الطاووس .. التاريخ الطبيعي والثقافي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 774 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 128 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-03-2019, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي الطاووس .. التاريخ الطبيعي والثقافي

عرض كتاب: الطاووس.. التاريخ الطبيعي والثقافي

محمود ثروت أبو الفضل

• اسم الكتاب: الطاوس.. التاريخ الطبيعي والثقافي.
• العنوان بالإنجليزية: Peacock.
• المؤلف: كريستين جاكسون.
• المترجم: يارا البدوي.
• سنة النشر: 1431هـ/2010م.
• دار النشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة).
• الطبعة: الأولى.
• صفحات الكتاب: 196.


صدَر عن "المجمع الثقافي - كلمة" لهيئة (أبو ظبي للثقافة والتراث) الطبعة الأولى من كتاب "الطاوس التاريخ الطبيعي والثقافي"؛ للباحثة "كريستين جاكسون"، وهو جزءٌ من سلسلةٍ علميَّة باللغة الإنجليزية تحت عنوان "سلسلة الحيوانات - Animal Series" تولَّت ترجمتها ونشرها الدار ضِمن مشروعها الثقافي.

وتبحَثُ تلك السلسلة في التاريخ الطبيعي وغير الطبيعي لتلك الحيوانات التي تولَّتْ دِراستها مطبوعات السلسلة، ونقصدُ بالتاريخ الطبيعي هنا دورةَ حياة الحيوان الطبيعية وأماكن انتشاره وتعايشه، وكيفيَّة توالده وتكاثُره، أمَّا التاريخ غير الطبيعي فيبحث في الموروث الثقافي الشعبي عن ذلك الحيوان، ومدى تداخُله في الخُرافات والأساطير والخُزَعبِلات لكثيرٍ من الشعوب التي تفاعَلتْ معه، وعاشت بالقُرب منه.

والكاتبة هي كريستين إي. جاكسون عالمة طيور مُتخصِّصة في الفنون التوضيحيَّة والتاريخ الطبيعي والاجتماعي، وتعيشُ في سوفولك شرق إنجلترا.

يعدُّ الطاوس من الطيور الجميلة الفاتنة التي تستَحوِذُ على إعجاب كلِّ مَن يراها؛ وذلك لما حباه الله به من ريشٍ رائع جميل مُموَّه بكثيرٍ من الألوان المتناغمة والمتناسقة أشبه ما تكون بـ"قوس قزح" للونه المتفرِّد، ولطريقة أدائه الاستثنائي في رفْع ذيلِه الطويل بطريقةٍ مدهشة، وإبراز ريشِه الملوَّن، ولمشيته المتبخترة - ارتَبَط الطاوس في الأذهان بأنَّه طائر ذكوري، ومتغطرِس، ومستعرِض، وعُدواني في نفس الوقت، حتى إنَّ الناس تشيرُ إليه بلفظة "مغرور" عندما يستعرضُ نفسه، بل أصبح النُّزوع الاستعراضي الطبيعي للطاوس يُضرَبُ مثلاً لوصف تصرُّفات اليافعين من البشر، "حيث تبيَّن أنَّ فصْل الذكور عن الإناث في صفوفٍ مختلفة في المدرسة قد أدَّى إلى تحسين التحصيل الأكاديمي للجنسين، ويرجعُ أخصائيو التربية هذا إلى ما يُسمَّى بـ"تأثير الطاوس""؛ صـ9.

ونجد أنَّ هناك ثلاثةَ أنواعٍ معروفة من الطواويس: الطاوس الأزرق أو الهندي، وموطنه الأصلي في الهند وسيريلانكا وانتشر تدريجيًّا في الجزء الغربي من العالم، والطاوس الأخضر، وهناك طاوس إفريقي أكثر قصرًا وبدانةً وأصغر حجمًا، ولكنَّه لا يملك نفس الذيل متعدِّد الألوان، ويُعرف بطاوس الكونغو (أفروبافو)، ونجد أنَّ الميزة التي تتمتَّع بها الطواويس الزرقاء والخضراء اللون هي قُدرتها على نشر ريش ذيولها لتُشكِّل قوسًا ضخمًا من الألوان البديعة، يتراوح عرضه بين 1.8 و2.1 مترًا، واحتلَّ الطاوس مكانًا بارزًا في القصص والأساطير والمعتَقَدات البدائيَّة للشُّعوب المختلفة، فبشَكلِه المثير للإعجاب، واللافت للانتِباه، كثُر تناوُله في موضوعات الفنون والآداب، والحرف المختلفة... وغيرها، حيث كثيرًا ما كان الطاوس يُوصَف بأنَّ له "ريش ملاك، وصوت شيطان، وأقدام لص".

وصف الكتاب:
قامت الكاتبة بالتصدير لكتابها بفصلٍ تقديمي عن الطاوس وتأثيره الثقافي والطبيعي في تاريخ الشعوب التي اتَّخذَتْه رمزًا ضِمن رُموزها الأسطوريَّة، ثم استفاضت في الفصول التي تلت المقدمة في شرح ما أوجزَتْه في المقدمة من تاريخ الطواويس الطبيعي والثقافي بتفصيلٍ وإسهابٍ، وجاءتْ عناوين فصول الكتاب كالتالي:
1- التاريخ الطبيعي.


2- التاريخ غير الطبيعي.

3- الطاوس الهندي الأزرق في موطنه الأصلي الهند.

4- الطاوس الهندي الأزرق يسافر غربًا.

5- الطاوس الأخضر في الشرق.

6- الأعمال اليدويَّة وفن العمارة.

وقد وضَعت الكاتبة لكلِّ فصلٍ من فُصول كتابها ثبتًا بهوامش المراجع والمصادر التي اعتمدَتْ عليها في تصنيف معلومات الفصل، هذا إلى جانب أنَّ فُصول الكتاب تضمَّنت 120 رسمًا توضيحيًّا لمعلومات الكتاب، منها 79 رسمًا مُلوَّنًا، ووضعت الكاتبة في الخاتمة جدولاً زمنيًّا لأحداث "تدرج" الطاوس وانتشاره الواردة في فُصول الكتاب، وكذلك وضعت قائمةً بعَناوين بعض الجمعيَّات والمواقع الإلكترونيَّة المتخصِّصة في دِراسة وحماية سُلالات الطاوس، ولم تنسَ الكاتبة أنْ تُقدِّم في النهاية كلمات شُكر لكلِّ الأشخاص والمؤسَّسات وجمعيَّات حماية الطيور التي ساعدتها في إنجاز كتابها العلمي.

وهذا عرضٌ لأهمِّ ما جاء في فصول الكتاب:
1- التاريخ الطبيعي للطاوس:
تعدُّ الطواويس من فصيلة "الدجاجيات" في الطيور، ومن الصَّعب تحديد التاريخ الأقدم لوجود الطواويس بوضوحٍ، وتُبيِّنُ السجلات الأحفورية للدجاجيات أنَّ أغلب طيورها قد تمايَزتْ وترسَّختْ كمجموعةٍ في وقتٍ مُبكِّر منذ 26 مليون سنة مَضَتْ، أمَّا أوضح ما وصل إلينا من حفائر الطواويس فهو نموذجٌ لطاوس الكونغو الإفريقي يعود إلى فترة 6 إلى 7 ملايين عامًا مَضَتْ.

وترتبطُ الطواويس بقَرابةٍ وثيقةٍ بما يُعرَف بطيور "التدرج"؛ حيث تستوطنُ أغلبها منطقة آسيا، فيما عدا طاوس الكونغو؛ النوع الوحيد الذي يتوزَّع خارج آسيا توزُّعًا طبيعيًّا، وتمتلكُ جميع الطواويس ريشًا متقزحًا مُلوَّنًا، كما أنَّ لها رُؤوسًا صغيرة وأعناقًا طويلة وسِيقان قويَّة مجهزة بشوكةٍ تستخدمها عند القتال، وتبيت الطواويس في الأشجار من أجل الأمان؛ حيث تختبئُ في الأعشاب الكثيفة المظلَّلة التي تنمو تحت الأشجار لتُصبِح ملاحظتها من الصُّعوبة بمكان.

يتكوَّن ريش الطيور من خَلايا مادَّة الكراتين، وهي المادَّة التي يتركَّب منها الشَّعر والأظافر والقرون والحوافر، وهو المسؤول عن "تقزح" الريش، وهو التغيُّر اللوني الذي يحدُث عند النظر للريش الملوَّن من زوايا مختلفة، ويكونُ العنق والصدر مزيَّنين بلون أزرق أو أخضر فضي، أمَّا الظَّهر والأرداف فباللون الذهبي، وكذلك الكواسي العُليا للذيل فتظهرُ بألوان مُتعدِّدة متناسقة، وتتكوَّن هذه الكواسي من قصبات متحللة معدنيَّة عبارة عن أكثر من 100 ريشة تحملُ بقعًا لونيَّةً تشبه الأعين ذات لون بني أو ذهبي نحاسي وأخضر داكن، وهناك حوالي 30-40 من الريش الأطول ذات لون أخضر ذهبي، وينتهي بمروحةٍ عريضة على شكل حرف (V).

وهذا الريش يكون مفيدًا للطائر حال هُروبِه من أعدائه؛ حيث يُساعده على سُرعة الركض إلى جانب أنَّ له دورًا كبيرًا في الاصطفاء الجنسي في موسم التَّزاوُج بين الطواويس؛ حيث إنَّ جمال الريش وحجمه يُعطِي الذُّكور أفضليَّة عند اختيار الإناث لأزواجهنَّ، وتفضل الإناث الذُّكور ذات البقع العينيَّة الأكبر حجمًا والألوان الأكثر إشراقًا، إلى جانب أنَّ فراخ الذكور الأكثر زركشةً هي التي تنمو بشكلٍ أسرع، وتتمتع بمعدَّل بقاء أفضل أيضًا.

في الهندِ تحافظُ ذكور الطاوس على ريشها الكامل من شهر يونيو وحتى ديسمبر، بينما تقومُ الإناث بوضع البيض وحضَّانة الأفراخ خِلال شهري يوليو وأغسطس في موسم الأمطار، وفي يناير يتساقَطُ ريش الكواسي العلويَّة للذيل، الذي يبلغ طولها 1.2 متر، بالكامل، وفي أكتوبر - نوفمبر يبدأ الريش الجديد بالنموِّ، لكنَّه يبقى قصيرًا إلى أنْ يبدأ بالنمو سريعًا في فصل الربيع؛ ليستعيد الطاوس بهاءَه الكامل في شهري أبريل ومايو.

أمَّا ساقا الطاوس فهما غليظتان ومَتِينتان ذات لونٍ رمادي غامق ومع مخالب أغمق لونًا، وتُوجد شوكة جانبيَّة في ساقي الطاوس طولها 2.5 سم تستخدمُها أثناء الشجارات مع الذُّكور الآخَرين؛ حيث تثبُ لأعلى ما لديها في الهواء ثم تخدش خُصومها عند نزولها.

