ليلة عرس (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12712 - عددالزوار : 222821 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4432 - عددالزوار : 868361 )           »          صلة الأرحام.. فضلها وأثرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          رسالة إلى رواد المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مرض السكري والعلاج بمنتجات النحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          محبطات الأعمال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          عيد شم النسيم .. أصله، شعائره، حكم الاحتفال به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          الغناء وأهل الطرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 1733 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-10-2022, 08:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي ليلة عرس (قصة)

ليلة عرس (قصة)

د. علي عبدالتواب عبدالحليم


معادلة كيميائية صعبة التراكيب، معقَّدة الأغوار، لا مجال فيها لتحليلٍ أو تنسيقٍ أو سفسطة، جميع الأطراف تَهوي بك في النهاية إلى محض الحقيقة المُرَّة، لا شيء، لكنها أصبحت واقعًا مَعيشًا كثيرًا ما كانا يَحلمان به، لكنهما لم يتوقَّعاه؛ لأنهما تعوَّدَا منذ صغرهما على الحسابات الرياضية الدقيقة، والترتيبات الروتينية العميقة، على الرغم من إيمانهما العميق بأن الأمرَ كلَّه بيد الرحمن يُصرِّفه كيف يشاء، إيمان فطريٌّ، لكن هذه الحسبة لم تكن متوقعة.

كان شهاب ومحمد شابَّين في ربيع عمرهما، جمعتهما صداقة قدرية، جاءت بمحض الصدفة على الرغم من اختلاف دراستهما، لكن هذه الصداقة قد بَقِيَت، واعتادا الجلوس مساء كلِّ ليلة جِلسةَ الفراغ القاتل، يُفعمها رُوح التلاقي ومودَّة اللقاء، لقاء اعتياديٌّ لكنه ضروريٌّ، يشعُّ - وَفقًا لرؤى أفلاطون - بالحكمة المتدلِّية على رصيفٍ بالٍ أَكَلَ عليه الزمان وبالَ بين حقول اشْرَأَبَّتْ بهموم الفلاحين، وبحرينِ تباعدت أطرافهما، تغوصان فيهما زبالة الآدميين، وسيقان العذارى الْمُدَمْلَجةِ المتدلِّية بأطباقهن المتَّسخة، يتبادلان كلَّ شيء، تلك الحسابات المعقَّدة المتعلِّقة بنفقات زواج محمد يُخالطها شكوى وحُلمٌ وأملٌ وكفاحٌ، وحبٌّ مُفعم برُوح التحدِّي أحيانًا، ومقتولٌ بضيق اليد أحايينَ أخرى.

حلمُ طالِبَيْ علمٍ تُنغِّصهما المتاعب، ويَطحنهما واقعٌ مؤلم، ومستقبل هلاميٌّ غير محدَّد الأبعاد، يأس يُخالطه ضحك وبكاء، وصراخ يَعتلج بداخلهما، لكن اتَّزانهما ما يزال قائمًا، جبروت داخليٌّ عجيب، حزن يُمزِّق أحشاءهما، لكن الفم لا يتأوَّه، ويظل صامتًا في وقت النزف، أو يدَّعي الصمت، ويتفوَّه بكلمات حمقاءَ بلا مَغزى، يداري بقناعها أتُّونَه الملتهب.

تكاشَفا منذ اللحظة الأولى، وتيقَّنا من استحالة هذه الحسبة - حسبة الزواج المضنية - ورجعا في النهاية إلى الحجرة الصغيرة التي كانت تجمعهما في المنزل الريفيِّ المعطَّر برَوث البهائم، وأصواتها المجلجلة في بيت محمد، أو يفترقان ويأوي كلٌّ منهما إلى سريره في أحايينَ أخرى.

كانا يتبادلان دائمًا ذكرياتِ الأمس، وأحداثَ ليلة غابرة لم يَلتقيا فيها، ونهارٍ مليءٍ بكل شيء، المرأة الخبيثة قبل الحسنة، والرياء والوفاء، والصدق والخيانة، والنفاق والأكاذيب، والأحداث الموجعة قبل المفرحة، والليالي السالفة التي لا تُنسى، وذكريات ليالٍ - باتَا فيها على أرصفة التحرير - تُوِّجتْ بثورة حقَّقت حُلمًا كان بعيدَ المنال، وبضِفاف نيلٍ بعيد عن حُمق العاصمة، ونِيلها المكبَّل بالأسوار الحديدية، ونفاق مَن حوله، وأحضان، وقبلات، وزَفرات مَنْ يدَّعون الحب على أرصفته.

كانت ليلة تحمل بين طيَّاتها حُلمًا وأملًا وصدقًا وحياةً، لكنها سَرعان ما تحوَّلت إلى نفاق وكذب ورياء، تهاوت كزجاج العربة المتهشِّم في تلك الليلة؛ لتخبرهما بأن طريقهما واهٍ كزجاجٍ تساقَط فلم يبقَ منه شيءٌ!

كثيرة تلك الذكريات بينهما، فيها كل ما يُبهج وما يُحزن، اتَّفقا دائمًا على الصدق والحب واختلفا، لكنهما ظلَّا شِقَّين متلازمين، يتبادلان الحبَّ الخاليَ مِن نفعيَّةِ مَن حولَهم، يَحمِلان لبعضهما بعضًا الاحترام، وتجمعهما الحرية، ويُفرقهما النوم، ذكريات بلا حدود تتعمق جذورها بداخلهما، وتتعلق تفاصيلها بأفئدتهم، وتظل تجربتها عالقة بأذهانهم، ولا سيما ليلة الحلقة المفقودة، ليلة العرس واللا عرس، ليلة الأكاذيب والنفاق، ليلة الدين المطَّاطي - لوالد العروس - المفعم باللا دين، شكلي كعاهرة في طريقها المظلم، فتبدو بِطلائها شريفة، ويَضيق رَحِمُها بقذارات ليال سُود تهاوت فيها على فراش الرذيلة!

استرجع شهاب أحداث تلك الليلة - ليلة خِطْبته التي تلاشت كسرابٍ - لِحية والد العروس النابتة في صمت، والابتسامة المهذبة، والبيت المتواضع، وطبق الفاكهة البدائي، ومنبر الوعظ الذي صكَّ به والدُها أُذنهم طيلة الجلسة التي سَرعان ما تبدَّدت كلماتها، وفرَّ الدينُ هاربًا أمام جحافل المال المحرقة، فضحِك ضحكةً أفقدتْه وقارَه، غير مبالٍ بمن حوله، ثم رفع أوراقًا تحمل بين طيَّاتها سهر ليالي مذاكرة لطلاب يَكتنفها الخوف والقلق والتربُّص والأمل، وأغلق كشوفًا تُسطِّر بين خاناتها درجات عذارى تنتظر أن تحمل لأبيها (الليسانس)؛ لتخفف عنه وَطأة أربع سنوات عِجاف أثْقَلت كاهله، وأحلام فتاة تَنتظر بشغفٍ نتيجتها؛ لتَهوي بحبيبها إلى فراش الزوجية المبهج، وأخرى تنتظر في ساحة العنوسة بَعلًا ينقذها من دوَّامة الانتظار، وحلم شابٍّ تهاوى في مرحاض الواقع، فأصبح عاطلًا في طابور طويل، حاملًا شهادته بين يديه متَّجهًا إلى ميدان التحرير!

حياة زاخرة لشهاب نهايتها طريق ممتدٌّ يسير فيه منفردًا، ويحاول أن يدرك أبعاد المعادلة؛ لكنها - على الرغم من صعوبتها - أصبحت واقعًا، وها هو ذا الحلم قد تحقَّق، وساق محمد زوجه إلى فراش الزوجية، وأصبح بعدها وحيدًا، يخطو بخطوات حثيثة، مُتسريًّا ببقايا الذكريات في طريقه اللامتناهي، ينظر إلى القمر القابع في كبد السماء، ويتذكر ليلة عرس تهاوى فيه صديقُه على فراش الزوجية، فتدور مشاهدها أمام عينيه: البدلة السوداء، والقميص المُستعار، ورباط العنق الذي ظلَّا طويلاً يحاولان إحكام ربطِه، وفستان أبيض تتدلَّى أهدابه على الأرض، وسرير مستدير يبتسم في صمت.
انتهت القصة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 17-04-2023 الساعة 09:55 AM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.85 كيلو بايت... تم توفير 1.75 كيلو بايت...بمعدل (3.53%)]