|
|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نجاة المحتسبين
نجاة المحتسبين هيثم محمد الكناني الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن العقلاء في هذا العالم متفقون على أهمية تحصيل المصالح، ودفع المفاسد، وكلما زادت المصلحة أو المفسدة زادت أهمية تحصيل الأولى، ودفع الثانية، ولا شك أن مما يزيد من قيمة المصلحة والمفسدة عظم أثرها، وامتداده في الزمن، فكلما زاد التأثير، وطال زمنه؛ عظمت أهمية تحصيل المصلحة، ودفع المفسدة؛ ولهذا فإن العقلاء حقاً هم من يحرصون على تحصيل مصلحتهم الأخروية الأبدية ألا وهي: الفوز بالجنة، ويحرصون على دفع مفسدتهم الأخروية الأبدية ألا وهي: دخول النار - عياذاً بالله من ذلك -، وهو ما تجمعه كلمة مختصرة هي: طلب النجاة، وليس هذا إلا للمؤمنين، فهم العقلاء حقاً وليس هذا لغيرهم. ثم إن المؤمنين يتفاوتون فيما بينهم في طلب النجاة، فأكملهم إيماناً أعظمهم طلباً لها، ثم الأدنى فالأدنى، وإن من أعظم ما ينجو به المؤمن من عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، وخزيها، وهوانها: أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، في حدود علمه، وقدر استطاعته، أما إن رأى المنكرَ يُؤتَى فلم ينهَ عنه، أو رأى المعروفَ يُترَكُ فلم يأمر به، واكتفى بصلاح نفسه؛ فلا يكون أخذ بكامل أسباب النجاة، وقد دلت على ذلك عدة أدلة فمن ذلك: ما كان من قصة أصحاب السبت الذين نهاهم الله عن أكل السمك يوم السبت، فاحتالوا بنصب الشباك، حتى إذا انقضى السبت أخذوها بما فيها من السمك فأكلوه قال - تعالى -: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[الأعراف:163-166]. فأخبر - تعالى - أنه أنجى من كانوا ينهون عن المنكر، وأنه عذب من واقعوه ولم يستمعوا للناصحين، وأما الصالحون في أنفسهم، الذين سكتوا عن المنكر؛ فقد سكتت عنهم الآية الكريمة، قال ابن كثير - رحمه الله -: "فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ، وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا"(1). ومن الأدلة أيضاً قوله - تعالى -: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود:116-117]. فبين - جل وعلا - أن الناجين كانوا قلة وهم المصلحون الذين كانوا ينهون عن المنكرات قال ابن كثير - رحمه الله -: "أَيْ: قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ قَلِيلٌ، لَمْ يَكُونُوا كَثِيرًا، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ عِنْدَ حُلُولِ غِيَره، وَفَجْأَةِ نِقَمه؛ وَلِهَذَا أَمَرَ - تعالى - هَذِهِ الْأُمَّةَ الشَّرِيفَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ"(2). وأما الصلاح وحده بأن يكون المرء صالحاً في نفسه دون إصلاح لمن حوله؛ فليس بمانع من نزول العذاب قال - تعالى -: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال:25]. قال القاسمي - رحمه الله -: "أي: لا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم، بل تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم، وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم"(3). فإن كان الأمر كذلك فإن احتساب المحتسبين لا يكون سبباً لصلاح مجتمعاتهم ونجاتها من العذاب فحسب، بل إنه في الدرجة الأولى نجاة لهم هم أنفسهم، حتى لو لم يُستجب لهم، ونزلت بمجتمعاتهم المصائب والبلايا، والعياذ بالله. حفظ الله العباد والبلاد من شؤم المعاصي والمنكرات، وجعلنا من أهل الدعوة والاحتساب، وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد. -------------------- * مشرف قسم البحوث والدراسات. (1) تفسير ابن كثير (3/494). (2) تفسير ابن كثير ت سلامة (4/361). (3) تفسير القاسمي - محاسن التأويل (5/277).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |