الامتحانات دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3959 - عددالزوار : 397791 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4428 - عددالزوار : 863639 )           »          أنماط من الرجال لا يصلحون أزواجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أيها الأب صدر موعظتك بكلمة حب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيف تُحدِّين من دلع طفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          المرأة في أوروبا الجديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وتوقفت عن معصية الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          تربية الأطفال عند السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كرم المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بيت السعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-04-2024, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,332
الدولة : Egypt
افتراضي الامتحانات دروس وعبر

الامتحانات دروس وعبر

د. أمير بن محمد المدري


الحمد لله الكريم الفتاح، أهل الكرم والسماح، المجزل لمن عامله بالأرباح، سبحانه فالق الإصباح وخالق الأرواح.

أحمده سبحانه على نعمٍ تتجدد بالغدو والرواح، وأشكره على ما صرف من المكروه وأزاح، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً بها للقلب انفساح وانشراح.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرسل بالهدى والصلاح اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ما بدا نجم ولاح.

أما بعد..
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالًا صالحة مباركة تبيض وجوهنا يوم نلقاه -عز وجل-.
﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ ولا بَنُونَ * إلّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88-89].

﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وجُوهٌ وتَسْوَدُّ وجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106].

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ومَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30].

﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن: 9].

نسأل الله-عز وجل-بمنه وكرمه أن يحبّب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يكِرّه إلينا الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المُعد لكل ما يُتوقّع
يا من يُرجّى للشدائد كلها
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن
أمنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة
فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة
فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه
إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصيا
الفضل أجزل والمواهب أوسع


عباد الله، اتقوا الله حقيقة التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبِلَى وقرب المصير إلى الله جل وعلا.

غدًا... وما أدراك ما غدًا... يوم يُكرم فيه المرء أو يُهان... يوم يعلم المجتهد فيه نتيجة جهده... كما يعلم الكسول فيه نتيجة كسله... فمن جد وجد... ومن زرع حصد.

أيها المسلمون: كل عام يتكرر هذا الموقف، وهذا المشهد، مشهد دخول الطلاب والطالبات إلى قاعات الامتحانات... هذا المشهد لابد من الوقوف معه وقفات تربوية، علها تحث على بذل الجهد، وتشجع على التحصيل، وتثمر عند الحصاد.

الوقفة الأولى: أبناؤنا غدًا تفتح لهم أبواب قاعات الامتحانات... ويجلس الواحد منهم يُسأل وحيدًا فريدًا لا مُعين له ولا مُسدد إلا الله ثم ما بذله من جهد في الاستذكار.

غدًا الامتحانات... يُسأل فيه التلميذ عما حصّله في عامه الدراسي، وحاله في وجل واضطراب، عما تخفيه له ورقة النتيجة من مفاجئات ربما لم يكن متوقعًا لها، يخاف من عدم النجاح، من الفضيحة بين أقاربه وأهله، يخاف من العقوبة لو لم ينجح في الامتحان، يخاف من ذل الخسارة، وليس بملام في كل ذلك... ولكنني أُبشّر كل طالب اجتهد وثابر، ترك الراحة والكسل والهجوع من أجل النجاح أبشره بالفوز، أُبشّره بالسرور في يوم إعلان النتائج، واستلام صحائف الدرجات.


أيها المسلمون: ما أشبه اليوم بغدٍ... أتدرون أي غدٍ أعني... إنه يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، السائل رب العزة والجلال، والمسؤول هو أنت، ومحل السؤال كل ما عملته في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، يا له من امتحان!!

ويا له من سؤال!! ويا له من يوم يجعل الولدان شيبًا، عند مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلّا مَا قَدَّم، ويَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إلّا النَّارَ تِلْقَاءَ وجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»[رواه البخاري ومسلم].

نعم إنه امتحان مهول يدخله كل الخلق في يوم مهول، عند مسلم من حديث طويل عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «... يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّل أي يوم القيامة.... فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ» ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ ﴿ وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]. قَالَ ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَم؟ فَيُقَال: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، قَالَ: فَذَاكَ ﴿ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيبًا﴾. وذَلِكَ ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم: 42]».

عباد الله: تذكّروا وأبناؤكم في قاعات الامتحانات الفسيحة، تذكّروا عرصات يوم القيامة، والناس قيام شاخصة أبصارهم، ألجمهم العرق من هول يوم السؤال، ورعب يوم الحساب يقول: «إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَوْ إِلَى آنَافِهِمْ» [حديث متفق عليه، من رواية أبي هريرة واللفظ لمسلم].

