شرح حديث معاذ: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب" - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215333 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61195 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29178 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-01-2021, 02:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث معاذ: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب"

شرح حديث معاذ: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب"






سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين




عن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادْعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإنْ هم أطاعُوا لذلك، فأَعْلِمْهم أن الله قد افترَضَ عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأَعْلِمْهم أن الله قد افترَضَ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))؛ متفق عليه.







قال سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:



قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكانت بعثته إياه في ربيع من السنة العاشرة من الهجرة، بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكانوا أهل كتاب، وقال له: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب))، أخبَرَه بحالهم لكي يكون مستعدًّا لهم؛ لأن الذي يُجادِلُ أهلَ الكتاب لا بد أن يكون عنده من الحُجَّة أكثر وأقوى مما عنده للمشرك؛ لأن المشرك جاهل، والذي أوتي الكتابَ عنده علم، وأيضًا أعْلَمَه بحالِهم، ليُنزِلَهم منزلتهم، فيجادلهم بالتي هي أحسن.







ثم وجَّهه عليه الصلاة والسلام إلى أول ما يدعوهم إليه: التوحيد والرسالة، قال له: ((ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)) أن يشهدوا أن لا إله إلا الله؛ أي: لا معبود بحقٍّ إلا الله سبحانه وتعالى، فهو المستحقُّ للعبادة، وما عداه فلا يستحق للعبادة، بل عبادته باطلة، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [لقمان: 30].







((وأني رسول الله))؛ يعني مرسَلَهُ الذي أرسَله إلى الإنس والجن، وختم به الرسالات، فمن لم يؤمن به فإنه من أهل النار.







ثم قال له: ((فإن هم أجابوك لذلك)) يعني شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ((فأَعْلِمْهم أن الله افترَضَ عليهم خمسَ صلوات في كلِّ يوم وليلة)) وهي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، لا يجب شيء من الصلوات اليومية إلا هذه الخمس، فالسُّنن الرواتب ليست بواجبة، والوتر ليس بواجب، وصلاة الضحى ليست بواجبة، وأما صلاة العيد والكسوف فإن الراجح هو القول بوجوبهما، وذلك أمر عارض له سببٌ يختص به.







ثم قال له: ((فإن هم أطاعوا لذلك فأَعْلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتُرَدُّ في فقرائهم))، وهذه هي الزكاة، الزكاة صدقة واجبة في المال تؤخذ من الغني، وتُرَدُّ في الفقير. الغني هنا من يملِك نصابًا زكويًّا، وليس الغني هنا الذي يملك المال الكثير، بل من يملك نصابًا فهو الغني، ولو لم يكن عنده إلا نصابٌ واحد، فإنه غني، وقوله: ((تُرَدُّ في فقرائهم))؛ أي: تصرف في فقراء البلد؛ لأن فقراء البلد أحَقُّ من تُصرَفُ إليهم صدقات أهل البلد؛ ولهذا يخطئ قوم يرسِلون صدقاتِهم إلى بلاد بعيدة، وفي بلادهم من هو محتاج، فإن ذلك حرامٌ عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تؤخذ من أغنيائهم، فتُرَدُّ إلى فقرائهم))، ولأن الأقربين أولى بالمعروف، ولأن الأقربين يعرِفون المال الذي عندك، ويعرفون أنك غني، فإذا لم ينتفعوا بمالك فإنه سيقع في قلوبهم من العداوة والبغضاء، ما تكون أنت السبب فيه، ربما إذا رأوا أنك تُخرِجُ صدقة إلى بلاد بعيدة وهم محتاجون، ربما يعتدُون عليك، ويُفسِدون أموالك؛ ولهذا كان من الحكمة أنه ما دام في أهل بلدك من هو في حاجة ألا تَصرِفَ صدقتك إلى غيره.







ثم قال له صلى الله عليه وسلم: ((فإن هم أطاعوا لذلك))؛ يعني انقادوا ووافقوا، ((فإياك وكرائمَ أموالهم))؛ يعني لا تأخذ من أموالهم الطيِّبَ، ولكن خُذِ المتوسط، ولا تَظلِم ولا تُظلَم، ((واتق دعوة المظلوم))؛ يعني أنك إذا أخذتَ من نفائس أموالهم، فإنك ظالمٌ لهم، وربما يدْعون عليك، فاتقِ دعْوتَهم ((فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) تصعد إلى الله تعالى، ويستجيبها، هذا هو الشاهد من هذا الحديث في الباب الذي ذكره المؤلف فيه؛ أن الإنسان يجب عليه أن يتقي دعوة المظلوم.







ويُستفاد من هذا الحديث فوائد كثيرة، منها ما يتعلق بهذا الباب، ومنها ما يتعلق بغيره، فينبغي أن يعلم أولًا أن الكتاب والسُّنة نزلا ليحكُما بين الناس فيما اختلَفوا فيه، والأحكام الشرعية من الألفاظ، مما دلت عليه منطوقًا ومفهومًا وإشارة، والله سبحانه وتعالى يفضِّل بعض الناس على بعض في فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا لما سأل أبو جُحيفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عَهِدَ إليكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا؟ قال: "لا، إلا فهمًا يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه، وما في هذه الصحيفة"، وبيَّن له ما في تلك الصحيفة فقال:" العقل، وفكاك الأسير، وألا يُقتَلَ مسلمٌ بكافر"، الشاهد قوله: "إلا فهمًا يؤتيه من شاء في كتاب الله".








فالناس يختلفون، والذي ينبغي لطالب العلم خاصةً أن يحرص على استنباط الفوائد والأحكام من نصوص الكتاب والسنة؛ لأنها هي المورد المعين، فاستنباط الأحكام منها بمنزلة الرجل يَرِدُ على الماء فيستقي منه في إنائه فمُقِلٌّ ومستكثر.







وهذا الحديث العظيم الذي بيَّن فيه معاذ بن جبل رضي الله عنه بماذا بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن فيه فوائد كثيرة، منها:



أولًا: وجوب بعث الدعاة إلى الله، وهذا من خصائص وليِّ الأمر، يجب على وليِّ أمر المسلمين أن يبعث الدعاة إلى الله في كل مكان، كل مكان يحتاج إلى الدعوة، فإنَّ على وليِّ أمر المسلمين أن يبعث من يدعو الناس إلى دين الله عزَّ وجلَّ؛ لأن هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم وهَدْيُه أن يبعث الرسل يدعون إلى الله عزَّ وجلَّ.







ومنها: أنه ينبغي أن يُذكر للمبعوث حال المبعوث إليه؛ حتى يتأهَّبَ لهم، ويُنزِلَهم منازلهم؛ لئلا يأتيَهم على غرة، فيُوردون عليه من الشبهات ما ينقطع به، ويكون في هذا مضرةٌ عظيمة على الدعوة، فينبغي على الداعي أن يكون على أُهبة واستعداد لما يُلقيه إليه المدعوُّون؛ حتى لا يأتيه الأمر على غرة، فيعجز وينقطع، وحينئذٍ يكون في ذلك ضررٌ على الدعوة.







ومنها: أن أول ما يُدعى إليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وذلك قبل كل شيء، لا تقل للكفار مثلًا إذا أتيتَ لتدعوَهم: اترُكوا الخمر، اتركوا الزنا، اتركوا الربا، هذا غلط، أَصِّلِ الأصلَ أولًا، ثم فرع الفروع، فأول ما تدعو: أن تدعوَ إلى التوحيد والرسالة؛ أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم بعد ذلك عليك ببقية أركان الدين الأهم فالأهم.







ومنها: أنه إذا كان المدعوُّ فاهمًا للخطاب، فإنه لا يحتاج إلى شرح، فإنه قال: ((أن تدعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله)) ولم يشرحها لهم؛ لأنهم يعرِفون معناها، لسانهم لسانٌ عربي، لكن لو كنا نخاطِب بذلك من لا يعرف المعنى، وجب أن نُفهمه المعنى؛ لأنه إذا لم يفهم المعنى لم يستفد من اللفظ؛ ولهذا لم يرسل الله تعالى رسولًا إلا بلسان قومه ولغتهم حتى يُبيِّنَ لهم، فمثلًا إذا كنا نخاطب شخصًا لا يعرف معنى لا إله إلا الله، فلا بد أن نشرحها له، ونقول: معنى لا إله إلا الله: أي لا معبود بحقٍّ إلا الله، كلُّ ما عُبِد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾ [لقمان: 30].







