قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7824 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 51 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859461 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393820 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215967 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 22-09-2019, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية

قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية




د. عزيزة بنت مطلق بن محمد الشهري[*]





ملخص البحث:


استهدف هذا البحث جمع عدد من ألفاظ قواعد الغلبة والندرة في كتب الفقه والقواعد, وبيان موقف الفقهاء منها, مع بيان تعارض الأصل والغالب. وأحوال النادر وكيفية حمل النادر في النص الشرعي. بالإضافة لضبطها ببعض الضوابط المهمة, مع التمثيل للقاعدة, واعتمدت المنهج المركب من الوصفي والتحليلي القائم على استقراء جزئيات الموضوع من مظانها, وكان من أهم النتائج: توضيح أن القاعدة تعد من القواعد الاجتهادية الاستنباطية الثابتة بالاستقراء لنصوص الشريعة. مع بيان أن العلماء نصوا على أن المقصود من العموميات في نصوص الشريعة الأحوال الغالبة. وأن الأصل في النادر أن يلحق بالغالب, وقد يتخلف هذا الحكم لوجود معارض قوي, لكنه يظل استثناء لا يؤثر في القاعدة. وضرورة مراعاة الضوابط الفقهية التي تضبط تقديم الغالب وإلحاق النادر به. اشتمال القاعدة على عدد كبير من التطبيقات الفقهية مما يعطيها الأهمية والواقعية.
Abstract:


This research aimed lecting a large number of rules' exp ression of dominance and rarity where is in Fiqh and rules books. And make clear jurisp rudent's opinion from it. And indication of origin and often opposes. And rare conditions and how attribution the rare in the legitimate discourse. In addition to set it with some impo rtant rules. With rep resentation of the rule. And It adopted the composite curriculum of desc riptive and analytical based on an ext rapolation of subject pa rticles of its places. And the most impo rtant results were: Cla rification that the ruleis one of the disc retionary conclusion fixed rules by ext rapolation of the p rovisions of the sha ria'a. And indication of ju risp rudent compile that the intention of the gene ralities in the p rovisions ofsha ria'a is predominant conditions. And that thebasis of rare is add to often, and this result maybe lag because of st rong opponent, but it remains an exception which does not affection the base. And the necessity of taking conside rateness the jurisp rudence controls that adjust provide often and affixation rare with it.The rule containment of a large number of jurisp rudenceapplications which giving it the impo rtance and realism.
المقدمة:


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام الأكملان على المبعوث رحمة وهداية للعالمين, وعلى آله وصحابته أجمعين, ومن تبع هداه إلى يوم الدين, وبعد: فمن خلال تدريسي لمقرر القواعد الفقهية لسنوات, وقراءتي في كتب القواعد الفقهية استوقفتني القاعدة الفقهية "العبرة للغالب الشايع لا للنادر"(م42)([1]), ولكنني وجدت أن هذه القاعدة لم تجل حقيقتها, ولم تأخذ حقها من الدراسة, فلم أجد دراسة علمية مستوعبة لها, وكلما وجدته إشارات في كتب القواعد, باعتبارها ضابط من ضوابط العرف, أو إحدى القواعد الصغرى التابعة لقاعدة: "العادة محكمة"([2])وحقيقتها أوسع من ذلك, وكذلك قاعدة: "النادر لا حكم له"([3]), وقاعدة "النادر ملحق بالعدم"([4]), هل هي جزء من مدلول القاعدة, أو تحمل معنى آخر, وقاعدة: "النادر هل يلحق بجنسه أم بنفسه؟"([5]), هل تختلف عن القاعدة السابقة أو هي نفسها لكنها صيغت بالاستفهام للخلاف في التطبيقات.. ما فحوى هذه الصياغات ؟, ما هو وجه الاختلاف والشبه بينها ؟, فجاءت فكرة هذا البحث لتسلط الضوء على جوانب من ألفاظ هذه القواعد في كتب الفقه والقواعد, وبيان موقف الفقهاء منها, بالإضافة لضبطها ببعض الضوابط المهمة, مع التمثيل, أملاً في أن تُجلّي شيئا من حقيقتها, ثم رأيت أن تكون صياغة العنوان أوسع ليشمل قاعدة المجلة وغيرها, ولهذا كان العنوان: "قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية "مع أن الدراسة منصبة على صياغة المجلة لاشتمالها على الجانبين معاً الغالب والنادر.
وكانت خطة البحث على النحو التالي:

التمهيد: في تعريف القاعدة الفقهية.
المبحث الأول: التعريف بقواعد الغلبة والندرة, وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في بيان مفهوم الغلبة والندرة والألفاظ ذات العلاقة.
المطلب الثاني: صيغ قواعد الغلبة والندرة.
المبحث الثاني: الأصل فيها, وطبيعة موقف الفقهاء من إلحاق النادر بالغالب, وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أصل قاعدة: "العبرة للغالب الشائع لا للنادر"(م42).
المطلب الثاني: طبيعة موقف الفقهاء من إلحاق النادر بالغالب.
المبحث الثالث: تعارض الأصل والغالب.
المبحث الرابع: أحوال النادر (حكم النادر).
المبحث الخامس: كيفية حمل النادر في الخطاب الشرعي, وفيه مطلبان:
المطلب الأول: كيفية حمل أقوال النبي صلى الله عليه و سلمالمحتملة للتشريع وغيره.
المطلب الثاني: مدى دخول الصورة النادرة في الخطاب الشرعي.
المبحث السادس: الضوابط الفقهية التي تضبط تقديم الغالب وإلحاق النادر به.
المبحث السابع: تطبيقات قواعد الغلبة والندرة, وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تطبيقات منثورة في كتب الفقه والقواعد.
المطلب الثاني: نماذج لبعض التطبيقات المعاصرة.
الخاتمة: وتشمل أهم النتائج والتوصيات.
الدراسات السابقة:

ومن الدراسات التي وقفت عليها مما كُتبت في مجال الغالب والنادر -وإن لم تكن متخصصة في دراسة قواعدها- وكان من أبرزها وأنفعها دراسة أحمد الريسوني: "نظرية التقريب والتغليب", ومع تميزها وإضافتها العلمية القيمة إلا أنها أشارت إشارة مختصرة لقواعد التقريب والتغليب, ولم تكن بمستوى الدراسة في بقية الجوانب, ومن الدراسات دراسة صالح الوشيل "تقديم النادر على الغالب وإلغاؤهما في الفقه الإسلامي" بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وهي عبارة عن بابين فقهيين, الباب الأول: "تقديم النادر على الغالب" والباب الثاني: "إلغاء النادر والغالب معاً" وذكر فيها المسائل التي ذكرها القرافي –تقريباً– مع الترتيب والتبويب ودراسة المسائل دراسة فقهية, ولكنه لم يتطرق لقواعد الغلبة والندرة, ولم ينقد ويحلل المسائل التي ذكرها الإمام القرافي وإنما اكتفى بالترتيب, ثم دراستها من الناحية الفقهية, فكانت الدراسة مختلفة عن هذا البحث, وأما الدراسة الثالثة لهند السلمي: "النادر من المسائل الفقهية في العبادات"بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقد جمعت فيها الباحثة المسائل التي ذكرها الفقهاء في كتب الفقه قديماً ويندر وقوعها ودرستها دراسة فقهية مقارنة مع الترجيح, وقد تطرقت في التمهيد لقاعدتين من قواعد الغلبة والندرة الأولى: النادر هل يلحق بنفسه أم بجنسه؟, النادر إذا دام يُعطى حكم الغالب, وكان النادر الذي عنته بدراستها كما ذكرت "كل ما نصّ الفقهاء على ندرته من مسائل فقهية في قسم العبادات مما يوافق معنى النادر، مع عدم اعتبار تغير حالها, من حيث إنها كانت نادرة, وهي -الآن- خلاف ذلك؛ أو أنها لم تكن نادرة, وهي الآن كذلك, فالعبرة بما نصوا على ندرته، حسبما تيسر لي جمع ذلك من كتبهم المشهورة المعتبرة"([6]), فكانت الدراسة مختلفة عن موضوع البحث إذ كانت دراسة فقهية وليست أصولية تقعيديه, وفي هذه الدراسة ركزت على قواعد الغلبة من حيث التعريف بقواعد الغلبة والندرة والألفاظ ذات العلاقة وصيغ القاعدة والاستدلال لها والتمثيل وبيان حكم النادر وتعارض الأصل والغالب والضوابط التي تضبط تقديم الغالب على النادر وهذه هي إضافة البحث على الدراسات السابقة.
منهج البحث:

الاعتماد بعد التوكل على الله تعالى على المنهج المركب من الوصفي والتحليلي القائم على استقراء جزئيات الموضوع من مظانها؛ لملاءمته لمفردات البحث. مع الالتزام بالمنهج العلمي المتبع في البحوث الشرعية من عزو الآيات لمواضعها, وتخريج الأحاديث النبوية مع ذكر الحكم عليه باختصار إذا كان الحديث في غير الصحيحين, والإحالة للمراجع العلمية المتخصصة, وذيلت البحث بالمصادر والمراجع -وقد كثرت بسبب تنوع مادة البحث ما بين اللغة والحديث والأصول والقواعد والفقه والتي اضطرتني لذلك مع محاولة التخفيف قدر المستطاع حتى لا يثقل البحث- بذكر معلومات المصدر كاملة, وقد اكتفي بما أجد منها فقط في بعض الأحيان, ولم أترجم للأعلام حتى لا تثقل الهوامش.
التمهيد: في تعريف القاعدة الفقهية:

القاعدة لغة: الأساس وقواعد البيت دعائمه, وقواعد البناء أساسه, ومنه قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: ١٢٧]([7]) وهذا المعنى هو أقرب المعاني للمعنى الاصطلاحي لابتناء الأحكام الشرعية على القواعد كبناء الجدران على الأساس([8]).
وأما معنى القاعدة في اصطلاح الفقهاء: فقد اختلف في تعريفها بناء على الاختلاف في النظر لحقيقتها هل هي قضية كلية أم قضية أغلبية إلى مسلكين شهيرين ؟.
الأول: باعتبارها قضية كلية فعرفت بتعاريف عديدة, بألفاظ متقاربه, معناها واحد تقريباً, ومنها تعريف الجرجاني: "قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها", والتهانوي: "أمر كلي منطبق على جميع جزئياته, عند تعرف أحكامها منه"([9]).
وسواء عرفت بأمر أو قضية أو حكم فهي ألفاظ متقاربه, فالحكم أهم ما في القضية, والأمر يشمل القضية والحكم, لكن فيه تعميم, فيشمل الحكم وغيره, إلا أنه يظل تعريف القاعدة بالقضية أولى وأدق: "لتناولها جميع الأركان, على وجه الحقيقة، مما يرشح أولوية استعمال القضية"([10]), وأما الانطباق على الجزئيات فهو الثمرة والنتيجة.
أما المسلك الثاني: فقد تبناه الحموي, إذ دقق النظر في المستثنيات فلم يغفلها في تعريف القاعدة واعتبرها قضية أغلبية لانخرام الكلية بالشواذ فكان له مسلك خاص فعرف القاعدة بقوله:"حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر الجزئيات لتعرف أحكامها منه"([11]), وتقييد الحموي للقاعدة "بحكم أكثري" في المسلك الثاني مبني على وجود المستثنيات لتلك القواعد تخالف حكم القاعدة.ومن المعلوم أن أكثر القواعد الفقهية أغلبية, فالقاعدة على هذا التعريف تضم تحت لوائها جزئيات وفروع فقهية كثيرة من أبواب متفرقة, وإن كان يند عنها بعض المستثنيات والجزئيات لكنها لا تهدم هذه الكلية؛ لأن الأصول والقواعد لها استثناءات, وهذا الاستثناء لا يغير من حقيقتها([12]) ولا تؤثر على تعريفها بـ "الكلية" فهذه كلية نسبية لا شمولية, ووجود المستثنيات القليلة لا يخدش في القواعد الاستقرائية بل هي أليق بالتخريج على قاعدة أخرى؛ قال الشاطبي: "الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا, وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ لأن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت هذا شأن الكليات الاستقرائية"([13]).
وعلى كل فتعريف القاعدة بالأغلبية لا يغض من قيمتها العلمية, وعظم موقعها في الفقه وقوة تأثيرها فيه, ولولاها لبقيت الأحكام الفقهية فروعاً مشتتة, دون أصول تمسك بها في الأفكار, وتبرز فيها العلل الجامعة([14]).
وقد وقفت على عشرات التعاريف للقاعدة عند المتقدمين والمحدثين([15]), ذكرت بعضاً منها فيما سبق, وليس هذا مكان سردها, أو التعقيب عليها؛ ولكن أقتصر على التعريف الذي أختاره للقاعدة وهو تعريف د. يعقوب الباحسين, حيث عرف القاعدة بـأنها: "قضية كلية شرعية عملية, جزئياتها قضايا كلية شرعية عملية"([16]).
فقيد "شرعية": يخرج به القواعد المنطقية والنحوية ونحوها, وهو قيد مهم, و"عملية": قيد يخرج به القواعد الاعتقادية, وهو قيد مهم أيضا, "جزئياتها قضايا فقهية كلية": حيث مسائل الفقه جزئيات موضوع القاعدة, أو ما يطلق عليه في تعريف القواعد أحكام جزئياتها, وهي عبارة عن قضايا كلية في حد ذاتها باعتبار عمومها, فهي لا تقتصر على فلان من الناس بعينة, بل تشمل كل من انطبق عليه الحكم.
وسبب اختيار هذا التعريف؛ لأنه ركز على القاعدة الفقهية باعتبارها علماً خاصاً ولقباً محدداً لقواعد الفقه. بينما معظم التعاريف لا سيما عند المتقدمين عرفت القاعدة بمفهومها العام فقهية أو غير فقهية. أنه نبه إلى احتواء القاعدة على مسائل فقهية موضوعها أبواب الفقه, وهي قواعد في حد ذاتها, وكثيراً ما يخلط الباحثون بينها وبين القواعد الفقهية الكلية التي هي موضوع علم القواعد.
المبحث الأول


التعريف بقواعد الغلبة والندرة:


المطلب الأول: في بيان مفهوم الغلبة والندرة والألفاظ ذات العلاقة
إن لفظي الغالب والنادر لفظان يستعملان في وصف الكمية المنفصلة كالأعداد, ولهذا كانت لهما علاقة وصلة ببعض الألفاظ الأخرى التي تقاربهما أحياناً, وتخالفهما أحياناً أخرى, فما له صلة بالغالب: الظاهر, والمطرد, والشائع, واليقين, والظن والكثير. وماله علاقة وصلة بالنادر: القليل, والشاذ([17]).
معنى الغلبة والأغلبية في اللغة: الكثرة, والغالب: الكثير. ويقال غلب على فلان الكرم: إذا كان أكثر خصاله, والأغلبية المطلقة في الانتخابات أو الاقتراع:أصوات نصف الحاضرين بزيادة واحد(محدثة), والأغلبية النسبية: زيادة أحد المرشحين في الأصوات بالنسبة إلى غيره(محدثة)([18]).
معنى الغلبة اصطلاحا: عرف التهانوي التغليب: "إعطاء الشيء حكم غيره, وقيل: ترجيح أحد المغلوبين على الآخر إجراء للمختلفين مجرى المتفقين"([19]), والغالب في أكثر الأحيان والأحوال: ما كان أكثر من النصف([20]). والغالب يطلق على ما غلب على الظن وقوعه, وقد يسميه الفقهاء الظاهر, ويقابله النادر([21]) وقد يطلق على الكثير إذا زاد على النصف غالب.
ومن المصطلحات ذات العلاقة بالغالب([22]): الاطراد, والشائع, والظن الغالب, والظن, والظاهر, ونلاحظ أنهم يطلقون لفظ الغالب على العادات مع الشائع والمطرد, ويطلقون الظن على المدركات العقلية مع اليقين والشك, ويستعملون الظاهر مكان الغالب, والغالب مكان الظاهر, فيقولون:تعارض الأصل والغالب, وتارة تعارض الأصل والظاهر, والمعنى واحد في الإطلاقين والأمثلة واحدة؛لهذا رأيت أن أشير إشارة خفيفة لمعان هذه الألفاظ.ومن أكثر الألفاظ قرباً من الغالب الظاهر فكانت البداءة به.
معنى الظاهر في اللغة: البين الواضح, وظهر الشيء ظهوراً: إذا تبين وانكشف وبرز, والظاهر خلاف الباطن[23].
ومعنى الظاهر في الاصطلاح: "ما دل على معنى بالوضع الأصلي أو العرفي ويحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً"[24].
المقارنة بين الظاهر والغالب:

والملاحظ أن الفقهاء يستعملون الظاهر مكان الغالب, والغالب مكان الظاهر, فيقولون: تعارض الأصل والغالب, وتارة تعارض الأصل والظاهر, والمعنى واحد في الإطلاقين والأمثلة واحدة([25]) قال الزركشي([26]) في فصول التعارض تعارض الأصل والغالب: "يعبرون عنهما بالأصل والظاهر, وتارة بالأصل والغالب وكأنهما بمعنى واحد, "ولعل سبب هذا الإطلاق قوة الرجحان في الاثنين فالغالب كثرة العدد وزيادة, والظاهر يدل على المعنى دلالة قوية لكنها لا تمنع ورود الاحتمال عليه.فيتفقان في جانب الرجحان ويختلفان في المقابل فالغالب يقابله النادر والظاهر يقابله الخفي([27]).
معنى الاطراد في اللغة: اطرد الأمر اطرادًا: تبع بعضه بعضًا, واطرد الحد:تتابعت أفراده وجرت مجرى واحدًا, كجري الأنهار[28].
ومعنى الاطراد في الاصطلاح: وجود الحكم لوجود العلة, وهو التلازم في الثبوت, وعدم تخلف الحكم عند وجود العلة [29]).
معنى الشائع لغة: من شاع الشيء: إذا انتشر،شاع الأمر إذا ظهر وانتشر وذاع, والشائع: المنتشر([30]).

ومعنى الشائع اصطلاحاً: الأمر المعلوم للناس الذائع بينهم وشيوع الخبر: انتشاره بين الناس([31]).
الفرق بين الغالب والمطرد والشائع:

المطرد كما سبق لا يتخلف, والغلبة كثرة العدد وزيادته, الشائع المستفيض المشهور فكلها معان تفيد الرجحان.
ولتوضيح الفرق بين هذه الألفاظ يمكن ضرب مثال بالعرف والعادة, فالمقصود باطراد العرف والعادة: أن يكون العمل بهما مستمراً في جميع الأوقات والحوادث, وقد يعبر عنه بالعموم, فتكون العادة كلية لا تتخلف. وأما الغلبة: فتعني الأكثرية بمعنى لا تتخلف كثيراً, فيكون جريان الناس على العرف حاصلاً في أكثر الحوادث أو عند أكثر الناس, فاشتراط الاطراد أو الغلبة في العرف معناها اشتراط الأغلبية العملية فيه, من أجل أن يكون العرف مستنداً حاكما في الحوادث, ولهذا كان من شروط العرف اللفظي والعملي الاطراد أو الغلبة, وأما "الشائع" فهو المستفيض عند أهله, بحيث يكون معروفاً عندهم جميعاً, مشتهراً بينهم, ومنتشراً([32]). وهذا يعني تكرار الاستعمال, وشيوع العمل به, فيصير المعنى مفهوماً من اللفظ عند الإطلاق, من غير حاجة إلى قرينة, فالاطراد أو الغلبة لا يستلزمان أن يكون العرف عاماً, فالعرف قد يكون خاصاً, أو عاماً, ولكن لابد للعرف العام والخاص من أن يكون مطرداً, أو على الأقل غالباً.
معنى اليقين لغة: يقنه واستيقنه: علمه وتحققه. واليقين:إزاحة الشك ([33]).
ومعنى اليقين اصطلاحاً: عرفه الجرجاني([34]) بأنه "اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا مطابقاً للواقع غير ممكن الزوال. والقيد الأول جنس يشتمل على الظن أيضاً. والثاني: يخرج الظن. والثالث: يخرج الجهل. والرابع: يخرج اعتقاد المقلد المصيب", فاليقين مقابل الشك فهما نقيضان لا يجتمعان أبداً, واليقين أعلى مراتب العلم([35]).
معنى الظن لغة: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم, وقد يوضع موضع العلم ومنه قوله تعالى: (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) [الحاقة: ٢٠], وقد يستعمل في اللغة في اليقين والشك([36]).
ومعنى الظن اصطلاحاً: عرفه الغزالي في المستصفى([37]): بأنه "عبارة عن أغلب الاحتمالين".
وأما غلبة الظن: فيقول الشيرازي([38]) في توضيح حقيقته: "أن تتزايد الأمارات الموجبة للظن وتتكاثر..." وقال ابن عابدين([39]) وهو يوضح حقيقة الفرق بين الظن وغلبة الظن: "إن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر, فهو الظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي".
والمعنى الاصطلاحي للظن استقر بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين على ما كان راجحاً, ولكن لابد من التنبيه على أنه ليس على وتيرة واحدة, بل هو درجات ومراتب, منه ما لا يبقى بينه وبين اليقين إلا فارق طفيف, لا يكاد يخطر بالبال, ومنه من ينزل حتى لا يبقى بينه وبين الشك إلا درجة, يقول الشاطبي: "مراتب الظن ونفي النفي والإثبات تختلف بالأشد والأضعف حتى تنتهي إما إلى العلم وإما إلى الشك"([40]) بل قد يطلقون لفظ الشك –وهو مطلق التردد دون جزم, مع تساوي الاحتمالات- على الظنيات تجوزا([41]). والواقع أن الفقهاء لم يتمسكوا بهذه الألفاظ تمسكا حديدياً, بل يستعملون الظن أحيانا موطن الظن الغالب والشك أحيانا ًموطن الظن, والتسامح في هذا الباب ظاهر وواضح لمن تتبع مواطنه في أبواب الفقه.
الفرق بين اليقين وغلبة الظن والظن: اليقين كما هو واضح أقواها فهو يفيد الطمأنينة على حقيقة الشيء بحيث لا يبقى معه أي تردد, ثم غلبة الظن, إذ هو يفيد الرجحان المطلق الذي يطرح معه الآخر -بل إن الفقهاء يبنون الأحكام عليه عند عدم وجود اليقين بمثابة اليقين, إذ قلما يوجد عند النظر والاستدلال في الأحكام الفقهية يقين- ثم الظن إذ فيه ترجيح لأحد الجانبين لكنه لا يطرح الآخر.
العلاقة بين الغالب وهذه المصطلحات: اليقين يفيد -كما سبق- التصديق الجازم وسكون النفس مع نفي أي احتمال, فهو لا يقبل الشك إطلاقاً, ولا يقبل التعارض, فهو أقوى دلالة من الغالب, ولكن لا بد من ملاحظة أن الفقهاء يجعلون الغالب كالمحقق في مسائل, فيرتقي الغالب إذا قويت درجته حتى يقارب اليقين, ومن هذا المنطلق كانت قاعدة "ما قارب الشيء يعطى حكمه"([42]) وقاعدة "الغالب مساوي للمحقق"([43]), وقاعدة "الغالب ملحق بالمتيقن في الأحكام"([44]) ويشترك الظن والغالب في أنهما يبنى عليهما الأحكام الشرعية العملية ويجب العمل بهما, ولا يفيدان القطع كما في اليقين, وأيضا الترجيح يكون في الظنيات, أما اليقين فينفي الاحتمال, والظن احتمال راجح وله مراتب حسب القوة والضعف, وحقيقة الظن الشرعي: تغليب أحد الجانبين على الآخر, وكلما قوي كان ظنا غالباً وكلما ضعف اقترب من الشك([45]) فالغالب فيه أصل الظن وزياد, ويفترقان في أن ما يقابل الغالب هو النادر, وما يقابل الظن هو الوهم([46]).
ونلاحظ أن الفقهاء يطلقون لفظ الغالب على العادات مع الشائع والمطرد, ويطلقون الظن على المدركات العقلية مع اليقين والشك([47]), وأحيانا يمزجون بينها ولا مشاحة في ذلك, ويطلقون على الغالب الظاهر كما سبق, ويطلقون على الظن الغالب الظاهر-أيضا-, ويطلقون على غلبة الظن: الغالب فهذه المصطلحات في إطلاقهم تعني شيئاً واحداً([48]).
معنى الكثير لغة: نقيض القليل, والكثرة نماء العدد, يقال: كثُر الشيء يكثر كثرة فهو كثير, وكثّر الشيء -بتشديد الثاء- أي جعله كثيراً. والكُثر -بالضم- معظم الشيء وأكثره([49]).
ومعنى الكثير في الاصطلاح: عرفها التهاوني: "الكثرة: ضد الوحدة"([50]). وتطلق على عدة معان منها: 1- ما استكثره الشرع، ومنه: الماء الكثير. 2- وما استكثره الناظر، ومنه: العمل الكثير في الصلاة. 3- وما زاد على النصف فهو كثير قطعاً. ويقال الكثير: على ما يقابل الواحد, وما يقابل القليل. والأكثرية عبارة عما فوق النصف ([51]).
الفرق بين الغالب والكثير: وقد فرق حسين حامد بين الغلبة والكثرة بأن الغلبة هي ما يقرب من الكل مثل الثمانين أو التسعين في المائة, وأن الكثرة هي ما زاد عن 50%([52])؛ ويؤيد هذا الرأي ما جاء في المزهر للسيوطي([53]): "قال ابن هشام: اعلم أنهم يستعملون غالباً وكثيراً ونادراً وقليلاً ومطَّرداً, فالمطَّرد لا يتخلَّف, والغالبُ أكثر الأشياء ولكنه يتخلَّف, والكثير دونه, والقلي لدون الكثير, والنادر أقل من القليل, فالعشرون بالنسبة إلى ثلاثة وعشرين غالبُها, والخمسة عشر بالنسبة إليها كثير لا غالب, والثلاثة قليل, والواحد نادر, فعلم بهذا مراتب ما يُقال فيه ذلك".
ولم يوافقه في ذلك القره داغي فهو يرى أن الكثرة تطلق في اللغة على ما هو كثير حسب النظر والعرف والحال والمقام, بغض النظر عن النسبة بأن تزيد على 50%, فالعرب يطلقون على الشيء أنه كثير إذا كان كثيراً في ذاته, فالكثير بخلاف القليل, ولا يتصورون أنه أكثر من الباقي أو الآخر، كما يقال للجيشين المتقابلين أنهما كثيران، حيث لا يقصد بذلك إلاّ الكثرة العادية التي لا ينظر إليها المقابلة الحقيقية, أو الكثرة العرفية أي أن ذلك كثير عرفاً. وأما التفاضل فبلفظ الأكثر الذي هو من صيغ المفاضلة، لذلك خصص العرب الأكثر لما هو فوق النصف، فيقال هذا أكثر من هذا, أي يتفوق عليه ويزيد عليه بأي زيادة، وهذا يجري عادة في المقابلة بين شيئين متماثلين، أو معدودين، وقد يكون الشيء كثيراً بالنسبة لهذا، وقليلاً بالنسبة لذلك، وهذا ما استعمله القرآن الكريم حيث قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) [الحج 18] فاستعمل الكثير مرتين مرة للساجدين، ومرة للمستحقين للعذاب من الكفرة والمشركين، فكيف يكون ذلك؟
فتفسر الكثير هنا هو ما قاله ابن عباس في رواية عطاء: "وكثير من الناس يوحده وكثير حق عليه العذاب ممن لا يوحده"([54]), النص يفهم منه أن هذه الكثرة للفريقين ليست من باب المقابلة العددية، فالذين يسجدون سجدة الطاعة، ويدخلون الجنة كثيرون، وكذلك الذين يدخلون النار كثيرون أي ليسوا قليلين, وعلى هذا المعنى يحمل حديث: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)([55]), حيث لا يقصد به أن الثلث كثير بالنسبة للباقي، وإنما يقصد به أنه إنفاق سخي كثير حسب العرف دون النظر إلى المقابلة بينهما، وإلا فالثلث هو يساوي حوالي 33%, والباقي حوالي 67%, ولذلك إذا أريد الزيادة فيستعمل لفظ الأكثر لهذه المفاضلة والمقابلة([56]). وهذا الرأي له وجاهته([57]).
فيما سبق عقدت المقارنة بين الغالب والألفاظ ذات الصلة به وبقيت الإشارة للشق الآخر من الموضوع وهو النادر, ولفظ النادر يتقارب مع لفظي:" القليل" و"الشاذ", فيحسن التنبيه لوجه الفرق بينهما وبين النادر.
معنى النادر لغة: ندر شذ وسقط وخرج عن الجمهور, ونوادر الكلام:ما شذ, وأندر غيره: أسقطه, وأندر: أتى بالنادر من قول أو فعل([58]).
معنى النادر اصطلاحاً: ما قل وجوده وإن لم يخالف القياس, فإن خالفه فهو الشاذ([59]), فإذا قيل هذا نادر: أي قل مثيله ونظيره, وشاذ ليس له مثيل أو نظير.
معنى الشاذ لغة: من شذ يشذ شذوذاً, أي انفرد عن غيره([60]), والشاذ: المنفرد أو الخارج عن الجماعة, أو ما خالف القاعدة، أو القياس([61]).
معنى الشاذ في الاصطلاح: الشاذ ما يكون مخالفاً للقياس من غير نظر إلى قلة وجوده وكثرته. ومنه ما هو مقبول, ومنه ما هو مردود([62]).
الفرق بين النادر والشاذ: أن النادر ما قلّ وجوده، سواء أخالف القياس أم لم يخالفه, والشاذ ما خالف القياس، سواء قلّ وجوده أم كثر([63]).
معنى القليل لغة: نزارة الشيء, وقل الشيء إذا نقص. والقلة ضد الكثرة, ومنه قوله تعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ)[الأعراف: ٨٦] وقد قل الشيء يقلقلة: وأقله غيره وقلله في عينه، أي أراه إياه قليلا. وأقل: افتقر([64]).
معنى القليل اصطلاحاً:القليل ما كان أقل من النصف([65]).
الفرق بين النادر والقليل: النادر والقليل لفظان متقاربان, كل منهما ضد الكثير، وقد يطلق الفقهاء لفظ النادر على القليل، وبالعكس, وفرق بينهما الكفوي: بأن النادر أقل من القليل، فكل نادر قليل، وليس كل قليل نادراً([66]), وقد فرق التفتازاني([67]) بين الغالب والكثير والنادر: "بأن كل ما ليس بكثير نادر, وليس كل ما ليس بغالب نادراً, بل قد يكون كثيراً, واعتبر بالصحة والمرض والجذام, فإن الأول غالب, والثاني كثير, والثالث نادر" فالغالب قد يقابله الكثير, وقد يقابله القليل, وقد يقابله النادر, كما في المثال.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 289.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 287.15 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (0.83%)]