تذكروا.. عند إلقاء السؤال في الامتحان بسؤال الملكين في تلك الحفرة المظلمة.. تذكروا إِذَا وضِعَ ـ الواحد منا ـ فِي قَبْرِهِ وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ـ وجاء الممتحِنون، وما أدراك ما الممتحِنون.. هما ـ «مَلَكَانِ يَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّة» ـ ِهذه حال الفائز الناجح، أما الراسب الذي لم يتعد للامتحان ـ «فَيَقُول: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَال: ُلَا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إلّا الثَّقَلَيْن» [حديث متفق عليه من رواية أنس بن مالك].

تذكر يا عبد الله.. عند إلقاء السؤال في قاعة الامتحان بسؤال الله يوم القيامة يوم يدنيك رب العزة فيقررك بذنوبك يقول سبحانه: «تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟» [حديث متفق عليه من رواية ابن عمر].

تذكر يا عبد الله... يوم توزيع الشهادات على الطلاب، ذلك اليوم العظيم الذي توزع فيه الصحف ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إني ظَنَنتُ أَنّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ واشْرَبُواْ هَنِيئًَا بِمَا أَسْلَفْتُمْ في الأيام الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ * فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * ولَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاْسْلُكُوهُ ﴾ [الحاقة: 19 - 32].

الوقفة الثانية: سؤال مهم.. لماذا ندرس؟... ولماذا نُمتحن؟.. لماذا كل هذا العناء؟.. أليس الذي جعل الشوارع نزهته، والأرصفة مسمره، والطرب منتهى أحلامه، أليس في راحة، وهدوء بال؟!. إذن فلم كل هذا العناء؟. دراسة وجُهد وسهر ثم امتحان ثم ماذا؟؟

إنني لأتساءل.. يا ترى ما هي الأهداف التي نبتغيها من دراسة أبنائنا وتفوقهم؟، والتي نزرعها في أفئدتهم طيلة سنواتهم الدراسية.

أيها المسلمون: إن الواجب على كل أب أن يزرع في ابنه حب التفوق لأنه لبنة بناء في مجد الأمة، لأنه مصدر إنتاج في الوطن الإسلامي، لأنه مشعل تستضيء به الأمة في هذا الظلام الدامس الذي انتابها في هذه العهود.

نعم، كيف نبني؟ وكيف نصنع؟ وكيف نُعلّم ونطبّب ونهندس؟ وكيف نخطط وننتج؟ بل كيف نستغني عن الاستعانة بالخبير الأجنبي الذي ليس همه إسلام ولا أمة بل همه تدمير الأمة ورجالاتها. إذا لم يتربى أبناؤنا على حمل هم المجتمع، بل الأمة كلها، منذ نعومة أظافرهم، حتى حملهم للشهادة التي يبتغي هم وأسرهم.

نعم، علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بُناة المجد، وهامة العلو، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة.

الوقفة الثالثة: عند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «.... مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».

نعم إن الغش في الامتحان تزوير ممقوت، وخُلُق سمج، وتطبع إجرامي، بل إن الغش جريمة في حق المجتمع، لأننا نخرج طلابًا زورًا وبهتانًا، ولأننا سنخرج أطباء مزوَرين ومهندسين مزوَرين بل ومعلمين مزوَرين، فيموت الإبداع في كل مجال، ويولىّ الأمر إلى غير أهله، فتشيع الخيانة، وينتشر الضعف في كل مجال، فيُعلى علينا ولا نعلو، ونُهزم ولا ننتصر، لأن مراكز العلو، ومراكز الإنتاج قد تولاها غشاشون مزوَرون لا كفاءة لديهم، ولا إبداع.

الغش إنه سبب لتأخر الأمة، وعدم تقدمها وعدم رقيها، وذلك لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب المتعلم، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش، فقل لي برأيك: ماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون؟

الوقفة الرابعة: نعيش فيها مع ذلك الأب الرحيم، وتلك الأم الرحيمة، الذي أجهد كل واحد منهما نفسه، وأثقل وزره من أجل ابنه، فكأنه هو الذي سيُمتحن غدًا ليس ابنه، فلا يرتاح له بال حتى يغادر ابنه إلى قاعة الامتحان، ويا للهول لو نام الابن عن الامتحان. مصيبة عظيمة وذنب لا يمكن اغتفاره، وهو فعلًا كذلك... ولكن السؤال هنا هل عملت مع ولدك لامتحان الآخرة ما تعمله الآن معه لامتحان الدنيا؟