ومشية الطاوس المتبختِرة مع حَركة أرجُلها الصلبة تعودُ في الأساس إلى جهدٍ ميكانيكي لحِفظ توازُن الطائر أثناء الحركة، وقد وصَف شكسبير مشية الطاوس في إحدى مسرحيَّاته بأنها "خطوة ووقفة".

أمَّا صوت الطاوس فهو مُنفِّر، فصيحته خشنةٌ حادَّة كريهة أشبه بالزعيق، ويقال بأنها تُشبه كلمة "باافو" أو "فياو، فياو"، وتطلق تلك الصيحات عندما يُزعِجها أحد حيوانات الغابة الأكبر حجمًا كالفيل أو الآيلة، وتعيشُ الطواويس الزرقاء من 20-25 عامًا، وتبدأ بالتَّكاثُر اعتبارًا من عامها الثالث، وتبيض الإناث من 3-5 بيضات بيضاويَّة الشكل ذات لونٍ أصفر برتقالي بقشرةٍ سميكة لامعة، ويُقال: إنَّ بيض الطاوس لذيذ الطعم، أمَّا العش فهو مجرَّد بقعةٍ على الأرض مكشوطة ومخفيَّة تحت الشجيرات مع بعض الأعواد والأوراق اليابسة، وتستغرقُ الذكور ثلاث سنوات حتى تكتسي ذيولها بكواسي الريش الملوَّن البديع.

وتُعتَبر الطواويس من "القوارت"؛ حيث تتغذى على صدفيَّات اليابسة والحشرات والديدان والسحالي الصَّغيرة والضَّفادع والأفاعي بالغة الصِّغَرِ، ويدعى الطاوس بالسنسكريتيَّة "مايورا" والتي تعني "قاتل الأفاعي"، ويمكن لها أيضًا أن تتغذَّى على الحبوب وبراعم الأعشاب ونباتات الخيزران الطريَّة وبتلات الزهور وبراعمها، وتعدُّ الطواويس طيورًا مُتعطِّشة للماء وتجتمعُ قريبًا سوية من برك الغابات؛ ممَّا يجعلها عرضة للهجوم، ولا تفضل الطواويس الاغتسال بالماء، بل تستحمُّ بالغبار؛ ممَّا يساعدها على التخلُّص من الحشرات والطفيليَّات الضارَّة، وفي المطر لا يستطيعُ الطاوس التحرُّك، وإذا ابتلَّ ريشُه وقتَ الصباح الباكر بسبب الندى فإنَّه ينتظرُ في مجثمه إلى أنْ يجفَّ الريش.


وأعداء الطاوس هي القطط الكبرى والنمر والفهد والكلاب البريَّة بما فيها ابن آوى والكلب الأحمر، وللطاوس الأزرقِ على الخصوص ثلاثة أنواع نادرة للغاية وهي: الأبيض والمتعدد الألوان وذو الجناح الأسود.


أمَّا الطاوس الأخضر فيتميَّز بصوتٍ خفيض النَّبرة وساقين طويلتين، ويمكن تمييزه عن الطاوس الأزرق بسُهولةٍ من بِنْيَتِهِ الجسمانيَّة، كما أنَّ ريش عرفه أشبه بسنبلة القمح، وذُكور الطاوس الأخضر ذات نزعة قويَّة للتلاكم والعُنف، بل ربما قتَل بعضها بعضًا في العراك، ويعيشُ في منطقة آسيا الجنوبيَّة الشرقيَّة عبر بورما ولاوس وتايلاند حتى بحر الصين وجنوبًا إلى شبه جزيرة مالاوي وجافا، أمَّا طاوس الكونغو فقد ظَلَّ مجهولاً حتى عام 1937، ويُطلق عليه السكان المحليون اسم "إمبولو"، ويبدو طاوس الكونغو كأنَّه شكل بدائي من الطاوس الأزرق والأخضر، ويقتصرُ وجوده على الغابات المطريَّة في المناطق الوسطى والشرقيَّة للكونغو/ زائير على ارتفاعاتٍ تتراوح بين 365 و1500 متر.

2- التاريخ غير الطبيعي للطاوس:
بَجَّلَ فلاسفة الشرق الطاوس لجماله، واعتبروه مقدسًا ذا علاقة بالآلهة البدائيَّة، بينما في الغرب اقتَرَن الطاوس دومًا بفِكرة الغرور والتغطرس، وقُورِنَ بالشيطان بسبب صوته، بل إنَّه في القرن التاسع عشر أصبح ريش الطاوس سيِّئ الصيت، واعتبرت عُيَينة ذيله جالبة للحظ السيِّئ، وشبهت بـ"العين التي تصيبُ بالسوء".


وأقدم الخرافات والأساطير حول الطاوس تعودُ إلى الدِّيانة الهندوسيَّة في الهند؛ حيث كان الطاوس يُمثِّل المركبة النموذجيَّة للآلهة في تنقُّلاتهم؛ حيث كان يركبه معبود الحرب "كارتيكيا" ابن شيفا، ومعبودة الحب "كاما" ومعبودة الشعر والحكمة "ساراواتي"، كما كان له ارتباطٌ بأسطورة وحدة الكون وانبعاثه من جديد، وفي الهند الجنوبيَّة يقومُ المؤدُّون بأداء رقصة الطاوس مُرتَدِين تيجانًا مُكوَّنة من ريش الطاوس، إلى جانب أنَّ أغلب المعابد الهندوسيَّة كانت تضمُّ مراوح ومكانس مُكوَّنة من ريش الطاوس لإزالة الغبار عن الصور والأدوات المقدَّسة وكنس أرضيَّات المعابد، أمَّا في الهند الوسطى فقد عُبِدَ الطاوس كطوطم، وفي حفل الزفاف تقومُ الجماعة بالتعبُّد لتمثالٍ صغير للطاوس، وعندما ترى النساء طاوسًا فإنهنَّ يحجبنَ وجههن وينظُرن بعيدًا.

