الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3940 - عددالزوار : 385562 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59782 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 162 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28264 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 797 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 687 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 16036 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم يوم أمس, 02:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (65)

واعتصموا بحبل الله جميعا



دعا القرآن الكريم المكلفين إلى الاعتصام بالدين الحنيف والتمسك بالوحي المعصوم كما قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، وتكرر ذلك في أكثر من موضع مما يقتضي من المكلفين معرفة معنى الاعتصام وحكمه وفضله وآثاره ليحققوا ما أمرهم به ربهم من تدبر كتابه وتعقل معانيه وحكمه.
فالاعتصام هو التمسك بما يحميك ويدفع عنك الخطر، ومما يؤكد هذا المعنى حديث سفيان بن عبد الله حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثني بأمر أعتصم به - أي أستمسك به - قال: « قل ربي الله، ثم استقم» أخرجه الترمذي.
والاعتصام بالله وبدينه وبكتابه واجب كما دل على ذلك آيات عديدة منها قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}، قال الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعا، يريد بذلك - تعالى ذكره-: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله».
ونقل عن أهل العلم اختلافهم في بيان معنى (حبل الله)، فذكر عن ابن مسعود أنه فسره بالجماعة، وقال آخرون: عنى بذلك القرآن والعهد الذي عهد فيه، وأخرج بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض» وهو صحيح، وقال آخرون: بل ذلك هو إخلاص التوحيد لله، فنقل عن أبي العالية قوله: «اعتصموا بالإخلاص لله وحده»، وعن ابن زيد قال: «الحبل: الإسلام».
قال الشيخ ابن سعدي مبينا مناسبة الأمر بالاعتصام بحبل الله تعالى بعد الأمر بتقواه: «هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات؛ فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته، ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين؛ فإنه في باجتماع المسلمين على دينهم وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها من التعاون على البر والتقوى، كما أنه بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه ولو أدى إلى الضرر العام»اهـ.
وقد جاء في السنة المطهرة ما يؤكد هذا المعنى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال». أخرجه مسلم.
قال النووي: «وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه، والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ويوصلون بها المتفرق، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تفرقوا» فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتآلف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام» اهـ.
وقال تعالى: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}، قال الشيخ ابن سعدي:«{واعتصموا بالله} أي امتنعوا به وتوكلوا عليه في ذلك ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم: {هو مولاكم} الذي يتولى أموركم فيدبركم بحسن تدبيره ويصرفكم على أحسن تقديره».
فالاعتصام بالله وبدينه سبيل النجاة كما قال تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، قال ابن القيم: «الاعتصام نوعان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقال: {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}، ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين، فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة؛ فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده فهو محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة وأن يهديه إلى الطريق، والعدة والقوة والسلاح التى بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها، فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح والمادة التي يستلئم بها فى طريقه» اهـ.
والاعتصام سبب للنجاة من النفاق وآثاره الخطيرة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما}، قال ابن سعدي: «وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر مع دخولهما في قوله: {وأصلحوا}؛ لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي تمكن فيه النفاق من القلوب فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما»اهـ.
والاعتصام سبب لنيل رحمة الله وفضله وهدايته كما قال تعالى: {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما}، قال ابن كثير: «قوله: {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به} أي جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم، وقال ابن جريج: آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن {فيدخلهم في رحمة منه وفضل}، أي يرحمهم فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم».
وبين تعالى أنه وحده يعصم من يشاء فلا يوصَل إلى من عصمه الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين}، قال ابن سعدي: «هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين؛ فإن نواصيهم بيد الله وقد تكفل بعصمتك».
ومن أراد الله تعالى إهلاكه أو عقوبته فلا عاصم له كما قال تعالى: {ما لهم من الله من عاصم} قال ابن كثير: «أي لا مانع ولا واق يقيهم العذاب».
وقال تعالى: {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم}، قال ابن سعدي: «لا من أنفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله، ولا ينصركم من دونه من أحد».
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاعتصام بدينه القويم وكتابه الكريم وهدي نبيه المستقيم.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم يوم أمس, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (66)

إنما جعل الاستئذان من أجل البصر



الإسلام دين كامل، ونظام شامل، يتناول الحقائق الكبرى بالبيان والبرهان؛ فيقرر توحيد الله تعالى بأقوى حجة وأوضح دليل، ويؤكد النبوات والبعث بالدلائل العقلية والشواهد الحسية وأدلة الفطرة والمعجزات الباهرة، وهو مع ذلك لا يهمل أدق تفاصيل الحياة الإنسانية فيما يتعلق بالآداب العامة والخاصة، فيشرع لها أحكاما دقيقة في القرآن والسنة؛ ليكون المجتمع المسلم متميزا في جميع أحواله الإيمانية والأخلاقية والأسرية والمجتمعية.
ومن تلك الآداب الإسلامية الرفيعة أدب الاستئذان في الدخول على بيوت الآخرين، حيث ضرب الإسلام أروع الأمثلة في الرقي الأخلاقي واحترام خصوصية الناس، وأرشد المسلمين إلى أحكام الاستئذان التي تناولتها سورة النور في موضعين منها، الموضع الأول قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
والاسْتِئْنَاس المذكور في الآية هُوَ الِاسْتِئْذَان، وهو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن، قَالَ مَالِك: الِاسْتِئْنَاس فِيمَا نَرَى -وَاَللَّه أَعْلَم-: الِاسْتِئْذَان، قال الجصاص: «وإنما سمي الاستئذان استئناسا؛ لأنهم إذا استأذنوا أو سلموا أنس أهل البيوت بذلك، ولو دخلوا عليهم بغير إذن لاستوحشوا وشق عليهم».
وأما حكم الاستئذان في الدخول على بيوت الغير فهو الوجوب كما دلت عليه الآية، ويحرم على المسلم دخول بيت غيره قبل أن يؤذن له بالاتفاق، سواء أكان باب البيت مفتوحا أم مغلقا، وسواء أكان فيه سكان أم لم يكن؛ لقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا}، ولأن للبيوت حرمتها فلا يجوز أن تنتهك هذه الحرمة، ولأن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة بل لأنفسهم ولأموالهم؛ لأن الإنسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه، يتخذه سترا لأمواله، وكما يكره اطلاع الغير على نفسه يكره اطلاعه على أمواله.
ومما يدل على وجوب الاستئذان حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رجلاً اطلع في جحر في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلممدرى -وهي حديدة يسوّى بها الشعر- يحك بها رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «لو أعلم أنك تنظرني لطعنت بها في عينك»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» متفق عليه.
ومما يستثنى من وجوب الاستئذان دخول الإنسان بيته فلا يجب عليه أن يستأذن، قال ابن حجر: «المرءلا يحتاج في دخوله منزله إلى الاستئذان؛ لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان».
ويشرع في حق الرجل إذا دخل بيته أمران:
- الأول: السلام؛ لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» أخرجه الترمذي وهو حسن.
- والأمر الثاني: الإعلام فيندب للزوج أن يعلم زوجته بدخوله بسلام أو تنحنح أو طرق نعال ونحو ذلك؛لأنها ربما كانت على حالة لا تريد أن يراها عليها، قالت زينب امرأة ابن مسعود: «كان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت»، وقال الإمام أحمد: «يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته»، وقال: «إذا دخل على أهله تنحنح».
فَإِنْ كَانَ فِي البيت أُمّه أَوْ أُخْته فيجب عليه أن يستأذن قبل الدخول، لأنهما قَدْ تكُونَان عَلَى حَالَة لَا يحِبّ أَنْ يرَاهُمَا فِيهَا. قَالَ الإمام مَالِك: وَيَسْتَأْذِن الرَّجُل عَلَى أُمّه وَأُخْته إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمَا. وَقَدْ رَوَى عَطَاء بْن يَسَار أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَسْتَأْذِن عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: إِنِّي أَخْدُمهَا؟ قَالَ: «اِسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» فَعَاوَدَهُ ثَلَاثًا، قَال: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة؟» قَالَ: لا، قَالَ: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا». أخرجه مالك.
وفي «الأدب المفرد» للبخاري أن رجلاً سأل حذيفة: أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره. وسأل رجلٌ ابن عباس فقال: أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قال: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة.
