|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (11) سنة الله في المكر والماكرين (قانون المكر) يصفني صاحبي بـ(البيتوني)، قلما تجدني خارج المنزل بعد صلاة العشاء، إلا لتلبية دعوة زفاف، أو قضاء حاجة ضرورية، أو مع الخواص بين فترة وأخرى. دعاني للعشاء بمناسبة منزله الجديد، كانت دعوة خاصة مع صديق مشترك بيننا، ورابع لم ألتقه من قبل (أبو وائل)، بعد التعارف والمعتاد من الأحاديث، سألني: - أنا من المتابعين لكتاباتك، وأكثر ما أحببت كلامك عن الأسماء والصفات؛ حيث كنت من المتخوفين من الخوض في هذا الباب؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل-، تعرف الشعور بأنك ترغب أن تتعلم وفي الوقت نفسه تخاف أن تقرأ شيئا وتفهمه بطريقة خطأ، فتوقف؟.. هكذا كان موقفي من هذا الباب، بصراحة. أعجبني صدق أبى وائل، مع أنني لم ألتقه من قبل، تابع حديثه، بينما كنا أنا وأبو أحمد وأبو سعد نستمع: - مثلا، قوله -تعالى-: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، وقوله -تعالى-: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54)، كنت أتوقف عند هاتين الآيتين وأمثالها، و(أخاف) أن أقرأ تفسيرها، فأتركها وأؤمن بها، مع أن في النفس شيئا. سكت قليلا، ينتظر تعليقنا، كان مضيفنا (أبو أحمد)، أول المعلقين. - لقد اطلعت على ما قبل في هذه الآية، من سورة الأنفال، وذلك أن أولها: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. في اللغة، المكر تدبر بالخفاء يفضي بالممكور به إلى ما لا يحب؛ فالكفار كانوا يخططون لأسر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قتله أو إخراجه خفية، والله محيط بما يعملون، وفي المقابل يأتي تدبير الله بحفظ نبيه ونجاته ويُسقَط في أيدي من أرادوا المكر به، فنسبة المكر لله، صفة مدح وثناء؛ لأنه يدبر لصالح أوليائه، وضد أعدائه، واستخدم اللفظ ذاته من باب المماثلة، ولا يمكر الله -عز وجل- إلا بمن يستحق ذلك؛ فهي صفة مقيدة بفئة محددة من أعداء الله. تدخلت هنا. - ولله -عز وجل- سنة نافذة، في المكر والماكرين، بمعنى قانون ثابت لا يتغير ويتعطل ولا يحابي، مجمل هذا القانون، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر:43). طلب (أبو سعد) تفصيلا، تدخل مضيفنا. تابعت حديثي: - حتى نفهم الموضوع نبدأ بهاتين الآيتين وتمامهما: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر). وقوله -تعالى- في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام:123). في هذه الآية يبين الله -عز وجل- أن (أكابر المجرمين) هم الذين يمكرون بالناس؛ وذلك حتى لا يظهر الحق، وحفاظا على رئاستهم ومكانتهم وجاههم وسلطانهم، كما يفعل (الملأ)، من كل قوم، ووردت كلمة (المكر) بتصريفاتها أربعا وأربعين مرة، في كتاب الله، وبتتبع الآيات نجد أن المكر وقع في الماضي، للأنبياء والصالحين، وسوف يقع دائما في المجتمعات، إلى يوم القيامة، ومكر الطغاة والظالمين بأهل الحق، ويرجع عليهم، دائما، وهذا (قانون إلهي)، {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} (النحل:26)، ويغفل هؤلاء الماكرون أن مكرهم مرصود، معلوم، ولكنهم لا يفقهون: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} (يونس:21)، فهو خزي لهم في الدنيا، وعذاب لهم يوم القيامة. {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} (فاطر:10). قاطعني (أبو سعد): - أفهم من كلامك أن المكر يقوده (الأكابر) و(الملأ)، وعلية القوم الذين لهم القوة والسلطة والسطوة؟! - نعم، وذلك أنهم يريدون أن يخفوا ويغلفوا أذاهم وعذابهم للصالحين والمصالحين وأهل الحق، كما قال -تعالى-: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (النمل:48-52)؛ فالأقوام الذين مكروا بالأنبياء أهلكهم الله، وجعلهم عبرة، وبعد ختام الأنبياء، من يمكر بأهل الحق والمصلحين من الناس، ينال جزاء مكره، (وكل مكر سيء يرجع على أهله) حتى بين عامة الأفراد! {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}! وهذه الآيات تبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين، أن أعداء الله يمكرون بأهل الحق، والله -عز وجل- يمكر بأعداء الحق، وشتان بين مكر الأفراد، ومكر الله، وهذا المحور يثبته الله بقوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43)، فهو قانون ثابت نافذ إلى يوم القيامة، في تفسير المنار، للشيخ محمد رشيد رضا: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (آل عمران). {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} أي ومكر أولئك الذين أحس عيسى منهم الكفر به، فحاولوا قتله وأبطل الله مكرهم فلم ينجحوا فيه، وعبر عن ذلك بالمكر على طريق المشاكلة، كذا قال الجمهور. ولكن ورد في سورة الأعراف إضافة المكر إلى الله - تعالى - من غير مقابلة بكر الناس، قال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، والمكر في الأصل: التدبير الخفي المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب، ولما كان الغالب أن يكون ذلك في السوء؛ لأن من يدبر للإنسان ما يسره وينفعه لا يكاد يحتاج إلى إخفاء تدبيره، غلب استعمال المكر في التدبير السيئ وإن كان في المكر الحسن والسيء جميعا قال -تعالى-: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، ووجه الحاجة إلى المكر الحسن أن من الناس من إذا علم بما يدبر له من الخير أفسد على الفاعل تدبيره جهله فيحتاج مربيه أو متولي شؤونه إلى أن يحتال عليه ويمكر به ليوصله إلى ما لا يصح أن يعرفه قبل الوصول؛ إذ يوجد في الماكرين الأشرار والأخيار والله خير الماكرين؛ فإن تدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه وإتمام حكمه، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم. فالذين كانوا يمكرون السيئات لمقاومة إصلاح الرسل حرصا على رياستهم وفسقهم وفسادهم لم يكونوا يشعرون بأن عاقبة مكرهم تحيق بهم لجهلهم بسنن الله -تعالى- في خلقه، وهم جديرون بهذا الجهل، وأما قوله -تعالى-: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فهو بيان حالتهم العامة الدائمة في معاملته - صلى الله عليه وسلم - هو ومن اتبعه من المؤمنين بعد التذكير بشر ما كان منها في مكة، ولذلك لم يقل: (ويمكرون بك) أي: وهكذا دأبهم معك، ومع من اتبعك من المؤمنين، يمكرون بكم ويمكر الله لكم بهم كما فعل من قبل؛ إذ أحبط مكرهم، وأخرج رسوله من بينهم إلى حيث مهد له في دار الهجرة، ووطن السلطان والقوة، {والله خير الماكرين}؛ لأن مكره نصر للحق، وإعزاز لأهله، وخذل للباطل، وإذلال لأهله، وإقامة للسنن، وإتمام للحكم، ومن الدعاء المرفوع: «وامكر لي ولا تمكر علي» (صحيح ابن ماجه). اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (12) سنة الابتلاء - هل لابد من ابتلاء المؤمن؟ ونزول المصائب عليه؟ - نعم، لا مفر من ذلك، وهذه سنة إلهية، وردت في كتاب الله -تعالى- وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم . كما قال -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214)، وقال -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142). وقال -تعالى-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11)، أي يتحقق علم الله، ويظهر بتمييز المؤمنين عن المنافقين. وفي الحديث: عن مصعب بن سعد عن أبيه قال:« قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقه، خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة» (السلسلة الصحيحة). زميلي في العمل، من بلاد الشام، حاصل على الهوية الألمانية، والتحق بالعمل معنا منذ ثلاث سنوات، يناقشني بين فترة وأخرى في العقيدة. - لا أفهم هذه النقطة، المنطق يقول: إن أتباع الرسل يعيشون حياة طيبة هادئة، مريحة، والكفار ينبغي أن ينالوا الشقاء والتعب، هذا هو المنطق الذي يعيش عليه الغرب عموما. لم أستغرب منطقه، لطول عيشه في ألمانيا، وقلة علمه بقضايا العقيدة. - هذه فكرة بشرية، ينشرها بعض الناس لتجيب البشر بالتزام أوامر الله، سواء في النصرانية أو الإسلام، ولكنها فكرة لا تتفق والقوانين والسنن الإلهية التي وضعها الله لخلقه، والابتلاء لا يعني المصائب فحسب، بل يبدأ البلاء بمخالفة دواعي النفس والطبع، كالاستيقاظ لصلاة الفجر، والالتزام بأداء الصلوات في أوقاتها، وكذلك بالمرض، والخوف، كما قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:١٥٥-١٥٧)، والعقيدة أن هذه الدنيا دار ابتلاء. قاطعني: - نعم دار ابتلاء، بمعنى دار اختبار وامتحان، ولكن ليس (دار مصائب). ابتسمت لمقولته: - الاختبار يكون بما شاء الله بالخير والشر وما يحب العبد وما يكره: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2)، ويقول -تعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء:35). بل مما يبتلي الله به عباده ما رزقهم من قدرات ذهنية أو بدنية أو مادية، ليتبين للناس مدى قيامهم بالواجبات فيما رزقهم الله -عز وجل-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام:١٦٥)، والابتلاء يكون للأفراد وللأمة، فالقانون الثابت أنه (لابد من الابتلاء)! يقول الله -تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمران:١٨٦)، ويذكر الله لنا أمثلة كثيرة في كتابه، وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنواع البلاء كما في قصة طالوت وجالوت: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249). بقي صاحبي منصتا، ثم علق: - دعني استوضح، هل ابتلاء المؤمنين يكون بالشدة أم بالرخاء؟! - الابتلاء يكون بكليهما، وربما يكون اختبار الرخاء أشد فتنة. كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قدم أبو عبيدة بن الجراح بمال من البحرين؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أبشروا وأملوا ما يسركم! فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم» (متفق عليه). - ولكن الحديث الأول، حديث أشد الناس بلاء الأنبياء، يوحي بأن البلاء والمصائب والشدة تكون لأهل الدين. - نعم، هو كذلك، كما في حديث عن عبدالله بن مغفَّل - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله والله إني لأحبك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: انظر ماذا تقول؟ قال: والله إني لأحبك ثلاث مرات فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه» (السلسلة الصحيحة). إن المصائب تزيد إيمان العبد وتعلقه بالله وترفع منزلته عند الله وتطهره من الذنوب والخطايا، بافتراض أنه يصبر على هذه المصائب، وهكذا كانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في بداية العدوة عندما اشتكوا له شدة ما يلاقون من كفار قريش، قالوا: «ألا تستنصر لنا؟»، ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمرا وجهه، فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظمه من لحم وعصب لا يصرفه ذلك عن دينه» (متفق عليه). وإليك ما جاء في تفسير بعض هذه الآيات من تفسير المنار: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142)، كأنه يقول: قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا، ألا تصبرون مثلهم على المكاره، وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان الله -تعالى- من غير أن تفتنوا في سبيل الحق فتصبروا على ألم الفتنة وتؤذوا في الله فتصبروا على الإيذاء كما هي سنة الله -تعالى- في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان؟ وقوله -عز وجل-: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران:140)، الكلام متصل بما قبله، والخطاب فيه لمن شهد وقعة (أحد) من المؤمنين فإنه -تعالى- أرشدهم في الآيات السابقة إلى أنه لا ينبغي لهم أن يضعفوا أو يحزنوا، وبين لهم حكمة ما أصابهم وأنه منطبق على سنته في مداولة الأيام بين الناس وفي تمحيص أهل الحق بالشدائد، وفي ذلك من الهداية والإرشاد والتسلية ما يربي المؤمن على الصفات التي تنال بها الغلبة والسيادة بالحق، ثم بين لهم هذا أن سعادة الآخرة لا تنال أيضا إلا بالجهاد والصبر فهي كسعادة الدنيا بإقامة الحق والسيادة في الأرض فسنة الله فيهما واحدة فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214). اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (١٣) سنن الله في الظالمين
اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (14) سنن التمييز بين الطيب والخبيث - من القوانين الإلهية أنه -سبحانه- لا يساوي بين المختلفات، ولا يفرق بين المتماثلات. - هذه عبارة مجملة، صعبة الفهم، هلاّ ذكرتها بكلمات أسهل، وبأمثلة حتى يفهمها عامة الحضور. كانت هذه مقدمة درس حضرته في إحدى ديوانيات رواد المسجد، يجتمعون كل ثلاثاء بعد صلاة العشاء، ربما يقرؤون كتابا يشرحه أحدهم، أو يدعون شيخا أو متخصصا في مجال الاقتصاد أو الطب أو العلوم السياسية؛ ليلقي لهم الضوء على جونب من تخصصه. الحضور متقاعدون أغلبهم، وبعض طلبة الجامعة. - من الممكن أن نعطي أمثلة كثيرة من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه القاعدة، مثل قول الله -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} (السجدة). وقوله -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم). وقوله -عز وجل-: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال:37)، وقوله -سبحانه-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت). وقوله -عز من قائل-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11). هذه الآيات وغيرها كثير تبين أن سنة الله في البشر أن يميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصالح من السيء، ومن آمن بصدق وإخلاص ومن أظهر الإيمان وأخفى غيره. وإليكم بعض ما ورد في كتب التفسير في بيان هذه السنة الإلهية والقانون الرباني. لم يجعل الله إيمان النّاس حاصلاً بخوارق العادات، ولا بتبديل خَلْق العقول، بل جعله -سبحانه- باختيار العبد وجعل للإيمان اختبارات ليميز الخبيث من الطيب وهذا هو القانون الذي بينه -سبحانه- بقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:3)، وقوله -سبحانه-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11)، فيكون معنى: {وليعلمن اللهُ} لِيُظْهِرَ عِلْمَهُ لِلنَّاسِ بِظُهُورِ الْمَعْلُومِ لَهُ، أَيْ يَعْلَمُ النَّاسُ ذَلِكَ وَيُميّزُونَهُ. وَجَعَلَ جَهَنَّمَ مَأْوَى لِلْكُفَّارِ وَحْدَهُمْ فِي الآخِرَةِ ; لِأَجْلِ أَنْ يُمَيِّزَ الْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنَ الْجُوْرِ وَالطِّغْيَانِ، فَلَنْ يَجْتَمَعَ فِي حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ الضّدَّانِ، وَلَا يَسْتَوِي فِي جَزَائِهِ النَّقِيضَانِ {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَفْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (المائدة:100) الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ الْمَعْنَوِيَّانِ فِي حُكْمِ الْعُقَلَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، كَالْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ الْحِسَيَّيْنِ فِي حُكْمِ سَلِيمِي الْحَوَاسِ.. فَالْخَبِيثُ فِي الدُّنْيَا خَبِيثٌ فِي الْآخِرَةِ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أَيْ وَيَجْعَلُ -سُبْحَانَهُ- الْخَبِيثَ بَعْضَهُ مُنْضَمًّا مُتَرَاكِبًا عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ -تَعَالَى- فِي اجْتِمَاعِ الْمُتَشَاكِلَاتِ، وَانْضِمَامِ الْمُتَنَاسِبَاتِ، وائتلاف الْمُتَعَارِفَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْمُتَنَاكِرَاتِ، ومن حكمته -سبحانه- ألا يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان فأرسل رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين: مطيعين وعاصين، ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه. وقوله -سبحانه-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم). وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة و حرمان المشركين منه؛ لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب، قال -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18)، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية وخشعوا لأمري ونهيي كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟ كلا، ما الله بفاعل ذلك. فذلك معنى نفي المشابهة كقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (الرعد:16)، وقوله -عز وجل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (19) عن قتادة قوله: «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِنَا كَمَنْ كانَ فاسِقا لا يَسْتَوُونَ» قال: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة». اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (15) سنن الله في المترفين يحرص كثير من المصلين على أداء صلاة العشاء في مسجدنا وإن لم يكن الأقرب إلى منازلهم، ذلك أن إمامنا لا يطيل الصلاة، فضلا عن حُسن تلاوته، وطيب أخلاقه. قرأ آيات من سورة الواقعة، بعد الصلاة صحبته واثنين من المصلين. - لماذا وصف الله (أصحاب الشمال) أول ما وصفهم {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} ثم قال: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} إلى آخر الآيات؟! - سؤال جميل، نعم يتساءل المرء، وهل (الترف) ذنب يستحق كل هذا العذاب؟! والجواب على ذلك في تقصي آيات الكتاب؛ حيث ورد هذا الوصف، مع الاطلاع على تفسير هذه الآيات. علق (أبو خالد). - حقيقة، سؤال مستحق؟ هل (الترف) ذنب؟ تابع شيخنا بيانه. - (الترف) لغة: التنعم، و(الترف) النعمة، و(المترف) هو الذي أبطرته النعمة وسعة العيش عن الإيمان بالله، واتباع الرسول. وهذا المعنى الأخير هو الوارد في كتاب الله، وذلك باستقصاء الآيات التي ورد فيها هذا الوصف، يقول الله -تعالى-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء:١٦). والمعنى أن سبب هلاك الأمم أننا نرسل المرسلين فيأمرون الناس بمراد الله، فيكون أول من يعصي هذه الأوامر ويعترض عليها (المترفون)، ويتمادون بفسقهم، فيحق عليهم العذاب، فتُدمر تلك الأمة، وهذا كقوله -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام:١٢٣). وهكذا الحال في الآخرة يلوم العامة والضعفاء، السادة والكبراء: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ} (غافر:٤٧). تدخل (أبو خالد) مرة ثانية: - إذًا (المترفون)، لا تعني (الأغنياء)؛ لأنه خطر في بالي أن من الصحابة من كان عظيم الثروة، ولديه من المال ما يمكن أن يوصف هذه الأيام بالثراء الفاحش. ابتسم إمامنا: - بالتأكيد كلامك صحيح، (الغني) الذي يؤدي حق ماله له مكانته عند الله -عز وجل-، ولو تذاكرنا بعض الآيات الأخرى التي تذكر المترفين. توقفنا عند مراكبنا، قررنا الاستمرار بالحديث، الكل كان مهتما لسماع بقية الشرح. تابع إمامنا: - يقول الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (34-36). ويقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (الزخرف:23). ويقول -تعالى-: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (المؤمنون:33). ففي هذه الآيات يبين الله -عز وجل- أن أهل (الترف) يرون أنهم مميزون عن غيرهم بكثرة المال والجاه والأولاد، فهم عِّلية أقوامهم، والنخبة في مجتمعاتهم، وإليهم يرجع الرأي، وبهم يقتدي عامة الناس، فجعلوا نعمة الله عليهم، من مال وولد، سببا لهم أن الله لن يعذبهم! بهذا (المنطق) الضيق والمحدود، ظنوا أنهم على حق، أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ:36)، ونتيجة خداعهم لأنفسهم، أعطوا الحق لأنفسهم أن يردوا دعوات الرسل، ويتبعوا ما أرادوا- في دينهم، ويفعلوا ما شاؤوا في أموالهم، وهذا حال المترفين في كل أمة، ويمكن أن نسميهم بـ(الملأ)، الذين هم علّية القوم من أصحاب النفوذ المالي والاجتماعي، وهؤلاء مصيرهم الهلاك في الدنيا قبل الآخرة؛ فإن الله يهلك المترفين والمسرفين، في سورة الأنبياء يقول الله -تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} (الأنبياء:11-15). هذه سنة الله فيمن أترفوا؛ فكان (ترفهم) سببا في رد أمر الله، فاستحقوا الهلاك، هذا قانون إلهي نافذ لا يتبدل ولا يتحول. وفي سورة هود يقول الله -تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (هود:116)، هذا حال (المترفين) على العموم الطغيان والظلم ورد الحق والتكبر على دعوة الرسل؛ فكان القانون الإلهي العادل في حقهم، الهلاك في الدنيا، وفي هذه السنة تحذير للمترفين إلى يوم القيامة، وتنبيه للعامة إلى يوم القيامة ألا يتبعوا المترفين؛ لأنهم لن ينفعوهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (16) سنة الاستدراج - لغة، استدرجه، أدناه منه على التدريج فتدرج معه، درجة بعد درجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة فدرجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة فدرجة، فلم نباغتهم، بل نجرهم إلى العذاب قليلا قليلا. يحتاج العبد أن تكون لديه ثوابت، لا يحيد عنها مهما تكالبت عليه المصائب وتغيرت من حوله المعطيات، ثوابت في العقيدة، بتفاصيلها كلها. - هل لنا بتفصيل أكثر شيخنا الفاضل؟ - في زمننا هذا يفتن كثير من الناس بما لدى الكفار والملحدين، بل والفسقة والفجرة، من متاع الدنيا، مع ما في المسلمين من ضعف، وذلة، وفقر، وتخلف؛ وذلك أن حال المسلمين نتيجة ما كسبت أيديهم، وما لدى الكافرين استدراج من الله -عز وجل-، كانت خاطرة علمية، لأحد أساتذتنا في كلية الشريعة، ألقاها دون سابق ترتيب بعد صلاة المغرب، وعادة شيخنا أنه إذا قدم للصلاة، أن يلقي خاطرة بعدها. - لو تتبعنا آيات الكتاب التي ذكر الله فيها الاستدراج، نجد أن الله يستدرج الكافرين والعصاة والمكذبين بالرسل، بمعنى أن الله يمهلهم، وربما وسع عليهم من أمور الدنيا، ثم إن تمادوا أخذهم فلم يفلتهم، كما في الحديث، ولنقرأ شيئا من هذه الآيات، يقول -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف: 182-183)، ويقول سبحانه-: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي هُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينُ} (القلم). أي: دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم، ولا تستعجل لهم {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فنمدهم بالأموال والأولاد، ونمدهم في الأرزاق والأعمال؛ ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم فإن هذا من كيد الله لهم، وكيد الله لأعدائه، متين، قوي يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ. ومعنى {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أن استدراجهم المفضي إلى حلول العقاب بهم أحوال وأسباب لا يتفطنون إلى أنها مفضية بهم إلى الهلاك ، وذلك أجلب لقوة حسرتهم عند حلول المصائب بهم. {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا إلى شرهم وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: قوي بليغ. ويبين الله المراد من توسعة متاع الدنيا على الكفار؛ وذلك لتثبيت المؤمنين وبيان سنة إلهية نافذة فيقول -سبحانه-: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} (آل عمران)، ويقول -سبحانه- نافيا منطق الكفار بأنهم في سعة من عيشهم لمكانتهم عند الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا غُلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا تُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (آل عمران : 178)، من جهلهم واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا ظنوا أن الآخرة كالدنيا، ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد، كما أنعم عليهم في الدنيا - وجاء مبيناً في آيات أخر، كقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لي وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رَجَعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} {فصلت:50)، وقوله: {أَفَرَأَيْتَ الذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} (مريم: 77)، وقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ} (سبأ:35)، وفي أحوال الأمم السابقة عبرة لأولي الألباب ولا سيما عندما ردوا دعوة رسلهم وحاربوهم واستهزؤوا بما جاءت به رسلهم يقول -تعالى-: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(32)} (الرعد). وقد استهزأ قوم نوح به -عليه السلام-: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (هود:38)، واستهزأت عاد بهود -عليه السلام-: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الشعراء : 187) ، واستهزأت ثمود بصالح -عليه السلام- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (الأعراف: 66) ، واستهزؤوا بِشُعيب -عليه السلام-: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (هود:87)، واستهزأ فرعون بموسى -عليه السلام-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الزخرف:43). كانت الخاطرة سلسلة مترابطة، مركزة، لم يترك أحد من المصلين مكانه حتى انتهى الشيخ من خاطرته، صاحبته، بعد الأذكار وأداء سنة المغرب. - هذه سنة عظيمة من سنة الله -عز وجل- يغفل عنها الناس. - بل يغفل عنها من لم تتمكن العقيدة من قلبه، ولم يملأ نور العلم صدره، ذلك أن الناس يرون ظاهر الحياة ويغترون بها، وسنن الله، ولاسيما في الأمم لا يراها الإنسان خلال حياته القصيرة؛ لأنها تحدث على مدى مئات السنين، كما قال -تعالى-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:47)؛ فالمؤمن يجزم بما سيحدث في الأفراد والأمم، ولا يشك أن وعد الله حق، وسنته -سبحانه- نافذة، وما تأخر حدوثها إلا لحكمة ولكن الإنسان عجول! اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (17) لا عذاب.. دون تبليغ الله -سبحانه وتعالى- له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا يظلم أحدا مثقال ذرة، بل يثيب المحسن فوق ما يستحق، ويمهل المقصر، ويحلم عن المسيء، فهو -سبحانه- رحمته سبقت غضبه، وعفوه سبق عقابه، وفي نهاية الأمر، لا يخلد في نار جهنم إلا من أصر على الكفر ومات على الشرك! كنت وصاحبي في رحلة علاج أولية، إلى التشيك، لم أزرها من قبل، صاحبي يتردد عليها لآلام في ظهره، وركبته. أدينا صلاة الجمعة، توجهنا بعدها للغداء في مطعم عراقي، لا يبعد عن المسجد. وهؤلاء البشر، الذين لا يعرفون دين الله، أعني أهل هذه البلاد وأمثالها، ما مصيرهم يوم القيامة؟ هناك سنة إلهية، وقاعدة ربانية، لا تتبدل ولا تتعطل أبدا، وهي قوله -عز وجل-: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15). بدأ حوارنا بعد أن أخذ النادل طلبنا، وكان مهتما أن يستمع لنا؛ فقلت له : - أخشى أن يحاسبك رب العمل! ابتسم: - أنا رب العمل! تابعنا حوارنا: هؤلاء الناس الذين ولدوا في هذه البلاد وغيرها، وعاشوا يهودا أو نصارى أو ملحدين، أو غير ذلك، الله أعلم بهم، هل قامت عليهم الحجة بتوحيد الله أم لا؟ هل بلغتهم رسالة التوحيد أم لا؟ والقاعدة التي ذكرناها: (أنه لا عذاب إلا بعد تبليغ). ومن ذلك قوله -تعالى-:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (الأنعام:130-131). وقوله -عز وجل-:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص:59). وتعلمون أن صيغة الاستثناء بعد النفي، تفيد الحصر، علق (أبو رعد صاحب المطعم). - أنا لا علم شرعي لدي، ولكني -بفضل الله- لا تفوتني صلاة من وقتها لا أصيلها في المسجد، إلا قليلا، ولكن لا تفوتني، والجماعة لا أفوتها على الإطلاق -بفضل الله- ولكن (هذه السنة الإلهية، متوافقة مع عدل الله ورحمته وفضله)، هل لك أن تفصل فيها. - بيان ذلك في كتب التفسير، ففي التحرير والتنوير لابن عاشور، «والمعنى أن الله -عز وجل- لا يهلك قوما في حال غفلتهم (أي عدم إنذارهم)، بل لا يهلك أحدا إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- ومن حكمته ورحمته ألا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل إليهم، والحاصل: أن الله لا يعذب أحدا إلا بظلمه وبعد إقامة الحجة عليه». - كلام جميل، وهل نقول إن هؤلاء الناس لم تبلغهم الرسالة ولم تقم عليهم الحجة؟ أعني من عاشوا هنا، منذ ولادتهم، وسمعوا عن الإسلام مجرد سماع، ولم يتفقهوا، ولم تبلغهم، تفاصيل الدين. - الله أعلم بمن أقيمت عليه الحجة ومن لم تقم عليه الحجة، ولا يظلم ربك أحدا مثقال ذرة، وهناك فئة يسمون (أهل الفترة). قال الألوسي: «الفترة عند جميع المفسرين: انقطاع ما بين الرسولين». وأهل الفترة: كل من لم تبلغهم الدعوة، ولم تقم عليهم الحجة، وقال ابن تيمية: «من لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال والمجانين وأهل الفترة، فهؤلاء فيهم أقوال، أظهرها: ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة؛ فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب»، ولا شك أن اختبارهم يتناسب والمشاهد العظيمة التي تكون يوم القيامة؛ ففي المسند عن الأسود بن سريع أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام ولم أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في (الفترة) فيقول رب ما أتاني لك رسول؛ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه؛ فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفسي محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما»، قال شعيب الأرناؤوط حديث حسن، وفي زيادة: «ومن لم يدخلها سحب إليها» صحيح الجامع. أحضر أحد الفتيان العاملين الطعام، وكان زيادة عما طلبنا؛ ذلك أن رب العمل أوصاهم بإكرامنا وقد شاركنا مائدتنا. ويؤكد الله -عز وجل- هذه السنة الإلهية الثابتة الدائمة النافذة في آيات أخرى كثيرة منها: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء:165)، وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر:24)، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} (النحل:36)، وأشار لها في (القصص) بقوله: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (القصص:47)، ومن ذلك أنه -تعالى- صرح بأن جميع أهل النار قطع عذرهم في الدنيا بإنذار الرسل، ولم يكتف في ذلك بنصب الأدلة الكونية والفطرية كقوله -تعالى-: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} (الملك:8-9)، وقوله -تعالى-: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الزمر:71)، ومعلوم أن لفظة كلما في قوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}، صيغة عموم أيضا؛ لأن الموصول يعم كل ما تشمله صلته. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (18) العاقبة للمتقين - في تفسير قول الله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105)، سمعت في المذياع أن الزبور هو إشارة إلى الكتب المنزلة دون تحديد كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داوود، بمعنى الكتب السابقة للقرآن، وأن الذكر هو أم الكتاب، كما في قوله -تعالى-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد:39)، وبصراحة استغرب هذا التفسير! - نعم، هذا ما ورد في تفسير ابن عاشور، وكذلك تفسير ابن كثير، قال الأعمش: سألت سعيد بن جبير عن قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ}، فقال الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن، وقال مجاهد: الزبور: الكتاب، وقال سعيد بن جبير: الذكر: الذي في السماء، وكذلك في تفسير السعدي: (الزبور) الكتاب المزبور والمراد: الكتب المنزلة كالتوراة ونحوها، (من بعد الذكر)، أي كتبناه في الكتب المنزلة بعدما كتبنا في الكتاب السابق الذي هو اللوح المحفوظ. - سبحان الله! قالها صاحبي مستغربا. - بالفعل (كلما ازددت علما، ازددت علما بجهلي). كنت وصاحبي في طريقنا لاستقبال ضيف من أندونيسيا، أستاذ في كلية العقيدة في جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا. - وهل هذه سنة من سنن الله -عز وجل-؟ - نعم، وفي معنى (الأرض) ورد قولان: (الجنة)، أو (أرض العدو) في الدنيا، والثاني أقرب، لشواهده كما في قوله -عز وجل-: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} (الأحزاب:27)، وفي تفسير ابن كثير عن ابن عباس: «أخبر الله -تعالى- في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الأرض ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون»، وورد أيضا: «يقول الله -تعالى- مخبرا عما حتمه وقضاه (سنة الله) لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله -تعالى-: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128). وصلنا مواقف المركبات، مع هبوط الطائرة، قررنا الجلوس في أحد المقاهي ريثما ينهي صاحبنا إجراءات السفر، بعد أن تواصلنا معه على الهاتف. - وهناك آيات كثيرة تدل على هذا المعنى، أن الله يمكّن للمؤمنين والمتقين في الأرض، بعد أن يزيل الظالمين والطغاة، وإن استغرق الأمر وقتا، ولكنها سنة الله، ومن ذلك قوله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55). {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم:13-14). {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:128-129). وقد علم من قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم، وأن تمليك الأرض لعارض ما وجاء بفعل الرجاء (عسى) دون الجزم تأدبا مع الله -تعالى-، وإقصاء للاتكال على أعمالهم ليزدادوا من التقوى والتعرض إلى رضا الله -تعالى- ونصره، فقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} ناظر إلى قوله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} (الأعراف:128)، وقوله: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} ناظر إلى قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128). والمراد بالاستخلاف: الاستخلاف عن الله في ملك الأرض، أي جعلهم أحرارا غالبين ومؤسسين ملكا في الأرض المقدسة. ومعنى {فينظر كيف تعملون} التحذير من أن يعملوا ما لا يرضي الله -تعالى-، والتحريض على الاستكثار من الطاعة ليستحقوا وصف المتقين، تذكيرا لهم بأنه عليم بما يعملون. كنا نراقب بوابة خروج المسافرين بانتظار صاحبنا، بعث رسالة بأنه لم ينه إجراءات السفر بعد؛ حيث أشار إليه موظف الجوازات للتوجه إلى غرفة الضابط المسؤول، للتأكد من بصمات الأصابع لوجود تشابه في الأسماء، تحدثنا مع الضابط عبر الهاتف، طمأننا أنه مجرد إجراء احترازي، وأنه انتهى من المطلوب، وتوجه لأخذ حقائبه. تابعنا حديثنا. دعني أقرأ لك ما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:20-21). و{الأرض المقدسة} هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون؛ والله -سبحانه تعالى- يقول: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون} (الأنبياء:105)، وقال موسي -عليه السلام- لقومه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (الأعراف:128)، ثم قال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، إذا المتقون هم الوارثون للأرض، لكنَّ بني إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين؛ أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها، وكانت مكتوبة لهم، وكانوا أحق بها، لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - صار أحق الناس بهذه الأرض المسلمون، لا العرب، ففلسطين ليست العرب بوصفهم عربا هم أهلها، بل إن أهلها المسلمون بوصفهم مسلمين، لا غيرو وبوصفهم عبادا لله -عز وجل- صالحين. اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (19) سنة الله في الرزق - أطلعني صاحبي على مقطع مصور على هاتفه الذكي لرجل، يزعم أن من دعا بدعاء معين، وقرأ سورة الواقعة كل ليلة وسورة الصافات كل جمعة، وأخذ من شاربه وأظافره كل جمعة، وصلى صلاة الرزق، رزقه الله حتما، دون شك، وهذا مجرب! - هؤلاء لا يذكرون أدلة من كتاب أو سنة على ما يزعمون، وإنما يلبسون على العامة بقولهم، و(هذا مجرب)، أما ما ورد عند أهل العلم المتبعين لكتاب الله -عز وجل- وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في باب (سنة الله في الرزق)، فإليك مختصرة. كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة لأداء صلاة العشاء وحضور جنازة والد أحد المصلين، وعادة أهل الكويت أن يكون الدفن ليلا، بعد المغرب والعشاء في أشهر الصيف شديدة الحرارة (يونيو ويوليو وأغسطس). - أما سنن الله في الرزق فلها أركان، الركن الأول أن الله -تبارك وتعالى- خلق الخلق وتكفل برزقهم جميعا، فهو ربهم -سبحانه- كما قال في سورة العنكبوت: {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت:60)، وهذا الرزق مكتوب مقدر قبل خلق البشر، بل قبل خلق السماوات والأرض! ثم تعاد كتابته والإنسان في بطن أمه، كما في حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشفي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...» (متفق عليه)، هذا هو الركن الأول والركن الثاني، لابد من السعي للحصول على الرزق، لا رزق دون سعي، كما قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» (صحيح الترمذي)، السعي مع التوكل على الله، والركن الثالث اليقين بأن الرزق الذي كتبه الله لك سيصلك، بل رزقك يسعى إليك ويطلبك أكثر من أجلك. استغرب صاحبي مقولتي! - هل هناك حديث بهذا، أعني أن الرزق يطلب الإنسان مثل أجله؟ - أشد من أجله. عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أ ن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله»، وفي رواية: «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» (صحيح الترغيب). - سبحانه الله، أول مرة أسمع هذه الرواية الصحيحة. اقتربنا من مدخل المقبرة، توقفت حركة السير؛ لاكتظاظ المركبات عند المدخل، يبدو أنه كانت أكثر من جنازة، عند المدخل سألنا رجل الأمن عند البوابة، أخبرنا بأن عدد الجنائز أربع. استغفرنا لهم، ودعونا لهم ولموتى المسلمين. بقينا في مركبتنا بانتظار اقتراب موعد الأذان، تابعنا حديثنا: - وفي صحيح الجامع عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله -تعالى- لا ينال ما عنده إلا بطاعته». قاطعني: - وماذا عن الكفار والملحدين الذين هم أغنى أهل الأرض؟ - توقعتك تسأل هذا السؤال، وكذلك كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخبر عن كنوز كسرى، وثروات الروم، لقد أخبر الله -عز وجل- أن ثروات الدنيا ليست حكرا على المسلمين الصالحين المتقين، بل يعطي الله المؤمن والكافر: {كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (الإسراء:20)، المؤمن يعطى بالحلال وينفقه في حلال فيزداد قربة إلى الله، والكافر يعطى نعيمه في الدنيا، وليس له في الآخرة من خلاق، من اجتهد نال من عطاء الله، ما شاء الله: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} (الإسراء:18)، الله -عز وجل-، ينزل الرزق على عباده بعمله وحكمته ولطفه وكرمه، فهو القائل في محكم تنزيله: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (الشورى:19)، على العبد أن يسعى، وبعد ذلك يرضى، بقلب يملؤه الإيمان واليقين بالله -عز وجل-، بأن الله لم يظلمه ولم يحرمه ما يستحق، بل أعطاه ورزقه وهو أعلم بحاله: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء:30)، فلا اعتراض على بسط الرزق للآخرين وتقديره عليك. هل هذا يتوافق مع قوله -تعالى-: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:14-16). -نعم، وهذا في ذم لهذا النوع من البشر الذين «يساومون» الله -عز وجل-، فهو -سبحانه- {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء:23). ترجلنا من المركبة، قبل الأذان بخمس دقائق، لنأخذ مكاننا في الصف الأول، دخلنا المسجد فإذا الصفوف الثلاثة الأولى قد امتلأت! همست لصاحبي، دعني أختم الموضوع بهذا الحديث: - على العبد ألا ينظر إلى ما في يد الآخرين فيدخل قلبه الحسد بل يتجه إلى الله -عز وجل- ويسأله الرزق مباشرة، ويعلم أن الرزق ليس بكثرة المال وحسب، بل العافية رزق، والزوجة الصالحة رزق، والولد البار رزق، بل السمع والبصر والعقل رزق عظيم من الله، فالعبد المؤمن يشكر الله دائما على نعمه، التي ربما لا يشعر بها؛ لأنه اعتادها: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} (المؤمنون:78). اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
رد: السنن الإلهية
السنن الإلهية (٢٠) بطر العيش منذ فترة بدأ الألم يتسلل إلى ركبتي اليسرى، دون سبب ظاهر، ولماذا اليسرى دون اليمنى؟! ازداد الألم بعد ثلاثة أشهر؛ بحيث عجزت عن ثني ركبتي في أثناء التشهد، قررت مراجعة استشاري جراحة العظام تخصص الركبتين، أُقدر أنه في منتصف الخمسينيات، من ليبيا، مكث في أوروبا عشرين سنة، ثم قرر الانتقاء إلى بلد مسلم؛ ليتمكن وأسرته من العيش في بيئة إسلامية. - هذه خشونة واضحة، ولماذا اليسرى دون اليمنى؟ لا سبب طبي أعلمه لذلك، سوف أحقنك بإبرة في الركبة، فيها علاج لفترة ربما ستة أشهر أو سنوات، طلب من الممرض إحضار الحقنة من الصيدلية، بعد أن دفعت ثمنها. - هذه البلاد في نعمة عظيمة من الله -عز وجل-، حتى بالنسبة لدول الخليج الأخرى، أشعر فيها براحة روحية، وطاقة إيمانية، مع ما فيها من رغد العيش وسعة الرزق. - الحمد لله، هذا فضل من الله، نسأله أن يديمها علينا ويزيدها ولا يسلبنا إياها. - إن الله لا يسلب نعمة على أمة دون سبب، كما قال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:٥٣). شعرت أن صاحبي لديه علم شرعي جيد، ويحفظ من القرآن والحديث ما يؤهله لذلك، أعطيته المجال أن يتابع حديثه. - هذه الآية تأتي بعد الآية التي يذكر فيها الله -عز وجل- آل فرعون، والمعنى أن سنة الله جرت أنه لا يسلب نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ذلك بأنفسهم، وأن آل فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم فتسببوا بأنفسهم في زوال النعمة، وهذا إنذار لقريش -بل ولكل أمة حتى يوم القيامة- أن يحل بهم ما حل بغيرهم! كانت ردة فعلي التلقائية: - «اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك» (صحيح الجامع). - اللهم آمين. - صدقت د. هاني، ومصداق ذلك قوله -تعالى- في سورة القصص: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص:58). - أليس (بطر النعمة)، مرادف لـ(كفر النعمة)؟ - ربما البطر، أقل درجة من كفر النعمة، (البطر) أشر أهل الغفلة، قاطعني: - فسرت الماء بالماء؟ وما الأشر؟ ابتسمت ضاحكا! - قيل، الأشر أشد من البطر، يصحبه الفرح والغرور، وقيل هما كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا في المعنى، وإذا تفرقتا اجتمعتا في المعنى، ولا فرق بين (بطر النعمة) و(كفر النعمة)؛ فبطر النعمة يفيد أنه عظمها وبغى فيها، و(كفر النعمة) عظمها، وجحد المنعم، وقيل (بطر النعمة) أساء استخدامها. انتقلنا إلى غرفة (الضماد)، استلقيت على السرير، ننتظر أن يجهز الممرض الحقنة. - ولفظ (كم)، في قوله -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ}، تدل على الكثرة؛ بحيث يصبح هذا الحال الغالب، لهذه المسألة، قاطعني د. هاني: - حضرتني الآن قصة سبأ، في قوله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15). سكت قليلا يستذكر الآيات، نعم، تابع حديثه: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ:16-17). - أحسنت. - وكذلك قول الله -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل:112-113). - أظن هذه الآية الأخيرة، نزلت في قريش. - نعم. وضع الدكتور كمام الأنف على وجهه وطلب مني أن أثني ركبتي، عقمها جيدا، تحسس المكان الذي يريد أن يدخل الحقنة فيه، تجنبت النظر، أغمضت عيني، وانتهينا من الأمر، وضع لزق طبية مكان الحقنة، تابعنا حديثنا: سألته، لماذا حقنت في هذه النقطة بالذات؟ - الركبة غرفة واحدة، حيثما حقنت يصل الدواء ولكنني أفضل المكان الذي أظن أنه أقل إيلاما! - أحسنت وجزاك الله خيرا. تابعنا حديثنا. ومثل الله مثلا لمكة التي سكنها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة، وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى، ويقتل بعضها بعضا، ويَسْبي بعضها بعضا، وأهل مكة لا يغار عليهم، ولا يحاربون في بلدهم، فذلك كان أمنها كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل:33). اعداد: د. أمير الحداد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |