كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-07-2009, 10:56 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
Thumbs up كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

سيماهم في وجوهم

د. عائض بن عبد الله القرني
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-07-2009, 10:57 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن من العقائد المقررة في الإسلام : حب الصحابة من المهاجرين والأنصار ،والذين اتبعوهم بإحسان ، واعتقاد فضيلتهم وصدقهم ، والترحم على صغيرهم وكبيرهم ، وأولهم وآخرهم ، وصيانة أعراضهم وحرماتهم ، فذلك أمر ضروري ، وهو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها ، وضبط حقوقها ، والأخذ على يد من هتكها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في مجمع الحج : (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهر كم هذا في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب ))(1) .
فهتك عرض مسلم والجناية عليه عظيم عند الله ورسوله والمؤمنين وهو من كبائر الذنوب ومن التشبه بالمنافقين وأعظم منه غمس الالسنه والأقلام في أهل العلم ومحاولة إسقاط قدرهم بأوهام من هنا وهناك والإيغال بالدخول في نياتهم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم والاستخفاف بهم.
فهم خير الناس للناس ، وأفضل تابع لخير متبوع ، وهم الذين فتحوا البلاد بالسنان والقلوب بالإيمان ، ولم يعرف التاريخ البشري منذ بدايته ، تاريخا أعظم من تاريخهم ،ولا رجالا دون الأنبياء أفضل منهم ولا أشجع ، ومن داخله ش في هذا ، فلينظر في سيرهم على ضوء الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة ، يرى أمرا هائلا من حال القوم وعظيم ما آتاهم الله من الإيمان والحكمة والشجاعة والقوة .
وحين ضن غيرهم بالنفس والمال ، واستثقلوا مفارقة الأهل والولدان ، استرخصوهما في إقامة الدين وتمكين الأمم والشعوب من العيش في آمن ورغد تحت حكم الإسلام ، فلا كان ولا يكون مثلهم ، فهم غيظ الأعداء ، وأهل الولاء والبراء ، وأنصار الدين ، ووزراء رسول رب العالمين .
وقد اصطفاهم الله لصحبة نبيه ونشر دينه ،فأخرجوا من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ،ومن جور أهل الطغيان إلى عدل الإسلام ، وعلى أيديهم سقطت عروش الكفر ، وتحطمت شعائر الإلحاد ، وذلت رقاب الجبابرة والطغاة ، ودانت لهم الممالك ،
وقد اتفق أهل العلم على انهم خير الناس بعد الأنبياء ؛ فقد جاء في الحديث عن عبد الله رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خير الناس قرني ... ))(2) . وافضل الصحابة : أبو بكر ،ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ،وأدلة هذا كثيرة وعامة أهل العلم عل هذا ، وقد جعل الله جل وعلا بقاء الصحابة أمنة للأمة ، فإذا ذهب قرنهم وانقرض جيلهم حلت بمن بعدهم الفتن ، وظهرت البدع ، وفشا الجور والفساد . ففي (( صحيح مسلم ))(3) عن أبي موسى قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ، قال : فجلسنا فخرج علينا فقال : (( ما زلتم ههنا ؟ )) قلنا : يا رسول الله ، صلينا معك المغرب . ثم قلنا : نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال : (( أحسنتم أو أصبتم )) قال : فرفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال : (( النجوم أمنة للسماء ، وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال : (( النجوم أمنة للسماء ، فإذا هبت النجوم الله تعالى السماء ما توعد ، وأنا امنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أمتي ما يوعدون )) .
وهذا دليل على فضلهم ، وعظيم ما دفع الله بهم من البدع والفتن والجور والفساد ، فلا جرم أن جعلهم الله وزراء نبيه وحزب خليله .
قال عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : ( إن الله ينظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ، فوجد قلوب الصحابة خير قلوب العباد فجعلهم الله وزراء نبيه يقاتلون على دينه )(4).
وقال ابن أبي حاتم : ( فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل ، وعرفوا التفسير والتأويل ، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ، وإقامة دينه وإظهار حقه ، فرضيهم له صحابة ، وجلهم لنا أعلاما وقدوة ، فحظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل ،وما سن وما شرع ، وحكم وقضى ، وندب وأمر ونهى وأدب ، ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدين ، وعلموا أمر الله ونهيه ، ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة ، فنفى عنهم الشك والكذب ، والغلط والريبة ، والغمز ، وسماهم عدول الأمة ، فقال عز ذكره في محكم كتابه : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } (البقرة: من الآية 143) ففسر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله : {وسطا } قال : (( عدلا )) ، فكانوا عدول الأمة وأئمة الهد وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة . وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال : { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}(النساء: من الآية 115) (5).
فمن انطوت سريرته على محبتهم ، ودان الله تعالى بتفضيلهم ومودتهم ، وتبرأ ممن أضمر بغضهم ، فهو الفائز بالمدح الذي مدحهم الله تعالى فقال {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10) .
وأما من سبهم ، وانتقص منهم ومن قدرهم ، وحكم على أكثرهم بالردة ، وزعم انهم بدلوا وغيروا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
وها نحن هنا نجلي شيئا من فضائلهم ، ونذكر بعضا من مآثرهم ، مع إيراد بعض الأخبار عن مجموعة منهم ، ثم من سار على منهجهم ، وسميت كتابي هذا : ( سيماهم في وجوههم )) تيمنا بالآية الكريمة ، راجيا الرب تعالى أن يسلكني في سبيلهم ، وأن يحشرني معهم ، وأن يلحقنا بهم في دار الكرامة ، وللصحابة خصائص وصفات فاقوا بها من بعدهم ، وجاوزوا بها غيرهم ، فما هي هذه الخصائص التي فضلوا بها على غيرهم ؟
بلغ الأشواق والحب الصحابة *** سادة القوم وأرباب النجابه
هم حماة الدين أبطال الردى *** بل غيوث البذل بل آساد غابه
حبهم دين ومن يبغضهم *** ربنا في ناره الآخر أذابه
ذب عن أعراضهم إن كنت من *** ضربهم لا تعتدي كل ذبابه
وأطلب الآثار منهم إنهم *** علماء الدين فتواهم أصابه


(1) رواه البخاري [67] ومسلم [1679] عن أبي بكرة ، رضي الله عنه .

(2) رواه البخاري (2652) ، ومسلم (2533)

(3) رقم (2531) .

(4) رواه الإمام احمد [3791] عنه وسنده حسن

(5) انظر كتاب ( الجرح والتعديل )) (1/7).


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-07-2009, 10:57 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

فمن خصائص هذا الجيل :
1- أن الله زكاهم ، ومن بعدهم فإنه يحتاج إلى من يزكيه ، فلا نحتاج معهم لكلام العالم يحيى بن معين ، ولا لأبي حاتم ، ولا لابن حبان ، بل لكلام الله عز وجل ، وهو يزكي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح: من الآية 29)
فهو صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مزكون طاهرون ، زكاهم الله في التوراة والإنجيل ، ثم زكاهم في القرآن ، والله عز وجل قد تكفل بتطهيرهم وتزكيتهم .
وان ابن مسعود ، رضي الله عنه و أرضاه ، يقول عليكم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله نظر في قلوب عباده فوجد قلب محمد أصفاها وأتقاها ، ثم نظر في قلوب الناس فوجد قلوب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أصفى القلوب وأتقاها فاختارهم لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول سبحانه وتعالى :{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(التوبة:88).
والذين جاهدوا معه ، هم : أصحابه ، قتلوا بين يديه ، وقطعوا في بدر وفي أحد لرفع لا إله إلا الله .
وتستمر التزكية العاطرة من الواحد الأحد في كتابه {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً }(الحشر: من الآية 8) . هذا وصف المهاجرين ، خرجوا من مكة ، طردتهم الجاهلية فهم صورة ناصعة .
فمنهم : صهيب بن سنان ، رضي الله عنه وأرضاه ، أخرجوه وطاردوه بالسلام فقال للمشركين : دعوني ، وخذوا كل مالي ، فقبلوا وتكروه ووفد صهيب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل صهيب أسى ، وكله جوع ، وله ظمأ ، وكله سهاد، لكن في سبيل الله ، فلما رأى وجهه صلى الله عليه وسلم قال : (( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )) ، فانزل الله المبايعة فقال : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207) .
وأتى مصعب بن عمير ، ترك لحافه الوثير ، وفراشه الدافئ ، وذهبه وفضته لأمه المشركة العجوز ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه ، وقال : (( والذي نفسي بيده لقد رأيت مصعبا من أغنى أهل مكة )) ثم ترك ذلك كله لله ، ومع ذلك ما كفى مصعبا : أن يترك أمواله ودوره وسكنه ، بل زاد على ذلك بأن قطع جسمه في أحد ، فأتي ببردة لتكون كفنه ، فكانوا إذا غطوا رآه بدت رجلاه ، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه ، فبكى صلى الله عليه وسلم مرة آخر عند هذا الجثمان .
قال سبحانه وتعالى : {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}( الحشر : من الآية 8 ).
هذه ميزة للصحابة {وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، أولئك هم الصادقون .
ثم التفت الخطاب إلى الأنصار {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } (الحشر: من الآية 9).
قال تعالى : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (الفتح:18) .
قال أهل التفسير : فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص .
وقال غيرهم فعلم ما في قلوبهم من الحب لله .
والصحيح : علم ما في قلوبهم من الخير .
يقول بعض الأدباء : كأني بالصحابة ،أي مشاعر عاشوها ؟ يسمعون نداء الله من فوق سبع سماوات يقول لهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ويقول سبحانه : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ }(التوبة: من الآية 100).
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجي في الأول
الأولون ، يوم الفقر والعوز ، يوم الشدة ، يوم التهديد ، يوم تقف الجاهلية كلها ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ، يوم تهدده الكرة الأرضية ، تهدده اليهودية والنصرانية والصابئة والمجوس ، فيقف معه أبو بكر وعمر ، والصفوة الأولى .
قم يقول سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100) وهو خير من فوز الدنيا وما فيها .
أما الأحاديث في فضلهم ، رضوان الله عليهم ، فكثيرة . منها ما جاء من حديث عمران بن الحصين ، رضي الله عنهما ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )).
فهم خير القرون أبدا ، ومن طعن فيهم فهو علامة البدعة والرجس والخبث والهوى ، علامة الجهل بأمر الله سبحانه وتعالى .
وثبت من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ، فإن أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )).
وفي الحديث : (( الله الله في أصحابي ، لا تتخذوا أعراضهم غرضا ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم )).
ولذلك عقد البخاري في الصحيح ( باب ) : آية الإيمان حب الأنصار .. وآية النفاق بغض الأنصار .
فمن خاف في إعراض الصحابة أو تعرض لهم ،فواجب تأديبه ، والأخذ عل يديه ، وهو سفيه ، لأن الله تعالى مدحهم وأثنى عليهم وزكاهم .
وثبت في (( صحيح مسلم )) عن عروة قال : قالت لي عائشة : يا ابن أختي ، أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم .
قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10) .
قال ابن تيمية : لا يجوز أن يدفع الفيء إلى الرافضة ؛ لأنهم لم يقولوا { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ } (الحشر: من الآية 10) .
وقال صلى الله عليه وسلم ، وهو يرفع طرفه إلى السماء : (( النجوم آمنة السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمنة لأصحابه من الفتن . ولذلك لم تظهر البدع إلا بعد موتهر صلى الله عليه وسلم ، والصحابة أمنة للأمة لما حموله من الآثار ، وما صدقوا فيه من الأخبار ، ولما قدموا فيه الانتصارات الباهرة .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : من كان مستنا فليستن بالميت ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .
قال بعض الشعراء يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد *** تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا *** إياك نعبد من سلسألها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا **** جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم *** من غير ترجمة زيحت له السجف

2- من الخصائص : أنهم يهتمون بأعمال القلوب أكثر من اهتمامهم بأعمال الجوارح ، لا لأنهم مقصرون في أعمال الجوارح ، لكن ليسوا كتقصير الأجيال الحالية يوم اهتمت بأعمال الجوارح وتركت أعمال القلوب ، إلا من رحم الله ، فتجد في المتأخرين من يهتم بأمر السنة في الظاهر فيطلق لحيته ، وهذا لابد منه ،ويقصر ثوبه ، وهذا لابد منه، وتجده يتفنن في إيراد السنة على مظهره ، ولكن قلبه محشو من الكبر والعجب والرياء والحسد .
فأما الصحابة فقد صفى الله قلوبهم من هذه الأمراض فلا تجد منهم حسدا ولا كبرا ولا رياء ؛ لأن الله اصطفاهم مخلصين ، وصفاهم سبحانه وتعالى بالمحن والزلازل والفتن إلى درجة أن جعلهم عبادا له خلصا ، رضوان الله عليهم .
عن قتادة قال: سئل ابن عمر هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟
قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال .
كانوا يضحكون كما يضحك الناس ، وكانوا يتمازحون ، ولحياتهم بساطة ويسر وسهولة .
لكن إذا وصلت التضحية قدموا رؤوسهم على أياديهم ، وسلوا سيوفهم في سبيل الله .
وهذا أمر يفوت الكثيرين ، حتى تجد الناس يتكلمون في الأمور الظاهرية ، بينما يتركون الأمور الباطنية التي هي من أعمال القلوب . فانك الآن لو سمعت بشارب خمر لقامت الدنيا وقعدت ،ولم تسكن ، بينما يوجد في الناس من يحسد ، ومن يتكبر على عباد الله ، لا يفعل الكبائر الظاهرة ، فيبدو عند الناس من أهل الصلاح .
فالصحابة كانوا مجردين له في بواطنهم ، قد أخلصوها للواحد الأحد .
قيل لابن عمر ، رضي الله عنهما ، وهو محرم : ألم تسمع ما يقول هذا الشاعر – شاعر يتغنى وهو محرم ؟
قال : ماذا يقول الشاعر ؟
قالوا : يقول :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما *** حج الحجيج وعاد يقصد زمزما
لو أن بيت الله كلم عاشقا *** من قبل هذا كاد أن يتكلما

فهذا حاج محرم ،رأى هذه الجميلة فضيع الأركان والطواف والسعي ، وأخذ يتغزل !
قال ابن عمر : سبحان الله ! والله الذي لا إله إلا هو ، ما دخلت الحرم إلا ونسيت الدنيا .
3- من الخصائص : سلامتهم النفاق العملي والاعتقادي ، فلا تجد صفات المنافقين فيهم ؛ مثل : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر .
بينما تجد من يقوم الليل في المتأخرين ، أو من يصوم الاثنين والخميس ، أو من يقرا القرآن ويختمه كل أسبوع ،أو من يكثر من التسبيح ، توجد فيه بعض هذه المسائل ، فالصحابة خصهم الله بان برأهم من النفاق الاعتقادي والعملي .
قال ابن أبي ملية : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : انه على إيمان جبريل وميكائيل .
فخوف الصحابة من النفاق لعلهم مبرئين منه .
أما المتأخرون فتجدهم يبرئون انفهم بأنفسهم ، حتى تجد الواحد منا إذا قلت : بأنك منافق غضب وأرعد ، وقد يكون منافقا حقيقيا لكن مع ذلك لا يرضى بهذا ، ويغضب عليك ، حتى يقول الحسن : ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق .
والمعنى : ما خاف النفاق إلا مؤمن ، فإذا رأيت الرجل يخاف من الرياء ، ويخاف النفاق ، ويخاف أن يكون مشركا ، فاعلم انه قريب من الله ، إما من يأمن من مكر الله فهو مخذول لا محالة .
وفي الحديث أن عمر ، رضي الله عنه و أرضاه ،قال لحذيفة بن اليمان: يا حذيفة ، أسالك بالله أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ؟
قال : لا ، ولا أزكي أحداً بعدك .
4- ومن الخصائص : جهدهم المنقطع النظير في الدنيا ، قد يأتي أفراد في الدنيا يكونون في الزهد على درجة عالية ، لكن الزهد الجماعي الذي عاشه الصحابة، والتخلي عن ملذات الدنيا ، وطلب رضوان الله عز وجل ، وطلب ما عند الله عز وجل أمر عظيم ، وفي حديث أبي هريرة المشهور ، قال : صليت المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف الناس تعرضت لعمر بن الخطاب ما بي إلا الجوع ، الجوع الشديد الذي كان يصيب أبا هريرة ، حتى يقول : والذي نفي بيده لقد كنت اصرع بين المنبر وبين بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع ، فيظن الناس أن بي مسا من الجنون !
قال : فتصديت لعمر فسألته عن الآيات من أواخر سورة آل عمران فتلاها .
قال : فتصديت لأبي بكر وسألته عن الآيات .
قال : اعرفها ، فتلاها علي
فخرج صلى الله عليه وسلم فتصدى له أبو هريرة ، فسأله عن الآيات من آخر سورة آل عمران ، فضحك صلى الله عليه وسلم ، ثم اخذه بيده ودخل على إحدى زوجاته .
فقال : أعندكم طعام .
قالت لا ، إلا شيء من لبن أرسله لنا بنو فلان من الأنصار .
قال : يا أبا هريرة ،أطلق إلى أهل الصفة فتعال بهم .
قال أبو هريرة لنفسه :ماذا يصنع هذا اللبن مع أهل الصفة ؟ وهم فقراء بالعشرات في المسجد ، وماذا يبقى لي ، قال : فاخذوا أماكنهم.
قال صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا هريرة ، خذ الكوب وناول الناس )) ، فيأخذ الإناء يملؤه ويعطيهم واحدا واحداً ، حتى رووا من اللبن .
قال : (( يا أبا هريرة ، بقيت أنا وأنت )) .
قال : صدقت ، يا رسول الله .
قال : (( اشرب )) .
والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم .
فشرب ، قال: (( زد )) ، فشرب ، قال : ( زد)) ،فشرب قال : (( زد )) .
قال : والذي نفسي بيده ، يا رسول الله ، لا أجد له مسلكا .
رأى ابن عمر رفقة من أهل اليمن ، رحالهم الجلود الممزقة القديمة ، فقال : من أحب أن ينظر إلى شبه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء .
وعن عائشة قالت : مات أبو بكر فما ترك دينارا ولا درهما ، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال .
وفي سيرة أبي بكر ، رضي الله عنه : انه ترك بغلة وثوبين ، فدفعهما إلى عمر ، وكتب له سطرين ، قال : يا عمر ، قد وليتك امر أمة محمد ، فاتق الله ، لا يصرعنك الله مصرعا كمصرعي .
فلما وصلت عمر جلس يبكي ، ويقول : أتعبت الخلفاء بعدك ، يا أبا بكر .
وفي (( كتب السير )) أن سعد بن أبي وقاص لما فتح المدائن وجد المائدة الكبرى ؛ مائدة انو شروان ، مائدة مرصعة بالذهب والزمرد واللؤلؤ والدر .
فحملوها على الرؤوس ، ووضعوها على جمل ، وأرسلوها لعمر .
فلما رآها عمر بكى ، وقال : والذي نفسي بيده ، إن رجالا بلغوها اياي لأمناء .
فهذا زهدهم ، رضي الله عنهم ، الذي ميزهم عن غيرهم .
5- من الخصائص : علم اليقين ، فهم ارفع من كل الطبقات والقرون بعلم اليقين أي : انهم يعبدون الله بعلم اليقين ،فالواحد منهم في الصباح يذهب إلى المعركة ، ويقول لأهله : استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
قالوا : تعود إلينا ؟
قال : والله ، لا أعود ، أريد جنة عرضها السماوات والأرض .
ابن رواحة يقول له الصحابة : يا ابن رواحة عد لنا بالسلامة .
قال لا ، لا أريد أن أعود .
قالوا : لماذا ؟
قال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي *** يا ارشد الله من غاز وقد رشدا

