اللغة العربية الواقع والمأمول - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-09-2019, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي اللغة العربية الواقع والمأمول

اللغة العربية الواقع والمأمول



محمد مغوري شهوان







مقدمة:

إن الحمد لله، مستحق الحمد وملهمه، وصلاة وسلامًا دائمين دائبين على النبي العربي الأمي المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:

فإن القرآن كلام الله المنزل على عبده، المتعبد بتلاوته، أنزله الله بلسان عربي مبين تشريفًا وتكريمًا للسان العرب، ومندوحة لهم بين الأمم.

فزاد الله – تعالى - العربيةَ - بجعلها لغة كتابه وبيان شريعته - عزًّا وتشريفًا، وفصاحة وبيانًا، وجعلها متفردة بين لغات الأمم، وزادها القرآن بلاغةً وبيانًا وحكمة، فكانت بيانًا واضحًا لا لبس فيه، ولا إشكال لمقصود الله ومراده منها.



ولا تزال العربية يومًا بعد يوم تتحفنا بعجيب درها، وفريد جوهرها، كأنها كما شبهها (حافظ إبراهيم) بقوله:

أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءَلوا الغواص عن صدفاتي



ونحن مع هذا الدر المكنون والفضل الرباني، نستشرف زائف اللآلئ مما بدا بريقه، وخس جوهره، فنزين بها كلامنا، ونتفاخر بها في مجتمعاتنا، فترى الناس في مجتمعاتنا العربية يلوون ألسنتهم بألوان من اللغات الغربية يدسونها دسًّا في جميل اللفظ وبديع البيان، فتراها مسخًا يفترس الدلالة ويشوه العبارة، وكم عز أقوام بعز لغات، ولا أرى أبين ولا أفصح من كلام الرافعي حين يعبر عن هذا المعنى، فيقول:

فهذا طرف من العربية يقابله التاريخ في زماننا هذا بطرف آخر جماعة رزقوا اتساعًا في الكلام إلى ما يفوت حد العقل أحيانًا، ووهبوا طابعًا زائغًا في انتحال المدنية الأوربية إلى ما يتخطى العلل والمعاذير.



إلى أن يقول: ويمرون جميعًا في هدم أبنية اللغة ونقص قواها وتفريقها، وهم على ذلك أعجز الناس عن أن يضعوا جديدًا، أو يستحدثوا طريقًا، أو يبتكروا بديعًا، وإنما ذلك زيغ الطبع وجنون الفكر، وانقلاب النفس عكسًا على نشأتها، حتى صارت علوم الأعاجم فيهم كالدم النازل إليهم من آبائهم وأجدادهم، وصار دخولهم لغة خروجًا من لغة أخرى، وإيمانهم بشيء كفرًا بشيء غيره، كأنه لا يستقيم الجمع بين لغتين وأدبين، ولا يستوي لأحدهم أن بكون شرقيًّا، وإن في لسانه لندن أو باريس[1].



وقد أعلن المشاركون في المؤتمر الدولي السنوي الأول للمجلس الدولي للغة العربية المنعقد في بيروت عام 2012 م - أن اللغة العربية في خطر، وأنه يجب حماية اللغة العربية، وتعريب الحياة الفكرية والثقافية في العالم العربي، وقد أجمعت نتائج البحوث وأوراق العمل المقدمة للمؤتمر، البالغة 256 بحثًا – على أن اللغة العربية تواجه أزمة كبيرة مزمنة وخطيرة، وأن هذه الأزمة تزداد حدةً وتفاقمًا مع الزمن تحت تأثير متغيرات الحداثة والعولمة، والتطور الفكري، والتطورات العلمية والرقمية المتفجرة في مختلف أنحاء المعمورة (المجلس الدولي للغة العربية، 2012)[2].



2- مظاهر ضَعف اللغة العربية:

لكل مشكلة مظاهر يشعر الناس بها ويحسونها، وليس بخفي على كل فطن مظاهر ضَعف الناس اليوم في لغتنا الحبيبة، والتي بدت جلية في عدة أمور أهمها:

أ- عدم القدرة على فهم واستيعاب العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك أشعار العرب، فترى الرجل العربي الضارب بعربيته إلى مائة جد لا يكاد يفقه ما يتلو من آية، أو يسمع من حديث، أو يقرأ من شعر.



ب- استخدام اللغات الأجنبية في البيان والتعبير عما يريد الناس، فتراها وقد ملأت أسماع الناس في شوارعهم وأعمالهم وإعلامهم ومنتدياتهم، وملأت أبصارهم قراءة على لافتات المحلات، وفي الصحف والمجلات، وفي بعض نتاج الأمة الأدبي.



ج- انصراف أبناء العربية عن تعلُّم قواعدها وآدابها، وصرف أبنائهم عنها، وحرصهم الشديد على تعليمهم لغات الغرب، وتسابقهم في ذلك كأنهم أفراس رهان، وتفاخرهم بين بعضهم البعض.



د- التغافل عن استخدام لغة صحيحة سليمة فصيحة في كثير من المؤسسات، والتساهل في استخدام لغة ركيكة، أو ألفاظ غير عربية بالمرة في المراسلات الرسمية، أو في الخطاب الرسمي الشفهي.



3- أسباب ضعف اللغة العربية في العصر الحالي:

لا يكاد يختلف اثنان من أمة العرب أن اللغة العربية ذاتية القوة، عظيمة الشأن في ذاتها، ومع هذا الإقرار نجد لها ضَعفًا ووهنًا بين أبنائها، زاده اهتمام الغربيين بلغاتهم والعمل على نشرها في كل محفل، وعلى كل صعيد، وأستعين الله محاولًا وصف الداء وتعديد الأسباب التي جعلت لغتنا الحبيبية تتململ في فراش مرضها.



أ‌- الانصراف التعليم الديني في المؤسسات التعليمية:

كانت تزخر الدول العربية بالجامعات والمعاهد والمدارس الشرعية والدينية التي تعتمد المناهج الشرعية من علوم القرآن والحديث والفقه والتفسير، قبل أن تعرف أوربا معني الدراسة المنهجية في المدارس والجامعات.



وكانت هذه المؤسسات فيما مضى تتبع نظامًا فريدًا وبديعًا من جهتين: الأولى ما كانت تعتمده من تنمية ملكة الحفظ والتذكر في مرحلة مبكرة من حياة طالب العلم، ثم الانتقال إلى مهارة التقويم والإبداع مرورًا بمرحلتي التحليل والاستنتاج.



والثانية ما كانت تفعله من حفظ للغة العربية وعلومها، من خلال ما كان يدرسه طلابها من العلوم الشرعية بمختلف علومها، وكذلك دراستهم لعلوم اللغة العربية كعلم خادم لهذه العلوم الشرعية.



ومن المسلم به أن هذه المؤسسات قد قلَّ عددُها بشكل كبير جدًّا، وحتى الموجود منها أصبح به مشكلات من ناحية المنهج وطرائق التدريس، ونوعية المناهج التي تدرس، فصارت عبئًا على طلابها.



وقابل قلةَ عددِ هذه المؤسسات، وضعف الموجود منها - انتشارٌ واسعٌ في مؤسسات التعليم العام، واهتمام مضاعفٌ بها على كافة الأصعدة، ومما زاد الوجع وأسهم في زيادة العلة اعتمادُ اللغات الأجنبية جنبًا إلى جنب مع اللغة العربية تناطحها الأهمية، وتزيد عليها في كثير من الأحيان، وضعف الاهتمام وانعدامه أحيانًا بتعليم علوم الدين الإسلامي في مدارسنا، حتى صرنا نسمع أصواتًا ترفع عقيرتها منادية بإلغاء مادة التربية الدينية - على ضَعف محتواها - في مدارسنا.



وكان مما استحدث أيضًا وجود ما يسمى (بالمدارس الدولية)، التي تعتمد في كل مناهجها على اللغات الأجنبية، ولولا ما تفعله بعض بلادنا العربية من فرض لتعليم اللغة العربية (كمادة دراسية) ضمن المواد التي يدرسها طلاب هذه المدارس، لربما ما سمعت فيها من يلهج بلغة الضاد.



وفي معرض هذا الكلام تكاد النفس تفيض حسرات والعين تقطر دمًا على ما كان في زمان عزة العرب وبزوغ نجم ثقافتهم، وأخذ الغرب من علومهم ليس بلغة الغرب، إنما بلسان العرب المبين، وهنا أدَع أبا فهر في كتابه المتفرد (الطريق إلى ثقافتنا) يعبر عن هذا المعنى الذي يدور في نفسي، فيقول وهو يصف حال أوربا التي نهلت من علوم العرب: (كان كل مدد اليقظة كما قدمت مستجلبًا من علوم دار الإسلام، من العلم الحي في علمائه، ومن العلم المسطر في كتبه، والسبيل إلى ذلك في الأمرين جميعًا كان معرفة لسان العرب، ولن أقصَّ عليك التاريخ الطويل، ولكن اعلم أن لسان العرب كان له السيادة المطلقة على العالم، قرونًا قبل ذلك طوالًا)[3].



ب – ضعف العربية في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة:

عادة ما يكون الإعلام بوجهيه ضمير الأمة، والمشكل للوعي الثقافي لأبنائها جيلًا يعد جيل، لا سيما في عصر صار الوصول إلى أي وسيلة إعلامية لا يتعدى ضغطة على (زر)، أو فتح (نافذة إلكترونية)، حتى يصل إلى مسامعك ما تتمنى، وكأنك قد فركت المصباح الذي كنا نخبَّر عنه في قصص ألف ليلة وليلة.



ولعل خطر الإعلام في سرعة انتشاره ووصوله إلى جل الناس، وحدِّث ولا حرج عن مزالق في اللغة من المذيعين والصحفيين والكتاب، مزالق كما عبر عنها حافظ إبراهيم في قوله:

أرى كل يوم في الجرائد مزلقًا *** من القبر يدنيني بغير أناة



وقد اختصر الدكتور (وليد قصاب) في مقال منشور له على شبكة الألوكة [4]- أسباب ضعف اللغة العربية في الإعلام في النقاط التالية:

عدم الإحساس بأهمية اللغة العربية الفصحى، أو تقدير دورها في الحفاظ على شخصية الأمة وكرامتها وهُويَّتها ووحدتها.



عدم ثقة قوم ممن اهتزَّ انتماؤهم الحضاري لأمَّتهم، بمقدرة لغتهم على أن تكون لغةَ علم وفنٍّ وثقافة.



جهل كثير من الإعلاميين بها.



الانبهار بالآخر الغربي لعوامل مختلفة، لا مجال لبسط القول فيها، ومن هذا الانبهارُ بلغته وإيثارها على العربية.



ظنُّ فاقدي الثقة بأمَّتهم وحضارتهم أن استعمال اللغات الأجنبية، والرَّطَانة ببعض ألفاظها ومصطلحاتها - دليلُ الحضارة والرُّقيِّ.



التكاسل في الترجمة والتعريب، وإيثار الجاهز من الألفاظ والمصطلحات والمسمَّيات الأجنبية.



ومن الواضح أن هذه العوامل، وكثيرًا غيرها، تقع جميعًا في دائرة تحسين الظن، واستبعاد عوامل الخيانة والتآمر على لغة الأمة وحضارتها.



ولعل فيما ذكره الدكتور (وليد قصاب) نذير وبشير لوسائل الإعلام في عالمنا العربي؛ إذ إن ذكر الداء يدل على الدواء.



