السنن الإلهية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 322 - عددالزوار : 116062 )           »          قصص من التاريخ الإسلامي للأطفال كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          التحذير من فتنة المال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »          زاد الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 629 )           »          كن مفتاح خير مغلاق شر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 10848 )           »          عقيدة الرافضة في الأئمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 115 )           »          هل الأمر بالأمر بالشيء أمر بالشيء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 166 )           »          فجاءتْ كسِنِّ الظَّبْيِ، لم أَرَ مِثْلَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 178 )           »          كتاب “الإسلام والإعاقة: نظرات في العقيدة والفقه” (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 190 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-07-2024, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي السنن الإلهية

السنن الإلهية (1)


صاحبي خريج علوم سياسية، ومتابع للمحللين السياسيين في كثير من القنوات العربية والأجنبية، ويقارن، وينتقد، ويبدي آراءه وتوقعاته في القادم من الأحداث. - هل تعلم ما الذي ينقص المتخصصين في العلوم السياسية؟ - كلا، نورنا بما لديك. - ينقصهم العلم الشرعي في السنن الإلهية. استغرب صاحبي.
- وما علاقة السنن الإلهية بالعلوم السياسية؟! - هذا ما أردت بيانه، ذلك أن كثيرا من المسلمين لا يعرف السنن الإلهية ولا يتعلمها، بل ربما يغفل وجودها رغم أن الكون كله، يسير وفق السنن الإلهية، تظهر أمم وتختفي أخرى وفق السنن الإلهية، وربما يسعد الفرد ويشقى، ويعز ويذل، وفق السنن الإلهية.
بقي صاحبي منصتا، كأنه يسمع أحجية غريبة، تابعت حديثي: - كلنا نقرأ كتاب الله -تعالى-: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب:62)، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء:77)، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:44).
وآيات أخرى تبين أن لله -عز وجل- سننا، وهذه السنن، -ولك أن تسميها قوانين، وقواعد، في الأمم والأفراد، والكون- ثابتة مستغرقة، لا تتبدل ولا تتحول ولا تتوقف، وهي بلا شك أثبت من النظريات البشرية في السياسة والاقتصاد. كنت وصاحبي في جلسة هادئة، مساء الأربعاء بعد صلاة العشاء أخذنا مجلسا خارجيا في أحد المقاهي المطلة على البحر. - ولماذا لا يتحدث العلماء عن هذه السنن وينشرونها لعامة الناس حتى يتفقه الناس بها، ويتعلموها، ولاسيما أصحاب الاختصا؟. - أما أصحاب الاختصاص فإنهم يكتفون بالنظريات العلمية التي درسوها والأوراق العلمية التي تنشر، ولا ينظرون للشريعة الإسلامية أنها من الممكن أن تمدهم بشيء في تخصصاتهم السياسية أو الاقتصادية، قصروا الشريعة على العبادة، وأما عامة الناس فينظرون إلى السنن الإلهية إلى أنها من نافلة العلم، ولا يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، مع أنها جزء من عقيدة المسلم.
- كيف هي جزء من عقيدة المسلم؟ - إن السنن الإلهية تبين القواعد التي وضعها الله لكل شيء في الكون والأمم والأفراد، تبين عظمة الله -عز وجل-، وحكمة الله -عز وجل- اقتضت وضع هذه القوانين، وكل شيء يحدث وفق هذه القوانين، فهي قوانين إلهية ثابتة منذ خلق الله الكون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا عرف العبد هذه القوانين، فإنه يطمئن إلى وعد الله، إن كان مظلوما، يعلم أن الله سينصره، وإن كان وقع له كيد سيئ، يعلم أن الكيد سيرجع على أهله، إن كان رزقه حلالا، يعلم أن الله سيزيده، وهكذا في الأفراد، وفي الأمم.
والعالِم يعلم بسنن الله، متى وكيف يأتي نصر الله؟ ومتى تعز الأمة؟ ومتى يتخلف نصر الله؟ ومتى تسقط الأمة؟ ولا يغتر، بما يظهر بأنه خلاف سنة الله، وذلك أن وعد الله حق، والله لا يخلف الميعاد، فالعالم بهذه السنن مع بعض العلوم الدنيوية، في الاقتصاد والسياسة، يستطيع أن يستقرأ المستقبل ويرسم خارطة طريق للأمة حتى تنهض وتستقر وتتمكن في الأرض.
- بصراحة، الكلام جميل، ولكن أشعر أنه نظري، وأقرب إلى الخيال! - لا تقل هذه الكلام، لمجرد أنك لم تطلع على سنن الله ولم تدرس الشريعة، هذه حقائق أثبت من النظريات السياسية والاقتصادية؛ فمشكلة كثير من الناس أنهم لا يؤمنون بهذه السنن؛ لأنهم لا يرونها تقع أمام أعينهم، وذلك أن سنن الله لا تقاس بأعمار البشر، بل بأيام الله -عز وجل-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:٤٧)، فمن أراد أن يعرف سنن الله فلينظر على امتداد آلاف السنين؛ لذلك يقول الله -تعالى-: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، سنن الله ماضية في المؤمنين والكافرين والمكذبين والظالمين، لا تتخلف أبدا، وينبهنا الله -عز وجل- إلى مصير الأمم السابقة، والذي يريد معرفة سنن الله في دمار الحضارات، وازدهارها، ينظر على مدى آلاف السنين، لا عشرات ومئات السنين فحسب، وهذا الأمر، أعني أن سنن الله تقع في فترات زمنية طويلة تجعل الغافل لا ينتبه لها، بل ربما يهملها تماما، إذا لم تكن لديه خلفية في العقيدة.
- استدرك على صاحبي: - نحن نقرأ في كتب التاريخ مثل كتب ابن خلدون وغيره، ولدينا قاعدة (بأن التاريخ يعيد نفسه)، ولم يخطر ببالي فكرة (السنن الإلهية). - مقولة (التاريخ يعيد نفسه) خطأ، والصواب (أن التاريخ يعيده الله)، فهو الأحداث التي تحدث وفق قوانين ثابتة وضعها الله -عز جل- اسمها (السنن الإلهية)، ثابتة لا تتغير، مستغرقة، لا تختلف، دائمة لا تتوقف، شاملة لا تستثني، هذه هي سنن الله -عز وجل-، من عرفها كان علمه حقا ثابتا، ومن غفل عنها، إنما تخبط خبط عشواء في تحليله واستقرائه.



اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-07-2024, 06:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (2)


في زيارة قصيرة إلى الرياض، عاصمة المملكة، استقبلني صاحبي في المطار، وكعادته لم يترك لي المجال أن أنزل إلا في بيته، وهكذا اعتدنا منذ أكثر من خمس عشرة سنة، إذا زار الكويت فمكانه منزلي وإذا زرت الرياض مكاني منزله، وصلت بين صلاة العصر والمغرب، وكنت قد جمعت صلاتي الظهر والعصر قبل الصعود للطائرة. - سوف تتفاجأ وتنبهر لما ستراه من تغير في مدينتنا.
- إيجابا أم سلبا؟ - لا يخلو أمر في الدنيا من هذين، ولكن أظن الإيجابيات أكثر من السلبيات، أخبرني عن آخر مشاريعك الكتابية؟ - انتهيت -بفضل الله- من (أعمال القلوب، والطاعات والذنوب)، وبدأت أكتب عن (السنن الإلهية).
- ما شاء الله! اختيارك للعناوين جميل جدا، يلفت الانتباه، ويشوق القارئ لمعرفة المحتوى، لقد اطلعت على (أعمال القلوب)، من خلال موقعك على الشبكة العنكبوتية، واستمتعت بكثير من المواضيع بل واستفدت كثيرا. وماذا في (السنن الإلهية)؟ - سنن الله -سبحانه وتعالى- وقوانينه الثابتة في الكون، والأمم، والأفراد، قوانين العزة والتمكين، قوانين الهلاك والعذاب، قوانين النذر، قوانين الرزق، وهكذا، كانت الطريق سالكة، بالقرب من المطار، ولكنها أخذت في الازدحام كلما اقتربنا من مركز المدينة، وظهرت مشاريع البناء والطرق والمباني الجديدة.
تابعنا حديثنا بعد التعليق على هذه المشاريع وتفاصيلها. - ولماذا سميتها (سنن إلهية) وليس (سنن ربانية)؟ - الله -سبحانه وتعالى- وصفها بذلك، يقول -تعالى-: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب).
ويقول -تعالى-: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح).
ويقول -تعالى-: {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّون َكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء).
ويقول -عز وجل-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر). قاطعني (أبو محمد).
- إن لم تخني الذاكرة، كلمة سنة، تكتب في المصحف بتاء مفتوحة وتاء مربوطة، هل من سبب لذلك؟ مع أنها في الإملاء ينبغي أن تكون بتاء مربوطة.
- أحسنت أبا محمد، نعم لقد لفت نظري هذا الأمر منذ فترة، وبحثته في الكتب التي تناولت الرسم العثماني للقرآن، وإن لم تخني الذاكرة هناك ثلاث عشرة كلمة وردت بهذا الشكل، وهي: (رحمة - رحمت) (نعمة - نعمت) (سنة - سنت) (امرأة- امرأت) (ابنة - ابنت) (لعنة - لعنت) (شجرة - شجرت) (جنة - جنت) (معصية - معصيت) (فطرة - فطرت) (قرة - قرت) (بقية -بقيت) (كلمة - كلمت).
والسبب -كما قال أهل الاختصاص-: إن التاء المربوطة تأتي إذا كان الأمر عاما ولا يتعلق بمخصوص، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت مرتبطة بشخص أو فئة، أو مكان أو حدث محدد، ودعني أوضح لك بأمثلة.
قوله -تعالى-: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (الزمر:53)، شاملة عامة لجميع الذين أسرفوا، بل للبشر جميعا، وقوله -تعالى-: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (هود:73)، جاءت لإبراهيم وزوجه عندما بشر بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب -عليهم السلام-، فهذه خاصة بهم، ولو رجعنا إلى موضوعنا، (سنة الله)، تأتي بالتاء المربوطة، إذا كانت عامة، لا تحدد فئة، كما في قوله -تعالى-: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب)، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت في فئة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43)، هذه خاصة بعذاب أهل المكر السيء.
ووردت (سنت) بالتاء المفتوحة خمس مرات في كتاب الله. - أول مرة أعرف هذه المعلومة الدقيقة عن رسم القرآن. - علوم القرآن لا يحيط بها أحد، وإنما يجتهد العلماء في دراستها وفهمها وشرحها، هذا كلام الله -عز وجل-، المعجزة، الحجة على البشر جميعا، بكل ما فيه من أخبار، ووعد، ووعيد، وبيان، وهداية، بعد الرسل وآخرهم رسول الله محمد بن عبدالله -[-، حجة الله على الخلق، كتابه العزيز: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت:42).