ذكر عن علي ، رضي الله عنه وأرضاه ، انه قال : والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء ما زدت على ما عندي من إيمان حبة خردل .
ونحن عندنا الظن ، يعني : نصدق بأن هناك جنة ، لكن أعمالنا وتطبيقنا وصلاحنا لا يدل على هذا .
ومن الناس من وصل إلى حال مناقض لحال الصحابة ، فلم يعد يبصر إلا المادة .
يقول أحدهم وهو المتنبي
خذ ما رأيت ودع شيئا ودع شيئا سمعت به *** في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
أي : تعجل شهوات ، ويقول آخر :
لبست ثوب العمر لم استشر وتهت فيه بين شتى الصور
فما أطال النوم عمرا ولا *** قصر في الأعمار طول السهر
يقول : اشرب ، وكل ، واعص الله ، فانك لا تدري ما النتيجة تخرج ، أو لا تخرج من هذه الدنيا !!
فالصحابة كانوا يعبدون الله على علم اليقين .
6- من الخصائص اهتمامهم باجتماع الكلمة ، ونبذ الفرقة فإن الله سبحانه وتعالى ذم الخلاف ، ونهى عن التفرق ، فقال )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: من الآية 103) ، وقال سبحانه وتعالى : {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) ، فالصحابة كانوا يحرصون على اجتماع الكلمة ، وكانوا نصحة .
فعن سليم بن قيس العامري ،قال : سأل ابن الكوا – أحد الخوارج – عليا عن السنة والبدعة ، وعن الجماعة والفرقة .
فقال : يا ابن الكوا ، حفظت المسالة ، فافهم الجواب : السنة ، والله ، سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، والبدعة ما فارقها ، والجماعة ،والله ، ما اجتمع عليه أهل الحق ، وان قلوا ، والفرقة ما فارق ذلك ، واجتمع عليه أهل الباطل .
وجاء رجل إلى علي ، رضي الله عنه ، فقال : يا ابن أبي طالب ، أتدري أن أولئك على باطل وأنت على حق ؟
قال : ويل ، اعرف الحق تعرف أهله ، ولا تعرف الحق بالرجال .
فكانوا يحرصون على اجتماع الكلمة .
ومن ذلك : ما جاء عن قتادة قال : لما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى بمنى أربعا استرجع ،ثم قام فصلى أربعا .
فقيل له استرجعت ثم صليت أربعا .
قال : الخلاف شر ، الخلاف شر .
فكانوا ، رضي الله عنهم ، احرص الناس على الائتلاف ونبذ الفرقة .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-07-2009, 10:58 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

7- من الخصائص : أنهم أهل السنة والجماعة أهل التضحيات الكبرى ، فبالله لا تذكر للناس سجلي ، ولا سجلك فيما قدمنا للإسلام ، فلي عندنا شيء .
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
فليس لنا سجلات من العمل الإسلامي ، كالصحابة رضوان الله عليهم ، لكن الصحابة يكفيك أن تنظر لترجمة الواحد منهم لترى التضحيات .
قالوا : حضر إحدى وعشرين غزوة ، وقالوا عن الثاني : وقطعت يده في اليمامة .. وقالوا عن الثالث : قتل أبناؤه الأربعة في القادسية ، فكل منهم كما قال النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب

8- من الخصائص : إنهم كانوا لا يتكلفون في كل أمورهم ، فلا كلفة في الملبس ولا كلفة في الأكل والشرب والمعيشة ، ويأتي على رأس ذلك ترك التكلف في مسائل العلم .
فلم يكونوا يتعنتون في البحث ، والتنقير عن كل مسالة ، إلا ما ينفعهم فيدنياهم وأخراهم .
أما غيرهم فقد انشغل بالقول وترك العمل ، انشغل بالتنقيب عن قضايا تضحك أصحاب العقول . قديما وحديثا .
فقديما ، بحثوا عن لون كلب أهل الكهف ! وبحثوا عن ألوان الطيور التي ذبحها إبراهيم عليه السلام !
هذه بعض خصائص الصحابة ، رضوان الله عليهم ، ولهم أمور معطرة أخرى ذكرها الله في كتابه ، وذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم واهل العلم ، لكن معي ومعك شيء واحد أذكرك به .
يقول صلى الله عليه وسلم : (( المرء يحشر مع من أحب ))(6).. وإنا نحن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ، ولم نعمل بعملهم ، اللهم فاشهد أنا نعلم إننا لم نعمل كأعمال أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم ، ولم نبذل كبذلهم ، ولم نصدق كصدقهم ، ولم نضح كتضحيتهم ، لكن يا رب نحبهم .. يا رب نحبهم .. يا رب نحبهم .
أسالك أن تنفعنا يوم العرض الأكبر بهذا الحب ، وأن تحشرنا معهم بهذا الحب ، وأن تجمعنا بهم في جنات ونهر ،في مقعد صدق عند مليك مقتدر بهذا الحب ، فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .


د. عائض بن عبد الله القرني
الرياض

(6) رواه البخاري (6167) ، ومسلم (2639) عن انس بن مالك ، رضي الله عنه .


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-07-2009, 10:58 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

سيماهم في وجوههم

وهؤلاء ثمانية نماذج من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ الذين أعلنوا إسلامهم ، وهداهم الله من الضلالة وبصرهم من العمى ، و أخرجهم من الظلمات إلى النور {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(الجمعة:2){أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 22) {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}(الأنعام : من الآية 125) {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30) {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء:101)
{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (الأنبياء:102).

هؤلاء الثمانية الأبطال : أناس عاشوا الشرك والكفر والوثنية ، ثم هداهم الله ، فأسلموا وآمنوا :
1- عمير بن وهب المفاجأة الكبرى.
2- الطفيل بن عمرو الدوسي الداعية العملاق .
3- عمرو بن العاص مكسب للإسلام.
4- ثمامة بن أثال بطل المغامرة.
5- ضمام بن ثعلبة صاحب المسائل العقدية .
6- عبد الله بن سلام شاهد من بني إسرائيل .
7- عكرمة بن أبي جهل الراكب المهاجر.

