تربية النشء مسؤولية من؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-12-2019, 04:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي تربية النشء مسؤولية من؟

تربية النشء مسؤولية من؟


شريف دويدار








مفهوم التربية:









قدَّم الفلاسفة تعريفاتٍ للتَّربية تؤكِّد نظْرتنا فيهم، وحكْمَنا عليهم، فالفيْلسوف يعبِّر عن وجْهة نظره فيقول عن التربية: "التَّربية فنٌّ لا يصبح كاملاً إلا عن طريق أجْيال عدَّة"، ويقول هيجك: "إنَّ عمليَّة التَّربية صراعٌ بين طبيعة الإنسان الحيوانيَّة وطبيعته العليا الروحانية"، أمَّا فروبل فقد كان أعمقَ نظرةً إلى التَّربية، حيث يقول في كتابِه "تربية الإنسان": "إنَّ كلَّ شيءٍ يتحكَّم فيه قانون أزلي، وهذا القانون يعبِّر عن نفسِه بكلِّ جلاء فيما حوْل الإنسان - أي: الطبيعة - كما يتحكَّم في ذات الإنسان - أي: النفس - كما يتحكَّم فيما يربط الاثنيْن معًا - أي: الحياة - وعلى هذا الأساس يوجد كائن هو أرْقى الكائنات بصيرةً، وأعظمُها قوَّة، هذا الكائن هو الله الَّذي منه ينبع كلُّ شيءٍ فيخضع لسيطرته وإرادته، فالله هو الذي يحكم هذه الحياة، والأشياء تأخُذ وضعها الطبيعي؛ لأنَّ الله هو الذي ينظِّم أمرها".







والتَّربية - في نظرِنا - هي تقويم الفَرْد، قلبًا وعقْلاً وسلوكًا، بالأصول الثَّابتة من وحي الله.







ضلال الفلسفات:



ولقد تخبَّط الفلاسفة ومَن سار على منْهجِهم من التَّربويِّين، في اختِيار السبيل الأمثل لتربية النشء، وتعدَّدت مدارسُهم، وتعارضت مناهجُهم، وظهر في أُفُق هذا العصر من هُم أنصارٌ للفلْسفة، التي يقوم على أساسها التَّربية الطبيعيَّة، ومن هم أنصار الحركة النفعيَّة، أو من يسمَّون البراجماتيين، وهؤلاء لَم يستطيعوا أن يصِلوا إلى الغاية، أو يُحقِّقوا الهدف المنشود في العمليَّة التَّربويَّة، كما أنَّ سابقيهم من فلاسفة اليونان قد أخْفقوا إخفاقًا شديدًا في رسْم منهج تربوي سليم، تسير عليه الأجيال تلْو الأجيال.







النفس الإنسانية:



والنَّفس الإنسانيَّة من خلْق الله، فيجب أن يكون منهجُ تربيتِها وتزْكيتها من وضْع الله، والاتِّجاه نَحو هذا المنهج الإلهي - لفهْمِه فهْمًا دقيقًا، وتطبيقِه تطبيقًا سليمًا - هو الذي يضمن للبشريَّة سيْرها المتوازن وصلاحَها المنشود.







وإذا كان كل ما يُحيط بالإنسان من أسْباب الحياة والعيش إنَّما هو من وضْع الله، فلِماذا لا تكون مصادِر تربيتِه وتقْويمه وتزكيته من صُنع الله كذلك؟! هل يستنشق الإنسان هواء، أو يشرب ماء، أو يتناول غذاء، أو يرتدي كساء أوجدتْه أو خلقتْه يد البشر؟!







إنَّ الهواء والماء والغذاء والكساء من خلق الله، أوجدها بصفاتٍ معيَّنة، وبمقاديرَ موازنة، لا يَستطيعُ البشَر - بعُمْق معارفِهم، وقوَّة سلطانِهم، وتطوُّر مُخترعاتِهم - أن يَخلقُوا مثلَها أو شيئًا منها؛ ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ﴾ [الواقعة: 58 - 72].







﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26].







إنَّ الأسباب التي بها يتكوَّن البِناء الجِسْمي للإنْسان، وينمو ويُحافظ على صحَّته وبقائه - إنَّما هي من خلْق الله، ومن المنطِق المعقول والمقبول أن يكون البناء النفْسي للإنسان قائمًا على أُسُس ومناهجَ من المصْدر نفسه، وهو الله، فالبناء النفسي والبناء الجسمي وحدة متكاملة، وأي اختلال في أحدِهِما له أثره المباشر على الآخر، فإذا فسد الهواء، هزل الجسم، وضاقت النفس، وإذا فسدت التَّربية، فسدتِ النَّفس، وضاق العيش؛ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].







عناصر التربية السليمة:



والتَّربية السليمة لابدَّ لها من عناصرَ تضمن فعاليتها وتؤكِّد سلامتها، وهذه العناصر هي:



1- عنصر الثبات، والمقصود بذلك أن تكون التَّربية قائمةً على أساسٍ ثابت لا يتغيَّر بتغيُّر البيئات، ولا يتطوَّر بتطوُّر العصور.







ولقد فقدت ألوانٌ من التربية بهاءَها وجدَّتها؛ لأنَّها كانت وليدةَ البيئة ونتاج العصْر، ثم عقم إنتاجُها، وزال أثرُها بتغيُّر البيئة وتجدُّد الزَّمن، فالتَّربية الإسبرطية كانت تهدف إلى تزويد كل فرد بقدر من المال الجسماني والشجاعة، وغرس عادات الطَّاعة العمياء للقانون؛ ولذلك تحكَّمت الدولة في طريقة تربيتِه من أوَّل الأمر، بعيدًا عن أسرته.







أمَّا أثينا، فقد انتهجتْ قديمًا نهجًا مخالفًا؛ إذْ أرادت أن يكون الفرد - وهو يُطيع دولتَه ويقوم بواجبه - متمتِّعًا بقسط من الحرية، وإن كان تحت مراقبة دقيقة من موظَّفي الدولة.







وفي عصر الانتِقال، كان هدف التربية زيادة الاهتِمام بنمو الفرْد أكثر من الاهتِمام بشؤون الدولة، حتَّى لا يصبح الفرد مجرَّد مواطن خادم للدولة، ثم جاءت التَّربية اليونانيَّة في عصرها الأخير لتهدف إلى سيادة المصلحة الفرديَّة.







ثُمَّ يأتي العصر الحديث ليصبح من مميِّزات الفكر المذهبُ الطبيعي، فقد أسبغ (بيكون) على الطبيعة ثوبًا فضفاضًا من التَّبجيل والاحتِرام، والإغْراق في تقْديس الطبيعة قد تولَّد عنه منهج آخر معاكس، وهو المذهب المثالي، الذي يؤيِّده كثير من علماء التربية؛ أمثال بستالوتري، وفخته، وفروبل، وبرس نن.







ولكن ما لبث المذْهب الطبيعي أن حاول تضْييقَ مَجال الخلاف بينه وبين المذهب المثالي، ثم لبِس قناع مذْهب النفعيَّة أو البراجماتية، التي أصبح (جون ديوي) من رجالِها، والتي تمثّل الاتجاه الأمريكي في وقتِنا الحاضر.







وعلى الرَّغْم من تناقُض هذه المذاهب التربويَّة، فإنَّ المعنيِّين بالتَّربية في البلاد الإسلاميَّة يأخذون بها على تناقُضِها، ويتجاهلون ما بِها من أخطاء، وما تتضمَّن في مناهجها من أسباب نبْذها وعدم الاحتِفال بها، وعنصر الثَّبات في التَّربية يجنب علماء التَّربية الوقوع في هذا الخطأ، بل يعْطي الأساس المتينَ لمنْهج تربوي ثابت، يُمكن أن يطبَّق في كلِّ مصر وفي كل عصر.







2- عنصر الاهتِمام بكلِّ جوانب النَّفس:



فلا يهتمُّ المربِّي بِجانبٍ من جوانب النَّفس على حساب جانب آخر، والمناهج التربويَّة التي اهتمَّت بنواحٍ خاصَّة في التربية لظروف خاصَّة وأهملتْ جوانب أخرى - لم يُكْتَب لها البقاء، وانتهى أمرُها بانتِهاء الظروف التي أمْلَتها.







وإذا بَحثنا في المناهج التربويَّة قديمًا وحديثًا، لا نَجد منهجًا واحدًا يستطيعُ أن يُعالِج كلَّ جانبٍ من جوانب النَّفس، ما عدا منهج الإسلام، فإنَّه كما يهتمُّ بالجانب المادِّي اهتمامًا كبيرًا؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]، ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32]، ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، "علِّموا أبناءَكم السِّباحة والرِّماية"؛ رواه الديلمي، ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤْمِن الضَّعيف))؛ رواه مسلم - يهتم الاهتِمام نفسَه بكلِّ الأجهزة الفكرية؛ ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾، ﴿ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾، ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾، ﴿ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾، ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46].







وبكل المشاعر العاطفية؛ ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾ [الحجرات: 7]، ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، ومن العجْز والكسَل، والجبن والبخْل، وضلَع الدين وغلبة الرجال))؛ رواه أحمد، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6].







وبكلِّ الأشواق الروحيَّة؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32]، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3، 4، 5]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾، ﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾، ((إنَّ الله يبسط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النَّهار، ويبسُط يدَه بالنَّهار ليتوبَ مُسيءُ اللَّيل))؛ رواه مسلم وأحمد.







بل إنَّ هناك جانبًا بالغَ الأهمِّيَّة في العمليَّة التربويَّة، ونقرِّر هنا أنَّ هذا الجانب لَم يحْظَ بأيِّ اهتِمام في مناهج التَّربية كما حظِي في منهج الإسلام، هذا الجانب هو الجانب الأُخروي، وأي منهج تربوي يغفل عن هذا الجانب أو يتجاهلُه، يُعتبر منهجًا مبتورًا، يشْهَد على نفسِه بعدم صلاحيتِه؛ ولذلك كان المنهج الإسلامي حريصًا على أن يضَع الدَّار الآخِرة في بؤْرة الشُّعور ومركز الإحساس، وعصب الفكر وسويْداء القلب، عند كل مسلم ومسلمة؛ ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 20- 21].







3- الموازنة بِحكمة ودقَّة بين مقادير المعلومات المطلوبة لتزكية هذه الجوانب:



ومع الثَّبات والشُّمول لا بدَّ من الموازنة بين مقادير المعْلومات والمعارف في مجال التَّربية، وأخْذ ذلك بدقَّة وحِكْمة؛ كيلا يطْغى جانبٌ على جانب، أو يقَع في النِّسيان أو الإهْمال أحَدُ هذه الجوانب.







ومناهج التَّربية قديمًا وحديثًا تُؤْتى من هذا الجانب؛ ولذلك فهي لا تؤْتي أُكُلها ولا تستطيع البقاء إلا مستندَةً إلى قوَّة تفرضها وتلزم الناس بها.







والحقُّ أنَّ الموازنة الحكيمة الدَّقيقة بين مقادير المعلومات في مَجال التربية أمرٌ صعب، لا يقدر عليه إلا مَن أوتيَ بصيرةً نافذة، وعقلاً حصينًا، وتجربة طويلة في هذا المجال، ولن يستطيع علماء التربية وفلاسفَتُها - مهْما أوتوا من بصيرة نيِّرة وتجربة واعية - أن يحقِّقوا هذه الموازنة بدقَّة إلا إذا أخذوا كتابَ الله بقوَّة، فإنَّ هذا الكتاب الذي يهدي به الله من اتَّبع رضوانه سبُل السلام، ويُخرجهم من الظُّلمات إلى النُّور بإذْنِه ويهديهم إلى صراط مستقيم، هو الكتاب الذي يعطي لعُلماء التَّربية في معظم سوره النبراسَ الهادي في هذا السَّبيل، ولْنأخُذْ سورةَ البقرة مثالاً في هذا المجال، فإنَّها تبدأ بتقْسيم البشَر إلى أصنافٍ ثلاثة، تتناول كلاًّ منها بالشَّرح والتفصيل، بِمقدار يتناسب مع ما يتطلَّبه العقل لمعرفة هذا الصنف أو ذاك، ثم تدْعو النَّاس إلى عبادة الله وحْدَه بقدر يكفي استثارة نفوسِهم بهذه الدعوة، وإقناع عقولِهم بهذا الحق، ثم تعرض الحوار الذي تمَّ بين الله وملائكتِه في موضوع الخلافة في الأرض، ثم كيف وَلِي آدم هذه الخلافة، وكيف أقام في الجنَّة هو وزوجه، وكيف خرجا منها، ثم تتناول بني إسرائيل كاشفةً اللِّثام عن انْحرافاتِهم في العقيدة والسلوك وتزْوير الحقائق، ثُمَّ تضَع تشريعاتٍ محكمةً في مَجالاتٍ شتَّى؛ كالقصاص والحرب، والزَّكاة والحجِّ، والنِّكاح والطَّلاق، والبيْع والرِّبا، والدَّائن والمدين.







كيف تألَّقت وتآلفتْ هذه الموضوعات المختلفة في مقاديرَ مُتناسبة وبتناسُق محكم؟ هذا أمر يَحتاج من كلِّ مختصٍّ في مَجاله إلى دراسة متأنِّية، وهذه الدراسة المتأنِّية إلى جوانب النفس المختلفة، وحاجة كل جانب منها إلى الإشباع بمقدار مناسب من المعلومات، تدعو علماء التربية بإلحاح إلى المبادرة إليها والتعمق فيها.







طريق النجاة:



وسيظلُّ العالَم كلُّه في عصرنا الذي نعيش فيه يتخبَّط في نظريَّات مبتورة قاصرة، كما تخبَّط قديمًا في عصوره الغابرة، ثم يصطدِم واقعُه المؤلِم بهذا القصور والبتْر، ولن يُنْقِذه من شطحات هذا التخبُّط في مجال التربية إلا إذا جدَّ في البحث، واهتدى إلى الطَّريق الذي يكفل له السلامة ويضمن له النجاة.







وما طريق النَّجاة وسبيل السلامة للأجيال تلو الأجيال، إلا المنهج الذي يخلو من الزَّيغ ويسلم من الانحراف والضلال؛ إنَّه منهج الله الذي رسَمه لعباده الذين يعيشون في كونِه، منهج الله لعباد الله في كون الله؛ ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 115- 116].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.05 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]