دورهما في تجديد الخطاب الديني: اللغة والإشارة​ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836848 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379384 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191224 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1098 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-04-2019, 01:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي دورهما في تجديد الخطاب الديني: اللغة والإشارة​

دورهما في تجديد الخطاب الديني: اللغة والإشارة​



د. محمد مبارك البنداري





أثر الإسلام على اللغة العربية بين عشية وضحاها، فأصبح العرب يعرفون مدلولات جديدة لكلمات: الصلاة، والزكاة، والصوم، والسجود، والركوع، والتقوى... إلخ، غير التي كانوا يعرفونها قبل مجيء الإسلام، ووضح النبي " صلى الله عليه وسلم" كثيرا من دلالات هذه الكلمات، وظهرت علوم تساعد على فهم هذه الدلالات كعلم الغريب، والمعاجم، والنحو، والبلاغة، ودارت كل هذه العلوم حول رحى القرآن الكريم، ونشأت لغة جديدة للخطاب الديني والثقافي في المجتمع العربي.


ولعل مصطلح تجديد الخطاب الديني من الناحية اللغوية حديث جدا، أما من ناحية المضمون فهو دعوة قديمة جدا، قدم الرسالات؛ لأن التجديد بمفهومنا هو عودة للمنابع والأصول، عودة كاملة صافية، وترك التقليد الفاسد القائم على الاتباع والمحاكاة على غير بصيرة، فهو عملية إصلاحية محافظة، وليس عملية تخريبية متفلتة.


إذن التجديد المشروع هو إعادة الدين إلى النحو الذي كان عليه زمن النبي " صلى الله عليه وسلم" وإعادة الناس إليه على النحو الذي مضى عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة، فينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وغلو المتنطعين وتفلت الفاسقين، ويعود إليه بالقبول والتلقي، والانقياد والتسليم، والتصديق والاتباع، والتوقير والتقديم والفهم والالتزام والتطبيق، مع مواكبة العصر الذي نعيش فيه، فالإسلام كالثوب الفضفاض صالح لكل زمان ومكان.


وقد بين النبي " صلى الله عليه وسلم" خصيصة من الخصائص التي خص الله عزوجل بها الأمة المحمدية، لحفظ دينها من التبديل والتغيير فقال " صلى الله عليه وسلم" : «إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها» (1)، وإذا تجاوزنا المراد بالتجديد في الحديث، واكتفينا بأن الدلالة تدور حول معنى حفظ الدين سواء بتعليم الناس السنن، وإماتة البدعة، وتبيين السنة، أو تصنيف الكتب والتدريس، فإنه يتبين لنا من خلال حديث التجديد فضل الله تعالى على هذه الأمة المرحومة التي هي خير أمة أخرجت للناس؛ حيث لا يمر عليها مئة عام إلا وقيض الله تعالى لها من يجدد الدين،


وهذه بشرى أن التجديد لا ينقطع في هذه الأمة، وأن أية غربة تلحق بالأمة فإنه يعقبها التجديد، فأي قرن لا يخلو من مجدد، ولا يلزم من لفظ الحديث أن يكون المجدد شخصا واحدا، كما أن جلال المهمة وخطرها يحتاج إلى وجود عدد يقومون بهذه المهمة.


والحديث في ثناياه تضمن الإشارة إلى ما يطرأ على حياة الناس بمرور الزمن في العصور المتعاقبة، مما يستدعي الحاجة الملحة إلى التجديد.


وفي عصرنا هذا نجد الواقع يلح على ضرورة التجديد، خاصة أن كثيرا من العامة بَعُدَ عهدهم بالعربية الفصحى مما أوجد حاجزا بينهم والفهم الصحيح لكثير من الأمور الواردة في النصوص، وكذا ظهور كثير من المعاملات والتصرفات التي لم تكن موجودة زمن نزول الوحي أو زمن الأئمة الأعلام، مما يحتاج إلى بيان الوجه الشرعي الصحيح بإزائها، عن طريق القياس، أو الاجتهاد، وكذا التقدم التقني الهائل الذي غزا العالم في منتصف القرن الماضي، فقرب البعيد، وعمل على ظهور تكتلات وتحالفات بين القوى المختلفة، وأوجب على الدول الإسلامية أن تضبط تلك الأمور، وتحدد موقفها من هذه المستجدات التي تنظم العالم وتصنفه، وكذا ظهور جماعات تنتسب إلى الإسلام وهو منها براء، تتكئ على سياقات خاصة تفسر بها النصوص لتصل إلى مآربها من التمكين في السلطة أو الحكم باسم الدين، وتدعي الفهم الصحيح للدين ومفهوم التجديد من وجهة نظرها، وهي لا تريد التجديد لكي لا ينكشف زيفها، وتزال الهالات المحيطة بها.


وبهذا يتضح لنا أن الهدف الأسمى من التجديد هو نقل الدين من قرن إلى قرن ومن جيل إلى جيل، وهو محاط بالحفظ والصيانة؛ بحيث لا يزاد فيه ولا ينقص منه، ولا يحال بينه وبين قيادة الحياة الدنيا وتوجيهها، والتي جاء لإصلاحها لتكون معبرا آمنا للحياة الآخرة، بيد أنه لابد من ضوابط للتجديد وهذا هو المأمول من علماء الأمة؛ وإلا فهو بناء منهار في نهاية أمره، وإن تطاول إلى عنان السماء.


وللأسف الشديد فهم كثير منا مفهوم التجديد بأنه تخريب، وتغريب للأمة، وإملاء من الخارج لهدم ثوابت الدين، وهذا واقع أليم، لا يؤيده عاقل، ولا يقول به إلا جاهل، وهذا الفهم كان سائدا في بداية القرن العشرين، خاصة مع ظهور الثورات العلمية، حتى فهم الناس ضرورة التجديد ليتعاملوا مع التطورات العلمية بسلاسة ويسر، فنجدهم حرموا القهوة في بدايتها، والمياه الغازية، والصنبور حال الوضوء... إلخ، لأنهم لم يدركوا مفهوم التجديد جيدا؛ ولإزالة هذا اللبس يمكننا أن نتلمس ضوابط للتجديد، والأطر التي تحيط بعملية التجديد التي تناسب الزمان والمكان دون المساس بثوابت الدين (2)، ومنها:


- صفات يجب توافرها في المجدد: فيجب أن يكون المتصدي للتجديد من أهل الدين، والمؤمنين حقا، وأن يكون من المتفقهين فيه المتمسكين به في أقوالهم وأفعالهم، لا يظهر منه تهاون فيه أو خروج عليه، أو تساهل وتفريط فيما دل عليه.


- ولابد أن يكون عارفا بأحوال الأمة، متلمسا موضع الداء، محيطا بأحداث العالم المحيط، لكي يبذل جهده بعد ذلك في نفع الأنام، قال شمس الحق - شارح سنن أبي داود -: «المجدد لا يكون إلا من كان عالما بالعلوم الدينية، ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها ونصر صاحبها، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان، أو تصنيف الكتب والتدريس، ومن لا يكون كذلك لا يكون مجددا البتة، وإن كان عالما بالعلوم مشهورا بين الناس مرجعا لهم» (3)، وهذه الأوصاف لاشك أنها تخرج العلمانيين والزنادقة والملاحدة والمبتدعة، والأدعياء الذين يريدون تسلق هذه القمة العالية - التي لا يرقاها إلا أفاضل المؤمنين - بغير عدة ولا استعداد فيخرج من ذلك أهل البدع؛ إذ كيف يجددون الدين وهم ساعون في خرابه؟.


وكيف يحيون السنة وهم عاملون على إماتتها؟ وكيف يمحون البدع وهم جادون في نشرها وترويجها؟ وبالطبع يخرج من باب أولى المرتدون عن هذا الدين.


- ولابد أن ينطلق التجديد من الكتاب والسنة، ففيهما بيان كل شيء، ولو انطلق التجديد من غيرهما كان مذموما، قال تعالى: { إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59)، أي إذا حدث اختلاف أو تنازع وجب الرد إلى الكتاب والسنة، ويفهم من ذلك أنه لو لم يكن فيهما جواب وبيان لكل شيء لم يكن في الرد إليهما حسم للنزاع، قال أبو إسحاق الشاطبي ت 790هــ في سفره القيم «الاعتصام»: «إن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله " صلى الله عليه وسلم" فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التي أمروا بها، وتعبداتهم التي طوقوها في أعناقهم، ولم يمت رسول الله " صلى الله عليه وسلم" حتى كمل الدين بشهادة الله تعالى بذلك؛ حيث قال تعالى: { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، فكل من زعم أنه بقي في الدين شيء لم يكمل فقد كذب بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ} (4).


ولعل لغة الخطاب الديني هي أداة التجديد المعبرة عنه عبر المنابر المتعددة (الإلقاء - الكتابة) وهي لغة عند العرب بدأت مع الدعوة الإسلامية، واتخذت أسلوبها الخاص بها الذي يختلف عن أساليب أخرى، لها أغراضها، وخطتها في الاستدلال، وصلتها القوية بمناحي الإدراك والوجدان، بل بمناحي الحياة عامة، وهذه اللغة لم تنشأ دفعة واحدة، بل نمت وتنوعت بنمو العلوم الإسلامية والعربية وتقدمها، وتكونت لغة خاصة بالخطاب الديني، وظهرت اصطلاحات في الفقه والتفسير والحديث... إلخ، ثم تلتها اصطلاحات أخرى خاصة بالسياسة والأخلاق، والطب والكيمياء... وخضع المصطلح العربي القديم لسنة النشوء والارتقاء، مع المحافظة على الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والشعر العربي الفصيح.


ومع تطور الزمن تطورت لغة الخطاب الديني، وفي العصر الحديث وجدنا بعض الخطباء مازال يتشدق بألوان البديع كالجناس والتورية والطباق ويدور في فلكها، وكأنه في عصر الكاتب الفاضل، وصنع حاجزا لغويا بينه وبين الناس؛ لأن هذا أفقد الخطاب الديني مضمونه، فصاحبه يركز في هذه الألوان دون غيرها، ووجدنا بعض الخطباء يلجأ إلى العامية المبتذلة، ويتشدق حال النطق ليضفي عليها ثوب الفصحى، ويستشهد بالأحاديث الضعيفة بل ربما والموضوعة، والقصص الذي لا يتناسب والعصر، فهو في واد والمجتمع في واد آخر.


وهذا دور اللغة في المجتمع، أداة للتواصل المجتمعي، فهي كما عرفها العلامة ابن جني ت 392هـ في كتابه «الخصائص»: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم (5)، ولنا مع كتاب الخصائص وقفة متأنية، فـ «الخصائص» أي خصائص اللغة العربية، وهذا الكتاب يكاد ينفرد وحده في التراث العربي كله؛ من حيث تناوله للغة العربية تناولا هو أقرب ما يكون لما يصح تسميته بـ «فلسفة اللغة»، دون أن يورد المؤلف في سفره الضخم هذه الصفة لما يكتبه، وإضفاء صفة الفلسفة على العلم كأن نقول: فلسفة السياسة، فلسفة العلم... إنما نعني البحث عن المبادئ الأساسية العامة الكامنة وراء مجموعة القوانين الخاصة بهذا الفن، وهنا هو يبحث عن فلسفة اللغة العربية.


إن اللغة التي نريدها يجب أن تكون سليمة، خالية من اللحن، قريبة المعنى من السامع، سهلة المنال، يعرفها جميع طبقات المجتمع، وليس بشرط أن نكرر بعض الأساليب الناجحة، كطريقة بعض الدعاة المشهورين في عالمنا العربي في العصر الحديث.


وغني عن البيان أن ضعف الدعاة في اللغة العربية، وتباينهم في طريقة الأداء، يؤدي إلى النفور من السامعين، وإلى تأخر تجديد الخطاب الديني.


يجب أن ينظر الدعاة إلى اللغة على أنها وسيلة لإيصال الحقائق، أو التعبير عنها، وهذا بالطبع جزء من وظيفتها، والمجدد عموما يجب أن يعنى بجمال القول، ورقة الأسلوب، وحسن البيان، وبلاغة التعبير، ويراعي مقتضى حال المخاطب؛ لأنه يخاطب ويتعامل مع جميع فئات المجتمع، فلكل مقام مقال - كما قال الحطيئة -، فلا يأتي بالغريب أو الحوشي في كلامه.


فالتقدم العلمي وظهور مصطلحات جديدة يستعملها الإنسان العادي في كلامه اليومي فرض علينا نشوء أسلوب للتفاهم، ولغة بسيطة غير معقدة؛ لأن التفاهم وعرض الفكر يجب أن يكون بأبسط وسائل التعبير اللغوي، ولابد من معرفة النظام الصوتي للعربية، وإتقان مخارج الحروف وصفاتها، عبر دورات في فن الإلقاء (6)، وهو فن لا غنى عنه للمعلم والمفكر والإعلامي. وللأستاذ عبدالوارث عسر مؤلَّف صغير يحمل اسم «فن الإلقاء»، وكتب التجويد لا تخلو من مخارج الحروف وصفاتها وما يترتب على معرفتهما.


وأما الإشارة فلها دور كبير في إيصال المعنى، يقولون: إن امرأة دخلت على الإمام الشافعي رحمه الله وهو في مجلسه بين أصحابه، فوضعت أمامه تفاحة ثم انصرفت غير بعيد، فدعا الإمام بسكين فشطر بها التفاحة ثم وضعها مكانها، وعادت المرأة فأخذت شطري التفاحة، وذهبت إلى حال سبيلها.


وتعجب الحاضرون الذين لم يفهموا شيئا مما رأوا، لكن أستاذهم لم يتركهم في دهشتهم طويلا، فقد كشف لهم السر وأعلمهم أن هذه السيدة تسأل عن الحكم فيما لو اختلطت الصفرة بالحمرة في دم الحيض؟ وأنه أجابها بأن الطهر لا يتم حتى ترى البياض الخالص.


ولكن كيف حدث ذلك؟ والجالسون لم يسمعوا سؤالا، ولم تصل إلى آذانهم أصوات جواب؟


لقد رمزت المرأة بلون ظاهر التفاحة لما يدور في ذهنها، فرمز الإمام بلون باطنها للحكم في مشكلتها، وتمت بذلك عملية اتصالية بواسطة الإشارة المتسمة بالذكاء الذهني من الطرفين.


وليس ما رأينا - في هذا الموقف بغريب - فاستخدام الإشارة في الاتصال والتفاهم (7) ومن باب أولى في الخطاب الديني أحيانا أمر مقرر في الواقع عند جميع الأمم، وما أظننا ننسى هنا قول شاعرنا العربي:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشارة مذعور ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا
وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم (8)
وفي القرآن الكريم {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} (آل عمران:41)، أي بطريق الإشارة، وفيه - أيضا - في قصة مريم: {فأشارت إليه...} بعد قولها: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا } (مريم:26-29).


لكن استخدام الإشارة من قبل المجدد أو الخطيب في الاتصال والتفاهم لا يتم بصورة واحدة، فقد تستقل الإشارة في بعض الظروف بأداء هذا الدور وتحقيق العملية الاتصالية دون تدخل من وسيلة اللغة المنطوقة أو الكلام، ويجب على المجدد استخدام الإشارة عندما يحول حائل من استخدام وسيلة الكلام، كبعد المسافة مثلا، أو المحافظة على سرية الحديث، أو تحريم النطق بسبب ديني، أو وجود مانع مرضي كما في حالات الصم والبكم.


وقد تكون «الإشارة» مجرد صاحب ومعين للكلام أو للنطق، وهذا أمر عام لا يكاد يخلو منه موقف اتصالي عند فرد من الأفراد، أو جماعة من الجماعات، فمن منا يتحدث في أي موقف من المواقف دون أن يشير بيده، أو برأسه أو بملامح وجهه وتقاطيعه، إن إشارة بإصبع أو إيماءة برأس أو تلويحة بقبضة يد قد تعني لمن يرى الشيء الكثير، وقد تعطيه تفسيرات كثيرة لما يسمع، ويجعله في غاية من الوعي بما تريد توصيله إليه.


وقد أشار الجاحظ إلى أهمية الإشارة ودورها في ذلك، فقال: «فأما الإشارة فباليد وبالرأس وبالعين وبالحاجب والمنكب إذا تباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف، وقد يتهدد رافع السيف والسوط فيكون ذلك زجرا ومانعا رادعا ويكون وعيدا وتحذيرا، والإشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط» (9).


ومن ثم فقد رأينا القرآن الكريم يساوي في المسؤولية تقريبا بين الإيماءة والإشارة والتصريح بالكلمة والعبارة، إذ يقول سبحانه وتعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (الهمزة:1)، ويقول جل شأنه: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} (المطففين:30) قال النيسابوري صاحب «غرائب القرآن»: «وقال ابن زيد: الهمز باليد واللمز باللسان، وقال أبوالعالية: الهمز بالمواجهة واللمز بظهر الغيب، وقد يكون كل ذلك سرا بالحاجب أو العين» (10) وقال أيضا: «والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإشارة بالعين أو الحاجب أو الشفة، وأكثر ذلك إنما يكون على سبيل الخبث» (11).


وإذا كان «شيشيرون» قد علم الخطباء منذ ألفي عام تقريبا أهمية الإشارة، وأفهمهم أن الحركات مثلها مثل لغة الجسد يفهمها الناس على البعد حتى البرابرة والبدائيون (12).


فالجاحظ (أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت 255هـ) منذ أكثر من ألف سنة قد تحدث عن هذه الأهمية وأبدع في توضيحها وتصويرها، ويجب على المجدد أن يراعي حتى «تعبيرات الوجه»، فيبين للناس الكثير عن طريق الإشارة والحركة عموما، ويراعي أن لكل مجتمع إشاراته وحركاته المعروفة، ولعلنا نذكر باستخدام القرآن الكريم لكثير من الحركة الجسمية كاليد والوجه وغيرهما، واستخدامه " صلى الله عليه وسلم" الحركة الجسمية في إيصال المعنى.


ولابد في حال استخدام اللغة لإيصال الأمر المراد تجديده من صوغ الأفكار والأطروحات التي يراد عرضها في قوالب لغوية، ونظام تركيب للجملة بسيط جدا، يراعى فيه الدلالة النحوية (علم المعاني) أي أحوال المتلقي والمخاطب.


لكننا نجد أن الواقع عكس ذلك تماما، إذ إننا نجد بعض المجددين سرعان ما يعودون للسجع، ويميلون في لغتهم إلى الزينة والترف والتأنق، تاركين وراءهم البساطة، واليسر.


ونجد بعضهم صاحب لغة واهية ضعيفة، وأخطاء نحوية كثيرة، ولكنه يعتمد على جهارة الصوت فيصرخ في سامعيه، ليبادلوه نفس الصراخ، رغم تعذر فهم المراد بسبب اختلاط العامية بالفصحى.


إذن لابد من وجوب تبسيط الخطاب الديني من خلال لغة بسيطة يفهمها أكبر عدد من المخاطبين، وتكون مزودة بالحيوية الكافية حتى لا يضيق بها أحد منهم، ويجب تطويرها عبر مجامعها اللغوية حتى تتسع للتعبير عن كل جديد، أو مستحدث في العلم أو السياسة أو الفن الهادف.


ولا نعني بتبسيط الأسلوب وإيضاحه الخروج على قواعد اللغة التي تعارف عليها الأسلوب العربي في صياغته، وهندسة الجملة العربية من حيث البناء، ودلالة ألفاظها (الصرفية) التي تستمد عن طريق الصيغ وبنيتها، و(النحوية) التركيبية؛ إذ يحتم نظام الجملة العربية ترتيبا خاصا لو اختل لأصبح من العسير أن يفهم المراد من الجملة، ومن ثم الدلالة (المعجمية).


وأخيرا ثمة ظاهرة جديرة بالتمييز ألا وهي مخاطبة المجتمع باللهجة التي يعرفها في غير المنابر الرسمية، ونعني باللهجة – كما عرفها د. إبراهيم أنيس في «اللهجات العربية»: «مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة» (13) وأهم شيء هو الفهم الذي يترتب على استخدام هذه اللهجة وهو متوقف على قدر الرابطة التي تربط هذه اللهجات.
الهوامش
1- رواه أبوداود في سننه.
2- ينظر في تفصيل ذلك: تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف، محمد بن شاكر الشريف، طبع مجلة البيان 1425هـ.
3- عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/263-264، دار الكتب العلمية - بيروت، أولى 1415هـــ =1994م.
4- ينظر: الاعتصام لإبراهيم بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي 2/ 304، ط. مكتبة الأسرة بمصر 2008م.
5- الخصائص لابن جني 1/33، تح. الشيخ محمد علي النجار، ط. 1993م.
6- طبع في الهيئة العامة للكتاب بمصر 1981م.
7- وينظر: د. محمد العبد: الإشارة والعبارة، مكتبة الآداب بالقاهرة 2006م.
8- ينظر: شرح الألفية لابن عقيل/ 9، ط. دار التراث، 2008 م.
9- البيان والتبيين تح. عبدالسلام هارون ج1/ 78، ط. الخانجي بمصر 1418هــ = 1998م.
10- ينظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري ج30/ 176، بيروت، أولى 1416هـ.
11- المرجع السابق ج 30/53.
12 - الأصوات والإشارات لكاندراتوف/ 17، مترجم، ط. الهيئة العامة للكتاب بمصر.
13 - ينظر: في اللهجات العربية والقراءات القرآنية/ 9، ط. الأنجلو بمصر 1992م.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.04 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]