*********************************************

عمير بن وهب
أما عمير بن وهب ، فقد كان وثنيا مشركا ، لا يعرف الله ، بل كفر بلا إله إلا الله محمد رسول الله .
أسلم كثير من كفار قريش ، أما هو فأبى أن يسلم .
قتل أقاربه في بدر ، فاجتمع هو وصفوان بن أمية عند البيت العتيق ، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة لا يعلم عنهما شيئا ، لكن الله تعالى يعلم .
اجتمعوا تحت الميزاب ،وتشاوروا في مناجاة ؛ لا يسمعهم ثلاث إلا الله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } (المجادلة: من الآية 7) .
قال عمير لصفوان : وددت أن أحداً يكفل أهلي ومالي ، وأذهب إلى محمد في المدينة فأقتله .
فقال صفوان : أنا اكفل اهلك ، وأقوم بأطفالك : الدم دمي والهدم هدمي .
قال : فاكتم هذا الأمر .
قال : أكتمه.
قال : فإني ذاهب إلى محمد ، وأقول للنا : إني أريد الاسارى ، يعني : أرى أهل بدر ، وكانوا سبعين اسيرا في المدينة ، ولا تخبر أحداً .
لكن علام الغيوب الذي لا يخفى عليه خافية علم .
ذهب عمير بن وهب ، فأخذ سيفه فسمه بالسم الأزرق ، حتى اصبح السيف ازرق من السم .
وخرج يمضي في الليل ، ووصل إلى المدينة قبل الغروب ، فرآه عمر بن الخطاب ، وعمر قد أوتي فراسة الإيمان ، يلتقط بعينه الشياطين من رؤوس الملاحدة .
فقال للصحابة : إني أرى الشيطان متقمصا هذا الرجل ، يعني : عمير بن وهب ، فأقبل عمر منه ، وقال : إلى أين يا عمير ؟
قال عمير : أتيت الأفادى الاسارى من محمد .
فمسكه بقميصه ، وثيابه ، وأخذ يقتاده إلى محمد صلى الله عليه وسلم رهينة .
السيف مع ذاك ، لكن الله مع عمر ، والموت مع ذاك . ولكن الحق مع عمر .
فأخذه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده سلاح ، وعمير معه سيف مسموم ، ولكن :
عناية الله أغنت عن مضاعفة *** من الدروع وعن عال من الاطم
قال صلى الله عليه وسلم : (( يا عمير ، ماذا جاء بك ))؟
قال : أتيت من أجل قرابة لي أسرتهم يوم بدر أفاديهم .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( لا ، والذي نفسي بيده ، إنك جلست أنت وصفوان بن أمية ليلة كذا في يوم كذا تحت ميزاب الكعب فقلت لصفوان : وددت إني اقتل محمدا لكن أهلي وأطفالي ، فقال لك صفوان : اذهب وأنا أكفيك الأطفال ، فسممت سيفك شهرا ، ثم أتيت لتقتلني ، وما كان الله ليسلطك على ذلك )).
فقام عمير وقال : اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله(7) {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} (الطور:15) ؟.
أكهانة هذه ، أم هو الحق الصراح ؛ الذي أتى به الوحي مع جبريل عليه السلام {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}(لنجم:1)
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}(لنجم:2) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (لنجم:3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (لنجم:4)
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (لنجم:5) .

وفي قصة عمير دروس :
وقال ابن عمر : كنا نتحدث أن السكينة تنزل على لسان عمر .
الثاني : علم الله وسعته {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام:59)
الثالث : معجزة له صلى الله عليه وسلم ، وقد علمه الله .
الرابع : أن من ادعى علم الغيب ، فقد كذب إلا الأنبياء والرسل {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النمل:65)
الخامس : فضيلة لعمير ؛ لأنه عندما علم الحق أذعن له وأسلم ، ولم يكابر ، فأصبح بطلا من أبطال الإسلام .

(7) أنظر القصة في (( الإصابة )) (6053 ).


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-07-2009, 11:03 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

الطفيل بن عمرو
أما العلم والبطل الثاني فهو الطفيل بن عمرو الدوسي : وهو من دوس زهران ، من السراة سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ، فركب جمله ، وأخذ متاعه ، ولبس ثيابه.
وكان الطفيل شاعرا مجيدا ، وخطيبا فصيحا ، يعرف جزل الكلام من ضعيفه .
وصل إلى مكة ، ولكن الدعايات المغرضة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم تتحرك من المشركين لتشويه سمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقول المريض ، والتعليقات المرة .
دخل مكة ، فلقيه كفار قريش .
فقالوا : إلى أين يا طفيل ؟
قال : أريد هذا الذي يزعم انه نبي
قالوا : ما أشبه ذلك تريد ؟
قال : أريد أن اسمع كلامه ، إن كان حقا اتبعته ، وإن كان باطلا تركته .
قالوا : إياك وإياه ، إنه ساحر ، انه شاعر ، انه كاهن ، انه مجنون ، أحذر لا تسمع كلامه .
قال الطفيل : فوالله ، ما زالوا بي يخوفونني حتى أخذت القطن فوضعته في اذني .
لكن الحق أقوى من القطن ، والقران ينفذ من خلال القطن إلى القلب .
قال : ودخلت الحرم يوما ، والقطن في أذني لا اسمع شيئا .
لكن أراد الله عز وجل أن يفتح أذنيه ؛ لأن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب ، لكن كما قال سبحانه : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (لأعراف:179)
أتى فرأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : فلما رأيت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب .
لو لم تكن فيه آيات مبينة *** لكن منظره ينبئك بالخير
وجه الكذاب تعرفه ، ووجه الخمار تعرفه ، ووجه تارك الصلاة تعرفه ، وهكذا وجه المصلي والصادق تعرفه ، وأصدق الصادقين وخير الناس أجمعين : محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الطفيل : فسمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ ، لكن لا اسمع ؛ لأن في أذني القطن ، فقلت لنفسي : عجبا لي ، أنا رجل شاعر فصيح ، اعرف حسن الكلام من قبيحه ، لماذا لا أضع القطن ، فإن سمعت الكلام طيبا وإلا تركته ؟!
فوضع القطن ، وهذه هي الخطوة الأولى .
وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات القرآن .
فلما سمع الكلام وقع في قلبه .
هل يستطيع ملحد ، إن كان عنده عقل أن يسمع {طه} (طـه:1) {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (طـه:2) {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (طـه:3)
ولا يؤمن ؟
من يستطع أن يسمع {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (قّ:1){بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} (قّ:2) ولا يسلم ؟
قال : فلما سمعت الكلام ، تقدمت ، وقلت : عم صباحا ، يا أخا العرب.
هذه تحية جاهلية ، وهي ملغاة عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل .
وقد كانت تقال في الجاهلية : عم صباحا ، ولذلك يقول امرؤ القيس :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في الأعصر الخالي
فقال صلى الله عليه وسلم : (( أبدلني الله بتحية خير من تحيتك )) .
قال : وما هي ؟
قال : (( أبدلني الله بتحية خير من تحيتك )) .
قال : وما هي ؟
قال : (( السلام عليكم ورحمة الله )) .
ما أحسن الكلام !
فقال : السلام عليكم .
فرد عليه .
قال : من أنت ؟
قال : (( أنا رسول الله )) .
قال : من أرسلك ؟
قال : (( الله )) .
فقال الطفيل : إلى ماذا تدعو ؟
فأخبره وقرا عليه شيئا من القرآن .
قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله (8).
ثم قال : يا رسول الله ، أنا من دوس ( هو سيد قبيلة دوس ) .
فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعود داعية إليهم .
فعاد داعية إلى دوس ؛ فلما وصل إليهم قال : هدمي من هدمكم حرام ، ودمي من دمكم حرام ، حتى تؤمنوا بالله ، فكفروا ، وأعرضوا ، وغلبهم الزنا .
فأتى مرة ثانية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، غلب على دوس الزنا ، وكفروا بالله ، فادع الله عليهم ، يا رسول الله . أي : أن يسحقهم ويحطمهم ، ويجعلهم شذر مذر .
لكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان كما قال الله : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: من الآية 159) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128)
فرفع يديه صلى الله عليه وسلم ، يريد أن يدعو لهم ، فظن الطفيل انه يدعو عليهم .
فقال الطفيل : هلكت دوس .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ))(9).
ثم قال : يا طفيل ، اذهب إلى دوس ، فادعهم إلى الإسلام ، ومن ألم معك ، فقاتل به من كفر ، فذهب ، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية .
فسال له فوقع نور في جبهته يضيء له في الليل .
أضاءت لهم أحابهم ووجوههم *** من الليل حتى نظم الجذع ثاقبه
قال : يا رسول الله ، أخشى أن يقولوا : في مثلة ( أي : مرض ) فادع الله أن يحول عني هذا النور ، فحوله إلى العصاء ، فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران .
فلما وصلهم ، كانوا قد تهيؤوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال: (( أدعوكم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله )) ، ثم أراهم الآية .
فاسلموا جميعا ودخلوا في دين الله أفواجا ، فسبحان من يهدي .
وأتى بهم ، رضي الله عنه وأرضاه ، في موكب عظيم ، ود
ودخل بهم بعد الهجرة إلى المدينة في جيش عرمرم ، حتى ثار الغبار من رؤوسهم ، وكلهم ف يميزان الطفيل .
وكان من حسناته : أبو هريرة ،صاحب الحديث ، وأستاذ المحدثين في الإسلام ، وابر حافظ في الأمة المحمدية ، والراوية العملاق ، رضي الله عنه و أرضاه .
واستمر الطفيل يدعو ، ويجاهد ، وكان قد باع نفه من الله ، حتى قتل في اليمامة شهيدا {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}(الفجر:27)
{ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (الفجر:28)
{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر:29)
{وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:30)
وفي قصة إسلام الطفيل دروس :
أولها : أن تحية أهل الإسلام : (( السلام عليكم )) ولا تستبدل بغيرها .
الثاني : أن على الداعية أن يعرض القرآن ، ولا يستبدل به في دعوته كلاما آخر .
الثالث : أن على الداعية ألا يستعجل ، وان يكون حليما صبورا ، واسع الصدر ، لعل الله أن يهدي به .
الرابع : أن الله أيد رسوله صلى الله عليه وسلم بمعجزات .
الخامس : إثبات أهل السنة للكرامات التي للأولياء ، فإن من كرامات الأولياء : ما وقع للطفيل .
السادس : أن من دعا إلى خير ، والى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، وبالعكس : من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة
السابع : أن الله تعالى يكرم عباده بالشهادة ، وقد أكرم الطفيل بذلك .

