حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 183 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28422 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60027 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 812 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-08-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية

حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية


د. جميل حمداوي





توطئة:
يعد حميد لحمداني من أهم الدارسين المغاربة الذين اهتموا بالصورة الروائية من الوجهة الأسلوبية، متأثرا في ذلك بكتابات M.Bakhtine ميخائيل باختين [1] بصفة خاصة، كما يتبين ذلك واضحا في كتابه (أسلوبية الرواية)[2] الذي تناول فيه الباحث الصورة السردية البوليفونية، من خلال التركيز على صورة اللغة والأسلوب والمنظور السردي. ويعني هذا أن حميد لحمداني قد تعامل مع بلاغة الصورة السردية الموسعة في ضوء أسلوبية بوليفونية متعددة الأصوات، تمتح تصوراتها النظرية والتطبيقية من أفكار الروسي ميخائيل باختين، كما ضمنها في مجموعة من كتبه، مثل: (شعرية دويستفسكي)، و(الماركسية وفلسفة اللغة)[3]...


هذا، وقد توقف حميد لحميداني عند مجموعة من مكونات صورة اللغة وسماتها الفنية والجمالية، منها: الحوارية، والأسلبة، والتنضيد، والتناص، والتهجين، والباروديا، والتنويع...


إذاً، ما أهم مميزات الصورة البوليفونية عند حميد لحمداني بنية ودلالة ووظيفة؟ وما أهم مقوماتها النظرية والتطبيقية؟ وإلى أي مدى كان حميد لحمداني وفيا للصورة الروائية بالمفهوم الذي طرحه الناقد الأكاديمي محمد أنقار في كتابه القيم (صورة المغرب في الرواية الإسبانية)[4]؟ هذا ما سوف نستعرضه في المباحث التالية.

حميد لحمداني والبلاغة الموسعة:
لقد اهتم حميد لحمداني بالصورة السردية الموسعة، بشكل من الأشكال، بتوقفه عند صورة اللغة، وصورة الأسلوب، وصورة المنظور السردي، متأثرا في ذلك بالناقد الروسي ميخائيل باختين. بيد أن الصورة السردية التي تناولها في كتابه (أسلوبية الرواية) هي الصورة البوليفونية، ولم يتعامل معها نظريا ومنهجيا وحرفيا بطريقة الدكتور محمد أنقار في كتابه (صورة المغرب في الرواية الإسبانية)، والذي كان يربط الصورة السردية الموسعة بمجموعة من المقاييس النقدية هي: الطاقة البلاغية، والطاقة اللغوية، وقواعد الجنس، والسياق النصي، والسياق الذهني. ويعني هذا أن حميد لحمداني قد تصرف في معيار الصورة الروائية اجتهادا وتميزا وتفردا. وبالتالي، فقد كان يتعامل مع الصورة من خلال مبادئ الأسلوبية البوليفونية، كما يتجلى ذلك واضحا عند ميخائيل باختين في كتابيه (شعرية دويستفسكي)، و(الماركسية وفلسفة اللغة).


وعلى الرغم من ذلك، فقد تنبه حميد لحمداني إلى أهمية الصورة الروائية من خلال التركيز على مكونات الجنس الروائي وسماته النوعية، وتمثل الصورة الروائية بشكل نسبي عند مناقشته لصورة اللغة خصوصا، وحين تمييزه بين الرواية المنولوجية والديالوجية، والحديث عن التهجين والأسلبة، والتنضيد، والحوارية، والتناص، والتعددية الأسلوبية...


ويعني هذا كله أن حميد لحمداني كان سباقا إلى الحديث عن البلاغة السردية الموسعة، والحديث أيضا عن الصورة الروائية من خلال مناقشته لصورة اللغة والأسلوب في ضوء تحليل أسلوبي كلي وعام، يراعي قواعد الجنس أو النوع الأدبي.

صورة اللغة والأسلوب:
يميز حميد لحمداني بين الرواية المنولوجية والرواية الديالوجية أو البوليفونية أو المتعددة الأصوات. ويقصد بالبوليفونية (Poliphonie/poliphony) لغة تعدد الأصوات، وقد أخذ هذا المصطلح من عالم الموسيقى، ليتم نقله إلى حقل الأدب والنقد. ومن ثم، فالمقصود بالرواية البوليفونية تلك الرواية التي تتعدد فيها الشخصيات المتحاورة، وتتعدد فيها وجهات النظر، وتختلف فيها الرؤى الإيديولوجية. بمعنى أنها رواية حوارية تعددية، تنحى المنحى الديمقراطي، حيث تتحرر بشكل من الأشكال من سلطة الراوي المطلق، وتتخلص أيضا من أحادية المنظور واللغة والأسلوب.


وبتعبير آخر، ترتكز هذه الرواية المتعددة الأصوات والمنظورات على حرية البطل النسبية، واستقلالية الشخصية في التعبير عن مواقفها بكل حرية وصراحة، ولو كانت هذه المواقف، بحال من الأحوال، مخالفة لرأي الكاتب. وللتوضيح أكثر، تسرد كل شخصية الحدث الروائي بطريقتها الخاصة، بواسطة منظورها الشخصي، ومن زاوية نظرها الفردية، وبأسلوبها الفردي الخاص. بمعنى، أن الرواية تقدم عصارتها الإبداعية وأطروحتها المرجعية عبر أصوات متعددة؛ وهذا ما يجعل القارئ الضمني الواعي يختار بكل حرية الموقف المناسب، ويرتضي المنظور الإيديولوجي الذي يلائمه ويوافقه، دون أن يكون المتلقي في ذلك مستلبا أو مخدوعا من قبل السارد أو الكاتب أو الشخصية على حد سواء. ويعني هذا كله أن الرواية البوليفونية مختلفة أيما اختلاف عن الرواية المنولوجية الأحادية الراوي والموقف، واللغة، والأسلوب، والمنظور.


كما استعرض حميد لحميداني، في كتابه (أسلوبية الرواية)، مجموعة من الأنماط الأسلوبية ضمن صورة اللغة، مثل: الأسلبة، والتهجين، والتنضيد، والحوارية، والباروديا، والتناص، والمحاكاة الساخرة...


فالتهجين هو خلط متعمد للغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، أو التقاء وعين لسانيين مختلفين طبقيا أو اجتماعيا أو لسانيا أو زمنيا، حيث يتشكل لدينا نمطان من الوعي: وعي مشخص (بكسر الخاء) ووعي مشخص (بفتح الخاء)، كأن نمزج في ملفوظ حواري واحد لغة تراثية ولغة معاصرة، أو نستحضر وعيا أزهريا ووعيا ليبراليا، أو نستحضر وعي فلاح مقابل وعي إقطاعي. وتعبر هذه التعددية المهجنة عن تعددية طبقية ولغوية ولسانية، وتشير كذلك إلى مختلف التناقضات الاجتماعية.


أما الأسلبة فهي "أسلبة وعي لساني معاصر لمادة لغوية تنتمي لوعي آخر، بحيث تكون اللغة الأجنبية هي مادة الكتابة"[5].


إذاً، فالأسلبة الروائية هي التي تقوم على تقليد الأساليب أو الجمع بين لغة مباشرة (أ)، من خلال لغة ضمنية (ب) في ملفوظ واحد[6]، أو الجمع بين أسلوبين: أسلوب معاصر وأسلوب تراثي داخل ملفوظ كلامي واحد، كما نجد ذلك في الكثير من الروايات العربية الحداثية ذات البعد التراثي، كروايتي (مجنون الحكم)[7] و(العلامة)[8] لبنسالم حميش، ورواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني[9]، ورواية (جارات أبي موسى) لأحمد توفيق[10]، حيث يقلد هؤلاء الكتاب أساليب السرد التراثي، من أجل تحقيق وظائف فنية وجمالية ودلالية...


ومن الأمثلة على ذلك مقطع من رواية (زمن بين الولادة والحلم) للمبدع المغربي أحمد المديني: "...وقف الرجل، وأوقف، وبكى واستبكى، وكان موقفا جليلا مهيبا. سيرفع الكرب، يرخى اللجام، ترفع عقيرة مولانا الإمام...وبخ بخ: بلغني، فيما بلغني، وبلغت فيما بلغت، ولقد أبلغت وبلغ لي، وعن السلف الصالح، وغار حراء، وبحار المعرفة السبع، وصلنا أنه ياسيد الرجال، لابد من... (ويغضي من مهابته)...لابد من بناء سور من حديد على الجدران، فتنفس القوم الصعداء.. عداء... داء وقام بعدها سيد الناس ليفاجئ الناس: لنشرب الليلة نخب معرفة حكمة الإمام... مام... مام"[11].


في حين، تستند الباروديا أو المحاكاة الساخرة "إلى الحديث بواسطة كلمة الآخرين... إن كلمة المحاكاة الساخرة يمكن أن تكون متنوعة لدرجة كبيرة يمكن أن نحاكي محاكاة ساخرة أسلوب الغير بوصفه أسلوبا. يمكن أن نحاكي محاكاة ساخرة طريقة نموذجية على المستوى الاجتماعي أو شخصية على المستوى الفردي، طريقة في الرؤية، في التفكير، في الكلام. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحاكاة الساخرة تكون عميقة، بهذه الدرجة أو تلك، يمكن أن تقتصر المحاكاة الساخرة على الأشكال اللفظية السطحية، غير أن الممكن كذلك أن تغور هذه المحاكاة الساخرة لتصل إلى المبادئ والأسس العميقة لكلمة الغير.إضافة إلى ذلك، فإن كلمة المحاكاة الساخرة يمكن أن تستخدم من جانب المؤلف بصورة مختلفة: المحاكاة الساخرة تستطيع أن تكون هدفا بذاتها..."[12].


ويعني هذا أن المحاكاة الساخرة هي طريقة أسلوبية قائمة على إيراد أساليب الآخرين تضمينا وتناصا وحوارا، ومحاكاتها بطريقة ساخرة قوامها: التناقض، و التضاد، والسخرية، والگروتيسك، والروح الكرنفالية... ويوجد هذا النوع من الأساليب بكثرة في الروايات العربية التراثية الساخرة كرواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني، ورواية (مجنون الحكم) لبنسالم حميش...


أما الحوار أو الديالوغ البوليفوني، فهو بمثابة حوار مباشر خارجي، يستلزم تعدد الشخصيات، واختلاف المواقف والأفكار، وتصارع الإيديولوجيات. وفي المقابل، هناك الحوار الداخلي (المنولوج)، والحوار الصامت الدال على الصمت والسكوت والحذف والإضمار.


وعليه، فصورة اللغة عند حميد لحمداني هي التعددية الأسلوبية أو ما يسمى كذلك بالأسلوب الروائي. ومن ثم، فالهدف من هذا الأسلوب هو التعبير عما يريده الكاتب، وتصوير الواقع الإيديولوجي والثقافي، ورسم الصورة الكاملة للشخصية الروائية. ويعني هذا أن الصورة عند لحمداني صورة مرجعية ومرآوية أكثر مماهي صورة فنية وجمالية وتخييلية. أي: ترتبط الصورة اللغوية والأسلوبية بمقصدية إيديولوجية، يترابط فيها الشكل والموضوع في علاقة جدلية. وهذه المقصدية هي التعبير عن صراع المواقف الفكرية، واختلاف وجهات النظر إلى العالم، وكشف التناقضات الاجتماعية الطبقية والإيديولوجية.

التصور المنهجي:
ينبني تصور حميد لحمداني على الأسلوبية الروائية أو ما يسمى أيضا ببلاغة الرواية، من خلال تجاوز البلاغة الشعرية التقليدية بصورها البيانية ومحسناتها البديعية، وإن كان يستفيد منها – من جهة أخرى- من خلال توسيعها لتصبح أدوات صالحة لمقاربة النص الروائي في عموميته وكليته وإطاره العام. ومن ثم، يعتبر كتابه" مدخلا نظريا لأجل قيام أسلوبية جديدة لدراسة الفن الروائي[13]"، من خلال التركيز على صورة اللغة والأسلوب الروائي، كما تتحدد ذلك جليا في هذه القولة: "يتبين لنا أن لغة الرواية ذات طبيعة تمثيلية، لأنها تعتمد في بناء ذاتها على اللغات الجاهزة سلفا، فنقتبس من كل واحدة صورة خاصة، وتضمها جميعا إلى بعضها لتعبر بصورة اللغة - لا بلغة فردية مباشرة - عما يريده الكاتب"[14].


ويتضح لنا من هذه القولة بأن صورة اللغة تعبير عن ذات الكاتب ومقاصده المباشرة وغير المباشرة، وهي تمثيل للواقع، وانعكاس لتعددية لغوية وصوتية. ونجد هذا التعريف نفسه عند ميخائيل باختين الذي ربط صورة اللغة بالطابع الإيديولوجي والطبقي.ويعني هذا أن الصورة الروائية، عند حميد لحمداني، هي صورة سردية أسلوبية وبوليفونية.


ومن ناحية أخرى، فقد تمثل الباحث تصور رومان جاكبسون (R.Jakobson) عندما وضح إشكالية المشابهة والمجاورة، وتوقف عند الوظيفة الجمالية التي تنتج عن إسقاط محور الاستبدال على محور التأليف. لكن المهم في هذا المقام أنه ناقش طرح جاكبسون حول الكناية، محاولا توسيعها ضمن بلاغة سردية كلية. وفي هذا الإطار، يقول الباحث: "غير أن ما نبحث عنه عند جاكبسون هو ضرورة ربط الكناية بالإطار العام للنص، وقد أشار إلى أن الكناية تتبع الظروف الموصوفة دون أن يقدم تفصيلا معينا لهذه النقطة المهمة التي تشير في الواقع إلى مسألة التخطيط الذهني للكاتب؛ لأنه لامعنى للقول بأن اختفاء الكاتب في السرد هو مثلا اختفاء تام، فهو إذ يختفي على مستوى العبارة، فإنه من جهة أخرى، يقوى حضوره على مستوى البناء الكلي للنص، بينما يقوم الشاعر الغنائي التقليدي بتكثيف حضوره على مستوى العبارة على حساب حضوره على مستوى البناء الكلي"[15].


وعليه، يرى الباحث أنه من الممكن الاستفادة من البلاغة الكلاسيكية أو البلاغة التراثية، بشرط أن تدرس ضمن رؤية سردية موسعة، تحترم خصوصية الجنس الروائي والإطار الكلي للنص، أو ما يسمى أيضا بالسياق الجنسي والسياق الكلي.


هذا، ويقترب حميد لحمداني من الصورة الروائية على مستوى صورة اللغة والأسلوب، وإن لم تطابق تصوراته مجمل أفكار الدكتور محمد أنقار فيما يخص الصورة الروائية، فلكل باحث منظوره الخاص إلى الصورة السردية الموسعة، وإلا سنصبح نسخا مكررة نعيد مرات ومرات، بصيغة من الصيغ، ما قاله أستاذنا محمد أنقار في أطروحته الجامعية حول الصورة الروائية، فلابد – إذاً - من الاجتهاد في باب الصورة الروائية لتطوير درس البلاغة السردية الموسعة.


ومن باب الإشارة، يستند معيار الصورة الروائية، عند الدكتور محمد أنقار، إلى المكونات والسمات، فالمكونات هي عناصر ثابتة، وهي من عناصر الجنس الأدبي.في حين، تعد السمات خاصيات ثانوية في الجنس الأدبي، فقد تحضر أو تغيب، وتشكل ما يسمى بالبلاغة النوعية. ومن هنا، يتكون الفن الروائي من مكونات ثابتة، مثل: الأحداث، والشخصيات، والمكان، والزمان، والرؤية السردية، واللغة، والأسلوب. وتتمثل السمات النوعية في الواقعية، والرومانسية، والتوتر، والدرامية، والإيقاع، والشاعرية، والعجائبية، والسخرية...إلخ. وتتكامل المكونات مع السمات ضمن صورة كلية لتشكل ما يسمى بالصورة الروائية تفاعلا وتآصرا وتساندا، وينتج عن هذا ما يسمى بالتصوير الروائي لموضوع معين.

وتأسيسا على ما سبق، يرى مصطفى الورياغلي أن حميد لحمداني بعيد كل البعد عن معيار الصورة الروائية بمفهوم محمد أنقار. وفي هذا السياق، يقول مصطفى الورياغلي:" وعلى الرغم من أننا نتفق مع الباحث في ضرورة ربط الصورة البلاغية بالإطار العام للنص، إلا أننا نرى أن ذلك الربط لاينحصر في علاقة الصورة البلاغية بالحبكة، بل الأمر في حاجة إلى مزيد من التوسيع والتفصيل.فالصورة البلاغية في النص الروائي يجب أن تدرس في علاقتها بالسياقات الآتية:
—• سياق الجنس الروائي الذي نشتغل من خلال مكوناته.


سياق النوع الروائي بما يمتلكه من سمات متميزة في التصوير والتشخيص.


—• سياق النص الروائي وما ينسجه من حبكة وأحداث وعلاقات.


—• سياق التلقي متمثلا في ما يضطلع به القارئ من علميات ذهنية انطلاقا من المؤشرات والعلامات النصية قصد التحقيق الجمالي للنص.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-08-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية



فالصورة البلاغية في النص الروائي تعمل في التحام تام بهذه السياقات جميعها، ويكسبها هذا الالتحام خصوصيتها وتميزها عن مثيلاتها من الصور البلاغية المدرجة في أجناس أدبية مغايرة"[16].


إذاً، يستعرض مصطفى الورياغلي نظرية أستاذنا محمد أنقار على مستوى التصور المنهجي، لكن يمكن الاستفادة من تصورات حميد لحمداني وآراء باختين في توسيع الصورة الروائية، وإثراء البلاغة السردية الموسعة. وليس من الضروري التقيد بهذه الوصفة المنهجية بحذافيرها لتأسيس درس الصورة الروائية، بل يمكن الاستفادة من البلاغة القديمة، والأسلوبية، والشعرية، والسيميائيات، واللسانيات، مع احترام مميزات الفن الروائي تجنيسا وتنويعا وتنميطا وأسلبة، ودراسته ضمن إطار كلي وعام. ومن هنا، يمكن القول بأن حميد لحمداني كان من المبشرين ببلاغة الرواية الموسعة على مستوى صورة اللغة، والصورة الكلية، وتمثل قواعد الجنس الروائي من خلال التمييز بين الرواية المنولوجية والرواية البوليفونية أو ما يسمى أيضا بالرواية الحوارية أو المتعددة الأصوات. وفي هذا الصدد، يقول الباحث: "كانت فكرة الجنس الأدبي ملازمة لفكرة الأسلوب. فلكل جنس أشكال تعبيره الضرورية المحددة، والتي لاتقتصر على تكوينه فحسب، بل تشمل أيضا مفرداته ونحوه أشكاله البلاغية وأدواته الفنية التصويرية"[17].


وهذا دليل على أن حميد لحمداني قد اهتم بالصورة الروائية، مادام يعنى بدراسة الرواية ضمن سياقها الجنسي والنوعي. ويهتم كذلك بسياقها التصويري العام والكلي، وإن لم يتناول باقي المكونات الأخرى التي تشكل ما يسمى بالحبكة السردية. فيكفيه فخرا أنه تنبه مبكرا إلى الصورة البلاغية أو صورة اللغة أو الصورة السردية الموسعة، وليس من اللازم أن يتبنى منهجية معيار الصورة الروائية كما عند أنقار التزاما حرفيا. لكن مصطفى ورياغلي لا يعترف بذلك، و ينفي عن الباحث أن يكون لديه أدنى وعي أو اهتمام بالصورة الروائية بالمفهوم الأنقاري للصورة. وفي هذا النطاق، يقول مصطفى الورياغلي: "بيد أن تصور الباحث لطبيعة الأسلوب الروائي، واقتناعه بالدور الحاسم الذي يضطلع به مفهوم "صورة اللغة" أو تحديد أسلوب الرواية وتمييزه عن أساليب الأجناس الأدبية الأخرى، وعن أساليب الشعر على وجه الخصوص، يحتاجان إلى التمحيص والمناقشة. فالأسلوب الأدبي، مهما كان انتماؤه الجنسي، يتكون من جملة من العناصر أو المكونات والسمات وتداخلها.

ومن ثم، لايجوز حصر الأسلوب الروائي في مكون واحد متمثل في صورة اللغة، حيث يؤكد ألرخ ليو (Ulrich Leo) أن "كل ما يصنع الكيف (لا ال"ماذا") في العمل الفني هو الأسلوب، ولا ينحصر ذلك في التعبير اللغوي، بل يشمل البنية ككل والشخصيات والمواقف وحتى الحبكة والأحداث". ولعل حصر أسلوب الرواية في مكون اللغة أو صورة اللغة استمرار خفي لهيمنة الشعر على مفاهيم الأسلوبية ومناهجها. فالأسلوبية الشعرية تنبني على تحليل عناصر أو مكونات جنس الشعر اللغوية"[18].


ويعني هذا أن حميد لحمداني قد تناول مكونا واحدا من مكونات الجنس الروائي وهو مكون اللغة، ولم يتناول باقي المكونات الأخرى، ولم يشر إلى السمات الأخرى التي تميز نصا روائيا معينا عن باقي النصوص الروائية الأخرى. وفي هذا السياق، يقول مصطفى الورياغلي أيضا: "يحصر حميد لحمداني الأسلوب في "صوت اللغة" التي تضطلع بعملية التعبير أو التصوير.وهذا التصور يخالف التصور الشعري للأسلوب من جهة، ويوافقه من جهة أخرى؛ يبتعد عن التصور الشعري للأسلوب عندما يؤكد أن الروائي لايعبر أو يصور بأسلوب فردي متجانس، بل بواسطة أساليب متعددة تتجسد في "صورة اللغة"، باعتبارها تعددا للغات والأصوات الاجتماعية.غير أنه يوافق التصور الشعري عندما يحصر الأسلوب في مكون اللغة دون غيره من مكونات جنس الرواية"[19].


لو فرضنا جدلا بأن حميد لحمداني قد اكتفي بمكون واحد، ولم يتعامل مع باقي مكونات الحبكة الروائية من أحداث وشخصيات وفضاء، أليس هذا المكون الجزئي كافيا لإدراج الباحث ضمن المهتمين بالصورة الروائية؟ ثم من قال بأن الباحث كان يتعامل مع صورة اللغة في ضوء أسلوبية شعرية مادام قد ركز على اللغة فقط؟


لكننا نتناسى أن الباحث كان يعالج هذه الصورة من خلال رؤية بوليفونية باختينية، ويستقي أمثلته من نصوص سردية روائية، يحلل مكوناتها الأسلوبية واللغوية للتمييز بين المنولوجية والديالوجية، مع مراعاة قواعد الجنس، من خلال التركيز على الطاقة اللغوية والطاقة البلاغية ضمن سياق كلي وعام. وفي هذا السياق، يقول الباحث:" يمكن القول إننا توصلنا، حتى الآن، إلى أن كل دراسة أسلوبية ينبغي لها مراعاة جانبين أساسيين:
ضرورة دراسة العناصر الأسلوبية الصغرى في ضوء مجموع النص، وذلك لكي تحتل موقعها الفعلي بالنسبة للنسق العام.
ضرورة مراعاة الخصائص العامة للنوع الأدبي الذي ندرسه أسلوبيا"[20]


علاوة على هذا، يرفض الباحث دراسة الأسلوب الروائي ضمن رؤية منولوجية شعرية فردية، بل يدعو إلى دراسته ضمن رؤية رواية بوليفونية قائمة على تعدد اللغات والأساليب والأصوات. وفي هذا الصدد، يقول الباحث:" لايمكن أمام هذه الحقيقة أن يلجأ الدارس الأسلوبي إلى تحليل الأسلوب الروائي ناظرا إليه باعتباره وحدة منسجمة تعبر فقط عن الفردية الأسلوبية للكاتب. فسيكون هذا عملا عشوائيا، ولا معنى له في ضوء التعددية الأسلوبية التي تكون مجموعة بناء الروائي"[21].


بل يتفق الباحث مع محمد أنقار أيضا في بعض الملامح المنهجية، كالإشارة إلى الصورة السردية أو الروائية، والتعامل مع الصورة الكلية، والاهتمام بصورة اللغة، ومراعاة السياقين: الجنسي والنوعي.


لذا، نعتبر رؤية مصطفى الورياغلي، تجاه ما كتبه حميد لحمداني في كتابه (أسلوبية الرواية)، رؤية غير موضوعية؛ إذ يحاكمه من خلال معيار الصورة الروائية لدى الدكتور محمد أنقار. وشتان بين منهجية الأول والثاني، فلكل واحد مجاله وتميزه المنهجي الخاص.


وعليه، يتبين لنا، مما سبق ذكره، بأن حميد لحمداني قد تمثل معيار الصورة الروائية، بشكل من الأشكال، ولو كان ذلك ضمن رؤية أسلوبية روائية، تمتح أفكارها من تصورات ميخائيل باختين، وبيرسي لوبوك، ورومان جاكبسون، وأ. ف. تشيتشرين...

الخاتمة:
وخلاصة القول، لقد تنبه حميد لحمداني إلى الصورة الروائية في وقت مبكر منذ سنة (1989م) مع صدور كتابه (أسلوبية الرواية)، وقد دافع عن صورة روائية معينة هي الصورة السردية البوليفونية القائمة على تعدد اللغات، وتعدد الأفكار، وتعدد الأصوات، وتعدد المنظورات. ومن ثم، فقد كان سباقا إلى الإشارة إلى التعامل مع الأسلوب الروائي ضمن كلية عامة، وضمن السياقين الجنسي والنوعي. كما تعامل مع صورة اللغة المبنية على التهجين، والأسلبة، والحوارية، والمحاكاة الساخرة، والتنضيد، والتناص...


ومهما اختلفنا مع الدارسين الآخرين (مصطفى الورياغلي- مثلا -) حول كيفية تعامل الباحث مع الصورة الروائية، فإن حميد لحمداني يلتقي مع الدكتور محمد أنقار، مؤسس مشروع الصورة الروائية، في كثير من الجوانب المتعلقة ببلاغة السرد الموسعة. ويكفي الباحث فخرا أنه عمق صورة اللغة، وصورة المنظور السردي، وصورة الأسلوب الروائي، وكان يراعي في ذلك قواعد الجنس والنوع الروائي، ويدرس ذلك في إطار صورة كلية عامة.


هذا، وإذا كان محمد أنقار قد اهتم كثيرا بالصورة الروائية في الأدب المقارن، وإذا كان مصطفى الورياغلي قد اهتم بالصورة الروائية في الخطاب النقدي، وإذا كان عبد الرحيم الإدريسي قد اهتم بالصورة الروائية في الرواية الشاعرية الصوفية، وإذا كان شرف الدين ماجدولين قد اهتم بالصورة الروائية في الأدب الشعبي، وإذا كان جميل حمداوي قد اهتم بالصورة السردية في القصة القصيرة، وإذا كان محمد مشبال قد اهتم بالصورة البلاغية والحجاجية في السرد القديم على غرار تلميذه محمد العناز، وإذا كان البشير البقالي قد اهتم بالصورة الروائية في أدب الأطفال، فإن حميد لحمداني قد اهتم بالصورة الروائية البوليفونية في مجال الأسلوبية.


[1] ميخائيل باختين: شعرية دويستفسكي، ترجمة: الدكتور جميل نصيف التكريتي، دارتوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م.

[2] د.حميد لحمداني: أسلوبية الرواية، منشورات دراسات سال، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1989م.

[3] ميخائيل باختين: الماركسية وفلسفة اللغة، دارتوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م.

[4] د. محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدرسي بتطوان، الطبعة الأولى سنة 1994م.

[5] د.إدريس قصوري: أسلوبية الرواية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بنمسيك الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2001م، ص: 410.

[6] د.حميد لحمداني: أسلوبية الرواية، ص: 88.

[7] بنسالم حميش: مجنون الحكم، دار رياض الريس، لندن، 1990م.

[8] بنسالم حميش: العلامة، دار الآداب، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1997م.

[9] جمال الغيطاني: الزيني بركات، دار الشروق، الطبعة الرابعة، 2009م.

[10] أحمد توفيق: جارات أبي موسى، منشورات دار القبة الزرقاء، الطبعة الثانية، سنة2000م.

[11] أحمد الميني: زمن بين الولادة والحلم، دار النشر المغربية، طبعة 1976م، ص: 71.

[12] ميخائيل باختين: نفسه،ص: 282-283.

[13] حميد لحمداني: نفسه، ص: 6-7.

[14] حميد لحمداني: نفسه، ص: 26.

[15] حميد لحمداني: نفسه، ص: 57.

[16] مصطفى الورياغلي: الصورة الروائية، مكتبة دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012مص: 137.


[17] حميد لحمداني: نفسه، ص: 285.

[18] مصطفى الورياغلي: نفسه، ص: 130.

[19] مصطفى الورياغلي: نفسه، ص: 131.

[20] حميد لحمداني: نفسه، ص: 14.

[21] حميد لحمداني: نفسه، ص: 31.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.14 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]