ونجدُ في نيبال معبودًا يُدعى "جانغولي" يعتقدُ الناس أنَّه يحمي الناس من لدغة الأفعى، ولدور الطاوس في أكل الأفاعي فقد كان "جانغولي" يُصور دائمًا ممتطيًا طاوسًا، وفي بعض لوحات "بوذا" نجدُه مصورًا وهو يمتطي ظهر طاوس.

أمَّا في "حكايات أيسوب"، وهي حكاياتٌ جعلها أيسوب - وهو عبدٌ يوناني محرَّر عاش في القرن السادس قبل الميلاد في جزيرة "ساموس" - على ألسنة الحيوانات، جاء ذِكر الطاوس في حكايتَيْن من حِكاياته؛ حيث تصفُ حكاية أيسوب المسماة بـ"الطاوس والكركي" كيف أنَّ طاوسًا سخر من كركي حول ريشِه باهت اللون قائلاً: "انظُرْ إلى ألواني المتألِّقة، وتفحَّص كيف أنها أجمل بكثيرٍ من ريشك المثير للشَّفقة"، فأجابه الكركي: "لا أُنكر أنَّ ريشك أرقى من ريشي بكثيرٍ، لكن حين يتعلَّق الأمر بالطيران، فباستطاعتي أنْ أحلق إلى قلب الغيوم، بينما ستكون مقيدًا إلى الأرض مثل أيِّ ديك على كومةٍ من الروث".

أمَّا الحكاية الثانية التي بعنوان "حكاية الغراب الأسود" فتحكي عن نيَّة "جوبتير" كبير الآلهة تعيين ملكٍ على الطيور وحدد يومًا للاستعراض لكلِّ الطيور، التي تهيَّأت وقامت بالاستحمام على ضفَّة النهر وترتيب ريشها، أمَّا الغراب فلعِلمه بقبحه وسُوء منظره فقد انتظر حتى انتهت الحيوانات من تنظيف ريشها وقام بالتِقاط الريشات التي سقَطَتْ من الطيور، وعلى رأسها ريش الطاوس الأكثر بهرجةً وجمالاً، وعند الاستعراض كاد "جوبتير" أنْ ينصبه ملكًا للطيور غير أنَّ الطيور وعلى رأسها الطاوس الغاضب ضجوا بالشكوى وجرَّدته من ريشه المستعار، وكشفت حقيقة كونه غُرابًا أسود قبيح المنظر، ومغزى القصة أنَّ كلَّ ما هو مزيَّف لا قيمةَ له حتى ولو كان في جمال ريش طاوس.

أمَّا في النصرانيَّة فقد كان الطاوس يُصوَّر مع صور المسيح طفلاً من جانب الفنَّانين؛ تعبيرًا عن نَقاء المسيح وخُلوده، وجاء ذلك الارتباط من أجل لحمِه الذي لا يفسد، كما جاء ذكرُ ذلك في إحدى ملحوظات القديس "أوغستين"، كما كان يتمُّ رسمُ صور الطواويس في سَراديب الموتى ومَقابر جنوب روما التي يعودُ عهدُها إلى القرن الثاني والثالث قبلَ الميلاد، أمَّا في عصر النهضة فقد كان الطاوس موضوعًا مُفضلاً لرسم الفنَّانين؛ حيث كان يعتبر معنًى رمزيًّا لخطيئة الغُرور ضِمن الخطايا السبع المميتة.

أمَّا في الطب فنجدُ في دستور الأدوية في "السنغال" اعتقاد أنَّ ريش الطاوس نافعٌ لعلاج الروماتيزم والتواء المفاصل وخلعها، وتعتبر العيينات ترياقًا ممتازًا لمقاومة عضَّة الجرذ، ويتمُّ العلاج بلفِّ الريشة في ورقة نبات جافَّة، ثم تُضرَم النار بها ويقوم المصاب باستنشاق الدخان المتصاعد ثلاث مرَّات.

أمَّا الخرافات الشائعة في الغرب عن الطاوس فترتبط جميعها بنذير السوء؛ حيث إنَّ هناك خُرافة شائعة في بريطانيا تقول: إنَّه من الشُّؤم الاحتفاظ بالريش المزين بالعُيَينات داخل المنزل، وأنَّ وجود ريشِه في المنزل يتسبَّب بالموت أو عنوسة فتيات الأسرة أو الحسَد من قِبَلِ الآخَرين، وشاعَ هذا الاعتقاد بين الممثِّلين حتى إنَّ الممثِّل "بيتر بال" يقول: "إنَّ أيَّ شيءٍ له علاقة بالطاوس هو مشؤوم... فقد قمت بإنتاج مسرحيَّة تُدعى "احبس لي طاوسًا في قفص" كلفتني كل فلس أملك".

أمَّا في كتابات المؤرِّخين الإسلاميِّين فهناك بعضُ الخرافات الإيجابيَّة المتعلِّقة بالطاوس؛ حيث يقول "حمد الله المستوفي القزويني" عنه: "إنَّ أكلَ لحم الطاوس محرَّم، وهو يعيشُ خمسة وعشرين عامًا، وله صوتٌ يدفَعُ الكائنات الزاحفة على الهرب، يُؤكَل مُخُّه مع نبتة السذاب الطبيَّة والعسل لعلاج المغص وألم المعدة، إذا أعطيت المادَّة الصفراء، ربع درهم مع أوكسيميل في ماء فاتر، لمريض الإمساك، فإنَّه يُشفَى، وهو جديرٌ بإطلاق اللسان الأبكم، ويزيد لحم الطاوس القوَّة الجنسيَّة، ويُخفِّف ألم الرئتين، وإذا وُضِعَ دهنه على الطرف المصاب بقرصة الصقيع، فسوف يعيدُ الدهن ترميمها، وإذا ربط مخلب الطاوس على امرأةٍ تُعانِي آلام الولادة، فستهدأ الآلام على الفور".
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-03-2019, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطاووس .. التاريخ الطبيعي والثقافي

عرض كتاب: الطاووس.. التاريخ الطبيعي والثقافي

محمود ثروت أبو الفضل

• اسم الكتاب: الطاوس.. التاريخ الطبيعي والثقافي.
• العنوان بالإنجليزية: Peacock.
• المؤلف: كريستين جاكسون.
• المترجم: يارا البدوي.
• سنة النشر: 1431هـ/2010م.
• دار النشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة).
• الطبعة: الأولى.
• صفحات الكتاب: 196.




3- الطاوس الهندي الأزرق في موطنه الأصلي:
يمتدُّ التوزيع الجغرافي للطاوس الأزرق من شمالي الباكستان شرقًا إلى جنوب جبال الهيمالايا عبر جامو وكشمير ونيبال إلى آسام، وجنوبًا حتى الضفة الغربيَّة لنهر براهمابوترا في بنجلاديش وعبر كامل الهند وسريلانكا، ويتمتَّع الطاوس الأزرق بحريَّة التنقُّل عبر هذا الإقليم الواسع من الغابات والقرى الريفيَّة؛ حيث تعيشُ الطواويس من 900 إلى 1200 متر فوق سطح البحر، ويندر وجودُها في أماكن المرتفعات الأعلى، وفي الهند يعدُّ وادي السِّند أقدمَ مصدرٍ للطواويس، وفي أقدم الحضارات الهنديَّة "الهارابان" التي سادت بين فترة 1800-2600 قبل الميلاد عُثر على فخاريات عالية الجودة عليها رسومٌ لطواويس رُسِمت باللون الأسود على أسطُح الجرة الحمراء، أمَّا خِلال تطوُّر الحضارة الهندوسيَّة بين عامي 1500-1700 قبل الميلاد، فنجد مُعظَم آلهة الهندوس يمتطون الطواويس كمخلوقاتٍ مُقدَّسة، أمَّا عندما اتَّحدت الهند للمرَّة الأولى في ظلِّ حُكم أباطرة "الموريان" بين 184-321 قبل الميلاد تَمَّ تخليد الطواويس على جدران المعابد الهندوسيَّة، ونفشت صور الطواويس الملكيَّة من الملحمة الهندوسية القديمة "رامايانا" في معبد "نروسيغاناث" و"بوبانازاسوار" و"براهما" في بوشكار، ويُقال: إنَّ "توما الرسول" أحد تلامذة المسيح هاجَر إلى الهند ليُؤدِّي العمل التنصيري هناك، وروى "ماركو بولو" أنَّه قُتِلَ خطأ بسهم صيَّاد خرج يصطاد الطواويس بالقوس والسهم.


أمَّا في حُكم المغول وخِلال عهد الملك "جلال الدين أكبر" وحكم "الراجيوتيين" بُنِيت العديدُ من القصور الفارهة، كان من أجملها قصر يُسمى "مور تشوك" أو "بلاط الطاوس"، وسمي بهذا الاسم نظرًا للعديد من رُسوم الطواويس المزيَّنة بالزجاج الملون والمعشَّقة في جدران القصر، وفي عهد خلفائه "جهنكير" و"شاه جيهان" ازدهرت الفنون، ووالى الفنانون رسم اللوحات الفنيَّة التي كان من أهمِّ عناصرها الطواويس التي زيَّنت واجهات مناظرهم الملوَّنة، وأصدر "شاه جيهان" عام 1629 أمرًا بصناعة "عرش الطاوس" من أجل قصرِه في "دلهي"؛ والذي وُضِعَ في منتصف قاعة اجتماعات قصره، والذي تَمَّ نهبه أكثر من مرَّة، ويعتقد أنَّ آخِر مرَّة تَمَّتْ رؤيته كانت في "طهران" قبل أنْ يختفي إلى الأبَد.

وخِلال فترة حُكم البريطانيين للهند والاستيلاء على المناطق المغوليَّة خلال القرن التاسع عشر تأثَّروا بأسلوب العمارة المغوليَّة الهنديَّة وجسَّدوها في بناء مَنازل لهم في بريطانيا، ومن أهمها تصميمات لمنزل "سيزينكوت" والذي عمل على تصميمه "****ريل وتوماس دانييل" اللذان تأثَّرا بأسلوب العمارة الهنديَّة وتصميماتها، وقاما بتأليف كتابٍ عنها اسمه "مناظر من الشرق"، ونلمحُ في تصميمهما للمنزل أقواسًا للنوافذ على شكل ذيول طواويس مرفوعة، وأيضًا قناطر ذيل الطاوس المتأثِّرة بطِراز المباني في "راجاسثان" الهنديَّة.

أمَّا في سيريلانكا فقد تناقَصتْ أعداد الطواويس بشكلٍ خطير خِلال العصر الحديث؛ وذلك لعادة التغذِّي على لحم الطواويس واصطياده من أجْل الاستفادة من ريشه، أمَّا في النيبال فيُصوَّر الطاوس على أنَّه رمزٌ للحظِّ الجيِّد والازدهار والعمر المديد، ويُعظَّم على أنَّه الطاوس الأعظم "ماها-مايوري"، وكانت صُوَرُ الآلهة البوذيَّة من التيبت والنيبال تُصوَّر بمراوح ومظلات من ريش طيور الطاوس، وكان الحلي والمجوهرات الخاصَّة بتلك المعبودات تُصنَع وترصع على هيئة طواويس، كما كان يُعتقَد أنها تُوفِّر ترياقًا لعلاج السم على أساس أنها آكلةٌ للأفاعي، وهناك بعض القصص التقليدية في التيبت دخل في ذكرها الطاوس كعنصر أساسي في القصة ومن أهمها قصة (الوهج الذهبي أو الطاوس في الأيكة السامة).

4- الطاوس الهندي الأزرق يسافر غربًا:
رغم أنَّ الطاوس الأزرق بطَبعِه كائن مُقيمٌ لا يُهاجر ولا يرغَب بالطيران لمسافاتٍ شاسعة إلا أنَّه وُجدت شَواهدُ له بعيدًا عن موطنه في شِبه القارَّة الهنديَّة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ويعودُ انتشاره هذا إلى تدخُّل الإنسان بصفة أساسيَّة.

وأقدم شواهد لنقل الطواويس تعودُ إلى 950 قبل الميلاد؛ حيث تورد نصوص التوراة ذِكر خبر استِيراد الملك سليمان لها، وعن طريق قوافل التجارة انتقلت الطواويس من البحر المتوسِّط إلى دول أوروبا وأمريكا الشماليَّة؛ ففي عام 2300 شاعت حركة التجارة بين حضارة منطقة السند والمدن الواقعة جنوب بلاد ما وراء النهرين، حيث كان يتمُّ تبادُل الطواويس بحرًا عبر الخليج الفارسي.

ويعتبر الفينيقيون أوَّلَ مَن أدخَلوا الطاوس إلى بلاد الشام أيضًا عن طريق بعثات التجارة المتتالية، ونجدُ في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد تلقي "تجلات بلاصر الثالث" ملك "آشور" الطواويس من الجزيرة العربيَّة كجزية.

أمَّا بلاد فارس فقد انتشرت فيها الطواويس مع احتلال الإمبراطورية الفارسية في عهد "داريوس" (485-529 ق.م) لأفغانستان وشمالي غرب الهند؛ ليُوفِّر منفذًا مباشرًا لجلْب الطواويس الهنديَّة الزرقاء، وعندما هزم "الإسكندر الأكبر" الفرس في عهد "داريوس الثالث" يُقال: إنَّه أدخل الطاوس إلى بلاد اليونان، ولكنَّ الأرجح أنها كانت معروفةً قبل ذلك في زمن "أرسطو" عن طريق التجار الفينيقيين الذين حملوها لمدن اليونان في رحلاتهم التجاريَّة.

ونجدُ في معبد "هيرا" في "ساموز" - الذي اعتُبِر ثامن عجائب الدنيا - وجودًا وذكرًا للطاوس؛ حيث ذكر "أنتيفانيس" أنَّه "لدى هيرا في ساموز نوعٌ ممتازٌ من الطيور وهو الطاوس الذي نحدق فيه لرؤية جماله"، كما نجد أنَّ أريسطوفانس - الكاتب اليوناني الشهير - ذكَر الطواويس في مسرحيَّته الهزلية "الطيور"، كما يروي الخطيب أنتيفون حكاية عن تاجر يوناني ثري يُدعى "ديموس" كان يهوى تربية الطواويس، وبسبب كثرة الزائرين لرؤية جمال طواويسه اضطرَّ لتخصيص يومٍ واحد في الأسبوع فقط للزيارة، أمَّا في القرن الرابع قبل الميلاد فيروي "أنتيفانيس" أنه "قديمًا كان شيئًا رائعًا أنْ تملك ولو زوجًا واحدًا من الطواويس، أمَّا الآن فهي أكثر شيوعًا من طيور السماني".

ويتَّضح من هذه الأدلَّة المتفرقة أنَّ الطواويس كانت معروفةً عبر منطقةٍ واسعةٍ من الشرق الأوسط، أمَّا في عهد الرومان فقد ارتبطت الطواويس بالرفاهية؛ حيث كانت تُقدَّم على موائد الأباطرة والأثرياء كنادرةٍ من نوادر الولائم؛ حيث ابتُكِرت طرقُ لكيفيَّة تقديم الطاوس بشكله الجميل عن طريق سلْخ جلده وشيِّه أو سلقه، ثم إعادة تركيب ريشه على الجسد الناضج بعد ذلك، ونجد أنَّه في نهاية القرن الثاني في روما كان هناك ما يكفي من الطواويس لموائد الأثرياء، حتى إنَّ "لوتشيان" في أحد مؤلَّفاته يجعلُ إحدى الشخصيات تتخيَّل أنَّه "إن أصبح ثريًّا يومًا ما، فسيكون طموحُه هو أنْ يحصل على طاوس من الهند من أجل مائدته".

ونجد أنَّ عادات الرومان توارَثَها ملوك إنجلترا وفرنسا، واستمرَّت لدى "النورمانديين"؛ حيث نجد في عام 1066 في إنجلترا ظهر الطاوس على أنه طبق رئيسي في الولائم، كما شاع التزيُّن بريش الطواويس لدى النُّبَلاء في أغلب ممالك أوروبا، وكان يتمُّ تكريم الفائزين في مسابقات الفروسية وغيرها في مدن أوروبا عن طريق إهدائهم طاوسًا، وارتبط الطاوس في ذلك العهد بالفروسيَّة ونشاطات الفرسان، كما كان رمز الطاوس وريشه يدخُل في أغلب شعارات النبالة والعائلات الشريفة، وأشار كلٌّ من الشاعرين الإنكليزيين في القرن الرابع عشر "ويليام لانغلاند" و"جيفري تشوسر" إلى الطاوس في كثيرٍ من قصائدهم، وشاعَ استعمال الطاوس كعنصرٍ فني في كثيرٍ من لوحات الفنانين خلال العصور التالية.

5- الطاوس الأخضر في الشرق:
يُعرَفُ الطاوس الأخضر "بافو ماتيكاس" بين الباحثين بأنَّه أقلُّ تكاثرًا من الطاوس الهندي الأزرق، وأكثر انعزالاً وخجلاً من البشر؛ حيث يتجنَّب التجمُّعات السكنيَّة للبشر، ويعيش في أعماق الغابات، كما أنَّه أكثر عدوانيَّةً وميلاً للتصارُع حتى الموت مع ذكور الطاوس الأخرى، ونادرًا ما حاوَل السكَّان تدجين هذه الطواويس، وهناك ثلاث سُلالات أو أنواع فرعيَّة للطاوس الأخضر: الطاوس الجاوي، والطاوس الصيني الهندي، والطاوس البورمي الأخضر.

يقتصرُ توزيع الطاوس الجاوي على جزيرة جاوا، وأعدادُه في تناقُصٍ لاصطياد السكان المحليِّين له، ولدى سُكَّان جاوا اعتقادٌ بوجود نوع من الألفة بين النمور والطواويس؛ حيث يزعُمون أنَّ الطاوس يتغذَّى على الديدان المعويَّة التي تنمو في أجساد بَقايا ضَحايا النمور، أمَّا الطاوس الهندي الصيني فينتشرُ في منطقة بورما الشرقيَّة وأقصى جنوب يانان وتايلاند ولاوس وفيتنام، وانتشر تمثيلُ تلك السلالة في الفن التايي (التايلاندي) في معابد "تيرافادا" البوذية؛ حيث تَمَّ نقشه على الجدران الخشبيَّة لتلك المعابد مع آلهة الهندوس التي تمتطيه، أمَّا في فيتنام الجنوبية فقد كان الطاوس يدَّخر خِصِّيصى من أجل ريشه لصُنع أغطية الرأس؛ حيث يُعتَبر الطاوس هناك رمزًا للسلام والازدهار.


ونجد أنَّ الطاوس الأخضر البورمي انتشر فيما مضى في آسام وشمال شرق الهند وجنوبًا عبر مانيبور وشيتاغونغ وتلال لوتشاي هيلز في بنجلاديش وأيضًا في ميانمار الغربية، إلا أنَّ أغلبه انقرض من ذلك النِّطاق، ولم يعدْ موجودًا سوى بأعدادٍ قليلة في آسام وأجزاء من غربي بورما؛ وذلك لسياسة الصيد الجائر للطواويس التي شاعَتْ في بورما في القرن الثامن عشر للمُتاجَرة بريشها.

وفي بورما عام 1752 اتَّخذت سلالة "كونباونغ" الحاكمة من الطاوس الأخضر رمزًا لها، وحملت كافَّة شعاراتهم رموزًا تحملُ صور الطاوس، وكذلك نقوش قُصورهم وأثاثهم الملكي، وحملت راية شعب بورما منذ 1886 وحتى 1948 صورة صغيرة لطاوس رافع ذيله.

وتُوجَد في بعض مناطق الصين على حدود بورما ولاوس أسواقٌ مفتوحة لبيع المراوح المصنوعة من ريش الطاوس الأخضر، حتى إنَّ ولاية "إكسيشوانغ بانا" بجنوب الصين تُعرَف باسم "موطن الطاوس"، ويتمُّ تريبة أسراب الطاوس الأخضر في "يونان" بشكل كبير، وباستيلاء الصين على "يونان" انتشرت الطواويس الخضراء وريشها في الصين طوال قُرونٍ عديدة، حيث أصبح رمزًا للجمال والكرامة في الفن الصيني، وتَمَّ تصويره مع المعبودات الصينيَّة، بل أدخَلوه في حِكاياتهم وقصصهم الأسطوريَّة، وفي عهد سلالة "مينغ" الحاكمة (1368-1644) كان أباطرة الصين يضَعُون ريش ذيل الطاوس على مَن يريدون تكريمه، أمَّا الخزف الصيني الذي يعتمدُ على الزخارف الصينيَّة المميزة فقد دخَل الطاوس كعنصرٍ زخرفي مميَّز في طريقة تزيين الخزف، ورغم أنَّ الطاوس الأخضر ظلَّ معروفًا في بلدان الشرق لفترةٍ طويلة من الزمن، إلا أنَّه ظلَّ مجهولاً في الغرب، حتى إنَّ الإشارة الوحيدة عنه أتتْ من اليابان البلد الوحيد البارز في الشرق الأقصى الذي لم يكن موطنًا أصليًّا للطاوس الأخضر.

6- الأعمال اليدويَّة وفن العمارة:
اعتُبِرت الطواويس جزءًا لا يتجزَّأ من حركة الفنون التي تخدمُ الثقافات والمعتَقَدات الدينيَّة القديمة للشُّعوب الآسيويَّة، أمَّا في أوروبا فقد غابتْ هذه الطيور عن الفن الأوروبي، باستثناء فترة وجيزة اندمجت داخل الصور الزيتيَّة للحدائق التابعة للمُمتلكات الريفيَّة الألمانيَّة والفلمنكيَّة والإنجليزيَّة؛ حيث اعتبرت نماذج زخرفيَّة يحرص عليها أثرياء القوم في تزيين قُصورهم وبيوتهم الفارهة، إلى جانب أنَّ السَّيدات كُنَّ يحرصن في تلك الفترة على التزيُّن بريش الطاوس كدلالةٍ على المكانة الاجتماعيَّة السامية التي وصلوا إليها.

غير أنَّ الحرَكات الجماليَّة الأوروبيَّة الحديثة الخاصَّة بالفنون عادت إلى الاهتمام بالنماذج الفطرية التقليدية وتناغم الألوان الطبيعية في النماذج الشعبيَّة القديمة، ومن أهمها زخرفات الطاوس، ومن أهمِّ روَّاد تلك الحركات "جون راسكين" و"ويليام موريس" اللذان اهتمَّا بالأعمال اليدويَّة القديمة وأعمال التطريز وإعادة إحيائها، أمَّا "ويليام دي مورجن" فقد اهتمَّ بأعمال الخزف الملوَّنة وكيمياء طلاء التلميع وصناعة طبقات طلاء لامعة محاكية لريش الطاوس القزحي، أمَّا "والتر كرين" فقد اهتمَّ برسم كتب الأطفال الملونة؛ حيث أدخل كثير من الخرافات حول الطاوس في رسومه وحكاياته، ومنها الأسطورة الشهيرة: "الطاوس يشكو لجينو" وغيرها.

ونجدُ أنَّ مِن أهمِّ أعمال الفن الحديث هو ما أتَمَّه الفنان الأمريكي "جيمس مكنيل ويستلر" (1834-1903) حيث صمَّم حجرةً كاملة مكرسة للطواويس، ومستوحاة من لون ريشها الأزرق المخضر في منزل في لندن عام 1876-1877، وأصبحت هذه الحجرة معروفةً باسم "حجرة الطاوس"، وتنقلت الحجرة بين العديد من الملاك، والآن مَعروضة في معرض "فرير جاليري" في واشنطن عندما أوصى "فرير" بنقل مجموعته الفنيَّة للدولة الأمريكيَّة.

ونجد أنَّه في سنة 1870 استمرَّ اهتمام الفنون الحديثة بالعناصر القديمة الخزفيَّة ومنها الطواويس؛ حيث برزت شركة "روكود" للخزف في أمريكا من بين أفضل الشركات المنتِجة لتلك العناصر الخزفيَّة المزخرفة، حيث كانت المحاولة لتقليد قزحيَّة ألوان ريش الطاوس وصورته وشكله على المزهريات والأطباق، وشاعت وقتَها أواني "تيفاني" الخزفيَّة باهظة الثمن، بل ظهرت تصميمات حديثة لتصاميم الطواويس وريشها على كثيرٍ من أغلفة البضائع والأطعمة ومستحضرات التجميل وغيرها.

وتَمَّ توظيفُ ريشة الطاوس كرسمٍ مُتكرِّر بدءًا من الزهريات الأنيقة لـ"أوغستي ديلاهيرتشي" و"روكود" إلى الطوابع والبطاقات البريديَّة التي انتشرت وقتذاك، كما زين ريش الطاوس أيضًا السطوح الزجاجيَّة والخزفيَّة لكثيرٍ من التحَف والحلي الفنيَّة، وصارت ريشة الطاوس رمزًا زخرفيًّا مُحَبَّبًا لذوق كثيرٍ من محبِّي الفنون.

وبمرور الوقت لم تعدْ نقوش الطاوس على الحرف والمنتجات الفنيَّة حِكرًا فقط على علية القوم؛ حيث أصبحت تلك الزخارف شائعة في البيوت الصغيرة والمتوسطة أيضًا، بل دخل الطاوس عالم الأدب الحديث؛ حيث أشار الأديب الأمريكي "فلانري أوكونور" للطاوس في كثيرٍ من كتاباته، وكان يكنُّ إعجابًا بالغًا للطاوس، وكذلك أشار إليه الكاتب الشهير "د.هـ.لورانس"، إلى جانب دخول رمز الطاوس في كثيرٍ من شعارات الشركات الإعلاميَّة كعنصرٍ تراثي قديم له مكانته الجماليَّة.

رغم كلِّ تلك المكانة الكبيرة التي حظي بها الطاوس عبر التاريخ، إلا أنَّ أعداده مُهدَّدة بالانقراض في كثيرٍ من مواطنه الأصليَّة، وتتعرَّض أعداده القليلة الباقية للقنص والصيد والاستخدام الجائر لأسراب مجموعات تلك الطيور؛ لذا فمن الواجب على الحكومات والمنظمات البيئيَّة الاهتمام بعمَل محميَّات طبيعيَّة لحماية ما تبقَّى من مجموعات ذلك الطائر، الذي يمنح الكثيرين قدرًا وافرًا من المتعَة البصَرية، كما أعطاها من قبل لآلاف لا تحصى على مر القرون الماضية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.84 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]