(8) أنظر القصة في (( سيرة ابن هشام )) (1/382).

(9) متفق عليه


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-07-2009, 11:04 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

عمرو بن العاص

أما الرجل الثالث ، فهو عمرو بن العاص داهية العرب : الذي كان إذا رآه عمر بن الخطاب ، قال : رمينا ارطبون الروم بارطبون العرب .
كان عمرو بن العاص دقيقا قصيرا ، لكن كله عقل وذكاء يتوقد .
وجاء عن عمر انه كان إذا رآه يقول : ليس لأبي عبد الله أن يمشي إلا أميرا .
روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( بنو العاص مؤمنان عمرو وهشام )) والحديث هذا صحيح(10) .
تأخر في الإسلام ، رضي الله عنه و أرضاه ، فرافقه إلى المدينة عثمان بن أبي شيبة ؛ من بني عبد الدار وخالد بن الوليد ، فلما اقتربوا من المدينة ، قال عمرو لهم : دعوني حتى أقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن لي ذنوبا اعتذر منها .
فتركوه .
فاقبل عمرو ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم هش وبش في وجهه ، وقام له فأجلسه بجانبه .
قال : يا رسول الله ، أريد أن اسلم ابسط يدك لأبايعك .
فبسط يده صلى الله عليه وسلم ، فقبض عمرو يده .
قال صلى الله عليه وسلم : (( ما لك يا عمرو )) ؟
قال : اشترط .
قال : (( ماذا تشترط )) ؟
قال : اشترط أن يغفر الله لي ذنبي .
قال : (( أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما قبله وان التوبة تجب ما قبلها )) ؟
قال عمرو : فأسلمت ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، ما كان أحد احب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما ملأت عيني بعد الإسلام منه إجلالا له ، والله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه.
فاسلم ، وأصبح من دهاة الناس ، عظيما من العظماء ، ينفع الله به هذا الدين ، ويقود كتائب المسلمين .
وله مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
في ترجمته أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يتألفه في أول أيام الإسلام ، فخطب صلى الله عليه وسلم فكان ينظر إلى عمرو ولا ينظر إلى الناس يتألفه بالنظر .
قال عمرو : فتوهمت إني أفضل الناس .
فلما انتهت الخطبة قلت : يا رسول الله من أفضل – ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيقول : عمرو بن العاص !..
قال : (( أبو بكر )) .
قال : ثم من ؟
قال : (( عمر )).
قال : ثم عدد رجالا ، فوددت أن الأرض خسفت بي(11).
قال عمرو : أرسلني صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتيت لأتهيأ ، وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنا لا أريد المال أريد الجهاد في سبيل الله ، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال : (( يا عمرو نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح ))(12).
وصح انه خرج في غزوة ، وكان قائدا على ابي بكر وعمر ، وعلى أمثالهما من الصحابة ، فأصابته جنابة في ليلة شاتبة .
فترك الماء ، لأنه ما استطاع أن يغتسل به فتيمم وصلى بهم .
فشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( يا عمرو أصليت بأصحابك جنبا )) ؟
قال : يا رسول الله إن الله يقول :{ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء: من الآية 29) يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ! .
فتبسم صلى الله عليه وسلم وسكت (13).
والتبسم عند أهل الحديث : إقرار ، فإذا تبسم صلى الله عليه وسلم ، وسكت فسكوته : إقرار ، : اقره على ما فعل ، رضي الله عنه وأرضاه .
وفي إسلامه دروس :
أولا : أن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب والخطايا ، ولو كانت كالجبال إذا كانت صادقة نصوحا ، وأن الإسلام يهدم ما قبله من الخطايا فلا يعاتب العبد إذا أحسن على ما فعل في الجاهلية .
الثاني : أن علي الداعية أن يتألف القلوب بنظرة أو كلمة حانية .
الثالث : المبايعة بالأيدي ، وأنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم
الرابع : حبه صلى الله عليه وسلم وما كان له من منزلة في قلوب الصحابة .
الخامس : أن الناس يوزنون بميزان قوله – سبحانه وتعالى -:{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (الاحقاف:16)
السادس : أن الإنسان يقدر ببلائه في الإسلام .
السابع : أن الدهاء يستخدم لإعلاء كلمة الله ، ولا باس به ، وإذا استخدم لإضرار المسلمين فهو خبث ونكاية ونفاق ، والعياذ بالله .

