|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
حمى الأحلام
حمى الأحلام لطيفة عبدالرحمن العمير أحلام الفرد وأُمنياته تَطُول وتَمتَدُّ، ثم تَتَشَعَّب بشَكْلٍ ملحوظٍ ولافتٍ، تكبر معه في علاقة عكسيَّة مُطَّرِدة، الطفل مثلاً يكْتَفِي بالأشياء الكبيرة وإن كانتْ أقل، بينما الكبير يهتم بكثرة الإنجازات وحجمها غالبًا؛ لأنَّ الإنجازَ يعني تحقيقَ الذات في مجال ما، وإثبات وُجُود في ذاك المجال؛ هذا بالصورة العامَّة. فإنْ أَتَيْنا على صورة خاصَّة مِن هذه الأمنيات والأحلام وطرقها لرؤوس أصحابها، وجَدْنا أنَّ المراهقين والشباب يحملون منها الكبيرَ والكثير، مما يجعل تحقيقَها كاملةً أَمْرًا مُعجِزًا ومُتَعَسِّرًا، بل مستحيلاً. وقد قيل يومًا: "إنَّ كلَّ الأشياء التي تطرق باب الأمنيات تموت، ما لَم نغذها"، وأحلام هذه الفئة غالبًا ضائعةٌ في فَلاة، فلا وَجَدَتْ مَن يُوَجِّهها التوجيه الصائب، ولا علِم أصحابُها أيها أنسب لهم. إننا لا نحيد عن الحقِّ إن قُلنا: إنَّ عبارة "أبغي أصير كل شيء"، تأتي على كلِّ لسان، وحين نطلب الصِّدْق في ماذا يريد كلُّ فردٍ، وواجهناه بِوُجُوب القَرار، وجَدْناه تائهًا جدًّا، لا يدري أين يكون، فتارةً يطلُب وظيفةً ما، وتارةً أخرى يطلُب غيرها، والصوابُ أن يطلُبَ ما يعرف ويعتقد أنه سينجز فيه ويُبدع، لا أن يركضَ خلْف المسميات والهالات، التي لا تنفع أصحابَها إنْ كانتْ أثوابًا مُمَزَّقةً تحتاج من يُرَقِّعُها. ثم إنه من أصل الصواب أيضًا أنْ نُرَبِّي في أطفالنا تحديدَ المسار، ومعرفة الإمكانات الفرديَّة، دون تهميشٍ، أو إملاء وإجبار، ونجعل مِنَ اختياراتهم الصغيرة محطَّات تجارب لِمَعْرِفة الاختيارات الناجحة والكبيرة مستَقْبلاً. ولَوْ أَرَدْنا طَرْح مثال لتقريب الصورة، فها هو ذا أمامنا يُمَثِّل ويَتَكَرَّر كل يوم: "تقول إحداهن: أريد أن أكون أمًّا، وطبيبةً، وشاعِرةً، وحافظة للقرآنِ، ومهتَمَّة جدًّا بِبَيْتي وأطفالي". ونقول: إنه ليس صعبًا أنْ تُحَقِّق كل ذاك وربما أكثر منه، لكن لِمَنْ تكون الأولوية في سعْيها؟ وما وسيلتها في ترتيب الأولويات؟ فالبَدْءُ بهذه الأحلام جميعًا أَمْرٌ لا يُقْبَل منطقيًّا، وترتيبهم بشَكْلٍ عَشْوائي أيضًا أَمْرٌ لا يُقْبَل، والعُمر والوقتُ، والطاقة والجهد، ووعي الوالدين بما تملكُه هذه الفتاة مِن قدرات - يُعينها على تحديد الوجْهَة الصائبة، وتحديد الأَوْلَوِيَّات، ثم تقسيم الوقت لإنجاز المهام. وخُطَّة مشروع الحياة الكبير تحتاج أن تأخذَ وقتًا طويلاً في إعدادها والتخطيط لها، والارتجاليةُ فيها تنمُّ عنِ اللامبالاة، وتصاغر الشعور وضآلة الحس الذاتي لترْك الأثَر، ومما لا شكَّ فيه أنَّ مَن يجد نفسَه فاشلاً، فقد خطَّط للفشَل مُسبقًا. خُلاصة ما نقول: إنَّنا لا نُعَمِّم في حَدِيثنا هذا بأنَّ الكُلَّ مُخْفِقٌ في تحقيق أحلامِه الكبيرة والكثيرة، ولكنَّنا نُؤَكِّد على أهمية فِقْه ترتيب الأولويات، ومعرفة الأصْل في توجيه الذات للمسار الصحيح، وفقًا للقُدرات والإمكانات والمهارات المتاحة والمتوَفِّرة والمكتسبة، ونؤَكِّد على أنها أمورٌ لازِمة، لا خُرُوج عن إطارها. والبحثُ عن مَجْدٍ في فُوَّهَة بركان منَ الأمنيات لا يعني وُصُول القمَّة، وإنما احتراق صاحبها قبل أن ينجزَ شيئًا يُذْكَر.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |