كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 316 - عددالزوار : 89352 )           »          نظرات في قوله تعالى: { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          القدوة الحق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          اتق المحارم تكن أعبد الناس- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          بعض النصح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الكليبتومانيا.. عندما تكون السرقة مرضا واللص غير اللصوص! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السخرية والاستهزاء بالآخرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ولله على الناس حج البيت .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          من السنن الموقوتة قبل الفجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          فضائل طاعة الزوجة لزوجها وأحكامها الفقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #221  
قديم 09-03-2023, 09:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (221)
صــــــــــ 231 الى صـــــــــــ 237



عدة الحرة من أهل الكتاب عند المسلم والكتابي
.

( قال الشافعي ) رحمه الله والحرة والكتابية يطلقها المسلم أو يموت عنها مثل الحرة المسلمة في العدة [ ص: 231 ] والنفقة والسكنى لا يختلفان في شيء من العدة والنفقة والسكنى ، وجميع ما لزم المسلمة لازم لها من الإحداد وغير ذلك وإن أسلمت في العدة قبل أن تكملها لم تستأنف وبنت على عدتها وهكذا إن طلقها الكتابي أو مات عنها وإن أرادت أن تخرج في العدة كان للزوج حيا وورثته ميتا من منعها الخروج ما لهم من منع المسلمة لا يختلفان في شيء غير أنها لا ترث المسلم ولا يرثها .
العدة من الموت والطلاق والزوج غائب .

( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقال { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقال عز ذكره { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال : فكان بينا في حكم الله عز ذكره أن العدة من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة .

( قال ) وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقه أو أي علم صادق ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق وتكون الوفاة وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة لم يكن عليها عدة لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها .

( قال ) وإذا خفي ذلك عليها وقد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تعتد من يوم يكون الطلاق أو الوفاة أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يطلق امرأته أو يموت عنها وهو بمصر وهي بمصر آخر من أي يوم تعتد ؟ قال من يوم مات أو طلقها تعتد . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول : إذا قامت بينة فمن يوم طلقها أو مات عنها . أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته قال تعتد من يوم طلقت أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال : المتوفى عنها تعتد من يوم مات والمطلقة من يوم طلقت .
عدة الأمة ( قال الشافعي ) رحمه الله : ذكر الله عز وجل العدد من الطلاق بثلاثة قروء وثلاثة أشهر ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة فاحتمل أن يكون ذلك كله على الأحرار والحرائر والعبيد والإماء واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون بعض وكان عز وجل قد فرق في حد الزاني بين المماليك والأحرار فقال : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال في الإماء { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وقال في الشهادات { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فلم يختلف من لقيت أنها على الأحرار دون العبيد وذكر المواريث فلم يختلف أحد لقيته في أن المواريث للأحرار دون العبيد ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب [ ص: 232 ] الحر الزاني ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب .

( قال ) وفرض الله عز وجل العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر ، وفي الموت أربعة أشهر وعشرا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستبرأ الأمة بحيضة ففرق بين استبراء الأمة والحرة وكانت العدة في الحرائر استبراء وتعبدا ، وكذلك الحيضة في الأمة استبراء وتعبد .

( قال الشافعي ) فلم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملا فلم يجز إذ وجدنا ما وصفت من الدلائل على الفرق فيما ذكرنا وغيره بين عدة الأمة والحرة إلا أن تجعل عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما له نصف وذلك الشهور . فأما الحيض فلا يعرف له نصف فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف إذا لم يسقط من النصف شيء وذلك حيضتان ولو جعلناها حيضة أسقطنا نصف حيضة ولا يجوز أن يسقط عنها من العدة شيء فأما الحمل فلا نصف له . قد يكون يوما من يوم وقع عليها الطلاق وسنة وأكثر كما لم يكن للقطع نصف فيقطع الحر والعبد والأمة والحرة ، وكان للزنا حدان أحدهما الجلد فكان له نصف فجعل عليها النصف ولم يكن للرجم نصف فلم يجعل عليها ولم يبطل عنها حد الزنا وحدت بأحد حديه على الأحرار . وبهذا مضت الآثار عمن روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) فإذا تزوجت الأمة الحر أو العبد فطلقها أو مات عنها فسواء والعدة بها ، تعتد إذا كانت ممن تحيض حيضتين إذا دخلت في الدم من الحيضة الثانية حلت ، وتعتد في الشهور خمسا وأربعين إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ، وتعتد في الوفاة شهرين وخمس ليال ، وفي الحمل أن تضع حملها متوفى عنها أو كانت مطلقة .

( قال ) ولزوجها في الطلاق إذا كانت يملك الرجعة عليها ما على الحرة في عدتها وكذلك عليه من نفقتها في العدة ما عليه من نفقة الحرة . ولا يسقط ذلك عنه إلا أن يخرجها سيدها فيمنعها العدة في منزله فتسقط النفقة عنه كما تسقط لو كانت له زوجة فأخرجها عنه إلى بلد غير بلده . وكذلك إن كانت مطلقة طلاقا لا يملك الرجعة كانت عليه نفقتها حاملا ما لم يخرجها سيدها من منزله لأن الله عز وجل يقول في المطلقات { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ولم نجد أثرا لازما ولا إجماعا بأن لا ينفق على الأمة الحامل ولو ذهبنا إلى أن نزعم أن النفقة على الحامل إنما هي للحمل كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة وكما يكون لو كان مولودا لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه ولكنه حكم الله تعالى علينا اتباعه تعبدا ، وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها النفقة قياسا على الحامل فقال الحامل محبوسة بسببه ، وكذلك المعتدة بغير الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج ، فذهبنا إلى أنه غلط وإنما أنفقنا على الحامل بحكم الله عز وجل لا بأنها محبوسة بسببه وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها ، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملا .

( قال ) والأمة في النفقة بعد الفراق والسكنى ما كانت في العدة كالحرة إلا ما وصفت من أن يخرجها سيدها ، أخبرنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا : قال سفيان وكان ثقة ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس الثقفي عن رجل من ثقيف أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا فقال رجل فاجعلها شهرا ونصفا فسكت عمر .

( قال ) وإذا طلق الحر أو العبد الأمة طلاقا يملك فيه الرجعة فعدتها عدة أمة وإذا مضت عدتها ، ثم عتقت لم تعد لعدة ولم تزد على عدتها [ ص: 233 ] الأولى ، وإن أعتقت قبل مضي العدة بساعة أو أقل أكملت عدة حرة لأن العتق وقع وهي في معاني الأزواج في عامة أمرها . فإن مات بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة قبل العتق لم ترثه وكذلك لو ماتت لم يرثها . وإن مات أو ماتت وقد عتقت قبل مضي عدتها عدة الأمة وقبل مضي عدة الحرة توارثا ويقع عليها إيلاؤه وطلاقه وظهاره وما يقع بين الزوجين .

( قال ) وإذا كان طلاقه وإيلاؤه وظهاره يقع عليها إذا طلقت طلاقا يملك فيه الرجعة إلى أن تنقضي عدتها فعتقت قبل أن تنقضي عدتها لم يجز والله تعالى أعلم ، إلا أن تعتد عدة حرة ويتوارثان قبل انقضاء عدتها التي لزمتها بالحرية ، ولو كانت الأمة عند عبد فطلقها طلاقا يملك فيه الرجعة فلم تنقض عدتها حتى عتقت فاختارت فراقه كان ذلك لها وكان اختيارها فراقه فسخا بغير طلاق وتكمل منه عدة حرة من الطلاق الأول لأنها صارت حرة قبل أن تنقضي عدتها من طلاق يملك فيه الرجعة ولا تستأنف عدة لأنه لو كان أحدث لها رجعة ثم طلقها ولم يصبها بنت على العدة الأولى لأنها مطلقة لم تمس فإنما عليها من العدة الأولى إكمال عدة حرة . ولو كان طلاق الأمة طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم عتقت في العدة ففيها قولان أحدهما أن تبني على العدة الأولى وأن لا خيار لها لأنها غير زوجة ولا تستأنف عدة لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج لا يقع عليها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا يتوارثان لو كانا في تلك الحال حرين . والقول الثاني أن عليها أن تكمل عدة حرة ولا تكون حرة تكمل عدة أمة ومن ذهب إلى هذا ذهب إلى أن يقيسه على العدة في الطلاق الذي يملك فيه الرجعة . وقال المرأة تعتد بالشهور ثم تحيض تستقبل الحيض ولا يجوز أن تكون في بعض عدتها ممن تحيض وهي تعتد بالشهور فيقول وهكذا لا يجوز أن تكون في بعض عدتها حرة وهي تعتد عدة أمة وقال في المسافر يصلي ركعة ثم ينوي المقام يتم أربعا ولا يجوز أن يكون في بعض صلاته مقيما يصلي صلاة مسافر وهذا أشبه القولين - والله تعالى أعلم - بالقياس .

( قال ) والأمة من الأزواج فإذا اجتمعت عليها عدتان قضتهما كما تقضيهما الحرة وهي في النكاح الفاسد والإحداد كالحرة يثبت عليها ما يثبت على الحرة ويرد عنها ما يرد عنها .
استبراء أم الولد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة .

( قال الشافعي ) وإذا ولدت الأمة من سيدها فأعتقها أو مات عنها استبرأت بحيضة ولا تحل من الحيضة للأزواج حتى ترى الطهر فإذا رأته حلت وإن لم تغتسل . وإن أعتقها أو مات عنها وهي حائض لم يعتد بتلك الحيضة ، وإن أعتقها أو مات عنها وهي لا تعلم فاستيقنت أنها قد حاضت بعد العتق حلت وإن لم تستيقن استبرأت نفسها بحيضة من ساعة يقينها ثم حلت .

( قال ) وإن كانت حاملا فأجلها أن تضع حملها . وإن استرابت لم تنكح حتى تستبرأ وهي كالحرة في الاستبراء من العدة سواء . وإذا ولدت جارية الرجل منه أحببت له أن لا يزوجها وإن استبرأها ثم زوجها فالنكاح ثابت عليها رضيت أو لم ترض . فإن مات سيدها ولم يطلقها زوجها ولم يمت فلا استبراء عليها من سيدها وإن طلقها زوجها طلاقا يملك فيه الرجعة أو طلاقا بائنا فلم تنقض عدتها حتى مات سيدها لم يكن عليها استبراء من سيدها لأن فرجها ممنوع منه بشيء أباحه لغيره بنكاح وعدة من نكاح . وكذلك لو مات عنها زوجها فلم تنقض عدتها منه حتى يموت سيدها لم تستبرئ من سيدها لأن فرجها ممنوع منه بعدة من نكاح . [ ص: 234 ] ولو مات زوجها أو طلقها فانقضت عدتها منه ثم مات سيدها استبرأت من سيدها بحيضة
( قال ) ولو مات زوجها وسيدها ويعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو شهرين وخمس ليال أو أكثر ولا يعلم أيهما مات قبل .

اعتدت من حين مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا تأتي فيها بحيضة وإنما قلنا تدخل إحدى العدتين في الأخرى أنهما لا يلزمانها معا وإنما يلزمها إحداهما فإذا جاءت بهما معا على الكمال في وقت واحد فذلك أكثر ما يلزمها إن كان سيدها مات قبل زوجها فلا استبراء عليها من سيدها وعليها أربعة أشهر وعشر وإن كان زوجها مات قبل سيدها ولم تستكمل شهرين وخمس ليال فلا استبراء عليها من سيدها . وإن كان سيدها مات بعد مضي شهرين وخمس ليال فعليها أن تستبرئ من سيدها بحيضة ولا ترث زوجها حتى تستيقن أن سيدها مات قبل زوجها ، ولو كان زوج هذه طلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها . ثم مات زوجها وهي في العدة وكان الزوج حرا اعتدت عدة الوفاة من يوم مات زوجها أربعة أشهر وعشرا وورثت زوجها ولم تبال أن لا تأتي بحيضة لأنه لا استبراء عليها من سيدها إذا كانت في عدة من زوجها .
ولو كان زوجها عبدا فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها وهي في عدتها من الطلاق أو أعتقها فلم تختر فراق الزوج حتى مات الزوج حرا . كان لها منه الميراث وتستقبل منه عدة أربعة أشهر وعشرا من يوم مات الزوج ولا استبراء عليها من سيدها ، ولو اختارت فراقه حين عتقت قبل أن يموت كان الفراق فسخا بغير طلاق ولم يكن عليها عدة وفاة ولم ترثه وأكملت عدة الطلاق ولم يكن له عليها رجعة بعد اختيارها فراقه قبل موته ولا استبراء لسيدها
( قال ) وإذا جاءت أم ولد رجل بعد موته بولد لأكثر ما تلد له النساء من آخر ساعات حياته فالولد لاحق به ، وهكذا في الحياة لو أعتقها إذا لم يدع أنه استبرأها ولو جاءت به لأكثر مما تلد له النساء من يوم مات أو أعتق لم يلزمه
( قال ) وعدة أم الولد إذا كانت حاملا أن تضع حملها وإن لم تكن حاملا فحيضة
( قال ) وإذا مات الرجل عن مدبرة له كان يطؤها أو أمة كان يطؤها استبرأت بحيضة فإن نكحت هي أو أم الولد قبلها فسخ النكاح وإن كانت امرأة لا يطؤها فلا استبراء عليها وأحب إلي لو لم تنكح حتى تستبرئ نفسها .
وإذا كانت للعبد امرأة ثم كاتب فاشتراها للتجارة فالشراء جائز كما يجوز شراؤه لغيرها والنكاح فاسد إذا جعلته يملكها لم أجعل له نكاحها وتعتد من النكاح بحيضتين فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف وليس له أن يطأها بالملك لأنه لا يملك ملكا تاما ، وإن عتق قبل مضي عدتها كان له أن يطأها وهي تعتد من مائة إنما تحرم على غيره في عدتها منه ولا تحرم عليه ولا أكره له وطأها في هذه الحال إنما أكره له ذلك في الماء الفاسد ولا أحرمه عليه ولا أفسد النكاح ولو وقع وهي تعتد من الماء الفاسد ، ولو مات المكاتب قبل أن يؤدي أكملت بقية عدتها من انفساخ نكاحه وكانت مملوكة للسيد ترك وفاء أو لم يتركه أو ولدا كانوا معه في الكتابة أو أحرارا ولم يدعهم ، ولو رضي السيد أن يزوجه إياها فزوجه إياها لم يجز لأنها ملك للمكاتب كما يملك ماله ولو رضي أن يتسراها لم يكن ذلك له ولو تسراها المكاتب فولدت ألحقت به الولد ومنعته الوطء وفيها قولان : أحدهما لا يبيعها بحال خاف العجز أو لم يخفه لأني قد حكمت لولدها بحكم الحرية إن عتق أبوه والثاني : أن له بيعها إن خاف العجز ولا يجوز له أن يبيعها إن لم يخفه ، وإن مات استبرأت بحيضة كما تستبرئ الأمة وكذلك إذا منعته وطأها أو أراد بيعها استبرأت بحيضة لا تزيد عليها .
وإذا تزوج المكاتب امرأة حرة ثم ورثته فسد النكاح واعتدت منه عدة مطلقة وإن مات حين تمكثه حرا أو مملوكا فسواء النكاح ينفسخ وعدتها عدة مطلقة لا عدة [ ص: 235 ] متوفى عنها زوجها ولا ترث منه إن كان حرا لأن النكاح انفسخ ساعة وقع عقد الملك وهذا لو كانت بنت سيده زوجه إياها بإذنها فالنكاح ثابت ومتى ورثت منه شيئا كان كما وصفت
وإذا مات الرجل وجاءت امرأته بولد لأكثر ما تلد له النساء ألزمت الميت الولد أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها ما لم تنكح زوجا يمكن أن يكون منه ، ولو جاءت بولد فأنكر الورثة أن تكون ولدته فجاءت بأربع نسوة يشهدن على أنها ولدته لزم الميت ، وهكذا كل زوج جحد ولاد امرأته ولم يقذفها فقال لم تلدي هذا الولد لم يلزمه إلا بأن يقر به أو بالحمل به أو تأتي المرأة بأربع نسوة يشهدن على ولادها فيلزمه إلا أن ينفيه بلعان .
وإذا نكح الرجل المرأة فلم يقر بالدخول بها ولا ورثته وجاءت بولد لستة أشهر من يوم نكحها أو أكثر لزمه ، وكذلك لو طلقها لزمه لأكثر ما تلد له النساء إلا أن ينفيه بلعان ،
وإذا مات الصبي الذي لا يجامع مثله عن امرأته دخل بها أو لم يدخل بها حتى مات فعدتها أربعة أشهر وعشر لأن الحمل ليس منه ولا يلحق به إذا أحاط العلم أن مثله لا ينزل بعد موته ولا في حياته ، وإن وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر أكملت أربعة أشهر وعشرا وإن مضت الأربعة الأشهر والعشر قبل وضع الحمل حلت منه وتحد في الأربعة الأشهر والعشر ولا تحد بعدها .
وإذا نكح الخصي غير المجبوب والخصي المجبوب وعلمت زوجتاهما قبل النكاح فرضيتا أو بعد النكاح فاختارتا المقام فالنكاح جائز ، وإذا أصاب الخصي غير المجبوب فهو كالرجل غير الخصي يجب المهر بإصابته ، وإذا كان أبقي للخصي شيء يغيب في الفرج فهو كالخصي غير المجبوب ، وإن لم يبق شيء وكان والخصي ينزلان لحقهما الولد كما يلحق الفحل واعتدت زوجتاهما منهما كما تعتد زوجة الفحل من الطلاق والوفاة وطلاقهما بكل حال إذا كانا بالغين كطلاق الفحل البالغ .
ولا يجوز طلاق الصبي حتى يستكمل خمس عشرة أو يحتلم قبلها ، ولا طلاق المعتوه ، ولا طلاق المجنون الذي يجن ويفيق إذا طلق في حال جنونه وإن طلق في حال صحته جاز
( قال ) ويجوز طلاق السكران . ومن لم يجز طلاقه فالمرأة امرأته حتى يموت أو يصير إلى أن يجوز طلاقه وكل بالغ مغلوب على عقله يلزمه الولد كما يلزم الصحيح ولا يكون له أن ينفي الولد بلعان لأنه ليس ممن يعقل لعانا ولا تبين منه امرأته .
عدة الحامل قال الله عز وجل في المطلقات { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .

( قال الشافعي ) رحمه الله : فأي مطلقة طلقت حاملا فأجلها أن تضع حملها .

( قال ) ولو كانت تحيض على الحمل تركت الصلاة واجتنبها زوجها ولم تنقض عدتها بالحيض لأنها ليست من أهله إنما أجلها أن تضع حملها .

( قال ) فإن كانت ترى أنها حامل وهي تحيض فارتابت أحصت الحيض ونظرت في الحمل فإن مرت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة وقد بان لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض وقفنا الرجعة فإن بان حمل فالرجعة ثابتة ، وإن بان أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة ، وإن عجل فأصابها فلها المهر بما أصاب منها وتستقبل عدة أخرى ويفرق بينهما وهو خاطب ، وهكذا المرأة المطلقة التي لم تحض ترتاب من الحمل فتمر بها ثلاثة أشهر لا تخالف حال التي ارتابت من الحمل وهي تحيض فحاضت ثلاث حيض إن برئت من الحمل برئت من العدة في الثلاثة الأشهر التي مرت بها بعد الطلاق في حال ريبة [ ص: 236 ] مرت بها أو غير ريبة ، وإن لم تبرأ من الحمل وبان بها الحمل فأجلها أن تضع حملها وإن راجعها زوجها في الثلاثة الأشهر ثبتت الرجعة كانت حاملا أو لم تكن ، فإذا راجعها بعد الثلاثة الأشهر وقفت الرجعة فإن برئت من الحمل فالرجعة باطلة ، وإن كان الطلاق يملك الرجعة أنفق عليها في الحيض أو الشهور ، وإن أنفق عليها وهو يراه حملا بطلت النفقة من يوم أكملت الحيض والشهور ويرجع عليها بما أنفق بعد مضي العدة بالشهور والحيض ويرجع بما أنفق حين كان يراها حاملا فإن كانت حاملا فالرجعة ثابتة ولها النفقة فإن دخل بها فأبطلت الرجعة جعلت لها الصداق بالمسيس واستأنفت العدة من يوم أصابها وكان خاطبا فإن راجعها وهي ترى أنها حامل بعد الثلاثة الأشهر ثم انفش ما في بطنها فعلم أنها غير حامل فالرجعة باطلة .

( قال الربيع ) انفش ذهب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا تنكح المرتابة من المطلقات ولا المتوفى عنها زوجها من الحمل وإن أوفين عددهن لأنهن لا يدرين ما عددهن ؟ الحمل أو ما اعتدن به ؟ وإن نكحن لم نفسخ النكاح ووقفناه فإن برئن من الحمل فالنكاح ثابت وقد أسأن حين نكحن وهن مرتابات ، وإن كان الحمل منعناهن الدخول حتى يتبين أن ليس حمل فإن وضعن أبطلنا النكاح وإن بان أن لا حمل خلينا بينهن وبين الدخول
( قال ) ومتى وضعت المعتدة ما في بطنها كله فقد انقضت عدتها مطلقة كانت أو متوفى عنها ولو كان ذلك بعد الطلاق أو الموت بطرفة عين .
وإن كانت حاملا باثنين أو ثلاثة فوضعت الأول فلزوجها عليها الرجعة حتى تضع الثاني . فإن راجعها بعد وضع الأول وهي تجد حركة ولد أوقفنا الرجعة فإن ولدت ولدا آخر أو أسقطت سقطا تبين له من خلق الآدميين شيء فرجعته ثابتة وإن لم تضع شيئا إلا ما يخرج من النساء مما يتبع الولد أو ما لا يتبين فيه شيء من خلق الآدميين فالرجعة باطلة وكذلك هذا لو وضعت الأولين وبقي ثالث أو شيء تجده تراه ثالثا . أو ثلاثة وبقي رابع لا تخلوا أبدا من زوجها إلا بوضع آخر حملها وليس ما يتبع الحمل من المشيمة وغيرها مما لا يبين له خلق آدمي حملا .

( قال ) ولو ارتجعها وقد خرج بعض ولدها وبقي بعضه كانت له عليها الرجعة ولا تخلو منه حتى يفارقها كله خارجا منها فإذا فارقها كله فقد انقضت عدتها . وإن لم يقع في طست ولا غيره .

( قال ) وأقل ما تخلو به المعتدة من الطلاق والوفاة من وضع الحمل أن تضع سقطا قد بان له من خلق بني آدم شيء عين أو ظفر أو أصبع أو رأس أو يد أو رجل أو بدن أو ما إذا رئي علم من رآه أنه لا يكون إلا خلق آدمي لا يكون دما في بطن ولا حشوة ولا شيئا لا يبين خلقه . فإذا وضعت ما هو هكذا حلت به من عدة الطلاق والوفاة .

( قال ) وإذا ألقت شيئا مجتمعا شك فيه أهل العدل من النساء أخلق هو أم لا لم تحل به ولا تخلو إلا بما لا يشككن فيه . وإن اختلفت هي وزوجها فقالت قد وضعت ولدا أو سقطا قد بان خلقه ، وقال زوجها لم تضعي . فالقول قولها مع يمينها ، وإن لم تحلف ردت اليمين على زوجها . فإن حلف على البت ما وضعت كانت له الرجعة وإن لم يحلف لم يكن له الرجعة قال ولو قالت وضعت شيئا أشك فيه أو شيئا لا أعقله وقد حضره نساء فاستشهدت بهن وأقل من يقبل في ذلك أربع نسوة حرائر عدول مسلمات لا يقبل أقل منهن ولا يقبل فيهن والدة ولا ولد وتقبل أخواتها وغيرهن من ذوي قرابتها والأجنبيات ومن أرضعها من النساء .
ولو طلق رجل امرأته وولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده ؟ وقال هو وقع بعد ما [ ص: 237 ] ولدت فلي عليك الرجعة وكذبته فالقول قوله وهو أحق بها لأن الرجعة حق له . والخلو من العدة حق لها فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لأنه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هي أنه زال .

( قال ) ولو لم يدر هو ولا هي أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة لأن العدة تجب على المطلقة فلا تزيلها عنها إلا بيقين أن تأتي بها وكان الورع أن لا يرتجعها لأني لا أدري لعلها قد حلت منه ولو ارتجعها لم أمنعه لأنه لا يجوز لي منعه رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه
( قال ) والحرة الكتابية تكون تحت المسلم أو الكتابي في عدد الطلاق أو الوفاة وما يلزم المعتدة من ترك الخروج والإحداد وغير ذلك ويلزم لها بكل وجه سواء لا يختلفان في ذلك والحرة المسلمة الصغيرة كذلك وكذلك الأمة المسلمة إلا أن عدة الأمة في غير الحمل نصف عدة الحرة وأن لسيد الأمة أن يخرجها وإذا أخرجها لم يكن لها نفقة على مطلق يملك الرجعة ولا حمل .

( قال ) وتجتمع العدة من النكاح الثابت والنكاح الفاسد في شيء وتفترق في غيره . وإذا اعتدت المرأة من الطلاق والمنكوحة نكاحا فاسدا بالفرقة فعدتهما سواء لا يختلفان في موضع الحمل والأقراء والشهور غير أن لا نفقة لمنكوحة نكاحا فاسدا في الحمل ولا سكنى إلا أن يتطوع المصيب لها بالسكنى ليحصنها فيكون ذلك لها بتطوعه وله بتحصينها .
وإذا نكح الرجل المرأة نكاحا فاسدا فمات عنها ثم علم فساد النكاح بعد موته أو قبله فلم يفرق بينهما حتى مات فعليها أن تعتد هذه عدة مطلقة ولا تعتد عدة متوفى عنها ولا تحد في شيء من عدته ولا ميراث بينهما لأنها لم تكن زوجة وإنما تستبرأ بعدة مطلقة لأن ذلك أقل ما تعتد به حرة فتعتد إلا أن تكون حاملا فتضع حملها فتحل للأزواج بوضع الحمل .
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فلم يحدث لها الزوج رجعة ولا نكاحا حتى ولدت لأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الزوج وأنكر الزوج الولد ولم يقر بالحمل فالولد منفي عنه بلا لعان لأنها ولدت بعد الطلاق لما لا تلد له النساء .
وإن كان الطلاق لا يملك في الرجعة ردت نفقة الحمل إن كانت أخذتها . وإن كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض مضت أو تكون ممن تعتد بالشهور فتقر بمضي ثلاثة أشهر فلها النفقة في أقل ما كانت تحيض له ثلاث حيض وذلك أني أجعلها طاهرا حين طلقها ثم تحيض من يومها ثم أحسب لها أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض فأجعل لها فيه النفقة إلى أن تدخل في الدم من الحيضة الثالثة أبتدئ ذلك بما وصفت من أن أجعل طهرها قبل حيضها من يوم طلقها وأقل ما تحيض وتطهر وإن كان حيضها يختلف فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا أقل ما كانت تحيض لأن ذلك اليقين وأطرح عنه الشك وأجعل العدة منقضية بالحمل لأنها مفسدة للحيضة وواضعة للحمل فلو كانت عدتها الشهور جعلت لها نفقة ثلاثة أشهر من يوم طلقها وبرئت من العدة بوضع الحمل . وإن لم يلزمه الولد كان من غيره .

( قال ) ولو أقر به الزوج كان ابنه لأنه قد يرتجع وينكح نكاحا جديدا ويصيب بشبهة في العدة ليكون ولده . ولو لم يقر به الزوج ولكن المرأة ادعت أنه راجعها في العدة أو نكحها إذا كان الطلاق بائنا وأصابها وهي ترى أن له عليها الرجعة وأنكر ذلك كله أو مات ولم يقر لم يلزمه الولد في شيء من هذا وعليه اليمين على دعواها إن كان حيا وعلى ورثته على علمهم إن كان ميتا وسألت أيمانهم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #222  
قديم 09-03-2023, 09:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (222)
صــــــــــ 238 الى صـــــــــــ 244




وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فأقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها حتى ولدت ولدا لم يجاوز أربع سنين من الساعة التي وقع فيها الطلاق أو أقل فالولد أبدا لاحق بالأب لأكثر ما يكون له حمل النساء من يوم طلقها كان الأب حيا أو ميتا لا ينفى الولد عن الأب إلا بأن تأتي به لأكثر مما تحمل النساء من يوم طلقها أو يلتعن فينفيه بلعان أو تزوجت زوجا غيره فتكون فراشا وإذا [ ص: 238 ] تزوجت زوجا غيره وقد أقرت بانقضاء العدة وأقر بالدخول بها أو لم يقر حتى جاءت بولد لستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح فالولد له إلا أن ينفيه بلعان . وكذلك لو قالت كذبت في قولي انقضت العدة لم تصدق على الزوج الأول ولو ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح الآخر وتمام أربع سنين أو أقل من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول لم يكن ابن واحد منهما لأنها وضعته من طلاق الأول لما لا تحمل له النساء ومن نكاح الآخر لما لا تلد له النساء .
وإذا قال الرجل لامرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بالولد الأول وانقضت عدتها بالولد الآخر ولم يقع به طلاق لأن الطلاق وقع ولا عدة عليها ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت تطليقتان بالولدين الأولين لأن الطلاق وقع وهو يملك الرجعة وانقضت عدتها بالثالث ولا يقع به طلاق ولو كانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن وقع الثلاث بالثلاث الأوائل وانقضت العدة بالولد الرابع .
ولو قال رجل لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بين كل واحد منهما سنة وقع الطلاق بالأول وحلت للأزواج بالآخر وإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فلا نفقة فيه وإن كان يملك الرجعة فلها النفقة كما وصفت في أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض حتى تدخل في الدم من الحيضة الثالثة .

( قال ) وإنما فرقت بين هذا والمسائل قبله لأن الزوج ابتدأ الطلاق كما يقع على الحانث بكلام تقدم قبل وضع حملها وقع بوضع حملها منه ثم لم يحدث نكاحا ولا رجعة فيلزمه بواحد منهما ولم يقر به فيلزمه إقراره وكان الولد منفيا عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون أبدا في الظاهر منه . فإن قال قائل : فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد إقرارها ؟ قيل : لما أمكن أن تكون تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر والحمل قائم لم نقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون حملا منه وذلك أكثر ما تحمل له النساء من يوم طلقها وكان الذي يملك الرجعة والذي لا يملكها في ذلك سواء . ولما كان هذا هكذا كانت إذا لم تقر بانقضاء العدة وجاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء من يوم وقع الطلاق لم أجعل الولد ولده في واحد منهما . فإن قال : فإن التي يملك عليها الرجعة في معاني الأزواج ما لم تقر بانقضاء العدة ففي بعض الأمر دون بعض . ألا ترى أنها تحل بالعدة لغيره وليس هكذا وقيل له أيحل إصابتها بعد الطلاق بغير رجعة ؟ فإن قال لا ولكنه لو أصابها جعلتها رجعة ؟ قيل : فكيف يكون عاصيا بالإصابة مراجعا بالمعصية ؟ ويقال له أرأيت لو أصابها في عدة من طلاق بائن فجاءت بولد فادعى الشبهة ؟ فإن قال يلزمه قيل فقد ألزمته الولد بالإصابة في العدة من طلاق بائن إلزامكه الولد في العدة من طلاق يملك فيه الرجعة فكيف نفيته عنه في أحدهما وأثبته عليه في الآخر وحكمهما في إلحاق الولد عندك سواء ؟
عدة الوفاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } الآية .

( قال الشافعي ) حفظت عن غير واحد من أهل العلم [ ص: 239 ] بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث وأنها منسوخة وحفظت أن بعضهم يزيد على بعض فيما يذكر مما أحكي من معاني قولهم وإن كنت قد أوضحت بعضه بأكثر مما أوضحوه به وكان بعضهم يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين وأن وصية المرأة بمتاع سنة وذلك نفقتها وكسوتها وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج ولم تخرج ولم يحرج زوجها ولا وارثه بخروجها إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي لأنها إنما هي تاركة الحق لها وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة بأن الله تعالى ورثها الربع إن لم يكن لزوجها ولد والثمن إن كان له ولد . وبين أن الله عز وجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عليها أن تمكث في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب ، ويسقط بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر .

( قال ) وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم . وكذلك لا اختلاف علمته في أن إليها عدة الأربعة أشهر وعشر وقول الأكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع حملها .

( قال ) وكذلك قول الأكثر بأن عليها أن تعتد في بيت زوجها وليس لها الخيار في أن تخرج مع الاستدلال بالسنة .

( قال ) وكان قول الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } يحتمل أن يكون على كل زوجة حرة وأمة حامل وغير حامل ، واحتمل أن يكون على الحرائر دون الإماء وغير ذوات الحمل دون الحوامل ، ودلت السنة على أنها على غير الحوامل من الأزواج وأن الطلاق والوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن حملهن . ولم أعلم مخالفا في أن الأمة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة تحل بوضع حملها أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سئل ابن عباس وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ فقال ابن عباس آخر الأجلين . وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت } أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس آخر الأجلين وقال أبو سلمة إذا نفست فقد حلت قال فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها قد حللت فانكحي } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة { أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها } .

أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه { أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل وليس كما قال إنك قد حللت فتزوجي } . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها [ ص: 240 ] زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت .

( قال الشافعي ) وليس للمتوفى عنها نفقة حاملا كانت أو غير حامل . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث .

( قال الشافعي ) وكذلك لو كانت مشركة أو مملوكة لا ترث لم يكن لها النفقة لأن ملكه عن المال قد انقطع بالموت وإذا وضعت المتوفى عنها جميع حملها حلت للأزواج مكانها ولم تنتظر أن تطهر وكان لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر ، وهكذا هي إن كانت مطلقة وهكذا المعتدة من الطلاق إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حل لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر فإذا ولدت ولدا وكانت تجد حركة تخاف أن يكون ولدا ثانيا أو وضعت ثانيا وخافت أن تكون الحركة ولدا ثالثا لم تنكح حتى تعلم أن ليس في بطنها ولد غير الذي ولدت أولا ، وإن نكحت بعد ولاد الأول والثاني وهي تجد حركة فالنكاح موقوف فإن ولدت فالنكاح مفسوخ وإن علم أنه ليس ولدا فالنكاح ثابت فإن كانت مطلقة لزوجها عليها الرجعة فوضعت ولدا فارتجعها زوجها وهي تجد حركة وقفت الرجعة فإن ولدت آخر أو أسقطته قد تبين بعض خلقه فالرجعة ثابتة ، وإن لم تضعه فالرجعة باطلة .

( قال ) وسواء ولدته سقطا أو تماما أو ضربه إنسان أو هي فألقته ميتا أو حيا تخلو عدتها بذلك كله لأنها قد وضعت حملها وهي ومن ضربه آثمان بضربه ، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في الاستبراء وفي كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلف بني آدم رأس أو يد أو رجل أو ظفر أو عين أو شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين ، فأما ما لا يعرف به أنه خلق آدمي فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الأحمال وسواء في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة وأمة وذمية وبأي وجه اعتدت وأي أمة استبرأت وتعتد المتوفى عنها زوجها الحرة المسلمة والذمية من أي زوج كان حر أو عبد أو ذمي لحرة ذمية عدة واحدة إذا لم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرا ينظر إلى الساعة التي توفي فيها الزوج فتعتد منها بالأيام فإذا رأت الهلال اعتدت بالأهلة .

( قال ) كأنه مات نصف النهار وقد بقي من الشهر خمس ليال سوى يومها الذي مات فيه فاعتدت خمسا ثم رئي الهلال فتحصي الخمس التي قبل الهلال ثم تعتد أربعة أهلة بالأهلة وإن اختلفت فكان ثلاث منها تسعا وعشرين وكان واحد منها ثلاثين أو كانت كلها ثلاثين إنما الوقت فيها الأهلة فإذا أوفت الأهلة الأربعة اعتدت أربعة أيام بلياليهن واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشر سوى الأربعة الأشهر ، وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقي من الهلال فإن كان عشرين أو تسعة عشر يوما حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد أيامه فإذا كمل لها ثلاثون يوما بلياليها فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها ، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي مات فيها فقد مضت عدتها ، ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم اعتدت بالأيام على الكمال الأربعة الأشهر مائة وعشرين يوما والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون يوما ولم تحل في شيء من ذلك من زوجها حتى توفي هذه العدة أو يثبت لها أن قد خلت عدتها قبله بالأهلة والعشر كما وصفت وليس عليها أن تأتي في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة لأن الله عز وجل جعل للحيض موضعا فكان بفرض الله العدة لا الشهور فكذلك إذا جعل الشهور والأيام عدة فلا موضع [ ص: 241 ] للحيضة فيها ، ومن قال تأتي فيها بحيضة جعل عليها ما لم يجعل الله عليها . أرأيت لو كانت تعرف أنها لا تحيض في كل سنة أو سنتين إلا مرة أما يكون من جعلها تعتد سنة أو سنتين جعل عليها ما ليس عليها ؟ ولكن لو ارتابت من نفسها استبرأت نفسها من الريبة كما يكون ذلك في جميع العدد ، وكذلك لو جاءت في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة وحيض ثم ارتابت استبرأت من الريبة .

( قال ) ولو طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها حتى يكون لا يملك رجعتها وهو صحيح ثم مات لم ترثه واعتدت عدة الطلاق ، ولو طلقها مريضا ثم صح من مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه واعتدت عدة الطلاق لأنه قد صح في حال لو ابتدأ طلاقها فيها ثم مات لم ترثه فكان في الصحة مطلقا ولم يحدث رجعة ولو طلقها مريضا ثم مات من مرضه وهي في العدة فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة ورثته وورثها لو ماتت لأنها في معاني الأزواج ، وهكذا لو كان هذا الطلاق في الصحة .

( قال ) ولو طلقها لا يملك فيه رجعتها وهو مريض ثم مات في العدة لم يرثها ، وإن مات وهي في العدة فقول كثير من أهل الفتيا أنها ترثه في العدة وقول بعض أصحابنا إنها ترثه وإن مضت العدة وقول بعضهم لا ترث مبتوتة .

هذا مما أستخير الله عز وجل فيه .

( قال الربيع ) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة طلقها مريضا أو صحيحا .

( قال الربيع ) من قبل أنه لو آلى منها لم يكن موليا ولو تظاهر منها لم يكن مظاهرا ولو قذفها كان عليه الحد ولو ماتت لم يرثها فلما كانت خارجة من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى الزوجة فقال { ولهن الربع } وإنما خاطب الله عز ذكره الزوجة فكانت غير زوجة في جميع الأحكام لم ترث وهذا قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف طلقها على أهنا لا ترث إن شاء الله عنده .

( قال الشافعي ) واختلف أصحابنا فيها إن نكحت فالذي أختار إن ورثت بعد مضي العدة أن ترث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فلا ترثه فترث زوجين وتكون كالتاركة لحقها بالتزويج وقد قال بعض أصحابنا ترثه وإن تزوجت عددا وترث أزواجا ، وقال غيرهم ترث في العدة لا ترث بعدها . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن المرأة يطلقها الرجل فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان فقال ابن الزبير فأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة . وقال غيرهم إن كانت مبتوتة لم ترثه في عدة ولا غيرها وهذا قول يصح لمن قال به ، وقد ذهب إليه بعض أهل الآثار والنظر فقال : وكيف ترثه امرأة لا يرثها ولا يحل له وإنما ورث الله تعالى عز ذكره الأزواج وهي ليست بزوجة وجعل على الأزواج العدة ؟ فإن قلتم لا تعتد لأنها ليست بزوجة فكيف ترثه من لا تعتد منه من وفاته ؟ فإن قلتم تعتد فكيف تعتد منه غير زوجة له ؟ وإن مضت بها ثلاث حيض قبل موته أفتعتد امرأة أربعة أشهر وعشرا بعد ثلاث حيض ، وإن كانت إذا مضت لها ثلاث حيض وهو مريض فنكحت جاز لها النكاح أفتعتد منه إن توفي وهي تحل لغيره ؟ ومن ورثها في العدة أو بعد مضيها انبغى أن يقول أورثها بالاتباع ولا أجعل عليها عدة لأنها ليست من الأزواج وإنما جعل الله تعالى العدة على الأزواج ، وإذا مات عنها فلم تعلم وقت موته اعتدت من يوم تستيقن موته أربعة أشهر وعشرا .

( قال ) وإن لم يبلغها موته حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ثم قامت بينة بموته فقد مضت عدتها ولا تعود لعدة ولا إحداد .

( قال الشافعي ) وكذا المطلقة في هذا كله ، ولو ارتد زوج المرأة عن الإسلام أمرناها تعتد عدة الطلاق فإن قضتها قبل أن يرجع إلى الإسلام فقد بانت منه وإن لم تقضها حتى تاب الزوج بالرجوع إلى الإسلام ثم مات قبل مضي آخر عدتها أو بعده فسواء وترثه في هذا كله لأنها زوجته بحالها ، ولو اختلفت هي وورثة الزوج [ ص: 242 ] فقالوا قد مضت عدتك قبل أن يتوب وقالت لم تمض حتى تاب وهم يتصادقون على توبة الزوج فالقول قول المرأة مع يمينها ، ولو أقرت بانقضاء العدة قبل أن يتوب فلا شيء لها في ماله وكانت عليها عدة الوفاة والإحداد تأتي فيها بثلاث حيض لأنها مقرة بأن عليها العدتين في إقرارتين مختلفين ، ولو لم يمت ولكن قالت قد انقضت عدتي قبل أن يتوب ثم قالت بعد ما تاب وقبل أن يموت لم تنقض عدتي كانت امرأته بحالها وأصدقها أن عدتها لم تنقض . وهكذا كل مطلقة لزوجها عليها الرجعة قالت قد انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض فلزوجها الرجعة ، وإن قالت قد انقضت عدتي فكذبها الزوج أحلفت فإن حلفت فالقول قولها مع يمينها وإن لم تحلف حلف هو على البت ما انقضت عدتها فإن نكل لم ترد عليها .
وإذا مات الرجل وله امرأتان قد طلق إحداهما طلاقا لا يملك فيه الرجعة ولا تعرف بعينها اعتدتا أربعة أشهر وعشرا تكمل كل واحدة منهما فيها ثلاث حيض والله الموفق .
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

( قال ) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة .

( قال ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لأنه مالك ماله ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لأن ماله مملوك لغيره وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال له والله تعالى أعلم . أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن { الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال كيف قلت ؟ قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به . قال : وبهذا نأخذ .

( قال ) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزل حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .

( قال ) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه كان له [ ص: 243 ] المسكن أو لم يكن ، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما يسعها .

( قال ) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها .

( قال ) وهذا إذا كان قد أسكنها مسكنا له أو منزلا قد أعطى كراءه .

( قال ) وذلك أنها قد ملكت عليه سكناها فيما يكفيها طلاقها كما يملك من اكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضي كراؤه .

( قال ) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس . فلأهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر .

( قال ) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفي العدة من طلاقه .

( قال ) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين .

أحدهما : ما وصفت في الطلاق لا يخالفه . ومن قال هذا قال : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على أن للمتوفى عنها السكنى .

( قال ) ويجعل لها السكنى في مال الميت بعد كفنه من رأس ماله ويمنع منزلها الذي تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء . والقول الثاني : أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم امكثي في بيتك يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها . فإن كان لها المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها .

( قال ) وإذا أسكنها ورثته فلهم أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك ، وإن لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر .

( قال ) ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط .

( قال ) ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه ، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أو أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها . فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه .

( قال ) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل ، كل هذا في أن تعتد فيه سواء .

( قال ) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه . وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في أن تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر .

وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شيء أكملته في بيته وإن لم يبق منها شيء فقد انقضت عدتها .

( قال ) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لأن نقلة المسافر هكذا . [ ص: 244 ] وإن رجعت قبل أن ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لأنه لم يأذن لها بالسفر إذن مقام فيه إلا مقام مسافر ، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا فإذا بلغت ذلك المصر . فله - إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له - أن ينزلها حيث يرضى من المصر حتى تنقضي عدتها ، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر ، وإن لم يكن حاضرا ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق ولد ليس منه .
وإذا أذن الرجل لامرأته أن تنتقل إلى أهلها أو غيرهم أو منزل من المنازل أو قال أقيمي في أهلك أو في منزل فلم تخرج حتى طلقها طلاقا لا رجعة له عليها فيه أو مات اعتدت في منزله . وإن خرجت إلى ذلك الموضع فبلغته أو لم تبلغه . ثم طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة أو مات عنها مضت إليه وحين زايلت منزله بإذنه إلى حيث أمرها أن تنتقل أو تقيم فمنزلها حيث أمرها وسواء في هذا كله أخرجت متاعها أو تركته أو منعها متاعها أو تركها وإياه . وهكذا إن قال لها : أقيمي فيه حتى يأتيك أمري وقوله هذا وسكوته سواء لأن المقام ليس بموضع زيارة وليس عليها - لو نقلها ثم أمرها - أن تعود إلى منزله أن تعود إليه وسواء قال إنما قلت هذا لها لتزور أهلها أو لم يقله إذا طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها لم يكن له نقلها عن الموضع الذي قال لها انتقلي إليه أقيمي فيه حتى يراجعها فينقلها إن شاء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إن كان أذن لها في زيارة أهلها أو غيرهم أو النزهة إلى موضع في المصر أو خارجا منه فخرجت إلى ذلك الموضع الذي أذن لها فيه ثم مات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة . فعليها أن ترجع إلى منزله فتعتد فيه لأن الزيارة ليست مقاما . فإن قال في هذا كله قبل الطلاق أو الموت إنما نقلتها إليه ولم تعلم هي كان لها أن تقيم حيث أقر أنه أمرها أن تنتقل لأن النقلة إليه وهي متنقلة لم يكن لها أن ترجع ، ولو أذن لها بعد الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة أو يملكها قبل أن يرتجعها أو قال لها في مرضه إذا مت فانتقلي حيث شئت فمات لم يكن لها أن تعتد في غيره .

( قال ) ولو كان أذن لها فيما وصفت فنوت هي النقلة وقالت أنا أنتقل ولم ينو هو النقلة . وقال هو إنما أرسلتك زائرة . ثم مات أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة كان عليها أن ترجع فتعتد في بيته لأن النقلة ليست لها إلا بإذنه .

( قال ) وإذنه لها في المصر إلى موضع معلوم وإلى أين شاءت سواء إن أذن لها في النقلة ثم طلقها لم يكن عليها أن ترجع إلى منزله حتى تنقضي عدتها إلا أن يراجعها فيكون أحق بها . وإن أذن لها في الزيارة أو النزهة ثم طلقها فعليها أن ترجع إلى منزله لأن الزيارة والنزهة ليست بنقلة ولو انتقلت لم يكن ذلك لها ولا له وكان عليها أن ترجع فتعتد في بيته
( قال ) ولو كان أذن لها أن تخرج إلى الحج فلم تخرج حتى طلقها أو مات عنها . لم يكن لها أن تخرج ، ولو خرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه إلا أنها قد فارقت منزله بإذنه للخروج إلى الحج ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهها وتقيم فيه مقام الحاج ولا تزيد فيه وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله إلا أن يكون أذن لها في هذا أن تقيم بمكة أو في بلد غيرها إذا قضت الحج فتكون هذه كالنقلة وتقيم في ذلك البلد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تخرج إلى الحج بعد مضي العدة إلا مع ذي محرم إلا أن تكون حجة الإسلام وتكون مع نساء ثقات فلا بأس أن تخرج مع غير ذي محرم ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة الإسلام لم يكن لها أن تخرج إلا مع ذي محرم ، فإن خرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله . ولو بلغت ذلك الموضع وقد سمى لها وقتا تقيمه في ذلك الموضع أو قال زوري أهلك فنوت هي النقلة أو لم تنوها أو خرجت إليه فلا أنظر إلى نيتها هي في النقلة





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #223  
قديم 09-03-2023, 10:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (223)
صــــــــــ 245 الى صـــــــــــ 257




لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ لَهَا إلَّا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ قَدْ أَذِنْت لَهَا فِي النُّقْلَةِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَعْتَدُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ إلَيْهِ وَلَا تَعْتَدُّ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَقَالَتْ هِيَ قَدْ أَذِنَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَعْتَدُّ حَيْثُ أَذِنَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ إذَا كَانَتْ هِيَ قَدْ انْتَقَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ أَوْ يَمُوتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُ وَلَا إكْذَابُهَا وَإِنْ أَكْذَبُوهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي إلَى مِصْرِ كَذَا أَوْ مَوْضِعِ كَذَا فَخَرَجَتْ إلَيْهِ أَوْ مَنْزِلِ كَذَا مِنْ مِصْرٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا حُجِّي وَلَا أَقِيمِي وَلَا تَرْجِعِي مِنْهُ وَلَا لَا تَرْجِعِي إلَّا أَنْ تَشَائِي وَلَا تَزُورِي فِيهِ أَهْلَك أَوْ بَعْضَ مَعْرِفَتِك وَلَا تَتَنَزَّهِي إلَيْهِ. كَانَتْ هَذِهِ نَقْلَةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ طَلَاقِهِ وَوَفَاتِهِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ إنَّمَا كَانَ لِزِيَارَةٍ أَوْ لِمُدَّةٍ نُقِيمُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا بَلَغَهَا الْوَفَاةُ فَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ وَفِي مَقَامِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي أَمَرَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَرْجِعْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَا لَا تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا رَجَعَتْ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ إلَى مُدَّةٍ فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي الْمِصْرِ اُسْكُنِي هَذَا الْبَيْتَ شَهْرًا أَوْ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. كَانَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ فِي السَّفَرِ أَقِيمِي فِي بَلَدِ كَذَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَهَذَا كُلُّهُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ لِزَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَى حَيْثُ شَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ أَوْ مِنْ سَفَرٍ أَذِنَ لَهَا إلَيْهِ أَوْ مِنْ مَنْزِلٍ حَوَّلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدِي كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ فِي الَّتِي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا
(قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بَدْوِيَّةً لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَتَّى يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ انْتَوَى أَهْلُهَا انْتَوَتْ وَذَلِكَ أَنَّ هَكَذَا سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا سَكَنُهُمْ سَكَنُ مَقَامٍ مَا كَانَ الْمَقَامُ غِبْطَةً فَإِذَا كَانَ الِانْتِوَاءُ غِبْطَةً انْتَوَوْا.
(أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا أَنْ تَنْتَوِيَ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ سَكَنُ مُقَامٍ غِبْطَةً وَظَعْنٍ غِبْطَةً، وَأَنَّ الظَّعْنَ إذَا أَجْدَبَ مَوْضِعُهَا أَوْ خَفَّ أَهْلُهَا عُذْرٌ بِأَنَّهَا تَبْقَى بِمَوْضِعٍ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِ سَتِيرٍ بِنَفْسِهَا وَلَا مَعَهَا مَنْ يَسْتُرُهَا فِيهِ.
(قَالَ): فَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَذَاءِ عَنْ أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنْ يَتَهَدَّمَ الْمَسْكَنُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ وَتَحْدُثَ الْفِتْنَةُ فِي نَاحِيَتِهَا أَوْ الْمُكَاثَرَةُ أَوْ فِي مِصْرِهَا أَوْ تَخَافَ سُلْطَانًا أَوْ لُصُوصًا فَلَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْ الْمِصْرِ إنْ كَانَ عَامًّا فِي الْمِصْرِ وَعَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا إلَى نَاحِيَةٍ آمَنَ مِنْهَا وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ شَاءَ إذَا كَانَ مَوْضِعًا آمِنًا.
وَيُجْبَرُ زَوْجُهَا عَلَى الْكِرَاءِ لَهَا إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ أَوْ غُصِبَ عَلَيْهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْرِجَ الْمَرْأَةَ فِي الْعِدَّةِ فِي كُلِّ مَا لَزِمَهَا مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ خُصُومَةٍ.
(قَالَ): وَإِذَا أُخْرِجَتْ الْمَرْأَةُ فِيمَا يَلْزَمُهَا مِنْ حُكُومَةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمِصْرِ فَانْقَضَى مَا أُخْرِجَتْ لَهُ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا حَيْثُ كَانَ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُخْرِجُهَا إلَيْهِ بِالْمِصْرِ فَمَتَى انْصَرَفَتْ مِنْ عِنْدِهِ انْصَرَفَتْ إلَى بَيْتِهَا.
(قَالَ): وَكُلُّ مَا جَعَلْت عَلَى الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فِيهِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ قَضَيْت بِذَلِكَ فِي مَالِهِ إنْ غَابَ وَكُلُّ مَا جَعَلْت لِلزَّوْجِ تَصْيِيرُ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَازِلِ إذَا كَانَ الْعُذْرُ الَّذِي تَنْتَقِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ جَعَلْت لِمَنْ أَسْكَنَهَا أَجْنَبِيًّا مُتَطَوِّعًا كَانَ الَّذِي أَسْكَنَهَا أَوْ السُّلْطَانُ وَلَمْ أَقْضِ عَلَى الزَّوْجِ بِكِرَاءِ سَكَنِهَا وَقَضَيْت عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ
نَفَقَةٌ.
(قَالَ): وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَأَسْكَنَهَا وَارِثُهُ مَنْزِلَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَوَارِثُهُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ. فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً مَعَهُ فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ لَا تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ وَرَجَعَتْ فَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ فِي سَفِينَةٍ.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ خَرَجَ بِامْرَأَتِهِ إلَى بَادِيَةٍ زَائِرًا أَوْ مُتَنَزِّهًا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالنُّقْلَةِ وَلَا كَالسَّفَرِ يَأْذَنُ لَهَا بِهِ إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ مِثْل النَّقْلَةِ وَهَذِهِ زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ.
الْإِحْدَادُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَسُكْنَى الْمُطَلَّقَةِ بِغَايَةٍ إذَا بَلَغَتْهَا الْمُعْتَدَّةُ حَلَّتْ وَخَرَجَتْ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِسُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَمَا وَصَفْت وَلَمْ يَذْكُرْ إحْدَادًا فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَحِدَّ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَالْهَيْئَةِ فَكَانَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقَةِ سَكَنٌ بِالْكِتَابِ وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ كَمَا وَصَفْت وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إحْدَادٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ. وَكَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ إذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى وَكَانَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا فِي عِدَّةٍ غَيْرِ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا عَلَيْهِ فِيهِ الرَّجْعَةَ إحْدَادٌ كَهُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَأَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا فِيهِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ تَحِدُّ إحْدَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ لِمَا وَصَفْت وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ.
(قَالَ): «قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» «وَقَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْت لِزَيْنَبِ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَقْبِضُ بِهِ فَقَلَّمَا تَقْبِضُ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْحِفْشُ الْبَيْتُ
الصَّغِيرُ الذَّلِيلُ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْقَبْصُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا وَالْقَبْضُ الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتَرْمِي بِالْبَعْرَةِ مِنْ وَرَائِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ الْغَايَةَ الَّتِي لَهَا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً زِمَامَ الزَّوْجِ بِطُولِ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ كَمَا تَرَكَتْ الْبَعْرَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَوْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الزَّوْجُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَنَةً فَأَقَرَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ فِي غَيْرِ عِدَدِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكٌ لِزِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ بِزِينَةٍ أَوْ طِيبٍ مَعَهَا عَلَيْهَا يَظْهَرُ بِهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا اللُّبْسُ نَفْسُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ فَزِينَةُ الْبَدَنِ الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ فَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ طِيبٍ وَلَا غَيْرِهِ زَيْتٍ وَلَا شَيْرَقٍ وَلَا غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ تَقُومُ مَقَامًا وَاحِدًا فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ، وَإِذْهَابُ الشَّعْرِ كَرُّهَا وَذَلِكَ هُوَ الزِّينَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ وَهَكَذَا رَأَيْت الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي بِأَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنِ طِيبٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّرْجِيلِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ.
(قَالَ): فَأَمَّا بَدَنُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْهُنَهُ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَا لَا طِيبَ فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ كَمَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَادُّ تُخَالِفُ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ زِينَةٍ لِلْبَدَنِ وَلَا طِيبٍ تَظْهَرُ رِيحُهُ فَيَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا، فَأَمَّا الدُّهْنُ الطَّيِّبُ وَالْبَخُورُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِبَدَنِهَا لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ طِيبٌ يَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا وَيُنَبِّهُ بِمَكَانِهَا وَإِنَّمَا الْحَادُّ مِنْ الطِّيبِ شَيْءٌ أَذِنَتْ فِيهِ الْحَادُّ وَالْحَادُّ إذَا مَسَّتْ الطِّيبَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ وَلَمْ يُنْتَقَضْ إحْدَادُهَا وَقَدْ أَسَاءَتْ.
(قَالَ): وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ لَهَا مِثْلُ الْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ فِي عَيْنِهَا، فَأَمَّا الْكُحْلُ الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِينَةٌ بَلْ هُوَ يَزِيدُ الْعَيْنَ مُرَّهَا وَقُبْحَهَا وَمَا اضْطَرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ اللَّيْلَ وَمَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ وَمَا أَرَادَتْ بِهِ الدَّوَاءَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ يُطَيِّبُ وَأُذِنَ لَهَا أَنْ تَجْعَلَهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ فِي بَدَنِهَا شَيْءٌ لَا يُرَى فَجَعَلَتْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَأَمَرَهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ.
(قَالَ): وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ. إحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ عَلَى اللَّابِسِ الَّتِي تَجْمَعُ الْجَمَالَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ الثِّيَابُ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزْيِينَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا تَقُولُ تَزَيَّنَّ مَنْ زَيَّنَ الثِّيَابَ الَّتِي هِيَ الزِّينَةُ بِأَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّبْغِ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ وَإِنْ جَادَ مِنْ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ مَنْسُوجٍ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صِبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ مَرْوِيِّ
إبريسم أو حشيش أو صوف أو وبر أو شعر أو غيره، وكذلك كل صبغ لم يرد به تزيين الثوب مثل السواد وما أشبهه فإن من صبغ بالسواد إنما صبغه لتقبيحه للحزن وكذلك كل ما صبغ لغير تزيينه إما لتقبيحه وإما لنفي الوسخ عنه مثل الصباغ بالسدر وصباغ الغزل بالخضرة تقارب السواد لا الخضرة الصافية وما في مثل معناه فأما كل صباغ كان زينة أو وشي في الثوب بصبغ كان زينة أو تلميع كان زينة مثل العصب والحبرة والوشي وغيره فلا تلبسه الحاد غليظا كان أو رقيقا.
(قال): والحرة الكبيرة المسلمة والصغيرة والذمية والأمة المسلمة في الإحداد كلهن سواء من وجبت عليه عدة الوفاة وجب عليه الإحداد لا يختلفن. ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن على المعتدة من الوفاة تكون بإحداد أن لا تعتد امرأة بغير إحداد لأنهن إن دخلن في المخاطبات بالعدة دخلن في المخاطبات بالإحداد ولو تركت امرأة الإحداد في عدتها حتى تنقضي أو في بعضها كانت مسيئة ولم يكن عليها أن تستأنف إحدادا لأن موضع الإحداد في العدة فإذا مضت أو مضى بعضها لم تعد لما مضى.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كان المتوفى عنها أو المطلقة مغمى عليها أو مجنونة فمضت عدتها وهي بتلك الحال لا تعقل حلت ولم يكن عليها استئناف عدة ولا إحداد من قبل أن العدة إنما هي وقت يمر عليها تكون فيه محتبسة عن الأزواج كما تكون الزكاة في وقت إذا مر على رب المال زكاة وسواء كان معتوها أو كان يعقل لأنه لا عمل له في وقت يمر عليه وإذا سقط عن المعتوه العمل في الصلاة سقط عن المعتدة العمل في الإحداد، وينبغي لأهلها أن يجتنبوها في عدتها ما تجتنب الحاد، وعدة المتوفى عنها والمطلقة من يوم يموت عنها زوجها أو يطلقها فإن لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى تنقضي عدتها لم يكن عليها عدة، وكذلك لو لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى يمضي بعض عدتها أكملت ما بقي من عدتها حادة ولم تعد ما مضى منها.
(قال الشافعي): وإن بلغها يقين وفاته أو طلاقه ولم تعرف اليوم الذي طلقها فيه ولا مات عنها اعتدت من يوم استيقنت بطلاقه ووفاته حتى تكمل عدتها ولم تعتد بما تشك فيه كأنه شهد عندها أنه مات في رجب وقالوا لا ندري في أي رجب مات فتعتد في آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة في آخر ساعات نهاره حلت فكانت قد استكملت أربعة أشهر وعشرا.
اجتماع العدتين
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ألبتة فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما " ثم قال عمر بن الخطاب " أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان الزوج الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من زوجها الآخر ثم لم ينكحها أبدا.
(قال الشافعي): قال سعيد ولها مهرها بما استحل منها.
(قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء بن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي - رضي الله تعالى عنه -
أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شيء من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جهلا ذلك وبنى بها فأبى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا قال وبقول عمر وعلي نقول في المرأة تنكح في عدتها تأتي بعدتين معا وبقول علي نقول إنه يكون خاطبا من الخطاب ولم تحرم عليه. وذلك أنا إذا جعلنا النكاح الفاسد يقوم مقام النكاح الصحيح في أن المنكوحة نكاحا فاسدا إذا أصيبت عدة كعدتها في النكاح الصحيح فنكحت امرأة في عدتها فأصيبت فقد لزمتها عدة الزوج الصحيح ثم لزمها عدة من النكاح الفاسد فكان عليها حقان بسبب زوجين ولا يؤديهما عنها إلا بأن تأتي بهما معا وكذلك كل حقين لزماها من وجهين لا يؤديهما عن أحد لزماه أحدهما دون الآخر. ولو أن امرأة طلقت أو ميت عنها فنكحت في عدتها ثم علم ذلك فسخ نكاحها فإن كان الزوج الآخر لم يصبها أكملت عدتها من الأول ولا يبطل عنها من عدتها شيء في الأيام التي عقد عليها فيها النكاح الفاسد لأنها في عدتها ولم تصب فإن كان أصابها أحصت ما مضى من عدتها قبل إصابة الزوج الآخر وأبطلت كل ما مضى منها بعد إصابته حتى يفرق بينه وبينها واستأنفت البنيان على عدتها التي كانت قبل إصابته من يوم فرق بينه وبينها حتى تكمل عدتها من الأول ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر فإذا أكملتها حلت منها، والآخر خاطب من الخطاب إذا مضت عدتها من الأول وبعد لا تحرم عليه لأنه إذا كان يعقد عليها النكاح الفاسد فيكون خاطبا إذا لم يدخل بها فلا يكون دخوله بها في النكاح الفاسد أكثر من زناه بها وهو لو زنى بها في العدة كان له أن ينكحها إذا انقضت العدة.
(قال): فإذا انقضت عدتها من الأول فللآخر أن يخطبها في عدتها منه وأحب إلي لو كف عنها حتى تنقضي عدتها من مائه الفاسد ولو كانت هذه الناكح في عدتها المصابة لا تحيض فاعتدت من الأول شهرين ثم نكحها الآخر فأصابها ثم فرقنا بينهما فقلنا لها استأنفي شهرا من يوم فارقك تكملين به الشهرين الأولين اللذين اعتددت فيه من النكاح الصحيح فحاضت قبل أن تكمل الشهرين سقطت عدتها بالشهور وابتدأت من الأول عدتها ثلاث حيض إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت من الأول ثم كانت في حيضتها الثالثة خلية من الأول وغير معتدة من الآخر وللآخر أن يخطبها في حيضتها الثالثة فإذا طهرت منها اعتدت من الآخر ثلاثة أطهار وإذا طعنت في الدم بعد ما تكمل الطهر الثالث حلت من الآخر أيضا لجميع الخطاب.
(قال الشافعي): ولو كانت تحيض فاعتدت حيضة أو اثنتين ثم أصابها الزوج الآخر فحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل فإذا وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها فهو للأول، وإن كانت وضعته لستة أشهر من يوم نكحها الآخر فأكثر إلى أقل من أربع سنين من يوم فارقها الأول دعا له القافة وإن كانت وضعته لأكثر من أربع سنين ساعة من يوم فارقها الأول فكان طلاقه لا يملك الرجعة فهو للآخر وإن كان طلاقه يملك الرجعة وتداعياه أو لم يتداعياه ولم ينكراه، ولا واحد منهما يفتوك القافة فبأيهما ألحقوه به لحق وإن ألحقوه بالأول فقد انقضت عدتها من الأول وحل للآخر خطبتها وتبتدئ عدة من الآخر فإذا قضتها حلت خطبتها للأول وغيره فإن ألحقوه بالآخر فقد انقضت عدتها من الآخر وتبتدئ فتكمل على ما مضى من عدة الأول، وللأول عليها الرجعة في عدتها منه إن كان طلاقه يملك الرجعة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن لم يلحقوه
بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم تكن قافة أو مات قبل أن تراه القافة أو ألقته ميتا فلم تره القافة فلا يكون ابن واحد منهما في هذه الحال. ولو كان أوصى له بشيء فولد فملكه ثم مات وقف عنهما معا حتى يصطلحا فيه، وإن كان مات بعد ولادة وقبل موت قريب له يرثه المولود وقف له ميراثه حتى يتبين أمره فإن لم يتبين أمره لم يعط شيئا من ميراثه من لا يعرف وارث له أو ليس بوارث.
(قال الربيع) فإن لم يلحقاه بأحد منهما رجعا عليه بما أنفقا عليها ولم تحل من عدتها به.
(قال الشافعي): ونفقة أمة حبلى في قول من يرى النفقة للحامل في النكاح الفاسد عليهما معا فإن لم يلحق بواحد منهما لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء من نفقتها وإن ألحق بأحدهما رجع الذي نفي عنه على الذي لحق به بما سقط من نفقتها والقول في رضاعه - حتى يتبين أمره - كالقول في نفقة أمه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأما أنا فلا أرى على الناكح نكاحا فاسدا نفقة في الحمل والنفقة على الزوج الصحيح النكاح فلا آخذه بنفقتها حتى تلد فإن ألحق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها هو وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقة حتى ينتسب إليه الولد فأعطيها النفقة، وإن ألحق بصاحبه فلا نفقة عليه لأنها حبلى من غيره، وإذا كان أمر الولد مشكلا كما وصفت فقد انقضت إحدى العدتين بوضع الحمل وتستأنف الأخرى بعد وضع الحمل ولا رجعة للأول عليها في العدة الأخرى بعد الحمل وإنما قلت تستأنف العدة لأني لا أدري العدة بالحمل من الأول هي فتستأنف العدة من الآخر أو من الآخر فتبني فلما أشكلت جعلناها تستأنف وتلغي ما مضى من عدتها قبل الحمل ولا يكون الآخر خاطبا حتى ينقضي آخر عدتها.
(قال الربيع) وهذا إذا أنكراه جميعا فأما إذا ادعياه فكل واحد منهما مقر بأن النفقة تلزمه.
(قال الشافعي): ولو ادعاه أحدها وأنكره الآخر أريته القافة وألحقته بمن ألحقوه به ولا حد على الذي أنكره من قبل أن يعزيه إلى أب قبل أن يتبين له أب غيره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا القول لو نكحت ثلاثة أو أربعة فمضت عدتها من الأول ومن كل من أصابها ممن بعده ولا عدة عليها ممن لم يصبها منهم.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو كان النكاحان جميعا فاسدين الأول والآخر كان القول فيه كالقول في النكاح الصحيح والفاسد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة إلا أن عدة الأمة نصف عدة الحرة في الشهور وحيضتان في الحيض ومثلها في وضع الحمل فتصنع الأمة في عدتها مثل ما تصنع الحرة في عدتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلق الرجل المرأة فأقرت بانقضاء العدة ونكحت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأقل من أربع سنين من يوم طلقت فهو للأول وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول فليس للأول ولا للآخر.
باب سكنى المطلقات ونفقاتهن.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الآية وقال عز ذكره في المطلقات {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}.
يتبع









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #224  
قديم 09-03-2023, 10:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (224)
صــــــــــ 251 الى صـــــــــــ 256




(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فذكر الله عز وجل المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من
وجدهن وحرم عليهم أن يخرجوهن وعليهن أن لا يخرجن إلا بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل أن إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى لأن الساكن إذا قيل أخرج من مسكنه فإنما قيل منه مسكنه وكما كان كذلك إخراجه إياها وكذلك خروجها بامتناعها من السكن فيه وسكنها في غيره فكان هذا الخروج المحرم على الزوج والزوجة رضيا بالخروج معا أو سخطاه معا أو رضي به أحدهما دون الآخر فليس للمرأة الخروج ولا للرجل إخراجها إلا في الموضع الذي استثنى الله عز ذكره من أن تأتي بفاحشة مبينة وفي العذر فكان فيما أوجب الله تعالى على الزوج والمرأة من هذا تعبدا لهما، وقد يحتمل مع التعبد أن يكون لتحصين فرج المرأة في العدة وولد إن كان بها والله تعالى أعلم.
(قال): ويحتمل أمر الله عز وجل بإسكانهن وأن لا يخرجن ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلا ولا نهارا ولا لمعنى إلا معنى عذر، وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب فقال لا يخرجن ليلا ولا نهارا بحال إلا من عذر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو فعلت هذا كان أحب إلي وكان احتياطا لا يبقى في القلب معه شيء، وإنما منعنا من إيجاب هذا عليها مع احتمال الآية لما ذهبنا إليه من إيجابه على ما قال ما وصفنا من احتمال الآيات قبل لما وصفنا، وأن عبد المجيد أخبرنا عن ابن جريج: قال أخبرنا أبو الزبير عن «جابر قال طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلا لها فزجرها رجل أن تخرج فأتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بلى فجدي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا».
(قال الشافعي): نخل الأنصار قريب من منازلهم والجداد إنما تكون نهارا.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال «استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلن يا رسول الله: إنا نستوحش بالليل أفنبيت عند أحدنا فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها».
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبيد الله أنه كان يقول لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق إلا في بيتها.
العذر الذي يكون للزوج أن يخرجها.
(قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن ابن عباس أنه كان يقول: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم أن عائشة كانت تقول اتقي الله يا فاطمة فقد علمت في أي شيء كان ذلك: قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن «فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك».
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال
يتبع
قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة؟ فقال تعتد في بيت زوجها فقلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟ فقال هاه ووصف أنه تغيظ، وقال فتنت فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وسليمان أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم ألبتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت: اتق الله يا مروان واردد المرأة إلى بيتها، فقال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن غلبني. وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة لا عليك أن لا تذكر شأن فاطمة فقال: إن كان إنما بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن نافع، أن ابنة لسعيد بن زيد كانت عند عبد الله فطلقها ألبتة فخرجت فأنكر ذلك عليها ابن عمر.
(قال الشافعي): فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون أن حديث فاطمة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بأن تعتد في بيت ابن أم مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان للشر ويزيد ابن المسيب يتبين استطالتها على أحمائها ويكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت في حديثها السبب الذي أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في غير بيت زوجها خوفا أن يسمع ذلك سامع فيرى أن للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت.
(قال الشافعي): وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت قيس إذ بذت على أهل زوجها فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم تدل على معنيين أحدهما أن ما تأول ابن عباس في قول الله عز وجل {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} هو البذاء على أهل زوجها كما تأول إن شاء الله تعالى قال: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها فلم يقل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتدي حيث شئت ولكنه حصنها حيث رضي إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها. فإذا بذت المرأة على أهل زوجها فجاء من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضرا إخراج أهله عنها فإن لم يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها أن تعتد حيث شاءت كان عليه كراء المنزل وإن كان غائبا كان لوكيله من ذلك ماله. وإن لم يكن له وكيل كان السلطان ولي الغائب يفرض لها منزلا فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحدا بالمدينة أكرى أحدا منزلا إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه. ولا يتكارى لها السلطان إلا بأخف ذلك على الزوج وإن كان بذاؤها حتى يخاف أن يتساعر ذلك بينها وبين أهل زوجها عذرا في الخروج من بيت زوجها كان كذلك كل ما كان في معناه وأكثر من أن يجب حد عليها فتخرج ليقام عليها أو حق فتخرج لحاكم فيه أو يخرجها أهل منزل هي فيه بكراء أو عارية ليس لزوجها أو ينهدم منزلها الذي كانت فيه أو تخاف في منزل هي فيه على نفسها أو مالها أو ما أشبه هذا من العذر فللزوج في هذه الحالات أن يحصنها حيث صيرها وإسكانها وكراء منزلها.
(قال): وإن أمرها أن تكاري منزلا بعينه فتكارته فكراؤه عليه متى قامت به عليه وإن لم يأمرها فتكارت منزلا فلم ينهها ولم يقل لها أقيمي فيه فإن طلبت الكراء وهي في العدة استقبل كراء منزلها من يوم تطلبه حتى تنقضي العدة وإن لم تطلبه حتى تنقضي العدة فحق لها تركته وعصت بتركها أن يسكنها فلا يكون لها وهي عاصية سكنى وقد مضت العدة، وإن أنزلها منزلا له بعد الطلاق أو طلقها في منزل له أو طلقها وهي زائرة

فكان عليها أن تعود إلى منزل له قبل أن يفلس ثم فلس فهي أحق بالمنزل منه ومن غرمائه كما تكون أحق به لو أكراها وأخذ كراءه منها من غرمائه أو أقر لها بأنها تملك عليه السكنى قبل أن يقوم غرماؤه عليه، وإن كان في المنزل الذي أنزلها فيه فضل عن سكناها كانت أحق بما يكفيها ويسترها من منزله وكان الغرماء أحق بما بقي منه لأنه شيء أعطاها إياه لم يستحق أصله عليه ولم يهبه لها فتكون أحق به إنما هو عارية، وما أعار فلم يملكه من أعيره فغرماؤه أحق به ممن أعيره ولو كان طلاقه إياها بعد ما يقف السلطان ماله للغرماء، كانت أسوة الغرماء في كراء منزل بقدر كرائه ويحصنها حيث يكاري لها، فإن كان لأهلها منزل أو لغير أهلها فأرادت نزوله وأراد إنزالها غيره فإن تكارى لها منزلا فهو أحق بأن ينزلها حيث أراد وإن لم يتكار لها منزلا ولم يجده لم يكن عليها أن تعتد حيث أراد زوجها بلا منزل يعطيها إياه حيث قدرت إذا كان قرب ثقة ومنزلا ستيرا منفردا أو مع من لا يخاف، فإن دعت إلى حيث يخاف منعته، ولو أعطاها السلطان في هذا كله كراء منزل كان أحب إلي وحصنها له فيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكل نكاح صحيح طلق رجل فيه امرأته مسلمة حرة أو ذمية أو مملوكة فهو كما وصفت في الحرة إلا أن لأهل الذمية أن يخرجوها في العدة ومتى أخرجوها فلا نفقة لها إن كانت حاملا ولا سكنى كان طلاق زوجها يملك الرجعة أو لا يملكها. وهكذا كل زوج حر مسلم وذمي وعبد أذن له سيده في النكاح فعليه من سكنى امرأته ونفقتها إذا كانت حرة أو أمة متروكة معه ما على الحر وليس نفقتها وهي زوجة له بأوجب من سكناها في الفراق ونفقتها عليه.
(قال الشافعي): وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة فهكذا القول في السكنى فأما طلاق يملك فيه الزوج الرجعة فحال المرأة في السكنى والنفقة حال امرأته التي لم تطلق لأنه يرثها وترثه في العدة ويقع عليها إيلاؤه وليس له أن ينقلها من منزله إلى غيره إلا أن تبذو أو يراجعها فيحولها حيث شاء. وله أن يخرجها قبل مراجعتها إن بذت عليه كما تخرج التي لا يملك رجعتها. والله سبحانه وتعالى الموفق.
نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} الآية إلى {فآتوهن أجورهن} قال فكان بينا والله تعالى أعلم في هذه الآية أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عز وجل لما أمر بالسكنى عاما ثم قال في النفقة {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} دل على أن الصنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا تجب نفقة لمن كان في غير صفتها من المطلقات.
(قال الشافعي): فلما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنه يرثها وترثه كانت الآية على غيرها من المطلقات ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها إلا مطلقة لا يملك الزوج رجعتها.
(قال الشافعي): والدليل من كتاب الله عز وجل كاف فيما وصفت من سقوط نفقة التي لا يملك الزوج رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة «عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص

طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال مالك علينا نفقة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليهم نفقة» أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج.
(قال): أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها.
(قال الشافعي): فكل مطلقة كان زوجها يملك رجعتها فلها النفقة ما كانت في عدتها منه، وكل مطلقة كان زوجها لا يملك رجعتها فلا نفقة لها في عدتها منه إلا أن تكون حاملا فيكون عليه نفقتها ما كانت حاملا. وسواء في ذلك كل زوج حر وعبد وذمي وكل زوجة أمة وحرة وذمية.
(قال): وكل ما وصفنا من متعة لمطلقة أو سكنى لها أو نفقة فليست إلا في نكاح صحيح ثابت. فأما كل نكاح كان منسوخا فليست فيه نفقة ولا متعة ولا سكنى وإن كان فيه مهر بالمسيس حاملا كانت أو غير حامل.
(قال): وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فأدعت حبلا وأنكره الزوج أو لم ينكره ولم يقر به ففيها قولان. أحدهما: أن تحصي من يوم طلقها وكم نفقة مثلها في كل شهر من تلك الشهور فإذا ولدت قضى لها بذلك كله عليه لأن الحمل لا يعلم بيقين حتى تلده.
(قال): ومن قال هذا قال: إن الله عز وجل قال {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} يحتمل فعليكم نفقتهن حتى يضعن حملهن ليست بساقطة سقوط من لا نفقة له غير الحوامل. وقال: قد قال الله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فلو مات رجل وله حبل لم يوقف للحبل ميراث رجل ولا ميراث ابنة لأنه قد يكون عددا ووقفنا الميراث حتى يتبين فإذا بان أعطيناه. وهكذا لو أوصى لحبل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا ولا يعطى إلا بيقين وقال: أرأيت لو أريها النساء فقلن بها حمل فأنفقنا عليها ثم انفش فعلمنا أن ليس بها حمل أليس قد علمنا أنا أعطينا من مال الرجل ما لم يجب عليه؟ وإن قضينا برده فنحن لا نقضي بشيء مثله ثم نرده؟ والقول الثاني: أن تحصي من يوم طلقها الزوج ويراها النساء فإن قلن بها حمل أنفق عليها حتى تضع حملها، وإن قلن لا يبين أحصي عليها وتركت حتى يقلن قد بان فإذا قلن قد بان أنفق عليها لما مضى من يوم طلقها إلى أن تضع حملها ثم لا نفقة عليه بعد وضعها حملها إلا أن ترضع فيعطيها أجر مثلها في الرضاعة أجرا لا نفقة، ولو طلقها ثم ظهر بها حبل فذكر له فنفاه وقذفها لاعنها ولا نفقة عليه إن كان لاعنها فأبرأناه من النفقة ثم أكذب نفسه حد ولحق به الحمل إن تم وأخذت منه النفقة التي أبطلت عنه، وكذلك إن كان إقراره بالكذب بعد رضاع الولد ألزمته رضاعة ونفقته، وهكذا لو أكذب نفسه بعد موت الولد أخذت منه نفقة الحمل والرضاع والولد، وإذا قال القوابل بالمطلقة التي لا يملك رجعتها حبل فأنفق عليها الزوج بغير أمر سلطان أو جبره الحاكم على النفقة عليها ثم علم أن لم يكن بها حبل رجع عليها في الحالين معا لأنه إنما أعطاها إياه على أنه واجب عليه فلما علم أنه لم يجب عليه رجع عليها بمثل ما أخذت منه إن كان له مثل، أو قيمته يوم دفعه إليها إن لم يكن له مثل، وكل زوجة صحيحة النكاح فرقت بينهما بحال كما ذكرناه في المختلعة والمخيرة والمملكة والمبتدأ طلاقها والأمة تخير فتختار الفراق والرجل يغر المرأة بنسب فيوجد دونه فتختار فراقه والمرأة تغر بأنها حرة فتوجد أمة أو تجده أجذم أو أبرص أو مجنونا فتختار فراقه أو يجدها كذلك فيفارقها فتكون حاملا في هذه الحالات فعلى الزوج نفقتها حتى تضع حملها.
(قال): وكل نكاح كان فاسدا بكل حال مثل النكاح بغير ولي أو بغير شهود أو نكاح المرأة ولم ترض أو كارهة فحملت فلها الصداق بالمسيس ولا نفقة
(قال أبو محمد) وفيها قول: أن لها النفقة بالحمل وإن كان نكاحا فاسدا لأنه يلحق به الولد فلما كان إذا طلقها غير حامل لم تكن زوجة فبرئت منه لم يكن لها نفقة علمنا أنه جعلت النفقة لو أقر بالحمل.
(قال الشافعي): وكل مطلقة يملك زوجها الرجعة كانت عدتها الشهور فحاضت بعد مضي شهرين استقبلت الحيض ثم عليه النفقة ما كانت في العدة ولو حاضت ثلاث حيض استبرأت نفسها من الريبة وكانت لها النفقة حتى تطعن في الدم من الحيضة الثالثة فإن ارتابت أمسكت عن النكاح ووقف عن نفقتها فإن بان بها حبل كان القول فيها كالقول فيمن بان بها حبل بالنفقة حتى يبين أو الوقف حتى تضع فإن انفش ما ظن من حملها ردت من النفقة ما أخذت بعد دخولها في الدم من الحيضة الثالثة.
(قال): وهكذا إن كانت عدتها الشهور فارتابت سواء لا يختلفان، ولو كانت عدتها الشهور فارتابت أمسكت عن الريبة فإن حاضت بعد ثلاثة أشهر فلها النفقة في الثلاثة حتى تنقضي ولا نفقة لها بعد الثلاثة ولا عدة عليها فإن ارتابت بحمل أمسكت ولم ينفق عليها حتى يبين ثم يكون القول فيه كالقول في الحمل إذا بان سواء من رأى أن لا ينفق عليها حتى تضع أمسك حتى تضع ثم أعطاها نفقة من يوم قطع النفقة عنها إلى أن وضعت، ومن رأى أن لا ينفق عليها إذا بان الحمل أعطاها النفقة منذ أمسك عنها إلى أن بان بها الحمل ومن حين بان الحمل إلى أن تضع فإن بطل الحمل ردت النفقة بعد الثلاثة الأشهر وينفق عليها حتى تضع آخر حملها وإن كان بين وضع ولادها أيام.
(قال): وإن كان بها حبل ولا يملك زوجها رجعتها فأنفق عليها زوجها من حين طلقها حتى جاوزت أربع سنين فلم تلد ردت النفقة من يوم طلقها لأنا لا نلحق به الحمل ولا نفقة لها في العدة إلا أن تكون حاملا منه.
امرأة المفقود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} قال وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزوج نفقة امرأته وحكم الله عز وجل بين الزوجين أحكاما منها اللعان والظهار والإيلاء ووقوع الطلاق.
(قال الشافعي): فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر. ولم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة أو طلاق. وقال الله عز وجل {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن} الآية وقال تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} إلى قوله {فلهن الثمن مما تركتم}.
(قال): فلم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع بهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث واحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه. فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بإسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأت له خبر أو جاء خبر أن غرقا كأن يرون أنه قد كان فيه ولا يستيقنون أنه فيه لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك كله وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة كما لو ظنت أنه طلقها أو

مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق، وكذلك إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج.
وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر وعشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه زوج، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير أنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فيء حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الإيلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له أصبها أو طلق.
(قال): وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته.
(قال): وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها، وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولا بعد ذلك، ولم أمنعها النفقة من قبل أنها زوجة الآخر ولا أن عليها منه عدة ولا أن بينهما ميراثا ولا أنه يلزمها طلاقه ولا شيء من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما منعتها النفقة من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة نفسها بالنكاح والعدة وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره على معنى أنها خارجة من الأول، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت. ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث، ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها وإن حكم لواحد منهما بالميراث من صاحبه رد الميراث فإن كان الزوج الميت رد ميراثه على ورثته وإن كانت هي الميتة وقف ميراث الزوج الأول حتى يعلم أحي هو فيرثها أو ميت فيرد على ورثتها غير زوجها الآخر، ولو مات زوجها الأول ورثته وأخرجناها من يدي الآخر بكل حال ولو تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء الأول كان الولد ولد الآخر لأنه فراش بالشبهة وردت على الزوج ومنع إصابتها حتى تعتد ثلاث حيض، وإن كانت ممن لا تحيض لإياس من المحيض أو صغر فثلاثة أشهر، وإن كانت حبلى فأن تضع حملها، وإذا وضعت حملها فلزوجها الأول منعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يغذه مرضع غيرها ثم يمنعها ما سوى ذلك، ولا ينفق عليها في أيام عدتها ولا رضاعها ولد غيره شيئا، ولو ادعى الزوج الأول والآخر الولد وقد ولدت وهي مع الآخر أريته القافة.
(قال): ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه ولو طلقها زوجها الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت، ولو ماتت امرأة المفقود والمفقود ولا يعلم أيهما مات أولا لم يتوارثا كما لم يتوارث من خفي موته من أهل الميراث من القتلى والغرقى وغيرهم إلا بيقين أن أحدهما مات قبل الأول فيرث الآخر الأول. ولو مات الزوج الأول والزوج الآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه النكاح الصحيح والعدة الأولى بالعقد الأول ثم اعتدت بعد ثلاث حيض تدخل
إحداهما في الأخرى لأنها وجبت عليها من وجهين مفترقين فلا يجزئها أن تأتي بإحداهما دون الأخرى لأنهما في وقت واحد ولو كان الزوج الأول مات أولا فاعتدت شهرا أو أكثر ثم ظهر بها حمل فوضعت حملها حلت من الذي حملت منه وهو الزوج الآخر فاعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا لأنها لا تستطيع تقديم عدتها من الأول وعليها عدة حمل من الآخر.
(قال): ولكن لو مات الأول قبل فاعتدت شهرا أو أكثر ثم رأت أن بها حملا قيل لها تربصي فإن تربصت وهي تراها حاملا ثم مرت بها أربعة أشهر وعشر وهي تحيض في ذلك وتراها تحيض على الحمل ثم حاضت ثلاث حيض وبان لها أن لا حمل بها فقد أكملت عدتها منهما جميعا وليس عليها أن تستأنف عدة أخرى تحد فيها كما لو مات عنها زوجها ولا تعلم هي حتى مرت أربعة أشهر وعشر قيل لها ليس عليك استئناف عدة أخرى. وهكذا لو ماتا معا ولم تعلم حتى مضت أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض بعد يقين موتهما معا لم تعد لعدة ولو مات الزوج الآخر اعتدت منه ثلاث حيض فإن أكملتها ثم مات الأول اعتدت عدة الوفاة وإن لم تكملها استقبلت عدة الوفاة من يوم مات الآخر لأنها عدة صحيحة. ثم اعتدت حيضتين تكملة الحيض التي قبلها من نكاح الآخر.
ولو أن امرأة المفقود ماتت عند الزوج الآخر ثم قدم الأول أخذ ميراثها وإن لم تدع شيئا لم يأخذ من المهر شيئا إذا لم يجد امرأته بعينها فلا حق له في مهرها فإن قال قائل: فهل قال غيرك هذا؟ قيل: نعم وروي فيه شيء عن بعض السلف، وقد روي عن الذي روي عنه هذا أنه رجع عنه فإن قال: فهل تحفظ عمن مضى مثل قولك في أن لا تنكح امرأة المفقود حتى تستيقن موته؟ قلنا: نعم عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أخبرنا يحيى بن حسان عن أبي عوانة عن منصور عن أبي المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال في امرأة المفقود: إنها لا تتزوج، أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير، أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال: إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلق الرجل المرأة طلاقا يملك فيه رجعتها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وورثت ولها السكنى والنفقة قبل أن يموت ما كانت في عدتها إذا كان يملك رجعتها فإذا مات فلا نفقة لها: وليس عليها أن تجتنب طيبا ولا لها أن تخرج من منزله ولو أذن لها وليس له منها ولا لها منه من نظر ولا من تلذذ ولا من خلوة شيء حتى يراجعها وهي محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى يراجعها، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها.
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما يحل







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #225  
قديم 09-03-2023, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (225)
صــــــــــ 258 الى صـــــــــــ 263




للرجل من المرأة يطلقها؟ قال لا يحل له منها شيء ما لم يراجعها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عمرو بن دينار قال مثل ذلك، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء وعبد الكريم قالا لا يراها فضلا.
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن كان في نفسه ارتجاعها ما يحل له منها قبل أن يراجعها وفي نفسه ارتجاعها؟ قال سواء في الحل إذا كان يريد ارتجاعها وإن لم يرده ما لم يراجعها.
(قال الشافعي): وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى؛ وإن أصابها في العدة فقال أردت ارتجاعها وأقر أنه لم يشهد فقد أخطأ ولها عليه مهر مثلها بما أصاب منها وتعتد من مائه الآخر وتحصي العدة من الطلاق الأول فإذا أكملت العدة من الطلاق لم يكن له عليها رجعة. وله عليها الرجعة ما لم تكملها وتكمل عدتها من الإصابة الآخرة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من الإصابة الآخرة وله هو أن يخطبها في عدتها من مائه الآخر، ولو ترك ذلك كان أحب إلي.
(قال الشافعي): وأكره للمرأة يملك زوجها رجعتها من التعريض للخلوة معه ما أكره للتي لا يملك رجعتها خوفا من أن يصيبها قبل أن يرتجعها، فإذا طلق الرجل امرأته تطليقة فحاضت حيضة أو حيضتين ثم راجعها ثم طلقها قبل أن يمسها ففيها قولان: أحدهما أنها تعتد من الطلاق الأخير عدة مستقبلة. والقول الثاني أن العدة من الطلاق الأول ما لم يدخل بها، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يقول تعتد من يوم طلقها. قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون تعتد من يوم طلقها. وإن لم يكن مسها قال سعيد: يقولون طلاقه الآخر قال سعيد: وكان ذلك رأي ابن جريج، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أرى أن تعتد من يوم طلقها.

(قال الشافعي): وقد قال هذا بعض المشرقيين. وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير، إن قول الله عز وجل {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} إنما نزلت في ذلك كان الرجل يطلق امرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل {الطلاق مرتان} أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه، قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها. ثم طلقها، قال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من كان منهم طلق ومن لم يطلق. قال ومن قال هذا انبغى أن يقول إن رجعته إياها في العدة مخالف لنكاحه إياها نكاحا جديدا مستقبلا. ثم يطلقها قبل أن يمسها وذلك أن حكمها في عدتها حكم الأزواج في بعض أمرها. وإنما تستأنف العدة لأنه قد كان مس قبل الطلاق الذي أتبعه هذا الطلاق فلزم فحكمه حكم الطلاق الواحد بعد الدخول وأي امرأة طلقت بعد الدخول اعتدت. ومن قال هذا أشبه أن يلزمه أن يقول ذلك وإن لم يحدث لها رجعة فيقول إذا طلقها بعد الدخول واحدة فحاضت حيضة أو حيضتين. ثم أتبعها أخرى استقبلت العدة من التطليقة الآخرة، وإن تركها حتى تحيض حيضة أو حيضتين ثم طلقها استقبلت العدة من التطليقة الآخرة ولم يبال أن لا يحدث بين ذلك رجعة ولا مسيسا، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة أو حيضتين قبل أن يموت فإن كان طلاقا يملك فيه الرجعة اعتدت عدة وفاة وورثت كما تعتد التي لم تطلق وترث ولو كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم تعتد عدة وفاة ولم ترث إن طلقها صحيحا. ولو طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فورثته لم تعتد عدة الوفاة لأنها غير زوجة وقد قيل في الرجل يطلق امرأته تطليقة
يملك فيها الرجعة أو تطليقتين ثم يرتجعها. ثم يطلقها أو يطلقها ولم يرتجعها العدة من الطلاق الأول ولا تعتد من الطلاق الآخر لأنه وإن ارتجعها فقد كانت حرمت عليه إلا بأن يرتجعها كما حرمت عليه في الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة إلا بنكاح ولو نكحها ثم طلقها قبل أن يصيبها لم تعتد فكذلك لا تعتد من طلاق أحدثه لها. وإن لزمها في العدة لم يحدث رجعة. ومن قال هذا ذهب إلى أن المطلق كان إذا ارتجع في العدة ثبتت الرجعة لما جعل الله عز وجل في العدة له من الرجعة وإلى أن قول الله عز وجل {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} لمن راجع ضرارا في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة ولكن عضلا عن أن تحل لغيره. وقد قال الله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن فذهب إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة وهذا معنى يحتمل الآية ولا يجوز إلا واحد من القولين، والله تعالى أعلم بالصواب.

عدة المشركات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت اليهودية أو النصرانية تحت المسلم فطلقها أو مات عنها فهي في العدة والسكنى والنفقة والإحداد مثل المسلمة لا خلاف بينهما وله عليها الرجعة في العدة كما يكون له على المسلمة.
(قال): وهكذا المجوسية تحت المجوسي والوثنية تحت الوثني لأزواجهن عليهن من الرجعة ما لزوج المسلمة وعليهن من العدد والإحداد ما على المسلمة لأن حكم الله تعالى على العباد واحد فلا يحل لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك أن يحكم له ولا عليه إلا بحكم الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية.
(قال): والقسط حكم الله تعالى الذي أنزل على نبيه. وقول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} قال: وأهواءهم، يحتمل سبيلهم فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحكم إلا بما أنزل الله إليه ولا يحل لمسلم أن يحكم إلا بحكم الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

(قال): وإذا طلق المسلم النصرانية ثلاثا فانقضت عدتها فنكحت نصرانيا فأصابها أحلها ذلك لزوجها المسلم ويحصنها لأنه زوج يحل له نكاحه ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين ومن سنته أن لا يرجم إلا محصنا فلو كانت إصابة الذمي لا تحصن المرأة لم يرجمها النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أحصنها أحلها مع إحلالها لأن الله عز وجل قال {حتى تنكح زوجا غيره} وأنه زوج نكحها.
أحكام الرجعة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا}.

(قال الشافعي): - رحمه الله - في قول الله عز وجل {إن أرادوا إصلاحا} فقال إصلاح

الطلاق: الرجعة، والله أعلم فمن أراد الرجعة فهي له لأن الله تبارك وتعالى جعلها له.

(قال الشافعي): - رحمه الله -: فأيما زوج حر طلق امرأته بعد ما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن ركانة طلق امرأته ألبتة ولم يرد إلا واحدة فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك عندنا في العدة والله تعالى أعلم.

(قال): وسواء في هذا كل زوجة تحت حر مسلمة أو ذمية أو أمة.
(قال): وطلاق العبد اثنتان. فإذا طلق واحدة فهو كالحر يطلق الحرة واحدة أو اثنتين ويملك من رجعتها بعد واحدة ما يملك الحر من رجعة امرأته بعد انقضاء واحدة أو اثنتين والحر الكافر الذمي وغير الذمي في الطلاق والرجعة كالحر المسلم، فإذا انقضت العدة فلا سبيل لزوج على امرأته إلا بنكاح جديد لأن الله عز وجل إذ جعل الرجعة له عليها في العدة فبين أن لا رجعة عليها بعدها مع قول الله عز وجل {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف}.
كيف تثبت الرجعة

(قال الشافعي): - رحمه الله - لما جعل الله عز وجل الزوج أحق برجعة امرأته في العدة كان بينها أن ليس لها منعه الرجعة ولا لها عوض في الرجعة بحال لأنها له عليها لا لها عليه ولا أمر لها فيما له دونها، فلما قال الله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} كان بينها أن الرد إنما هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره لأن ذلك رد بلا كلام فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة، والكلام بها أن يقول قد راجعتها أو قد ارتجعتها أو قد رددتها إلي أو قد ارتجعتها إلي فإذا تكلم بهذا فهي زوجة، ولو مات أو خرس أو ذهب عقله كانت امرأته، وإن لم يصبه من هذا شيء فقال لم أرد به رجعة فهي رجعة في الحكم إلا أن يحدث طلاقا.
(قال): ولو طلقها فخرجت من بيته فردها إليه ينوي الرجعة أو جامعها ينوي الرجعة أو لا ينويها ولم يتكلم بالرجعة لم تكن هذه رجعة حتى يتكلم بها.
(قال): وإذا جامعها بعد الطلاق ينوي الرجعة أو لا ينويها فالجماع جماع شبهة لا حد عليهما فيه، ويعزر الزوج والمرأة إن كانت عالمة، ولها عليه صداق مثلها، والولد لاحق وعليها العدة.
(قال الربيع) وفيها قول آخر إذا قال قد رددتها إلي أنها لا تكون رجعة حتى ينوي بها رجعتها فإذا قال قد راجعتها أو ارتجعتها هذا تصريح الرجعة كما لا يكون النكاح إلا بتصريح النكاح أن يقول قد تزوجتها أو نكحتها فهذا تصريح النكاح ولا يكون نكاحا بأن يقول قد قبلتها حتى يصرح بما وصفت لأن النكاح تحليل بعد تحريم، وكذلك الرجعة تحليل بعد تحريم فالتحليل بالتحليل شبيه فكذلك أولى أن يقاس بعضه على بعض ولا يقاس بالتحريم بعد التحليل كما لو قال قد وهبتك أو اذهبي أو لا حاجة لي فيك أنه لا يكون طلاقا حتى ينوي به الطلاق وهو لو أراد بقوله قد رددتك إلي الرجعة لم تكن رجعة ينوي به الرجعة.

(قال الشافعي): فإن طلقها واحدة فاعتدت حيضتين ثم أصابها ينوي الرجعة فحكمنا أن لا رجعة إلا بكلام فإن تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وإن لم يتكلم بها حتى تحيض الثالثة فلا رجعة له عليها ولها عليه مهر مثلها ولا تنكح حتى تكمل ثلاث حيض ولا تكون كالمرأة تعتد من رجلين فتبدأ عدتها من الأول فتكملها ثم تستقبل للآخر عدة لأن تينك العدتين لحق جعل لرجلين وفي ذلك نسب يلحق

أحدهما دون الآخر وهذا حق لرجل واحد ونسب واحد لا يتنازع لمن كان منه ولد ولو طلقها فحاضت حيضة ثم أصابها استأنفت ثلاث حيض من يوم أصابها وكانت له عليها الرجعة حتى تحيض حيضة وتدخل في الدم من الحيضة الثالثة ثم لم يكن له عليها رجعة ولم تحل لغيره حتى ترى الدم من الحيضة الثالثة من إصابته إياها وهي الرابعة من يوم طلقها وله عليها الرجعة ما بقي من العدة شيء وسواء علمت بالرجعة أو لم تعلم إذا كانت تعلم فتمتنع من الرجعة فتلزمها لأن الله تعالى جعلها له عليها فعلمها وجهالتها سواء وسواء كانت غائبة أو حاضرة أو كان عنها غائبا أو حاضرا.

(قال): وإن راجعها حاضرا وكتم الرجعة أو غائبا فكتمها أو لم يكتمها فلم تبلغها الرجعة حتى مضت عدتها ونكحت دخل بها الزوج الذي نكحته أو لم يدخل فرق بينها وبين الزوج الآخر ولها مهر مثلها إن أصابها لا ما سمى لها ولا مهر ولا متعة إن لم يصبها لأن الله عز وجل جعل للزوج المطلق الرجعة في العدة ولا يبطل ما جعل الله عز وجل له منها بباطل من نكاح غيره ولا بدخول لم يكن يحل على الابتداء لو عرفناه كانا عليه محدودين، وفي مثل معنى كتاب الله عز وجل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنكح الوليان فالأول أحق لا استثناء في كتاب الله عز وجل ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل زوج آخر أو لم يدخل ومن جعله الله عز ذكره ثم رسوله أحق بأمر فهو أحق به.
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك فنكحت قال هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل.

وجه الرجعة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ينبغي لمن راجع أن يشهد شاهدين عدلين على الرجعة لما أمر الله تعالى به من الشهادة لئلا يموت قبل أن يقر بذلك أو يموت قبل أن تعلم الرجعة بعد انقضاء عدتها فلا يتوارثان إن لم تعلم الرجعة في العدة، ولئلا يتجاحدا أو يصيبها فتنزل منه إصابة غير زوجة، ولو تصادقا أنه راجعها ولم يشهد فالرجعية ثابتة عليها لأن الرجعة إليه دونها، وكذلك لو ثبت عليها ما كانت في العدة إذا أشهد على أنه قال قد راجعتها فإذا مضت العدة فقال قد راجعتها وأنكرت فالقول قولها وعليه البينة أنه قال قد راجعتها في العدة. والله تعالى الموفق.
ما يكون رجعة وما لا يكون

(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته وهي في العدة من طلاقه إذا كان غد فقد راجعتك وإذا كان يوم كذا وكذا فقد راجعتك وإذا قدم فلان فقد راجعتك وإذا فعلت كذا فقد راجعتك فكان كل ما قال لم يكن رجعة، ولو قال لها إن شئت فقد راجعتك فقالت قد شئت. لم تكن رجعة حتى يحدث بعدها رجعة. وهذا مخالف قوله إن شئت فأنت طالق.

(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته إذا كان أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة بحال، ولو نوى إذا كان أمس يوم الاثنين فقد راجعتك لم يكن رجعة وليس بأكثر من قوله لها إذا كان غد فقد راجعتك فلا يكون رجعة، ولو قال كلما طلقتك فقد

راجعتك. لم يكن رجعة.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال لها في العدة قد راجعتك أمس أو يوم كذا ليوم ماض بعد الطلاق. كانت رجعة. وهكذا لو قال قد كنت راجعتك بعد الطلاق، ولو قال لها في العدة قد راجعتك كانت رجعة. فإن وصل الكلام فقال فقد راجعتك بالمحبة أو راجعتك بالأذى وراجعتك بالكرامة أو راجعتك بالهوان سئل فإذا أراد الرجعة وقال عنيت راجعتك بالمحبة مني لك أو راجعتك بالأذى في طلاقك أو ما أشبه هذا كانت رجعة، وإن قال أردت قد رجعت إلى محبتك بعد بغضك أو إلى أذاك كما كنت أو ما أشبه هذا لم يكن رجعة، وإذا طلق الأخرس امرأته بكتاب أو إشارة تعقل لزمه الطلاق وكذلك إذا راجعها بكتاب له أو إشارة تعقل لزمتها الرجعة، وإذا مرض الرجل فخبل لسانه فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق وإذا أشار إشارة تعقل أو كتب كتابا لزمها الطلاق وألزمت له الرجعة ولو لم يخبل ولكنه ضعف عن الكلام فأشار بطلاق أو برجعة إشارة تعقل أو كتب كتابا يعقل كانت رجعة حتى يعقل فيقول لم تكن رجعة فتبرأ منه بالطلاق الأول وكل زوج بالغ غير مغلوب على عقله تجوز رجعته كما يجوز طلاقه.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز رجعة المغلوب على عقله كما لا يجوز طلاقه، ولو أن رجلا صحيحا طلق امرأته ثم خبل عقله بجنون أو خبل أو برسام أو غيره مما يغلب على العقل غير المسكر ثم ارتجع امرأته في العدة لم تجز رجعته ولا تجوز رجعته إلا في الحين الذي لو طلق جاز طلاقه، وإن كان يجن ويفيق فراجع في حال جنونه لم تجز رجعته وإن راجع في حال إفاقته جازت رجعته، ولو اختلفا بعد مضي العدة فقالت راجعتني وأنت ذاهب العقل ثم لم تحدث لي رجعة وعقلك معك حتى انقضت عدتي وقال بل راجعتك ومعي عقلي فالقول قوله لأن الرجعة إليه دونها وهي في العدة تدعي إبطالها لا يكون لها إبطالها إلا ببينة.
دعوى المرأة انقضاء العدة

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلقت المرأة فمتى ادعت انقضاء العدة في مدة يمكن في مثلها أن تنقضي العدة فالقول قولها، ومتى ادعت انقضاء العدة في مدة لا يمكن في مثلها انقضاء عدتها لم تصدق ولا تصدق إلا في مدة يمكن فيها انقضاء العدة والقول قوله إذا ادعت ما لا يمكن مثله بحال، ولو طلق رجل امرأته فقالت من يومها قد انقضت عدتي لم يقبل منها حتى تسأل. فإن قالت قد أسقطت سقطا بان بعض خلقه أو ولدت ولدا ومات كان القول قولها إذا كان يلد مثلها فإن كانت صغيرة لا يلد مثلها أو عجوزا لا يمكن في مثلها أن تلد لم تصدق بحال، ولو قالت قد انقضت عدتي في يوم أو غيره سئلت فإن قالت حضت ثلاث حيض لم تصدق لأنه لا يحيض من النساء أحد ثلاث حيض في مثل هذه المدة. وإن قالت قد حضت في أربعين ليلة ثلاث حيض وما أشبه هذا نظر. فإن كانت المدعية لانقضاء عدتها في مثل هذه المدة تذكر قبل الطلاق أنها كانت تحيض هكذا وتطهر صدقت في الحكم، وكذلك إن كان من نساء الناس من يذكر ما وصفت، وإن لم تكن هي ولا واحدة من النساء تذكر مثل هذا لم تصدق، ومتى صدقتها في الحكم فلزوجها عليها اليمين بالله عز وجل لقد انقضت عدتها بما ذكرت من حيض وطهر أو سقط أو ولد.
فإن حلفت برئت منه، وإن
نكلت أحلفته ما انقضت عدتها وجعلت له عليها الرجعة، وإذا صدقتها في الحكم بقولها قد انقضت عدتي صدقتها به قبل ارتجاعه إياها وصدقتها إذا قال قد راجعتك اليوم فقالت انقضت عدتي أمس أو في وقت من اليوم قبل الوقت الذي راجعها فيه إلا أن تقر بعد مراجعته إياها بأن لم تنقض عدتها ثم تدعي انقضاء العدة فلا أصدقها لأن الرجعة قد ثبتت بإقرارها، وإن شاءت أن أحلفه لها ما علم عدتها انقضت فعلت فإن حلف لزمتها الرجعة وإن نكل أحلفت على البت لقد انقضت عدتها فإن حلفت فلا رجعة له عليها وإن نكلت فله عليها الرجعة، ولو قال لها راجعتك فقالت قد انقضت عدتي أو قالت قد انقضت عدتي قبل أن تقول قد راجعتك في مدة يمكن فيها انقضاء عدتها ثم راجعها فقالت قد كنت كذبت فيما ادعيت من انقضاء عدتي أو قالته قبل أن يراجعها فراجعها ثبتت عليها الرجعة، ولو رجعت عن الإقرار بانقضاء العدة لم يسقط ذلك الرجعة وهي كمن جحد حقا عليه ثم أقر به، ولو قالت قد انقضت عدتي ثم قالت كذبت لم تنقض عدتي أو وهمت ثم قالت قد انقضت عدتي قبل أن يرتجعها ثم ارتجعها لم يكن له عليها رجعة إلا بأن تكذب نفسها بعد الرجعة فتقول لم تنقض عدتي، وإذا قالت قد انقضت عدتي في مدة لا تنقضي عدة امرأة في مثلها فأبطلت قولها ثم جاءت عليها مدة تنقضي العدة في مثلها وهي ثابتة على قولها الأول قد انقضت عدتي فعدتها منقضية لأنها مدعية

ولو طلق الرجل امرأته ثم قال أعلمتني بأن عدتها قد انقضت ثم راجعها لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد انقضت لأنها قد تكذبه فيما أعلمته وتثبت الرجعة إذا قالت المرأة لم تنقض عدتي، وإن قال قد انقضت عدتها وقالت هي قد انقضت عدتي ثم قال كذبت لم يكن له عليها رجعة لأنه أقر بانقضاء عدتها وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها لم يكن له عليها رجعة.

الوقت الذي تكون له الرجعة بقوله.
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل وامرأته في العدة قد راجعتها اليوم أو أمس أو قبله في العدة وأنكرت فالقول قوله إذا كان له أن يراجعها في العدة فأخبر أن قد فعل بالأمس كان كابتدائه الفعل الآن، ولو قال بعد مضي العدة قد راجعتك في العدة وأنكرت كان القول قولها وعليه البينة أنه قد راجعها وهي في العدة وإذا مضت العدة فقال قد كنت راجعتك في العدة وصدقته فالرجعة ثابتة. فإن كذبته بعد التصديق أو كذبته قبل التصديق ثم صدقته كانت الرجعة ثابتة، وهكذا لو كانت زوجته أمة فصدقته كانت كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبه مولاها لم أقبل قوله لأن التحليل بالرجعة والتحريم بالطلاق فيها ولها، ولو كانت المرأة صبية لم تحض أو معتوهة مغلوبة على عقلها فقال زوجها بعد انقضاء عدتها قد راجعتها في العدة لم يصدق إلا ببينة تقوم له، ولو صدقته لأنها ممن لا فرض له عليها، وكذلك لو صدقه وليها - أباها كان أو غيره - لم أقبل ذلك، ولو كانت صحيحة فعرض لها مرض أذهب عقلها ثم قال بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة لم تكن زوجته فإذا أفاقت فصدقته كانت زوجته بالإقرار وكانت الرجعة عليها ثابتة، وإذا دخل الرجل بالمرأة فقال قد أصبتها وطلقتها وقالت لم يصبني فالقول قولها ولا رجعة له عليها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #226  
قديم 09-03-2023, 03:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (226)
صــــــــــ 264 الى صـــــــــــ 269




ولو قالت قد أصابني وقال لم أصبها فعليها العدة بإقرارها أنها عليها لا تحل للأزواج حتى تنقضي عدتها ولا رجعة له عليها بإقراره أن لا عدة له عليها،

ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يراجعها إن علم أنه كذب ويسعها فيما بينها وبين الله تعالى إن علمت أنها كذبت بادعائها بالإصابة أن تنكح قبل أن تعتد لأنه لا عدة عليها، فأما الحكم فكما وصفت، وسواء في هذا أغلق عليها بابا أو أرخى سترا أو لم يغلقه أو طال مقامه معها أو لم يطل لا تجب عليها العدة ولا يكمل لها المهر إذا طلقت إلا بالوطء نفسه، وإذا اختلفا في الوطء فالقول قول الزوج لأنه يؤخذ منه فضل الصداق، وإذا طلق الرجل امرأته فقال بعد انقضاء عدتها قد راجعتك في العدة وأنكرت فحلفت ثم تزوجت ودخل بها أو لم يدخل ثم أقام شاهدين أنه كان قد راجعها في العدة فسخ نكاحها من الآخر وكانت زوجة الأول الذي راجعها في العدة وأمسك عنها حتى تعتد من الآخر إن كان أصابها فإن لم يكن أصابها لم يمسك عنها، وإن ماتت أو مات وهي في العدة من الآخر توارثا ولو كانت المسألة بحالها وكذبته ونكحت زوجا غيره ثم صدقت الزوج الأول أنه راجعها في العدة لم تصدق على إفساد نكاح الزوج الآخر ولم يفسخ نكاحها إلا ببينة تقوم على رجعة الزوج الأول في العدة.
(قال أبو يعقوب البويطي والربيع) وله عليها صداق مثلها بإقرارها أنها أتلفت نفسها عليه.
(قال الشافعي): في قول الله تبارك وتعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} إذا شارفن بلوغ أجلهن فراجعوهن بمعروف أو دعوهن تنقضي عددهن بمعروف. ونهاهم أن يمسكوهن ضررا ليعتدوا ولا يحل إمساكهن ضرارا.

نكاح المطلقة ثلاثا
(قال الشافعي): أي امرأة حل ابتداء نكاحها فنكاحها حلال متى شاء من كانت تحل له وشاءت إلا امرأتان الملاعنة فإن الزوج إذا التعن لم تحل له أبدا بحال والحجة في الملاعنة مكتوبة في كتاب اللعان. والثانية المرأة يطلقها الحر ثلاثا فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقول الله عز وجل في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} قال: فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير «أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه أن يتزوجها فقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة».
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعها تقول «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت أني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قالت وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».

(قال الشافعي) فإذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا صحيح النكاح فأصابها ثم طلقها فانقضت عدتها حل لزوجها الأول ابتداء نكاحها لقول الله عز وجل {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله}
الآية «وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة لا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» يعني: يجامعك.
(قال): وإذا جامعها الزوج ثم مات عنها. حلت للزوج المطلقها ثلاثا كما تحل له بالطلاق لأن الموت في معنى الطلاق بافتراقهما بعد الجماع أو أكثر، وهكذا لو نكحها زوج فأصابها ثم بانت منه بلعان أو ردة أو غير ذلك من الفرقة، وهكذا كل زوج نكحها عبدا أو حرا إذا كان نكاحه صحيحا وأصابها، وفي قول الله تعالى {أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} والله تعالى أعلم بما أراد. أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لأنها من حدود الله تعالى وهذا يشبه قول الله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} أي إصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة فالرجعة ثابتة لكل زوج غير مغلوب على عقله إذا أقام الرجعة وإقامتها أن يتراجعا في العدة التي جعل الله عز ذكره له عليها فيها الرجعة.
(قال): وأحب لهما أن ينويا إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما وغيره من حدود الله تبارك اسمه.
الجماع الذي تحل به المرأة لزوجها
(قال الشافعي): إذا جامع المطلقة ثلاثا زوج بالغ فبلغ إن تغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته ولا تكون العسيلة إلا في القبل وبالذكر وذلك يحلها لزوجها الأول إذا فارقها هذا ويوجب عليها الغسل والحد لو كان هذا زنا وسواء كان الذي أصابها قوي الجماع أو ضعيفه لا يدخله إلا بيده إذا بلغ هذا منها، وكذلك لو استدخلته هي بيدها، وإن كان غير مراهق لم يحلها جماعه لأنه لا يقع موقع جماع الكبير ولا يجوز أن يقال غير هذا، ولو جاز جاز أن يقال لا يحلها إلا من تشتهي جماعه ويكون مبالغا فيه قويا، وإن كان الزوج صبيا فكان جماعه يقع موقع الكبير بأن يكون مراهقا يغيب ذلك منه في ذلك منها أحلها وكذلك إن كان خصيا غير مجبوب أو مجبوبا بقي له ما يغيبه فيها بقدر ما تغيب حشفة غير الخصي أحلها ذلك إن كانت ثيبا فأما إن كانت بكرا فلا يحلها إلا ذهاب العذرة وذلك أنه لا يبلغ هذا منها إلا ذهبت العذرة وسواء في ذلك كل زوج جائز النكاح من عبد ومكاتب وحر وكل زوجة حرة ومملوكة وذمية بالغ وغير بالغ إذا كان يجامع مثلها ولو أصابها في دبرها فبلغ ما شاء منها لم تحلها تلك الإصابة لأنها ليست موضع العسيلة التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها تحلها ولو أفضاها زوجها حلت بالإفضاء لأن الإفضاء لا يكون إلا ببلوغ ما يحلها ومجاوزته وهكذا الذمية تكون عند المسلم فيطلقها ثلاثا فينكحها الذمي فبلغ هذا منها، وكذلك لو كانت الزوجة مغلوبة على عقلها أو الزوج مغلوبا على عقله أو هما معا فجامعها أحلها ذلك الزوج ولو نكحها الذمي نكاحا صحيحا فأصابها كان يحلها من جماعه للمسلم ما يحلها من جماع زوج مسلم لو نال ذلك منها لأنه زوج وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا وإنما يرجم المحصنين ولا يحلها إلا زوج صحيح النكاح وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل زوج إذا انعقد نكاحه لا ينفسخ بفساد عقد وإن انفسخ بعد لمعنى فأصابها فهو يحلها وإن كان أصل نكاحه غير ثابت عند العقد فلا تحلها إصابته لأنه غير زوج، فإذا نكحها مملوك فعتقت فاختارت فراقه وقد أصابها أحلها لأن عقده كان ثابتا وكذلك الأمة ينكحها الحر ثم يملكها، والحرة ينكحها العبد فتملكه فينفسخ النكاح في الحالين وتحلها إصابته قبل الفسخ، وكذلك الأجذم والأبرص والمجنون ينكح المرأة فيصيبها تحلها إصابته ولو اختارت فسخه إذا كانت الإصابة قبل الفسخ ولو أصابها أحد هؤلاء قبل اختيارها لفسخ نكاحه أحلتها الإصابة لأنها كانت وهي

زوجة، وكذلك الزوجان يصيبها الزوج ثم يرتد أحدهما بعد الإصابة تحلها تلك الإصابة لأنه كان زوجها ولو كانت الإصابة بعد ردة أحدهما أو ردتهما معا لم تحلها ولو رجع المرتد منهما إلى الإسلام بعد لأن الإصابة كانت والمرأة موقوفة على العدة محرمة في حالها تلك بكل حال عليه ولو أصاب المرأة زوجها وهي محرمة أو صائمة أو حائض أو هو محرم أو صائم كان مسيئا وأحلها ذلك لزوجها الذي طلقها ثلاثا لأن لا محرم عليه من المرأة في هذه الحال إلا الجماع للعلة التي فيه أو فيها ويقع ظهاره وإيلاؤه وطلاقه وبينها وبينه ما بين الزوجين ويحل له أن يراها حاسرا وليس هكذا الزوجان يرتد أحدهما وإذا نكح الحر الأمة وهو لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فأصابها أحلها ذلك ولو نكحها وهو يجد طولا أو لا يجد طولا ولا يخاف العنت لم تحلها إصابته، وإذا نكح الرجل نكاحا فاسدا بأي وجه كان فأصاب لم يحلها ذلك لزوجها وذلك أن ينكحها متعة أو محرمة أو ينكحها نكاح شغار أو ينكحها بغير ولي أو أي نكاح فسخه في عقده لم يحلها الجماع فيه لأنه ليس بزوج ولا يقع عليها طلاقه ولا ما بين الزوجين والعبد في هذا مثل الحر إلا أن العبد إذا طلق اثنتين فقد أتى على جميع طلاقه وهما له كالثلاث للحر وسواء طلق الحر ثلاثا في مقام أو متفرقة لأنه قد جاء على جميع طلاقه، وكذلك العبد في الاثنتين وطلاق الحر لزوجته أمة وحرة وكتابية ثلاث وطلاق العبد لزوجته اثنتان، الطلاق للرجال والعدة على النساء، ولو طلق رجل امرأة لم يدخل بها واحدة ثم أتبعها طلاقا لم يقع عليها إلا الأولى وإن نكحت بعده زوجا وأصابها من نكحها فهي عنده على ما بقي من الطلاق.
ما يهدمه الزوج من الطلاق وغيره

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تعالى في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فجعل حكم المطلقة ثلاثا محرمة بكل حال على مطلقها ثلاثا إلا بأن يصيبها زوج غير مطلقها فإذا طلقت المرأة ثلاثا فأصابها زوج غير مطلقها سقط حكم الطلاق الأول وكان لزوجها الذي طلقها ثلاثا إذا طلقها زوجها الذي أصابها أو مات عنها أن ينكحها فإذا نكحها كان طلاقه إياها مبتدأ كهو حين ابتدأ نكاحها قبل أن يطلقها لا يحرم عليه نكاحه حتى يطلقها ثلاثا فإذا فعل عادت حراما عليه بكل وجه حتى يصيبها زوج غيره ثم هكذا أبدا كلما أتى على طلاقها ثلاثا حرمت عليه حتى يصيبها زوج غيره ثم حلت له بعد إصابة زوج غيره وسقط طلاق الثلاث وكانت عنده لا تحرم عليه حتى يطلقها ثلاثا وإذا هدم الزوج طلاق الثلاث كله فكذلك إن كان آلى منها في ملك ثم طلقها ثلاثا سقط الإيلاء حتى لا يكون له به طلاق أبدا إذا تناكحا وإذا أصابها الزوج الذي آلى منها في ملك نكاح بعد زوج كفر كفارة يمين وإن لم يصبها لم يوقف وقف الإيلاء.
. ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره وأصابها ثم بانت منه فنكحها الزوج الأول بعده. كانت عنده على ما بقي من طلاقها كهي قبل أن يصيبها زوج غيره يهدم الزوج المصيبها بعده الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين، فإن قال قائل فقد قال غيرك إذا هدم
الثلاث هدم الواحدة والثنتين فكيف لم تقل به؟ قيل إن شاء الله تعالى استدلالا موجودا في حكم الله عز وجل فإن قال وأين؟ قيل قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): دل حكم الله عز وجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا وذلك أنه أبان أن المرأة يحل لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلما لم يكن لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين إلا لأنها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج كان معنى نكاحه وتركه النكاح سواء ولما كانت المطلقة ثلاثا حراما على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا غيره فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه كان له حكم بين أنها محرمة حتى ينكحها هذا الزوج الآخر فلم يجز أن يقاس ما له حكم بما لا حكم له وكان أصل الأمر أن المحرم إنما يحل للمرء بفعل نفسه كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل الدنيا في هذا الحكم لم يجز أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى وكان في المعنى أنه لا يحل نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين ولا يحرم شيئا لأن المرأة لم تحرم فتحل به وكان هو غير الزوج ولا يحل له شيء بفعل غيره ولا يكون لغيره حكم في حكمه إلا حيث جعله الله عز وجل الموضع الذي جعله الله تعالى مخالفا لهذا فلا يجوز أن يقاس عليه خلافه، فإن قال فهل قال هذا أحد غيرك؟ قيل نعم أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجها الأول؟ قال هي عنده على ما بقي.
(قال الشافعي): وإذا طلقت المرأة ثلاثا فنكحت زوجا فادعت أنه أصابها وأنكر الزوج أحلها ذلك الزوج لزوجها المطلقها ثلاثا ولم تأخذ من الذي أنكر إصابتها إلا نصفا تصدق على ما تحل به ولا تصدق على ما تأخذ من مال زوجها وهكذا لو لم يعلم الزوج الذي يطلقها ثلاثا أنها نكحت فذكرت أنها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت حلت له إذا جاءت عليها مدة يمكن فيها انقضاء عدتها منه ومن الزوج الذي ذكرت أنه أصابها ولو كذبها في هذا كله ثم صدقها كان له نكاحها والورع أن لا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة حتى يجد ما يدل على صدقها ولو أن رجلا شك في طلاق امرأته فلم يدر أطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فنكحت زوجا غيره فأصابها ثم طلقها فنكحها الزوج الأول، ثم طلقها واحدة أو اثنتين فقالت قد أتى على جميع طلاقي لأنه لم يطلقني إلا واحدة أو اثنتين قبل نكاحي الزوج الآخر الذي نكحني بعد فراقك أو قاله بعض أهلها ولم تقله وأقر الزوج بأنه لم يدر أطلقها قبل نكاحها الزوج الآخر واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قيل له هي عندك على ما بقي من الطلاق فإن استيقن أنه طلقها قبل نكاحها الزوج واحدة فطلقها في هذا الملك واحدة أو اثنتين بنى على الطلاق الأول فإذا استكملت ثلاثا بالطلاق الذي قبل الزوج والطلاق الذي بعده فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وأجعلها تعتد في الطلاق الأول ما يستيقن وتطرح ما يشك فيه ولو قال بعد ما قال أشك في ثلاث أنا أستيقن أني طلقتها قبل الزوج ثلاثا أحلف على ذلك وكان القول قوله.
من يقع عليه الطلاق من النساء
قال الله تبارك وتعالى {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وقال {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}
وقال عز وجل {للذين يؤلون من نسائهم} وقال {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} وقال {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} وقال عز وجل {ولهن الربع مما تركتم} مع ما ذكر به الأزواج ولم أعلم مخالفا في أن أحكام الله تعالى في الطلاق والظهار والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض وما أشبه ذلك حتى ينقضي ولا يحرم أن ينظر منها إلى ما لا ينظر إليه غيره ولم أعلم مخالفا في أن الميراث بين الزوجين لا يكون إلا في نكاح صحيح وأن يكون دينا الزوجين غير مختلفين ويكونا حرين فكل نكاح كان ثابتا وقع فيه الطلاق وكل من وقع عليه الطلاق من الأزواج وقع عليه الظهار والإيلاء وكيفما كان الزوجان حرين أو عبدين أو أحدهما حر والآخر عبد أو مكاتب أو مدبر أو لم تكمل فيه الحرية ويحل لأي زوج وزوجة ويقع الميراث بين كل حرين من الأزواج مجتمعي الدين فكل اسم نكاح كان فاسدا لم يقع فيه شيء من هذا لا طلاق ولا غيره لأن هذين ليسا من الأزواج وجميع ما قلنا أن نكاحه مفسوخ من نكاح الرجل المرأة بغير ولي ولا سلطان أو أن ينكحها ولي بغير رضاها رضيت بعد أو لم ترض فالعقد فاسد لا نكاح بينهما، وكذلك لو كان هو الزوج ولم ترض لم يكن زوجا بذلك النكاح وإن رضي، وكذلك المرأة لم تبلغ يزوجها غير أبيها والصبي لم يبلغ يزوجه غير أبيه، وكذلك نكاح المتعة وما كان في معناه ونكاح المحرم، وكذلك الرجل ينكح أخت امرأته وأختها عنده أو خامسة، والعبد لم تكمل فيه الحرية ينكح ثالثة والحر يجد الطول فينكح أمة والحر والعبد ينكحان أمة كتابية وما كان في هذا المعنى مما يفسخ نكاحه وما كان أصل نكاحه ثابتا فهو يتفرق بمعنيين. أحدهما: هكذا لا يخالفه وذلك الرجل الحر لا يجد طولا فينكح أمة ثم يملكها فإذا تم له ملكها فسد النكاح ولم يقع عليها شيء مما يقع على الأزواج من طلاق ولا غيره، وذلك أن الله عز وجل يقول {والذين هم لفروجهم حافظون - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فلم يحل الجماع إلا بنكاح أو ملك وحكم أن يقع في النكاح ما وصفنا من طلاق يحرم به الحلال من النكاح وغيره وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق فيحرم به الوطء بالملك، وفرق بين إحلالهما وتحريمهما فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح.
(قال الربيع) يريد بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها حتى يكون ملك وحده بكماله أو التزويج وحده بكماله.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكذلك إذا ملك منها شقصا وإن قل لأنها خرجت من أن تكون زوجته لو قذفها ولم تحل له بالملك حتى يستكمل ملكها، وهكذا المرأة تملك زوجها ولا يختلف الملك بين الزوجين بأي وجه ما كان الملك ميراثا أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، وهكذا البيع إذا تم كله، وتمام الميراث أن يموت الموروث قبضه الوارث أو لم يقبضه قبله أو لم يقبله لأنه ليس له رده، وتمام الهبة أو الصدقة أن يقبلها الموهوب له والمصدق عليه ويقبضها، وتمام الوصية أن يقبلها الموصى له وإن لم يقبضها وتمام البيع أن لا يكون فيه شرط حتى يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه، وما لم يتم البيع والصدقة والهبة فلو أن رجلا وهبت له امرأته أو اشتراها أو تصدق بها عليه فلم يقبض الموهوب له ولا المصدق عليه ولم يفارق البيعان مقامهما الذي تبايعا فيه ولم يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار البيع لم يكن له أن يطأ امرأته بالنكاح لأن له فيها شبها بملك حتى يرد الملك فتكون زوجته بحالها أو يتم الملك فينفسخ النكاح ويكون له الوطء بالملك، وإذا طلقها في حال الوقف أو تظاهر أو آلى منها وقف ذلك
فإن رد الملك وقع عليها الطلاق والإيلاء وما يقع بين الزوجين وإن لم يتم ملكه فيها بالعقد الأول من الصدقة أو الهبة أو البيع سقط ذلك كله عنه لأنا علمنا حين تم البيع أنها غير زوجة حين أوقع ذلك عليها، فإذا عتقت الأمة عند العبد فلها الخيار فإن أوقع عليها الطلاق بعد العتق قبل الخيار فالطلاق موقوف فإن ثبتت عنده وقع وإن فسخت النكاح سقط. والوجه الثاني: أن يكون الزوجان مشركين وثنيين فيسلم الزوج أو الزوجة فيكون النكاح موقوفا على العدة فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما كان النكاح ثابتا وإن لم يسلم حتى تمضي العدة كان النكاح مفسوخا وما أوقع الزوج في هذه الحال على امرأته من طلاق أو ما يقع بين الزوجين فهو موقوف فإن ثبت النكاح بإسلام المتخلف منهما وقع وإن انفسخ النكاح بأن لم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما سقط وكل نكاح أبدا يفسد من حادث من واحد من الزوجين أو حادث في واحد منهما ليس بطلاق من الزوج فهو فسخ بلا طلاق.
الخلاف فيما يحرم بالزنا
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أما الرجل يزني بامرأة أبيه أو امرأة ابنه فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها، ومن حرمها على زوجها بهذا أشبه أن يكون خالف حكم الله تعالى لأن الله عز وجل جعل التحريم بالطلاق إلى الأزواج فجعل هذا إلى غير الزوج أن يحرم عليه امرأته أو إلى المرأة نفسها أن تحرم نفسها على زوجها، وكذلك الزوج يزني بأم امرأته أو بنتها لا تحرم عليه امرأته ومن حرم عليه أشبه أن يدخل عليه أن يخالف حكم الله تعالى في أن الله حرمها على زوجها بطلاقه إياها فزنى زوجها بأمها فلم يكن الزنا طلاقا لها ولا فعلا يكون في حكم الله جل ثناؤه ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريما لها وكان فعلا كما وصفت وقع على غيرها فحرمت به فقال قولا مخالفا للكتاب محالا بأن يكون فعل الزوج وقع على غيرها فحرمت به امرأته عليه وذكر الله عز وجل ما من به على العباد فقال {فجعله نسبا وصهرا} فحرم بالنسب الأمهات والأخوات والعمات والخالات ومن سمى، وحرم بالصهر ما نكح الآباء وأمهات النساء وبنات المدخول بهن منهن فكان تحريمه بأنه جعله للمحرمات على من حرم عليه حقا ليس لغيرهن عليهن وكان ذلك منا منه بما رضي من حلاله، وكان من حرمن عليه لهن محرما يخلو بهن ويسافر ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن ولمن حرمن عليه ومنا عليهن وعليهم لا عقوبة لواحد منهما، ولا تكون العقوبة فيما رضي ومن حرم بالزنا الذي وعد الله عليه النار وحد عليه فاعله وقرنه مع الشرك به وقتل النفس التي حرم الله أحال العقوبة إلى أن جعلها موضع رحمة. فمن دخل عليه خلاف الكتاب فيما وصفت وفي أن الله تعالى حين حكم الأحكام بين الزوجين من اللعان والظهار والإيلاء والطلاق والميراث كان عندنا وعنده على النكاح الصحيح فإذا زعمنا أن الذي أراد الله عز وجل بأحكامه في النكاح ما صح وحل فكيف جاز له أن يحرم بالزنا وهو حرام غير نكاح ولا شبهة.
من لا يقع طلاقه من الأزواج




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #227  
قديم 09-03-2023, 03:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (227)
صــــــــــ 270 الى صـــــــــــ 270




(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من

الرجال غير مغلوب على عقله لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ لقول الله تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} ويقول الله تبارك وتعالى {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز ابن عمر في القتال ابن خمس عشرة ورده ابن أربع عشرة، ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقته لزمه وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته فقال طلقت في حال جنوني أو مرض غالب على عقلي فإن قامت له بينة على مرض غلب على عقله في الوقت الذي طلق فيه سقط طلاقه وأحلف ما طلق وهو يعقل، وإن قالت امرأته قد كان في يوم كذا في أول النهار مغلوبا على عقله وشهد الشاهدان على الطلاق فأثبتا أنه كان يعقل حين طلق لزمه الطلاق لأنه قد يغلب على عقله في اليوم ويفيق وفي الساعة ويفيق، وإن لم يثبت شاهدا الطلاق أنه كان يعقل حين طلق أو شهد الشاهدان على الطلاق وعرف أن قد كان في ذلك اليوم مغلوبا على عقله أحلف ما طلق وهو يعقل والقول قوله، وإن شهدا عليه بالطلاق ولم يثبتا أيعقل أم لا؟ وقال هو كنت مغلوبا على عقلي فهو على أنه يعقل حتى يعلم ببينة تقوم أنه قد كان في مثل ذلك الوقت يصيبه ما يذهب عقله أو يكثر أن يعتريه ما يذهب عقله في اليوم والأيام فيقبل قوله لأن له سببا يدل على صدقه.
طلاق السكران
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا. فإن قال قائل: فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ والصلاة مرفوعة عمن غلب على عقله ولا ترفع عن السكران.
وكذلك الفرائض من حج أو صيام أو غير ذلك ومن شرب بنجا أو حريفا أو مرقدا ليتعالج به من مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أن ليس في شيء من هذا أن نضربهم على شربه في كتاب ولا سنة ولا إجماع فإذا كان هكذا كان جائزا أن يؤخذ الشيء منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل. فإن جاء منه قتل نفس أو إذهاب عقل كان كالمريض يمرض من طعام وغيره وأجدر أن لا يأثم صاحبه بأنه لم يرد واحدا منهما كما يكون جائزا له بط الجرح وفتح العرق والحجامة وقطع العضو رجاء المنفعة وقد يكون من بعض ذلك سبب التلف ولكن الأغلب السلامة وأن ليس يراد ذلك لذهاب العقل ولا للتلذذ بالمعصية
طلاق المريض
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ملك الله تعالى الأزواج الطلاق. فمن طلق من الأزواج وهو
بالغ غير مغلوب على عقله جاز طلاقه لأنه تحريم لامرأته بعد أن كانت حلالا له فسواء كان صحيحا حين يطلق أو مريضا فالطلاق واقع، فإن طلق رجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها أو لاعنها وهو مريض فحكمه في وقوع ذلك على الزوجة وتحريمها عليه حكم الصحيح، وكذلك إن طلقها واحدة ولم يدخل بها، وكذلك كل فرقة وقعت بينهما ليس للزوج عليها فيها رجعة بعد الطلاق فإن لم يصح الزوج حتى مات فقد اختلف في ذلك أصحابنا منهم من قال لا ترثه وذهب إلى أن حكم الطلاق إذا كان في الصحة والمرض سواء فإن الطلاق يقع على الزوجة، وإن الزوج لا يرث المرأة لو ماتت فكذلك لا ترثه لأن الله تعالى ذكره إنما ورث الزوجة من الزوج والزوج من الزوجة ما كانا زوجين وهذان ليسا بزوجين ولا يملك رجعتها فتكون في معاني الأزواج فترث وتورث، وذهب إلى أن على الزوجة أن تعتد من الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهذه لا تعتد من الوفاة وإلى أن الزوجة إذا كانت وارثة إن مات زوجها كانت موروثة إن ماتت قبله وهذه لا يرثها الزوج، وذهب إلى أن الزوجة تغسل الزوج ويغسلها وهذه لا تغسله ولا يغسلها وإلى أن ينكح أختها وأربعا سواها وكل هذا يبين أن ليست زوجة، ومن قال هذا فليست عليه مسألة صح الزوج بعد الطلاق أو لم يصح أو نكحت الزوجة أو لم تنكح ولم يورثها منه إذا لم يكن له عليها رجعة ولا هو منها، ولو طلقها ساعة يموت أو قال أنت طالق قبل موتي بطرفة عين أو بيوم ثلاثا لم ترث في هذا القول بحال.
(قال الشافعي): أخبرنا ابن أبي رواد ومسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات عنها وهي في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة.
(قال الشافعي): أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ألبتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها.
(قال الشافعي): - رحمه الله - فذهب بعض أصحابنا إلى أن يورث المرأة وإن لم يكن للزوج عليها رجعة إذا طلقها الزوج وهو مريض وإذا انقضت عدتها قبل موته وقال بعضهم وإن نكحت زوجا غيره، وقال غيرهم ترثه ما امتنعت من الأزواج. وقال بعضهم ترثه ما كانت في العدة فإذا انقضت العدة لم ترثه. وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه.
(الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة.

(قال الشافعي): - رحمه الله - غير أني أيما قلت فإني أقول لا ترث المرأة زوجها إذا طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فانقضت عدتها ونكحت لأن حديث ابن الزبير متصل وهو يقول ورثها عثمان في العدة وحديث ابن شهاب منقطع وأيهما قلت فإن صح بعد الطلاق ساعة ثم مات لم ترثه، وإن طلقها قبل أن يمسها فأيهما قلت فلها نصف ما سمى لها إن كان سمى لها شيئا ولها المتعة إن لم يكن سمى لها شيئا ولا عدة عليها من طلاق ولا وفاة. ولا ترثه لأنها لا عدة عليها وأيهما قلت فلو طلقها وقد أصابها وهي مملوكة أو كافرة وهو مسلم طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم أسلمت هذه وعتقت هذه ثم مات مكانه لم ترثاه لأنه طلقها ولا معنى لفراره من ميراثها. ولو مات في حاله تلك لم ترثاه ولو كان طلاقه يملك فيه الرجعة ثم عتقت هذه وأسلمت هذه ثم مات وهما في العدة ورثتاه. وإن مضت العدة لم ترثاه لأن الطلاق كان وهما غير وارثين لو مات وهما في حالهما تلك وإن كانتا من الأزواج، وإذا طلق الرجل امرأته وهو مريض طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات بعد انقضاء عدتها لم ترث في قول من ذهب إلى قول ابن الزبير لأن من ذهب إليه نظر إليه حين يموت فإن كانت من الأزواج أو في معاني

الأزواج من المطلقات اللاتي عليهن الرجعة وهن في عدتهن ورثها، وكذلك إن ماتت ورثها الزوج. وإن لم يكن عليها عدة لم يورثها لأنها خارجة من الأزواج ومعانيهن، وفي قول من ذهب إلى القول الآخر ترثه ما لم تنقض عدتها، وإن طلقها طلاقا صحيحا لا يملك فيه الرجعة ثم صح ثم مرض فمات لم ترثه وإن كانت في العدة لأنه قد صح فلو ابتدأ طلاقها في ذلك الوقت لم ترثه وإن كان يملك الرجعة فمات في العدة ورثته
والمرض الذي يمنع صاحبه فيه من الهبة وإتلاف ماله إلا في الثلث إن مات ويورث منه من يورث إذا طلق مريضا كل مرض مخوف مثل الحمى الصالب والبطن وذات الجنب والخاصرة وما أشبهه مما يضمنه على الفراش ولا يتطاول، فأما ما أضمنه مثله وتطاول مثل السل والفالج إذا لم يكن به وجع غيرهما أو يكون بالمفلوج منه سورة ابتدائه في الحال التي يكون مخوفا فيها، فإذا تطاول فإنه لا يكاد يكون مخوفا، فأما إذا كانت حمى الربع برجل فالأغلب منها أنها غير مخوفة وأنها إلى السلامة، فإذا لم تضمنه حتى يلزم الفراش من ضمن فهو كالصحيح، وإذا أضمنته كان كالمريض وإذا آلى رجل من امرأته وهو صحيح فمضت الأربعة الأشهر وهو مريض فمات قبل أن يوقف فهي زوجته وإن وقف ففاء بلسانه وهو لا يقدر على الجماع فهي زوجته، وإن طلق والطلاق يملك الرجعة فإن مات وهي في العدة ورثته وإن ماتت ورثها. وإن مات وقد انقضت العدة لم يرثها ولا ترثه، ولو قذفها وهو مريض أو صحيح فلم يلاعنها حتى مرض ثم مات كانت زوجته، وكذلك لو التعن فلم يكمل اللعان حتى مات كانت زوجته ترثه ولو أكمل اللعان وقعت الفرقة ولم ترثه وإن كان مريضا حين وقعت الفرقة في واحد من القولين وذلك أن اللعان حكم حكم الله تعالى به يحده السلطان إن لم يلتعن وإن الفرقة لزمته بالسنة أحب أو كره وأنهما لا يجتمعان بحال أبدا فحالهما إذا وقع اللعان غير حال الأزواج فلا ترثه ولا يرثها إذا التعن هو ولو تظاهر منها صحيحا أو مريضا فسواء هي زوجته ليس الظهار بطلاق إنما هي كاليمين يكفرها فإن لم يكفرها حتى مات أو ماتت توارثا. وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض إن دخلت دار فلان أو خرجت من منزلي أو فعلت كذا لأمر نهاها عنه أن تفعله ولا تأثم بتركه فأنت طالق ثلاثا أو طالق ولم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة ففعلت ذلك طلقت ثم مات لم ترثه في العدة بحال لأن الطلاق وإن كان من كلامه كان فبفعلها وقع. وكذلك لو قال لها إن شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت، وكل ما كان من هذا كان يتم بها وهي تجد منه بدا فطلقت منه طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه ولم يرثها عندي في قياس جميع الأقاويل. وكذلك لو سألته أن يطلقها ثلاثا فطلقها ثلاثا لم ترثه، ولو سألته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ورثته في العدة في قول من يورث امرأة المريض إذا طلقها، ولكنه لو قال لها وهو مريض أنت طالق إن صليت المكتوبة أو تطهرت للصلاة أو صمت شهر رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو قدت أو قمت ومثل هذا مما تكون عاصية بتركه أو يكون لا بد لها من فعله ففعلته وهو مريض ثم مات ورثته في العدة في قول من ذهب إلى توريثها إذا طلقها مريضا وهكذا لو حلف صحيحا على شيء لا يفعله هو ففعله مريضا ورثت في هذا القول، فأما قول ابن الزبير فيقطع هذا كله وأصله أن ينظر إلى حالها يوم يموت فإن كانت زوجة أو في معناها من طلاق يملك فيه الزوج الرجعة وكانت لو ماتت في تلك الحال ورثها ورثها منه وإن لم يكن يرثها لو ماتت في تلك الحال لم تكن زوجة ولا في طلاق يملك فيه الرجعة ولم نورثها في أي حالة كان القول

والطلاق مريضا كان أو صحيحا ولو قال لها وهو مريض: أنت طالق ثلاثا إن صمت اليوم تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيك فصامت تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيها. لم ترثه من قبل أنه قد كان لها من هذا بد وكانت غير آثمة بتركها منزل أبيها ذلك اليوم وكل ما قيل مما وصفت أنها ترثه في العدة في قول من يورثها إذا كان القول في المرض ووقع الطلاق في المرض فقاله في المرض. ثم صح ثم وقع لم ترثه إذا كان الطلاق لا يملك الرجعة وكل ما قال في الصحة مما يقع في المرض فوقع الطلاق به في المرض وكان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه مثل أن يقول أنت طالق غدا أو إذا جاء هلال كذا أو إذا جاءت سنة كذا أو إذا قدم فلان وما أشبه هذا فوقع به الطلاق البائن وهو مريض لم ترث لأن القول كان في الصحة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض فمات قبل أن يصح. ورثت في قول من يورثها إذا كان الطلاق في المرض لأنه عمد أن أوقع الطلاق في المرض. وإذا مرض الرجل فأقر أنه قد كان طلق امرأته في الصحة ثلاثا وقع الطلاق بإقراره ساعة تكلم واستقبلت العدة من ذلك اليوم ولا ترثه عندي بحال
وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض أنت طالق ثلاثا إذا صححت فصح ثم مرض فمات لم ترثه لأنه أوقع الطلاق في وقت لو ابتدأه فيه لم ترثه.
وإذا قال الرجل لامرأته صحيحا أنت طالق ثلاثا قبل أن أقتل بشهر أو قبل أن أموت بشهر أو قبل أن أموت من الحمى أو سمى مرضا من الأمراض فمات من غير ذلك المرض لم يقع الطلاق وورثته. وكذلك لو مات من ذلك المرض قبل الشهر لأن الطلاق لم يقع ولا يقع إلا بأن يموت من ذلك المرض ويكون قبل موته بشهر فيجتمع الأمران، ولها الميراث في الأقاويل وإن مضى شهر من يوم قال تلك المقالة ثم مات من ذلك المرض بعينه لم يقع الطلاق ولا يقع الطلاق حتى يعيش بعد القول أكثر من شهر بوقت من الأوقات يقع فيه الطلاق فيكون لقوله موضع. فأما إذا كان موته مع الشهر سواء فلا موضع لقوله وترث ولم يقع عليها طلاق وإذا قال أنت طالق قبل موتي بشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر ثم عاش أقل مما سمى ثم مات فإن الطلاق لا يقع عليها ولها الميراث وإن عاش من حين تكلم بالطلاق إلى أن مات أكثر مما سمى بطرفة عين أو أكثر وقع الطلاق عليها في ذلك الوقت وذلك قبل موته بما سمى ولا ترث إذا كان ذلك القول وهو صحيح.
ولو طلقها ثلاثا وهو مريض ثم ارتدت عن الإسلام، ثم عادت إليه ثم مات ولم يصح لم ترثه لأنها أخرجت نفسها من الميراث، ولو كان هو المرتد ثم عاد إلى الإسلام فمات من مرضه. لم ترثه عندي وترثه في قول غيري لأنه فار من الميراث.
ولو كانت زوجته أمة فقال لها وهو صحيح أنت طالق ثلاثا إذا عتقت فعتقت وهو مريض ثم مات وهي في العدة لم ترثه، وإن كان قاله لها وهو مريض لم ترث في قول ابن الزبير وترث في القول الآخر.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لها وهي أمة أنت طالق ثلاثا غدا وهو مريض وقال لها سيدها أنت حرة اليوم بعد قوله. لم ترثه لأنه قاله وهي غير وارث وكذلك إن كانت مشركة وهو مسلم، ولو قال لها سيدها والزوج مريض أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد ولم يعلم عتق السيد لم ترثه وإن مات من مرضه. وإن كان يعلم عتق السيد لم ترثه في قول ابن الزبير وترثه في قول الآخر لأنه فار من الميراث.
(قال): وإن كانت تحت المسلم مملوكة وكافرة فمات والمملوكة حرة والكافرة مسلمة فقالت هذه عتقت قبل أن يموت وقال ذلك الذي أعتقها وقالت هذه أسلمت قبل أن يموت وقال الورثة مات وأنت مملوكة وللأخرى مات وأنت كافرة فالقول قول الورثة وعليها البينة.
(قال أبو محمد) فيه قول آخر إن القول قول التي قالت لم أكن مملوكة لأن أصل الناس الحرية وعلى التي قالت لم أكن نصرانية البينة، وإذا قال الورثة لامرأة الرجل كنت
كافرة حين مات ثم أسلمت أو مملوكة حين مات ثم عتقت ولم يعلم أنها كافرة ولا مملوكة وقالت لم أكن كافرة ولا مملوكة فالقول قولها وعلى الورثة البينة.
طلاق المولى عليه والعبد

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويجوز طلاق المولى عليه البالغ ولا يجوز عتقه لأم ولده ولا غيرها. فإن قال قائل فكيف يجوز طلاقه؟ قيل لأن الصلاة والحدود عليه واجبة فإذا كان ممن يقع عليه التحريم حد على إتيان المحرم من الزنا والقذف والقتل وكان كغير المولى عليه في أن عليه فرضا وحراما وحلالا فالطلاق تحريم يلزمه كما يلزم غيره، فإن قيل فقد يتلف به مالا؟ قيل ليس له من مال امرأته شيء فيتلفه بطلاقها إنما هو أن يحرم عليه منها شيء كان مباحا له، فإن قيل فقد يرثها، قيل لا يرثها حتى تموت ولم تمت حين طلقها فإن قيل فيحتاج إلى نكاح غيرها قيل فذلك ليس بإتلاف شيء فيها إنما هو شيء يلزمه لغيرها إن أراد النكاح.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فإن قيل فلم لا يجوز عتقه أم ولده وإنما هي له مباحة إباحة فرج؟ قيل ما له فيها أكثر من الفرج.
(قال الربيع) يريد أن له فيها أكثر من الفرج: ألا ترى أنه يقول إذا قتلت آخذ قيمتها وإذا جني عليها آخذ الأرش فيأخذ قيمتها ويجنى عليها فيأخذ أرش الجناية عليها وتكسب المال فيكون له ويوهب لها وتجد الكنز فيكون له ويكون له خدمتها والمنافع فيها كلها وأكثر ما يمنع منها بيعها فأما سوى ذلك فهي له أمة يزوجها وهي كارهة ويختدمها
قال ويجوز طلاق السكران من الشراب المسكر وعتقه ويلزمه ما صنع، ولا يجوز طلاق المغلوب على عقله من غير السكر ويجوز طلاق العبد بغير إذن سيده والحجة فيه كالحجة في المحجور وأكثر، فإن قال قائل فهل خالفكم في هذا أحد من أهل الحجاز؟ قيل: نعم قد قال بعض من مضى منهم لا يجوز طلاق السكران وكأنه ذهب إلى أنه مغلوب على عقله. وقال بعض من مضى إنه ليس للعبد طلاق والطلاق بيد السيد، فإن قال فهل من حجة على من قال لا يجوز طلاق العبد؟ قيل ما وصفنا من أن الله تعالى قال في المطلقات ثلاثا {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وقال في المطلقات واحدة {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} فكان العبد ممن عليه حرام وله حلال فحرامه بالطلاق ولم يكن السيد ممن حلت له امرأة فيكون له تحريمها. فإن قال قائل فهل غير هذا؟ قيل هذا هو الذي عليه اعتمدنا وهو قول الأكثر ممن لقينا، فإن قال فترفعه إلى أحد من السلف؟ قيل: نعم أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان. قال مالك حدثني نافع عن ابن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء.
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك قال حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة استفتى زيد بن ثابت فقال إني طلقت امرأة لي حرة تطليقتين فقال زيد حرمت عليك.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك قال حدثني أبو الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عبدا كانت تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك فذهب إليه فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت عليك.
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك قال وحدثني ابن شهاب عن ابن المسيب أن نفيعا
مكاتبا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق امرأته حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال له عثمان بن عفان حرمت عليك، فإن قال قائل فهل لكم حجة على من قال لا يجوز طلاق السكران؟ قيل نعم ما وصفنا من أن عليه الفرائض وعليه حرام، فإن قال ليس عليه حرام في حاله تلك لزمه أن يقول ولا صلاة ولا قود في قتل ولا جراح ولا غيره كما يكون المغلوب على عقله بغير السكر ولا يجوز إذا حرم الله تعالى بالكلام أن لا يكون داخلا في حكم الله تعالى أن الطلاق يحرم عليه ولا يخرج من حكم الله تعالى إلا بدلالة كتاب أو سنة أو إجماع وليس فيه واحد من هذا، وأكثر من لقيت من المفتين على أن طلاقه يجوز، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ» والسكران ليس واحدا من هؤلاء ولا في معناه والمرضى الذاهبو العقول في معنى المجنون لأنهم غير آثمين بالمرض والسكران آثم بالسكر.

من يلزمه الطلاق من الأزواج
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكل امرأة طلقها زوج بالغ صبية أو معتوهة أو حرة بالغا أو أمة أو مشركة لزمهن الطلاق لأن الطلاق تحريم من الأزواج على أنفسهن، فإذا عتقت الأمة وقد زوجت عبدا وهي صبية فاختارت وهي صبية الفراق.
أو ملك الرجل امرأته وهي صبية نفسها أو خيرها فاختارت الفراق فليس ذلك لها لأنه لا أمر لها في نفسها وكذلك المعتوهة فإذا أفاقت المعتوهة أو بلغت الصبية فلها الخيار في المقام معه أو فراقه (قال): وإن عتقت قبل أن تبلغ أو بعدما بلغت فلم تختر فلا خيار لها.
وإذا اختارت المرأة فراق زوجها فهو فسخ بلا طلاق وكذلك امرأة العنين وامرأة الأجذم والأبرص تختار فراقه فذلك كله فسخ بلا طلاق لأن الطلاق يملك فيه الرجعة.
الطلاق الذي تملك فيه الرجعة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} الآية كلها.
(قال الشافعي): فكان بينا في كتاب الله تعالى أن كل طلاق حسب على مطلقة فيه عدد طلاق إلا الثلاث فصاحبه يملك فيه الرجعة.
وكان ذلك بينا في حديث ركانة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وإلا الطلاق الذي يؤخذ عليه المال، لأن الله تعالى أذن به وسماه فدية فقال {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فكان بينا في كتاب الله تعالى إذ أحل له أخذ المال أنه إذا ملك مالا عوضا من شيء لم يجز أن يكون له على ما ملك به المال سبيل والمال هو عوض من بضع المرأة فلو كان له عليها فيه رجعة كان ملك مالها ولم تملك نفسها دونه (قال): واسم الفدية أن تفدي نفسها بأن تقطع ملكه الذي له به الرجعة عليها ولو ملك الرجعة لم تكن مالكة لنفسها ولا واقعا عليها اسم فدية بل كان مالها مأخوذا وهي بحالها قبل أخذه والأحكام فيما أخذ عليه المال بأن يملكه من أعطى المال (قال): وبهذا قلنا طلاق الإيلاء وطلاق الخيار والتمليك كلها إلى الزوج فيه الرجعة ما لم يأت على جميع الطلاق

(قال الشافعي): - رحمه الله -: وبهذا قلنا إن كل عقد فسخناه شاء الزوج فسخه أو أبى لم يكن طلاقا وكان

فسخا بلا طلاق.


وذلك أنا لو جعلناه طلاقا جعلنا الزوج يملك فيه الرجعة وأنما ذكر الله عز وجل الطلاق من قبل الرجال فقال {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف} وقال {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف} (قال): وكان معقولا عن الله عز وجل في كل هذا أنه الطلاق الذي من قبل الزوج.


فأما الفسخ فليس من قبل الزوج وذلك مثل أن ينكح نكاحا فاسدا فلا يكون زوجا فيطلق ومثل إسلام أحد الزوجين أو ردة أحدهما فلا يحل لكم أن يكون تحته وثنية ولا لمسلمة أن يكون زوجها كافرا ومثل الأمة تعتق فيكون الخيار إليها بلا مشيئة زوجها.


ومثل الخيار إلى المرأة إذا كان زوجها عنينا أو خصيا مجبوبا وما خيرناها فيه مما يلزمه فيه الفرقة وإن كره فإنما ذلك كله فسخ للعقدة لا إيقاع طلاق بعدها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #228  
قديم 09-03-2023, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (228)
صــــــــــ 276 الى صـــــــــــ 282



ومثل المرأة تملك زوجها أو يملكها فيفسخ النكاح (قال الشافعي): ومثل الرجل يغر بالمرأة فيكون له الخيار فيختار فراقها فذلك فسخ بلا طلاق، ولو ذهب ذاهب إلى أن يكون طلاقا لزمه أن يجعل للمرأة نصف المهر الذي فرض لها إذا لم يمسها لأن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}.
ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق والفراق والسراح فقال عز وجل {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وقال جل ثناؤه {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وقال تبارك اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين} الآية (قال الشافعي): فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسما من هذه الأسماء فقال أنت طالق أو قد طلقتك أو فارقتك أو قد سرحتك لزمه الطلاق ولم ينو في الحكم ونويناه فيما بينه وبين الله تعالى، ويسعه إن لم يرد بشيء منه طلاقا أن يمسكها ولا يسعها أن تقيم معه لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وسواء فيما يلزم من الطلاق ولا يلزم تكلم به الزوج عند غضب أو مسألة طلاق أو رضا وغير مسألة طلاق، ولا تصنع الأسباب شيئا إنما تصنعه الألفاظ لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب ولا يكون مبتدأ الكلام الذي له حكم فيقع فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئا لم يصنعه بما بعده ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم إذا قيل.
ولو وصل كلامه فقال قد فارقتك إلى المسجد أو إلى السوق أو إلى حاجة أو قد سرحتك إلى أهلك أو إلى المسجد أو قد طلقتك من عقالك أو ما أشبه هذا لم يلزمه طلاق ولو مات لم يكن طلاقا، وكذلك لو خرس أو ذهب عقله لم يكن طلاقا ولا يكون طلاقا إلا بأن يقول أردت طلاقا وإن سألت امرأته أن يسأل سئل وإن سألت أن يحلف أحلف فإن حلف ما أراد طلاقا لم يكن طلاقا.
وإن نكل قيل إن حلفت طلقت وإلا فليس بطلاق قال وما تكلم به مما يشبه الطلاق سوى هؤلاء الكلمات فليس بطلاق حتى يقول كان مخرج كلامي به على أني نويت به طلاقا وذلك مثل قوله لامرأته أنت خلية أو خلوت مني أو خلوت منك أو أنت بريئة أو برئت مني أو برئت منك أو أنت بائن أو بنت مني أو بنت منك أو اذهبي أو اعزبي أو تقنعي أو اخرجي أو لا حاجة لي فيك أو شأنك بمنزل أهلك أو الزمي الطريق خارجة أو قد ودعتك أو قد ودعتيني أو اعتدي أو ما أشبه هذا مما يشبه الطلاق فهو فيه كله غير مطلق حتى يقول أردت بمخرج الكلام مني الطلاق فيكون طلاقا بإرادة الطلاق مع الكلام الذي يشبه الطلاق
(قال الشافعي):
- رحمه الله -: ولو قال لها أنت خلية أو بعض هذا. وقال قلته ولا أنوي طلاقا ثم أنا الآن أنوي طلاقا
لم يكن طلاقا حتى يبتدئه ونيته الطلاق فيقع حينئذ به الطلاق
(قال): ولو قال لها أنت طالق واحدة بائنة كانت واحدة تملك الرجعة لأن الله عز وجل حكم في الواحدة والاثنتين بأن الزوج يملك الرجعة بعدهما في العدة.
ولو تكلم باسم من أسماء الطلاق وقرن به اسما من هذه الأسماء التي تشبه الطلاق أو شدد الطلاق بشيء معه وقع الطلاق بإظهار أحد أسمائه ووقف في الزيادة معه على نيته فإن أراد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة على ما أراد.
وإن لم يرد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة كما لم تكن على الابتداء إذا لم يرد بها طلاقا وإن أراد بها حينئذ تشديد طلاق لم يكن تشديدا وكان كالطلاق وحده بلا تشديد وذلك مثل أن يقول أنت طالق ألبتة أو أنت طالق وبتة أو أنت طالق وخلية أو أنت طالق وبائن أو أنت طالق واعتدي أو أنت طالق ولا حاجة لي فيك أو أنت طالق والزمي أهلك أو أنت طالق وتقنعي فيسأل عن نيته في الزيادة فإن أراد بها زيادة في عدد طلاق فهي زيادة وهي ما أراد من الزيادة في عدد الطلاق وإن لم يرد بها زيادة لم تكن زيادة.
وإن قال لم أرد بالطلاق ولا بالزيادة معه طلاقا لم يدن في الطلاق في الحكم ودين في الزيادة معه وإن قال أنت طالق واحدة شديدة أو واحدة غليظة أو واحدة ثقيلة أو واحدة طويلة أو ما أشبه هذا كانت واحدة يملك فيها الرجعة ولا يكون طلاق بائن إلا ما أخذ عليه المال لأن المال ثمن فلا يجوز أن يملك المال ويملك البضع الذي أخذ عليه المال.
الحجة في البتة وما أشبهها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» فطلقها الثانية في زمان عمر - رضي الله عنه - والثالثة في زمان عثمان - رضي الله عنه - (قال الشافعي): أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر عن المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة. ثم أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكر ذلك له فقال له عمر ما حملك على ذلك؟ فقال قد قلته فتلا عمر {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} ما حملك على ذلك؟ قال قد قلته فقال عمر - رضي الله عنه - أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب قال للتوأمة مثل الذي قال للمطلب (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ألبتة؟ فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فثلاث وإن كان أراد واحدة فواحدة (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه، فقال: أما الطلاق فسنة. وأما البتة فبدعة. فأما السنة والطلاق فأمضوه. وأما البدعة والبتة فقلدوه إياه ودينوه فيها.
(قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو خلوت مني أو أنت برية
أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو قد بنت مني؟ قال سواء: قال عطاء: وأما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك هو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء: أما قوله أنت برية أو بائنة، فذلك ما أحدثوا، سئل فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت برية أو أنت بائنة أو أنت خلية أو برئت مني أو بنت مني قال يدين (قال الشافعي): أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت علي حرام.
(قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن حماد قال: سألت إبراهيم عن الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام؟ قال إن نوى طلاقا فهو طلاق وإلا فهو يمين (قال الشافعي): - رحمه الله -: والبتة تشديد الطلاق ومحتملة لأن تكون زيادة في عدد الطلاق وقد جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يرد ركانة إلا واحدة واحدة يملك فيها الرجعة ففيه دلائل.
منها: أن تشديد الطلاق لا يجعله بائنا وأن ما احتمل الزيادة في عدد الطلاق مما سوى اسم الطلاق لا يكون طلاقا إلا بإرادة المتكلم به وأنه إذا أراد الطلاق كان طلاقا ولو كان إذا أراد به زيادة في عدد الطلاق ولم يكن طلاقا لم يحلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراد إلا واحدة وإذا كان نوى زيادة في عدد الطلاق بما يشبه الطلاق وقع بإرادته.
فإن أراد فيما يشبه الطلاق أن يطلق واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فاثنتين وإن أراد ثلاثا فثلاثا فإذا وقعت ثلاث بإرادته الطلاق مع ما يشبه الطلاق واثنتان وواحدة كان إذا تكلم باسم الطلاق الذي يقع به طلاق بنية طلاق أو غير نية أولى أن يقع.
فإن قال أنت طالق ينوي اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى مع الواحدة من الزيادة ولا أعلم شيئا مما سوى ما سمى الله عز وجل به الطلاق أشبه في الظاهر بأن يكون طلاقا ثلاثا من البتة.
فإذا كان إذا تكلم بها مع الطلاق لم يكن طلاقا إلا بإرادته كان ما هو أضعف منها في الظاهر من الكلام أولى أن لا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق، ولو قال رجل لامرأته اختاري أو أمرك بيدك أو قال ملكتك أمرك أو أمرك إليك فطلقت نفسها فقال ما أردت بشيء من هذا طلاقا لم يكن طلاقا.
وسواء قال ذلك في المجلس أو بعده لا يكون طلاقا إلا بأن يقر أنه أراد بتمليكها وتخييرها طلاقا قال: وهكذا لو قالت له خالعني فقال قد خالعتك أو خلعتك أو قد فعلت لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق ولم يأخذ مما أعطته شيئا إلا أن يريد به طلاقا، وذلك أن طلاق البتة يحتمل الإثبات الذي ليس بعده شيء ويحتمل تطليقة واحدة لأنه يقع عليها أنها منبتة حتى يرتجعها، والخلية والبرية والبائن منه يحتمل خلية مما يعنيني وبرية مما يعنيني وبائن من النساء ومني بالمودة، واختاري شيئا غير الطلاق من مال أو ضرب أو مقام علي حسن أو قبيح، وأمرك بيدك أنك تملكين أمرك في مالك غيره، وكذلك أمرك إليك وكذلك ملكتك أمرك، ولو قال لامرأته أنت طالق تطليقة شديدة أو غليظة أو ما أشبه هذا من تشديد الطلاق أو تطليقة بائنا كان كل هذا تطليقة تملك الرجعة، وإذا طلق الرجل امرأته في نفسه ولم يحرك به لسانه لم يكن طلاقا وكل ما لم يحرك به لسانه فهو من حديث النفس الموضوع عن بني آدم، وهكذا إن طلق ثلاثا بلسانه واستثنى في نفسه لزمه طلاق ثلاث ولم يكن له استثناء لأن الاستثناء حديث نفس لا حكم له في الدنيا.
وإن كلم امرأته بما لا يشبه الطلاق وقال أردت به الطلاق لم يكن طلاقا، وإنما تعمل النية مع ما يشبه ما نويته به وذلك أن يقول لها بارك الله فيك أو اسقيني أو أطعميني أو زوديني أو ما أشبه هذا ولكنه لو قال لها افلحي أو اذهبي أو اغربي أو أشربي يريد به طلاقا كان طلاقا، وكل هذا يقال للخارج والمفارق يقال له افلح كما يقال له اذهب ويقال له اغرب اذهب بعدا، ويقال للرجل يكلم ما
يكره أو يضرب اشرب، وكذلك ذق أو اطعم قال الله عز وجل وهو يذكر بعض من عذب {ذق إنك أنت العزيز الكريم} ولو قال لها اذهبي وتزوجي أو تزوجي من شئت لم يكن طلاقا حتى يقول أردت به الطلاق، وهكذا إن قال اذهبي فاعتدي، ولو قال الرجل لامرأته أنت علي حرام لم يقع به طلاق حتى يريد الطلاق فإذا أراد به الطلاق فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن أراد طلاقا ولم يرد عددا من الطلاق فهي واحدة يملك الرجعة، وإن قال أردت تحريمها بلا طلاق لم تكن حراما وكانت عليه كفارة يمين ويصيبها إن شاء قبل أن يكفر وإنما قلنا عليه كفارة يمين إذا أراد تحريمها ولم يرد طلاقها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته فأمر بكفارة يمين والله تعالى أعلم.
قال الله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} الآية فلما لم يرد الزوج بتحريم امرأته طلاقا كان أوقع التحريم على فرج مباح له لم يحرم بتحريمه فلزمته كفارة فيه كما لزم من حرم أمته كفارة فيها ولم تحرم عليه بتحريمه لأنهما معا تحريم لفرجين لم يقع بواحد منهما طلاق، ولو قال كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة كفارة إذا لم يرد طلاق المرأة ولو قال مالي علي حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفارة ولم يحرم عليه ماله.
باب الشك واليقين في الطلاق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال الرجل أنا أشك أطلقت امرأتي أم لا، قيل له الورع أن تطلقها فإن كنت تعلم أنك إن كنت قد طلقت لم تجاوز واحدة قلنا قد طلقت واحدة فاعتدت منك بإقرارك بالطلاق وإن أردت رجعتها في العدة فأنت أملك بها وهي معك باثنتين وإذا طلقتها باثنتين وقد أوقعت أولا الثالثة حرمت عليك حتى يحلها لك زوج فتكون معك هكذا وإن كنت تشك في الطلاق فلم تدر أثلاثا طلقت أو واحدة فالورع أنك تقر بأنك طلقتها ثلاثا والاحتياط لك أن توقعها فإن كانت وقعت لم تضرك الثلاث وإن لم تكن وقعت أوقعتها بثلاث لتحل لك بعد زوج يصيبها، ولا يلزمك في الحكم من هذا شيء لأنها كانت حلالا لك فلا تحرم عليك إلا بيقين تحريم فإن تشك في تحريم فلا تحرم عليك وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (قال الشافعي): - رحمه الله -: هذا كان على يقين الوضوء وشك في انتقاضه فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت على يقين الوضوء ولا ينصرف من الصلاة بالشك حتى يستيقن بانتقاض الوضوء بأن يسمع من نفسه صوتا أو يجد ريحا، وهو في معنى الذي يكون على يقين النكاح ويشك في تحريم الطلاق ولا يخالفه، وإن سألت يمينه أحلف ما طلقها فإن حلف فهي امرأته وإن نكل وحلفت طلقت عليه وإن نكلت فهي امرأته بحالها، وإن ماتت فسأل ذلك ورثتها ليمنعوه ميراثها فذلك لهم ويقومون في ذلك مقامها (قال الشافعي): وإن كان هو الميت فسأل ورثته أن تمنع ميراثها منه بقوله فليس لهم ذلك وإن سألوا يمينها وقالوا إنه طلقها ثلاثا وهو صحيح أحلفت ما علمت ذلك فإن حلفت ورثت وإن نكلت حلفوا لقد طلقها ثلاثا ولم ترث، ولو استيقن بطلاق واحدة وشك في الزيادة لزمته واحدة باليقين وكان فيما شك فيه من الزيادة كهو فيما شك أولا من تطليقة أو ثلاث (قال): ولو شك في طلاق فأقام معها فأصابها وماتت وأخذ ميراثها ثم استيقن أنه كان طلقها في
الوقت الذي نسب إلى نفسه فيه الشك في طلاقها أو قامت عليه بينة أخذ منه مهر مثلها بالإصابة ورد جميع ما أخذ من ميراثها، ولو كان هو الشاك في طلاقها ثلاثا ومات وقد أصابها بعد شكه وأخذت ميراثه ثم أقرت أنها قد علمت أنه كان قد طلقها في تلك الحال ثلاثا ردت الميراث ولم تصدق على أن لها مهرا بالإصابة ولو ادعت الجهالة بأن الإصابة كانت تحرم عليها أو ادعت غصبه إياها عليه أو لم تدع من ذلك شيئا تصدق على ما عليها أحلفناه ولا تصدق على ما تأخذ من مال غيرها، ولو أقر لها الورثة بما ذكرت كان لها مهر مثلها وترد ما أخذت من ميراثه.
ولو شك في عتق رقيقه كان هكذا لا يعتقون إلا بيقينه بعتقهم، وإن أرادوا أحلفناه لهم فإن حلف فهم رقيقه وإن نكل فحلفوا عتقوا، وإن حلف بعضهم ونكل بعض عتق من حلف منهم ورق من لم يحلف، وإن كان فيهم صغير أو معتوه كان رقيقا بحاله ولا نحلفه إلا لمن أراد يمينه منهم، ولو استيقن أنه حنث في صحته بأحد أمرين طلاق أو عتاق وقفناه عن نسائه ورقيقه حتى يبين أيهم أراد ونحلفه للذي زعم أنه لم يرد باليمين، وإن مات قبل أن يحلف أقرع بينهم فإن وقعت القرعة على الرقيق عتقوا من رأس المال وإن وقعت على النساء لم نطلقهن بالقرعة ولم نعتق الرقيق وورثه النساء لأن الأصل أنهن أزواج حتى يستيقن بأنه طلقهن ولم يستيقن والورع أن يدعن ميراثه وإن كان ذلك وهو مريض فسواء كله لأن الرقيق يعتقون من الثلث (قال): وإذا قال لامرأتين له إحداكما طالق ثلاثا ولنسوة له إحداكن طالق أو اثنتان منكن طالقان منع منهن كلهن وأخذ بنفقتهن حتى يقول التي أردت هذه والله ما أردت هاتين.
فإن أراد البواقي أن يحلف لهن أحلف بدعواهن عليه وإن لم يردنه لم أحلفه لهن لأنه قد أبان أن طلاقه لم يقع عليهن وأنه وقع على غيرهن، ولو كانتا اثنتين فقال لإحداهما لم أعن هذه بالطلاق كان ذلك إقرارا منه بأنه طلق الأخرى إذا كان مقرا بطلاق إحداهما فإن كان منكرا لم يلزمه طلاق إحداهما بعينها إلا بإقرار يحدثه بطلاقها، ولو قال ليست هذه التي أوقعت عليها الطلاق التي أردت أوقعن الطلاق عليها أو لم نوقعه حتى قال أخطأت وهذه التي زعمت أني لم أردها بالطلاق التي أردتها به طلقتا معا بإقراره به، وهكذا إذا كان في أكثر من اثنتين من النساء، وإذا قال الرجل لامرأتين له إحداكما طالق وقال والله ما أدري أيتهما عنيت وقف عنهما واختير له أن يطلقهما ولم نجبره على ذلك حتى يبين أيتهما أراد بالطلاق فإن قال قائل: أولى أن أوقع الطلاق على إحداهما؟ قيل له: إن فعلت ألزمناك ما أوقعت الآن ولم نخرجك من الطلاق الأول فأنا على يقين من أنه أوقع على إحداهما ولا نخرجك منه إلا بأن تزعم أن تخرجه على واحدة بعينها دون الأخرى، وإن قلته فأردت الأخرى أحلفناك لها فإن لم يقل أردت واحدة بعينها ولم يحلف حتى ماتت إحداهما وقفنا له ميراثه منها فإن زعم أن التي طلق الحية ورثنا من الميتة وإن أراد ورثتها أحلفناه لهم ما طلقها وجعلنا له ميراثه منها إذا كنا لا نعرف أيتهما طلق إلا بقوله فسواء ماتت إحداهما وبقيت الأخرى أو ماتتا معا أو لم يموتا، وهكذا لو ماتت إحداهما قبل الأخرى أو ماتتا جميعا معا أو لم يعرف أيتهما ماتت قبل وقفنا له من كل واحدة منهما ميراث زوج فإذا قال لإحداهما هي التي طلقت ثلاثا رددنا على أهلها ما وقفنا لزوجها وأحلفناه لورثة الأخرى إن شاءوا فجعلنا له ميراثه منها وإن كان في وريثها صغار ولم يرد الكبار يمينه لم نعطه ميراثها إلا بيمين، وهكذا إن كان فيهم غائب.
ولو كان الطلاق في هذا كله يملك الرجعة فماتتا في العدة ورثهما أو مات ورثتاه لأنهما معا في معاني الأزواج في الميراث وأكبر أمرهما، ولو كانت المسألة بحالها وكان هو الميت قبلهما والطلاق ثلاثا وقفنا لهما ميراث امرأة حتى يصطلحا لأنا لو قسمناه بينهما أيقنا أنا قد منعنا الزوجة نصف حقها وأعطينا غير الزوجة نصف حق الزوجة، وإذا
وقفناه فإن عرفناه لإحداهما فلما لم يبين لأيهما هو وقفناه حتى نجد على الزوج بينة نأخذ بها أو تصادقا منهما فيلزمهما أن يصطلحا فتكون إحداهما قد عفت بعض حقها أو تركت ما ليس لها فلا يكون لنا في صلحهما حكم ألزمناهما كارهين ولا إحداهما، ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات قبل أن يبين ثم ماتت الأخرى بعده سئل الورثة فإن قالوا إن طلاقه قد وقع على الميتة ورثته الحية بلا يمين على واحد منهم لأنهم يقرون أن في ماله حقا للحية ولا حق له في ميراث الميتة، وهذا إذا كان الورثة كبارا رشدا يكون أمرهم في أموالهم جائزا، وإن كان فيهم صغير جاز في حق الكبار الرشد إقرارهم ووقف للزوج الميت حصة الصغار ومن كان كبيرا غير رشيد من ميراث زوج حتى يبلغوا الرشد والحلم والمحيض، ووقف للزوجة الحية بعد حصتها من ميراث امرأة حتى يبلغوا، ولو كان الورثة كبارا فقالوا التي طلق ثلاثا هي المرأة الحية بعده ففيها قولان.
أحدهما: أنهم يقومون مقام الميت فيحلفون على البت أن فلانة الحية بعده التي طلق ثلاثا ولا يكون لها ميراث منه ويأخذون له ميراثه من الميتة قبله كما يكون له الحق بشاهد فيحلفون أن حقه لحق ويقومون مقامه في اليمين واليمين على البت لأنهم قد يعلمون ذلك بخبره وخبر من يصدقون غيره، وإن كان فيهم صغار وقف حق الصغار من ميراث الأب من الميتة قبله حتى يحلفوا فيأخذوه أو ينكلوا فيبطل أو يموتوا فيقوم ورثتهم مكانهم كما يكون فيما وصفنا من يمين وشاهد ويوقف قدر حقهم من ميراث أبيهم للمرأة الحية بعده ليقروا لها فيأخذوه ويبطل حقهم من الأخرى ويحلفوا فيأخذوا حقهم من الأخرى ويبطل حقها الذي وقف.
والقول الثاني: أن يوقف له ميراث زوج من الميتة قبله وللميتة بعده ميراث امرأة منه حتى تقوم بينة أو يصطلح ورثته وورثتها.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو رأى امرأة من نسائه مطلعة فقال أنت طالق ثلاثا وقد أثبت أنها من نسائه ولا يدري أيتهن هي؟ فقالت كل واحدة منهن أنا هي أو جحدت كل واحدة منهن أن تكون هي أو ادعت ذلك واحدة منهن أو اثنتان وجحد البواقي فسواء ولا يقع الطلاق على واحدة منهن إلا أن يقول هي هذه فإذا قال لواحدة منهن هي هذه وقع عليها الطلاق، ومن سأل منهن أن يحلف لها ما طلقها أحلف ومن لم تسأل لم يحلف لأنه أوقع الطلاق على واحدة ولم نعلمه طلق اثنتين، ولو أقر لواحدة ثم قال أخطأت هي هذه الأخرى لزمه الطلاق للأولى التي أقر لها وهكذا لو صنع هذا فيهن كلهن لزمه الطلاق لهن كلهن، ولو قال هي هذه أو هذه أو هذه بل هذه لزمه طلاق التي قال بل هذه وطلاق إحدى الاثنتين اللتين قال هي هذه أو هذه، ولو قال هي هذه بل هذه طلقت الأولى ووقع على الثانية التي قال بل هذه، ولو قال إحداكن طالق ثم قال في واحدة هي هذه ثم قال والله ما أدري أهي هي أو غيرها طلقت الأولى بالإقرار ووقف عن البواقي ولم يكن كالذي قال على الابتداء ما أدري أطلقت أو لا هذا مطلق بيقين ثم أقر لواحدة فألزمنا له الإقرار ثم أخبرنا أنه لا يدري أصدق في إقراره فحل له منهن غيرها أو لم يصدق فتكون واحدة منهن محرمة عليه ويكون في البواقي كهو في الابتداء ما كان مقيما على الشك، فإذا قال قد استيقنت أن الذي قلت أولا هي التي طلقت كما قلت فالقول قوله وأيتهن أرادت أن أحلفه لها أحلفته، ولو قال هي هذه ثم قال ما أدري أهي هي أم لا ثم مات قبل أن يتبين لم ترثه التي قال هي هذه إن كان لا يملك رجعتها وورثه الثلاث معا ولا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن ولا طلاق واحدة منهن ولو قال
على الابتداء ما أدري أطلقت نسائي أم واحدة منهن أم لا؟ ثم مات ورثنه معا ولا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن.
الإيلاء واختلاف الزوجين في الإصابة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله تبارك وتعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم - وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} (قال الشافعي): أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقول بوقف المولي (قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة قال: شهدت عليا - رضي الله تعالى عنه - أوقف المولي.
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن مروان بن الحكم أن عليا - رضي الله تعالى عنه - أوقف المولي.
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان عن مسعر بن كدام عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس أن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - كان يوقف المولي (قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف وتقول كيف قال الله عز وجل؟ {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء.
(قال الشافعي): أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رضي الله تعالى عنه - كان يوقف المولي.
اليمين التي يكون بها الرجل موليا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): اليمين التي فرض الله تعالى كفارتها اليمين بالله عز وجل ولا يحلف بشيء دون الله تبارك وتعالى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (قال الشافعي): فمن حلف بالله عز وجل فعليه الكفارة إذا حنث ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث ولا كفارة عليه إذا حنث والمولي من حلف بيمين يلزمه بها كفارة ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي لأنه لا يعدو أن يكون ممنوعا من الجماع إلا بشيء يلزمه به وما ألزم نفسه مما لم يك يلزمه قبل إيجابه أو كفارة يمين.
(قال): ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو خارج من الإيلاء، ومن حلف باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة كما لو حلف بالله عز وجل وجب عليه الكفارة، وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك يعني الجماع أو تالله أو بالله لا أقربك فهو مول في هذا كله، وإن قال الله لا أقربك فإن أراد اليمين فهو مول وإن لم يرد اليمين فليس بمول لأنها ليست بظاهر اليمين، وإذا قال هائم الله أو أيم الله أو ورب الكعبة أو ورب الناس أو وربي أو ورب كل شيء أو وخالقي أو خالق كل شيء أو ومالكي ومالك كل شيء لا أقربك فهو في هذا كله مول،



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #229  
قديم 09-03-2023, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (229)
صــــــــــ 283 الى صـــــــــــ 289




وكذا إن قال أقسم بالله أو أحلف بالله أو أولي بالله لا أقربك فهو مول وإن قال أقسمت بالله أو آليت بالله أو حلفت بالله لا أقربك سئل فإن قال عنيت بهذا إيقاع اليمين كان موليا وإن قال عنيت أني آليت منها مرة فإن عرف ذلك اعتراف منها أو ببينة تقوم عليه أنه حلف مرة فهو كما قال وليس بمول وهو خارج من حكم ذلك الإيلاء.

وإن لم تقم بينة ولم تعرف المرأة فهو مول في الحكم وليس بمول فيما بينه وبين الله عز وجل، وكذلك إن قال أردت الكذب وإن قال أنا مول منك أو علي يمين إن قربتك أو علي كفارة يمين إن قربتك فهو مول في الحكم فإن قال أردت بقولي أحلف بالله أني سأحلف به فليس بمول وإذا قال لامرأته مالي في سبيل الله تعالى أو علي مشي إلى بيت الله أو علي صوم كذا أو نحر كذا من الإبل إن قربتك فهو مول لأن هذا إما لزمه وإما لزمته به كفارة يمين (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال إن قربتك فغلامي فلان حر أو امرأتي فلانة طالق فهو مول والفرق بين العتق والطلاق وما وصفت أن العتق والطلاق حقان لآدميين بأعيانهما يقعان بإيقاع صاحبهما ويلزمان تبررا أو غير تبرر وما سوى هذا إنما يلزم بالتبرر.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال والكعبة أو عرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو والمواقف أو الخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشيء مما يشبه هذا لا أقربك لم يكن موليا لأن كل هذا خارج من اليمين وليس بتبرر ولا حق لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه.
(قال الشافعي): وكذلك إن قال إن قربتك فأنا أنحر ابنتي أو ابني أو بعير فلان أو أمشي إلى مسجد مصر أو مسجد غير المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه بهذا إيلاء لأنه ليس بيمين ولا يلزمه المشي إليه، ولا كفارة بتركه، وإن قال إن قربتك فأنا أمشي إلى مسجد مكة كان موليا لأن المشي إليه أمر يلزمه أو يلزمه به كفارة يمين.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يلزمه الإيلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التي هي صريحة وذلك والله لا أطؤك أو والله لا أغيب ذكري في فرجك أو لا أدخله في فرجك أو لا أجامعك أو يقول إن كانت عذراء والله لا أفتضك أو ما في هذا المعنى، فإن قال هذا فهو مول في الحكم.
وإن قال لم أرد الجماع نفسه كان مدينا فيما بينه وبين الله عز وجل ولم يدن في الحكم (قال الشافعي): وإن قال والله لا أباشرك أو والله لا أباضعك أو والله لا ألامسك أو لا ألمسك أو لا أرشفك أو ما أشبه هذا فإن أراد الجماع نفسه فهو مول وإن لم يرده فهو مدين في الحكم والقول فيه قوله.
ومتى قلت: القول قوله فطلبت يمينه أحلفته لها فيه (قال): ولو قال والله لا أجامعك إلا جماع سوء فإن قال عنيت لا أجامعك إلا في دبرك فهو مول والجماع نفسه في الفرج لا الدبر، ولو قال عنيت لا أجامعك إلا بأن لا أغيب فيك الحشفة فهو مول لأن الجماع الذي له الحكم إنما يكون بتغيب الحشفة، وإن قال عنيت لا أجامعك إلا جماعا قليلا أو ضعيفا أو متقطعا أو ما أشبه هذا فليس بمول.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإن قال والله لا أجامعك في دبرك فهو محسن غير مول لأن الجماع في الدبر لا يجوز، وكذلك إن قال والله أجامعك في كذا من جسدك غير الفرج لا يكون موليا إلا بالحلف على الفرج أو الحلف مبهما فيكون ظاهره الجماع على الفرج وإن قال والله لا أجمع رأسي ورأسك بشيء أو والله لأسوأنك أو لأغيظنك أو لا أدخل عليك أو لا تدخلين علي أو لتطولن غيبتي عنك أو ما أشبه هذا فكله سواء لا يكون موليا إلا بأن يريد الجماع، وإن قال والله ليطولن عهدي بجماعك أو ليطولن تركي لجماعك فإن عنى أكثر من أربع أشهر مستقبلة من يوم حلف فهو مول، وإن عنى أربعة أشهر أو أقل لم يكن موليا وإن قال والله لا أغتسل منك ولا أجنب منك وقال أردت أن أصيبها ولا أنزل ولست أرى الغسل إلا على من أنزل ولا الجنابة دين في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل منها حتى أصيب غيرها فأغتسل منه دين أيضا، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل وإن وجب الغسل لم يدن في القضاء ودين فيما بينه وبين الله عز وجل (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك ثم قال في ذلك المجلس أو بعده والله لا أقربك وفلانة لامرأة له أخرى طالق أو قال في مجلس آخر فلان غلامه حر إن قربتك فهو مول يوقف وقفا واحدا، وإذا أصاب حنث بجميع ما حلف.

(قال): وكذلك لو قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال في يمين أخرى لا أقربك ستة أشهر وقف وقفا واحدا وحنث إذا أصاب بجميع الأيمان وإن قال والله لا أقربك أربعة أشهر أو أقل ثم قال والله لا أقربك خمسة أشهر كان موليا بيمينه لا يقربها خمسة أشهر وغير مول باليمين التي دون أربعة أشهر وأربعة أشهر (قال الشافعي): ولو كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وأربعة أشهر وتركت وقفه عند الأولى والثانية كان لها وقفه ما بقي عليه من الإيلاء شيء لأنه ممنوع من الجماع بعد أربعة أشهر بيمين (قال): ولو قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال غلامي حر إن قربتك إذا مضت الخمسة الأشهر فتركته حتى مضت خمسة أشهر أو أصابها فيها خرج من حكم الإيلاء فيها.
فإن طلبت الوقف لم يوقف لها حتى تمضي الخمسة الأشهر من الإيلاء الذي أوقع آخرا ثم أربعة أشهر بعده ثم يوقف، وكذلك لو قال على الابتداء إذا مضت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوالله لا أقربك لم يكن موليا حتى يمضي خمسة أشهر أو ستة أشهر ثم يوقف بعد الأربعة الأشهر من يوم أوقع الإيلاء لأنه إنما ابتدأه من يوم أوقعه، ولو قال والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أقربك سنة فوقف في الإيلاء الأول فطلق ثم راجع فإذا مضت أربعة أشهر بعد رجعته وبعد الخمسة الأشهر وقف فإن كانت رجعته في وقت لم يبق عليه فيه من السنة إلا أربعة أشهر أو أقل لم يوقف لأني أجعل له أربعة أشهر من يوم يحل له الفرج ويجب عليه الإيلاء فإذا جعلته هكذا فلا وقف عليه (قال الشافعي): وإن قال والله لا أقربك إن شئت فليس بمول إلا أن تشاء فإن شاءت فهو مول، وإن قال والله لا أقربك كلما شئت فإن أراد بها كلما شاءت أن لا يقربها لم يقربها فشاءت أن لا يقربها كان موليا ولا يكون موليا حتى تشاء، وإن قال أردت أني لا أقربك في كل حين شئت فيه أن أقربك لا أني حلفت لا أقربك بمثل المعنى قبل هذا ولكني أقربك كلما أشاء لا كلما تشائين فليس بمول وإن قال إن قربتك فعلي يمين أو كفارة يمين فهو مول في الحكم، وإن قال لم أرد إيلاء دين فيما بينه وبين الله عز وجل وإن قال علي حجة إن قربتك فهو مول وإن قال إن قربتك فعلي حجة بعدما أقربك فهو مول وإن قال قربتك فعلي صوم هذا الشهر كله لم يكن موليا كما لا يكون موليا لو قال إن قربتك فعلي صوم أمس وذلك أنه لا يلزمه صوم أمس لو نذره بالتبرر فإذا لم يلزمه بالتبرر لم يلزمه بالإيلاء ولكنه لو أصابها وقد بقي عليه من الشهر شيء كانت عليه كفارة يمين أو صوم ما بقي منه وإذا قال الرجل لامرأته إن قربتك فأنت طالق ثلاثا وقف فإن فاء فإذا غابت الحشفة طلقت ثلاثا فإن أخرجه ثم أدخله بعد فعليه مهر مثلها فإن أبى أن يفيء طلق عليه واحدة فإن راجع كانت له أربعة أشهر وإذا مضت وقف ثم هكذا حتى تنقضي طلاق هذا الملك وتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم إن نكحها بعد زوج فلا إيلاء ولا طلاق وإن أصابها كفر.

(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو كان آلى منها سنة فتركته حتى مضت سقط الإيلاء ولو لم تدعه فوقف لها ثم طلق ثم راجع كان كالمسألة الأولى فإذا مضت له أربعة أشهر بعد الرجعة وقف إلى أن تنقضي السنة قبل ذلك ولو قال رجل لامرأته أنت علي حرام يريد تحريمها بلا طلاق أو اليمين بتحريمها فليس بمول لأن التحريم شيء حكم فيه بالكفارة إذا لم يقع به الطلاق كما لا يكون الظهار والإيلاء طلاقا وإن أريد بهما الطلاق لأنه حكم فيهما بكفارة (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا قال لامرأته إن قربتك فأنت علي حرام ولا يريد طلاقا ولا إيلاء فهو مول يعني قوله أنت علي حرام (قال الشافعي): وإن قال لامرأته إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهاري فإن كان متظهرا فهو مول ما لم يمت العبد أو يبعه أو يخرجه من ملكه، وإن كان غير متظهر فهو مول في الحكم لأن ذلك إقرار منه بأنه متظهر وإن وصل الكلام فقال إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهاري إن تظهرت لم يكن موليا حتى يتظهر فإذا تظهر والعبد في ملكه كان موليا لأنه حالف حينئذ بعتقه ولم يكن أولا حالفا، فإن قال إن قربتك فلله علي أن أعتق فلانا عن ظهاري وهو متظهر كان موليا وليس عليه أن يعتق فلانا عن ظهاره وعليه فيه كفارة يمين لأنه يجب لله عليه عتق رقبة فأي رقبة أعتقها غيره أجزأت عنه، ولو كان عليه صوم يوم فقال لله علي أن أصوم يوم الخميس عن اليوم الذي علي لم يكن عليه صومه لأنه لم ينذر فيه بشيء يلزمه وأن صوم يوم لازم له فأي يوم صامه أجزأ عنه ولو صامه بعينه أجزأ عنه من الصوم الواجب لا من النذر، وهكذا لو أعتق فلانا عن ظهاره أجزأ عنه وسقطت عنه الكفارة.
(قال): وإذا قال الرجل لامرأته إن قربتك فلله علي أن لا أقربك لم يكن موليا لأنه لو كان قال لها ابتداء لله علي أن لا أقربك لم يكن موليا لأنه لا حالف ولا عليه نذر في معاني الأيمان يلزمه به كفارة يمين وهذا نذر في معصية (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى الرجل من امرأته ثم قال لأخرى من نسائه قد أشركتك معها في الإيلاء لم تشركها لأن اليمين لزمته للأولى واليمين لا يشترك فيها (قال): وإذا حلف لا يقرب امرأته وامرأة ليست له لم يكن موليا حتى يقرب تلك المرأة فإن قرب تلك المرأة كان موليا حينئذ وإن قرب امرأته حنث باليمين (قال): وإن قال إن قربتك فأنت زانية فليس بمول إذا قربها وإذا قربها فليس بقاذف يحد حتى يحدث لها قذفا صريحا يحد به أو يلاعن، وهكذا إن قال إن قربتك ففلانة لامرأة له أخرى زانية.

الإيلاء في الغضب(قال الشافعي): والإيلاء في الغضب والرضا سواء كما يكون اليمين في الغضب والرضاء سواء وإنما أوجبنا عليه الإيلاء بما جعله الله عز وجل من اليمين وقد أنزل الله تعالى الإيلاء مطلقا لم يذكر فيه غضبا ولا رضا.
ألا ترى أن رجلا لو ترك امرأته عمره لا يصيبها ضرارا لم يكن موليا.ولو كان الإيلاء إنما يجب بالضرار وجب على هذا ولكنه يجب بما أوجبه الله عز وجل وقد أوجبه مطلقا.
المخرج من الإيلاء
(قال الشافعي)
: ومن أصل معرفة الإيلاء أن ينظر كل يمين منعت الجماع بكل حال أكثر من أربعة أشهر إلا بأن يحنث الحالف فهو مول وكل يمين كان يجد السبيل إلى الجماع بحال لا يحنث فيها وإن حنث في غيرها فليس بمول (قال الشافعي): - رحمه الله -: وكل حالف مول وإنما معنى قولي ليس بمول ليس يلزمه حكم الإيلاء من فيئة أو طلاق وهكذا ما أوجب مما وصفته في مثل معنى اليمين (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر عن أبيه عن مجاهد قال تزوج ابن الزبير أو الزبير (شك الربيع) امرأة فاستزاده أهلها في المهر فأبى فكان بينه وبينهم شر فحلف أن لا يدخلها عليه حتى
يكون أهلها الذين يسألونه ذلك فلبثوا سنين ثم طلبوا ذلك إليه فقالوا أقبض إليك أهلك ولم يعد ذلك إيلاء وأدخلها عليه.
(قال الشافعي)
: لأن أهلها الذين طلبوا إدخالها عليه (قال الشافعي): ويسقط الإيلاء من وجه بأن يأتيها ولا يدخلها عليه ولعله أن لا يكون أراد هذا المعنى بيمينه (قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك إن شاء الله تعالى فلا إيلاء وإن قال والله لا أقربك إن شاء فلان فليس بإيلاء حتى يشاء فلان فإن شاء فلان فهو مول وإذا قال والله أقربك حتى يشاء فلان فليس بمول لأن فلانا قد يشاء.

فإن خرس فلان أو غلب على عقله فليس بمول لأنه قد يفيق فيشاء، فإن مات فلان الذي جعل إليه المشيئة فهو مول لأنه لا يشاء إذا مات.
وكذلك إن قال لا أقربك حتى يشاء أبوك أو أمك أو أحد من أهلك وكذلك إن قال حتى تشائي أو حتى أشاء أو حتى يبدو لي أو حتى أرى رأيي (قال الشافعي): وكذلك إن قال والله لا أقربك بمكة أو بالمدينة أو حتى أخرج من مكة أو المدينة أو لا أقربك إلا ببلد كذا أو لا أقربك إلا في البحر أو لا أقربك على فراشي أو لا أقربك على سرير أو ما أشبه هذا لأنه لا يقدر على أن يقربها على غير ما وصفت ببلد غير البلد الذي حلف أن لا يقربها فيه ويخرجها من البلد الذي حلف لا يقربها فيه ويقربها في حال غير الحال التي حلف لا يقربها فيها ولا يقال له أخرجها من هذا البلد الذي حلفت لا تقربها فيه قبل أربعة أشهر إذا جعلته ليس بمول لم أحكم عليه حكم الإيلاء، وكذلك لو قال والله لا أقربك حتى أريد أو حتى أشتهي لم يكن موليا أقول به أرد أو أشته، وإن قال والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك لم يكن موليا لأنها قد تفطمه قبل أربعة أشهر إلا أن يريد لا أقربك أكثر من أربعة أشهر.
وإن قال والله لا أقربك حتى أفعل أو تفعلي أمرا لا يقدر واحد منهما على فعله بحال كان موليا، وذلك مثل أن يقول والله لا أقربك حتى أحمل الجبل كما هو أو الأسطوانة كما هي أو تحمليه أنت أو تطيري أو أطير أو ما لا يقدر واحد منهما على فعله بحال أو تحبلي وتلدي في يومي هذا، ولو قال لامرأته والله لا أقربك إلا ببلد كذا وكذا لا يقدر على أن يقربها بتلك البلدة بحال إلا بعد أربعة أشهر كان موليا يوقف بعد الأربعة الأشهر، ولو قال والله لا أقربك حتى تحبلي وهي ممن يحل مثلها بحال لم يكن موليا لأنها قد تحبل ولو قال والله لا أقربك إلا في سفينة في البحر لم يكن موليا لأنه يقدر على أن يقربها في سفينة في البحر.
الإيلاء من نسوة ومن واحدة بالأيمان
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لأربع نسوة له والله لا أقربكن فهو مول منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب واحدة أو اثنتين أو ثلاثا خرج من حكم الإيلاء فيهن، وعليه للباقية أن يوقف حتى يفيء أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الأربع اللاتي حلف عليهن كلهن، فإذا فعل فعليه كفارة يمين، ويطأ منهن ثلاثا ولا يحنث فيهن ولا إيلاء عليه فيهن؛ ويكون حينئذ في الرابعة موليا لأنه يحنث بوطئها؛ ولو ماتت إحداهن سقط عنه الإيلاء لأنه يجامع البواقي ولا يحنث ولو طلق واحدة منهن أو اثنتين أو ثلاثا كان موليا بحاله في البواقي لأنه لو جامعهن والتي طلق حنث (قال): ولو آلى رجل من امرأته ثم طلقها ثم جامعها بعد الطلاق حنث.
وكذلك لو آلى من أجنبية ثم جامعها حنث باليمين مع المأثم بالزنا وإن نكحها بعد خرج من حكم الإيلاء (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لأربع نسوة له والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فأصاب واحدة حنث وسقط عنه حكم الإيلاء في
البواقي ولو لم يقرب واحدة منهن كان موليا منهن يوقف لهن فأي واحدة أصاب منهن خرج من حكم الإيلاء في البواقي لأنه قد حنث بإصابة واحدة فإذا حنث مرة لم يعد الحنث عليه، ولو قال والله لا أقرب واحدة منكن يعني واحدة دون غيرها فهو مول من التي حلف لا يقربها وغير مول من غيرها.التوقيف في الإيلاء
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها فذلك على الأبد وإذا مضت أربعة أشهر فطلبت أن يوقف لها وقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وإن لم تطلب لم أعرض لا لها ولا له، وإن قالت قد تركت الطلب ثم طلبت أو عفوت ذلك أو لا أقول فيه شيئا ثم طلبت كان لها ذلك لأنها تركت ما لم يجب لها في حال دون حال فلها أن تطلبه بعد الترك، وإن طلبته قبل أربعة أشهر لم يكن لها وإن كانت مغلوبة على عقلها أو أمة فطلبه ولي المغلوبة على عقلها أو سيد الأمة فليس ذلك لواحد منهما ولا يكون الطلب إلا للمرأة نفسها، ولو عفاه سيد الأمة فطلبته كان ذلك لها دونه (قال الشافعي): وكل من حلف مول على يوم حلف أو أقل أو أكثر ولا نحكم بالوقف في الإيلاء إلا على من حلف على يمين يجاوز فيها أربعة أشهر فأما من حلف على أربعة أشهر أو أقل فلا يلزمه حكم الإيلاء لأن وقت الوقف يأتي وهو خارج من اليمين.
وإنما قولنا ليس بمول في الموضع الذي لزمته فيه اليمين ليس عليه حكم الإيلاء (قال الشافعي): ومن حلف بعتق رقيقه أن لا يقرب امرأته على الأبد فمات رقيقه أو أعتقهم خرج من حكم الإيلاء لأنه لم يبق عليه شيء يحنث به ولو باعهم خرج من حكم الإيلاء ما كانوا خارجين من ملكه فإذا عادوا إلى ملكه فهو مول لأنه يحنث لو جامعها (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه لو باع رقيقه ثم اشتراهم كان هذا ملكا حادثا ولا يحنث فيهم وهو أحب إلي (قال الشافعي): ولو حلف بطلاق امرأته أن لا يقرب امرأة له أخرى فماتت التي حلف بطلاقها أو طلقها ثلاثا خرج من حكم الإيلاء لأنه لا يحنث بطلاقها في هذه اليمين أبدا ولو طلقها كان خارجا من حكم الإيلاء ما لم تكن زوجته ولا عليها رجعة، وإذا كانت أقل من الثلاث وله عليها الرجعة أو نكحها بعد البينونة من واحدة أو اثنتين بالخروج من العدة أو الخلع فهو مول (قال الربيع) وللشافعي قول آخر في مثل هذا أنها إذا خرجت من العدة من طلاق بواحدة أو اثنتين أو خالعها فملكت نفسها ثم تزوجها ثانية كان هذا النكاح غير النكاح الأول ولا حنث ولا إيلاء عليه (قال الشافعي): ومن حلف أن لا يقرب امرأته أكثر من أربعة أشهر فتركته امرأته فلم تطلبه حتى مضى الوقت الذي حلف عليه فقد خرج من حكم الإيلاء لأن اليمين ساقطة عنه (قال): ولو قال لامرأة إذا تزوجتك فوالله لا أقربك لم يكن موليا فإذا قربها كفر، ولو قال لامرأته إذا كان غد فوالله لا أقربك أو إذا قدم فلان فوالله لا أقربك فهو مول من غد ومن يوم يقدم فلان.
وإن قال إن أصبتك فوالله لا أصيبك لم يكن موليا حين حلف لأن له أن يصيبها مرة بلا حنث فإذا أصابها مرة وكان موليا وإذا قال والله لا أصيبك سنة إلا مرة لم يكن موليا من قبل أن له أن يصيبها مرة بلا حنث.
فإذا أصابها مرة كان موليا (قال الربيع) إن كان بقي من يوم أصابها من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر فهو مول وإن لم يكن بقي عليه أكثر من أربعة أشهر سقط الإيلاء عنه (قال الشافعي): وإذا قال والله لا أصيبك إلا إصابة سوء وإصابة ردية فإن نوى أن لا يغيب الحشفة في ذلك منها فهو مول.
وإن أراد قليلة أو ضعيفة لم يكن موليا.

وإن أراد أن لا يصيبها إلا في دبرها فهو مول.
لأن الإصابة الحلال
للطاهر في الفرج.
ولا يجوز في الدبر ولو قال والله لا أصيبك في دبرك أبدا لم يكن موليا وكان مطيعا بتركه إصابتها في دبرها.
ولو قال والله لا أصيبك إلى يوم القيامة أو لا أصيبك حتى يخرج الدجال أو حتى ينزل عيسى ابن مريم فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شيء مما حلف عليه وقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق (قال الربيع) وإذا قال والله لا أقربك حتى أموت أو تموتي كان موليا من ساعته وكان كقوله: والله لا أقربك أبدا لأنه إذا مات قبل أن يقربها أو ماتت لم يقدر أن يقربها (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال الإيلاء أن يحلف بالله على الجماع نفسه وذلك أن يحلف لا يمسها فأما أن يقول لا أمسك ولا يحلف أو يقول قولا غليظا ثم يهجرها فليس ذلك بإيلاء (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه في الإيلاء أن يحلف لا يمسها أبدا أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر ونحو ذلك مما زاد على الأربعة الأشهر.
من يلزمه الإيلاء من الأزواج
(قال الشافعي)
: ويلزم الإيلاء كل من إذا طلق لزمه الطلاق ممن تجب عليه الفرائض وذلك كل زوج بالغ غير مغلوب على عقله وسواء في ذلك الحر والعبد ومن لم تكمل فيه الحرية والذمي والمشرك غير الذمي رضيا بحكمنا.

وإنما سويت بين العبد والحر فيه أن الإيلاء يمين جعل الله تبارك وتعالى لها وقتا دل جل ثناؤه على أن على الزوج إذا مضى الوقت أن يفيء أو يطلق فكان العبد والحر في اليمين سواء.

وكذلك يكونان في وقت اليمين وإنما جعلتها على الذمي والمشرك إذا تحاكما إلينا أن ليس لأحد أن يحكم بغير حكم الإسلام وأن الإيلاء يمين يقع بها طلاق أو فيئة في وقت فألزمناهموها (قال الشافعي): وكفارة العبد في الحنث الصوم ولا يجزئه غيره وإذا كان الزوج ممن لا فرض عليه وذلك الصبي غير البالغ والمغلوب على عقله بأي وجه كانت الغلبة إلا السكران فلا إيلاء عليه ولا حنث لأن الفرائض عنه ساقطة وإذا آلى السكران من الخمر والشراب المسكر لزمه الإيلاء لأن الفرائض له لازمة لا تزول عنه بالسكر وإن كان المغلوب على عقله يجن ويفيق فآلى في حال إفاقته لزمه الإيلاء وإن آلى في حال جنونه لم يلزمه.

وإن قالت المرأة آليت مني صحيحا وقال الزوج ما آليت منك وإن كنت فعلت فإنما آليت مغلوبا على عقلي فالقول قوله مع يمينه.
وإذا كان لا يعرف له جنون فقالت آليت مني فقال آليت منك وأنا مجنون فالقول قولها وعليه البينة إذا لم يعلم ذهاب عقله في وقت يجوز أن يكون موليا فيه في وقت دعواها ولو اختلفا فقالت قد آليت مني وقال لم أول أو قالت قد آليت ومضت أربعة أشهر وقال قد آليت وما مضى إلا يوم أو أقل أو أكثر كان القول في ذلك قوله مع يمينه وعليها البينة، وإذا قامت البينة فهو مول من يوم وقتت بينتها.
ولو قامت له بينة بإيلاء وقتوا فيه غير وقتها كان موليا ببينتها وبينته وليس هذا اختلافا إنما هذا مول إيلاءين (قال الشافعي): ولا يلزم الإيلاء إلا زوجا صحيح النكاح فأما فاسد النكاح فلا يلزمه إيلاء.

ولا يلزم الإيلاء إلا زوجة ثابتة النكاح أو مطلقة له وعليها رجعة في العدة فإنها في حكم الأزواج فأما مطلقة لا رجعة له عليها في العدة فلا يلزمه إيلاء منها وإن آلى في العدة وكذلك لا يلزمه إيلاء من مطلقة يملك رجعتها إذا كان إيلاؤه منها بعد مضي العدة لأنها ليست في معاني الأزواج إذا مضت عدتها (قال الشافعي): - رحمه الله -: والإيلاء من كل زوجة مسلمة أو ذمية أو أمة
سواء لا يختلف في شيء.
الوقف
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر وقف وقيل له إن فئت وإلا فطلق والفيئة الجماع إلا من عذر.
ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الإيلاء وكفر عن يمينه، فإن قال أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع فقد خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في يمينه فإن كان لها كفارة كفر وإن قال أنا أفيء فأجلني أكثر من يوم لم أؤجله ولا يتبين لي أن أؤجله ثلاثا.
ولو قاله قائل كان مذهبا فإن فاء وإلا قلت له طلق فإن طلق لزمه الطلاق وإن لم يطلق طلق عليه السلطان واحدة.
وكذلك إن قال أنا أقدر على الجماع ولا أفيء طلق عليه السلطان واحدة.
فإن طلق عليه أكثر من واحدة كان ما زاد عليها باطلا.

سواء لا يختلف في شيء.
الوقف
(قال الشافعي)
: وإذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر وقف وقيل له إن فئت وإلا فطلق والفيئة الجماع إلا من عذر.

ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الإيلاء وكفر عن يمينه، فإن قال أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع فقد خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في يمينه فإن كان لها كفارة كفر وإن قال أنا أفيء فأجلني أكثر من يوم لم أؤجله ولا يتبين لي أن أؤجله ثلاثا.
ولو قاله قائل كان مذهبا فإن فاء وإلا قلت له طلق فإن طلق لزمه الطلاق وإن لم يطلق طلق عليه السلطان واحدة.

وكذلك إن قال أنا أقدر على الجماع ولا أفيء طلق عليه السلطان واحدة.

فإن طلق عليه أكثر من واحدة كان ما زاد عليها باطلا.

وإنما جعلت له أن يطلق عليه واحدة لأنه كان على المولى أن يفيء أو يطلق فإذا كان الحاكم لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عليه ولزمه حكم الطلاق كما نأخذ منه كل شيء وجب عليه أن يعطيه من حد وقصاص ومال وبيع وغيره إذا امتنع من أن يعطيه وكما يشهد على طلاقه فيطلق عليه وهو ممتنع من الطلاق جاحد له (قال): وإن قال أنا أصبتها ثم جب قبل أربعة أشهر فلها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه.

وإن قال أنا أصبتها فعرض له مكانه مرض يمنع الإصابة قلنا فئ بلسانك ومتى أمكنك أن تصيبها وقفناك فإن أصبتها وإلا فرقنا بينك وبينها.
ولو كان المرض عارضا لها حتى لا يقدر



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #230  
قديم 09-03-2023, 04:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,396
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (230)
صــــــــــ 290 الى صـــــــــــ 295




ولو كان المرض عارضا لها حتى لا يقدر على أن يجامع مثلها لم يكن عليه سبيل ما كانت مريضة فإذا قدر على جماع مثلها وقفناه حتى يفيء أو يطلق (قال): ولو وقفناه فحاضت لم يكن عليه شيء حتى تطهر فإذا طهرت قيل له أصب أو طلق (قال): ولو أنها سألت الوقف فوقف فهربت منه أو أقرت بالامتناع منه لم يكن عليه الإيلاء حتى تحضر وتخلي بينه وبين نفسها فإذا فعلت فإذا فاء وإلا طلق أو طلق عليه، ولو أنها طلبت الوقف فوقف لها فأحرمت مكانها بإذنه أو بغير إذنه فلم يأمرها بإحلال لم يكن عليه طلاق حتى تحل ثم يوقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وهكذا لو ارتدت عن الإسلام لم يكن عليه طلاق حتى ترجع إلى الإسلام في العدة فإذا رجعت قيل له فئ أو طلق وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة بانت منه بالردة ومضي العدة (قال): وإذا كان منع الجماع من قبلها بعد مضي الأربعة الأشهر قبل الوقف أو معه لم يكن لها على الزوج سبيل حتى يذهب منع الجماع من قبلها ثم يوقف مكانه لأن الأربعة الأشهر قد مضت وإذا كان منع الجماع من قبلها في الأربعة الأشهر بشيء تحدثه غير الحيض الذي خلقه الله عز وجل فيها ثم أبيح الجماع من قبلها أجل من يوم أبيح أربعة أشهر كما جعل الله تبارك وتعالى له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم تكمل له حتى يمضي حكمها استؤنفت له متتابعة كما جعلت له أولا (قال): ولو كان آلى منها ثم ارتد عن الإسلام في الأربعة الأشهر أو ارتدت أو طلقها أو خالعها ثم راجعها أو رجع المرتد منهما إلى الإسلام في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل له الفرج بالمراجعة أو النكاح أو رجوع المرتد منهما إلى الإسلام ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في هذا الباب صارت محرمة كالأجنبية الشعر والنظر والجس والجماع وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة بشيء غير الجماع وحده.
فأما الشعر والنظر والجس فلم يحرم منها وهكذا لو ارتدا معا (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو آلى من امرأته ثم طلق إحدى نسائه في الأربعة الأشهر ولم يدر أيتهن طلق فمضت أربعة
أشهر فطلبت أن يوقف فقال هي التي طلقت حلف للبواقي وكانت التي طلق ومتى راجعها فمضت أربعة أشهر وقفته أبدا حتى يمضي طلاق الملك كما وصفت، ولو مضت الأربعة الأشهر ثم طلبت أن يوقف فقال لا أدري أهي التي طلقت أم غيرها.
قيل له إن قلت هي التي طلقت فهي طالق وإن قلت ليست هي حلفت لها إن ادعت الطلاق ثم فئت أو طلقت وإن قلت: لا أدري فأنت أدخلت منع الجماع على نفسك فإن طلقتها فهي طالق وإن لم تطلقها وحلفت أنها ليست التي طلقت أو صدقتك هي ففئ أو طلق وإن أبيت ذلك كله طلق عليك بالإيلاء لأنها زوجة مولى منها عليك أن تفيء إليها أو تطلقها.
فإن قلت لا أدري لعلها حرمت عليك فلم تحرم بذلك عليك تحريما يبينها عليك وأنت مانع الفيئة والطلاق فتطلق عليك.
فإن قامت بينة أنها التي طلقت عليك قبل طلاق الإيلاء سقط طلاق الإيلاء.
وإن لم تقم بينة لزمك طلاق الإيلاء وطلاق الإقرار معا.
ثم هكذا البواقي (قال): وإذا آلى وبينه وبين امرأته أكثر من أربعة أشهر فطلبت ذلك امرأته أو وكيل لها أمر بالفيء بلسانه والمسير إليها كما يمكنه وقيل فإن فعلت وإلا فطلق (قال): وأقل ما يصير به فائيا أن يجامعها حتى تغيب الحشفة.

وإن جامعها محرمة أو حائضا أو هو محرم أو صائم خرج من الإيلاء وأثم بالجماع في هذه الأحوال.
ولو آلى منها ثم جن فأصابها في حال جنونه أو جنت فأصابها في حال جنونها خرج من الإيلاء.
وكفر إذا أصابها وهو صحيح وهي مجنونة ولم يكفر إذا أصابها وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع في تلك الحال.
ولو أصابها وهي نائمة أو مغمى عليها خرج من الإيلاء وكفر (قال): وكذلك إذا أصابها أحلها لزوجها وأحصنها وإنما كان فعله فعلا بها لأنه يوجب لها المهر بالإصابة وإن كانت هي لا تعقل الإصابة فلزمها بهذا الحكم وأنه حق لها أداه إليها في الإيلاء كما يكون لو أدى إليها حقا في مال أو غيره برئ منه.
طلاق المولي قبل الوقف وبعده
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أوقف المولي فطلق واحدة أو امتنع من الفيء بلا عذر فطلق عليه الحاكم واحدة فالتطليقة تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة في العدة وإن راجعها في العدة فالرجعة ثابتة عليه والإيلاء قائم بحال ويؤجل أربعة أشهر من يوم راجعها وذلك يوم يحل له فرجها بعد تحريمه فإن مضت أربعة أشهر وقف لها فإن طلقها أو امتنع من الفيئة من غير عذر فطلق عليه فالطلاق يملك الرجعة.
وإن راجعها وهي في العدة فالرجعة ثابتة عليه فإن مضت أربعة أشهر من يوم راجعها وقف فإن طلق أو لم يفئ فطلق عليه فقد مضى الطلاق ثلاثا وسقط حكم الإيلاء فإن نكحت زوجا آخر وعادت إليه بنكاح بعد زوج لم يكن عليه حكم الإيلاء ومتى أصابها كفر.
(قال الشافعي): وهذا معنى القرآن لا يخالفه لأن الله تعالى جعل له إذا امتنع من الجماع بيمين أجل أربعة أشهر فلما طلق الأولى وراجع كانت اليمين قائمة كما كانت أولا فلم يجز أن يجعل له أجلا إلا ما جعل الله عز وجل له ثم هكذا في الثانية والثالثة.
وهكذا لو آلى منها ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها في العدة ما كانت لم تصر أولى بنفسها منه (قال): وإذا طلقها فكانت أملك بنفسها منه بأن تنقضي عدتها أو يخالعها أو يولي منها قبل أن يدخل بها ثم يطلقها.
فإذا فعل هذا ثم نكحها نكاحا جديدا بعد العدة أو قبلها سقط حكم الإيلاء عنه وإنما سقط حكم الإيلاء عنه بأنها قد صارت لو طلقها لم يقع عليها طلاقه، ولا يجوز أن يكون عليه حكم الإيلاء وهو لو أوقع الطلاق لم يقع.

وكذلك يكون بعد لو طلقها ثلاثا بهذه العلة ولو جاز أن تبين امرأة المولي منه حتى تصير أملك بنفسها منه ثم ينكحها فيعود عليه حكم الإيلاء إذا

نكحها جاز هذا بعد طلاق الثلاث وزوج غيره لأن اليمين قائمة بعينها يكفر إذا أصابها وكانت قائمة قبل الزوج.
وهكذا الظهار مثل الإيلاء لا يختلفان (قال الربيع) والقول الثاني أنه يعود عليه الإيلاء ما بقي من طلاق الثلاث شيء (قال الشافعي): وإذا بانت امرأة المتظهر منه ولم يحبسها بعد الظهار ساعة ثم نكحها نكاحا جديدا
لم يعد عليه التظهر لأنه لم يلزمه في الملك الذي تظهر منها كفارة ولو حبسها بعد التظهر ساعة ثم بانت منه لزمه التظهر لأنه قد عاد لما قال.
وكذلك لو ماتت في الوجهين معا (قال الشافعي): وإنما جعلت عليه الكفارة لأنها يمين لزمته.
ألا ترى أنه لو حلف لا يصيب غير امرأته فأصابها كانت عليه كفارة مع المأثم بالزنا.
إيلاء الحر من الأمة والعبد من امرأته وأهل الذمة والمشركين
(قال الشافعي): وإيلاء الحر من امرأته الأمة والحرة سواء فإن آلى من امرأته وهي أمة ثم اشتراها سقط الإيلاء بانفساخ النكاح فإن خرجت من ملكه ثم نكحها أمة أو حرة لم يعد الإيلاء لأن ملكه هذا غير الملك الذي آلى فيه وهكذا العبد يولي من امرأته حرة أو أمة فتملكه سقط بانفساخ النكاح فإن عتق فنكحها أو خرج من ملكها فنكحها لم يعد الإيلاء ولو أن الحر المشتري لامرأته الأمة بعد الإيلاء منها أصابها بالملك كفر إذا كانت يمينه والله لا أقربك وإن لم يصبها لم يكن عليه وقف إذا كانت إصابته بالملك كما لو آلى من أمته لم يكن موليا لأن الله تبارك وتعالى إنما جعل الإيلاء من الأزواج فإن خرجت من ملكه ثم نكحها لم يعد عليه الإيلاء لأنه قد حنث به مرة ولو كان قد قال لها والله لا أقربك وأنت زوجة لي ثم ملكها فأصابها بالملك لم يحنث ومتى نكحها نكاحا جديدا غير النكاح الذي آلى فيه لم يعد عليه الإيلاء، وهكذا العبد يولي من امرأته ثم تملكه ثم ينكحها، وهكذا لو كانت امرأة أحدهما أمة فارتدت فانفسخ النكاح ثم نكحته بعد لا يعود الإيلاء إذا حرم عليه نكاحها لأن هذا غير النكاح الذي آلى منه (قال): وإذا حلف العبد بالله أو بما لزمه فيه يمين من تبرر كان موليا، وإن حلف بكل شيء له في سبيل الله أو بعتق مماليكه أو صدقة شيء من ماله لم يكن موليا لأنه لا يملك شيئا وكذلك المدبر والمكاتب، ولو حلف المعتق بعضه بصدقة شيء من ماله لزمه الإيلاء لأن له ما كسب في يومه (قال الشافعي): والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم إلينا لأن الإيلاء يمين يلزمه وطلاقه كطلاق المسلم وكذلك يلزمه من اليمين ما يلزم المسلمين.
ألا ترى أنه لو أعتق عبده أو أصاب امرأته ألزمناه الإيلاء لأن العتق حق لغيره وإن لم يؤجر فيه وإن أعتق عبده تبررا ألزمناه وإن لم يؤجر فيه في حاله تلك فكذلك ما سواه وفرض الله عز وجل على العباد واحد.
فإن قيل هو إن تصدق على المساكين لم يكفر عنه؟ قيل: وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود للمسلمين كفارة للذنوب ونحن نحده إذا زنى وأتانا راضيا بحكمنا، وحكم الله عز وجل على العباد واحد وإنما حددناه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا بما أمره الله تعالى به أن يحكم بينهم بما أنزل الله.
الإيلاء بالألسنة
(قال الشافعي): إذا كان لسان الرجل غير لسان العرب فآلى بلسانه فهو مول، وإذا تكلم بلسانه بكلمة تحتمل الإيلاء وغيره كان كالعربي يتكلم بالكلمة وتحتمل معنيين ليس ظاهرهما الإيلاء فيسأل
فإن قال أردت الإيلاء فهو مول وإن قال لم أرد الإيلاء فالقول قوله مع يمينه إن طلبته امرأته وإن كان عربيا يتكلم بألسنة العجم أو بعضها فآلى فأي لسان منها آلى به فهو مول.
وإن قال لم أرد الإيلاء دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في الحكم.
وإن كان عربيا لا يتكلم بأعجمية فتكلم بإيلاء ببعض ألسنة العجم فقال ما عرفت ما قلت وما أردت إيلاء فالقول قوله مع يمينه.
وليس حاله كحال الرجل يعرف بأنه يتكلم بلسان من ألسنة العجم ويعقله.
وهكذا الأعجمي يولي بالعربية إذا كان يعرف الإيلاء بالعربية لم يصدق في الحكم على أن يقول لم أرد إيلاء ولكن سبقني لساني لم يدن في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى.

إيلاء الخصي غير المجبوب والمجبوب
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى الخصي غير المجبوب مع امرأته فهو كغير الخصي وهكذا لو كان مجبوبا قد بقي له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصي في جميع أحكامه.
وإذا آلى الخصي المجبوب من امرأته قيل له فئ بلسانك لا شيء عليه غيره لأنه ممن لا يجامع مثله وإنما الفيء الجماع وهو ممن لا جماع عليه (قال): ولو تزوج رجل امرأة ثم آلى منها ثم خصي ولم يجب كان كالفحل ولو جب كان لها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه فإن اختارت المقام معه قيل له إذا طلبت الوقف ففء بلسانك لأنه ممن لا يجامع (قال الربيع) إن اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الأجل أنه لا يكون لها خيار ثانية والمجبوب عندي مثله (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى العنين من امرأته أجل سنة ثم خيرت إلا أن يطلقها عند الأربعة الأشهر فإن طلقها ثم راجعها في العدة عاد الإيلاء عليه وخيرت عند السنة في المقام معه أو فراقه.
إيلاء الرجل مرارا
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته فلما مضى شهران أو أكثر أو أقل آلى منها مرة أخرى وقف عند الأربعة الأشهر الأولى فإما أن يفيء وإما أن يطلق فإن فاء حنث في اليمين الأولى واليمين الثانية ولم يعد عليه الإيلاء لأنه قد حنث في اليمينين معا وإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة وإن أراد يمينا عليه غيرها فأحب إلي أن لو يكفر كفارتين وقد قيل كفارة واحدة تجزئه لأنهما يمينان في شيء واحد.
وهكذا لو آلى منها فلما مضت أربعة أشهر آلى ثانية قبل يوقف أو يطلق ولكنه لو آلى فوقف فطلق طلاقا يملك الرجعة ثم آلى في العدة ثم ارتجع أو فاء ثم آلى إيلاء آخر كان عليه إيلاء مستقبل (قال): وإذا آلى الرجل من امرأته فحيل بينه وبينها بأمر ليس من قبله قبل أن يكمل أربعة أشهر ثم قدر عليها استؤنف له أربعة أشهر كما جعل الله عز وجل له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم يتكمل له حتى يمضي حكمها استؤنفت له متتابعة كما جعلت له أولا.
وذلك مثل أن تحبس فلا يقدر عليها.
ومثل أن يكون آلى منها صبية لا يقدر على جماعها بحال أو مضناة من مرض لا يقدر على جماعها بحال وإذا صارتا في حد من يجامع مثله وقف لهما بعد أربعة أشهر من يوم يقدر على جماعهما فإن فاء وإلا طلق وإن أبى طلق عليه
قال) وإن كانت مريضة يقدر على جماعها بحال أو صبية يجامع مثلها فهي كالصحيحة البالغ، وسواء آلى من بكر أو ثيب ولا فيئة في البكر إلا بذهاب العذرة ولا في الثيب إلا بمغيب الحشفة، وإذا كان الحبس عن الجماع في الأربعة الأشهر لا بسبب المرأة ولا منها ولا أنها حرمت عليه كما تحرم الأجنبية إلا بحال يحدثها فالإيلاء له لازم ولا يزاد على أربعة أشهر شيئا فإذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء فيء جماع أو فيء معذور وذلك مثل أن يؤلي فيمرض هو أربعة أشهر فإذا مضت وقف فإن كان يقدر على الجماع بحال فلا فيء له إلا فيء الجماع وإن كان لا يقدر عليه فاء بلسانه ومثل أن يؤلي فيحبس أو يؤلي وهو محبوس فإذا مضت أربعة أشهر وهو يقدر على الجماع بحال فاء أو طلق وإن لم يقدر على الجماع بحال للحبس فاء بلسانه (قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن قلت له فئ بلسانك فإذا قدر على الجماع بحال وقفته مكانه فإن فاء وإلا طلق أو طلق عليه ولا أؤجله إلى أجل الصحيح إذا وقفته بعد أربعة أشهر (قال): وإذا آلى فغلب على عقله فإذا مضت أربعة أشهر لم يوقف حتى يرجع إليه عقله فإن عقل بعد الأربعة الأشهر وقف مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وإذا آلى الرجل من امرأته ثم أحرم قيل له إذا مضت أربعة أشهر فإن فئت فسد إحرامك وخرجت من حكم الإيلاء وإن لم تفئ طلق عليك لأنك أحدثت منع الجماع وإن آلى ثم تظاهر وهو يجد الكفارة فإذا مضت أربعة أشهر وقف فقيل له أنت أدخلت منع الجماع على نفسك فإن فئت فأنت عاص بالإصابة وأنت متظاهر وليس لك أن تطأ قبل الكفارة وإن لم تفئ فطلق أو يطلق عليك، وهكذا لو تظاهر ثم آلى لأن ذلك كله جاء منه لا منها ولم تحرم عليه بالظهار حرمة الأجنبية.

اختلاف الزوجين في الإصابة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا وقفنا المولي فقال قد أصبتها وقالت لم يصبني فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي ما تكون به الفرقة التي هي إليه وإن كانت بكرا أريها النساء فإن قلن هي بكر فالقول قولها مع يمينها، وإذا قالت قد أصابني وإنما أدخله بيده حتى غيب الحشفة فذلك فيء إن صدقها (قال الربيع) وإن غلبته على نفسه حتى أدخلته بيدها فقد فاء وسقط عنه الإيلاء ولا كفارة عليه لأنه مكره (قال الشافعي): وإن وقف لأنها سألت وقفه فادعى إصابتها في الأربعة الأشهر وأنكرت فالقول فيها كالقول إذا وقفناه بعد أربعة أشهر يصدق إن كانت ثيبا وتصدق هي إن كانت بكرا.
من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور} (قال الشافعي): فكل زوج جاز طلاقه وجرى عليه الحكم من بالغ غير مغلوب على عقله وقع عليه الظهار سواء كان حرا أو عبدا أو من لم تكمل فيه الحرية أو ذميا من قبل أن أصل الظهار كان طلاق الجاهلية فحكم الله تعالى فيه بالكفارة فحرم الجماع على المتظاهر بتحريمه للظهار حتى

يكفر وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين غير مغلوبين على عقولهم (قال): وظهار كل واحد من هؤلاء يقع على زوجته دخل بها أو لم يدخل بها صغيرة كانت أو كبيرة يحل جماعها ويقدر عليه أو لا يحل ولا يقدر عليه بأن تكون حائضا أو محرمة أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو خارجة من هذا كله (قال): ولو تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فسد النكاح والظهار بحاله لا يقربها حتى يكفر من قبل أن الظهار لزمه وهي زوجة؛ وإذا تظاهر السكران لزمه الظهار.
فأما المغلوب على عقله بغير سكر فلا يلزمه، وإذا تظاهر الأخرس وهو يعقل الإشارة أو الكتابة لزمه الظهار، وإذا تظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك معها أو قال أنت مثلها أو ما أشبه هذا يريد به الظهار فإن عليه فيها مثل ما عليه في التي تظاهر منها وهو ظهار، فإن لم يرد به ظهارا ولا تحريما فليس بظهار ولا شيء عليه وإذا قال لامرأة له أنت علي كظهر أمي إن شاء الله فليس بظهار، ولو قال إن شاء الله فلان فليس بظهار حتى يعلم أن فلانا قد شاء، وإذا تظاهر الرجل من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لأن الله تعالى قد حكم في الظهار غير حكمه في الإيلاء فلا يكون المتظاهر موليا ولا المولي متظاهرا بأحد القولين ولا يكون عليه بأحدهما إلا أيهما جعل على نفسه لأنه مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء، وسواء كان مضارا بالظهار أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء بالضرار ويأثم لو تركها الدهر بلا يمين يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء ولا يحال حكم عما أنزل الله تبارك وتعالى فيه.
الظهار
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} (قال الشافعي): سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة الظهار والإيلاء والطلاق فأقر الله تعالى الطلاق طلاقا وحكم في الإيلاء بأن أمهل الموالي أربعة أشهر ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق وحكم في الظهار بالكفارة فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها أو يريد تحريمها بلا طلاق فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر وكذلك إن تكلم بالظهار ولا ينوي شيئا فهو متظاهر لأنه متكلم بالظهار ويلزم الظهار من لزمه الطلاق ويسقط عمن سقط عنه وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتيه فكان يملك رجعة إحداهما ولا يملك رجعة الأخرى فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار من التي يملك رجعتها ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها (قال الشافعي): وإذا تظاهر من أمته أم ولد كانت أو غير أم ولد لم يلزمه الظهار لأن الله عز وجل يقول {والذين يظاهرون من نسائهم} وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء ولا الطلاق فيما لا يلزمه الظهار وكذلك قال الله تبارك وتعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} فلو آلى من أمته لم يلزمه الإيلاء، وكذلك قال {والذين يرمون أزواجهم} وليست من الأزواج فلو رماها لم يلتعن لأنا عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا وإنما نساؤنا أزواجنا ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الأحكام لزمها كلها لأن ذكر الله عز وجل لها واحد.
ما يكون ظهارا وما لا يكون
(قال الشافعي): - رحمه الله -: والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فإذا قال لها أنت مني كظهر أمي أو أنت معي أو ما أشبه هذا كظهر أمي فهو ظهار، وكذلك لو قال لها فرجك أو رأسك أو بدنك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك علي كظهر أمي كان هذا ظهارا، وكذلك لو قال أنت أو بدنك علي كظهر أمي أو كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها أو كرجلها كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل أمه محرم عليه كتحريم التلذذ بظهرها (قال): وإذا قال لامرأته أنت علي كظهر أختي أو كظهر امرأة محرمة عليه من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الأم.
أما الرحم فإن ما يحرم عليه من أمه يحرم عليه منها، وأما الرضاع فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - الرضاع مقام النسب فلم يجز أن يفرق بينهما (قال الربيع) معنى قول الشافعي إن الله عز وجل نسب الظهار إلى الأم فقال عز وجل من قائل {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم} فكل ما كان محرما على المرء كما تحرم الأم فظاهر من امرأته فنسبه إلى من تحرم عليه كحرمة الأم لزمه الظهار، ولك مثل أن يقول أنت علي كظهر أختي ولم تزل أخته محرمة عليه لم تحل له قط فكان بذلك متظاهرا قال الربيع فإن قال أنت علي كظهر أجنبية لم يكن مظاهرا من قبل أن الأجنبية وإن كانت في هذا الوقت محرمة فهي تحل له لو تزوجها والأم لم تكن حلالا قط له ولا تكون حلالا أبدا.
فإن قال أنت علي كظهر أختي من الرضاعة فإن كانت قد ولدت قبل أن ترضعه أمها فقد كانت قبل أن يكون الرضاع حلالا له ولا يكون مظاهرا بها وليست مثل الأخت من النسب التي لم تكن حلالا قط له وهذه قد كانت حلالا له قبل أن ترضعه أمها فإن كانت أمها قد أرضعته قبل أن تلدها فهذه لم تكن قط حلالا له في حين لأنها ولدتها بعد أن صار ابنها من الرضاعة (قال الربيع) وكذلك امرأة أبيه فإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر امرأة أبي.

فإن كان أبوه قد تزوجها قبل أن يولد فهو مظاهر من قبل أنها لم تكن له حلالا قط ولم يولد إلا وهي حرام عليه، وإن كان قد ولد قبل أن يتزوجها أبوه فقد كانت في حين حلالا له فلا يكون بها متظاهرا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإن قال أنت علي كظهر امرأة أبي أو امرأة ابني أو امرأة رجل سماه أو امرأة لاعنها أو امرأة طلقها ثلاثا لم يكن ظهارا من قبل أن هؤلاء قد كن وهن يحللن له.
وإن قال أنت علي كظهر أبي أو ابني لم يكن ظهارا من قبل أن ما يقع على النساء من تحريم وتحليل لا يقع على الرجال (قال): وإن قالت امرأة رجل له أنت علي كظهر أبي أو أمي لم يكن ظهارا ولا عليها كفارة من قبل أنه ليس لها أن توقع التحريم على رجل إنما للرجل أن يوقعه عليها (قال الشافعي): ويلزم الظهار من الأزواج من لزمه الطلاق ويلزم بما يلزم به الطلاق من الحنث لأن فيه تحريما للمرأة حتى يكفر، فإذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت الدار كان متظاهرا حين دخلت.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 453.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 447.54 كيلو بايت... تم توفير 5.69 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]