مقاصد سورة النحل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 31 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1189 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16902 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 15 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-01-2021, 09:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة النحل

مقاصد سورة النحل




أحمد الجوهري عبد الجواد





نور البيان في مقاصد سور القرآن







"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".











(16) سورة النحل



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنعم علينا بنعمٍ كثيرة، وقال فيها وهو أصدق القائلين ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، فله الحمد والشكر والثناء كله على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، وعلَّم الناس كيف يصلون إلى مرضاة الله بنعمة الله ولا يبدلونها كفرا، صلي يا ربنا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.







أما بعد..



أيها الأحبة الكرام، فاليوم عبر هذه السلسلة المباركة من أحاديث مقاصد السور نلتقي مع سورة النحل، تلكم السورة الجليلة، تلكم السورة التي تعرف بالله تبارك وتعالى، سماها الله تعالى بهذا الاسم، النحل، والنحل من نَحَل ينحل إذا أعطى هدية، كما قال تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، والنحل حشرةٌ طائرةٌ معروفة[1]، ومعروفٌ خيرها، ومعروفٌ لسعها وعسلها، ومعروفٌ إعجاز الله تعالى في خلقها وفي مهمتها، كان هذا الاسم عنواناً على هذه السورة لكثرة ما فيها من النِعَم ومن الإعجاز الذي أثبته الله في هذا الكون، مما يدل على كمال قدرته وجمال حكمته، وقصة النحل وحياة النحل أدل دليلٌ على ذلك لمن عرفه وتدبره، فسماها الله بهذا الاسم الحكيم، ومن كثرة ما ذكر الله فيها من النعم سماها بعض العلماء سورة النعم[2]، ولكن اسمها التوقيفي النحل.







هي سورةٌ أنزلها الله تبارك وتعالى قبل الهجرة النبوية، في الزمان المكي، ولذلك يقال عنها سورةٌ مكيةٌ[3]، وطالما مكية فقد عرفنا طبيعة القرآن المكي، أو طبيعة ما نزل من القرآن في مكة وقبل الهجرة من أنه آياتٌ ترسِّخ العقيدة الصحيحة في نفوس الناس، وتنتشلهم من سفح الجاهلية وسفاحها وشركها وظلمها والعادات الفاسدة والعقائد الباطلة، القرآن الكريم الذي نزل في مكة كله كان يسعى وراء هذا الأساس العظيم، حتى إذا تأسست النفوس بالإيمان، وترسخ الإيمان في القلوب، وعرف الناس أن ربهم وإلههم إنما هو الله وحده لا شريك له، وأن تشريعات حياتهم ينبغي أن يتلقوها عن وحي الله، نزل بعد الهجرة الحلال والحرام، فما كان المؤمنون يُدعون إلى حكمٍ من أحكام الله إلا ويقولوا: سمعنا وأطعنا[4]، فما أجمل العقيدة، وما أعظمها، وما أهمها في النفس المسلمة لتربطها بالله تبارك وتعالى، لتربط المسلم بربه، فلا يأخذ إلا عنه، ولا يعمل إلا من أجله، ولا يؤدي إلا إليه، فيدوم الخير فما كان لله دام واتصل.







فهذه السورة سورةٌ مكية، يكاد يكون موضوعها واحداً، استغرق تقريباً معظم آيات السورة، مع ما يتخللها أحياناً من تنبيهٍ على وحدانية الله، من تنبيهٍ على بطلان الشرك والشركاء وأنه لا شريك مع الله، من تنبيهٍ على مسألة النحل وإعجاز الله فيها، من إشارةٍ إلى موقف وحياة سيدنا إبراهيم عليها السلام أنه كان أمّةً فهو حقيقٌ وجديرٌ أن يُقتدى به، إشارة سريعة إلى موقفٍ من مواقف بني إسرائيل أو جماعة منهم وهم أصحاب السبت الذين لعنهم الله، وفي آخر السورة يأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم -ومن كان وراءه من الدعاة- أن يدعو إلى الله بحكمة ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.







