مغبون وخاسر ومفلس من يعمل الطاعات ويأخذ ثوابها غيره - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2020, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي مغبون وخاسر ومفلس من يعمل الطاعات ويأخذ ثوابها غيره

مغبون وخاسر ومفلس من يعمل الطاعات ويأخذ ثوابها غيره


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

إخواني في دين الله؛ يا أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأعمال التي يقوم بها هذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا؛ أعمالٌ للدنيا أو للآخرة، فهل تحبون أن تفرِّطوا في هذه الأعمال وفي ثوابها وفي نتائجها؟ كذاك الذي يشتغل ويتعب ويعرق، ثم عندما يريد أن يأخذ أجرته، وإذا بغيره قد أخذها! سيده صاحب العمل لم يعطه شيئا، بل أعطى ما له لغيره، في آخر الشهر وجدت راتبك في المصرف وفي البنك قد سجل وحول لغيرك، ماذا يكون موقفك يا عبد الله؟ هذا في حال الحياة الدنيا تغضب، وترفع قضايا على المصرف والبنك وأهله، فماذا تفعل يوم القيامة إذا رأيت حسناتك تذهب منك إلى غيرك؟

لا تظلم يا عبد الله! ولنستمع إلى ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ - وعلى آله وصحبه- وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ». (خ) (6534).

"مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ" في الحياة الدنيا، مظلمة بشتى أنواع الظلم؛ لأن المظالم قد تكون مادية، نقدًا وفلوسا وما شابه ذلك، وقد تكون معنوية؛ كغيبة وهتك عرض أو كتابة في الإعلام، وما شابه ذلك في عرض أخيك المسلم، هناك لا يوجد درهم ولا دينار، تأتي عريانا، وإنما يكون الحساب والمحاسبة هناك بالحسنات، فكم تكون حسناتك؟ ماذا فعلت في هذه الحياة الدنيا؟ ولنفترض أنك من المحسنين من المقيمين الصلاة، من الصائمين، ليس رمضان فقط؛ بل وأياما أخرى تصومها ومن المنفقين والمزكين.

إنها حسنات جمعها ثم سلبت منه ولم يبق منها له شيء، بل استفاد منها غيره، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد وغيرهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
("أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟") (قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ)، -لا يملك نقدا، ولا يملك عتادا، من قماش أو مزارع حيوانية، أو مزارع نباتية، أو عقارات، لا يملك شيئا، هذا هو المفلس، فعرفهم صلى الله عليه وسلم حقيقة الإفلاس، هذا الإفلاس في الدنيا، وقد يعوَّض هذا الإفلاس بعد قليل يقوم على رجليه، فيجتهد ويعمل بما يأتيه من مال، ويعوضه عن هذا الإفلاس بالغنى، لكن المفلس حقيقة هو الذي لا ينفع فيه تعويض، ولا ما شابه ذلك، ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:
("إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ")، -غير الفرائض بل تطوعات، وجاء في بعض الروايات حسنات كأمثال الجبال، وصيام وتطوعات وزكوات وصدقات، لكن ما الذي فعل؟ ما الذي جعل هذه الحسنات بدلا من أن تكون له تكون لغيره؟.

("وَيَأتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ [مِنْ الْخَطَايَا] أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"). (حم) (8016)، (م) (2581)، (ت) (2418).

عافانا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار.
شتمٌ وسفكٌ؛ وما أكثره اليوم باللسان وبالبنان، بالقلم والفسبكة، سبٌّ وطعنٌ وشتم، من المسلمين بعضهم لبعض، وكأنه لا يوجد كافر على وجه الأرض توجه إليه الطعون في دينه، والطعون في منهجه وطريقته، ولا يوجد إلا المسلمون، فيطعن بعضهم بعضا، ويشتم بعضهم بعضا، ولا يرحم أحدهم الآخر إلا من رحم الله!

يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا؛ أي بالزنا، والعياذ بالله، يتهمه بما ليس فيه، ويسفك دم هذا، ويأكل مال هذا، وأنتم ترونه في هذا الزمان، سفك الدم المسلم من المسلم، واستراح الكفار، يستريحون الآن ويمدون هذا بالمال، والكل يطعن في الكل.
وضرب هذا وهذا يشمل الأمة بأكملها، ضربُك لولدك ظلما، ضربك لزوجتك ظلما، ضربك لدابتك ظلما، هذا لا يجوز في شرع الله عز وجل، الظلم ظلمات يوم القيامة.

وضرب هذا، لكن المقصود هنا يضرب المسلمين، فمن ضرب مسلما لا يوجد هناك أموال، يوجد حسنات تؤخذ منه، كما سيأتي التفصيل في كيفية وقوف الناس لكل واحد منا يوم القيامة، إذا كنا ظالمين، الظالم يوقف له كل الناس صفًّا إذا انتهى من واحد يأتي الذي بعده، نسأل الله السلامة.

المظلوم يأخذ من حسنات الظالم بقدر مظلمته، إذا كانت مظلمته صغيرة يأخذ حسنات قليلة، وإن كانت مظلمته كبيرة يأخذ حسنات كثيرة، فتذكر الآن؛ من ظلمت يا عبد الله! يا من تسمع كلامي، وأنا مثلكم لا أبرئ نفسي، من ظلمت؟

لتتحلله في الدنيا قبل الآخرة، هل ظلمت أبا أو أما، أو ظلمت أخا أو أختا، أو ظلمت زوجة أو ولدا أو بنتا؟ هل ظلمت جارا أو صاحبا أو رفيقا؟ هل ظلمت إنسانا معروفا أو مجهولا؟ من ظلمت؟ استمع إلى ما رواه الطبراني في الكبير، عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"يَجِيءُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْجُوَ بِهَا، فلَا يَزَالُ يَقُومُ رَجُلٌ قَدْ ظَلَمَهُ مَظْلِمَةً، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَيُعْطَى الْمَظْلُومُ، حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، ثُمَّ يَجِيءُ مَنْ قَدْ ظَلَمَهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ، فَيُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُوضَعُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ". (طب) (6513)، انظر الصَّحِيحَة (3373)، ما ظنكم بذلك؟! نسأل الله السلامة.

ومن أمثال هؤلاء وأعظمهم خطرا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم شأن المجاهدين في سبيل الله الرافعين راية لا إله إلا الله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده، يذهب يجاهد؛ رفعة ونصرة للدين، وحماية للأرض والعرض والمقدسات، هذا هل يستحق منا أن نخونه في أهله؟ يأتي إلى زوجته من بعده ويغريها، استمعوا إلى ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ؛ إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟!" (م) 139- (1897).

ما معنى الحديث؟ رجل خرج للجهاد في سبيل الله، وخلفه من بعده رجل يقوم على أهله، يسدّ حاجاتهم، وبدل هذا خانه وزنى بأهله، بزوجته بجاريته، زنى بأخته؛ أخت المجاهد والعياذ بالله، هذا يختلف عن أصحاب المظالم الذين ذكرناهم، كل يأخذ بقدر مظلمته، إلا هذا الذي خلفه، يوم القيامة الخائن يوقف للمجاهد الذي خانه في أهله يوقف له، ويأخذ من حسناته، ومن عمله ما شاء، ليس الحسنة بمثلها، أو السيئات الكثيرة مقابل حسنات كثيرة، أبدا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ ما شاء، فما ظنكم؟" يعني هل يبقي له شيئا، تملك هذا الخائن، وقع وأصبح ضعيفا، سيأخذ جميع حسناته.

واعلموا عباد الله أنه خاسر ومغبون من يتداين من الناس، وهو لا ينوي سداده، فهذا كيف يقضى دينه؟ وكيف تكون الدراهم والدنانير، والفلوس والشواكل والدولارات التي أخذها ولم يرِد أن يسدها؟ يوم القيامة، كيف تكون؟ لا يوجد هناك منها شيء ولا تنفع؟ وإنما تكون من حسنات هذا الذي استدان، يقضى الدين بالحسنات، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"الدَّيْنُ دَيْنَانِ، فمَنْ مَاتَ وهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ، فَأَنَا وَلِيُّهُ، ومَنْ مَاتَ ولاَ يَنْوِي قَضَاءَهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ لَيْسَ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ ولاَ دِرْهَمٌ". (طب) (14146)، صَحِيح الْجَامِع (3418)،صَحِيح التَّرْغِيبِ (1803)، أحكام الجنائز (ص5).

ومغبون وخاسر ومفلس من يعمل الخيرات، وينفع الناس، وهو لا يريد من هذا الخير، وهذا الفعل الطيب إلا أن يذكر، أن يقال عنه محسنٌ وكريم وجواد، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَهَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْرًا فَأَدْرَكَهُ"، يَعْنِي: الذِّكْرَ. (حم) (18288)، انظر الصَّحِيحَة (3022).

كانت نيته أن يذكر، ليقال عنه جريء أو مقاتل أو شجاع، ويقال عنه: كريم، كما في هذا الحديث، والأعمال بالنيات.
عدي بن حاتم الذي يضرب فيه المثل بالكرم، ويقولون: أكرم من حاتم، ومع ذلك ما نفعه كرمه؛ لأنه يريد الذكر، ويريد الرياء، ويريد السمعة.

هذه يا عباد الله بعض الأمور التي تجعل الإنسان يخاف أن تذهب هباءً منثورا، في مظلمته للناس، لو بينك وبين الله الأمر أيسر أن يكون بينك وبين الناس، يا مسلم يا عبد الله.
بينك وبين الله هناك الشفعاء والشفاعات والعفو، لكن هنا لا يوجد إلا صاحب الشأن، المظلوم وأنت تقف تحت رحمة هذا المظلوم، إن شاء رحمك وعفا عنك، وإن شاء أخذ من حسناتك، ووضع من سيئاته عليك، فاتق الله في الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:
إن إظْهَار الصَّلَاحِ وفعل الخيرات أَمَامَ النَّاسِ، وَارْتِكَابَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي غِيَابِهِمْ مِنَ الْكَبَائِر، وهذا العمل محبط لأعمالهم، وماحق لحسناتهم، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطً ﴾ [النساء: 108].

روى ابن ماجة، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
("لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عز وجل هَبَاءً مَنْثُورًا")، -تهامة يضرب بها المثل في الجبال الرملية، بيضاء وكبيرة، كثبان عظيمة، أمثال هذه كل حبة رمل في هذه الجبال بحسنة، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، و(الهَباء): الشَّيءُ الـمُنْبَثُّ الَّذي تَراه في ضَوْء الشمسِ، وهو الشعاع عند الظلمة منثور؛ متفرق، أعماله هذه لا تنفع، فخاف ثوبان، فماذا قال؟- فَقُلْتُ:
(يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا)، -يعني وضح لنا أمورهم وصفاتهم- (أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ!) قَالَ:
("أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأخُذُونَ") **-أَيْ: يَأخُذُونَ مِنْ عِبَادَة اللَّيْل نَصِيبًا.- ("وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا"). (جة) (4245)، (طس) (4632)، صَحِيح الْجَامِع (7174)، الصَّحِيحَة (505).

أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، حكم عليهم بأنهم مسلمون، حكم عليهم صلى الله عليه وسلم بالإسلام، يعني أعمالهم السيئة لم تخرجهم من الإسلام، لكن لم تعفِهم من المسئولية والعقوبة، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، عرب منكم، وَيَأخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأخُذُونَ، يعني يَأخُذُونَ مِنْ عِبَادَة في اللَّيْل يقومون بها من صلاة ونحوها، هذا الذي كثر حسناتهم، لكن ما الذي جعل هذه الحسنات لا فائدة فيها، جعلها هباء منثورا، كالغبار، قال: وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا، ما يراه أحد، ويفعل المحرم، وأمام الناس قديس، فإذا خلا وقع في المعاصي والذنوب والخطايا، ولا يكفي أن الله رقيب عليك، وأن الملكين رقيبين عليك، وأن ما حوله من جماد سيشهد عليهم يوم القيامة، كل هذه الشهود حولك، حتى أعضاؤه ستشهد عليه من سمع وبصر وجلد، وأيدي وأرجل، كلها شهود عليك يا عبد الله.

إن الحسنات وأعمال الخيرات في الدنيا لا تنفع صاحبها إن لم يكن مؤمنا، الإيمان شرط، والإيمان معه أن يكون لا ظلم، فلو أن كافرا من أهل الكتاب ومن غيره يعمل الخيرات، ويبني المستشفيات، ويساعد الأرامل والمساكين في الجمعيات الخيرية المنتشرة، تنصيرية كانت أو غيرها، ويفعل خيرات وخيرات، هل يفعله ذلك يوم القيامة؟
لا ينفعه يوم القيامة، بل يعطيه الله في الدنيا ويمد له مدًّا، لكن في الآخرة ليس له نصيب، لماذا؟

ورد عند الإمام أحمد، عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: قُلْتُ:
(يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ) -أَيْ: يُكْرِم الضيف-، (وَيَفُكُّ الْعَانِيَ) -أَيْ: يَفدي الأسير-، (وَيُحْسِنُ الْجِوَار، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟!) -حوالي خمسة أفعال من الخير يفعله، هذا الخير من هذا الذي مات في الجاهلية، مات عابدا للأصنام، مات منكرا أن هناك يوم قيامة، لكنه فعل الخيرات، ابن جدعان، هل تنفعه هذه الأمور، ما السبب؟- قالَ:
("لَا! إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"). (حم) (24936)، (م) (214).
لم يقل: "رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"؛ لماذا؟ لأن هذا الإنسان لا يؤمن بالله واليوم الآخر.

وفي المسلمين اليوم شَبَه به، وهم ليسوا كفارا، فيهم شبه؛ كأنه لا يوجد يوم آخر، ولا يوجد يوم قيامة، ترى بعض المسلمين ينغمس في الدنيا وكأنه لن يموت، ولن يبعث، ولن يقف بين يدي الله، نسي ذلك كله، ووقع في المحرمات، فأكل مال هذا وسفك دم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وطعن في هذا، مع أنه يفعل الحسنات، ويصلي الصلوات، ويصوم ويحج ويزكي، لكن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، كأنه لا يوجد يوم قيامة!!

فهل الذي يوقن يقينا أن هناك يوم قيامة يستطيع أن تقدم جوارحه على ما يغضب الله عز وجل؟ يوم عصيب على الكافرين غير يسير، والمسلمون في غفلة، أنتم ترون حالهم، رغم الضنك، ورغم الشدة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، رغم الضعف الذي هم فيه، ومع ذلك المعاصي إلى الله صاعدة، والجرائم بين المسلمين من المسلمين أنفسهم منتشرة، والرحمة شبه مفقودة، والمحبة لو بحثت عنها بحثا ربما لا تجدها إلا في أقل القليل، والكل ينظر إلى الآخر كأنه عدو له.

ولو وكِّلَت لبعضهم أمورُ الجنة والنار، لكان صاحب الحزب لا يدخل الجنة إلا من هو من حزبه، والبقية إلى النار، وصاحب الحركة كذلك، وصاحب التعصب للقبيلة يدخل قبيلته الجنة وبقية الناس إلى جهنم!

ليس عنده ميزان لا إله إلا الله، ليس عنده ميزان محمد رسول الله، وإنما عنده التعصُّب لفكر معين، ومنهج معين وانتهى الأمر، ولا يدري هذا المسكين أنه يمر على هذه الآية ويقرؤها مرارا ولا يدري معناها، المسلمون بفاسقهم ومبتدعهم البدعة غير المكفرة، بكبيرهم وصغيرهم مسلمون، قال عنهم الله عز وجل:
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32].
ها نحن المسلمين، هل نحن الظالمون، نعوذ بالله من ذلك، لكن هؤلاء ظالمون سيعذبون على ذلك ويدخلون الجنة إن شاء الله؛ لأن الله أورثهم الكتاب.

هل نحن مقتصدين؟ نسأل الله أن نكون كذلك، ونسأل الله أن نكون نحن من السابقين، السابقين السابقين، ولا يكون ذلك إلا باتباع سيد المرسلين.
ألا فصلوا عليه؛ اللهم صلِّ وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

رَبّنا اغْفِرْ لنا خَطِيئَاتنا وَجَهْلنا، وَإِسْرَافنا فِي أَمْرِنا كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا خَطَايَانا، وَعَمْدَنا وَجَهْلَنا وَهَزْلَنا، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا مَا قَدَّمْنا وَمَا أَخَّرْنا، وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنّْا، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.14 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]