الزوجة المسلمة: أطاعة أم استعباد؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216132 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859677 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394013 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-11-2020, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي الزوجة المسلمة: أطاعة أم استعباد؟

الزوجة المسلمة: أطاعة أم استعباد؟
فلة الأحمر



قدِمت مرّة على مجلس نساء بإحدى البلاد العربية التي زرتها وإذا بألسنتهن تغرف من قدور تغلي حنقا عمّا سمعنه من شريط مسجل لأحد الدعاة حول "الزوجة الصالحة"!.
ولقد ساءلت نفسي عن سبب تلك الفورة؟ ومما دار بخاطري حينها أنهنَّ بحالة يحتجن فيها إلى دعوة؛ لأنهن يظلمن هذا الشيخ، واعتقدت أن درسه قد جرّهن إلى ما لا يحمد من الحديث، بل لعلّهن قد تشرّبن بعضا من الأفكار الغربية حول ظلم الإسلام للمرأة، فلا يمكن لشيخ داعية أن ينظِّر لما يدَّعينه! ثم إنّني نشأت منذ صغري على أن الإسلام كرّم المرأة ككائن عاقل مؤهَّل للقيادة فهي مسؤولة وقائدة في بيتها، ومسؤولة وقائدة على مستوى الأمّة وإلاّ فكيف يتسنّى لها أن تربِّي جيلا رائدا، ففاقد الشيء لا يعطيه.
إن الإسلام صنع منها عائشة الصديقة بنت الصديق، ونسيبة بنت كعب، وهند بنت زاد الركب، و..و..و.. هكذا كبرت نفسي في نفسي كامرأة مسلمة، وكان هذا التصوّر للمرأة في الإسلام ما دفعني قدما لعلِّي أمشي في ركاب أم عمّار و أم عمارة.
تربيت على أن المرأة المسلمة مستعليَة بإيمانها على مواخير هوليود وصالونات باريس وما تابعهما. إنها امرأة تسكنُها الحرية لأنها ولدت حرّة عاقلة مكرّمة، فالله -سبحانه- قال: (ولقد كرّمنا بني آدم).
ولم تخصص هذه الآية الرجال بالتكريم، فالمرأة مكلّفة مثل الرجل ومؤهّلة لهذا التكليف مع اختلاف بعض الأدوار لاختلاف الجنس لا الأهليّة؛ لقوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[1].
فلا تزال كلمات بعض المشايخ الذين فتح الله عليهم باللطف وحسن المنطق، والتي سمعتها بصغري، ترنّ بأذني عن الزوجة الصالحة، والأم المربيّة والدّاعية الحرّة لا الأمَة؛ فمن تربّى بنفسية العبيد مات عبدا وإن ملك الدنيا، ومن ذاقت نفسه العزّة أبى إلاّ أن يعيش عزيزا وإن بيع عبدا أو لفَّته غيابات السجون كيوسف -عليه السلام-. ورُحت أهدِّئ من روع أخواتي بأنّهن فهمن قصدَ الشيخ خطأ ولكن...
مرّت الأيام وحنّت نفسي إلى الذكرى فاستعرت شريطا عن الزوجة الصالحة كي أرقِّق به قلبي وأذّكر نفسي بما عليها وكنت أتوقَّع تحبيبي بطاعة زوجي وإذا به يستفزُّ وجداني؛ فكنت كلّما تماديت بالسّماع أحسست بتمرّد نفسي وشيطاني عليّ فخفت على نفسي منها وقفلت الشريط واستعذت بالله من الشيطان الرجيم. نعم أدركت حينها سبب غضب الأخوات وعزمهن على التمرد.
لقد كان خطاب ذلك الواعظ عونا للشيطان عليهن ولم يكن رحمة ودعوة خير؛ لأنه كان تأصيلا لظلم يقع على المرأة بمجتمعاتنا.
لقد كان يخاطب الزوجة بلهجة كلها سخرية قائلا: "أنتِ بنظر الشرع أمَة" مستشهدا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ)) ومتهكما منها إن تدلّلت على زوجها بطلب كوب ماءٍ قائلا: ((أرأيتم عبدا يأمر سيِّده؟)) وغير ذلك من الاستفزازات التي ليست من الموعظة الحسنة في شيء.
