وتهاوت صعوبات الاستذكار..!

[ابوالوليد المسلم]

وتهاوت صعوبات الاستذكار..!


سحر شعير





عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود، قال:"إني والله ما آمن يهود على كتابي"، قال: فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال:فلما تعلمته؛ كان إذا كتب إلى يهود كتبتُ إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم. (رواه الترمذي، و قال:حديث حسن صحيح، وراجع صحيح الترمذي،رقم:2715)
ياله من خبر عجيب..لشاب أريب..في السادسة عشرة من عمره.. يتقن اللغة الأجنبية في نصف شهر.. ! إنه "زيد بن ثابت" رضي الله عنه الصحابي الجليل زين الشباب..وآية الله في قدرات التركيز والتعلم.

ولكن الخبر أثار دهشة أبنائي فقال أحدهم متعجباً:
كيف استطاع هذا الصحابي الجليل إنجاز هذه المهمة في هذه المدة الزمنية القصيرة؟
كيف وأصعب مشكلة تواجهني أنا وزملائي هي: عدم التركيز لوقت طويل، ثم النسيان، فكيف دخل "زيد بن ثابت رضي الله عنه " في حالة من التركيز المتصل لمدة خمسة عشر يوماً متواصلاً ليخرج بهذه النتيجة الباهرة؟
قلت له: ولدي الحبيب.. إنه الإخلاص لله تعالى في تعلم العلم، وأسباب أخرى تتعرفون عليها في سطوري التالية.

ما هي الصعوبات التي يواجهها الأبناء أثناء المذاكرة:
- التشتت والسرحان "عدم التركيز":
التركيز هو: القدرة على الانتباه إلى موضوع واحد، وترك كل الأفكار الأخرى، والقضاء على أحلام اليقظة.
وفي أثناء التعلم يقوم المخ بتخزين المعلومات على شرائط كيميائية، من مواد خاصة لحين استدعائها، فهو يشبه في عمله هذا جهاز التسجيل، ولكن هذا التخزين لا يتم بصورة كافية إلا عند التركيز الشديد، أما في حالات الشرود الذهني "السَرَحَان"؛ فإن التسجيل يتم بصورة مشوشة وضعيفة؛ فيضعف استدعائها فيما بعد. ( د.حاتم محمد آدم:الصحة النفسية للمراهقين،ص:135).

وشعور الطالب بالتشتت وعدم القدرة على التركيز "السرحان" أثناء المذاكرة، يعد من أكثر صعوبات الاستذكار شيوعاً؛ حيث يفقد وقته في التنقل من درس إلى آخر ومن مادة إلى أخرى دون أن يحصّل أو يذاكر شيئاً.

وبداية نسأل: لماذا يحدث السرحان وقت المذاكرة؟ بينما لا يحدث ونحن في جلسة أو نزهة جميلة مع الأهل والأصحاب؟
الإجابة تتلخص في أنّ السرحان يحدث عندما نكون في موقف لا نحبه ولا نستمتع به .
وهناك عدة أسباب تؤدي إلى التشتت والسرحان، مثل:
- أحلام اليقظة، وتأتي على رأس القائمة، ففي الغالب يسترسل فيها الطالب؛ فتحرمه من المذاكرة، والتي هي الطريق الحقيقي لتحقيق الأماني والأهداف، وليست أحلام اليقظة.

- قد يحدث السرحان وعدم التركيز لأسباب صحية، مثل: فقر الدم، والأنيميا الشديدة، لذلك لابد أن نهتم بالعناية بصحة الأبناء العامة، وأن يكون غذاؤهم صحياً متوازناً.

- يحدث أيضاً إذا كانت الطالب غير مستريح في وضعية المذاكرة، أو عندما يكون مرهقاً بسبب عدم كفاية ساعات النوم، أو لعدم الانتظام في تناول الطعام.
- قد يسرح الطالب عندما لا يكون شغوفاً بالمادة أو الفصل الذي يذاكره، فيفضّل أن يهرب بخياله إلى أي شيء آخر في الدنيا.
- قد يعاني الطالب من المشكلات الأسرية أو العاطفية، مما يؤدي أيضاً إلى السرحان وتشتت الذهن.

