خطبة الجمعة يوم عرفة - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215416 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61204 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29184 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2022, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة الجمعة يوم عرفة

خطبة الجمعة يوم عرفة
أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 73 - 78].

ويقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]، وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث جبير بن مطعم: ((أن أعرابيًّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، جهَدت الأنفس، وضاع العيال، ونُهكت الأموال، وهلكت الأنعام؛ فاستسقِ الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك، أتدري ما تقول؟ فسبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، إنه لا يُستشفَع بالله على أحد من جميع خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك، أتدري ما الله؟ إن الله على عرشه، وعرشه على سماواته، وسماواته على أرضه، هكذا، وقال بأصابعه مثل القُبَّة، وأنه ليَئِطُّ به مثلَ أطِيطِ الرحل بالراكب)).

أيها المسلمون، الله عز وجل عظيم، ويعظم ما شاء ومن شاء؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].

ويقول الله عز وجل: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].

فضل يوم الجمعة:
سمى الله عز وجل سورة في القرآن بسورة الجمعة، وفي ذلك بيان لفضل هذا اليوم وشرفه، وبيان لفضل اجتماع الناس فيه:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 9 - 11].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خيرُ يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق الله آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع؛ اليهود غدًا، والنصارى بعد غد)).

لأهل الجنة من ربهم مجلس يوم الجمعة، يتنعمون فيه بالنظر إلى وجهه الكريم:
ورؤية الله عز وجل في الجنة فيها مسألتان:
الأولى: إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة، وفي الجنة، وهما ثابتان للمؤمنين يقينًا، من القرآن ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما من القرآن؛ فقد قال الله عز وجل:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، وقال الله عز وجل: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26].

عند مسلم في صحيحه من حديث صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيُكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، وفي رواية: وزاد ثم تلا هذه الآية: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26])).

أما الكافرون، فمحجوبون عن رؤية الله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نسأل الله العافية والسلامة.

قال الله عز وجل: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [المطففين: 14 - 17].

والثانية: إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة في يوم الجمعة؛ روى الدارقطني بإسناد صحيح عن ابن المبارك، أخبرنا المسعودي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعود قال: ((سارعوا إلى الجمعة؛ فإن الله يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور، فيكونون في قرب منه على قدرِ تسارُعِهم إلى الجمعة في الدنيا)).

" وهذا الذي أخبر به ابن مسعود أمر لا يعرفه إلا نبي، أو من أخذه عن نبي، فيُعلم بذلك أن ابن مسعود أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب لوجوه؛ أحدها:
أن الصحابة قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به، فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي الله عنه بما أُخبر به اليهود على سبيل التعليم، ويبني عليه حكمًا.

(الثاني): أن ابن مسعود رضي الله عنه خصوصًا كان من أشد الصحابة رضي الله عنهم إنكارًا لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.

(الثالث): أن الجمعة لم تشرع إلا لنا والتبكير فيها ليس إلا في شريعتنا، فيبعد مثل أخذ هذا عن الأنبياء المتقدمين، ويبعد أن اليهودي يحدث بمثل هذه الفضيلة لهذه الأمة، وهم الموصوفون بكتمان العلم والبخل به وحسد هذه الأمة.
والأحاديث في فضل هذا اليوم وفي اجتماع المسلمين فيه كثيرة.

فضل عرفة:
أما فضل يوم عرفة، فنقول فيه مستعينين بالله عز وجل وحده ولا حول ولا قوة إلا بالله:
تاسع أفضل أيام الدنيا:
عند البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)).

وعند أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد)).

إكمال الدين وإتمام النعمة:
وعند البخاري في صحيحه من حديث أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا من اليهود قال له: ((يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشرَ اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة)).

