أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 24-02-2020, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


قال الحافظ: (البيعة بكسر الموحدة مسجد للنصارى، قوله: وكان ابن عباس وصله البغوي في الجعديات، وزاد فيه فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر، وقد تقدم في باب من صلى وقدامه تنور أو نارًا أو شيء مما يعبد، فأراد به أن لا معارضة بين هذين البابين وأن الكراهة في حال الاختيار)[11].

وقال البخاري أيضًا: باب. حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة وعبدالله بن عباس قالا لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا.

حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"[12].

قال الحافظ: (قوله: باب، كذا في أكثر الروايات بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات وقد قررنا أن ذلك كالفصل من الباب فله تعلق بالباب الذي قبله والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد وكأنه أراد أن يبين أن فعل ذلك مذموم سواء كان مع تصوير أم لا.

قوله: فقال وهو كذلك أي في تلك الحال ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة وكأنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلي ذم من يفعل فعلهم، وقوله اتخذوا جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن كأنه قيل ما سبب لعنهم فأجيب بقوله اتخذوا، وقوله يحذر ما صنعوا جملة أخرى مستأنفه من كلام الراوي كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك، وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا - صلى الله عليه وسلم - نبي غيره وليس له قبر والجواب أنه كان فيهم أنبياء أيضًا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله أنبيائهم بإزاء المجموع من اليهود والنصارى والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال إذا مات فيهم الرجل الصالح ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال قبور أنبيائهم أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو أتباعا فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود)[13].

قال ابن دقيق العيد على حديث عائشة في قصة أمر الكنيسة: (فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة.

وقوله: بنوا على قبره مسجدا إشارة إلي المنع من ذلك وقد صرح به الحديث الآخر لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)[14] انتهى.

قال الموفق: فصل: ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله زوارات القبور، المتخذات عليهن المساجد والسرج " رواه أبو داود، والنسائي، ولفظه: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أبيح لم يلعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله، ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة، وإفراطا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعق الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر مثل ما صنعوا. متفق عليه.

وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتخذ مسجدا، ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها، والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات، باتخاذ صورهم، ومسحها، والصلاة عندها)[15].

قال ابن القيم: (ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا ولعن زورات القبور، وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ وألا يجلس عليها ويتكأ عليها ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها إليها وتتخذ أعيادا وأوثانا)[16] انتهى.

قال في الاختيارات: (واتفق السلف والأئمة على أن من سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء والصالحين فإنه لا يتمسح بالقبر ولا يقبله بل اتفقوا أنه لا يسلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يستلم ولا يقبل على الصحيح وقال وإذا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة ودعا في المسجد ولم يدع مستقبلا للقبر كما كان الصحابة يفعلونه وهذا بلا نزاع أعلمه وما نقل عن مالك فيما يخالف ذلك مع المنصور فليس بصحيح وإنما تنازعوا في وقت التسليم هل يستقبل القبر أو القبلة فقال أصحاب أبي حنيفة يستقبل القبلة والأكثرون على أنه يستقبل القبر، وتغشية قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم ليس مشروعا في الدين والصواب الذي عليه المحققون أن الخضر عليه السلام ميت لم يدرك الإسلام وعيسى ابن مريم عليه السلام لم يمت بحيث فارقت روحه بدنه بل هو حي مع كونه توفي والتوفي الاستيفاء وهو يصلح لتوفي النوم ولتوفي الموت الذي هو فراق الروح البدن ولم يذكر القبض الذي هو قبض الروح والبدن جميعا. ونهي النساء عن زيارة القبور هل هو نهي تنزيه أو تحريم؟ فيه قولان وظاهر كلام أبي العباس ترجيح التحريم لا حتجاجه بلعن النبي - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور وتصحيحه إياه، ورواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه وأنه لا يصح ادعاء النسخ بل هو باق على حكمه والمرأة لا يشرع لها زيارة، لا الزيارة الشرعية ولا غيرها اللهم إلا إذا اجتازت بقبر بطريقها فسلمت عليه ودعت له فهذا حسن، ولا يحل للمرأة أن تحد فوق ثلاث إلا على زوجها وهذا باتفاق المسلمين ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما للناس وهو مذهب أحمد وغيره ولا بد أن تكون مقابر أهل الذمة متميزة عن مقابر المسلمين وكلما بعدت كان أصلح.

ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم لروح الميت ويدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأيضًا تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب ولأهل السنة قول آخر أن النعيم أو العذاب يكون للبدن دون الروح وأهل الكلام لهم أقوال شاذة فلا عبرة بها. وروح الآدمي مخلوقة وقد حكي الإجماع على ذلك أبو محمد بن نصر المروزي وغيره)[17].

فصل:
قال عبدالعزيز الكتابي المحدث المعروف: ليس من قبور الأنبياء ما يثبت إلا قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقال غيره: وقبر إبراهيم أيضًا، وذكر ابن سعد في كتاب (الطبقات) عن إسحاق بن عبدالله بن أبي مرة قال: لا نعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة قبر إسماعيل فإنه تحت الميزان بين الركن والبيت، وقبر هود في كثيب من الرمل تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة تبدو. موضعه أشد الأرض حرا، وقبر نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال أبو العباس: والقبة التي على العباس بالمدينة يقال فيها سبعة العباس والحسن وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد ويقال: إن فاطمة تحت الحائط أو قريب من ذلك وأن رأس الحسين هناك، وأما القبور المكذوبة منها القبر المضاف إلي أبي بن كعب في دمشق والناس متفقون على أن أبي بن كعب مات بالمدينة النبوية. ومن قال: إن بظاهر دمشق قبر أم حبيبة وأم سلمة أو غيرهما من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب، ولكن بالشام من الصحابيات امرأة يقال لها أم سلمة بنت يزيد بن السكن فهذه توفيت بالشام فهذه قبرها محتمل وأما قبر بلال فممكن فإنه دفن بباب الصغير بدمشق فيعلم أنه دفن هناك وأما القطع بتعيين قبره ففيه نظر فإنه يقال: إن تلك القبور حرثت. ومنها القبر المضاف إلي أويس القرني غربي دمشق فإن أويسًا لم يجئ إلى الشام وإنما ذهب إلي العراق ومنها القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق كذب باتفاق أهل العلم فإن هودا لم يجئ إلى الشام بل بعث باليمن وهاجر إلي مكة فقيل: إنه مات باليمن وقيل: إنه مات بمكة وإنما ذلك قبر معاوية بن يزيد بن معاوية الذي تولى الخلافة مدة قصيرة ثم مات ولم يعهد إلي أحد وكان فيه دين وصلاح ومنها قبر خالد بحمص يقال: إنه قبر خالد بن يزيد ابن معاوية أخي معاوية هذا ولكن لما اشتهر أنه خالد والمشهور عند العامة أنه خالد بن الوليد وقد اختلف في ذلك هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد، وذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب أن خالد بن الوليد توفي بحمص وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأوص إلي عمر والله أعلم. ومنها قبر أبي مسلم الخولاني الذي بداريا اختلف فيه ومنها قبر علي بن الحسين الذي بمصر فإنه كذب قطعا فإن علي بن الحسين توفي بالمدينة بإجماع ودفن بالبقيع. ومنها مشهد الرأس الذي بالقاهرة فإن المصنفين في مقتل الحسين اتفقوا على أن الرأس ليس بمصر ويعلمون أن هذا كذب وأصله أنه نقل من مشهد بعسقلان وذلك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة أو أواخر المائة الخامسة وهذا بني في أثناء المائة السادسة بعد مقتل الحسين - رضي الله عنه - بنحو ثلاثمائة عام، وقد بين كذب المشهد أبو دحية في المعلم المشهور وأن الرأس دفن بالمدينة كما ذكره الزبير بن بكار والذي صح من حمل الرأس ما ذكره البخاري في صحيحه أنه حمل إلي عبيد الله بن زياد وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه وقد شهد ذلك أنس بن مالك وفي رواية أبو برزة الأسلمي وكلاهما كان بالعراق. وقد روي بإسناد منقطع أو مجهول أنه حمل إلي يزيد وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه وأن أبا برزة كان حاضرا وأنكر هذا، وهذا كذب فإن أبا برزة لم يكن بالشام عند يزيد بل كان بالعراق وأما بدن الحسين فبكر بلاء بالاتفاق. قال أبو العباس: وقد حدثني طائفة عن ابن دقيق العيد وطائفة عن أبي محمد عبد الملك بن خلف الدمياطي وطائفة عن أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني وطائفة عن أبي عبدالله القرطبي صاحب التفسير كل هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه. وحدثني عن بعضهم عدد كثير كل يحدثني عمن حدثه من هؤلاء أنه كان ينكر أمر هذا المشهد ويقول إنه كذب وليس في قبر الحسين ولا شيء منه والذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال إنما فيه غيره. ومنها قبر علي - رضي الله عنه - الذي بباطن النجف فإن المعروف عند أهل العلم أن عليا دفن بقصر الإمارة بالكوفة كما دفن معاوية بقصر الإمارة بالشام ودفن عمرو بقصر الإمارة بمصر خوفا عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم ولكن قيل: إن الذي بالنجف قبر المغيرة بن شعبة ولم يكن أحد يذكر أنه قبر علي ولا يقصد أحد أكثر من ثلاثمائة سنة. ومنها قبر عبدالله بن عمر في الجزيرة والناس متفقون على أن عبدالله بن عمر مات بمكة عام قتل ابن الزبير وأوصى أن يدفن بالحل لكونه من المهاجرين فشق ذلك عليهم فدفنوه بأعلى مكة ومنها قبر جابر الذي بظاهر حران والناس متفقون على أن جابرا توفي بالمدينة النبوية وهو آخر من مات من الصحابة بها. ومنها قبر نسب إلى أم كلثوم ورقية بالشام وقد اتفق الناس أنهما ماتا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة تحت عثمان وهذا إنما هو سبب اشتراك الأسماء لعل شخصا يسمى باسم من ذكر، توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة فظن بعض الجهال أنه أحد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والله أعلم[18]. انتهى.

وقد روى الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته.

قال الشوكاني: (فيه أمر بتغيير صور ذوات الأرواح وفيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعًا كثيرًا من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير؛ كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك كما سيأتي وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليه الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء المقبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وملكا وأبي واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن هذا الدرك البيت واجبًا:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارًا نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرماد[19]


انتهى والله المستعان.


[1] صحيح البخاري: (2/103).

[2] فتح الباري: (3/ 165).

[3] فتح الباري: (3/ 163).

[4] صحيح البخاري: (1/116).

[5] فتح الباري: (1/ 524).

[6] فتح الباري: (1/ 525).

[7] صحيح البخاري: (2/111).

[8] فتح الباري: (3/ 200).

[9] فتح الباري: (3: 208).

[10] صحيح البخاري: (1/118).

[11] فتح الباري: (1/531).


[12] صحيح البخاري: (1/118).

[13] فتح الباري: (1/ 531).

[14] إحكام الأحكام: (1/ 252).

[15] المغني: (4/ 470).

[16] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 506).

[17] الفتاوى الكبرى: (5/ 364).

[18] الفتاوى الكبرى: (5/ 364).

[19] نيل الأوطار: (4/ 131).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 24-02-2020, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(كتاب الجنائز 5)

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام



الحديث الثالث عشر

159- عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".

وفي رواية: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب أودعا بدعوى الجاهلية".

قوله: (ليس منا)؛ أي: ليس من أهل سنتنا وطريقتنا وليس المراد به الخروج من الدين ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء.

قوله: (لطم الخدود).

قال الحافظ: (خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك قوله وشق الجيوب جمع جيب وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس وشقه من علامات التسخط.

قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية.

قال الحافظ: أي من النياحة ونحوها وكذا الندبة كقولهم واجبلاه وكذا الدعاء بالويل والثبور)[1] انتهى.

وفي حديث أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور.

الحديث الرابع عشر

160- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين".

ولمسلم: "أصغرهما مثل جبل أحد".

قوله: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط) وفي رواية: "من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط".

قال أكثر العلماء: المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله وقد قربها النبي - صلى الله عليه وسلم - للفهم بتمثيله القيراط بأحد.

قوله: (قيل: وما القيراطان) وفي رواية لمسلم: قيل: وما القيراطان؟ قال: "صغرهما مثل جبل أحد". وهذا يدل على أن القراريط تتفاوت وفي حديث واثلة عند ابن عدي كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد.

قال ابن دقيق العيد: (و"القيراط": تمثيل لجزء من الأجر ومقدار منه وقد مثله في الحديث بـ" أن أصغرهما مثل أحد" وهو من مجاز التشبيه، تشبيها للمعنى العظيم بالجسم العظيم"[2].

قال البخاري: باب فضل اتباع الجنائز. وقال زيد بن ثابت - رضي الله عنه - إذا صليت فقد قضيت الذي عليك.

وقال حميد بن هلال ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط.

حدثنا أبو النعمان، حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعا يقول حدث ابن عمر أن أبا هريرة - رضي الله عنهم -، يقول: من تبع جنازة فله قيراط فقال أكثر أبو هريرة علينا.

فصدقت، يعني عائشة أبا هريرة وقالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فقال ابن عمر- رضي الله عنهما- لقد فرطنا في قراريط كثيرة فرطت ضيعت من أمر الله.

وقال أيضا: باب من انتظر حتى تدفن. وذكر الحديث كلفظ حديث الباب[3].

قال الحافظ: (وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للإفهام وإما على حقيقته)[4] والله أعلم، انتهى.


تتمة:
قال في الاختيارات الفقهية[5]: (ويتبع الجنازة ولو لأجل أهله فقط إحسانًا إليهم لتألفهم أو مكافأة أو غير ذلك، قال ويستحب القيام للجنازة إذا مرت به وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار ابن عقيل، وإذا كان مع الجنازة منكر وهو عاجز عن إزالته تبعها على الصحيح وهو إحدى الروايتين وأنكر بحسبه ويكره رفع الصوت مع الجنازة ولو بالقراءة اتفاقا وضرب النساء بالدف مع الجنازة منكر منهي عنه ومن بني في مقبرة المسلمين ما يختص به فهو غاصب وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، ويحرم الإسراج على القبور واتخاذ المساجد عليها وبنائها ويتعين إزالتها قال أبو العباس: ولا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين، وإذا لم يمكنه المشي إلى المسجد إلا على الجبانة فله ذلك ولا يترك المسجد، ويستحب أن يدعو للميت عند القبر بعد الدفن واقفا قال أحمد: لا باس به قد فعله علي والأحنف، وروي سعيد عن ابن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقف فيدعو ولأنه معتاد بدليل قوله تعالى في المنافقين: ï´؟ وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ï´¾ وهذا هو المراد على ما ذكره المفسرين، وتلقين الميت بعد موته ليس بواجب بإجماع المسلمين ولكن من الأئمة من رخص فيه كالإمام أحمد وقد استحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي وين العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة كما يقوله من يقوله من أصحاب مالك وغيره، فالأقوال فيه ثلاثة: الاستحباب والكراهة والإباحة وهو أعدل الأقوال، وغير المكلف يمتحن ويسأل وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد قاله أبو حكيم وغيره ويكره دفن اثنين فأكثر في قبر واحد وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختارها جماعة من الأصحاب وحديث عقبة بن عامر ثلاث ساعات نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا فسر بعضهم القبر بأنه الصلاة على الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فيه نظر وإثما معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه والعبد لا يدري أين يموت وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون من العمل الصالح ويستحب البكاء على الميت رحمة له وهو أكمل من الفرح لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده" متفق عليه، والميت يتأذى بنوح أهله عليه مطلقا قاله طائفة من العلماء وما يهيج المصيبة من إنشاد الشعر والوعظ فمن النائحة وفي "الفنون" لابن عقيل ما يوافقه ويحرم الذبح والتضحية عند القبر ونقل أحمد كراهة الذبح عند القبر ولهذا كره العلماء الأكل من هذه الذبيحة.

وقال أبو العباس في موضع آخر:
وإخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة وهي تشبه الذبح عند القبر، ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور الصدقة وغيرها ويجوز زيارة قبر الكافر للاعتبار، ولا يمنع الكافر من زيارة قبر أبيه المسلم، واستفاضت الآثار بمعرفة الميت أهله وبأحوال أهله وأصحابه في الدنيا وإن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضًا وبأنه يدري بما يفعل عنده فيسر بما كان حسنًا ويتألم بما كان قبيحًا، وتجتمع أرواح الموتى فينزل الأعلى إلا الأدنى لا العكس، ولا تتبع النساء الجنائز ونقل الجماعة عن أحمد كراهة القرآن على القبور وهو قول جمهور السلف وعليها قدماء أصحابه ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن القراءة عند القبر أفضل، ولا رخص في اتخاذه عيدًا كاعتياد القراءة عنده في وقت معلوم أو الذكر أو الصيام، واتخاذ المصاحف عند القبر بدعة ولو للقراءة ولو نفع الميت لفعله السلف بل هو عندهم كالقراءة في المساجد، ولم يقل أحد من الأئمة المعتبرين أن الميت يؤجر على استماعه للقرآن، ومن قال: إنه ينتفع بسماعه دون ما إذا بعد فقوله باطل يخالف الإجماع، والقراءة على الميت بعد موته بدعة بخلاف القراءة على المحتضر فإنها تستحب بياسين، وقال أبو العباس في غرس الجريدتين نصفين على القبرين: إن الشجر والنبات يسبح ما دام أخضر فإذا يبس انقطع تسبيحه والتسبيح والعبادة عند القبر مما توجب تخفيف العذاب كما يخفف العذاب عن الميت بمجاورة الرجل الصالح كما جاءت بذلك الآثار المعروفة ولا يمتنع أن يكون في اليابس من النبات ما قد يكون في غيره من الجامدات مثل حنين الجذع اليابس إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسليم الحجر والمدر عليه وتسبيح الطعام وهو يؤكل وهذا التسبيح تسبيح مسموع لا بالحال كما يقوله بعض النظار وأما هذه الأوقاف على القرآن ففيها من المصلحة بقاء حفظ القرآن وتلاوته وكون هذه الأموال معونة على ذلك وحاضة عليه إذ قد يدرس حفظ القرآن بسبب عدم الأسباب الحاملة عليه وفيها مفاسد أخر من حصول القراءة لغير الله والتأكل بالقرآن وقراءته على غير الوجه المشروع واشتغال النفوس بذلك عن القراءة المشروعة فمتى أمكن تحصيل هذه المصحلة بدون ذلك جاز والوجه النهي عن ذلك المنع وإبطاله وإن ظن حصول مفسدة أكثر من ذلك لم يدفع أدنى الفسادين باحتمال لأعلاهما ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعًا أو صاموا تطوعًا أو حجوا تطوعًا أو قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل، وقال أبو العباس في موضع آخر الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصوم والقراءة كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة وكما لو دعا له واستغفر له والصدقة على الميت أفضل من عمل ختمة وجمع الناس، ولو أوصى الميت أن يصرف مال في هذه الختمة وقصده التقرب إلى الله صرف إلا محاويج يقرأون القرآن وختمة أو أكثر وهو أفضل من جمع الناس ولا يستحب إهداء القرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو بدعة هذا الصواب المقطوع به قال أبو العباس: وأقدم من بلغنا أنه فعل ذلك علي بن الموفق أحد الشيوخ المشهورين كان أقدم من الجنيد، أحمد طبقته وعاصره وعاش بعده)[6] انتهى والله أعلم والحمد لله رب العالمين.


[1] فتح الباري: (3/ 164).

[2] إحكام الأحكام شرح عمي الأحكام: (1/ 254).

[3] صحيح البخاري: (2/110).

[4] فتح الباري: (2/110).

[5] (1/445).

[6] فتح الباري: (3/198).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 25-02-2020, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(كتاب الزكاة 1)

الحديث الأول
161- عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوما أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله في فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله في فرض عليهم صدفة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".

الزكاة:
أحد أركان الإسلام وهي واجبة بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43] وهي مشتقة من الزكاة والنماء والزيادة يقال زكا الزرع إذا كثر ريعه وزكت النفقة إذا بورك فيها، وهي طهرة للنفس من رذيلة البخل وتطهير من الذنوب قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103].

قوله: (إنك ستأتي قوما أهل الكتاب) وفي رواية تقدم على قوم أهل كتاب وكان بعث معاذ إلي اليمن سنة عشر قبل حج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال الحافظ: (قوله: ستأتي قوما أهل كتاب، هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم. قال: وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن في زمن أسعد ذي كرب وهو تبع الأصغر كما ذكره ابن إسحاق مطولا في السيرة، فقام الإسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية ودخل دين النصرانية إلى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن كما ذكره ابن إسحاق مبسوطا أيضاً، ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا إلا بنجران وهي بين مكة واليمن وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود)[1].

قوله: (فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله).

قال ابن دقيق العيد: (وفي الحديث المطالبة بالشهادتين لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به فمن كان منهم غير موحد على التحقيق كالنصارى فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين عينا، ومن كان موحدا كاليهود فالمطالبة له بالجمع بين ما أقر به من التوحيد وبين الإقرار بالرسالة وإن كان هؤلاء اليهود الذين كانوا باليمن عندهم ما يقتضي الإشراك ولو باللزوم يكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم، وقد ذكر الفقهاء أن من كان كافرا بشيء مؤمنا بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بالإيمان بما كفر به)[2] انتهى.

قال ابن العربي في شرح الترمذي: (تبرأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن العزير ابن الله وهذا لا يمنع كونه كان موجودا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ذلك نزل في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد ذلك ولا تعقبه، والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا جميعهم فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان، كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التشبيه إلي التعطيل، وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلا أنه من الأمور المعنوية لا الحسية فسبحان مقلب القلوب.

وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك، وفي رواية: فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله.

قال الحافظ: (المراد بالعبادة التوحيد والمراد بالتوحيد الإقرار بالشهادتين والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد وقوله فإذا عرفوا الله أي عرفوا توحيد الله والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق)[3].