(10) صحيح ، رواه أحمد (2/304 ، 327) ،والبخاري في (( التاريخ الكبير )) (6/303) ، والنسائي في (( فضائل الصحابة )) (195) ، والحاكم (3/268) ، والطبراني في (( الأوسط )) (7/28) ، وابن أبي عاصم في (( الأحاد والمثاني ))(2/99) ، جميعا من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة به . وصححه الحاكم عل شرط مسلم ، وأقره الذهبي ، وانظر (( مجمع الزوائد )) (9/352).

(11) متفق عليه .

(12) صحيح ، اخرجه الطيالي (1061) ، وابن أبي شيبة (22182) ،وأحمد (4/202) ، والبخاري في (( الأدب المفرد )) (299) ، وأبو يعلى (7336) ، وابن حبان (3211- إحسان ) ، والحاكم (2/2) ، جميعا من حديث موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص به . وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، فرجاله كلهم ثقات على رسم مسلم في (( صحيحه )).

(13) صحيح ، رواه أحمد (4/203) ، وصححه الألباني في (( الإرواء )) (154).


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-07-2009, 11:04 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

ثمامة بن أثال
أما الرجل الرابع ، فهو : ثمامة بن أثال ؛ سيد بني حنفية ، وبنو حنيفة منهم : مسيلمة الكذاب ، ومنهم : ثمامة بن أثال .
ثمامة بن أثا كان يسكن في حصن له في ارض بني حنيفة في نجد ، وفي ليلة من الليالي سمع الرسول صلى الله عليه وسلم أن ثمامة هذا يريد أن يغزو المدينة .
فقال صلى الله عليه وسلم ، فيما يروى عنه : ( بل أنا اغزوه إن شاء الله )) .
أي : قبل أن يتحرك من هناك نرسل له من يغزوه .
فأرسل له صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في كوكبه وفي سرية .
فأخذ خالد سيفه وخيله ، ومشى بالأبطال إلى وادي بني حنيفة في نجد .
وفي إحدى الليالي قال ثمامة لزوجته : أنا لا اخرج هذه الليلة للصيد أبدا ؛ لأنه شعر بشيء .
لكن الله إذا أراد شيئا اتمه { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}(لأنفال: من الآية 17).
قال زوجته : لم ؟
قال : أتوجس ، أي : أتاني خوفا لا ادري ما سببه .
فمكث في حصنه وقصره ، والأبواب مغلقة عليه ، لكن أراد الله أن يخرجه لخالد ليأسره ويذهب به إلى المدينة ، فأرسل الله له الغزلان والظباء تلك الليلة حتى كانت تنطح باب الحصن .
فقالت زوجته وهو في ضوء القمر : عجيب أمرك كل ليلة تطارد الغزلان ، ولا تجدها ، واليوم أتت تناطح أبوابنا ، انه لمن العجز أن تتركا .
فأخذ القوس والأسهم ، وأتى وراء الغزلان، ففتح الباب ففرت الغزلان قليلا ، ففر وراءها ، فدخلت حديقة ، فدخل وراءها ، فخرج ، فخرج من الحديقة .
فلما أصبح في الصحراء ، وإذا بخالد يطوقه .
قال : من أنت ؟
قال : خالد بن الوليد ، إن كنت لا تعرفني تعرفني الليلة .
قال : ماذا جاء بك ؟
قال : سمعنا انك تريد أن تغزو يثرب ، وقد أرسلني صلى الله عليه وسلم إليك .
قال : من اكلم ؟
قال كلم رسول الله في المدينة ، فركب معه واتى به أسيرا
مشدودا . والحديث في (( الصحيحين )) ، وقال البخاري ( باب ) ربط الأسير في المسجد من حديث أبي هريرة .
فدخل خالد بهذا الأسير وربطه في سارية المسجد لثلاث مسائل :
أولها : أن هذا إهانة للأسير المشرك .
الثاني : لعله أن يرى صولة الصحابة وجولتهم، فيراهم وقد تجمعوا في المجد ، وقد اهتدوا فيهتدي .
الثالث : لعله أن يسمع الوحي والقرآن والصلاة إذا صلى صلى الله عليه وسلم فيتأثر .
فربطه في سارية المسجد .
فأتى صلى الله عليه وسلم للصلاة ، فقال : (( أسلم يا ثمامة )).
قال ثمامة : يا محمد ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر .
يقول : إن قتلتني فإن دمي لا يضيع فأنا سيد قبيلة ، فورائي أبطال يأخذون بدمي ، وإن عفوت عني وأطلقتني فسوف تجد الجميل عندي محفوظا .
فتركه صلى الله عليه وسلم .
فكان صلى الله عليه وسلم خلال ثلاثة أيام كلما أتى إلى الصلاة قال(يا ثمامة أسلم))
فيعيد قوله .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( أطلقوه )) .
فأطلقوه ، فذهب إلى نخلة من نخل المدينة ، فأخذ ماء فاغتسل ثم دخل المسجد ، وقال : اشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله .
فقال له صلى الله عليه وسلم: (( ولماذا لم تسلم وأنت في القيد )) ؟
قال : أخشى أن تتحدث العرب إني أسلمت ذلا ؛ لأنه سيد من السادات .
قال : يا رسول الله ، إن شئت أن امنع حنطة اليمامة عن قريش فعلت .
قال : امنعها عنهم .
فذهب يعتمر ، فقال له كفار قريش : هيه ، يا ثمامة صبأت مع محمد .
قال : والله ، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة .
فقيدوه ، فخرج من القيد ، وفر إلى اليمامة ، فضرب حظرا اقتصاديا عليهم فما وصلتهم حبة (14)

وفي قصته دروس :
أولا : جواز إدخال الكافر المجد للحاجة .
الثاني : التمهل بالكافر ثلاثة أيام لعله أن يهتدي .
الثالث : التضييق على الكافر لعله أن يهتدي أو يخاف .
الرابع : استخدام أهل الوجاهات وإنزالهم منازلهم .
الخامس : الغسل للكافر .





رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24-07-2009, 11:05 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

ضمام بن ثعلبة
وأما الرجل الخامس ، فهو : ضمام بن ثعلبة : وحديثه في (( الصحيحين )) .
سمع بداع للرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الإسلام ، فاطمأن قلبه ، فأخذ ناقته ، وركبها ووفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأتى ، والصحابة مجتمعون في المسجد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من هديه أن يتكئ أحيانا على الميسرة ، وأحيانا على الميمنة ، فيأتي الأعرابي والغريب فلا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم
فأتى هذا الرجل ، فعقل ناقته في طرف المسجد ، وجاء بعصاه يتخطى الصفوف ، وقال : أين ابن عبد المطلب ؟ أي : محمد صلى الله عليه وسلم !!
فأتى هذا الرجل ، فعقل ناقته في طرف المسجد ، وجاء بعصاه يتخطى الصفوف ، وقال : أين ابن عبد المطلب ؟ أي : محمد صلى الله عليه وسلم !!
وهو ابن عبد الله ، لكن كان جده عند العرب أشهر ؛ لأنه كان سيدا مطاعا .
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حنين :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
قال للصحابة : أين ابن عبد المطلب ؟
قال الصحابة : هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق . ( الأمهق : المشوب بحمرة ، والمرتفق : أي المتكئ ) .
فتخطى الصفوف وقال : يا ابن عبد المطلب .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( قد أجبتك )) .
قال : إني سائلك فمشدد عليك في المسالة .
يقول بعض العلماء: هذا أقوى ، أو أصعب سؤال ورد عن التوحيد في السنة .
قال : (( سلما بدا لك )) .
قال : من رفع الماء ؟
قال : (( الله )).
قال : من بطن الأرض ؟
قال : (( الله )) .
قال : من نصب الجبال ؟
قال : (( الله )).
قال : أسالك بمن رفع السماء ، وبط الأرض ، ونصب الجبال ، آلله أرسلك إلينا رسولا ؟
فجل صلى الله عليه وسلم من عظم السؤال ، وقال : (( اللهم نعم )) .
قال : أسألك بمن رفع السماء ، وبسط الأرض ، ونصب الجبال ، آلله أمرك بأن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة ؟
قال : (( اللهم نعم )) .
فسأله عن الصيام ، قم قال : اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص ، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني عد بن بكر ، ثم ولى .
تعريف موجز ، وسؤال موجز ، ، وموقف موجز ، فما أهل الإسلام!.
قال صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن ينر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) وفي لفظ آخر : (( أفلح الرجل ودخل الجنة إن صدق )).
قال ابن عبا : ما رأينا وافدا أخير لقومه من ضمام بن ثعلبة .
قال أنس : ما رأينا أعقل من ضمام بن ثعلبة .
لأنه اختصر في المسالة ، وسال عن مسائل عظيمة .

وفي إسلامه دروس :
أولهما : ألا يؤخذ بجفا الإنسان حتى يبصر ويعرف بالصواب .
الثاني : انه لا باس أن ينادي الإنسان بأمه أو أم أبيه ؛ لأن بعض الناس قد يغضب عليك إذا لم تقل له : يا شيخ ، أو يا صاحب الفضيلة ، أو يا صاحب السعادة ، أو يا صاحب الفخامة .
الثالث : أما في حقه صلى الله عليه وسلم فالواجب أن ينادى باسم الرسالة لقوله تعالى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} (النور: من الآية 63) فينادي بيا رسول الله ، أو يا نبي الله
الرابع : جواز العرض على الشيخ والمعلم ما يفعل أهل الحديث .
الخامس : أن على العالم أن يكون واسع الصدر .
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24-07-2009, 11:06 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

عبدالله بن سلام

وأما الرجل السادس ، فهو : عبد الله بن سلام الذي يقول الله فيه : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الاحقاف:10) كان يهوديا فأسلم ، وقصة إسلامه عجيبة .
هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فاستقبلته القلوب وحيته الأرواح ، وعانقته النفوس .
فنزل في سوق المدينة .
قال ابن سلام : انجفل الناس ( أي : هرعوا ) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكنت فيمن انجفل فاجتمعت معهم ، فلما استبنت وجه الرسول صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه لي بوجه كذاب فاقتربت منه فإذا هو يقول : (( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )) رواه الترمذي وهو صحيح .
قال : فلما سمعت هذه الكلمات ، أتيت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد انك رسول الله ؛ لأنه كان يقرأ التوراة ويعرف وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فيها .
قال : يا رسول الله ، أسألك عن ثلاث مسائل لا يعرفها إلا نبي .
قال : (( ما هي ))؟
قال : ما هو أول طعام أهل الجنة ، وكيف يشبه الولد أمه أو أباه ، وما هي أول علامات الساعة ؟
فقال لابن سلام : (( أما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت )) .
قال : صدقت (15).
قال : (( وأما لماذا يشبه الولد أباه أو أمه فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أباه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أمه )).
قال : صدقت .
قال : (( وأما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب )).
قال : صدقت .
قم شهد أن لا إله إلا الله وأن الرسول رسول الله ، ثم قال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت إذا علموا إني أسلمت بهتوني ، فأدخلني في هذه المشربة ( غرفة ) ، واسألهم عني .
فأدخله صلى الله عليه وسلم في المشربة وأغلق عليه ، واستدعى اليهود ، وقال : (( كيف عبد الله بن سلام فيكم )) ؟
قالوا : خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا ، وفقيهنا وابن فقيهنا .
قال صلى الله عليه وسلم : (( أرأيتم إن اسلم ))؟
قالوا : أعاذه الله من ذلك
فخرج ابن لام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
فقاموا ينفضون ثيابهم ، ويتناخرون كالحمير ، ويقولون : شرنا وابن شرنا ، وسيئنا وابن سيئنا ، أو كما قالوا .
فقال الله في ذلك : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الاحقاف:10) .

وفي قصته دروس :
أولا : أن وصفه صلى الله عليه وسلم كان موجودا في التوراة ،كما قال تعالى { يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } (لأعراف: من الآية 157) .
ثانياً : أن من اسلم من اليهود أو النصارى فله أجران ؛ اجر إسلامه بكتابه وبنبيه ، و إسلامه بنبينا وكتابنا ،ونحن نؤمن بجميع الكتب التي أنزلها الله والرسل الذين أرسلهم الله جميعا
ثالثا : أن الشاهد إذا شهد بحق ، ثم نقضه في مجلسه ، لا يقبل ؛ لأنه ما نقضه إلا لأمر
رابعا : البلاغة التي أوتيها صلى الله عليه وسلم .
خامسا : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على كثير من علم الغيب ، ومن علامات الساعة ، فأخبر الناس فأسلموا بتلك المعجزات.

(15) متفق عليه


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 177.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 171.71 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]