كذلك أيضًا: "أن محمدًا رسول الله" لا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه أو يسمعها بأُذُنِه، دون أن يفقهها بقلبه، فيُبيَّنُ له معنى أن محمدًا رسول الله، فيقال مثلًا: محمد هو ذلك الرجل الذي بعثه الله عزَّ وجلَّ من بني هاشم، بعثه ليُخرِجَ الناس من الظلمات إلى النور، أرسله بالهدى ودين الحق، فبيَّن للناس كلَّ خير، ودعاهم إليه، وبيَّن لهم كلَّ شر وحذَّرهم منه، وهو رسول الله الذي يجب أن يُصدَّقَ فيما أخبَرَ، ويُطاع فيما أمَر، ويُترَك ما عنه نهى وزجر.







ويُبيَّنُ له أيضًا بأنه رسول وليس بربٍّ، وليس بكذاب، بل هو عبدٌ لا يُعبَد، ورسول لا يُكذَّب، صلوات الله وسلامه عليه.







ويُبيَّنُ له أيضًا أن هاتين الشهادتين هما مفتاح الإسلام؛ ولهذا لا تصحُّ أي عبادة إلا بشاهدة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.







ومن فوائد هذا الحديث: أن أهم شيء بعد الشهادتين هو الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن هم أطاعوك لذلك، فأَعْلِمْهم أن الله افترَضَ عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)).







ومن فوائده: أن الوتر ليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكُرْه، ولم يذكر إلا خمس صلوات فقط، وهذا القول هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، ومن العلماء من قال: إن الوتر واجب، ومنهم من فصَّل وقال: من كان له وِردٌ من الليل وقيام من الليل، فالوتر عليه واجب، ومن لا فلا، والصحيح أنه ليس بواجب مطلقًا؛ لأنه لو كان واجبًا لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.







ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة واجبة، وهي فرض من فروض الإسلام، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، والثاني بعد الشهادتين؛ ولهذا قال: ((أَعْلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم)).







ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة واجبةٌ في المال لا في الذِّمَّة، لكن الصحيح أنها واجبة في المال، ولها تعلُّقٌ بالذمة، ويتفرع على هذا فوائد منها:



لو قلنا: إنها واجبة في الذمة، لسقطت الزكاة على مَن عليه دَيْنٌ؛ لأن محل الدَّيْن الذمة، وإذا قلنا: محل الزكاة الذمة، وكان عليه ألفٌ وبيده ألف، لم تجب عليه الزكاة؛ لأن الحقين تعارَضَا، والصحيح أنها واجبة في المال؛ لقوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ [التوبة: 103]، وقال في هذا الحديث: ((أَعْلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم))، لكن لها تعلُّقٌ بالذمة، بمعنى أنها إذا وجَبتْ وفرَّط الإنسان فيها فإنه يَضْمَنُ، فلها تعلق بالذمة.







ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أن الزكاة لا تجب على الفقير؛ لقوله: ((من أغنيائهم، فتُرَدُّ في فقرائهم))، ولكن من هو الغني؟ أهو الذي يملِك ملايين؟ الغنيُّ في هذا الباب هو الذي يملِك نِصابًا، إذا ملَكَ الإنسان نصابًا فهو غني تجب عليه الزكاة، وإن كان فقيرًا من وجه آخر، لكنه غني من حيث وجوب الزكاة عليه.







ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة تُصرَف في فقراء البلد؛ لقوله: ((فتُرَدُّ في فقرائهم))، ولا تُخرج عن البلد إلا لسبب، أما ما دام في البلد مستحقون، فإنهم أولى من غيرهم، وقد حرَّم بعض العلماء إخراج الزكاة عن البلد إذا كان فيهم مستحقون، واستدلَّ بهذا الحديث، وبأن فقراء البلد تتعلق أنفسُهم بما عند أغنيائهم، وبأن الأغنياء إذا صرَفوها إلى خارج البلد ربما يعتدي الفقراء عليهم ويقولون: حرَمتمونا من حقِّنا، فيتسلَّطون عليهم بالنهب والإفساد، ولا شك أنه من الخطأ أن يُخرِجَ الإنسان زكاة ماله إلى البلاد البعيدة، مع وجود مستحق في بلده؛ لأن الأقرب أولى بالمعروف.