هل سعيت لإنقاذه من فشل امتحان الآخرة، كما تسعى الآن لإنقاذه من فشل امتحان الدنيا؟ هل بذلت جهدك المتواصل في تعليمه وتفهيمه ما يعينه على امتحان الآخرة، كما تفعل ذلك لامتحان الدنيا؟

اسأل نفسك... هل توقظ ابنك لصلاة الفجر وهو شاب بالغ عاقل، بنفس الحرص الذي توقظه به لحضور الامتحان؟

هل تعتني بتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي، كما تعتني بتوجيهه وتصحيح خطئه في مذاكرته؟

بل اسأل نفسك... هل أنت حريص على أن ينال ابنك الفوز في الآخرة، بنفس الحرص والحماس الذي تسعى له في نجاح ابنك في الامتحانات الدراسية بتفوق؟

أيها الأب الفاضل، ماذا تغني عنه شهادته أو تفوّقه؟! ماذا يغني عنه مركزه ومكانته إذا أوتي كتابه بشماله وقال: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25، 29]؟!

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عبد الله: تذكر أنك مسؤول عن هؤلاء الأبناء ليس فقط من أجل نجاحهم في امتحان الدنيا، بل أنت مسؤول حتى عن نجاحهم في الآخرة، في الحديث المتفق عليه عن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ ك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ َ -صلى الله عليه وسلم-قُالُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وهُوَ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِه،».

اعلم أن الفوز الحقيقي الذي تبحث عنه لابنك هو فوز الآخرة، فاحرص عليه، قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ومَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].

أيها الطلاب: الوصية بتقوى الله -عز وجل-، فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وآتاه خيرًا كثيرًا.

خذوا بأسباب النجاح وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، استذكروا واجتهدوا فإن تعبتم اليوم فغدًا راحة كبيرة عندما يحزن الكُسالى لكسلهم، ويفرح حينها الفائزون بفوزهم، عندها وكأنه لم يكن هناك تعب ولا نصب.

ألا واعلموا... أن أفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها: أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله وتفويض الأمور كلها له سبحانه، فلا تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم فقط، بل فوضوا مع ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سببًا للنجاح بل إرادة الله وتوفيقه أولًا.

ولقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة ك أن تقول: «يَا حَيّ يَا قَيُّوم بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه ولَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن» [أخرجه النسائي والبزار من حديث أنس بن مالك. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1 /449].

إذا أراد الله بعبده التوفيق جعله مفوضًا الأمور إليه وفقه وسدده لكي يعتمد على حول الله وقوته، لا على حوله وقوته، وإذا وكل الله العبد إلى نفسه وكلَه إلى الضعف والخور.

الوقفة الخامسة: إن هناك امتحانا أعظم، أنت تخوض غماره، وهناك اختبار أكبر أنت تعيشه في كل لحظة.

هو أعظم من هذه الامتحانات التي مرت عليك.

إنه امتحان من قبل الله سبحانه وتعالى. في قاعة كبيرة -إنها الدنيا- تمتحن فيها في كل ساعة ودقيقة، في كل لحظة وثانية.

ولا والله ليس المراقب كالمراقب، ولا المواد كالمواد، ولا النتيجة كالنتيجة.

أما المراقب في امتحان الدنيا فهو مخلوق ضعيف لا يملك لك لا حول ولا قوة.

وأما المراقب في امتحان الله فهم كثر:
فالملائكة تراقبك: ﴿ وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 10-13] وأعضائك تراقبك: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]، والأرض التي تمشي عليها تراقبك: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4] وأعظم هؤلاء هو الله الذي ناصيتك بيده، وروحك التي بين جنبيك ملك له، وأنفاسك التي تدخل وتخرج في كل لحظة هو الذي يجريها: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6].

فما بالك تخشى مراقب امتحان الدنيا ولا تخشى الله: الذي يراك في كل حين ولو شاء لعجل لك العقوبة حين تعصيه.

الوقفة السادسة أيها الإخوة المؤمنون، لا تنسوا أبناكم من الدعاء لهم، فهذا إبراهيم-عليه السلام-يقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، وزكريا-عليه السلام-دعا ربه فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾[آل عمران: 38]، ومن دعاء المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]. فما أحرانا أن نخصَّهم بدعوة خالصة في ساعة من ليل أو نهار، لعل الله أن يفتح لنا باب القبول عنده.

اللهم إنا نسألك أن تصلح أولادنا وإخواننا، وأن تحفظهم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم إنا نسألك التيسير، اللهم يسر أمورنا، واشرح صدورنا، ووفق أبناءنا وبناتنا. اللهم اجعلهم مشاعل نور وهداية، وخذ بهم إلى سبيل الرضا والولاية، يا أرحم الراحمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.94 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]