ج – ضعف إعداد معلمي اللغة العربية في معاهد وكليات التربية.

ولعل الدراسات التي قامت في هذا المجال أوقع ما نستشهد به، فأسوق فيما يلي من أسطر بعد نتائج دراسات أجريت على بعض برامج إعداد معلمي اللغة العربية:

1- دراسة رمضان (2005) أوضحت الدراسة هدف تطوير نظام إعداد المعلم بكلية التربية بسلطنة عمان في ضوء معايير الجودة الشاملة، وأهم المشكلات التي تواجه النظام وتقلل من جودته، وتحديد معايير الجودة الشاملة التي يمكن تطبيقها والاستفادة منها في تطوير نظام إعداد المعلم، وبيـان مدى توافر معايير الجودة الشاملة في برامج الإعداد، وتوصلت الدراسة إلى نتائج مفادها أن أهداف كليات التربية متحققة بدرجة متوسطة، ولم يهمـل البرنـامج جوانب تكوين المعلم الثلاثة (الأكاديمي، والمهني، والثقافي)، ولكن طغى كل جانب بعدد من المقررات الدراسية علـى الآخر، ومعظم المعايير المقترحة للقبول كانت موفقة.



2- دراسة سعاد سالم وآخران (2010) يتضح من نتائج هذه الدراسة:

أولًا: الوصول إلى قائمة محكمة بمعايير الجودة الشاملة، تم في ضوئها تقـويم برنـامج إعداد معلم اللغة العربية في كلية التربية بجامعة صنعاء.



ثانيًا: أوضح التقويم مدى توافر معايير الجودة الشاملة في برنامج إعداد معلم اللغة العربية في كلية التربية بجامعة صنعاء بالآتي: أن معايير جودة سياسة القبول لم تتوافر من وجهة نظر مسؤول القبول بنسبة (57%)، وضعف توافر معايير جودة الإعداد في البرنامج من وجهة نظر مسؤول قسم اللغة العربية بنسبة (59%)، وتوافر معايير جودة الإعداد في البرنامج من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس في القسم بمستوى متوسط بلغت نسبته (%43)، وضعف توافر معايير جودة الإعداد في البرنامج من وجهة نظر الطلبة بنسبة (63%).



3- دراسة ندى طه (2017) هدفت هذه الدراسة للتعرف على جوانب القوة وجوانب الضعف في برنامج إعداد مُعلم اللغة العربية في كليات التربية بالجامعات السودانية، وذلك من خلال التعرف على واقع إعداد مُعلم اللغة العربية في كليات التربية، واستقصاء آراء خبراء التربية حول الاتجاهات الحديثة لإعداد مُعلم اللغة العربية، وقد تكون مجتمع الدراسة من معلمي ومعلمات اللغة العربية من خريجي كليات التربية بالجامعات السودانية، وقد بلغ عددهم (256) مُعلمًا ومُعلمه أُخذت منهم عينة عشوائية بواقع 25 % من جملة المجتمع البالغ عددهم (100) مُعلم ومعلمة، وخمسة من خبراء التربية بالجامعات السودانية.



وقد خلصت الدراسة إلى أهم النتائج والتوصيات التالية - أن هناك ضعفًا في مخرجات كليات التربية قسم اللغة العربية بالجامعات السودانية، تعزي الباحثة ذلك إلى ضَعف محتوى مقررات اللغة العربية وقلة الساعات الممنوحة لبرامج التربية العملية، وعدم توافر طرق تدريس ووسائل تعليمية تتناسب والتطور التكنولوجي الراهن، وعدم توافر أعضاء هيئة تدريس يتناسب عددهم مع أعداد الطلاب.



ولو تأمل صاحب النظر والرأي في نتائج هذه الدراسات التي سقنا طرفًا منها؛ لنعرف من أصحاب الفن رأيهم في برامج الإعداد وجودة المنتج، وما ينبئك مثل خبير، فيري أن جل الدراسات إن لم يكن كلها توجه إلى أمر واحد، ألا وهو انتبهوا يا أهل اللغة وسدنتها إلى معلمي اللغة، فهم حرس الحدود.



4- وسائل العلاج:

فيما سبق عرضت لأبرز أسباب ضعف اللغة، وفيما يلي أحاول مستحثًّا قلمي، مستعينًا قبل ذلك بالله أن أقترح العلاج في سطور معدودات، راجيًا الله البصيرة والسداد.



أ- الاهتمام بالقرآن الكريم وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ودمجهما في مدارس التعليم العام بصورة أكثر وضوحًا وقوة، وجعلهما مادةً منفصلة، ولها من الأهمية ما لغيرها من المواد، وإن كان القرآن والسنة لا يقارنا بشيء ولا يعدلهما شيء، فضلًا عن إعادة النظر بعمق في مدارس التعليم الشرعي على اختلاف مسمياتها وتنظيماتها الإدارية.



ب- قال عمر بن عبدالعزيز( رضي الله عنه) يومُا لمعلم صبيانه يوصيه قائلُا: (لا تعدهم من علم إلى علم حتى يتقنوه)، ولا أرى أبلغ من هذا لعرض هذا الحل العظيم النفع، ألا وهو عدم تدريس لغة أجنبية ثانية إلا بعد التمكن من اللغة العربية الفصيحة، فهذا دأب الصغار، وهذا المعنى أجده أيضًا قد سبق إليه الأديب المتفرد والشيخ الجليل العلامة أبو فهر الدكتور (محمود شاكر) قائلًا: وأما الصغير الناشئ، فالأمر فيه أخطر، وهو عليه أشد وبالًا؛ لأنه يتعلق بتكوين نفسه وعقله وإرادته، وبالمرجو فيه إذا كبر واشتد وصار أهلًا للنظر، وقادرًا على التأثير، والصحيفة والمعلم كلاهما عوض عن ثدي أمه، فإنه يرتضع منهما مادة بنائه العقلي والنفسي، فإذا تلقى سوء النظر، وفساد التفكير، وخطل الرأي، فإنما يتلقى سمومًا لا يكاد يبرأ من عقابيلها ما عاش، فإذا فوجئ في خلال ذلك التكوين - وهذا شيء لا مفر منه - بما يصادم ما تلقاه، اندلعت في كيانه بلبلة أشدُّ من زلازل الأرض، فلا يكاد ينجو من آثار التدمير الفظيع الذي يورثه إياه الزلزال الأكبر. هذا، ومع فِقدان القدرة على بناء ما تهدَّم في نفسه، ثم ينطلق على ذلك فيكبر ويصلب عوده، ولكنه يبقى بناءً متهدمًا في داخله، لا يستقيم له رأي ولا نظر ولا إدراك، فإذا تولى أمرًا، فإنما يتولاه ليتلفه ويدمره من حيث يدري ولا يدري، وتدور الدائرة[5].



ج- إعادة النظر في مناهج اللغة العربية، وحسن اختيار النصوص الأصيلة المعنى والمبنى، والبعد عن الركيك منها، وعدم الإغراق في ذلك النوع من الأدب الذي يقتُل ملكة الإحساس والتذوق لدى الطلاب في المدارس.



د- القيام على إعداد معلمي اللغة العربية قيامًا حقًّا، تكون النية فيه أن إعداد معلم اللغة العربية كإعداد الجندي في الميدان الذي يزود عن هوية الأمة ويذب عنها، ويحمي حماها من لؤم المتربصين بها.



هـ- توجيه الإعلام على كافة مستوياته باستخدام لغة فصيحة رصينة قوية، حتى تطرق مسامع الناس ما حُرموا منه من كل لون الربيع مما زين، ولون رياض العربية، ويدركوا جوهر لغتهم الغراء.



و- تشجع الطلاب والدارسين والمعلمين والأدباء والكتاب، والصحفيين والمذيعين المهتمين والمجيدين للعربية بكل السبل؛ كالتكريم والمكافآت المادية والمعنوية، وإقامة المسابقات المتخصصة ذات المعايير القوية؛ حتى تفرز لنا زبدة المواهب العربية.



5 - الخاتمة:

قال أحد المحبين للغة والزائدين عن حماها: "إن الانشغال بالمسألة اللغوية وبحركية اللغة في علاقتها بالحياة العامة، وفي علاقة الفصيح منها باللهجي من جهة، وفي علاقتها بالمحيط العالمي والمجال الحضاري، وما ينطوي عليه من تفاعل لغوي، أو يترتب عليه من تعدُّد لغوي من جهة أخرى، قد يكون -في هذا السياق- أجدر من الانشغال بالقضايا اللغوية الداخلية: الأصوات والتصريف والتركيب والدلالة؛ لأن مظاهر الأخطار المحدقة بالعربية لا تعد، واستهدافها في وجودها واقع لا يرفع، وحقيقة لا تدفع، "فاللغات الأجنبية - وبخاصة اللغتان الإنجليزية والفرنسية - تنافسان العربية في عقر دارها، وتقتطعان مساحات واسعة من استخداماتها في مجلات متعددة في المجتمعات العربية، وأبرز ما يكون هذا الاقتطاع في مجال التعليم العالي، وبخاصة في أقسام العلوم والهندسة والطب وإدارة الأعمال.



لقد كان اختيار الإنجليزية أو الفرنسية للاستخدام مرتبطًا بالمستعمر السابق، لكن الحال قد تغيرت، وبدأت عوامل جديدة تتحكم في الاختيار... ومن مجمل الأدلة البارزة التي لا تحتاج إلى كثير إمعان نظر أنه كلما ارتفعت أصوات مطالبة بإحلال العربية محل الفرنسية في كثير من القطاعات، أقامت الفركنوفونية القيامة، وجيشت الأقلام والعواطف والمعاول للنيل من العربية أساسًا، أو كلما نادت تلك الأصوات بإقامة نوع من التوازن في استعمال اللغات، وكبح جماح الإنجليزية أو غيرها، اتُّهِم المنادون بذلك بأشنع التهم؛ كالانطوائية والانغلاقية، بل كلما أثيرت حقوق اللغة العربية، أو أفكار تدافع عنها، كان ذلك مصدر إزعاج لأولئك الذين تعودوا على انزعاجهم كلما أثير أمامهم حديث صادق عن العربية ومكانتها[6].



ولعل كلمات الدكتور (محمد حماسة عبداللطيف) التي لا تزال عالقة في ذهني - ملخصةٌ لكثير مما سطرت، ومما جال في خاطري، وهي أنسب ما اختم به بحثي هذا، فقال في مقاله البديع عن مشكلات اللغة العربية:

" تكْثُر - منذ فترة ليست بالقليلة - الشكوى من ضَعْف مستوى اللُّغة العربية الفُصحَى، ويُبْدِي الغَيُورون على اللغة قَلَقًا على حاضرها المُتمثِّل في استخدامها والإبداع بها، وعلى ماضيها المتمثل في تُراث أمتها.


ونستطيع القول بأنَّ لدينا أزمةً في لُغتنا عندما نجد اللغة تتعثَّر بها أقلام الكتابة، وألْسِنة المتعلمين والمعَلِّمِين جميعًا، وعندما لا نستطيع أن نقرأ تُراثَها قراءةَ تَبَصُّر وفَهْمٍ، ولا نَقدر على تَمَثُّلِهِ واستيعابه والإفادةِ منه، وعندما يَضْعُف خيال الناطِقِينَ بها؛ فلا يُجِيدون في فَنِّها، وتَخْتَنِقُ اللغةُ في أيديهم وعلى شِفاهِهِم، وتبدو اللغةُ كما لو كانتْ عاجزةً عنِ الوفاء بمطالب الحياة والفَنِّ معًا، وعندما يَهْرُب كثيرٌ من أبنائها إلى لُغات أخرى، يَلُوكُونَها ويَجِدُون فيها بديلًا عنِ اللغة الأمِّ التي يَفْخَرون بعدم إجادتها، ويعتزُّون في الوقت نفسه بإجادتهم لغيرها!
وقد تتعدد أسباب المُشكلة وتتنوَّع:


فنجد منا مَنْ يُلْقِي تَبِعَةَ ذلك كلِّه على الاستعمار... وقد نَجِد فينا من يَرْجِعُ السببَ في ذلك إلى هَوان اللغة على أصحابها، وعدم رعايتهم لها، وعنايتهم بها، وفِقْدَانِ جِدِّيَّتِهِم في العمل على إحيائها... وفينا مَن يعزو ذلك إلى تكدُّس التلاميذِ في فصول المدارس، ومدرَّجات الجامعات، وعَدَمِ وُجُودِ البيئة المُلائمة، والمُناخ المناسب، ويجعل من ذلك سببًا لضعف اللغة العربية.


وقد يكون فينا من يجعل من تبدُّل القِيَمِ في عصرنا ومجتمَعِنا وتغيُّرِ الاهتمام دوافعَ لإهمال اللغة العربية؛ بدعوى عدم استعدادها لمُسايرة العصر وتوفير المستوى الملائم لمن ينهض لها، ويهتم بأمرها.



وقد يذهب بعض الباحثين إلى أن اتساع الهُوَّة بين مستوى العاميَّة الذي يتخاطب به الناس في حياتهم، وشؤون معيشتهم، والمستوى الفصيح الذي يُطْلَبُ منهم، ويُرادون عليه في التعلُّم، وبُعد الفَجْوَة في ذلك، وهو ما يُعْرَف بالازدواجِ اللُّغَوِيِّ، هو ما يمكن أن يكون سببَ هذا الداء؛ لأن هذا الازدواجَ اللغويَّ يُؤدِّي إلى النُّفْرَة في المستوى اللغوي الذي لا يُسْتخدم في أمور الحياة، ويَدْفَع إلى الإحساس عند كثيرينَ بعدم إلحاح الحاجة إليه، مما يؤثِّر بدَوْره على تعلم العربية وإجادتها في مراحل التعليم المختلفة.



قد تكون هذه هي الأسبابَ، وقد يكون بعضُها، وقد تكون هي وغيرُها مِمَّا لم يُذكر معًا، وقد يكون غيرها دونها، وقد نختلف في أسباب هذه المشكلة أو نتَّفق...



ولكنَّ الأمر الذي أظنُّ أنَّنا لن نختلف فيه كثيرًا هو أنَّ هناك مشكلةً حقيقيةً، وأَزْمَةً ضاغِطةً نُعاني منها، ونُحِسُّ بها في جميع المظاهر اللُّغَوِيَّة، وتَزْدَادُ يومًا بعد يوم.






[1] تحت راية القرآن؛ مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، 1974.




[2] إشكاليات العربية وقضايا التعريب، أ.د . علي سعد وطفة، مركز دراسات الخليج، 2014.




[3] محمود محمد شاكر، الطريق إلى ثقافتنا، مكتبة الأسرة (الهيئة الهامة المصرية للكتاب)، 1997.




[4] http://www.alukah.net/culture/0/87452/





[5] محمود أحمد شاكر، أباطيل وأسمار، مكتبة الخانجي بالقاهرة.




[6] سليمان يوسف بن خاطر، أخطار الأمية والعامية والعجمية على الفصيحة في الجامعات العربية.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.27 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]