والمراد بالصدقة في هذا الحديث هي الزكاة، وهي بذلُ النصيب الذي أوجبه الله تعالى في الأموال الزكوية.







وسمِّيت صدقة؛ لأن بذل المال دليلٌ على صدق باذِلِه، فإن المال محبوب إلى النفوس، كما قال الله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20]، والإنسان لا يبذل المحبوب إلا لما هو أَحَبُّ منه، فإذا كان هذا الرجل أو المرأة بذَلَ المال مع حبِّه له، دلَّ ذلك على أنه يحبُّ ما عند الله أكثر من حبه لماله، وهو دليل على صدق الإيمان.







وفي قوله: ((تؤخذ من أغنيائهم، فتُرَدُّ على فقرائهم)) دليلٌ على أن لوليِّ الأمر أن يأخذ الزكاة من أهلها ويصرفها في مصارفها، وأنه إذا فعل ذلك بَرِئَتِ الذمة.







ولكن لو قال قائل: أنا لا آمَنُ أن يتلاعب بها من يأخذها ثم يصرفها في غير مصرفها، نقول له: أنت إذا أديتَ ما عليك، فقد برئت ذِمَّتُك، سواء صُرفت في مصارفها أم لم تصرف، لكن قال الإمام أحمد: إذا رأى أن الإمام لا يصرفها في مصرفها، فلا يعطِه إلا إذا طلب منه ذلك، وألزمه به، وحينئذٍ تبرأ ذمته، وبناء على هذا فلا بأس أن يُخفي الإنسان شيئًا من ماله إذا كان الذي يأخذها لا يصرفها في مصارفها؛ لأجل أن يؤدي هو نفسه الزكاة الواجبة عليه.







وإذا قدِّر أن وليَّ الأمر أخذ أكثر مما يجب، فإن ذلك ظلمٌ لا يحلُّ لوليِّ الأمر، أما صاحب المال فعليه السمع والطاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)).







وإذا قدِّر أن ولي الأمر أخذ دون الواجب، وجب على صاحب المال أن يُخرِجَ البقية، ولا يقول: إنه أخذ مني وبرئت الذمة؛ لأنه إذا كانت الزكاة ألفًا وأخذ ثمانمائة، فعليك أن تُكمل المائتين فتخرجها.







ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز صرف الزكاة في صنف واحد من أصناف الزكاة، وأصناف الزكاة ثمانية: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلَّفة قلوبُهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، فإذا أدَّاها المزكي إلى صنف من هذه الأصناف أجزأ، بل إذا أداها إلى فردٍ في نوع من هذه الأنواع أجزأ؛ مثل: لو أعطى مُزكٍّ زكاتَه كلَّها فقيرًا واحدًا، فلا حرج، فلو قدر مثلًا أن شخصًا عليه مائة ألف ريال دَينًا، وزكاتك مائة ألف ريال، وقضَيتَ دَينَه كلَّه، فإن ذِمَّتُك تبرأ بهذا.







وعليه فيكون معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ الآية [التوبة: 60]، بيان المصارف فقط، ولا يجب أن تُعطي كلَّ الأصناف الثمانية، ولا يجب أن تعطي ثلاثة من كل صنف، بل إذا أديتها لواحد من صنف واحد، أجزأ ذلك كما في هذا الحديث.




ويُستفاد منه أن الزكاة تصرف في بلدها؛ أي: في بلد المال، وقد سبق ذكر ذلك وبيان أنه لا يجوز أن تخرج الزكاة عن البلد الذي فيه المال، إلا إذا كان هناك مصلحة أو حاجة أكثر، وأما ما دام فيه مستحقون فلا يخرجها، بل يؤدِّ الزكاة في نفس البلد.








وفي الحديث أيضًا دليلٌ على تحريم الظلم، وأنه لا يجوز للساعي على الزكاة أن يأخذ أكثر من الواجب؛ ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا، فقال له: ((إياك وكرائمَ أموالهم))، والكرائم: جمع كريمة، وهي الحسنة المرغوبة.







وفيه دليلٌ على أن دعوة المظلوم مستجابة؛ لقوله: ((فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).




وفيه دليلٌ على أنه يجب على الإنسان أن يتقيَ الظلم، ويخاف من دعوة المظلوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، قال: ((اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).








المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 498- 508)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.85 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]