ومما يستثنى أيضاً من وجوب الاستئذان إذا كان الدخول للبيت فيه إحياء لنفس أو مال، كما لو دخل لص بيت إنسان واستنجد بالناس أو وقع في البيت حريق وأهله غافلون.
والاستئذان في السابق كان باللفظ وبإلقاء السلام بأن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ لمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ رِبْعِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُل مِنْ بَنِي عَامِر اِسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلموَهُوَ فِي بَيْت، فَقَالَ: أأَلِج؟ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلملِخَادِمِهِ: «اُخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَان، فَقَل لَهُ: قُلْ: السَّلام عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُل فَقَالَ: السَّلام عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَل».
فلما اتخذ الناس الأبواب وكبرت المنازل قام قرع الباب مقام الاستئذان باللفظ، سواء أكان الباب مغلقا أم مفتوحا؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا، فقال: «أنا، أنا» كأنه كرهها. أخرجه البخاري.
قال ابن حجر: وقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» من حديث أنس أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم انت تقرع بالأظافير، وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب، وهو حسن لمن قرب محله من الباب، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه.
وينبغي للمستأذن أن يكرر ذلك ثَلاث مَرَّات لَا يُزَاد عَلَيْهَا، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ دَخَلَ، وَإِنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ اِنْصَرَفَ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ اِسْتَأْذَنَ ثَلاثًا ; ثُمَّ يَنْصَرِف مِنْ بَعْد الثَّلاث.
قال مالك: الاسْتِئْذان ثَلاث، لا أُحِبّ أَنْ يَزِيد أَحَد عَلَيْهَا، إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يسمع، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيد إِذَا اِسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لم يسمع، ودليل ذلك قَوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اِسْتَأْذَنَ أَحَدكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يؤْذن لَهُ فَلْيَرْجِعْ» متفق عليه.
ومن أدب الاستئذان ألاّ يقف قبالة الباب، بل ينحرف ذات اليمين أو ذات الشمال؛ لحديث عبد الله بن بسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم -وفي رواية: يريد أن يستأذن- لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: «السلام عليكم، السلام عليكم»، وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور.أخرجه أبو داود وهو صحيح.
وعن هزيل بن شرحبيل قال: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقام مستقبل الباب فقال له صلى الله عليه وسلم: «هكذا عنك وهكذا، فإنما الاستئذان من النظر» أخرجه أبو داود وهو صحيح.
ويستحب للمستأذن إذا قيل له: من أنت؟ أن يقول: فلان، فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية، ويكره أن يقول: أنا؛ فعنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رضي الله عنه قَالَ: اِسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقُلْت: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَنَا»! كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. قال ابن حجر: «وذكر ابن الجوزي أن السبب في كراهة قول (أنا) أن فيها نوعا من الكبر، كأن قائلها يقول: أنا الذي لا أحتاج أذكر اسمي ولا نسبي».
وينبغي للمستأذن أن يحترم رغبة من يريد الدخول عليه وخصوصيته، فإذا اعتذر أخوه عن استقباله لأي سبب فعليه أن يرجع دون غضب أو ضيق؛ لأن ذلك أزكى له كما قال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}.
قال القرطبي: «وَعَنْ قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ: لَقَدْ طَلَبْت عُمْرِي هَذِهِ الْآيَة فَمَا أَدْرَكْتهَا أَنْ أَسْتَأْذِن عَلَى بَعْض إِخْوَانِي فَيَقُول لِي اِرْجِعْ، فَأَرْجِع وَأَنَا مُغْتَبِط; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}».
قال الماوردي: «وهنا ينظر، فإن كان -رد المستأذن- بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث، وإن كان قبل الدخول فهو رد للإذن ومنع من الدخول».
نسأل الله تعالى أن يجملنا بأحسن الأخلاق ويرشدنا لأجمل الآداب إنه سميع مجيب.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم يوم أمس, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن(67)

-احذروا نفار النعم.. فما كل شارد بمردود


كلمة حق قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما نقلها عنه الثعالبي في كتابه «الإعجاز والإيجاز»؛ حيث شبه رضي الله عنه النعم بالإبل المقيدة، وحذر من فرارها من قيدها ونفرتها من صاحبها؛ لأنه ليس كل ما شرد يمكن رده إلى حاله الأولى.
وهي كلمة حكيمة تدل على إدراك عميق، ونظر دقيق في النصوص الشرعية والسنن الكونية، التي تشهد بأن النعم كلها من الله تعالى وحده كما قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}، وأن سبب دوامها هو الشكر والاستقامة كما قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}، ومن أكبر أسباب زوالها الكفر والبطر وسوء استعمالها وصرفها عما يقتضيه الشرع والعقل.
ولو نظرنا في معنى النعمة في اللغة لوجدنا أنها على كثرة اشتقاقاتها تدور حول الترفه وطيب العيش والصلاح، فالنعمة: ما ينعم الله به على عبده من مال وعيش.
وأما النعمة في القرآن فهي كما قال الأصفهاني في «المفردات»: «النعمة: الحالة الحسنة»، قال: «والنعمة للجنس تقال للقليل الكثير، قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وقال: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم}، وقال: {وأتممت عليكم نعمتي}.
وذكر ابن الجوزي في «نزهة الأعين النواظر» أن النعمة ما يحصل للإنسان به التنعم في العيش، وقرر أن النعمة في القرآن على عشرة أوجه:
- أحدها: المنة، ومنه قوله تعالى في المائدة: {يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم}.
- والثاني: الدين والكتاب، ومنه قوله تعالى في البقرة: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته}.
- والثالث: محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى في النحل: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}.
- والرابع: الثواب، ومنه قوله تعالى في آل عمران: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل}.
- والخامس: النبوة، ومنه قوله تعالى في الضحى: {وأما بنعمة ربك فحدث}.
- والسادس: الرحمة، ومنه قوله تعالى في الحجرات: {فضلا من الله ونعمة}.
- والسابع: الإحسان، ومنه قوله تعالى في الليل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى}.
- والثامن: سعة المعيشة، ومنه قوله تعالى في لقمان: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}.
- والتاسع: الإسلام، ومنه قوله تعالى في الأحزاب: {إذ تقول للذي أنعم الله عليه}.
- والعاشر: العتق، ومنه قوله تعالى في الأحزاب: {وأنعمت عليه}؛ لأن إنعام الله تعالى عليه بالإسلام، وإنعام النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وهو زيد بن حارثة.
والقرآن الكريم يرشدنا إلى واجب المسلم تجاه النعم، وأول ذلك التذكر وعدم نسيان النعم أو التغافل عنها، قال تعالى: {يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم}، وقال سبحانه: {واذكروا نعمة الله عليكم}، قال الشيخ ابن سعدي موضحًا كيفية التذكر: «باللسان حمدًا وثناء، وبالقلب اعترافًا وإقرار»، وبالأركان بصرفها في طاعة الله».
وبين رحمه الله ثمرة كثرة ذكر النعم فقال: «فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته وامتلاء القلب من إحسانه».
ومن واجب المسلم تجاه النعم الشكر كما قال تعالى: {واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون} قال الشيخ ابن سعدي: «أي: إن كنتم مخلصين له العبادة فلا تشكروا إلا إياه، ولا تنسوا المنعم».
والشكر هو حال المرسلين والمؤمنين كما ذكر سبحانه عن سليمان عليه السلام أنه قال: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي}، وقال سبحانه عن المؤمن الصالح أنه يقول: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي}، قال الشيخ ابن سعدي: «فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه».
وقد وضح لنا القرآن الكريم أسباب زوال النعم ومنها الكفر فقال تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}، فنعمة الله تعالى عليهم هي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، فقاموا بالكفر به والصد عن سبيل الله بدلا من الشكر لله بالإيمان برسوله واتباع دينه، فكان عاقبتهم النار وبئس القرار.
وضرب الله تعالى في القرآن الأمثلة للقرى الكافرة بنعم الله وما حل بها نتيجة ذلك، فقال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}، قال الشيخ ابن سعدي: «فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم».
وضرب لنا مثلا بأهل سبأ فقال: {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال...} إلى أن قال تعالى{ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}، قال الشيخ ابن سعدي: «فكما بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح، بدلوا تلك النعمة بما ذكر» ثم قال: «وهل نجازي جزاء العقوبة إلا من كفر بالله وبطر النعمة؟!».
وضرب لنا مثلا في سورة القلم بأصحاب الجنة الذين اغتروا بما عندهم من النعمة وجزموا بثباتها في أيديهم، وعزموا على منع حق الله تعالى فيها، فكانت النتيجة أن نزعت منهم ونزل بها عذاب أبادها وأتلفها، ثم قال تعالى: {كذلك العذاب} قال الشيخ ابن سعدي: «أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه الله الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه أحوج ما يكون إليه».
فما أحوجنا في بلدنا الآمن الذي نتقلب فيه بنعم الله الوفيرة وآلائه الغزيرة أن ندرك قيمة ما لدينا فنذكر نعمة الله، ونشكر فضله، ونحفظ حدوده، وننأى عن سبيل الجاهلين وسلوك الجاحدين، ونعلم أن النعم سريعة الزوال، وأن العصيان سبب الحرمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه» رواه أحمد.
وقد أخرج الإمام أحمد عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» وحسنه الشيخ الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم». متفق عليه.
قال الشيخ ابن سعدي: «هذا يدل على شكر الله بالاعتراف بنعمه، والتحدث بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وفعل جميع الأسباب المعينة على الشكر؛ فإن الشكر لله هو رأس العبادة، وأصل الخير، وأوجبه على العباد؛ فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة، خاصة أو عامة إلا من الله، وهو الذي يأتي بالخير والحسنات، ويدفع السوء والسيئات، فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر ما تصل إليه قواهم، وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر.
وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب، والسبب القوي لشكر نعم الله، وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنسب والمال وأصناف النعم، فمن استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه؛ فإنه لا يزال يرى خلقًا كثيرًا دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق، وخلق وخلق، فيحمد الله على ذلك حمدًا كثير».
فيا ليت المغرورين ينظرون إلى ما هم فيه، ويقارنونه مع حال كثير من شعوب الأرض التي فقدت النعم الحسية والمعنوية، فيشكروا الله تعالى على الأمن والإيمان، والخير والإحسان، ويدركوا أن النعم إذا فرت يعسر ردها إلا أن يشاء الله كما قال علي رضي الله عنه: «احذروا نفار النعم؛ فما كل شارد بمردود».

اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم يوم أمس, 03:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (68)


{واتبع سبيل من أناب إلي}



هذه الوصية الربانية على وجازتها اشتملت على فوائد عديدة، وتوجيهات مفيدة، تضمن النجاة لمن اتبعها، والسلامة لمن عمل بها.
فقد دلت بمنطوقها على لزوم اتباع سبيل من أناب إلى الله تعالى، وأشارت بدلالتها على وجود سبل أخرى غير هذا السبيل، على المسلم أن يعرفها أولاً ليحذر منها ويجتنبها.
والسبيل في اللغة هو الطريق الواضح، وقال الأصفهاني: «الطريق الذي فيه سهولة».
- والإنابة: في اللغة تعني الرجوع، مأخوذة من الفعل ناب نوبا ونوبة: إذا رجع مرة بعد مرة، والإنابة إلى الله تعالى تكون بالرجوع إليه بالتوبة والإخلاص، وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع، والمنيب إلى الله: المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كل وقت.
وقد أمر الله تعالى بالإنابة فقال:{وأنيبوا إلى ربكم}، وأثنى على خليله بها فقال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}، وأخبر أن آياته إنما يتبصر بها ويتذكر أهل الإنابة فقال:{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها}إلى أن قال: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}، وأخبر أن ثوابه وجنته لأهل الإنابة فقال:{وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام}.
قال ابن القيم: «والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيته، وهي إنابة المخلوقات كلها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبر والفاجر قال الله تعالى: {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه}، فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر، كما هو الواقع، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشرك والكفر، كما قال تعالى في حق هؤلاء:{ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم} فهذا حالهم بعد إنابتهم.
والإنابة الثانية:إنابة أوليائه، وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة، وهي تتضمن أربعة أمور: محبته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربع، وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك».
وقد تعددت عبارات العلماء في تحديد المقصود بهذه الآية؛ فقال ابن كثير: «يعني: المؤمنين»، وقال الشيخ ابن سعدي: «وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه، واتباع سبيلهم: أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى الله، ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله، ويقرب إليه».
وقال البغوي: «أي: دين من أقبل إلى طاعتي، وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه»، وقال الطبري: «يقول: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلى الإسلام، واتبع محمدا صلى الله عليه وسلم».
وقد جاء في كتاب الله تعالى آيات كثيرة تضمنت ذكر سبيل الله كقوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله}، وقوله: {وأنفقوا في سبيل الله}، وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} وسبيل الله تعالى: كل ما شرعه من الحق والهدى، وتارة يصفه بأنه سبيل الرشد كما قال تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}، وتارة يصفه بأنه سبيل المؤمنين كما قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جنهم وساءت مصيرا} قال الشيخ ابن سعدي: «وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم».
ويحذرنا سبحانه من سبيل المجرمين كما قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، قال الشيخ ابن سعدي: «نوضحها ونبينها ونميز طريق الهدى من الضلال، والغي من الرشاد، ليهتدي بذلك المهتدون، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه، ولتستبين سبيل المجرمين الموصلة إلى سخط الله وعذابه؛ فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت أمكن اجتنابها والبعد عنها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل».
ونهانا سبحانه عن اتباع سبيل المفسدين كما جاء في وصية موسى لأخيه هارون عليهما السلام في قوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} قال الشيخ ابن سعدي: «أي: اتبع طريق الصلاح ولا تتبع سبيل المفسدين وهم الذين يعملون بالمعاصي».
ونهى تعالى عن اتباع سبيل الذين لا يعلمون، فقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: {فاستقيما ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون} قال الشيخ ابن سعدي: «أي: لا تتبعانِّ سبيل الجهال الضلال المنحرفين عن الصراط المستقيم، المتبعين لطرق الجحيم».
وقد وصانا الله تعالى وصية جامعة عظيمة فقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال الشيخ ابن سعدي: «ولما بيّن كثيرا من الأوامر الكبار والشرائع المهمة أشار إليها وإلى ما هو أعم منها فقال: {وأن هذا صراطي مستقيما} أي: هذه الأحكام وما أشبهها مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر، {فاتبعوه} لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح، {ولا تتبعوا السبل} أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق {فتفرق بكم عن سبيله}أي: تضلكم عنه وتفرقكم يمينا وشمالا، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم، فقال:{ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا، صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين، ووحد الصراط وأضافه إليه؛ لأنه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه».
وعن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا , ثم قال: «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها» ثم قرأ هذه الآية.
فالمسلم أمام تقاطع السبل ومفترق الطرق عليه أن يبحث عن سبيل الله الذي قامت عليه الأدلة والبراهين، ويسأل الله الهداية إليه ويستعين بالمجاهدة للوصول إليه فقد وعد الله تعالى أهل المجاهدة بالهداية والإعانة فقال عز وجل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} قال الشيخ ابن سعدي: «دل هذا على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية».
وليحذر من مخالفة سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سبيل الغاوين؛ حتى لا يبوء بالحسرة والندامة يوم القيامة كما قال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتَى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا}.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم يوم أمس, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (69)


-استــفـت قلبـــك



يحتج بعض الناس بهذه العبارة: «استفت قلبك ولو أفتاك المفتون» ليبرر بها تصرفاته، ويعتذر بها عن مواقفه من حيث استحلاله لشيء فيقدم عليه، أو تحريمه لآخر فيحجم عنه، دون أن يسترشد بدليل شرعي معتبر، أو يستشير ذا علم واطلاع في العلوم الدينية، وإنما يحتكم لهواه وما يمليه عليه عقله المجرد.
وهذه العبارة جزء من حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟» قلت: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» أخرجه الإمام أحمد، وحسنه الألباني.
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال:قلت: يا رسول الله أخبرني ما يحل لي ويحرم عليّ؟ فقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» رواه أحمد وصحه الألباني.
فالحديثان يدلان على أمور مهمة منها:
- الأول: واجب المسلم تعلم أحكام دينه التي يحتاج إليها ويتوقف عليها إيمانه وصحة عبادته وما يباشره من معاملات مالية أو غيرها، فإن كان المسلم من أهل الاجتهاد المعتبر رجع إلى الأدلة الشرعية واستنبط منها الأحكام الفقهية، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد وهو حال أغلب المسلمين فعليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر} قال الشيخ ابن سعدي: «وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل، فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم، وتزكية لهم، حيث أمر بسؤالهم، وأنه بذلك يخرج الجاهل من التبعة؛ فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله».
- الثاني: إذا سأل المسلم من يظنه من أهل العلم عما يحتاج إلى معرفة حكمه فأجابه بالحكم الديني مؤيدا بالدليل الشرعي، فواجب المسلم حينئذ العمل بما دل عليه الدليل الصحيح الصريح الذي لا مخالف له ولا معارض، فالله تعالى أمرنا بامتثال أمره واتباع شرعه فقال سبحانه: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}، ووعد من اتبع هداه بالرضوان والجنان فقال:{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}، وذم سبحانه من أعرض وامتنع فقال عز وجل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}.
قال ابن رجب رحمه الله: «فأمَّا ما كان مع المفتي به دليلٌ شرعيٌّ، فالواجب على المستفتي الرُّجوعُ إليه، وإنْ لم ينشرح له صدرُه، وهذا كالرخص الشرعية، مثل الفطر في السفر، والمرض، وقصرالصَّلاة في السَّفر، ونحو ذلك ممَّا لا ينشرحُ به صدور كثيرٍ مِنَ الجُهَّال، فهذا لا عبرةَ به، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم، فيمتنعون من فعله فيغضب من ذلك؛ كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه».
وفي الجملة، فما ورد النصُّ به، فليس للمؤمن إلا طاعةُ الله ورسوله، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا.
- الثالث: إذا لم يطمئن السائل لجواب المسؤول من أهل العلم؛ لظنه أنه لم يفهم سؤاله، أو استعجل بجوابه، أو لم يذكر له دليلا على حكمه، أو كان المسؤول معروفا بالتساهل في الإفتاء، أو من أهل الأهواء، فهنا على المسلم الاحتياط لدينه، والأخذ بأسباب نجاته، ويعلم أن الله تعالى مطلع على الصدور وخبايا النفوس، وأنه يحاسب الناس يوم القيامة على أعمالهم ومقاصدهم، وفتوى المفتي لا تغير من حقائق الأشياء التي يعلم الإنسان أنها لا تحل له أو يرتاب في حلها، وقد قال العلماء: «الفتوى غير التقوى؛ فإن الفتوى الحكم على ظاهر الأشياء، والتقوى الاحتياط في الأمور بأن يجتنب الرجل الشبهات، أو يعدل عنها إلى ما تيقن كونه حلالا، ومثاله: رجل له مال حلال وآخر حرام، فإن أتاك بشيء من ماله، والمفتي يقول لك: كلّ ما لم تتيقن أنه حرام جاز لك أكله، فلا ينبغي لك أن تأكل خوفا من أن تأكل حراما، فإن الفتوى غير التقوى».
قال ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين»: «لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك»، فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار»، والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره؛ لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والواجب تقوى الله حسب الاستطاعة».
- الرابع: القلب الذي يرجع إليه الإنسان هو القلب المستنير بالإيمان، المسترشد بالعلم، وليس القلب الجاهل ولا القلب المريض بالشبهات أو الشهوات، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فوائد الحديث: «جواز الرجوع إلى القلب والنفس لكن بشرط أن يكون هذا الذي رجع إلى قلبه ونفسه ممن استقام دينه؛ فإن الله عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية».
وقال أيضا: «أي : حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض» انتهى.
وقال أيضا: «وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس. أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن».
وقال رحمه الله: «لا يغتر الإنسان بإفتاء الناس، ولا سيما إذا وجد في نفسه ترددا، فإن كثيرا من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد ويشك، فهل لهذا إذا تردد وشك أن يسأل عالما آخر؟ الجواب: نعم، بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في جواب الأول».
وخلاصة الأمر أن الاستدلال بالأدلة الشرعية إنما يكون وفق منهج معين بينه علماء الشريعة، وليس عملا عشوائيا، يأخذ الإنسان ما وقف عليه من الأدلة ويحتج به ويعمل وفقه دون العلم بثبوته أو دلالته أو سلامته من المعارض الراجح، بل لا بد من سؤال أهل العلم والله الموفق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.58 كيلو بايت... تم توفير 3.76 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]