وقد تنوعت أقوال أهل العلم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - في المقصود بإكمال الدين وإتمام النعمة، وكلها من اختلاف التنوع الذي يسَّر الله عز وجل وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحديث عنه عند حديثنا عن بعض من أصول التفسير، نقل شيخ المفسرين وإمامهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وابن كثير، والبغوي، والقرطبي، وابن الجوزي وغيرهم في هذه الآية أقوال، نقول منها ولا حول ولا قوة إلا بالله:
إكمال الدين:
اليوم أكملت لكم شرائع دينكم.
رفع النسخ عنه (عن الأحكام أو بعضها).
أمن هذه الشريعة من أن تُنسخ بأخرى بعدها، كما نُسخ بها ما تقدمها، فإن الشريعة كاملة، فلا يقبل الله عز وجل إلا الإسلام.
إتمام الشرائع بأدائكم الحج، صليتم وصمتم وزكيتم والآن حججتم.
اليوم أكملت لكم نصر دينكم.
زوال الخوف من العدو، والظهور عليهم.

إتمام النعمة:
منع المشركين من الحج معهم.
الهداية إلى الإيمان.
الإظهار على العدو.

ونحن نحمد الله عز وجل على إكمال الدين وإتمام النعمة؛ يقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

ورضيت لكم الإسلام دينًا:
صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا صلى الله عليه وسلم، وجبت له الجنة))، ونحن نشهد الله عز وجل أننا رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا.

أقسم الله عز وجل به:
وهو يوم أقسم الله عز وجل به؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 1 - 3].
قال بعض أهل التفسير: إن الوتر هو يوم عرفة، والشفع هو يوم النحر.

نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا:
عند مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يومٍ أكثرَ من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ نقل ابن رجب في لطائف المعارف: "يُرجَى بركة هذا اليوم لغير الحجاج أيضًا".

ونزول الله عز وجل ثابت في السنة النبوية بأحاديث صحيحة، في الثلث الأخير من الليل، نؤمن بها، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول فيها كما نقول في باقي صفات الله عز وجل: "النزول غير مجهول، والكيف غير معلوم، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"؛ قال الله عز وجل: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

فضل عرفة يوم الجمعة:
أما اجتماع عرفة ويوم الجمعة يشمل فضل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويضيف إلى ذلك أمور؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
اجتماع الشاهد والمشهود:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 1 - 3].
نقل بعض أهل التفسير أن الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.

موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أن فيه اجتماعَ الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه.

أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع.

خطبة حجة الوداع:
رحم الله الإمام مالكًا يوم قال: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

تعالوا سريعًا في عجالة نرجع إلى خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم المبارك، نتلمس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبحث عن النجاة والصلاح والفلاح وعز هذه الأمة في نور النبوة وشمس الوحي.

ظاهر تتبع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ثلاث مرات:
خطبة عرفة بمنًى يوم عرفة.
خطبة يوم النحر.
خطبة أوسط أيام التشريق.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم، فإن كان صوابًا فمن الله عز وجل وحده، وإن كان من خطأ أو سهو، فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منه بريئان، وبالطبع فإن تكرار هذه الخطب وتنوعها له حكمة بالغة، لعل منها تأكيد المعاني على مسامع الصحابة رضي الله عنهم وليسمع جميعهم، وكيف لا وقد زادوا يقينًا عن المائة ألف، في روايات أنه شهد حجة الوداع مائة وأربع عشرة ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم، وفي روايات مائة وأربعون ألفًا، وهو الصواب إن شاء الله، والله تعالى أعلى وأعلم، ورضِيَ الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وإن كانت مسألة السماع هذه مردودة؛ لِما صح عند أبي داود من حديث عبدالرحمن بن معاذ التيمي، قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بمنًى ففتحت أسماعنا، حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع أصبعيه السبابتين، ثم قال بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك)).

وأما عن أبرز ما جاء في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث عند مسلم وغيره:
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.

ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع.
ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل.
وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله.

فاتقوا الله في النساء.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله.
وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.

فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد؛ ثلاث مرات)).

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.

أعمال صالحة يوم عرفة:
فإذا أردنا بعد هذه الجولة في فضائل الجمعة وفضائل عرفة، أن نتعرف على بعض ما نقوم به، لعل الله عز وجل أن ينظر إلينا بعين الرضا فلا نشقى بعدها أبدًا، نقول مستعينين بالله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مر بنا في أثناء خطبتنا هذه أمور؛ منها:
وجوب معرفة الله عز وجل المعرفة التي تؤتي ثمار تعظيم الله عز وجل حق المعرفة، فنعظمه عز وجل ونقدره حق قدره، قدر استطاعتنا، وإلا فنحن؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نحصي ثناءً على الله عز وجل))، وكيف للمخلوق الضعيف أن يحصي ثناء على الخالق عز وجل؟ وهذا كان الشاهد في حديث: ((ويحك أتدري ما الله؟))، فكم من المسلمين إلا من رحم الله - ولا حول ولا قوة إلا بالله - نتيجة الجهل بالله عز وجل يقع في الشرك، ويقع في مخالفات جسيمة، خصوصًا ما يتعلق بأعمال القلوب والعبادات المحضة التي يجب صرفها لله عز وجل وحده؛ كالإخلاص، والمحبة، والخوف، والرجاء، والدعاء، وغيرها.

توحيد الله عز وجل، فإذا كان توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالإكثار في هذا اليوم من قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، فإنه يقينًا في هذا توجيه نبوي واضح وصريح، يتماشى مع الاستسلام والتسليم والانقياد التام لدين الله عز وجل وشريعته، وترك كل ظواهر الشرك وأمور الجاهلية.

والبراءة من كل صور الشرك، لم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، وفيه أي مظاهر للشرك أو وجود للمشركين، وليتنا نأتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.
(والرضا بالله عز وجل ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا) قولًا وعملًا واعتقادًا.

الدعاء:
دعاء الجمعة:
عند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيها ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه الله، وأشار بيده يقللها))، ومن المعلوم أن المسلم في صلاة ما انتظر الصلاة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يُحدِث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة))؛ [أخرجه البخاري].

دعاء عرفة:
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))؛ [رواه الترمذي وحسنه الألباني].

وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما عند الطبراني موقوفًا قوله يوم عرفة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))، ثم يخفض صوته ويدعو[1].

الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عند أبي داود في صحيحه، وصححه الألباني من حديث أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرمت – أي: يقولون قد بليت - قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام)).

اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همنا وغمنا.

اللهم من كان من والدينا حيًّا، فأطِلْ عمره في طاعتك، ومن عليه بالصحة والعافية وحسن الخاتمة، واجعل قوته الوارث منه، ومن سبقنا منهم إليك، فاغفر له ذنبه، ووسع له في قبره مد بصره، وآنس وحدته ووحشته.

اللهم ربي لنا أبنائنا، وأصلح نساءنا، واهدِ بناتنا، وارزقهن العفاف، ووفق المسلمين لكل خير وبر.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

[1] "فضل عشر ذي الحجة" للطبراني (ص58) 55 - حدثنا علي بن عبدالعزيز، ثنا حجاج بن المنهال، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول، عن عبدالله بن الحارث أن ‌ابن ‌عمر ‌كان ‌يرفع ‌صوته ‌عشية ‌عرفة يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اهدنا بالهدى، وزينَّا بالتقوى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، ثم يخفض صوته، ثم يقول: اللهم إني أسألك من فضلك وعطائك رزقًا طيبًا مباركًا، اللهم أنت أمرت بالدعاء، وقضيت على نفسك بالإجابة، رب وأنت لا يخلف وعدك، ولا يكذب عهدك، اللهم ما أحببت من خير، فحببه إلينا ويسره لنا، وما كرهت من شر، فكرهه إلينا وجنبناه، ولا تنزع منا الإسلام بعد إذ أعطيته لنا، يا أرحم الراحمين".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.13 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]