كيف يكتسب الطالب مهارة التركيز؟
الحل يكون في إعادة شحن الذهن، وملئه بالرغبة في مواصلة المذاكرة، عن طريق السماح للدورة الدموية بالنشاط والحيوية، ولا يحدث ذلك بالمنبهات أو الإكثار من تناول الشاي والقهوة، ولكن بتغيير الموقف فوراً، وممارسة بعض التمارين الرياضية لدقائق حتى يستدعي النشاط والقوة؛ ليواجه أعباءه وينتصر عليها..! ( د.حاتم محمد آدم:الصحة النفسية للمراهقين،ص:134).

ويمكنك أيضاً – ولدي الطالب- أن تأخذ بهذه الوسائل، وتلزم نفسك بها إلى أن يصبح التركيز مهارة من مهاراتك الشخصية الثابتة، مثل:
- اعزل نفسك وتخلص من مسببات التشتت الخارجية، مثل وجود أشخاص يتحدثون من حولك في نفس مكان الاستذكار، أو صوت المذياع أو الكاسيت.
- احرص على تهيئة مكان الاستذكار، وذلك بالتغلب على الضوضاء، واتباع أسس الإضاءة الصحيحة، فتكون الإضاءة قوية، وعلى يسارك؛ كي لا تبعث على النوم أو تضعف العين أو توتر الأعصاب أو تضعف التركيز.
ومن تهيئة المكان أيضا ترتيب الكتب وإلا يكون أمامك إلا الكتب التي تنوي مذاكرتها، مع تجهيز أدوات المذاكرة قبل الجلوس على المكتب.
- اجعل الساعة دائماً بجوارك، وألزم نفسك بمذاكرة مقطع محدد خلال فترة زمنية محددة، واضبط الجرس على انتهاء هذه المدة، احصر ذهنك في الانتهاء من المهمة المطلوبة في المدة الزمنية المحددة سلفاً.

- ثم تخلص من أسباب التشتت الداخلية، مثل الخواطر المختلفة التي تقتحم عليك عقلك، ولكن قل للخاطر الغريب: (لا)، ثم ركز على مهمتك الأصلية.
- اتخذ موقفاً حازماً مع نفسك تجاه أحلام اليقظة، تشبث بالواقع، ولا تسترسل وراءها.

- اعرف هدفك واجعله نصب عينيك في جميع الأوقات، وعندها ستشعر بالإنجاز عند إكمال كل مهمة.

- تذكر ما تسعي إليه من أهداف بشكل واضح في عقلك، عندها ستدرك أنه من الضروري العمل بجد لإنجاز الأعمال. (كيف تنجز أكثر في وقت أقل؟ روبرت بودش- ترجـمة: منال مصطفى محمد بتصرف).

- اتخذ شعار " قم بعملك الآن "، وإن لم تبدأ فوراً فلن تنته، واعلم أن إنجاز بعض الخطوات كل يوم يصل بك إلى تحقيق أهدافك. فلا تؤجل عملك ولكن قم به الآن..!
- لا تزيد عدد المواد التي تنوي مذاكرتها في اليوم الواحد عن ثلاث مواد دراسية فقط؛ حتى لا تصاب بالتشتت.

- احرص أن تجلس جلسة انتباه لا جلسة استرخاء عند المذاكرة (اجلس أو اجلسي عموديا مع الميل قليلا للأمام ـ لا الانكفاء)، مع تجنب المذاكرة جالساً أو على السرير.

- يجب عليك ألا تتوقع نتائج فورية، إذ لا يوجد دواء سحري يمنحك التركيز الفوري.
-
إنّ تعلم أي مهارة يحتاج إلى وقت – من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع-، ويتطلب كذلك المثابرة على مستويات أو مراحل اكتساب تلك المهارة. "سام هورن:التركيز عادتك الثمينة للتميز والإبداع، بتصرف"

ومن صعوبات الاستذكار أيضاً:
- النسيان:
إنّ من أكبر المشكلات التي يواجهها الطلبة والطالبات هي نسيان المواد التي سبق لهم تخزينها في عقولهم، وقد أوضحت الدراسات انه إذا لم تستخدم المعلومات التي حفظت بشكل متكرر فإنها تنسى بسرعة، فالنسيان هو أحد أساليب المخ للتغلب على التكدس غير المرتب للمعلومات المخزونة به.
وعكسه:" التذكر" وهو عبارة عن نشاط نفسي لاستعادة الخبرات السابقة التي مرت بالإنسان.
(:د.محمد السقا: معالم في تربية الأطفال،ص:73).

ولقد اهتم علماء النفس بدراسة ظاهرة النسيان خاصة لدى الطلاب، وحددوا بعض القواعد التي تساعد على التغلب على النسيان وتعمل على تقوية القدرة على التذكر، وأهمها:

- التقرب إلى الله تعالى بمذاكرة العلم، والابتعاد عن معصيته؛ فإنها من معوقات الحفظ، فالعلم نور تطفؤه المعاصي والذنوب.كما قال الشافعي – رحمه الله تعالى- :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصـي
وأخبرني بأن العلم نـور
ونور الله لا يهدى لعاصــي.

- تعود حفظ حديث أو آيات قرآنية يومياً، فقد ثبت أن حفظ القرآن الكريم، من أقوى أسباب تقوية الذاكرة حتى عند كبار السن.
- تعرف على النقاط الرئيسة في الدرس، وضع خطاً تحتها وكرر قراءتها حتى تثبت في ذهنك وذاكرتك.

- ارفع صوتك أثناء المذاكرة، واستخدم الكتابة في التسميع أو التلخيص، فقد ثبت علمياً أنّ استخدام أكثر من حاسة في عملية الاستذكار يقضي على ظاهرة النسيان. ( د.مختار حمزة:مشكلات الآباء والأبناء،ص:149).

- تجنب أن تذاكر وأنت مرهق، فالتعب لا يساعد على تثبيت المعلومات.

- لا تجمع في المذاكرة بين مادتين متشابهتين على التوالي؛ فان ذلك قد يسبب النسيان والتداخل.

- قم بتقسيم المواد الطويلة إلى وحدات متماسكة يسهل فهمها وحفظها كوحدة مترابطة.

- كن واثقاً دائماً بنفسك، واعلم أنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.



وأخيراً..ولدي الحبيب، أو ابنتي الحبيبة:

احرص دائما على استحضار الدافع الإيجابي للاستذكار والتفوق، وأن تضع/ تضعي لنفسك قدوة حسنة تقتدي بها مثل: زيد بن ثابت رضي الله عنه، وغيره من العلماء الأفذاذ.
فالجدية والهمة العالية هي الطريق الصحيح للإنجاز والتفوق وتحقيق الأهداف.

وقديماً علمونا قصة السلحفاة المصممة التي سبقت الأرنب المستهتر، وأنّ استخدام الإرادة في الاتجاه الصحيح يرفع قدر الإنسان في عين نفسه وفي عيون الآخرين.



ـــــــــــــــ ــــ
والمراجع:
- معالم في تربية الأبناء:د.محمد السقا عيد.
- الصحة النفسية للمراهقين:د.حاتم محمد آدم.
- مشكلات الآباء والأبناء:د.مختار حمزة
- ذاكرتك ... كيف تنميها؟:د.علي علي مفتاح.
- التركيز كنزك الثمين للتميز والإبداع:سام هورن.
- كيف تنجز أكثر في وقت أقل؟:روبرت بودش- ترجـمة: منال مصطفى محمد.