اعداد: د. أمير الحداد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-07-2024, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (3) قوانين ثابتة لا تتغير ولا تخطئ


في اجتماعنا المعتاد بعد صلاة الجمعة، سألت صاحبي: - إلى أين وصلت في بحثك عن (السنن الإلهية)؟ اعتدل في جلسته. - الموضوع أهم مما كنت أعتقد، وأعمق مما كنت أظن، السنن الإلهية جزء مهم جدا في العقيدة، وفي معرفة ما يتعلق بالله -عز وجل-، وجزء لم يأخذ حقه عند المسلمين، لا ترى العلماء يلقون المحاضرات العامة في هذا الموضوع، ولا تجد التركيز عليه في خطب الجمعة أو الدورات الإسلامية أو حلقات المساجد، مع أن له ارتباطا مباشرا بمصير الأفراد والأمم، من عزة وذل، ورفعة وتمكين ونصر، ورزق ورغد عيش وأمان، وبقاء وهلاك، وكذلك بالنسبة للأفراد، استغربت حماس صاحبي، وتركيزه في كلامه! - السنن الإلهية تعطي نتائج يقينية أشبه بالمعادلات الرياضية والفيزيائية وربما أدق، فيمكنك معرفة الضرر قبل وقوعه، فتجتنبه، ويمكن معرفة الهزيمة قبل حدوثها، فتتفاداها، ويمكنك معرفة الهلاك قبل تحققه فتمنعه، ذلك أن سسن الله ترتكز على السببية والتعليل والشرط والجزاء. قاطعته: - هذه الجملة الأخيرة تحتاج مزيدا من التفصيل: - السنن الإلهية جعلت لكل شيء سببا، فلا شيء يحدث عبثا أو دون أسباب، وموقف البشر من الأسباب والمسببات يكون شركا، أو عبودية، أو عبثا وإليك التفصيل.
أما المؤمن، فيبذل الأسباب ولا يتعلق بها، وإنما يتعلق قلبه بالله بعد بذل الأسباب، وهذه هي العبودية الصحيحة. والمشرك يتعلق بالأسباب دون النظر إلى المسبب، ويظن أن الأسباب تؤدي إلى النتائج، بصرف النظر فهو لا يؤمن بأن الله هو الذي يأتي بالنتائج. والثالث، يترك الأسباب ويضع الحبل على الغارب وينتظر النتائج، وهذا عبث وقدح في العقل والشرع، ويمكن تلخيص هذه القاعدة بقول النبي -[-: «اعقلها وتوكل»، صحيح الترمذي (اعقلها) بذل الأسباب، و(توكل)، تعلق القلب بالله لا بالأسباب. أعجبني شرح صاحبي! - أحسنت يا أبا عبدالله. ذكر صاحبي وضيفنا بالمكسرات والمرطبات الموجودة أمامهما.
تابع صاحبي حديثه: - ولو تدبرنا كتاب الله، ويجب علينا أن نتدبره، لوجدنا أن الله -تبارك وتعالى- يذكر في آيات كثيرة: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (النمل:69)، وهذا السير سواء كان حقيقيا أو اعتباريا هدفه النظر في عواقب الأمور، عاقبة المجرمين، عاقبة المكذبين، عاقبة الظالمين، عاقبة المفسدين، أمما كانوا أم أفراد، وذلك أن ما أصاب أؤلئك، سيصيب كل من سار على نهجهم، وارتكب خطأهم، هذه القوانين ثابتة نافذة، لا تحابي أحدا، ولا تتخلف عن أحد.
ويصوغ العلماء ذلك بقولهم: إن الله «لا يفرق بين المتماثلات ولا يساوي بين المختلفات»، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم:35-36). {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر:43).
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60). {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (ق:14)، وذلك بعد أن ذكر قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعادا وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع.
أخذ صاحبي رشفة ماء واسترخى قليلا مسندا ظهره. - وهل هذه السنن، أو القوانين، يسير بها الكون، أعني الشمس والقمر، والأجرام السماوية، وغيرها؟ - نعم، وهناك تفصيل في هذا الأمر، سنن الله في الكون قهرية، لا دخل لأحد فيها: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40)، ولا يمنع نظامها إلا الله -عز وجل-؛ لإظهار معجزة أو نهاية العالم، فالنار تحرق، هكذا خلقت، أوقف الله هذه السنة لأجل (إبراهيم) -عليه السلام-، فجعلها بردا وسلاما، والشمس تشرق كل يوم من المشرق، وستبقى كذلك إلى أن يشاء الله ليوم القيامة، تطلع من المغرب، والعبد لا يبني حياته على المعجزات، بل على الأسباب والمسببات، هذه السنن الكونية وضعها الله -عز وجل-؛ لتستقيم حياة البشر جميعا، أما السنن والقوانين المتعلقة بالبشر، فإنها متعلقة بالأسباب وإرادة الإنسان، بمعنى افعل كذا، يحصل كذا، وذلك أن البشر لهم إرادة واختيار أما الكون فلا، الشمس والقمر والنجوم مسخرات مأمورات لا إرادة لهن ولا اختيار.
وسنن الله في البشر مبنية على وعده ووعيده وأمره ونهيه -سبحانه وتعالى-، فالعبد المؤمن على يقين بأن الله لا يهلك أمة وأهلها مصلحون. هذه قاعدة وردت في قوله الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(هود:117).
والعبد المؤمن على يقين أن التمكين في الأرض يكون بأسباب، والنصر يكون بأسباب، والعزة تكون بأسباب، وكذلك الخذلان يكون لأسباب، والذلة تكون لأسباب، وهذه الأسباب هي اختيار الأفراد والأمم، وسنن الله تجري على الجميع.
- سؤال أخير، هل هذه الأمة أعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تميزت عن غيرها بشيء؟ - نعم بشيء واحد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا» (مسلم).



اعداد: د. أمير الحداد






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31-07-2024, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (4) في القرآن


صاحبي متخصص في علوم اللغة، أستمتع بحديثه إذا شرح آية من كتاب الله -عز وجل-، قد تستمع إليه لأكثر من خمسين دقيقة وهو يتناول تفسير (سورة الكوثر)، ثلاث آيات فقط! اجتمعنا في المكتبة، الرواد الدائمون للمسجد، بعد صلاة العصر، وكنا صياما، بدأ الدكتور زياد حديثه.
- القرآن كتاب الله -عز وجل-، فيه الهدى والبيان، لكل ما يحتاجه العبد، فصّل ما يحتاج إلى تفصيل، وأوجز ما لا حاجة إلى زيادة بيان، في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق، والعلاقات البشرية، كتاب كامل لا نقص فيه ولا عيب ولا زيغ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89). أخذ المصحف الذي كان أمامه، وقد وضع فيه قصاصات ليصل إلى الآيات التي يريد الاستشهاد بها.
- لو تتبعنا مادة (السنن) في كتاب الله، لوجدناها ترد في سياقين {سنة الأولين} (الأنفال:38 - الحجر:3- الكهف:55- فاطر:43)، و{سنة الله} (الإسراء:77- الأحزاب:62- فاطر:43- الفتح:23)، وكلام التعبيرين مترادفان؛ لأنهما يشيران إلى ما أنزل الله من العذاب بالأمم السابقة، ممن كذبوا أو استهزؤوا بالأنبياء، ولو تتبعنا بدقة كلمة (سنة)، لوجدنا أن هذا اللفظ ورد في ستة عشر موضعا، منها أربعة عشر موضعا بالإفراد، وموضع فيه بالجمع، وبتفصيل آخر، تسعة مواضع مضافة إلى الله -عز وجل- وموضع واحد مضاف إلى الرسل وأربعة مواضع مضافة إلى الأولين، وموضع واحد مضاف إلى (الذين من قبل)، وجاء في موضع واحد نكرة مجردا عن الإضافة بصيغة الجمع.
قطع حديثه الجاد مازحا. - هل تتابعون الأرقام، حتى تتأكدوا أن المجموع ستة عشر أم أن الصيام أتعبكم وتريدون الاستماع دون تركيز؟! أجبته: - بل كنت أجمع الأرقام: (14+2) و(9+1+1+4+1). - كنت أمزح معكم، لنرجع إلى موضوعنا (سنن الله).
- هذه الكلمة توزعت في عشر سور، خمس منها مكية، وهي: (الحجر والإسراء والكهف وفاطر وغافر)، وخمس مدنية، وهي: (آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، والفتح)، وهي الآيات التي وضعت القصاصات عندها في هذا المصحف. ولو أردنا أن نلخص محور هذه الآيات يمكن أن نقول: إنها أخبار عن نهوض الأمم وسقوطها، وربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائح بطريقة أشبه ما يكون بالمعادلات الرياضية التي تحكم عالم المادة، هذه الآيات تحض المؤمنين على السير في الأرض -سيرا حسيا أو معنويا، للتفكر في أحوال هذه الأمم، وفيها حض للتفكر وإعمال العقل، ليلتفت إلى السنن التي توجه الأحداث. وغاية هذه الآيات الإيمان بالسنن الإلهية والعمل بمقتضاها، أفرادا ومجتمعات وأمما، وإليكم بعض الآيات، وأنصح بقراءة تفسيرها: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال:38).
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر). {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلً} (الإسراء). {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب).
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الأحزاب). {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الفتح). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران).
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء). ومن الآيات التي ذكرت سننا إلهية دون استخدام (سنن): {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
{لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج). {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21). وغيرها كثير في كتاب الله فلنتدبرها.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-08-2024, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (5)

كألف سنة مما تعدون



صاحبي من محبي السفر بالمركبة، لدى (صندوق السفر)، يحتوي على كل ما يحتاجه للطريق، متقاعد غير مرتبط بأي شيء، يتخذ قرار السفر آنيا، مجرد أن يجد من يرافقه، وبالطبع لديه المرافق الدائم (أبو أحمد).
- بعد عمرتنا الآخرة، ذهبنا إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلينا الظهر في مسجد قباء، ثم العصر والمغرب والعشاء والفجر في المسجد النبوي، بعد الإفطار اقترح علي صاحبي، أن نرى مدينة «العلا»، لكثرة ما تذكر هذه الأيام، وبالفعل توكلنا على الله، بعد أن أخذنا الأسباب، وعرفنا المسافة والطريق، المسافة قريبة، ثلاثمائة كيلو مترا، قطعنا بساعتين ونصف الساعة، مدينة فيها الكثير من الآثار والتضاريس الجبلية الجميلة، زرنا متحف مرايا ومجمع الفريد الذهبي، وقررنا المبيت في (باينان ترى العلا)، في اليوم التالي، زرنا السوق الشعبي بالعلا القديمة، وجبل الفيل، ومحطة سكة حديد الحجاز، وبعدها ديار ثمود قوم صالح.
- وماذا رأيتم في ديار ثمود قوم صالح؟ كان صاحبي يحدثني باستمتاع؛ لأنها المرة الأولى التي يرى فيها ديار ثمود، ويظن أنه رأى الجبل الذي خرجت منه الناقة.
- قضينا أربع ساعات نتجول في هذه المناطق، ونرى كيف أصبحت بعد أن كانت مركزا لحضارة عظيمة يوما ما. عقبت على شرح صاحبي المسهب. - يقول الله -تعالى-: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:45-47).
في تفسير هذه الآيات: {كأين} عدد كبير من القرى الظالمة أهلكها الله، وهذه سنة من سنن الله في خلقه، إهلاك القرى الظالمة، وإبقاء القرى المصلحة.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:117)، وهذه السنة الإلهية لا يلتفت إليها الناس؛ لأنها تقع على مدى زمني طويل يمتد لمئات السنين فلا يراها الفرد، ولكن يراها من يتدبر التاريخ الممتد، وقوله -تعالى-: {أفلم يسيروا في الأرض}، أمر بالسير الحسي أو المعنوي، ولكن ينبغي أن يكون سيرا بقلوب تعقل وآذان تسمع، وإلا فإنهم لن يعتبروا بهذا المسير، وذلك أن هذه السنة (إهلاك الأمة الظالمة)، -ولاسيما إذا كان ظلمها الكفر بأنبياء الله- سنة ماضية إلى يوم القيامة، ولذلك ختم الله هذه الآيات بقوله: {ويستعجلونك بالعذاب}، والله -عز وجل- (حليم) لا ينزل عذابه لأجل عناد الظالمين، كما قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال). وبين -سبحانه- أن إهلاكه للأمم إنما يكون بأيام الله، التي هي كألف سنة مما يعد البشر.
- هل هذه سنة دائمة وقانون ثابت لله -عز وجل- في الأمم الظالمة؟ - نعم، دون شك، هذه سنة إلهية لا تتوقف ولا تتبدل ولا تحابي أحدا، المرء قد يرى هلاك الظالمين (الأفراد)، كهلاك فرعون، وقارون، وأبي جهل، ونمرود، فتكون ميتتهم عبرة للظالمين جميعا، وآية لجميع الخلق، حتى لا يتطاول العبد على الله -عز وجل-، فيكون هلاكهم بعد خمسين سنة أو مئة أو أكثر، ولكن الظالم يهلكه الله، والقرية الظالمة يهلكها الله، ولا شك أن أعظم الظلم قتل الأنبياء والشرك بالله برد دعوتهم، كما في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}» (متفق عليه).
- بعض المفردات تحتاج إلى مزيد بيان، مثلا (خاوية على عروشها) (بئر معطلة) (قصر مشيد). (بئر معطلة)، نابعة الماء ولا ينتفع بها؛ لأن أهلها هلكوا، وقيل دفنت لهلاك أهلها. (قصر مشيد)، بناء مبني بالحجارة والجص، خلا من سكانه.



اعداد: د. أمير الحداد






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-08-2024, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (6) سنة الله في الرزق


- في طريق رجوعي إلى البيت، فاجأتني حفرة لم أستطع تفاديها؛ مما أدى إلى إتلاف إطار مركبتي الخلفي، توقفت على جانب الطريق السريع، حمدت الله أن الأمر مر بسلام دون حادث مروري. بحثت في هاتفي وفيه أرقام طوارئ الماء والكهرباء وخدمة الطريق والأعطال الصحية والكهربائية وغيرها، الرقم الأول كان مفصولا عن الخدمة، والثاني لا يرد، والثالث خطأ، شاء الله أن تمر بي الشاحنة التي تنقل المركبات المتعطلة، ونسميها في الكويت (سطحة)، صاحبها يقودها دون تخطيط مسبق، ينتظر إلى أن يرزقه الله بمركبة متعطلة على قارعة الطريق.
بعد أن استوت مركبتي على (السطحة)، وأخذت مكاني بجانب السائق، فتحت معه الحوار: - اتصلت قبل أن تصل بخمس جهات، لم أوفق معها، رد علي: - لقد كان مقدرا لك، أن تكون سببا لرزقي دون غيري، قالها مبتسما، أبو زياد، تابع حديثه: - للتو أنزلت مركبة وكنت في طريقي إلى مركز الانتظار، ورأيتك وسوف أوصلك إلى مكان تغيير الإطارات، ثم أمضي، واليوم هو آخر يوم عمل لي؛ حيث حجزت للسفر غدا لرؤية أبنائي الذين لم أرهم منذ أربع سنوات، لمشكلات إدارية بين الشركة والجهات الحكومية.
- سهل الله لك أمرك، ورزقك وبارك لك. - عملنا فيه من التوكل على الله، ما لم أكن أدركه من قبل، أخرج في الصباح، ولا أعلم كم سأجني، أسعى في الطرقات، أنتظر رنة الهاتف، من الصباح الباكر إلى الساعة العاشرة ليلا، ربما أرتاح ساعة بعد صلاة الظهر، حين تزدحم الطرقات، أحيانا يمضي نصف اليوم دون أن أرزق بدينار واحد، وأحيانا لا أكاد أتوقف عن نقل مركبات متعطلة، وأجني أكثر من مئة دينار، في يوم واحد، أيقنت أن على العبد السعي، وعلى الله الرزق، كما قال -تعالى-: {وفي السماء رزقكم}. لم يكمل أبو زيادة الآية.
- صدقت يحتاج العبد أن يذكر نفسه أن الرزق بيد الله وأن رزقه سيناله لا محالة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم» (صحيح ابن ماجه)، وفي الحديث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» (صحيح الجامع). قاطعني أبو زياد.
- سبحان الله، هذه أول مرة أسمع هذا الحديث، فالجميع يعلم أن الأجل آت في موعده دون تقديم أو تأخير، الرزق أشد طلبا للعبد من رزقه؟ سبحان الله. - نعم، هو كذلك. قاطع أبو زياد تعليقه، وهو يناولني ورقة.
- لو سمحت اكتب لي نص هذا الحديث. - فعلت، ووضع الورقة بجانبه.
- سأطبع هذا الحديث وأعلقه أمامي.
وإليك حديث آخر.
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن ضيفا نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما لضيفه، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: «اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يمكلها إلا أنت»، قال: فأهدي إليه شاة مصلية (مشوية)، فقال: «هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة» (السلسلة الصحيحة).
- أحاديث جميلة تريح القلب، مع أن بعض زملائي في هذه المهنة، يتذمرون إذا مر يوم، ولم يجن ما كان يرجو من المال، وأنا أقول لهم دائما {وفي السماء رزقكم}.
- هذه سنة الله في الرزق، أن العبد يبذل ما يستطيع في السعي لنيل الرزق الحلال، ويترك الأمر لله، موقنا بأن الله سيرزقه، فيكون بهذا المبدأ، يؤمن بأن الرزق مكتوب مقدر، قبل خلق السماوات والأرض، وأنه ينزل بأسبابه، فسنة الله قائمة على السببية والتعليل، وأن زيادة الرزق أو نقصانه إنما هو بحكمة الله -عز وجل-، كما قال -تعالى-: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (العنكبوت:62). وتذييل هذه الآية بقوله -سبحانه-: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، تغني العبد عن أي اعتراض.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-08-2024, 01:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (4) في القرآن