ففي نظر ذلك الخطيب ليس للمرأة المسلمة من الأمر شيء بعد زواجها إلا كلمة "حاضر" مع زوجها وقد ساق أمثلة عديدة متناهية في الصغر تصوِّر هذا الزوج الكسول الآمر النّاهي الذي لا يجب أن يُردَّ له طلب! ثم تواردت دروس بعدها من بعض الخطباء، غفر الله لهم، تؤصِّل لجهل المرأة وحمقها وقلّة فهمها وضعف رأيها كأسباب لقوامة الرجل عليها... وكأن لسان حالهم يقول أن المرأة المسلمة لن تكون صالحة تقيّة إلاّ إن كان من بين مسلّماتها أنها غبيّة وجاهلة بطبعها ومن أجل هذا كانت القوامة!.
ولعلّنا لو سألنا أمثال هؤلاء الوعاظ دروسا موجهة إلى غير المسلمين عن دور المرأة ومكانتها في الإسلام لانبروا خطباء عن معنى الحريّة والاحترام وكيف أنقذ الإسلام المرأة من الوأد، ولتواردت حينها أسماء المهاجرات والمناصرات والعالمات من الصحابيات -رضي الله عنهن-.
وسؤالي هنا لهم أن يتقوا الله في النِّساء المؤمنات فالوأد الجسدي وأد ولا شك كما أن الوأد المعنوي وأد آخر، واستعباد الأحرار وأد بالحياة.
أنسأل هذه المرأة أن تُسلِم لعظم قدرها بهذا الدين؛ فإذا فعلت وجّهنا لها خطابا نطالبها فيه بقبول الاستعباد؟ لقد تزاحمت أسئلة كثيرة بخاطري في ظل هذا التناقض في الخطاب الدعوي، عند البعض. وللأسف فبعض هذه الأسئلة تشبه تلك التي ناقشتها بعض الأمم الأخرى بالقرون الوسطى نظرا لتخلفها آنذاك، ولكن وجدت نفسي مضطرة لطرح بعضها لأن الواقع المزري بأمتنا اليوم يفرضها، ولن تسعني هذه المقالة لمناقشتها جميعا.
من بين تلك الأسئلة: ما طبيعة العلاقة الزوجيّة؟ هل هي علاقة مبنيّة على تصوّر السيّد والمسود بمعنى السيِّد والأمة؟ أم على تصوّر الرعاية بمعنى الرئيس والرعيّة؟ وبالتالي ما طبيعة عقد القران؟ أهو عقد تمليك أم عقد التزام وتعاون؟ وما معنى القوامة وما علاقتها بمواصفات الرّجولة؟
حينها قمت أسارع أدقّ باب بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيت من كملت من النِّساء وربّت من كملت من النساء إنها أمي الحبيبة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ووجدتني أتشوّق أن أسألها: أمّاه كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معك؟ أكان يشكو إليك مخاوفه أم أنّ رجولته قد منعته من ذلك؟ أماه خبرينا عن معنى قوامة الزّوج في بيتك؟ أماه أكان يضربك زوجك محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- باسم القوامة؟ أماه أكانت علاقة غلبة باسم القوامة؟ هل عيّرك حبيبك الذي وهبت له مالك وراحتك بل وحياتك بسنِّك أو بترمُّلك أو زهد فيك بسبب انشغالاتك ليتزوَّج من حسنوات قريش؟ من يربِّي الأطفال حبيبتي أماه، هل تستطيع الأم الصّالحة أن تعفي الزوج من المشاركة في خدمة البيت وتربية الأطفال؟ أسئلة لا تنتهي أستقيها مما قرأت وما تأمّلت وما عايشت من هموم أخواتي من خلال تجربتي بحقل الدعوة.
هنا أنخت راحلتي مرهِفةً حسِّي وسمعي، نعم إنها امرأة ليست ككلِّ النِّساء وحبيبها زوج ليس ككل الرجال! فمن هنا أتعلَّم ومن هنا أتفقَّه. فما هي الرجولة؟ وكيف هي القوامة؟
طَوَت رحلتي حيرتي وإذا بالزوج الكريم يشتغل في مال زوجته! لا يحجر عليها بعنف جسدي و لا نفسي فيربحها ويترك لها الإحساس الكامل بالأهلية المالية.
بل إن شغله عند زوجته ما أنقصه قدرا عندها ولا خلق عقدة نقص عنده ليلوِّح بورقة الزوجية والقوامة الأسرية بقصد ترويضها وتقزيم نفسها في نفسها كي تسهل قيادته لها.
ليس هذا فحسب، بل إنّ مما أثار فضولي واستوقفني هو بَوْحه -صلى الله عليه وسلم- بخوفه لزوجته -رضي الله عنها- وتهدئتها له.
فكلّنا يعلم حينما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجته خديجة -رضي الله عنها- حاملا إليها الهمّ الذي يشغله فإذا بها تأخذ بيده إلى ابن عمِّها ورقة بن نوفل؛ ولأنها كملت بأخلاقها ما رأت في شكواه إلاّ احتراما لعقلها وحديث نفسها إليها كي تسكن وكأنها - رضي الله عنها - قد قرأت قوله - تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[2].
وهنا لقي الكمال البشري كمالا آخر حينما ردّت على مخاوفه، مما رآه عند نزول أوّل الوحي، بتعريف الرجولة الحقيقية قائلة: "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر".
إن الرجولة الحقّة ليست كنز مال، ولا جمال صورة، ولا شرف نسب، ولا رعونة وخشونة صوت، ولا فتل عضلات وإخفاء خوف أو إظهار تهوّر في غير موقف البطولة، إنها ليست أن يسكت الجميع إذا حضر "الرجل" لتخفت الأصوات فلا تسمع إلا همسا! إنها ليست الأمر والنهي والتنمر على المستضعفين، إنها بالتأكيد ليست كلّ ذلك.
فالرجولة، كما فهمتها ممّن أقرأَها ربّي السلام، هي: صلة للرحم، وصدق في الحديث، ومبادرة لحمل ذوي الحاجة ومساندة للمظلومين، وتخلّص من صفة البخل مختصرة في حسن الضيافة بكل أنواع الإقراء من أنس ومطعم ومرقد وغير ذلك.
والذي استوقفني هنا كذلك هو الأمان النفسي الذي تلمَّستُه من أمي الحبيبة في علاقتها مع سيِّد الخلق - صلى الله عليه وسلم - لخصّت ذلك بقولها: "وتعين على نوائب الدَّهر".
إنها تصف ما عاشته -رضي الله عنها- ورأته منه فهي آمنة معه؛ فلها ظهر يسندها على نوائب الدّهر وما أكثرها من مرض، ونكد، وهمٍّ وغمٍّ حينما تعرض للإنسان فتُذهب بسمته وتُطفئ شمعته وتُذبل ربيعه، حينها تخرج أخلاق الرِّجال وأخلاق النِّساء لتكون عونا للأحباب على نوائب الزمان ولا تنقلب مصيبة من مصائبه.
إذن فهي تصف رجولةً لا تُنقص من قيمتها حاجة مالية ولا خوف إنساني ولا استشارة نسوية ولا عمل عند زوجة ولا تعلُّم من زوجة.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرجولة فهو كذلك بالنسبة للقوامة؛ أو ليست القوامة للرِّجال؟ وبهذا فالقوامة الحقّة تستدعي الكرم من مال وخلق، ومن ذلك الصِّدق في الحديث وفي العزيمة وفي الالتزام بمسؤوليات الميثاق الغليظ.
إنّها توفير للأمان لهذا العش الزّوجي، والسَّماع للآخر واحترامه والنّزول عند رأيه متى ما كان ذلك أنفع. إنها باختصار منصب قيادي في الأسرة له متطلباته ومسؤولياته المادية والمعنوية وليس مجرد تمييز للذكورية أو مصطلح لتأصيل الديكتاتورية بالأسرة وكمِّ الأفواه واستخدام عصى التأديب متى ما طُرحت آراء تخالف رأي الديكتاتور أو التنمُّر على من ولاّه الله أمرهم! فها هو - صلى الله عليه وسلم - يستشير أم سلمة -رضي الله عنها- بأمر المسلمين الذي أهمَّه ويسمع رأيها سماع المستشير للمشير وما كان لذلك أن يحدث من دون ثقة بعقل تلك المرأة وحسن تقديرها، بل وما كان ذلك ليحدث من دون احترام لذات المرأة وجنسها.
وها هو من كملت أخلاقه وسما قدره في العالمين في خدمة أهله! إذن فمن كمال القوامة احترام من ولاّك الله أمرهم كمؤهَّلين للمشاركة في قيادة سفينة الأسرة، وما ذاك إلاَّ كمالٌ في شخصية القائد. ولطالما تأمّلت معنى القوامة في قوله -سبحانه وتعالى-: (وللرِّجال عليهنّ درجة).
نعم تأمَّلتها ولست أجادل فيها ولكنني قرأتها في ظل قوله -تعالى-: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف...).
وفي قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[3].
وقوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[4].
وقوله -تعالى-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[5].
فكل هذه الآيات تعبق بألطف الأوصاف لطبيعة العلاقة الزوجيّة فلا يوجد أرقّ من وصف سكون النّفس إلى نفسها، فالعلاقة علاقة سكن ومودّة ورحمة وليست علاقة صراع على السلطة أو على الغلبة أو على التميُّز بالجنس، فالأصل واحد لأنّ النَّفس واحدة.
وأخيرا: أقول لمن استأمنهم الله على المنابر، اتّقوا الله في النِّساء فالكلمات لها ما لها في واقع الناس فقد تُصلح الكلمة فاسدا وقد تفسد صالحا. فلمن اعتبر الزوجة مستعبدة عند زوجها فجدلا أسوق له ما ورد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((إِنْ كَانَت الْأَمَةُ مِن إِمَاءِ أَهلِ المَدِينَةِ لَتَأْخذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَنطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَت...)) فما سخر منها سيِّد الخلق -صلى الله عليه وسلم- قائلا: أتقودين سيِّدك؟ وها هو حدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: ((وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ -تَعَالَى- إِلَّا رَفَعَهُ))[6].
فتواضع الزوج لزوجته، بما يحفظ احترامه، يزيد من قدره ولا ينقصه عند من تربّت من النّساء.
أما من اعتبرها خادمة مع تحفظي الشديد على ذلك- أقدم له معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لخدمه على لسان أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقد قال: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت"[7].
وأخرج البخاري عن الْمَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغفَارِيَّ -رضي الله عنه- وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ’أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّه‘، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ إِخوَانَكُمْ خوَلُكُم، جَعَلَهُم اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُم، فَمَن كَانَ أَخوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وليُلبِسهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُم مَا يَغلِبُهُم، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُم مَا يَغلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ". فإن ثبتت المعاونة والمساعدة في حق الخدم والمماليك، فثبوت ذلك في حق الزوجة أولى وآكد.
أما إن فهمنا بأن هذه المرأة أسيرة التزامات شرعية لهذا الميثاق الغليظ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ...))[8].
فليكن الزوج الكريم عونا لزوجته على طاعة ربها والقيام بحقوق زوجها عليها، ولا يتعسف في استخدام الحق حتى لا ينقلب إلى ظالم باسم الشرع ولا يكن بنشوزه عونا لها على النشوز، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً))[9].
إن بناء السّكن الهادئ لا يكون إلا بالاحترام المتبادل بين الزَّوجين، احترام النَّفس لنفسها وسكنها إلى نفسها ولن تقوم للزوج السيادة باحتقاره لزوجته وإقناعها بأنّها أقل منه عقلا لأن "طبعها الجهل"، كما يدّعي البعض، أو بأنّها "بنظر الشّرع أمة"، كما يدّعي آخرون، وما عليها إلا أن تعطِّل تفكيرها متى ما تزوّجت لأنّ زوجها، القيِّم عليها، سيكفيها المؤونة، فما هكذا تُبنى الأمم الحرّة.
أمتنا أمة التفكر لقوله -تعالى- في العديد من الآيات: (لقوم يتفكرون). (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[10]. (كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ)[11].
وهذه الدعوة للتفكر شاملة للرِّجال والنساء، والعقل الذي درّب على التفكر سيتفكر في السماوات وفي الأرض كما أنه سيتفكر في النفس ما لها وما عليها. أنزجُّ ببناتنا وفلذَّات أكبادنا لخندق الاستدمار الفكري والثقافي ولأحضان جمعيّات مشبوهة تدّعي تحرير المرأة؟
لماذا نخلط بين المفهوم الراقي للطاعة في المؤسسة الزوجيّة المبنية على نظام الشورى و التي تجمع بين حرّين مكلّفين تمام التكليف وبين المفهوم الاستعبادي للطاعة؟ لن تقوم الأسرة الهادئة بالصراع والمغالبة باسم تحرير المرأة أو باسم الاستعباد والاستخدام المتعسِّف لحق الطاعة أو بأسماء أخرى وإنما بالسكن وبالمودة والرحمة حينما يحترم كل زوج الآخر ويقدر دوره وموقعه في الأسرة ومواهبه التي حباه الله إياها والتي قد لا تكون مهيأة لشريكه، وقد تمثلت تلك العلاقة؛ كما قال الشاعر:
فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا *** أطيع ريا وريا لا تعاصيني
نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهُم *** بخالص من صفاء الودّ مكنون
وللحديث ما يتبعه...
_________________________________________________
[1] النحل: 97
[2] الأعراف: 189
[3] النساء: 1
[4] سورة الأعراف: 189
[5] الروم: 21
[6] أَخْرَجَه مُسْلِم وَالتّرمِذِيّ.
[7] متفق عليه واللفظ للبخاري.
[8] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح.
[9] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[10] الروم: 28

[11] ص 29.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.51 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]