وقد ذكر البخاري هذا الحديث في باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلي توحيد الله تبارك وتعالى[4].

قال الحافظ: (المراد بتوحيد الله تعالى الشهادة بأنه إله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة الصوفية توحيد العامة وقد ادعى طائفتان في تفسير التوحيد أمرين اخترعوهما أحدهما تفسير المعتزلة كما تقدم ثانيهما غلاة الصوفية، وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التنبيه والتعطيل، ومن ثم قال الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري التوحيد إفراد القديم من المحدث، وقال أبو القاسم التميمي في كتاب الحجة التوحيد مصدر وحد يوحد ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردًا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه.

وقيل: معنى وحدته علمته واحدًا، وقيل سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له، وفي صفاته لا شبيه له في إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره.

قال الحافظ: وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل، وثبت عن أبي حنيفة أنه قال بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال إن الله ليس بشيء، قال والذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات حتى قالوا إن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق، وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق أن رؤوس المبتدعة أربعة- إلى أن قال- والجهمية إتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وقال لا فعل لأحد غير الله تعالى، وإنما ينسب الفعل إلا العبد مجازا من غير أن يكون فاعلا أو مستطيعا لشيء، وزعم أن علم الله حادث وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد حتى قال لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره، قال واصفه بأنه خالق ومحي ومميت وموحد بفتح المهملة الثقيلة لأن هذه الأوصاف خاصة به، وزعم أن كلام الله حادث ولم يسم الله متكلما به، وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بلغني أن جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب فقال إني مضح والجعد بن درهم لأنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، قال الحافظ: وكان ذلك في خلافة هشام بن عبدالملك، ونقل البخاري عن محمد بن مقاتل قال: قال عبدالله بن المبارك:
ولا أقول بقول الجهم إن له
قولاً يضارع قول الشرك أحيانًا


وعن ابن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم، وعن عبدالله بن شوذب قال: ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك وأخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق خلف بن سليمان البلخي قال كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ولم يكن له نفاذ في العلم فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له صف لنا ربك الذي تعبده فدخل البيت لا يخرج مدة، ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شيء، وأخرج ابن خزيمة في التوحيد ومن طريقه البيهقي في الأسماء قال سمعت أبا قدامة يقول سمعت أبا معاذ البلخي يقول كان جهم على معبر ترمذ وكان كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت لا يخرج كذا ثم خرج بعد أيام فقال هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء وأخرج البخاري من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة قال كلام جهم صفة بلا معنى وبناء بلا أساس ولم يعد قط في أهل العلم، وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته وأورد آثارا كثيرة عن السلف في تكفير جهم - إلى أن قال - وقال ابن حزم في كتاب الملل والنحل فرق المقرين بملة الإسلام خمس أهل السنة ثم المعتزلة ومنهم القدرية ثم المرجئة ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والإباضية ثم افترقوا فرقا كثيرة، فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع وأما في الاعتقاد ففي نبذ يسيرة وأما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب، فأقرب فرق المرجئة من قال الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط وليست العبادة من الإيمان وأبعدهم الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الوثن من غير تقية والكرامية القائلون بأن الإيمان قول باللسان فقط وإن اعتقد الكفر بقلبه وساق الكلام على بقية الفرق، ثم قال: فأما المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر فمن قال إن العبادة من الإيمان وأنه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ولا يقول إنه يخلد في النار فليس مرجئا ولو وافقهم في بقية مقالاتهم، وأما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر فمن قال القرآن ليس بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وأن صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي، وإن وافقهم في سائر مقالاتهم وساق بقية ذلك - إلى أن قال -:
وأما الكلام فيما يوصف الله به فمشترك بين الفرق الخمسة من مثبت لها وناف فرأس النفاة المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون، ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن تبعه من الرافضة والكرامية فإنهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوا كبيرا، ونظير هذا التباين قول الجهمية إن العبد لا قدرة له أصلا وقول القدرية إنه يخلق فعل نفسه، قال الحافظ: وقد أفرد البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف)[5]انتهى.

قال الغزالي:
أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين.

وقال القرطبي في شرح حديث أبغض الرجال إلا الله الألد الخصم:
هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسلف أمته إلي طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها، وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها، ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى- إلى أن قال- ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان عجز عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز، وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال، ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه كما هو طريق السلف وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا، قال: وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك ويبعضهم إلي الإلحاد وببعضهم إلي التهاون بوظائف العبادات، وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها، وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال ركبت البحر الأعظم وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به.

قال الحافظ: (وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى أغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء)[6] انتهى.

قال الحافظ: (المذموم من التقليد أخذ قول الغير بغير حجة وهذا ليس منه حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله أوجب إتباعه في كل ما يقول وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا وأما من دونه ممن اتبعه في قول قاله واعتقد أنه لو لم يقله لم يقل هو به فهو المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا، وقال: ومن الناس من تطمئن نفسه وينشرح صدره للإسلام من أول وهلة ومنهم من يتوقف على الاستدلال فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار لقوله تعالى: ﴿ قوا أنفسكم وأهليكم نارا ﴾ ويجب على كل من استرشده أن يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده وأما من استقرت نفسه إلي تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقا من الله وتيسيرا فهم الذين قال الله في حقهم ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 7] الآية وقال: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125] الآية وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لرؤسائهم لأنهم لو كفر آباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة- إلى أن قال- وقال غيره: قول من قال طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ليس بمستقيم لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف وليس الأمر كما ظن بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفي غاية التعظيم له والخضوع لأمره والتسليم لمراده وليس من سلك طريق الخلف واثقا بأن الذي يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله)[7] انتهى.

وقال ابن السمعاني: الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب وأما الفروع فلم يثبت عن أحد منهم النهي عنها إلا من ترك النص الصحيح وقدم عليه القياس وأما من اتبع النص وقاس عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك لأن الحوادث في المعاملات لا تنقضي وبالناس حاجة إلي معرفة الحكم فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك بخلاف علم الكلام. انتهى.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 25-02-2020, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



وقال بعض العلماء: المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى والإيمان برسله وبما جاؤوا به كيفما حصل وبأي طريق إليه يوصل ولو كان عن تقليد محض إذا سلم من التزلزل، قال القرطبي: هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبلهم من أئمة السلف.

قال الحافظ: (والعجب أن من اشترط ذلك من أهل الكلام ينكرون التقليد وهم أول داع إليه حتى استقر في الأذهان أن من أنكر قاعدة من القواعد التي أصلوها فهو مبتدع ولو لم يفهمها ولم يعرف مأخذها وهذا هو محض التقليد فآن أمرهم إلي تكفير من قلد الرسول عليه الصلاة و السلام في معرفة الله تعالى والقول بإيمان من قلدهم وكفى بهذا ضلالا) [8] انتهى.

قال البخاري: باب ï´؟ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ï´¾ ï´؟ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيم ï´¾ قال أبو العالية ï´؟ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ï´¾ ارتفع ï´؟ فَسَوَّاهُنَّ ï´¾ خلقهن وقال مجاهد ï´؟ اسْتَوَى ï´¾ علا على العرش.

قال الحافظ: (وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلي داود بن علي بن خلف قال: كنا عند أبي عبدالله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما أخبر، قال: يا أبا عبدالله إنما معناه استولى، فقال: اسكت، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، وقال غيره لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش لأنه غالب على جميع المخلوقات، ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع وقال أبو عبيد والفراء وغيرهما بنحوه، وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر، وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه ونؤمن بما صرحت به السنة من صفاته، وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلي المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شيء، ومن طريق الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال ليس كمثله شيء، وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينه قال: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه ومن طريق أبي بكر الضبعي قال: مذهب أهل السنة في قوله: ï´؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ï´¾ قال: بلا كيف، والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه لو قيل يد كيد وسمع كسمع، وقال ابن عبد البر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مثله فسماهم من أقر بها معطلة)[9] انتهى ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله: (فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وفي رواية: فإن هم أطاعوا بذلك.

قال الحافظ: أي شهدوا وانقادوا، وفي رواية ابن خزيمة فإن هم أجابوا لذلك وقال وعدى أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد.

وقال: واستدل به على أن الوتر ليس بفرض.

قال الخطابي: إن ذكر الصدقة أخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم وأنها لا تكرر تكرار الصلاة.

قال الحافظ: وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة.

قوله: (فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).

قال البخاري: باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا. وذكر الحديث، قال الإسماعيلي ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم، وقال ابن المنير أختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد في فقرائهم لأن الضمير يعود على المسلمين فان فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث[10].

قال الحافظ: (وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه من هو متصف بصفة الاستحقاق، وقال أيضا: استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه فمن امتنع منها أخذت منه قهرا.

قوله: (على فقرائهم)، استدل به لقول مالك وغيره إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، وقال الخطابي: وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا كان إخراج ماله مستحقا لغرمائه.

قوله: (فإن هم أطاعوا بذلك فإياك وكرائم أموالهم)، والكرائم جمع كريمة أي نفيسة، ففيه ترك أخذ خيار المال، والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك.

قوله: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلي أن أخذها ظلم.

قوله: (قوله ليس بينها وبين الله حجاب).

قال الحافظ: (أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده حسن)[11] انتهى.

وقال الطيب: قوله: اتق دعوة المظلوم، تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره، وقوله: فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار السلطان متظلما فلا يحجب.

قال ابن العربي: إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى: ï´؟ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ï´¾ بقوله تعالى: ï´؟ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء ï´¾ انتهى.

ولم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر، قال الكرماني: اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر.

قال الحافظ: (وقال شيخنا شيخ الإسلام: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى: ï´؟ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ï´¾ [التوبة: 5] في موضعين من براءة مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعا، وحديث ابن عمر أيضاً: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" وغير ذلك من الأحاديث، قال: والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة اعتقادي وهو الشهادة وبدني وهو الصلاة ومالي وهو الزكاة اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي وأيضا فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار والصلوات شاقة لتكررها والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها)[12] والله أعلم.

قال الحافظ: (وفي الحديث أيضا الدعاء إلي التوحيد قبل القتال وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها.

وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم.

وقال أيضا: وفي حديث بن عباس من الفوائد غير ما تقدم الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين فإن من لازم الإيمان بالله ورسوله التصديق بكل ما ثبت عنهما والتزام ذلك فيحصل ذلك لمن صدق بالشهادتين واما ما وقع من بعض المبتدعة من إنكار شيء من ذلك فلا يقدح في صحة الحكم الظاهر لأنه إن كان مع تأويل فظاهر وإن كان عنادا قدح في صحة الإسلام فيعامل بما يترتب عليه من ذلك كأجراء أحكام المرتد وغير ذلك.

قال: وفيه وجوب أخذ الزكاة ممن وجبت عليه وقهر الممتنع على بذلها ولو لم يكن جاحدا فإن كان مع امتناعه ذا شوكة قوتل وإلا فإن أمكن تعزيره على الامتناع عزر بما يليق به، وقد ورد عن تعزيره بالمال حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ولفظه: ومن منعها يعني الزكاة فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم، وأما ابن حبان فقال في ترجمة بهز ابن حكيم لولا هذا الحديث لأدخلته في كتاب الثقات، وأجاب من صححه ولم يعمل به بأن الحكم الذي دل عليه منسوخ وأن الأمر كان أولا كذلك ثم نسخ، وضعف النووي هذا الجواب من جهة أن العقوبة بالمال لا تعرف أولا حتى يتم دعوى النسخ ولأن النسخ لا يثبت إلا بشرطه كمعرفة التاريخ ولا يعرف ذلك، واعتمد النووي ما أشار إليه ابن حبان من تضعيف بهز وليس بجيد لأنه موثق عند الجمهور حتى قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح إذا كان دون بهز ثقة وقال الترمذي: تكلم فيه شعبة وهو ثقة عند أهل الحديث وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له في الصحيح، وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: وهو عندي حجة لا عند الشافعي فإن اعتمد من قلد الشافعي على هذا كفاه، ويؤيده إطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به فدل على أن له معارضا راجحا وقول من قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف وقد دل خبر الباب أيضا على أن الذي يقبض الزكاة الإمام أو من أقامه لذلك وقد أطبق الفقهاء بعد ذلك على أن لأرباب الأموال الباطنة مباشرة الإخراج وشذ من قال بوجوب الدفع إلى الإمام وهو رواية عن مالك وفي القديم للشافعي نحوه على تفصيل عنهما فيه)[13] انتهى والله أعلم.


[1] فتح الباري: (3/ 358).

[2] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1/ 256).

[3] فتح الباري: (3/ 354).

[4] صحيح البخاري: (3/140).

[5] فتح الباري: (13/ 348).

[6] فتح الباري: (13/350).

[7] فتح الباري: (13/ 351).

[8] فتح الباري: (13/ 354).

[9] فتح الباري: (13/ 406).

[10] صحيح البخاري: (2/ 158).

[11] فتح الباري: (3/ 357).

[12] فتح الباري: (3/ 361).

[13] فتح الباري: (3/ 360).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #95  
قديم 25-02-2020, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(كتاب الزكاة 2 )





الحديث الثاني
162- عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة".

قال البخاري: باب زكاة الورق. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (أي الفضة، قال ابن المنير: لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بان يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية.

قوله: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)، وفي رواية: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة".

قال الحافظ: ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب انتهى.

وعشرة الدراهم سبعة مثاقيل فنصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة قوله ولا فيما دون خمس ذود صدقة)[1].

قال البخاري: باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة.

وذكر الحديث ولفظه: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة.

قال الزين بن المنير: أضاف خمس إلي ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث وأضافه إلى الجمع لأنه يقع على المفرد والجمع[2].

قال الحافظ: (والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلي العشرة وأنه لا واحد له من لفظه)[3].

قوله: (ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة).

قال الحافظ: (اختلف في هذا النصاب هل هو تحديد أو تقريب وبالأول جزم أحمد وهو أصح الوجهين للشافعية إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر قاله ابن دقيق العيد، وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب، واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة أوسق بحسابه ولا وقص فيها.

قال الحافظ: واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة، واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيرة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء العشر" ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك، وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤنة وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد فائدة أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات)[4] والله أعلم.

قال البخاري: باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري. ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا[5].

وذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر"، قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول، يعني حديث ابن عمر- وفيما سقت السماء العشر وبين في هذا ووقت والزيادة مقبولة والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في الكعبة وقال بلال قد صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل.

قال الحافظ: (قوله: قال أبو عبد الله: هذا تفسير الأول الخ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العثري ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد قال ولذكره عقب كل من الحديثين وجه لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر، فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملا بالدليلين)[6] انتهى.

وقال البخاري: بعد هذا باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة [7].

وذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، ولفظه: ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة، ولا في أقل من خمس أواق من الورق صدقة.

قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول إذا قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ويؤخذ أبدا في العلم بما زاد أهل الثبت، أو بينوا. انتهى.

تتمة:
عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء - يعنى في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار" رواه أبو داود.

وعن عتاب بن أسيد قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا. رواه أبو داود والترمذي، وعن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن فقال: دخل الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر" رواه أبو داود، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - " ليس في البقر العوامل صدقة" رواه أبو داود والدار قطني. وبالله التوفيق.

الحديث الثالث
163- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة".

وفي لفظ: "إلا زكاة الفطر في الرقيق".

قوله: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة).
فيه دليل على عدم وجوب الزكاة في الخيل والعبيد إذا كانا لغير التجارة عن علي به - رضي الله عنه - مرفوعا: "قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة" أخرجه أبو داود وغيره.

قوله: إلا زكاة الفطر في الرقيق)، فيه دليل على وجوب زكاة الفطر عن العبيد.

قال البخاري: باب صدقة الفطر على الحر والمملوك[8].

وقال الزهري في المملوكين للتجارة يزكي في التجارة ويزكي في الفطر.

قال الحافظ: وما نقله البخاري عن الزهري هو قول الجمهور. انتهى والله أعلم.


[1] فتح الباري: (3/ 310).

[2] صحيح البخاري: (2/147).

[3] فتح الباري: (3/ 323).

[4] فتح الباري: (3/ 350).

[5] صحيح البخاري: (2/ 155).

[6] فتح الباري: (3/ 349).

[7] صحيح البخاري: (2/156).

[8] صحيح البخاري: (2/162).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #96  
قديم 25-02-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



( كتاب الزكاة 3 )





الحديث الرابع

164- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

الجبار: الهدر الذي لا شيء فيه، و العجماء: الدابة البهيم.
قوله: (العجماء جبار).
وقال البخاري: باب العجماء جبار [1].

وقال ابن سيرين كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان.

وقال حماد لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة.

وقال شريح لا تضمن ما عاقبت أن يضربها فتضرب برجلها.

وقال الحكم وحماد إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة فتخر لا شيء عليه.

وقال الشعبي إذا ساق دابة فأتعبها فهو ضامن لما أصابت وإن كان خلفها مترسلا لم يضمن.

حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العجماء عقلها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاب الخمس" انتهى.

سميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم، قال الترمذي فسر بعض أهل العلم قالوا العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت من انفلاتها فلا غرم على صاحبها، وقال أبو داود بعد تخريجه العجماء التي تكون منفلتة لا يكون معها أحد وقد تكون بالنهار ولا تكون بالليل.

قال الحافظ: (ووقع عند ابن ماجه في آخر حديث عبادة بن الصامت والعجماء البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار هو الهدر الذي لا يغرم، قال والمراد بالعقل الدية أي لا دية فيما تتلفه وقد استدل بهذا الإطلاق من قال لا ضمان فيما أتلفت البهيمة سواء كانت منفردة أو معها أحد سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها وهو قول الظاهرية واستثنوا ما إذا كان الفعل منسوبا إليه بان حملها على ذلك الفعل إذا كان راكبا كان يلوي عنانها فتتلف شيئا برجلها مثلا أو يطعنها أو يزجرها حين يسوقها أو يقودها حتى تتلف ما مرت عليه وأما ما لا ينسب إليه فلا ضمان فيه، وقال الشافعية إذا كان مع البهيمة إنسان فإنه يضمن ما أتلفته من نفس أو عضو أو مال سواء كان سائقا أو راكبا أو قائدا سواء كان مالكا أو أجيرا أو مستأجرا أو مستعيرا أو غاصبا وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو ذنبها أو رأسها وسواء كان ذلك ليلا أو نهارا والحجة في ذلك أن الإتلاف لا فرق فيه بين العمد وغيره ومن هو مع البهيمة حاكم عليها فهي كالآلة بيده ففعلها منسوب إليه سواء علم به أم لا، وعن مالك كذلك إلا إن رمحت بغير أن يفعل بها أحد شيئا ترمح بسببه وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور، وقد وقع في رواية جابر عند أحمد والبزار بلفظ السائمة جبار وفيه إشعار بأن المراد بالعجماء البهيمة التي ترعى لا كل بهيمة لكن المراد بالسائمة هنا التي ليس معها أحد لأنه الغالب على القائمة وليس المراد بها التي لا تعلف كما في الزكاة فإنه ليس مقصودا هنا واستدل به على أنه لا فرق في إتلاف البهيمة للزروع وغيرها في الليل والنهار وهو قول الحنفية والظاهرية وقال الجمهور إنما يسقط الضمان إذا كان ذلك نهارا وأما بالليل فإن عليه حفظها فإذا أتلفت بتقصير منه وجب عليه ضمان ما أتلفت ودليل هذا التخصيص ما أخرجه الشافعي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن حرام بن محيصة الأنصاري عن البراء بن عازب قال: كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها وأن على أهل المواشي ما أصابت ماشيتهم بالليل، قال الشافعي أخذنا بحديث البراء لثبوته ومعرفة رجاله ولا يخالفه حديث العجماء جبار لأنه من العام والمراد به الخاص فلما قال العجماء جبار وقض فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار). انتهى.

وقالت المالكية يضمن ما أفسدت الدابة بالليل ولا يضمن بالنهار وقيدوا ذلك بما إذا سرحت الدواب في مسارحها المعتاد للرعي وأما إذا كانت في أرض مزروعة لا سرح فيها فإنهم يضمنون ليلا ونهارا.

وقال في "الشرح الكبير" لابن قدامة[2]: قال بعض أصحابنا إنما يضمن مالكها ما أتلفته ليلا إذا فرط بإرسالها ليلا أو نهارا أو لم يضمها بالليل أو ضمها بحيث يمكنها الخروج أما إذا ضمها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان على مخرجها أو فاتح بابها لأنه المتلف، قال القاضي هذه المسألة عندي محمولة على موضع فيه مزارع ومراعي أما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين قراحين كساقية وطريق وطرف زرع فليس لصاحبها إرسالها بغير حافظ عن الزرع فإن فعل فعليه الضمان لتفريطه. انتهى.

وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية"[3]: من أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا أو عضوضا على الناس وخلاه في طريقهم ومصاطبهم ورحابهم فأتلف مالا أو نفسا ضمن لتفريطه، وكذا إن كان له طائر جارح كالصقر والبازي فأفسد طيور الناس وحيواناتهم وفي الانتصار أن البهيمة الصائلة يلزم مالكها وغيره إتلافها، وكذا في عيون المسائل إذا عرفت البهيمة بالصول يجب على مالكها قتلها، وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فوطئت بيد أو رجل فهو ضامن" رواه الدارقطني، قال المجد: وهذا عند بعضهم فيما إذا أوقفها في طريق ضيق أوحيت تضر المارة. انتهى.

وقال في الاختيارات: (ومن أمر رجلا بإمساك دابة ضارية فجنت عليه ضمنه إن لم يعلمه بها، ويضمن جناية ولد الدابة إن فرط نحو أن يعرفه شموصا والدابة إذا أرسلها صاحبها بالليل كان مفرطا فهو كما إذا أرسلها قرب زرع، ولو كان معها قائد أو راكب أو سائق فما أفسدت بفمها أو يدها فهو عليه لأنه تفريط، وهو مذهب أحمد)[4] انتهى والله أعلم.

قوله: (والبئر جبار والمعدن جبار).
قال البخاري: باب المعدن جبار والبئر جبار[5].
وذكر الحديث ولفظه: العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاب الخمس.

قال الحافظ: (قال أبو عبيد المراد بالبئر هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها مالك تكون في البادية فيقع فيها إنسان أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد وكذلك لو حفر بئرا في ملكه أو في موات فوقع فيها إنسان أو غيره فتلف فلا ضمان، إذا لم يكن منه تسبب إلى ذلك ولا تغرير، وكذا لو استأجر إنسانا ليحفر له البئر فانهارت عليه فلا ضمان وأما من حفر بئرا في طريق المسلمين وكذا في ملك غيره بغير إذن فتلف بها إنسان فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر والكفارة في ماله وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور والمراد بجرحها ما يحصل بالواقع فيها من الجراحة وليست الجراحة مخصوصة بذلك بل كل الاتلافات ملحقة بها.

قال الحافظ: قوله والمعدن جبار، وقع في رواية الأسود بن العلاء عند مسلم: والمعدن جرحها جبار، والحكم فيه ما تقدم في البئر، لكن البئر مؤنثة والمعدن مذكر فكأنه ذكره بالتأنيث للمؤاخاة أو لملاحظة أرض المعدن فلو حفر معدنا في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص فمات فدمه هدر وكذا لو استأجر أجيرا يعمل له فانهار عليه فمات ويلتحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل كمن استؤجر على صعود نخلة فسقط منها فمات)[6] انتهى.

وقال الموفق: (وإن حفر البئر لنفع المسلمين، مثل أن يحفره لينزل فيه ماء المطر من الطريق، أو لتشرب منه المارة، ونحوها، فلا ضمان عليه. لأنه محسن بفعله، غير متعد بحفره، فأشبه باسط الحصير في المسجد)[7].

وقال العلاء المقدسي: (قوله وفي الترغيب: إن رشه ليسكن الغبار فمصلحة عامة كحفر بئر في سابلة، وفيه روايتان يعني في الضمان بحفر ذلك قال والصحيح من المذهب عدم الضمان)[8]. انتهى وبالله التوفيق.

قوله: (وفي الركاز الخمس)، الركاز المال المدفون.
قال البخاري: باب في الركاب الخمس.

وقال مالك، وابن إدريس الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيرة الخمس وليس المعدن بركاز.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: في المعدن جبار وفي الركاز الخمس.

وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة.

وقال الحسن ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها- قال المبارك- لعله عرفها لان كانت من العدو ففيها الخمس.

وقال بعض الناس: المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية لأنه يقال أركز المعدن إذا خرج منه شيء قيل له قد يقال لمن وهب له شيء، أو ربح ربحا كثيرا، أو كثر ثمره أركزت ثم ناقض وقال: لا بأس أن يكتمه فلا يؤدي الخمس[9] وذكر الحديث.

قال الحافظ: (روى البيهقي في المعرفة من طريق الربيع قال: قال الشافعي: والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد)[10].

قال الحافظ: (والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلي عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز، وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه، وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم.

وقال أيضاً: ذهب الجمهور إلا أن الركاز هو المال المدفون، لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك أو مسجد فهو لقطة وإذا وجده في أرض مملوكة فإن كان المالك الذي وجده فهو له وإن كان غيره فإن ادعاه المالك فهو له وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيي تلك الأرض، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلي الحديث وخصه الشافعي أيضا بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص واختاره ابن المنذر، واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور مصرفه مصرف خمس الفيء وهو اختيار المزني وقال الشافعي في أصح قوليه مصرفه مصرف الزكاة وعن أحمد روايتان، وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال)[11] انتهى.

وروي أبو عبيد بإسناده: (عن الشعبي، أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارجا من المدينة، فأتي بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها الخمس مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين، إلى أن أفضل منها فضلة فقال عمر: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال له عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك. وروي الإمام أحمد بإسناده عن عبد الله بن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه يقال له: ابن حممة، قال: سقطت علي جرة من دير قديم بالكوفة، عند جبانة بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي - رضي الله عنه- فقال: اقسمها خمسة أخماس.

فقسمتها، فأخذ علي منها خمسًا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني، فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم.

قال: فخذها فاقسمها بينهم)[12].


[1] صحيح البخاري: (9/15).

[2] الشرح الكبير: (5/ 455).

[3] الآداب الشرعية: (3/ 241).

[4] الفتاوى الكبرى: (5/420).

[5] صحيح البخاري: (9/15).

[6] فتح الباري: (12/ 255).

[7] المغني: (19/164).

[8] تصحيح الفروع: (9/ 417).

[9] صحيح البخاري: (2/ 159).

[10] فتح الباري: (3/ 364).

[11] فتح الباري: (3/ 365).

[12] كتاب الأموال؛ لأبي عبيد: (1/ 428).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #97  
قديم 25-02-2020, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(كتاب الزكاة 4)





الحديث الخامس

165- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله تعالى، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها". ثم قال: "يا عمر، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه".

قال البخاري: باب قول الله تعالى: ï´؟ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ï´¾ [التوبة: 60] ويذكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما- يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج، وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ï´¾ [التوبة: 60] الآية في أيها أعطيت أجزأت، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله ويذكر عن أبي لاس حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل الصدقة للحج.

حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله وأما العباس بن عبد المطلب فعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي عليه صدقة ومثلها معها"[1].

قوله: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر ساعيا على الصدقة).

قال الحافظ: (وهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة.

قوله: (فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -)، ليس منعهم الزكاة جحدا ولا عنادا أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقا ثم تاب بعد ذلك وأما خالد فكان متأولا بإجراء ما حبسه عن الزكاة وكذلك العباس لاعتقاده ما سيأتي.

قال الحافظ: (ولهذا عذر النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا والعباس ولم يعذر ابن جميل.

قوله: (ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله)، أي ما ينكر أو يكره، وفي رواية: فأغناه الله ورسوله، إنما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه لأنه كان سببا لدخوله في الإسلام فأصبح غنيا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم، وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له، وفيه التعريض بكفران النعم وتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان.

قوله: (وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)، أي تظلمون خالدا بنسبتكم إياه إلي المنع وهو لا يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله.

وقوله: (وعتاده) هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح.

وقوله: (وأما العباس فهي علي ومثلها. ثم قال: يا عمر، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه)، الصنو المثل وأصله في النخل أن يجمع النخلتين أصل واحد، وفي رواية: فهي عليه صدقة ومثلها معها.

قال الحافظ: فعلى الرواية الأولى يكون - صلى الله عليه وسلم - ألزمه بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فالمعنى فهي صدقة ثابتة عليه سيصدق بها ويضيف إليه مثلها كرما، ودلت رواية مسلم على أنه - صلى الله عليه وسلم - إلتزم بإخراج ذلك عنه لقوله فهي علي، وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله إن العم صنو الأب تفضيلا له وتشريفا، ويحتمل أن يكون تحمل عنه بها فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي، وجمع بعضهم بين رواية "علي" ورواية "عليه" بأن الأصل رواية "علي" ورواية "عليه مثلها" إلا أن فيها زيادة هذه السكت حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر، وقيل معنى قوله علي أي هي عندي قرض لأنني استسلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي وفي إسناده مقال وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين" وهذا مرسل وروى الدارقطني أيضًا موصولا بذكر طلحة فيه وإسناد المرسل أصح، وفي الدارقطني أيضًا من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر ساعيا فأتي العباس فأغلظ له فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل" وفي إسناده ضعف، وأخرجه أيضًا هو والطبراني من حديث أبي رافع نحو هذا وإسناده ضعيف أيضًا، ومن حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجل من العباس صدقته سنتين وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف، ولو ثبت لكان رافعًا للأشكال ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات، وفيه رد لقول من قال إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم. - إلى أن قال- واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح وغيره من آلات الحرب والإعانة بها في سبيل الله بناء على أنه عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه كما سبق وهي طريقة البخاري، وأجاب الجمهور بأجوبة أحدها أن المعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل إخبار من أخبره بمنع خالد حملا على أنه لم يصرح بالمنع وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه ويكون قوله تظلمونه أي بنسبتكم إياه إلي المنع وهو لا يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتدبيس سلاحه وخيله، ثانيها أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة ولمن أوجبها في عروض التجارة، ثالثها: أنه كان نوى بإخراجها عن ملكه الزكاة عن ماله لأن أحد الأصناف سبيل الله وهم المجاهدون، وهذا يقوله من يجيز إخراج القيم في الزكاة كالحنفية ومن يجيز التعجيل كالشافعية وقد استدل البخاري به على إخراج العروض في الزكاة - إلى أن قال - وفي الحديث بعث الإمام العمال لجباية الزكاة وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه والعتب على من من الواجب وجواز ذكره في غيبته بذلك وتحمل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه والاعتذار عن بعض الرعية بما يسوغ الاعتذار به والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. انتهى.

واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح وأن الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبسة وعلى صرف الزكاة إلا صنف واحد من الثمانية وقد اختلف العلماء في الوقف هل فيه زكاة أم لا؟ فأوجب مالك والشافعي الزكاة في الثمار المحبسة الأصول، وكان مكحول وطاووس يقولان لا زكاة فيها، وفرق بين أن تكون محبسة على المساكين وبين أن تكون على قوم بأعيانهم فأوجبوا فيها الصدقة إذا كانت على قوم بأعيانهم ولم يوجبوا فيها الصدقة إذا كانت على المساكين)[2].

وقال في المقنع:
(الرابع تمام الملك فلا زكاة في دين الكتابة ولا في السائمة الموقوفة. ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما.

قال في الحاشية:
قوله: ولا في السائمة الموقوفة إن كانت على غير معين كالمساجد والمدارس والربط وهذا المذهب وعليه الأصحاب قاطبة.

وإن كانت على معينين كالأقارب فني وجوب الزكاة فيها وجهان:
أحدهما: تجب الزكاة فيها وهو المذهب نص عليه ابن قدمه في شرحه لعموم قوله عليه الصلاة والسلام في كل أربعين شاة شاة ولعموم غيره من النصوص ولأن الملك ينتقل إلي الموقوف إليه في الصحيح من المذهب.

والثاني لا زكاة فيها لأن الملك لا يثبت فيها في وجه فإن وقف أرضا أو شجرا على معين وجبت الزكاة مطلقا في الغلة على الصحيح من المذهب لجواز بيعها)[3] انتهى والله أعلم.


[1] صحيح البخاري: (2/ 151).

[2] فتح الباري: (3/333).

[3] المبدع شرح المقنع: (2/166).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #98  
قديم 25-02-2020, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(كتاب الزكاة 5)

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث السادس

166- عن عبدالله بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله عنه - قال: لما أفاء الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قسم في الناس وفي المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فالحكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله؟" كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن، قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله؟" قالوا: الله ورسوله أمن. قال: "لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وبكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

قوله: (لما أفاء الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين) أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة.

قوله: (قسم في الناس) حذف المفعول والمراد به الغنائم، ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب يعطي رجالا المائة من الإبل، وحنين واد بين مكة والطائف، وقال عكرمة إلي جنب ذي المجاز.

قوله: (قسم في الناس وفي المؤلفة قلوبهم)، وفي حديث أنس: يعطي رجالا المائة من الإبل.

قال الحافظ: (والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم، وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله، في رواية الزهري فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أخالفهم. انتهى.

وفي حديث أنس فأعطى الطلقاء والمهاجرين، والمراد بالطلقاء جمع طليق من حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة.

وعن رافع بن خريج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة مائة من الإبل، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى صفوان بن أمية مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة فانشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبي
د بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس
يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما
ومن تضع اليوم لا يرفع


قال: فأكمل له المائة. رواه أحمد ومسلم.

قوله: (ولم يعط الأنصار شيئا).

قال الحافظ: (ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة).

قوله: (فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس)، وفي حديث أنس فقالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، وفي رواية: إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا.

قال الحافظ: وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة.

قوله: (فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار)، وعند مسلم فحمد الله وأثنى عليه، وفي رواية: فحدث رسول الله بمقالتهم فأرسل إلي الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما كان حديث بلغني عنكم قال له فقهاؤهم أما ذوو آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا الحديث، وقال ابن إسحاق لما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك، فقال: "فأين أنت من ذلك يا سعد" قال يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي، قال: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة" قال فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة الحديث.

قوله: (ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله؟ كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن).

ضلالا بالضم والتشديد جمع ضال.

قال الحافظ: والمراد هنا ضلالة الشرك وبالهداية الإيمان، وقد رتب - صلى الله عليه وسلم - ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبا بالغا، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الآلفة وهي أعظم من نعمة المال لأن الأموال تبذل في تحصيلها وقد لا تحمل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى: ï´؟ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ï´¾ [الأنفال: 63][1].

قوله: (عالة)، أي فقراء لا مال لهم، والعيلة الفقر.

قوله: (قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: الله ورسوله أمن)، وفي حديث لأبي سعيد عند ابن إسحاق: أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك، وعند أحمد من حديث أنس فقالوا بل المن علينا لله ولرسوله.

قال الحافظ: (وإنما قال - صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وأنصافا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وقد نبه على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا ترضون" إلخ فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية.

قوله: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلي رحالكم)، وفي حديث أنس: فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، وفيه أيضاً قالوا يا رسول الله قد رضينا، وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا لا حاجة لنا بالدنيا، قوله: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه منها الولادة والبلادية والاعتقادية والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا، قال وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليه أمرا واجبا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلي داركم.

قوله: (ولو سلك الناس واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها).

قال الحافظ: وأراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا وبما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا، وفق هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله، قال الخطابي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار.

قوله: (الأنصار شعار والناس دثار)، الشعار الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار الذي فوقه، وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه، وأراد أيضا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم، زاد في حديث أبي سعيد: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى اخضعوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا.

قوله: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض). قوله: أثرة بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين ويجوز كسر أوله مع الإسكان أي: الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه، وفي رواية الزهري: أثرة شديدة والمعنى أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق، وفي رواية الزهري: حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض، أي اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدونني عند الحوض فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر، قال: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم إقامة الحجة على الخصم إقحامه بالحق عند الحاجة إليه وحسن أدب الأنصار في تركهم المماراة والمبالغة في الحياء وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم، وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم وأن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه، ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلي الحق، وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبه بإقامة حجة من عتب عليه والاعتذار والاعتراف، وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: "ستلقون بعدي أثرة" فكان كما قال، وقد قال الزهري في روايته عن أنس في آخر الحديث: قال أنس فلم يصبروا، وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء وأن له أن يعطى الغني منه للمصلحة وأن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك، ومشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصا أم عاما، وفيه جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة، وفيه تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة والحض على طلب الهداية والألفة والغنى وأن المنة لله ورسوله على الإطلاق وتقديم جانب الآخرة على الدنيا والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة والآخرة خير وأبقي)[2] انتهى وبالله التوفيق وهو المستعان.

تتمة:
قال في الاختيارات: لا تجب في دين مؤجل أو على معسر أو مماطل أو جاحد ومغصوب ومسروق وضال وما دفنه ونسيه جهل عند من هو ولو حصل في يده وهو رواية عن أحمد واختارها وصححها طائفة من أصحابه وقول أبي حنيفة، ودين الابن الذي له على أبيه.

قال أبو العباس: الأشبه عندي أن يكون بمنزلة المال الضال فيخرج على الروايتين ووجهه ظاهر فإن الابن غير ممكن من المطالبة به فقد حيل بينه وبينه ولو قيل: لا تلزمه زكاته بمنزلة دين الكتابة لكان متوجهاً، ودين الولد هل يمنع الزكاة عن الأب لثبوته في الذمة أم لا لتمكنه من إسقاطه، خرجه أبو العباس على وجهين وجعل أصلهما الخلاف على أن قدرة المريض على استرجاع ملكه المنتقل عنه عيناً أو غيره هل ينزل منزلة تبرعه في المرض أم لا وتجب الزكاة في جميع أجناس الأجرة المقبوضة ولا يعتبر لها مضي الحول وهو رواية عن أحمد ومنقول عن ابن عباس ويصح أن يشترط رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح ولا يقال بعدم الصحة ونقله المروزي عن أحمد لأنه قد تحيط الزكاة بالربح فيختص رب المال بعمله لأنا نقول: لا يمتنع ذلك لما يختص بنفعه في المساقاة إذا لم يثمر الشجر وبركوب الفرس للجهاد إذا لم يغنموا، وهل يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء، فيه روايتان ولو تلف النصاب بغير تفريط من المالك لم يضمن الزكاة على كل من الروايتين واختاره طائفة من أصحاب أحمد، ولا يحل الاحتيال لإسقاط الزكاة ولا غيرها من حقوق الله تعالى، وإذا كانت الماشية سائمة أكثر الحول وجبت الزكاة فيها على الصحيح وإذا نقل الزكاة إلي المستحقين بالمصر الجامع مثل أن يعطي من بالقاهرة من العشور التي بأرض مصر فالصحيح جواز ذلك فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم بخلاف النقل من إقليم مع حاجة أهل المنقول عنها وإنما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلي بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة ولهذا في كتاب معاذ بن جبل: من انتقل من مخلاف إلي مخلاف فإن صدقته وأثره في مخلاف جيرانه والمخلاف عندهم كما يقال المعاملة وهو ما يكون فيه الوالي والقاضي وهو الذي يستحلف فيه ولي الأمر جابيا بأخذ الزكاة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم ولم يقيد ذلك بمسير يومين وتحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية وإذا أخذ الساعي من أحد الشريكين رجع المأخوذ منه على شريكه بحصته ولو اختلفا في قيمة المدفوع.

قال أبو العباس: يتوجه قبول قول المعطي لأنه كالأمين وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب ظلماً بلا تأويل من أحد الشريكين ففي رجوعه على شريكه قولان أظهرهما الرجوع، وكذلك في المظالم المشتركة التي يطلبها الولاة من الشركاء أو الظلمة من البلدان أو التجار أو غيرهم والكلف السلطانية على الأنفس والدواب والأموال يلزمهم التزام العدل في ذلك كما يلزم فيما يؤخذ بحق فقن تغيب أو امتنع فأخذ من غيره حصته رجع المأخوذ منه على أن أدى عنه في الأظهر إن لم يتبرع ولمن له الولاية على المال أن يصرف مما يخصه من الكلف كناظر الوقف والوصي والمضارب والوكيل قام فيها بنية تقليل الظلم كالمجاهد في سبيل الله ومن صودر على أداء مال وأكره أقاربه أو جيرانه أو أصدقاؤه أو شركاؤه على أن يؤدوه عنه فلهم الرجوع عليه لأنهم ظلموا من أجله ولأجل ماله والطالب مقصوده ماله لا مالهم ومن لم يخلص مال غيره من التلف إلا بما أدى عنه رجع في أظهر قولي العلماء ولو أخذ الساعي فوق الواجب بتأويل أو أخذ القيمة فالصواب الأجزاء ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه وجعله أبو العباس في موضع آخر كالصلاة خلف التارك ركناً أو شرطاً، قال ورجح أبو العباس: أن المعتبر لوجوب زكاة الخارج من الأرض الادخار لا غير لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه بخلاف الكيل فإنه تقدير محض فالوزن في معناه.

قال: وكذلك العد كالجوز والزرع كالجوز المستنبت في دمشق ونحوها ولهذا تجب الزكاة عندنا في العسل وهو رطب ولا يوسف لكونه يبقى ويدخر ونص أبو العباس على وجوب الزكاة في التين للادخار، وإنما اعتبر الكيل والوزن في الربويات لأجل التماثل المعتبر فيها وهو غير معتبر ههنا، وتسقط فيما خرج من مؤنة الزرع والثمر منه وهو قول عطاء بن أبي رياح لأن الشارع أسقط في الخرص زكاة الثلث أو الربع لأجل ما يخرج من الثمرة بالاعراء والضيافة وإطعام ابن السبيل وهو تبرع فيما يخرج عنه لمصلحته التي لا تحصل إلا بها أولاً بإسقاط الزكاة عنه وما يديره الماء من النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام أو إثناء العام ولا يحتاج إلي دولاب تديره الدواب يجب فيه العشر لأن مؤنته خفيفة فهي كحرث الأرض وإصلاح طرق الماء.

وكلام أبي العباس في "اقتضاء الصراط المستقيم": يعطي أن أهل الذمة منعوا من شراء الأرض العشرية ولا يصح البيع وجزم الأصحاب بالصحة ولكن حكي الإمام أحمد عن عمر بن عبدالعزيز والحسن أنهم يمنعون من الشراء فإن اشتروا لم تصح وتعطيل الأرض العشرية باستئجار الذمي لها أو مزارعته فيها كتعطيله بالشراء وكلام أحمد يوافقه فإنه قال: لا يؤجر منه أي الأرض من الذمي ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج اتفاقا فيخرج من أقطع أرضاً بأرض مصر أو غيرها العشر، قلت: والمراد ما عدا أرض الذمي فإنه لو جعل داره بستاناً أو مزرعة أو رضخ الإمام له من الغنيمة فإنه لا يبني فيها نقله الجماعة عن الإمام أحمد والله أعلم. قال ويجوز إخراج زكاة العروض عرضاً ويقوى على قول من يقول تجب الزكاة في عين المال انتهى والله أعلم.

وقال أيضا: وما سماه الناس درهماً وتعاملوا به تكون أحكامه أحكام الدرهم من وجوب الزكاة فيما يبلغ مائتين منه والقطع بسرقة ثلاثة دراهم منه إلي غير ذلك من الأحكام قل ما فيه الفضة أو كثر وكذلك ما سمي ديناراً ونقل عن غير واحد من الصحابة أنه قال: زكاة الحلي عاريته ولهذا تنازع أهل هذا القول هل أن تعيره لمن يستعيره إذا لم يكن في ذلك ضرر عليها على وجهين في مذهب أحمد وغيره والذي ينبغي إذا لم تخرج الزكاة عنه أن تعيره وأما إن كانت تكريه ففيه الزكاة عند جمهور العلماء وكتابة القرآن على الحياضة والدرهم والدينار مكروهة ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري تمراً أو حنطة فإنه قد ساوى الفقير بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل وليس عنده شاة فإخراج القيمة كاف ولا يكلف السفر لشراء شاة أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم فهذا جائز أما الفلوس فلا يجزئ إخراجهم عن النقدين على الصحيح لأنها ولو كانت نافقة فليست في المعاملة كالدراهم في العادة لأنها قد تكسد ويحرم المعاملة بها ولأنها أنقص سعراً ولهذا يكون البيع بالفلوس دون البت بقيمتها من الدراهم وغايتها أن تكون بمنزلة المنكسرة مع الصحاح والبهرجة مع الخالصة فإن تلك إلي النحاس أقرب وعلى هذا إذا أخرج الفلوس وأخرج التفاوت جاز على المنصوص في جواز أخرج التفاوت فيما بين الصحيح والمنكسر بناء على أن جبران الصفات كجبران المقدار لكن يقال: المنكسرة من الجنس والفلوس من غير الجنس فينتفي فيها المآخذ ولا ينبغي أن يكون إلا وجهان إلا إذا خرجت بقيمتها فضة لا بسعرها في العوض)[3] انتهى والله أعلم.



[1] فتح الباري: (8/ 50).

[2] فتح الباري: (8/ 51).

[3] الاختيارات الفقهية: (1/ 452).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #99  
قديم 25-02-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




( صدقة الفطر )



الحديث الأول
167- عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر - أو قال: رمضان - على الذكر والأنثى والحر والمملوك، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير؛ قال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير. وفي لفظ: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

الحديث الثاني
168- عن أبي سعد الخدري- رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب.

فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدًّا من هذه يعدل مدين، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

صدقة الفطر ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ï´¾ [الأعلى: 14، 15].

قال سعيد بن المسبب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ï´¾ هو زكاة الفطر.

قال الحافظ: ثبت أنها نزلت في زكاة الفطر وأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان.

قوله: (فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر- أو قال: رمضان).

قال البخاري: باب فرض صدقة الفطر. ورأى أبو العالية وعطاء، وابن سيرين صدقة الفطر فريضة[1]. ثم ذكر الحديث.

قوله: (على الذكر والأنثى).

قال الحافظ: (ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق تجب على زوجها إلحاقا بالنفقة وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزم)[2].

قوله: (والحر والمملوك).

قال البخاري: باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين[3].

وذكر الحديث ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على كل حر، أو عبد ذكر، أو أنثى من المسلمين.

قال الحافظ: (قوله باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، ظاهره أنه يرى أنها تجب على العبد وإن كان سيده يتحملها عنه ويؤيده عطف الصغير عليه فإنها تجب عليه وإن كان الذي يخرجها غيره.

قوله: من المسلمين، قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة عن مالك في هذه الزيادة إلا أن قتيبة بن سعيد رواه عن مالك بدونها- إلى أن قال- واستدل بقوله من المسلمين على تناولها لأهل البادية خلافا للزهري وربيعة والليث في قولهم أن زكاة الفطر تختص بالحاضرة.

قال البخاري: باب صدقة الفطر على الصغير والكبير[4] وذكر الحديث.

قال الحافظ: (ظاهر الحديث وجوبها على الصغير لكن المخاطب عنه وليه فوجوبها على هذا في مال الصغير، وإلا فعلى من تلزمه نفقته وهذا قول الجمهور - إلا أن قال: ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين قال وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه)[5].

قوله: وأمر بها (أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة).

قال البخاري: باب الصدقة قبل العيد[6].

وذكر حديث ابن عمر - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلي الصلاة، وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-، قال: كنا نخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر صاعًا من طعام، وقال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقل والتمر.

قال الحافظ: (قوله: باب الصدقة قبل العيد، قال ابن التين: أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وبعد صلاة الفجر، وقال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله يقول: ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ï´¾ ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن هذه الآية فقال نزلت في زكاة الفطر قال ودل حديث ابن عمر على أن المراد بقوله يوم الفطر أي أوله وهو ما بين صلاة الصبح إلى صلاة العيد وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق اليوم على جميع النهار)[7] انتهى.

وقال البخاري أيضا: باب صدقة الفطر على الحر والمملوك. وقال الزهري في المملوكية للتجارة يزكي في التجارة ويزكي في الفطر[8].

ثم ذكر حديث نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، وفي آخره فكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حلي إن كان يعطي عن بني، وكان ابن عمر - صلى الله عليه وسلم - يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.

قوله: وقال الزهري في المملوكين للتجارة يزكي في التجارة ويزكي في الفطر.

قال الحافظ: هو قول الجمهور.

قوله: (صاعًا من تمر).

قال البخاري: باب صدقة الفطر صاع من طعام[9].

وذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب.

قال الحافظ: (قوله: باب صاع من زبيب، أي أجزائه، وكأن البخاري أراد بتفريق هذه التراجم الإشارة إلي ترجيح التخيير في هذه الأنواع إلا أنه لم يذكر الأقط وهو ثابت في حديث أبي سعيد، وكأنه لا يراه مجزئا في حال وجدان غيره، كقول أحمد، وحملوا الحديث على أن من كان يخرجه كان قوته إذ ذاك أو لم يقدر على غيره وظاهر الحديث يخالفه، وعند الشافعية فيه خلاف وزعم الماوردي أنه يختص بأهل البادية وأما الحاضرة فلا يجزئ عنهم بلا خلاف وتعقبه النووي في شرح المهذب وقال: قطع الجمهور بأن الخلاف في الجميع، قوله: كنا نعطيها أي زكاة الفطر، قوله: في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا حكمه الرفع لإضافته إلي زمنه - صلى الله عليه وسلم - ففيه إشعار باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتقريره له ولاسيما في هذه الصورة التي كانت توضع عنده وتجمع بأمره وهو الآمر بقبضها وتفرقتها، قوله: صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده، وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له، قال: ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها من الأقوات ولاسيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة وقال: هو وغيره وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل أذهب إلي سوق الطعام فهم منه سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب، وقد رد ذلك ابن المنذر وقال ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد: صاعًا من طعام، حجة لمن قال صاعًا من حنطة وهذا غلط منه وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره ثم أورد طريق حفص بن ميسرة وهي ظاهرة فيما قال، ولفظه: كنا نخرج صاعًا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر، وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى عن عياض وقال فيه ولا يخرج غيره، قال: وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت السمراء دليل على أنها لم تكن قوتا لهم قبل هذا فدل على أنها لم تكن كثيرة ولا قوتا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا انتهى كلامه، وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق ابن إسحاق عن عبدالله بن عبدالله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبدالله قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط فقال له رجل من القوم أو مدين من قمح فقال: لا، تلك قيمة معاوية مطوية لا أقبلها ولا أعمل بها، قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ- إلا أن قال: وهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام في حديث أبي سعيد غير الحنطة فيحتمل أن تكون الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز الآن وهي قوت غالب لهم، وقد روى الجوزقي من طريق ابن عجلان عن عياض في حديث أبي سعيد صاعًا من تمر صاعًا من سلت أو ذرة، وقال ابن المنذر أيضا: لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلي قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطرة نصف صاع من قمح)[10] انتهى.

قال الحافظ: (وهذا مصير منه إلي اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن فلما جاء معاوية وجاءت السمراء أي القمح الشامي قال: أرى مدا من هذه يعدل مدين. قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. وعند مسلم أيضا في روايته فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر)[11].

قال النووي: تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال البيهقي: وقد وردت أخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاع من بر ووردت أخبار في نصف صاع ولا يصح شيء من ذلك.

وقال الشوكاني بعد ذكر الخلاف في أجزاء نصف الصاع من البر: (والقول الأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض صدقة الفطر صاعًا من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام فلا يجزئ دون الصاع منه)[12].

قال الحافظ: (وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الأتباع والتمسك بالآثار وترك العدول إلي الاجتهاد مع وجود النص، وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار) [13] انتهى. والله الموفق.

تتمة:
عن إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: أبا عبدالله كم قدر صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته" فقلت أبا عبدالله خالفت شيخ القوم، قال من هو؟ قلت: أبو حنيفة يقول ثمانية أرطال، فغضب غضبا شديدا ثم قال لجلسائه: يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع جدتك، قال إسحاق: فاجتمعت آصع، فقال ما تحفظون في هذا؟ فقال: هذا حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال هذا حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الآخر حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال مالك: أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثا رواه الدارقطني.

قال الحافظ: (والصاع خمسة أرطال وثلث برطل بغداد وهو على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجح النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال: إنه في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع درهم ثم زادوا فيه مثقالا لإرادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين قال والعمل على الأول لأنه هو الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء به)[14] انتهى.

وعن ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. رواه أبو داود وابن ماجه.

قال في الاختيارات: (ويجزئه في الفطرة من قوت بلده مثل الأرز وغيره ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء، ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب والمؤلفة وغير ذلك ويجوز دفعها إلي فقير واحد وهو مذهب أحمد، ولا يعتبر في زكاة الفطر ملك نصاب بل تجب على من ملك صاعًا فاضلًا عن قوته يوم العيد وليلته وهو قول الجمهور، وإذا كان عليه دين وصاحب لا يطالبه به أدى صدقة الفطر كما يطعم عياله يوم العيد وهو مذهب أحمد، ومن عجز عن صدقة الفطر وقت وجوبها عليه ثم أيسر ناداها فقد أحسن وقدر الفطر صاع من التمر والشعير وأما من البر فنصف وهو قول أبي حنيفة وقياس قول أحمد في بقية الكفارات. انتهى.

وقال أيضا: ولا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليه من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين فمن لا يصلى من أهل الحاجات لا يعطى شيئًا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة، ويجب صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية إن كانوا موجودين وإلا صرفت إلى الموجود منهم ونقلها إلي حيث يوجدون، وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا وقاله أبو يوسف والاصطخري من الشافعية محل حاجة وضرورة، ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين وهو محكي عن طائفة من أهل البيت، ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الولد وإن سفل كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم لوجود المقتضى السالم عن المعارض العادم وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل وهو أحد القولين أيضًا، وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضر بهم أعطيت من زكاتهم، والذي يخدمه إذا لم تكفه أجرته أعطاه من زكاته إذا لم يستعمله بدل خدمته، ومن كان في عياله قوم لا تجب عليه نفقتهم فله أن يعطيهم من الزكاة ما يحتاجون إليه مما لم تجر عادته بإنفاقه من ماله، واليتيم المميز يقبض الزكاة لنفسه لان لم يكن مميزًا قبضها كافلة كائنًا من كان، وأما إسقاط الدين عن المعسر فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع، لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة فأعطاه منها وشارطه أن يعيدها إليه لم يجز، وكذا إن لم يشرط لكن قصده المعطي في الأظهر، وهل يجوز أن يسقط عنه قدر ذلك الدين ويكون ذلك زكاة ذلك الدين فيه قولان في مذهب أحمد وغيره أظهرهما الجواز لأن الزكاة مواساة، ومن ليس معه ما يشتري به كتبًا يشتغل فيها يجوز له الأخذ من الزكاة ما يشتري له به ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لابد لمصلحة دينه ودنياه منها، ويجوز الأخذ من الزكاة لما يحتاج إليه من إقامة مؤنته وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة وقيل لأحمد: الرجل يكون له الزرع القائم وليس عنده ما يحصده أيأخذ من الزكاة قال: نعم يأخذ، ويأخذ الفقير من الزكاة ما يصير به غنيًا وإن كثر وهو أحد القولين في مذهب أحمد والشافعي، ويجوز إعتاق الرقيق من الزكاة وافتكاك أسرى المسلمين وهو مذهب أحمد، ويجوز للإمام أن يعتق من مال الفيء والمصالح إذا كان في الإعتاق مصلحة إما لمنفعة المسلمين أو لمنفعة المعتق أو تأليفا لقلوب من يحتاج إلى تأليفه وقد ينفذ العتق حيث لا يجوز إذا كان في الرد فساد كما في الولايات مثل أن يكون قد أسلموا وهم لكافر ذمي أو معاهد حربي، ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطي ما يحج به وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ويبرأ بدفع الزكاة إلى ولي الأمر العادل وإن كان ظالمًا لا يصرف الزكاة في المصارف الشرعية فينبغي لصاحبها أن لا يدفعها إليه فإن حصل له ضرر بعد دفعها إليه فإنه يجزئ عنه إذا أخذت منه في هذه الحالة عند أكثر العلماء وهم في هذه الحال ظلموا مستحقها كولي اليتيم وناظر الوقف إذا قبضا المال وصرفاه في غير مصارفه الشرعية، ولا تسقط الزكاة والحج والديون ومظالم العباد عمن مات شهيدًا، وإذا قبض من ليس من أهل الزكاة مالًا من الزكاة، وصرفه في شراء عقار أو نحوه فالنماء الذي حصل بعمله وسعيه يجعل مضاربة بينه وبين أهل الزكاة وإعطاء السؤال فرض كفاية إن صدقوا ومن سأل غيره الدعاء لنفع ذلك الغير أو نفعهما أثيب، وإن قصد نفع نفسه فقط نهي عنه كسؤال المال وإن كان قد لا يأثم، قال أبو العباس في "الفتاوى المصرية": لا بأس بطلب الناس الدعاء بعضهم ين بعض لكن أهل الفضل يفوزون بذلك إذ الذي يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحده ويلزم عامل الزكاة رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه الخراج، وصلة الرحم المحتاج أفضل من العتق)[15]. والله أعلم


[1] صحيح البخاري: (2/161).

[2] فتح الباري: (3/ 369).

[3] صحيح البخاري: (2/161).

[4] صحيح البخاري: (2/161).

[5] فتح الباري: (3/ 369).

[6] صحيح البخاري: (2/162).


[7] فتح الباري: (3/ 375).

[8] صحيح البخاري: (2/162).

[9] صحيح البخاري: (2/161).

[10] فتح الباري: (3/372).

[11] فتح الباري: (3/ 374).

[12] نيل الأوطار: (4/ 563).


[13] فتح الباري: (3/ 374).

[14] فتح الباري: (1/ 364).

[15] الاختيارات الفقهية: (1/ 455).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #100  
قديم 25-02-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(كتاب الصيام ) (1)


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام



الحديث الأول
169- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه".

صوم رمضان أحد أركان الإسلام والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ [البقرة: 183 - 185].

والصيام: في اللغة الإمساك. وفي الشرع: الإمساك في النهار من الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع.

قوله: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين).

قال البخاري: باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين وذكر الحديث ولفظه لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم[1].

قال الحافظ:
قوله: (لا يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين) أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلي التكلف واكتفى في الترجمة عن ذلك لتصريح الخبر به)[2].

قوله: (إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه). والترمذي وأحمد: إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم.

قال الحافظ: (قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان، قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان)[3] اهـ.

قال الحافظ: (والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط، وهذا فيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز، وسنذكر ما فيه قريبا وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضا لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث، وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما. قال: وفي الحديث رد على من يرى تقديم الصوم على الرؤية كالرافضة، ورد على من قال بجواز صوم النفل المطلق، وأبعد من قال المراد بالنهي التقدم بنية رمضان، قال: وفيه بيان لمعنى قوله في الحديث الآخر "صوموا لرؤيته" فإن اللام فيه للتأقيت لا للتعليل، وفيه منع إنشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز، وقيل يمتد المنع لما قبل ذلك وبه قطع كثير من الشافعية وأجابوا عن الحديث بأن المراد منه التقديم بالصوم فحيث وجد من وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك، وقالوا أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا إذا انتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره وقال الروماني من الشافعية: يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر، وقال جمهور العلماء: يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيما وقال أحمد وابن معين: إنه منكر، وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن إسناده ضعيف واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "هل صمت من سرر شعبان شيئا؟ " قال: لا، قال: "فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين" ثم جمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن والله أعلم)[4].

الحديث الثاني
170- عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له".

قال البخاري: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا" وقال صلة عن عمار: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -".

حدثنا عبدالله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له"[5].

قال الحافظ: (قوله: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم الهلال فصوموا، هذه الترجمة لفظ مسلم من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أي هريرة، قال: وذكر البخاري في الباب أحاديث تدل على نفي صوم يوم الشك رتبها ترتيبا حسنا فصدرها بحديث عمار المصرح بعصيان من صامه ثم بحديث ابن عمر من وجهين أحدهما بلفظ "فأن غم عليكم فاقدروا له" والآخر بلفظ "فأكملوا العدة ثلاثين" وقصد بذلك بيان المراد من قوله فاقدروا له ثم استظهر بحديث ابن عمر أيضا الشهر هكذا وهكذا وحبس الإبهام في الثالثة، ثم ذكر شاهدا من حديث أبي هريرة لحديث ابن عمر مصرحا بأن عدة الثلاثين المأمور بها تكون من شعبان، ثم ذكر شاهدا لحديث ابن عمر في كون الشهر تسعا وعشرين من حديث أم سلمة مصرحا فيه بأن الشهر تسع وعشرون ومن حديث أنس كذلك)[6].

قوله: (إذا رأيتموه فصوموا) وفي رواية: "لا تصوموا حتى تروا الهلال".

قال الحافظ: (قوله: "لا تصوموا حتى تروا الهلال" ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وبعض العلماء فرق بين ما قبل الزوال أو بعد، وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقا، وهو ظاهر في النهى عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله: "فإن غم عليكم فاقدروا له" فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدا للأول وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا المراد بقوله "فاقدروا له" أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذا التأويل الروايات الآخر المصرحة بالمراد من قوله "فأكملوا العدة ثلاثين" ونحوها وأولى ما فسر الحديث بالحديث- إلى أن قال- وروى الدارقطني وصححه وابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام. وأخرجه أبو داود وغيره أيضا، وروي أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي عن حذيفة مرفوعا: "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة"[7].

قال الحافظ: (قال ابن عبدالهادي في تنقيحه: الذي دلت عليه الأحاديث وهو مقتض القواعد أنه أي شهر غم أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما فعلى هذا قوله "فأكملوا العدة" يرجع إلي الجملتين وهو قوله "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة" أي غم عليكم في صومكم أو فطركم وبقية الأحاديث تدل عليه فاللام في قوله فأكملوا العدة للشهر أي عدة الشهر ولم يخص - صلى الله عليه وسلم - شهرا دون شهر بالإكمال إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبينه فلا تكون رواية من روى فأكملوا عدة شعبان مخالفة لمن قال فأكملوا العدة بل مبينة لها ويؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس هكذا ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان انتهى، وقال ابن العربي: قوله الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا إلخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله)[8].

وقال الحافظ: (قوله: "فلا تصوموا حتى تروه" ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين)[9] انتهى.

واختلفت الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله فيما إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر فعنه يجب صومه، وعنه أن الناس تبع للإمام، فإن صام صاموا، دان أفطر أفطروا، وعنه لا يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، وعنه صومه منهي عنه وهذا هو الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة: وقال ابن المنذر: صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة.

تتمة:
عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلي معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما- ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت: أولا تكتفى برؤية معاوية وصيامه، فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.

قال في الشرح الكبير[10]: (مسألة) (وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم) هذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في أحدهما، وإن كان بينهما بعد كالحجاز والعراق والشام فلكل أهل بلد رؤيتهم وهو مذهب القاسم وسالم وإسحاق.

قال الحافظ: (وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس)[11] انتهى.

وعن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود.

وعن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس يوم الشك في مكة فقال: إني جالست أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألتهم، فقالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" رواه أحمد.

وعن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله" قال نعم. قال: "أتشهد أن محمدا رسول الله" قال: نعم.

قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا". رواه الخمسة إلا أحمد وهو دليل على قبول شهادة الواحد في دخول رمضان.

قال النووي في شرح مسلم: (لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل). انتهى.

قال في الاختيارات الفقهية: (تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، فإن اتفقت لزمه الصوم وإلا فلا وهو الأصح للشافعية وقول في مذهب أحمد، ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره ونقله حنبل عن أحمد في الصوم وكما لا يعزف ولا يضحي وحده، والنزاع مبنى على أصل وهو: أن الهلال هو اسم لما يطلع من السماء وإن لم يشتهر ولم يظهر أو لأنه لا يسمى هلالاً إلا بالاشتهار والظهور كما يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد، وإن نوى نذرا أو نفلا ثم بان من رمضان أجزأه إن كان جاهلاً كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع ثم تبين أنه كان حقه فإنه لا يحتاج إلي إعطاء ثان بل يقول له الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي، ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى، والصائم لما يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصيام ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان، قال: ويصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل كما إذا شهدت البينة بالنهار وإن حال دون منظر الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر فصومه جائز لا واجب ولا حرام وهو قول طوائف من السلف والخلف وهو مذهب أبي حنيفة والمنقولات الكثيرة المستفيضة عن أحمد إنما تدل على هذا ولا أصل للوجوب في كلامه ولا في كلام أحد من الصحابة - رضي الله عنه - وحكى أبو العباس أنه كان يميل أخيراً إلى أنه لا يستحب صومه)[12] انتهى والله أعلم.


[1] صحيح البخاري: (6/488).

[2] فتح الباري: ( 4/128).

[3] فتح الباري: (4/ 128).

[4] فتح الباري: (4/ 128).

[5] صحيح البخاري: (6/477).

[6] فتح الباري: (4/ 120).

[7] فتح الباري: (4/ 121).

[8] فتح الباري: (4/ 122).

[9] فتح الباري: (4/ 123).

[10] الشرح الكبير: (3/7).

[11] فتح الباري: (4/ 123).

[12] (1/ 458).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 253.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 247.22 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]