صاحبي متخصص في علوم اللغة، أستمتع بحديثه إذا شرح آية من كتاب الله -عز وجل-، قد تستمع إليه لأكثر من خمسين دقيقة وهو يتناول تفسير (سورة الكوثر)، ثلاث آيات فقط! اجتمعنا في المكتبة، الرواد الدائمون للمسجد، بعد صلاة العصر، وكنا صياما، بدأ الدكتور زياد حديثه.
- القرآن كتاب الله -عز وجل-، فيه الهدى والبيان، لكل ما يحتاجه العبد، فصّل ما يحتاج إلى تفصيل، وأوجز ما لا حاجة إلى زيادة بيان، في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق، والعلاقات البشرية، كتاب كامل لا نقص فيه ولا عيب ولا زيغ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89). أخذ المصحف الذي كان أمامه، وقد وضع فيه قصاصات ليصل إلى الآيات التي يريد الاستشهاد بها.
- لو تتبعنا مادة (السنن) في كتاب الله، لوجدناها ترد في سياقين {سنة الأولين} (الأنفال:38 - الحجر:3- الكهف:55- فاطر:43)، و{سنة الله} (الإسراء:77- الأحزاب:62- فاطر:43- الفتح:23)، وكلام التعبيرين مترادفان؛ لأنهما يشيران إلى ما أنزل الله من العذاب بالأمم السابقة، ممن كذبوا أو استهزؤوا بالأنبياء، ولو تتبعنا بدقة كلمة (سنة)، لوجدنا أن هذا اللفظ ورد في ستة عشر موضعا، منها أربعة عشر موضعا بالإفراد، وموضع فيه بالجمع، وبتفصيل آخر، تسعة مواضع مضافة إلى الله -عز وجل- وموضع واحد مضاف إلى الرسل وأربعة مواضع مضافة إلى الأولين، وموضع واحد مضاف إلى (الذين من قبل)، وجاء في موضع واحد نكرة مجردا عن الإضافة بصيغة الجمع.
قطع حديثه الجاد مازحا. - هل تتابعون الأرقام، حتى تتأكدوا أن المجموع ستة عشر أم أن الصيام أتعبكم وتريدون الاستماع دون تركيز؟! أجبته: - بل كنت أجمع الأرقام: (14+2) و(9+1+1+4+1). - كنت أمزح معكم، لنرجع إلى موضوعنا (سنن الله).
- هذه الكلمة توزعت في عشر سور، خمس منها مكية، وهي: (الحجر والإسراء والكهف وفاطر وغافر)، وخمس مدنية، وهي: (آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، والفتح)، وهي الآيات التي وضعت القصاصات عندها في هذا المصحف.
ولو أردنا أن نلخص محور هذه الآيات يمكن أن نقول: إنها أخبار عن نهوض الأمم وسقوطها، وربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائح بطريقة أشبه ما يكون بالمعادلات الرياضية التي تحكم عالم المادة، هذه الآيات تحض المؤمنين على السير في الأرض -سيرا حسيا أو معنويا، للتفكر في أحوال هذه الأمم، وفيها حض للتفكر وإعمال العقل، ليلتفت إلى السنن التي توجه الأحداث.
وغاية هذه الآيات الإيمان بالسنن الإلهية والعمل بمقتضاها، أفرادا ومجتمعات وأمما، وإليكم بعض الآيات، وأنصح بقراءة تفسيرها: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال:38).
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر).
{وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلً} (الإسراء).
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب).
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الأحزاب).
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الفتح). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء).
ومن الآيات التي ذكرت سننا إلهية دون استخدام (سنن): {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
{لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج).
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21).
وغيرها كثير في كتاب الله فلنتدبرها.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-08-2024, 01:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (8) سنة التغيير


- يقول -تعالى-: {لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد:11)، ويقول -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:53).
هذه سنة أخرى من سنن الله في الأفراد والمجتمعات، (قانون التغيير)، كان محدثنا أحد طلبة العلم، حديث التخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة، حصل على الدكتوراه بأطروحة عنوانها: (سنن الله في كتاب الله)، لم يكن الحضور كثيرا، ربما مئة أو أقل، وذلك أن المحتوى علمي، والحضور من طلبة الشيخ في المعهد.
تابع الشيخ حديثه. - التغيير هو الانتقال من حال إلى حال، وهذا يشمل الأفراد والأمم وآية الرعد وردت في معرض التحذير والتهديد، وذلك يشمل تغيير العز إلى ذل، والتمكين إلى التشريد، والرخاء إلى شقاء، والخوف إلى أمن، والقلق إلى اطمئنان، إذا أراد العبد أن يغير الله حاله، لابد أن يتغير، والآية فيها تهديد للكفار، ألا يسترسلوا في غيهم، ويقولوا: «إذا رأينا العذاب آمنا»؛ فإن عذاب الله إذا جاء (فلا مرد له)، وهذا كقوله -عز وجل-: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (يونس:98)، وهذه الآية حجة على من كان على ضلال، بزعم أن الله لو هداني لاهتديت، كما قال الله -عز وجل- عن المشركين: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} (إبراهيم:21).
فالعبد الذي يريد الهداية يبذل أسبابها، وسيهديه الله، ومن كان على ضلال، يجب أن يغير حاله، حتى يغيره الله، فالبداءة من العبد، والتوفيق بعد ذلك من الله، كما في الحديث: «ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة..» (البخاري)، وهكذا الأمم، إن كانت بعيدة عن الله، فإن الله يتركها على ما هي فيه بعد أن يقيم عليها الحجة، سابقا، بإرسال الرسل، والآن الحجة قائمة، بكتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالأمة التي تريد أن يتغير حالها من الذل إلى العزة، يجب أن تتغير إلى ما يريد الله -تعالى-، والتي تريد الأمن والاستقرار بعد الخوف والتشرذم، يجب أن تتغير حتى يغير الله حالها، وهكذا هذه سنة كونية نافذة: (من أراد تغيير حاله، يجب أن يبدأ بالتغيير في ذاته).
أما آية سورة الأنفال، فقد وردت في معرض بيان حال النعمة وأتت هذه الآية بعد ذكر مصير آل فرعون والذين من قبلهم، يقول -تعالى-: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (آل عمران:11)، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الآنفال:53)، ثم ذكر آل فرعون: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} (الآنفال:54)؛ فهي آية بين آيتين عن آل فرعون والذين كفروا. في التفسير: «وأن قوم فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم، فتسببوا بأنفسهم في زوال النعمة، كما قال -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص:58)، وهذا إنذار لقريش، يحل بهم ما حل بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة» (التحرير والتنوير) وفي تفسير السعدي.
{ذلك} العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، فإن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرا، {حتى يغيروا ما بأنفسهم} من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة الله ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم.
ولله الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم؛ وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.
{وأن الله سميع عليم} يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به، ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر، وتخفيه السرائر، فيجري على عباده من الأقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-09-2024, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (9) الأسباب والمسببات


- نعم، الله قادر على أن يرزقك مليون دينار، وبين يوم وليلة تصبح ثريا واسع الثراء، تملك كل ما يخطر على بالك، ولكن أفعال الله -عز وجل- ليست عشوائية، فهو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الصحيح، العليم الذي يفعل كل شيء وفق علم محيط بكل شيء؛ ولذلك جعل لكل أحداث الحياة أسبابا، خلق قانون الأسباب والمسببات، مع تذكيره عباده ألا ينسوا الله، وهم يتعاملون مع هذا القانون. أخي الأصغر (جابر) يحلم بأمور كثيرة، أصفها بأنها مجرد (أماني)، أحلامه تتطلب أمورا كثيرة لا يملكها، ولا يملك الجهد ليبذله من أجل تحصيلها.
- الماديون يؤمنون بالأسباب والمسببات مطلقا، بمعنى تفعل كذا يحصل كذا، وهذه النظرة المادية، يجب أن تكون عند المؤمن، مع إضافة الاستعانة بالله والتوكل عليه لتحقيق الأهداف، مثلا: إذا اجتمعت ظروف معينة، يتكون السحاب في السماء، وإذا أضيفت لها ظروف أخرى، نزل المطر، ولكن وراء كل ذلك، إرادة الله، كما قال -تعالى-: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (فاطر:9)، ويقول -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57). كان (جابر) ينصت إنصات التلميذ الذي يحاول أن يفهم شرح الدروس من معلمه.
- فالإنسان يتعلم هذه الأسباب حتى يتمكن بتنبؤ الأحوال الجوية، وعلم البشر محدود، مهما تقدموا؛ فالله -عز وجل- يعلم بسقوط كل قطرة ماء، متى وكيف؟ ولله المثل الأعلى، فعلم الأرصاد الجوية ليس من علم الغيب، وإنما من الأسباب والمسببات، وكلما عرف البشر تفاصيل الأسباب كان تنبؤهم أدق.
- دعنا من الظواهر الكونية، نعلم أنها كلها أسباب ومسببات من عند الله، الليل والنهار، الصيف والشتاء، الشمس والقمر، ماذا عن الأمور التي تخص البشر؟ الرزق مثلا.
- الأهم من الرزق، الهداية، وذلك أن كثيرا من الناس يحتج بآيات من كتاب الله بأن الهداية من الله، ولا دخل للإنسان فيها، وهذا خطأ فادح، وذلك: «أن من طلب الهداية بصدق وبذل أسبابها الصحيحة، ينال الهداية»، بتوفيق الله مع بالأسباب.
قاطعني: - ولكن آيات كثيرة، عن كتاب الله ورد فيها: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقرة:272). {لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النور:46).
أخذ صاحبي يبحث في هاتفه، وهذه آيات أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر:8). {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31).
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم:4). استوقفته.. - هذه الآيات وغيرها التي تذكر مشيئة الله، (من يشاء)، تحمل على مشيئة الله (ليست عشوائية)، وضع عشرة خطوط تحت هذه (ليست عشوائية)، بل بحكمة وعلم ولطف ورحمة، العبد الذي يبذل أسباب الهداية، وهي الإخلاص والصدق واتباع الرسول وتطبيق أوامر الله، يهديه الله، والذي يعرض عن الصلاة والقرآن وأوامر الله، يتركه الله لما اختار، وهذا معنى (يضله الله)، أسباب الهداية، تؤدي للهداية، وأسباب الضلال تؤدي إلى الضلال، وهذه الآيات تشبه الآيات الأخرى التي تذكر مشيئة الله، مثل قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة:40)، فهل يعذب الله الصالحين، المؤمنين، التائبين، كلا، وهل يغفر للمشركين، كلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء:48). الله خلق الأسباب والمسببات، أمرنا أن نأخذ بها دون أن ننسى خالق الأسباب والمسببات، هذه هي العقيدة الصحيحة، أما التعلق المادي التام بالأسباب، فإنه إلحاد، وإن كان يؤدي إلى التقدم والرفعة والتمكن في الحياة الدنيا، وإما إلغاء الأسباب والمسببات والتقاعس، فإنه يؤدي إلى الهلاك والضلال والضياع في الدنيا والآخرة، كما قال الله -تعالى- عن المشركين: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}(الأ نعام:148).
وكذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النحل:35). خلاصة الأمر يا (أبا جراح)، أن الله جعل لهذا الكون وللمجتمعات وللأفراد قانونا وسنة إلهية هي الأسباب والمسببات، إذا توفرت الأسباب تحققت النتائج، في الظواهر الكونية، البشر يتعلمونها ليتأهلوا للاستعداد لما سيأتي، وفي المجتمعات والأفراد، ينبغي أن يأخذ المرء بالأسباب حتى يعيش كما يرضى الله، ويموت على ما يرضي الله، إن كان يريد الخير لنفسه ولمجتمعه.



اعداد: د. أمير الحداد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-09-2024, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية (10) سنة المدافعة


في مجلس خاص جمعني وثلاثة من الأصدقاء القدامى، زملاء الدراسة في المرحلة الجامعية الأولى، طرحت موضوع السنن الإلهية.
- هل تصنفه ضمن مواضيع العقيدة؟ - نعم، ولست أنا الذي يصنف، وإنما هكذا تكلم عنه العلماء المختصون؛ وذلك أنه يتعلق بالله -عز وجل-، سنن الله في الكون والأفراد والمجتمعات.
- لا نسمع كثيرا من يتحدث عنه، ولا نرى كتبا تشرحه كما في أبواب العقيدة الأخرى، مثل التوحيد والشرك والأسماء والصفات والنفاق والتوسل والشفاعة، وغيرها.
- أظنك أصبت يا (أبا فهد)، رغم أهمية الموضوع، من درسه حق دراسته يستطيع أن يستشرف النتائج قبل وقوعها، وإذا عرفها المؤمن يطمئن قلبه ويعلم أن الله -عز وجل- (بالغ أمره)، ويرى حكمة الله وعدله في البشر، دون محاباة، وذلك أن سنة الله ثابتة ومنها: عدم التفرقة بين المتماثلات وعدم التسوية بين المختلفات كما قال -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين}.
كان مضيفنا هو أبو عبدالله (أنور)، وأبو عبدالله (علي) رابعنا، كان الحوار هادئا هادفا مفيدا، كعادتنا في هذه المجموعة. تدخل أبو فهد (عبدالرحمن): - أسمع عن سنة (التدافع)، ولم أبحث أو أقرأ عنها، فهل لك أن تبينها، إن كنت بحثتها؟ - نعم، (سنة التدافع) هي من قول الله -تعالى-: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251)، وتسمى (سنة المدافعة)، أو الصراع بين الحق والباطل، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، تكون بالحجة والكلام والسلاح، وبكل أنواع المدافعة والصراع، يقول الله -تعالى-: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (الكهف:56)، وفعل المضارع (يجادل) يدل على الاستمرارية والدوام، ويذكر الله -عز وجل- نتيجة هذه المجادلة في الأمم السابقة في سورة غافر: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} (غافر:5).
وفي سورة الحج يقول -تعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).
- دعوني أقرأ لكم ما ظهر لي في الهاتف بعد البحث وأنت تتناقشون. أخذ (أبو عبدالله) يقرأ من هاتفه: - في لسان العرب، الدفع: الإزالة بقوة، وتدافع القوم: دفع بعضهم بعضا، والمدافعة: المزاحمة، والاندفاع: المضي في الأمر، أما في سنن الله، التدافع بين الحق والباطل، لا بد منه لأنهما ضدان، والمقصود التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل وذلك أن وجود أحدهما يستلزم إزالة الآخر؛ فلا يتصور أن يعيش أهل الحق وأهل الباطل في سلم من دون غلبة أحدهما على الآخر إلا لعلة، كضعف أصحابهما أو جهلهم أو ضعف تأثير علمهم عليهم.
- كلام جميل! وهنا يجب أن نبين أن للباطل قوة، لذلك لا بد للحق من قوة تحميه وتنصره، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (الأنفال:36)، والحق لا ينتصر لمجرد أنه حق، بل يجب أن تكون له قوة مادية، وأسباب دنيوية تنصره على الباطل، فإذا بذل أهل الحق الأسباب، انتصروا وإلا فلا نصر، وقول الله - عز وجل-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء:81)، هذا بعد بذل الأسباب، وليس من فراغ، كما في قوله -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء:18). في تفسير الزمخشري: «ومن سنة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه».
وفي التحرير والتنوير: معنى الآية: أنه لولا وقوع دفع بعض الناس بعضاً بتكوين الله وإيداعه قوة الدفع وبواعثه في الدافع لفسدت الأرض، أي من على الأرض، واختل نظام ما عليها، ذلك أن الله -تعالى- لما خلق الموجودات التي على الأرض من أجناس وأنواع وأصناف، خلقها قابلة للاضمحلال، وأودع في أفرادها سننا دلت على أن مراد الله بقاؤها إلى أمد أراده، ثم إنه -تعالى- جعل لكل نوع من الأنواع، أو فرد من الأفراد خصائص فيها منافع لغيره ولنفسه ليحرص كل على إبقاء الآخر، فهذا ناموس عام، وجعل الإنسان بما أودعه من العقل هو المهيمن على بقية الأنواع.
وأعظم مظاهر هذا الدفاع هو الحروب؛ فبالحرب الجائرة يطلب المحارب غصب منافع غيره، وبالحرب العادلة ينتصف المحق من المبطل.
والآية مسوقة مساق الامتنان، فلذلك قال -تعالى-: {لفسدت الأرض} لأنا لا نحب فساد الأرض؛ إذ في فسادها بمعنى فساد ما عليها اختلالُ نظامنا وذهاب أسباب سعادتنا، ولذلك عقبه بقوله: {ولكن الله ذو فضل على العالمين}.
وأما قوله -تعالى-: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ هَدِّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. اعتراض بين جملة {أذن للذين يقاتلون} (الحج: 39) إلخ، وبين قوله: {الذين إن مكناهم في الأرض} (الحج:41) إلخ، فلما تضمنت جملة: {أذن للذين يقاتلون} (الحج:39) إلخ، الإذن للمسلمين بدفاع المشركين عنهم أتبع ذلك ببيان الحكمة في هذا الإذن بالدفاع ، مع التنويه بهذا الدفاع ، والمتولين له بأنه دفاع عن الحق والدين ينتفع به جميع أهل أديان التوحيد من اليهود والنصارى والمسلمين، وليس هو دفاعاً لنفع المسلمين خاصة.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 144.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.38 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (4.03%)]