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]، فقد عمل التتار كما عمل الأمريكان وأتباعهم على خفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة إلى أدنى درجة ممكنة، وعظموا كل ما هو تتاري أو أمريكي، وخفضوا كل ما هو مسلم، ووسعوا الفجوة جداً بين إمكانيات العدو وإمكانيات الأمة، وصوروا لهم أنه لا سبيل لهم للنجاة إلا بالخنوع والخضوع والتسليم.
والعودة إلى الله عز وجل ليس من الضروري أن تأخذ وقتاً طويلاً، بل يعود المسلم إذا أراد العودة إلى ربه في لحظة، ويجد أن الله عز وجل في خير استقبال له، وأنه يفرح بتوبته وبعودته، فيمكِّنه ويعطيه السيادة في الأرض، ويحوطه برعايته، فهو يتودد إلى ربه وربه يتودد إليه.
ونحن الذين نحتاج إلى ربنا سبحانه وتعالى سواء في الدنيا أو في الآخرة، وقد رأينا أن مصيبة التتار على عظمها وعلى كونها أعظم آلاف المرات من المصائب التي نمر بها الآن، قد أتبعت بنصر مجيد على يد قطز رحمه الله، وكان من أهم الأسباب للنصر أنه رحمه الله رفع الروح المعنوية لجيشه ولشعبه، وعلمهم أن التتار خلق من خلق الله لا يعجزونه أبداً، وأن المسلمين إذا ارتبطوا بالله عز وجل فلا سبيل لأحد عليهم مهما كان، لا تتار ولا يهود ولا أمريكان، وعلمهم رحمه الله أن الدولة الأخيرة لا بد أن تكون للمسلمين، وليعلم المسلمون في كل زمان أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، وأنه إذا أوصدت كل الأبواب وأظلمت الدنيا، وشعر المسلمون أن الأزمة قد بلغت الذروة التي لا ذروة بعدها، فكل هذه علامات واضحة وبينة على أن النصر قد أصبح قريباً جداً، واستمعوا إلى قول الله عز وجل في سورة البقرة حيث يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]، أي: إذا وصل الأمر إلى الذروة وقالوا: متى نصر الله؟ ثم عقب بقوله: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، أي: عند وصول المأساة إلى الذروة يأتي نصر الله عز وجل، فهذه من سنن رب العالمين سبحانه وتعالى في كونه وفي خلقه.


توسيد الأمر لغير أهله
المرض التاسع: توسيد الأمر لغير أهله، فقد رأينا في قصة سقوط بغداد الأولى، كيف أن الأمر كان قد وسد لغير أهله كثيراً، وضيعت الأمانة، وتولى المناصب العليا في البلد أناس افتقروا إلى الكفاءة، كما افتقروا إلى التقوى، فلم يكن فيهم قوة ولا أمانة، وهذه طامة كبرى، فإذا لم يصل إلى مراكز القيادة إلا أصحاب الوساطة أو القرابة أو الرشوة فهذا أمر خطير، بل شديد الخطورة، وإذا رأيتم أن القريب لا يوظف إلا قريبه، وأن المراكز تباع وتشترى وتهدى، وأن أصحاب الكفاءات لا تقدر كفاءتهم ولا يرفع من قدرهم، فاعلموا أن النصر في هذه الظروف مستحيلة.

غياب الشورى
المرض العاشر والأخير: غياب الشورى، والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، والذي لا يأخذ بها فإنه يضحي بملايين الطاقات في شعبه، ويفترض في نفسه الكمال، ويخالف طريق الأنبياء، ويزرع الضغينة في قلوب أتباعه، ويقع في الخطأ تلو الخطأ، وفوق ذلك كله فإنه يخالف أمر الله عز وجل، الذي جاء بلفظ صريح في كتابه العزيز حيث قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159]، ونقصد بالشورى هنا الشورى الحقيقية لا الشورى الوهمية، التي ليس لها هم إلا جمع الآراء المؤيدة لرأي الزعيم الأوحد، ثم تغلب آراء الدكتاتور وترمي بقيمه الآراء في سلة المهملات.

عوامل النصر
أما كيف يكون النصر فهو أمر في منتهى البساطة والسهولة واليسر، ولا يوجد فيه لا لبس ولا غموض، وهو أن تعالج هذه الأمراض العشرة التي ذكرناها علاجاً حقيقياً صادقاً، ولا بد أن نعترف بوجود هذه الأمراض أولاً، ثم نسعى جاهدين صادقين لعلاجها؛ حتى نرقى بهذه الأمة، ونوظف كل الطاقات لتمكينها في الأرض.
والنصر بإيجاز شديد جداً يكمن في الأمور العشرة التالية: الأول: العودة الكاملة غير المشروطة إلى الله عز وجل وإلى شرعه الحكيم.
الثاني: الوحدة بين المسلمين جميعاً على أساس الدين.
الثالث: الإيمان بالجنة والزهد في الدنيا والبعد عن الترف.
الرابع: تعظيم الجهاد والحث عليه، وتربية النشء والشباب على حب الموت في سبيل الله.
الخامس: الاهتمام بالإعداد المادي من سلاح وعلم وخطط واقتصاد وتقنيات وسياسات وغير ذلك.
السادس: إظهار القدوات الجليلة الإسلامية الأصلية وإبرازها وتعظيمها عند المسلمين.
السابع: عدم موالاة أعداء الأمة، والفقه الحقيقي للفرق بين العدو والصديق.
الثامن: بث روح الأمل في الأمة الإسلامية، ورفع الهمة والروح المعنوية للشعب.
التاسع: توسيد الأمر إلى أهله، وأهله هم أصحاب الكفاءة والأمانة.
العاشر: تفعيل دور الشورى الحقيقية التي تهدف فعلاً إلى الخروج بأفضل الآراء.
هذه هي عوامل عشرة للنصر، وكل واحد منها يحتاج إلى محاضرات كثيرة ودروس منفصلة، وكل واحد منها يحتاج لجهد متواصل من كل مخلص في هذه الأمة، يريد لها القيام والسيادة والتمكين في الأرض.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 184.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 178.65 كيلو بايت... تم توفير 5.61 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]