اسم الله الحسيب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-01-2021, 02:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,938
الدولة : Egypt
افتراضي اسم الله الحسيب

اسم الله الحسيب (1)
د. محمد ويلالي



سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (27)


اسم الله: الحسيب (1)







انتهينا في المناسبة الماضية - ونحن نحاول فقه أسماء الله الحسنى - إلى الجزء السادس والعشرين، الذي كان موضوعه اسمَيِ الله: "الأول" و"الآخر"، فعرَفنا أن الأول هو الذي ليس قبله شيء، وأن الآخر هو الذي ليس بعده شيء، وهو سر هيمنة الله - عز وجل - على الزمان والمكان، فلا يُدركه زمان، ولا يُحيط به مكان، فالمخلوقات فانية، والنجوم مُنكدرة، والسماوات منفطرة، والأرضون زائلة؛ ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ﴾ [القصص: 88]، ولأنه الأول فقد بدأ الخلق، ولأنه الآخر فإنه يُعيده ليوم الحساب؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27].




وسنطرق اليوم إن شاء الله تعالى بابَ اسمٍ جليلٍ آخر، يعدُّ فقهُه واستيعابُ معانيه سرَّ السعادة في الدنيا، والفوز برضا الله يوم القيامة، اسم به يُحقق المسلم معنى الخوف مِن الله، والطمع فيما عنده، والإقرار بأنه بكلِّ شيء محيط، وبكلِّ شيء وكيل، إنه اسم الله "الحسيب"، الذي يدل على المحاسبة مِن جهة، وعلى الكفاية من جهة أخرى.

وَهوَ الْحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَةً *** وَالْحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَانِ




ولقد وردَ الحسيب اسمًا لله تعالى في القرآن الكريم في خمسة مواضع، مقترنًا بأحكام دقيقة، لا بد للمسلم مِن أن يعيها، وأن يكون على علم بها.




ففي سورة النساء يقول تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].




قال ابن كثير رحمه الله: "وكفى بالله محاسبًا وشهيدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم للأموال: هل هي كاملة موفرة، أو منقوصة مَبْخوسة؟"، ولذلك استصعب النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ تولِّي مال اليتيم؛ لخطورة ما يعقبه مِن محاسبة في الدنيا والآخرة، حتى قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: ((يا أبا ذَرٍّ، إني أراكَ ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي: لا تأمَّرَنَّ على اثنينِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيمٍ))؛ مسلم.




فمال اليتيم إما أن يكون سبيلًا إلى الجنة، إن أحسن الوليُّ التصرف فيه، وحفظه لصاحبه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، وإما أن يكون قطعة من النار لمن لم يتقِ الله فيه، وجعله نهبة يتصرف فيها ذات اليمين وذات الشمال؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، مِن هنا نفهم السرَّ في تذييل الآية الكريمة السابقة بقوله تعالى: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾؛ أي: احذروا من أكل مال اليتيم، ولا تعتقدوا أن اليتيم صغير لا ينتبه لماله، فإن الله حسيبه، أي: كافيه، وهو لحقِّه ضامن، وهو كذلك محاسبكم على تصرفكم في ماله، ومُوقفكم يوم القيامة بين يديه؛ قال الزمخشري: "أي: كافيًا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض، أو محاسبًا، فعليكم بالتصادق، وإياكم والتكاذب".




ومثل مال اليتيم، كل مال، أو مسؤولية، أو وظيفة استؤمنَّا عليها؛ فالله تعالى محاسبنا عليها، ورقيب علينا، لا يغيب عنه شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]، ولذلك قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]، فالله تعالى سيحاسب المخلوقات كلها في وقت واحد، لا يحتاج إلى من يحسب له؛ لأنه الحسيب، قال الحليمي: "الحسيب: المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب"، بل إن الله تعالى يجعل العبد يوم القيامة حسيبًا على نفسه، حاكمًا على أعماله، مقرًّا بذنوبه؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14]، أي: محاسبًا، وقرأ مجاهد: ﴿ وَيَخْرُجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا ﴾؛ أي: يخرج له الطائر كتابًا، فيقيم ربنا عز وجل علينا الحجة، بأن يجعلنا نُحاسب أنفسنا بأنفسنا، حتى الذي لا يعرف منا القراءة والكتابة يقدره الله على ذلك، قال قتادة: "يقرأ يومئذ مَن لم يكن قارئًا في الدنيا"؛ قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].




ومِن شدة فرح المؤمن واستبشاره يقول: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20]، يريد أن يظهر للناس مكانته عند الله، وأنه من الناجين؛ لأنه حُوسب حسابًا يسيرًا؛ ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 64].




وأمَّا الكافرُ فيقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 25 - 27]، وفي الآية الأخرى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق: 11]؛ أي: يدعو على نفسه بالهلاك، قال قتادة: "تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيءٌ أكره عنده مِن الموت"، ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17].




فالتخويف في الدنيا أمن في الآخرة، والنَّصَب في الدنيا راحة في الآخرة، والعمل الصالح في الدنيا تيسير للحساب في الآخرة.

بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ ترَها *** تُنالُ إلا على جسـرٍ مِنَ التَّعَبِ




والتوكل على الله كفاية في الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، قال السعدي رحمه الله: "أي: كافيه أمور دينه ودنياه"، هؤلاء لا يخشون أحدًا إلا الله؛ لأنه وكيلُهم وحسيبُهم، لا يخافون حضارة أعدائهم، ولا تقنياتهم، ولا أسلحتهم؛ لأن معهم القوي الجبار، ولذلك قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].




وأما الغفلةُ في الدنيا، والذهول عن العبادة وأعمال الخير، والانشغال بالملذات، والإغراق في المسرَّات، فتورث مناقشة الحساب يوم القيامة، و((مَنْ نُوقِش الحساب يهلك))؛ متفق عليه، يقول تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ ﴾ ؛ أي: كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير، ﴿ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ﴾، أي: من أعمالهم السيئة، وأفعالهم القبيحة؛ لأنَّ هذا الكتاب لم يغادرْ صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها".

إذا كنتَ في كلِّ حالٍ معي *** فعن حملي زادي أنا في غِنى




ولقد ابتلي المسلمون في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعداوة المشركين، وشوكة المُثبِّطين، الذين أرادوا الفَتَّ في عضدهم، فأشاعوا أن أبا سفيان خارج بجيش كبير في أعقاب معركة أُحُد، عازم على القضاء على المسلمين واستئصالهم، فكان سلاحهم أن قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، خالصين من قلوبهم، مُستيقنين بنصر الله لهم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ أي: كافينا الله، ونعم المولى لمن وَلِيَهُ وكفله، فكانت النتيجة: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174] ومِن ثم استحب أهل العلم أن يقال هذا الدعاء عند نزول المصائب الصعاب.




عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، قالها إبراهيمُ عليه السَّلام حين ألقي في النَّار، وقالها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾"؛ البخاري.




فالمسلم لا يلتفت إلى أهل الخداع والمكر؛ لأن الله كافيه شرهم، وهو حسبُه من كيدهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62].

هذا هو المؤمن، يفزع إلى الله في كلِّ شؤونه، ويعتمد عليه في كلِّ أموره.



اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً


لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ



إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ وارْضَ بهِ

إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ



واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحَدٍ

فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-01-2021, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,938
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الله الحسيب

فقه اسم الله الحسيب (2)


د. محمد ويلالي





سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (28)

فقه اسم الله: الحسيب (2)


انتهينا في المناسبة الماضية مِن القسم الأول مِن شرح اسم الله "الحسيب" - ضمن سلسلة شرح أسماء الله الحسنى في جزئها السابع والعشرين - وعرَفنا أنه اسمٌ جليلٌ يدلُّ على الكفاية من جهة، وعلى المحاسبة مِن جهة أخرى.

وتبيَّنَّا أن الله تعالى كافٍ مَن أخلَصَ التوكلَ عليه، فلا يحتاج إلى غيره، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وأنه مُحاسِبٌ عبادَه ﴿ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]، لا يُعجِزُه حسابُ أعمال الخلائق، بل يُوكِل حساب الحسنات والسيئات إلى العباد أنفسهم، فيقول المؤمن: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20]، ويقول الكافر والمنافق: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25، 26].
وَهُوَ الحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَةً ♦♦♦ وَالحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَانِ

وموعدُنا - اليوم إن شاء الله تعالى - مع فقهِ هذا الاسم المبارك "الحسيب"، الذي سنتناوله من ثمانيةِ أوجهٍ:
1- العلم بأن كفاية الله لعباده عامةٌ وخاصةٌ:
فالعامة تتعلق بكفاية الله تعالى لجميع البشر؛ إيجادًا وإمدادًا وإعدادًا، فهيَّأ لهم سبحانه سُبُلَ عيشِهم، وما تقوم به حياتُهم.

وأما الخاصة، فتتعلَّق بعباده المؤمنين، وأصفيائه المتَّقِين، وأنقيائه المتوكلين، ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه أمورَ دينِه ودنياه.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَوَى إلى فراشه قال: ((الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ))؛ مسلم.

وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول عند الخروج من البيت: ((بِسْمِ الله، تَوَكَّلْتُ عَلَى الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ))، قال صلى الله عليه وسلم: ((يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ، وَكُفِيَ، وَوُقِيَ؟)).

وكتب معاويةُ إلى عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: أنِ اكتُبِي إليَّ كتابًا توصيني فيه، ولا تُكثِري عليَّ، فكتبَتْ إليه: "سلامٌ عليك، أما بعد: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنِ التَمَس رضاء الله بسَخَط الناس، كَفَاه الله مُؤْنَة الناس، ومَن التَمَس رضاء الناس بسَخَط الله، وكَلَه الله إلى الناس))، والسلام عليك"؛ صحيح سنن الترمذي.

2- تحقيق اسم الله الحسيب يقتضي التوكلَ عليه، وصدقُ التوكل يدفعُ المضرَّة والأذى، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، قال بعض السلف: "جعل اللهُ تعالى لكلِّ عملٍ جزاءً مِن جنسه، وجعل جزاءَ التوكل عليه نفس كفايتِه لعبده، فقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ولم يقل: نُؤتِه كذا وكذا من الأجر؛ كما قال في الأعمال، فلو توكَّل العبدُ على الله تعالى حقَّ توكُّله، وكادَتْه السموات والأرض ومَن فيهن، لجعل له مخرجًا من ذلك وكفَاه ونصره".

3- الاعتقاد بأن الله يُحصِي كلَّ شيءٍ مِن أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا، لا يغيب عنه من ذلك شيءٌ، قال تعالى: ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 28]، وقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

4- مِن فقه "الحسيب" أن الحاكمَ يُجرِي القوانين الانضباطية بين الناس، ويُحاسِبهم على مخالفتهم لها، ولا حقَّ في الاعتراض عليها ما دامت مُوافِقةً لكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمَعَت عليه الأمَّةُ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن أُناسًا كانوا يُؤخَذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخُذُكم الآن بما ظهَر لنا مِن أعمالكم، فمَن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاهُ وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيءٌ، الله يحاسبه في سريرته، ومَن أظهر لنا سوءًا لم نَأْمَنه ولم نُصدِّقه، وإن قال: إن سريرتَه حسنةٌ"؛ البخاري.

ولو سَرَتْ هذه المحاسبة على وجهِها الأكمل، لَمَا تفشَّت بيننا مظاهرُ الغش والرِّشوة والمحسوبية، ولكن الفَطِن منا مَن يُؤدِّي المظالم في الدنيا قبل يوم الحساب، فالله كفيلٌ بردِّ الحقوق إلى أصحابها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].

5- الإيمان باسم الله "الحسيب" يُفضِي إلى استشعار معيَّة الخالق للعبد في كل زمان ومكان، وإذا كان الله معك، فمَن عليك؟ وإذا كان عليك، فمن معك؟
قال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا أحببتَ أن يدومَ الله لك على ما تُحِب، فدُمْ له على ما يحب".

وقال سفيان الثوري رحمه الله: "أصلِحْ سريرتَك يُصلِحِ اللهُ علانِيَتَك، وأصلِحْ فيما بينك وبين الله يُصلِحِ اللهُ فيما بينك وبين الناس، واعمَلْ لآخرتك يكفلِ اللهُ أمرَ دنياك، وبِعْ دنياك بآخرتك تربَحْهما جميعًا، ولا تَبِعْ آخرتك بدنياك فتخسَرَهما جميعًا".

6- المؤمن يحسب حسناته وسيئاته، ويقوم مِن أعمال العبادة بما يُقوِّي به سِجلَّ حسناته، وأيسرُ ذلك مؤونةً أدعيةٌ خفيفة، وأعمالٌ يسيرة علَّمَنَاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
فمن الصِّنف الأول: ما رَوَتْه جُوَيرية رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلَّى الصبح وهي في مسجدِها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسةٌ، فقال: ((ما زلتِ على الحال التي فارقتُك عليها؟))، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مراتٍ، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوزنَتْهنَّ: سبحان الله وبحمده، عددَ خلقه، ورِضا نفسه، وزنة عرشه، ومدادَ كلماته))؛ مسلم.

ومن الصنف الثاني: ما رواه سعدُ بن أبي وقاص أن خبَّابًا قال لعبدِالله بن عمر رضي الله عنهما: ألا تسمَعُ ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن خرج مع جنازة مِن بيتها وصلى عليها ثم تبِعها حتى تُدفَنَ، كان له قيراطانِ مِن أجر، كلُّ قيراط مثلُ أُحُدٍ، ومَن صلى عليها ثم رجع، كان له من الأجر مثل أُحُدٍ))، فأرسل ابنُ عمرَ خبَّابًا إلى عائشة يسألُها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضةً مِن حصى المسجد يُقلِّبُها في يده حتى رجع إليه الرسولُ، فقال: قالت عائشة: صدَقَ أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: "لقد فرَّطنا في قراريطَ كثيرةٍ!"؛ مسلم.

7- عدم المبالغة في إصدار الأحكام، وإن كانت ثناءً ومدحًا؛ دفعًا للغرور أو التغرير؛ فعن أبي بكرةَ أن رجلًا ذُكِر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَيْحَكَ، قطعتَ عُنُقَ صاحبِك - يقولُه مرارًا - إن كان أحدُكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسبُ كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبُه الله، ولا يزكِّي على الله أحدًا))؛ البخاري.
إنَّا لنفرَحُ بالأيام نقطَعُها
وكلُّ يومٍ مضى يُدنِي مِن الأجَلِ

فاعمَلْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهدًا
فإنَّما الربحُ والخُسرانُ في العَمَلِ


8- ومِن أعظم ما يستوجبُه الإيمان باسم الله "الحسيب أن يُحاسِب المؤمنُ نفسَه عن أعماله قبل أن يُحاسَبَ عليها، فلا يُقدِّم رِجلًا ولا يخطو خُطوةً إلا على هُدًى مِن كتاب الله، أو تشريعٍ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكفيه اللهُ همَّ الدنيا والآخرة.

قال الحسن رحمه الله: "رحِم اللهُ عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخَّر".
قال ميمون بن مِهران: "لا يكون العبد تقيًّا حتى يُحاسِبَ نفسَه كما يحاسب شريكه: مِن أين مطعمه وملبسه؟".
وقال الحسن: "كان عمر رضي الله عنه ربما تُوقَد له النارُ، ثم يُدنِي يدَيْه منها ثم يقول: يا بن الخطَّاب، هل لك على هذا صبرٌ؟".

ومن قصص السلف في ذلك: أن رجلًا مؤمنًا أرسل طعامًا إلى البصرة عن طريق وكيلٍ، وقال: "بِعِ الطعام بسعرِ يومِه"، فلما وصل هذا الوكيل إلى البصرة، استدعى التجَّار، ونصَحُوه أن يؤخر البيع أسبوعًا واحدًا ليرتفع السعرُ، ففعل، وربِح أرباحًا طائلة، وبشَّر موكله بهذه الأرباح، لكن المؤمن الذي يحتاط لدينه وماله قال له: "ادفَعِ الثمن كلَّه لفقراء البصرة، فقد دخل على مالي الشبهةُ"، وهو يرى أن ذلك احتكارٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحتكِرُ إلا خاطئٌ))؛ مسلم.
هي الدارُ دارُ الأذى والقذى
ودارُ الفناءِ ودارُ الغِيَرْ

ولو نِلْتَها بحذافيرِها
لَمِتَّ ولم تقضِ منها الوَطَرْ

أَيَا مَن يُؤمِّلُ طولَ البقاءِ
وطولُ الخلودِ عليه ضَرَرْ

إذا ما كبِرتَ وفات الشبابُ
فلا خيرَ في العيشِ بعدَ الكِبَرْ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.25 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]