تفسير الزركشي لآيات من سورة الحديد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1155 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16825 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 13 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-07-2020, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير الزركشي لآيات من سورة الحديد

تفسير الزركشي لآيات من سورة الحديد


د. جمال بن فرحان الريمي





﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحديد: 1]

قوله تعالى ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات: 23]جاءت "السماء" مفردةً لأنه أراد لهذين الجنسين، أي ربّ كل ما علا وسَفُل، وجاءت مجموعة في قوله تعالى: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 1] في جميع السور؛ لما كان المراد الإخبار عن تسبيح سكانها على كثرتهم، وتبايُن مراتبهم، لم يكن بدٌّ من جمع محلهم[1].




﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3]

وإنما عطف قوله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد: 3]، وإنما عطف هنا؛ لأنها أسماء متضادة المعاني في موضوعها، فوقع الوهم بالعطف عمن يستبعد ذلك في ذات واحدة؛ لأن الشيء الواحد لا يكون ظاهرًا باطنًا من وجه، وكان العطف فيه أحسن[2].




﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد: 4] قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4]، إنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات، فتعين صرفه عن ذلك وحمله إما على الحفظ والرعاية أو على القدرة والعلم والرؤية، كما قال تعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] [3].




قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4]، أي عالم بكم ومشاهدكم، فكأنه حاضر معهم، وهو ظرف زمان عند الأكثرين، إذا قلت: كان زيد مع عمرو، أي زمن مجيء عمرو، ثم حذف الزمن والمجيء وقامت "مع" مقامهما[4].




﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الحديد: 6]

قوله تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحديد: 6]، المشهور في معنى الآية: أن الله يزيد في زمن الشتاء مقدارًا من النهار، ومن النهار في الصيف مقدارًا من الليل، وتقدير الكلام: يولج بعض مقدار الليل في النهار، وبعض مقدار النهار في الليل، وعلى غير المشهور يجعل الليل في المكان الذي كان فيه النهار ويجعل النهار في المكان الذي كان فيه الليل، والتقدير: يولج الليل في مكان النهار ويولج النهار في مكان الليل[5].




﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 10]

قوله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد: 10]، أي ومن أنفق بعده وقاتل؛ لأن الاستواء يطلب اثنين، وحذف المعطوف لدلالة الكلام عليه، ألا تراه قال بعده: ﴿ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد: 10][6].




﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11]

قال رحمه الله: جاء أن اليد السفلى الآخذة، والعليا هو المعطية، وشاهده قوله تعالى: ﴿ نْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [الحديد: 11]،وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: «منْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ، وَلَا ظَلُومٍ»[7]، ووجه ذلك أن العطية من أيدينا مفتقرة إلى من يضع فيها حقًا وجب عليها، ويطهرها بذلك من ذنوبها وأنجاسها، ولولا اليد الآخذة ما قدر صاحب المال على صدقة[8].




﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد: 12]

قولهصلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[9] في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [الحديد: 12] [10].




قوله تعالى: ﴿ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ [الحديد: 12]. قال أبو علي الفارسي: التقدير: بشراكم دخول جنات أو خلود جنات؛ لأن البشرى مصدر، والجنات ذات، فلا يخبر بالذات عن المعنى[11].




﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد: 13]

قوله تعالى: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ [الحديد: 13] ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف: 99] [12]، فبالسين ما يحصر الشيء خارجًا عنه، وبالصاد ما تضمنه منه[13].




وقوله تعالى: ﴿ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ [الحديد: 13]، قال الفارسي: ﴿ وَرَاءَكُمْ [الحديد: 13] في موضع فعل الأمر، أي تأخروا، والمعنى: ارجعوا تأخروا، فهو تأكيد وليست ظرفًا؛ لأن الظروف لا يؤكد بها"[14].




﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: 14]

قوله تعالى: ﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا ُ [الحديد: 14]، أي كنتم معنا[15].




﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16]

قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16]، قال ابن مسعود: «مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16]، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ»[16]، وما ألطف ما عاتب الله به خير خلقه بقوله تعالى: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] [17]، ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله تعالى في هذه الآية[18].




﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد: 20]

قوله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ [الحديد: 20]، أي كلعب الصبيان، ﴿ وَلَهْوٌ [الحديد: 20]أي كلهو الشباب، ﴿ وَزِينَةٌ [الحديد: 20]كزينة النساء، ﴿ وَتَفَاخُرٌ [الحديد: 20]كتفاخر الإخوان، ﴿ وَتَكَاثُرٌ [الحديد: 20] كتكاثر السلطان، وقريب منه في تقديم اللعب على اللهو قوله: ﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ[19].




﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 27]

قال رحمه الله: الوقف على قوله: ﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا [الحديد: 27] والابتداء بقوله: ﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد: 27]،وذلك للإعلام بأن الله تعالى جعل الرهبانية في قلوبهم، أي خلق، كما جعل الرأفة والرحمة في قلوبهم وإن كانوا قد ابتدعوها فالله تعالى خلقها، بدليل قوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[20]، هذا مذهبُ أهل السنة، وقد نسب أبو علي الفارسي إلى مذهب الاعتزال بقوله في "الإيضاح" حين تكلم على هذه الآية فقال: ألا ترى أن الرهبانية لا يستقيم حملُها على ﴿ وَجَعَلْنَا [الحديد: 27] مع وصفها بقوله: ﴿ ابْتَدَعُوهَا؛ لأن ما يجعله الله لا يبتدعونه[21]، فكذلك ينبغي أن يفصل بالوقف بين المذهبين[22].




﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: 28]

قوله تعالى: ﴿ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: 28]، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه [23]: ضعفين، بلغة الحبشة[24].




﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 29]

قال رحمه الله: كل شيء في القرآن "لئلا" فهو بمعنى: كيلا، غير قول الله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29] يعني لكي يعلم[25]، وتزاد "لا" بعد "أن" المصدرية، كقوله: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29]، أي ليعلم، ولولا تقدير الزيادة لانعكس المعنى فزيدت "لا" لتوكيد النفي، قاله ابن جني[26].




واعترضه ابن ملكون[27]، بأنه ليس هناك نفي حتى تكون هي مؤكدة له، ورد عليه السَّكونى[28] بأن -هنا- ما معناه النفي، وهو ما وقع عليه العلم من قوله: ﴿ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ [الحديد: 29]، ويكون هذا من وقوع النفي على العلم، والمراد ما وقع عليه العلم كقوله: "ما علمت أحدًا يقول ذلك إلا زيدًا" فأبدلت من الضمير الذي في "يقول" ما بعد "إلا"، وإن كان البدل لا يكون إلا في النفي، فكما كان النفي -هنا- واقعًا على العلم، وحكم لما وقع عليه العلم بحكمه، كذلك يكون تأكيدًا النفي -أيضًا- على ما وقع عليه العلم، ويحكم للعلم بحكم النفي، فيدخل عل العلم توكيدُ النفي، والمراد تأكيد نفي ما دخل عليه العلم.




وإذا كانوا قد زادوا "لا" في الموجب المعنى لما توجه عليه فعل منفىّ في المعنى، كقوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] [29]، المعنى "أن تسجد"، فزاد "لا" تأكيدًا للنفي المعنوي الذي تضمنه "منعك"؛ فكذلك تزاد "لا" في العلم الموجِب توكيدًا للنفي الذي تضمنه الموجّه عليه.




قال الشلوبين: وأما زيادة "لا" في قوله: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29]، فشيء متفق عليه، وقد نص عليه سيبويه، ولا يمكن أن تحمل الآية إلا على زيادة "لا" فيها؛ لأن ما قبله من الكلام وما بعده يقتضيه.




ويدل عليه قراءة ابن عباس وعاصم والحميدي[30]: "لِيَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ"[31]، وقرأ ابن مسعود وابن جبير "لكي يعلم"[32]، وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها، وسبب النزول يدل على ذلك أيضًا، وهو أن المشركين كانوا يقولون إن الأنبياء منا، وكفروا مع ذلك بهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29] [33].




وقال رحمه الله في باب "لا": قوله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29]، أي لَئن لَمْ؛ لأن المعنى يتم بذلك، وقيل: ليست زائدة والمعنى عليها[34]، وقال أيضًا: المعنى: أي فعل الله هذا لعدم علمهم هل وقع أم لا؟ وإذا علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، يبين لهم أنهم لا يعلمون، فقوله: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ [الحديد: 29] باق على معناه ليس فيه زيادة[35].





[1] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - فيما ورد في القرآن مجموعًا ومفردًا والحكم في ذلك 4/ 8.



[2] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التعديد 3/ 290.



[3] سورة ق:16. البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - فصل في الظاهر والمؤول 2/ 130



[4] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - مع 4/ 261.



[5] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ما قدم والمعنى له 3/ 154.



[6] المصدر السابق: أقسام الحذف 3/ 80- حذف المفعول 3/ 108.



[7] رواه مسلم من حديث أبي هريرة ت، كتاب صلاة المسافر وقصرها، باب "باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه" ص/ 342، رقم الحديث (758).



[8] البرهان: معاضدة السنة للقرآن 2/ 94.



[9] رواه مسلم من حديث أبي هريرة ت، كتاب الطهارة، باب "باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء" ص/ 130، رقم الحديث (246).



[10] البرهان: معاضدة السنة للقرآن 2/ 90.



[11] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم البشرى على المبشر به 2/ 184.



[12] سورة الكهف: 99.



[13] البرهان: علم مرسوم الخط - حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى 1/ 295.



[14] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - صنيعهم عند استثقال اللفظ 3/ 25.



[15] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - بلى 4/ 164.



[16] رواه مسلم من حديث عبدالله بن مسعود ت، كتاب التفسير، باب "باب قول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ [الحديد: 16] ص/ 1377، رقم الحديث (3027).



[17] سورة التوبة: 43.



[18] يشير لكلام الزمخشري عند تفسيره لهذه الآية حيث قال: "كانوا مجدبين بمكة، فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه، فنزلت"، الكشاف 6/ 48. البرهان: أقسام معنى الكلام - استفهام التقرير 2/ 208.



[19] سورة الأنبياء: 16-17. البرهان: علم المتشابه - المتشابه باعتبار الأفراد 1/ 96.



[20] سورة الصافات: 96.



[21] الإيضاح للفارسي، ص/ 88.



[22] البرهان: معرفة الوقف والابتداء 1/ 245.



[23] هو عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حضَّار بن حرب، الإمام الكبير، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو موسى الأشعري التميمي الفقيهُ المقرئ، وهو معدود فيمن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، أقرأ أهل البصرة، وفقههم في الدين، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذًا على زبيد، وعدن، وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة، أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وأول مشاهده خيبر، كان صوّامًا قوّامًا ربَّانيًا زاهدًا عابدًا، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، مات سنة اثنتين وأربعين، وقيل غير ذلك. (تهذيب سير أعلام النبلاء 1/ 70، رقم الترجمة (188)).



[24] تفسير الطبري 22/ 438، البرهان: معرفة ما فيه من غير لغة العرب 1/ 202.



[25] البرهان: جمع الوجوه والنظائر 1/ 89.



[26] المحتسب لابن جني 1/ 116.



[27] إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون الحضرمي الإشبيلي أبو إسحاق، قال ابن الزبير: أستاذ نحوي جليل، روى عن أبي الحسن شريح وأبي مروان بن محمد، وأجاز له القاسم بن بقي، روى عنه ابن حَوْط الله وابن خَرُوف والشَّلوْبين، وألف شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصيمري، وغير ذلك، ومات سنة أربع وثمانين وخمسمائة. (بغية الوعاة 1/ 431 رقم الترجمة (872).



[28] أشار د. يوسف المرعشلي في تحقيق "البرهان" بأن عبارة المطبوع "السَّكوني" والتصويب هو "الشلوبين" بحسب ما جاء في المخطوطة، انظر: البرهان في علوم القرآن، بتحقيق د. يوسف المرعشلي 3/ 154.



[29] سورة الأعراف: 12.



[30] أشار د. يوسف المرعشلي في تحقيق "البرهان" بأن عبارة المطبوع "عاصم والحميدي" والتصويب ما ورد في المخطوطة "عاصم الجحدري"، والجحدري هو: عاصم بن أبي الصباح العجّاج. انظر: البرهان في علوم القرآن بتحقيق د. يوسف المرعشلي 3/ 155.



[31] انظر: مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، مكتبة المتنبي - القاهرة، ص/ 153.



[32] المصدر السابق: ص/ 153.



[33] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - زيادة لا 3/ 52-53.



[34] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - لا 4/ 218.



[35] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - لا 4/ 219.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 137.70 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]