إنما الموضوع الذي يكاد يستغرق السورة هو تهديد الله للكافرين بالعذاب، تهديد الله للكافرين بالعذاب في الدنيا ويوم القيامة، وتذكيرهم بنعمه سبحانه وتعالى التي لا تعد ولا تحصى، مع الإشارة إلى أنهم بدلوا نعمة الله كفراً، فالله تعالى خلق البنين والبنات ولم يتخذ لنفسه ولداً من ابنٍ أو بنت، فماذا فعل الناس في هذه النعمة ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، اتخذوا البنين لأنفسهم وقتلوا بناتهم، وحين نسبوا لله الولد نسبوا له البنات التي يكرهونها، فما كرهوه لأنفسهم ولم يقبلوه عندهم نسبوه لله العلي القدير الغني الحميد سبحانه وتعالى، فبدلوا هذه النعمة إلى كفر، رزقهم الله ثمرات كثيرة ومنها ثمرات النخيل والأعناب ليأكلوا تمراً غذاءً وطعاماً وشفاءً وليأكلوا عنباً وزبيباً، ولكنهم اتخذوا من هذا النعم ومن هذه الثمرات اتخذوا منها سَكَراً ورزقاً حسناً، لم يظلمهم الله، فوصف الله الواقع كما هو، أنهم اتخذوا من هذه الثمرات خمراً تسكرهم وتُذهب عقولهم وتفقدهم قيمتهم الإنسانية، كما اتخذوا أحياناً بعضها للبيع والشراء والطعام وكذا، فهذا رزقٌ حسن، أما السَكَر والخمر فرزقٌ غير حسن، وهم الذين سوّأوه، كان رزقاً حسنًا في أصله ولكنهم بدلوه كفراً، الله تعالى أخرج لهم من بطون الأنعام من بين فرثٍ ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، والفرث هو مخلفات الطعام في بطن الحيوان، والدم معروف، الله خلَّص من بين هذا الخَبَث ومن بين هذا الدم لبناً أبيض لا لون ولا أثر فيه لدمٍ ولا لرفث ﴿ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ يستسيغه كلّ شاربٍ يتلذّذ بطعم الطعام والشراب، كما أخرج لهم من بطون النحل، تلك الحشرة، تلك الذّبابة الصغيرة، يخرج الله تعالى للناس من بطونها شهداً فيه شفاءٌ للناس، فماذا فعل الناس بهذه النّعم؟ تركوا خالقها ولم يعبدوه وعبدوا غيره، قاموا يعبدون من دون الله ما لا يملك شيئاً ولا يخلق شيئاً ولا يستطيع فعل شيء، فإنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني من الحق شيئًا، فاستعملوا نعمة الله مَعبرةً إلى الكفر والعياذ بالله، أكلوا رزق الله وخيره، وعبدوا سواه وغيره، فالسورة على طولها تخوِّف من عذاب الله في الدنيا والآخرة جزاء الكفر، وعدم الشكر على نعمة الله، كما أنها تُذكِّر بنعم الله الكثيرة العجيبة المعجزة التي لا يصدقها عقل، لولا أنه يجدها محسوسةً أمامه، يُحسها، يأكلها، يستطعمها، يستمتع بها، لولا ذلك لأنكرها وما صدقها.







ولهذه السورة هدفٌ جليل يتلخص في أمرين؛ الأمر الأول والسورة اسمها النحل وجاء فيها ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، فاتبع النحل وحي الله تعالى فأنتج شهداً، وفي أول السورة يقول الله تعالى عن الكافرين عموماً في كل الأمم، ملمحاً ومركزاً على كفار هذه الأمة: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ هذه سنةٌ لله بعث بها جميع الرسل ليقولوا للناس ولينذروا الناس أنه لا إله إلا الله فاتقوا الله يا عباد الله، وفي آخر السورة ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ صلى الله عليه وسلم ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي الذي أوحى الله به إلى الأنبياء من قبله، وآخرهم في هذه الأرض – في أرض مكة – إبراهيم عليه السلام، إذاً كأن السورة تقول للناس: لقد أوحى ربكم إلى النحل بوحيٍ غريزي ليس عن طريق ملك، ولا كلاماً مشافهةً ولا من وراء حجاب، إنما خلق في غريزتها برنامجاً من وحي الله فاتبعته والتزمته، وهكذا صارت تنتج الشهد والعسل والشفاء للناس، للدنيا كلها، وقد أوحى الله إليكم بوحي غريزي وهي الفطرة التي خلق الله وفطر الله الناس عليها، ثم أوحى إليكم بشريعةٍ تضمن السلامة لحركتكم في الدنيا فلم تأخذوا بها، فكنتم قوماً بورا لا نفعتم أنفسكم ولا تركتم الخير يسير بين الناس ويصل إلى جميع الناس، فاتقوا الله واتبعوا وحي الله.







هذا أمرٌ في السورة يعتبر هدفاً، يشير الله تعالى بالأمر الأول وهو ما وضع في غريزة هذه النحلة من جمع ثمارها ورحيقها بعد أن تتخذ بيوتاً في أماكن معينة، فاتبعت وحي الله واتخذت بيوتها فعلاً في الجبال وفي الشجر ومما يعرش الناس، في العروش القديمة التي كانت تتخذ من عيدان الأشجار، أما هذه الأسقف الجديدة الخرسانية الناعمة القاسية فإنها لا تلاءم النحل، فحرمنا من صحبته وشهده، أوحى الله إليها أن ﴿ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا فاتبعت ذلك، فخرج من بطنها شرابٌ مختلفٌ ألوانه حسب الثمرة التي أُخذ منها الرحيق ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ أي فوق الغذاء، هو غذاءٌ جيدٌ جداً وفوق ذلك فهو شفاء، وترك الله الشفاء عاماً إشارةً إلى أن الاستشفاء بالعسل في أي مرضٍ نافع بإذن الله وشافٍ بعون الله ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ، فماذا فعل الكافرون؟ أوحى الله إليهم بغريزة وفطرة فغيروها، فصار الناس يتبعون العرف وإن خالف قلوبهم، وإن خالف فِطَرهم، وغير الناس فطرة الله التي فطر الناس عليها فصارت المرأة تتأسد في هذه الأيام وتدعي أن الإسلام حرمها من حقوقها، وكذلك رجالٌ ونساءٌ يظنون أن الشريعة قيدتهم ومنعت حركتهم حيث الحلال والحرام.. حلال وحرام.. حلال وحرام، كيف نمشي في هذه الحياة؟! وكأن الشريعة تضيِّق عليه، مع أن الله قال: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، لا يريد الله أن يجعل حرجًا ولا جعل حرجاً أصلاً، لا هو موجود ولا هو مراد لله أن يجعله سبحانه وتعالى، بل الدين فسحة، بل الدين راحة، بل الدين حياة، وما أجمل قول الله تعالى ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ حتى في تطبيق الحد الذي فيه قتل للقاتل، قتل القاتل حياة، فما بالكم بالصلاة، فما بالكم بالزكاة، فما بالكم بنظام النكاح وبناء البيت، فما بالكم في نظام الإسلام في بناء المجتمع ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ الدين إنما بعثه الله إلينا لنحيا به حياةً فاضلة، حياةً كريمة في الدنيا قبل حياة الآخرة.







فهدف هذه السورة سَوْق الناس ودفعهم إلى وحي الله تبارك وتعالى إليهم، اتبعوا وحي الله، اتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، أما تناسب هذه السورة مع ما قبلها فإن قبلها سورة الحِجْر وعرفنا أن الحجر اسمٌ لمكان ديار قوم ثمود، وكان من تمكين الله لهم أن كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، وفي آية أخرى آمنين، بيوت عالية يأمنون فيها بدلاً من سفح الوادي من أسفل، ويتنزهون فيها أيضاً فهي أقرب إلى الشمس وأقرب إلى الهواء النقي وما إلى ذلك، فكانوا يتنزهون فيها ويأمنون فيها على أنفسهم، ثم ماذا فعلوا بهذه النعمة، أن يلهمهم الله تعالى صنع بيوت في أطراف الجبال، يؤمنهم بها وينعمهم بها، ماذا فعلوا؟ كفروا كفراً عظيماً جدًّا حتى طلبوا من نبيهم صالح عليه سلام الله آيةً يؤمنون عليها، يعني لو جئتنا بهذه الآية لنؤمنن لك، طلبوا آيةً ظنوا أنها مستحيلة فسوف يعجّزون بها صالحاً عليه السلام وبالتالي يكون صالحاً هو الخاطئ، وهو المقصر، لو جئتنا بالآية التي طلبناها لآمنّا فإنّك لم تأت بها، فطلبوا أن يخرج لهم ناقةً حية من هذه الصخرة الميتة الجامدة، وظنوا أنهم يتحدّون صالحاً، وذلك من غباء الكفر والكافرين، ولكن صالحاً هذا مرسلٌ من ربه، وما كان لنبيٍّ أن يأتي بآية إلا بإذن الله، فأتاه الله هذه الآية وجاءه لقومه بناقةٍ حيّة من تلك الصخرة الجامدة، وكانت ناقة عجيبة لا يكفيها ماء بئرٍ واحدة، ولكن تشرب مياه الآبار كلها، ولذلك حدد لهم صالحٌ عليه السلام أن يشربوا من مياه الآبار يوماً ويتركوها اليوم التالي للناقة[5]، وأن لا يردوها عن أرضٍ تنزلها أو ترعى فيها، ولا تمسوها بسوء، هذه الشروط، شروطٌ عادية ليست بالصعبة ولا بالمعجزة، ولكنهم غُلِبوا بها، رأوا أنهم لم يفلحوا في خطتهم مع صالح فقد غلبهم بالحجة والمعجزة، جاءهم بالآية المطلوبة، فما عليهم إلا أن يؤمنوا ولكنهم لا يريدون الإيمان، فماذا نفعل يا قوم؟ فلنعقر الناقة، لنذبحها، لنقتلها، تلك الناقة التي أحرجتنا أمام صالح، وستلجئنا إلى الإيمان الذي لا نريده، فنادوا صاحبهم، اكتروا رجلاً بأجرة وأعطوه أجرته على أن يذبح هذه الناقة وأن يعقرها، وكأني بهم يشعرون بصدق صالح وبصدق مقاله، فخافوا على أنفسهم من عقر الناقة فعرَّضوا لها رجلاً بأجرة يأخذ أجرته ولعله يموت بها، فيكون أمر العقوبة بعيداً عنهم هم، ظنوا ذلك، فإن نزلت عقوبة على قتل ناقة الله التي أعطاها لصالح فلتكن على هذا الرجل الذي عقرها ونحن نكون في سلام، ولكن من الذي دبّر الجريمة؟ من الذي جاء بآلتها؟ من الذي اكترها وحدد فاعلها؟ من الذي أمر بذلك؟ أليس القوم أجمعين؟ بلى، إنهم كلهم اشتركوا في ذلك ولو بالرأي، ولو بالموافقة والإقرار، فصاروا جميعاً جناة مشتركين في الجريمة كلهم، ولذلك الله تعالى يقول: ﴿ فَعَقَرُوهَا مع أن الذي عقرها واحدٌ فقط، إلا أن الله تعالى ينسب العقر للجميع لأنهم اشتركوا ورضوا بهذه الجريمة كلهم ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا دمدم يعني أنزل العذاب دائماً مستمراً، عذاباً لم ينقطع عنهم حتى ماتوا جميعاً، فكلهم جناةٌ وكلهم يستحقون القتل، وحينما تقترح الأمة على الله تعالى آيةً لتؤمن بها فلتعلم أن هذه نهايتها، إن لم تؤمن فسوف ينزل عليهم الله عقابه في الدنيا، عقابه الذي يمحقهم ويأخذهم جميعاً، قال الحواريون لعيسى عليه السلام: ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ... إلى آخره، فدعا عيسى بما طالبه به الحواريون، ﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ لأنك أنت الذي قلت أعطني آية كذا وسأؤمن بها، فما حجتك بعد ذلك؟ إذاً لا حجة ولا حياة، فهكذا أهلك الله قوم ثمود، بلغوا في الحضارة، في القوة، في التمكينات في الأرض أن ينحتوا من الجبال بيوتاً، وتعبير القرآن ينحتون، نحت ومعروف النحت والمشقة التي فيه، كيف كان ينحتون؟ مسألة في منتهى الصعوبة، ولكن أقدرهم الله عليها وأنعم عليهم بها، ومع سكناهم الجبال فلم يتمخَّضوا عن خير، ولم يخلفوا خيراً وكانوا قوماً بورًا، أما النحل الصغير، تلك الحشرة الطائرة الصغيرة، فقد أسكنها الله أيضاً وأذن لها أن تتخذ بيوتاً من الجبال ﴿ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا، فلما اتبعت وحي الله واستجابت لأمر الله أنتجت عسلاً وشهداً وشفاءً وطعاماً، فهذا الإنسان من ديار قوم ثمود لم يساوِ نحلة، لا يساوي ذبابة، وكذلك الكافر في كل زمان لا يساوي حيواناً ولا حشرة، قد تكون الحشرة خيراً منه، قد يكون الحيوان خيراً منه.







فمن تناسب هذه السورة مع ما قبلها أن سورة الحجر ذكَّرت بأصحاب الحجر وهم قوم ثمود، اتخذوا من الجبال بيوتاً ولكن خالفوا وحي الله تعالى وأعرضوا عنه، فكانوا قوماً بوراً، هلكى، وما تركوا خلفهم من خير، وسورة النحل تذكر بمسألة النحل وحياة والنحل وجمال النحل، اتخذت من الجبال بيوتاً أيضاً ولكن كان بينها وبين قوم ثمود فارقٌ عظيمٌ جداً كما تراه العيون.







سورة الحجر أحبتي الكرام تُختم بقول الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ يعني واعبد ربك حتى يأتيك الموت، لا وقت للفراغ، لا وقت لإسقاط الشريعة، أو إسقاط التكاليف عن مسلمٍ من المسلمين مهما كان أمره، إنما نحن مطالبون بعبادة الله حتى لحظات الموت، لا يقطعنا عن العبادة إلا الموت ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، ومن مات قامت قيامته، والقيامة كان يستعجل بها الكافرون أيَّان يوم الدين كانوا يسألون هكذا ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، ﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فيقول الله تعالى في أول سورة النحل ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.







﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وهنا ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ وهو اليقين، بداية الآخرة ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فقد اقترب موعد الآخرة جداً ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا *وَنَرَاهُ قَرِيبًا.







هذه سورة النحل ولكن أحبتي الكرام لعلنا نستفيد منها كثرة نعم الله تبارك وتعالى، فعلينا بالرضا وعلينا أن ننظر إلى الجانب الملآن وليس الجانب الفارغ الخاوي، أقول ما عندي كذا.. ولا عندي كذا.. ولا عندي كذا، إذاً ماذا عندك؟ عدد ما عندك أولاً، قل عندي كذا.. وعندي كذا.. وعندي كذا، ستجد كثيراً جداً من نعم الله لا تستطيع أن تعدها، عندي نظر، وعندي سمع، وعندي لسان أتكلم به، وعندي عقلٌ والحمد لله، عندي صحةٌ ولو أحسن من غيري، عندي بيت، عندي زوجة، عندي أولاد، عندي مال يكفيني ولو معظم الشهر، عندي مركبة ولو صغيرة أو بسيطة، عندي شقة.. عندي...، عدد لا تستطيع أن تجمل هذه النعم كلها ولا أن تأتي على آخرها ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا، فارضوا بنعمة الله تعالى واشكروا لله فضله، وإنما النظر إلى ما ليس عندنا فهذا يضيِّق الصدور ويشعرنا بضيق الحياة، وقد يصل ببعض الناس إلى اليأس والقنوط والعياذ بالله.







نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما أسمعنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ونعوذ به من علم لا ينفع، ربنا زدنا علماً نافعاً، ولاسيما من كنوز القرآن العظيمة، أقول قولي هذا واستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه دائماً إنه هو الغفور الرحيم.







الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.







أما بعد..



أيها الإخوة المسلمون عباد الله، فهذه هي سورة النحل ويقال لها سورة النعم، وهي سورةٌ مكيةٌ كان موضوعها الأساس تذكيراً بنعمة الله التي لا تعد ولا تحصى، والتي تستوجب شكر الله عز وجل بالإيمان به وتوحيده وعبادته، بدلاً من أن نبدلها كفرا، كما أن فيها تذكيراً بالآخرة وبالعذاب في الدنيا قبلها حتى يرتدع من يخاف، وحتى يُغرى من يحب النعم فيقبل الناس على ربهم عابدين موحدين غير مشركين.







وهكذا ارتبطت هذه السورة أيضاً بما قبلها نصاً في قول الله تعالى ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ، كما ارتبطت موضوعاً بين السورتين هناك حكايةٌ عن أمةٍ كافرة كان لها من التمكين في الأرض أنها تسكن أطراف الجبال في بيوتٍ تنحتها لراحتها وحياتها، وفي هذه السورة – في سورة النحل – تذكيرٌ بالنحل وهو حشرة صغيرة وذبابةً قليلة في حجمها اتبعت وحي الله في غريزتها فكان عاقبة ذلك أن الله أخرج من بطونها شراباً مختلفاً ألوانه في شفاءٌ للناس.







إذاً لو اتبعنا وحي الله كما هو هدف السورة ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ هذا في أولها، وفي آخرها ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إذاً السورة تقول اتبعوا وحي الله كما اتبعته النحل، كما اتبعته المخلوقات، كما اتبعه الكون، تحصلون على نعمٍ كثيرة فالسورة سورة النحل والنحل من النِحلة وهي النعمة، ولذلك وحي الله تعالى إنما هو لصالح البلاد والعباد، ولا مصلحة فيه أبداً لله الواحد القهار سبحانه وتعالى، بل هو الغني عن العالمين، حينما يضرب الله لنا مثلاً بمخلوقٍ كهذا فإنما هي دعوةٌ للتفكر، دعوةٌ ليبصر الإنسان ما حوله، لا يعيش في الدنيا هكذا مغمضاً عينه إلا على مصلحته فقط، فإن رؤية الإنسان للحيوان فيها عبرة ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً، نظرة الإنسان للحشرات فيها عبرة، نظرة الإنسان للبحار فيها عبرة، نظرة الإنسان للسموات، للأرض، للنبات وغير ذلك فيها عبرة، ولكن من يعتبر، من ينظر، من يبحث عن فائدةٍ هنا أو هناك، من الذي لا تشغله الدنيا بزينتها وزخرفها عن هذا المكسب العظيم، انطلقوا في الأرض، تحركوا في الأرض كما شئتم جماً لأرزاقكم، سعياً على معاشكم، لا حرج في ذلك، فقد قال ربنا ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ، ولكن أيضاً اجعل من سيرك هذا اعتباراً بخلق الله، انتفاعاً بآيات الله في الكون، ويقول الله تعالى عن صلاة والجمعة ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي من الأرزاق، اجمع رزقك كما تشاء بالبيع والشراء والصناعة وغير ذلك ﴿ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، فالحركة واحدة ولكن الكافر لا يحصِّل من حركته إلا رزقاً دنيوياً، أما المؤمن الواعي فإنه يحصل مكسباً دنيوياً ومكسباً أخروياً، هذا رزقٌ نأكله وننتفع به في الحياة الدنيا وهذا علمٌ نحصله ونغذي به قلوبنا وأرواحنا، ونوثق به صلتنا بالله تبارك وتعالى.







ففي النحل عبرة، في الأنعام عبرة، في الغراب عبرة، سلطه الله تعالى على ابن آدم الأول الذي قتل أخاه ليعلمه كيف يواري سوأة أخيه، ذكر الله تعالى صورةً من حياة النمل في سورةٍ سماها باسم النمل يفتقدها البشر ولا يستطيعون الحياة بها، لا يقدر هذا الإنسان الطاغية على نفسه أن يفعل ما فعلته النملة، عجز عن ذلك، وهذا تأخرٌ قبيح، وهذه رجعيةٌ مقيتة أن يفقد الإنسان خلقاً تتخلق به نملة، ما حصلنا النمل ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، أين خوف الناس على بعضهم؟ أين احترام الناس لآدمية بعضهم؟ وينادون حقوق الإنسان، لكنهم يريدون إنساناً خاصاً من جنسيةٍ معينة، وكذبوا في هذه العبارة حيث وسعوها ولم يقصدوا ذلك، وما نراه في مشهدٍ آخر يؤكد ما أقول، حينما يكرمون هذا الإنسان وكل ما يشتهيه من خيرٍ أو شر، من حقٍ أو باطل، من صلاحٍ أو فساد، يحققونه له ولو أن يصدروا له قانوناً خاصاً يحميه في تحصيل شهواته، وعلى الجانب الآخر يُقتِّلون ويبيدون أناسي كثيرة، الواحد منهم إنسان أين حقوقه، لا يجد حقه في أن يعيش، لا يجد حقه في أن يلجأ إلى بيته أو يحتفظ به، لا يجد حقه في أن يستمتع بأسرته، بل تُقتل أسرته أمام عينه ثم يقتل هو، ينتهك عرضه أمام عينه ثم ينتهك هو، وهكذا لا حرمة لإنسانٍ ولا لأرضٍ ولا لأسرةٍ ولا لمجتمع ولا احترام لشيء، أين حقوق الإنسان التي ينادى عليها؟!!







فحينما يضرب لنا الله المثال بنملة أو بنحلة أو بهدهد أو بغير ذلك من غرابٍ أو غيره، إن الله تعالى بهذا يعلم الناس انظروا إلى تلك المخلوقات، اعتبروا بحركاتها، اعتبروا بأفعالها، لا تدعي أنك سيد الناس، وفي حقيقة الأمر هذا الكلام موجهٌ للكافر لا تدعي أيها الكافر أنك سيد الناس وأرفع الناس وأكرم الناس وفي واقع الأمر هناك حيواناتٌ وحشراتٌ أكرم منك، وصدق قول الله فيهم ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، وحينما عجز الإنسان وجهل أن يواري سوأة أخيه كان أجهل من الغراب الأسود المشئوم، وحين فقد الإنسان حبه لأخيه الإنسان وحرصه على حياته كما يحرص على حياة نفسه، فإنه صار أصغر حجماً ومعنىً من وجود النملة، وجود النملة على الأرض خيرٌ من وجود أمثاله، وحينما يُنعم الله تعالى على العباد بنعمٍ لا تعد ولا تحصى وبإمكانات كثيرة ثم لا يتبعون مع هذا وحي صاحب هذه النعم، أنعم علينا بدون حق، أنعم علينا بدون طلبٍ ولا سؤال، فحينما يُشرِّع لنا إذاً يريد راحتنا والإنعام علينا أم يريد شقاءنا؟ لو كان يريد شقاءنا ما أعطانا هذه النعم من بداية الأمر، وخاصةً أننا لم نسأله عن شيء، لم نطالبه بشيء، إنما أنعم علينا بكل هذه النعم قبل أن نكون مسلمين، ثم شرع لنا شرعاً لنكون به مسلمين مؤمنين صالحين في هذه الحياة ومصلحين، نسيء الظن بالله، نظن أن هذه قيوداً علينا وعلى حرياتنا وعلى حقوقنا؟ كلا والله إن هذا لظلمٌ عظيم، نعبد غير الله دونه وسواه ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.







إذاً أحبتي الكرام علينا بوحي الله، هو النور، هو الهداية، هو البركة، هو الخير كله، هو الفلاح كل الفلاح، وحي الله تعالى هو أخلاقنا هو تصوراتنا وعقائدنا وحي الله تعالى هو أحكام شريعتنا وأحكام دنيانا، وحي الله تعالى هو ثقافتنا يملأ حياتنا، يملأ قلوبنا، ما وافقه فهو الحق، وما خالفه فهو الباطل، عليكم بوحي الله، تعرفوا عليه إنه موجودٌ وثابتٌ في القرآن الصريح والسنة الصحيحة، فعليكم بهذين كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي"[6]، وساعتها تكون حياتكم شهداً وعسلاً، تكون حياتكم مليئةً بالطعام والغذاء والشفاء بما يوفر لكم حياةً كريمةً هنيئةً طيبة. نسأل الله عز وجل أن يحقق فينا ذلك.







اللهم ردنا إلى وحيك لداً جميلاً، اللهم اجعلنا ممن اعتصموا بكتابك، وتمسكوا بسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعلنا من أهل الاتباع ولا تعجلنا من أهل الابتداع، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في الموحدين الذي يعبدونك ولا يشركون بك أحدا، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أصلح حال أمتنا، اللهم أصلح حال أمتنا، اللهم اجمع شملها، واجمع شعثها، واجمع تفرقها، اللهم وحد كلمتها، ووحد صفها، ووحد قلوبها، اللهم اجعلها تشعر ببعضها، تتألم لألمها، وتفرح لفرحها، اللهم اجعلها كالرجل الواحد والجسد الواحد، بحولك وقوتك يا قوي يا متين، لو شئت لألفت بين قلوبهم، ولو أنفقنا ما في الأرض جميعاً ما ألفنا بينا قلوبهم، ولكنك تؤلف بينهم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.







عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.








[1] انظر: المصباح المنير (2/ 595).




[2] هو قول قتادة، انظر: تفسير ابن أبى حاتم (13476)، المكتبة العصرية - صيدا، تحقيق: أسعد محمد الطيب.




[3] هي مكية في قول الجمهور وهو عن ابن عباس وابن الزّبير. وقيل: إلاّ ثلاث آيات نزلت بالمدينة مُنصرفَ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من غزوة أُحد، وهي قوله تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( سورة النحل: 126 ) إلى آخر السورة. قيل: نزلت في نسخ عزم النبي على أن يُمثل بسبعين من المشركين إن أظفره الله بهم مكافأة على تمثيلهم بحمزة، وعن قتادة وجابر بن زيد أن أولها مكي إلى قوله تعالى: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا (سورة النحل:41) فهو مدني إلى آخر السورة، وسيأتي في تفسير قوله تعالى: ﴿ ألم يروا إلى الطير مسخِّرات في جو السماء ﴾ (سورة النحل: 79) ما يرجّح أن بعض السورة مكّي وبعضها مدني، وبعضها نزل بعد الهجرة. أهـ التحرير والتنوير (14/ 93).




[4] انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني: (1/ 202-204).




[5] انظر: تفسير الطبري (22/ 592)، وأيضًا: (24/ 459)، وتفسير ابن كثير (7/ 479).




[6] أخرجه مالك في الموطأ (3338) بلاغًا، بلفظ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (24/ 331)، والألباني في صحيح الجامع (2937).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.24 كيلو بايت... تم توفير 1.82 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]