الأربعون في الجهاد والاستشهاد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74452 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-08-2020, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (1)
أ. محمد خير رمضان يوسف





مقدمة









الحمدُ لله الواحدِ القهّار، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ القائدِ المختار، وعلى آلهِ وأصحابهِ الميامينَ الأخيار، وبعد:

فقد اخترتُ من بين الأحاديثِ الشريفةِ مجموعةً طيبةً مباركةً مما وردَ في موضوعِ الجهادِ والاستشهادِ في سبيلِ الله، وآثرتُ التنويعَ في مسائلِ الجهادِ والغزو والشهادة، مع التركيزِ على الفضائل، للحثِّ على الجهادِ والتعلُّقِ به، وللدفاعِ عن دينِ الله القويم، وطلبِ الشهادةِ في سبيلِ الله تعالى، والتذكيرِ بتصحيحِ النيةِ في كلِّ ذلك، ليصحَّ الجهاد، وتُقبلَ الشهادة.


وقد جمعتها من الصحيحين، البخاريِّ ومسلم، مع الاستفادةِ من شرحيهما خاصَّة، لابن حجر والنووي رحمهما الله، عند التعليق على الأحاديث، وبيانِ الغريبِ فيها، وما تُرشدُ إليه، وفي غيرِ الصحيحين أحاديثُ أخرى عظيمةٌ في فضائلِ الجهاد، يمكنُ الاستفادةُ منها في مظانِّها.

وأهدي هذا العملَ إلى أخي أبي ياسر، الذي حملَ رايةَ الحقِّ ونادَى بها ودافعَ عنها بكلِّ حماس، وشكوتُ إليه بعدي عن ساحاتِ الجهاد، وما إذا كان لي عذرٌ مقبولٌ عند الله؟ فطلبَ أن أُشغِلَ قلمي بفضائلِ الجهادِ عوضًا عن ذلك، فاستجبتُ بعدَ لأي، لأسباب، مع أنه لا يمرُّ عليَّ يومٌ دون أن أدعوَ الله تعالَى مراتٍ بأن يرزقني الشهادةَ في سبيله، وذرفتُ دموعًا غزيرةً بين يدَي ذلك، رجاءَ الفوزِ بها، وذلك هو الفوزُ العظيم:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
اللهم اجعلنا ممن يشاركونَ في الجهادِ بأموالهم وأنفسهم، ونسألُكَ أن ترزقنا الشهادةَ في سبيلك، وألّا تحرمنا فضلكَ وتوفيقك.
والحمدُ لله الذي أعانني على هذا.
محمد خير يوسف



22 جمادى الأولى 1437 هـ
(1)
فضل الرباط

عن سلمانَ [الفارسيِّ] قال:
سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "رِباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيامِ شَهْرٍ وقيامِه، وإنْ ماتَ جرَى عليهِ عملُهُ الَّذي كانَ يَعملُه، وأُجْريَ عليهِ رزقُه، وأمِنَ الفتَّان".
صحيح مسلم (1913).

الرباطُ هو الحراسةُ في الثغر، وملاحظةُ العدو، بقصدِ معرفةِ تحركاته، وحمايةِ المسلمين منه.
وقالَ ابنُ قتيبة: أصلُ الرباطِ أن يربطَ هؤلاءِ خيلَهم، وهؤلاءِ خيلَهم، استعدادًا للقتال.
والغدوة: الخروجُ من أولِ النهارِ إلى وسطه.
والروحة: الخروجُ مساء[1].

والفَتَّان، بالفتح: الشيطانُ ونحوهُ ممن يوقِعُ الإنسانَ في فتنةِ القبر، أي عذابه.
والفُتّان، بالضم: المنكرُ والنكير، والمرادُ أنهما لا يجيئان إليه للسؤالِ، بل يكفي موتهُ مرابطًا في سبيلِ الله شاهدًا على صحةِ إيمانه. أو أنهما لا يَضرَّانهِ ولا يُزعجانه[2].
قالَ الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى في الحديث: هذه فضيلةٌ ظاهرةٌ للمرابط، وجريانُ عملهِ عليه بعد موتهِ فضيلةٌ مختصَّةٌ به، لا يشاركهُ فيها أحد، وقد جاءَ صريحًا في غيرِ مسلم: "كلُّ ميِّتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلَّا الَّذي ماتَ مرابِطًا في سبيلِ الله، فإنَّهُ يُنمَى لَهُ عملُهُ إلى يومِ القيامة" [رواه الترمذي (1621) وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح][3].

(2)

الرباط في سبيل الله









عن سهل بنِ سعد الساعدي رضيَ الله عنه:









أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: "رِباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، ومَوضِعُ سَوْطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوْحةُ يَرُوحُها العبدُ في سبيلِ الله، أو الغدوةُ، خيرٌ من الدنيا وما عليها".









صحيح البخاري (2735).
(3)









فضل الجهاد









عن أبي هريرة قال:









قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "تضمَّنَ الله لمن خرجَ في سبيله: لا يُخرِجُهُ إلا جهادًا في سبيلي، وإيمانًا بي، وتصديقًا برسُلي، فهو عليَّ ضامِنٌ أن أُدخِلَهُ الجنة، أو أَرجِعَهُ إلى مَسكَنهِ الذي خرجَ منه، نائلًا ما نالَ من أجرٍ أو غنيمة.
والذي نفسُ محمَّدٍ بيده، ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيلِ الله، إلّا جاءَ يومَ القيامةِ كهيئتهِ حين كُلِم، لونهُ لونُ دمٍ، وريحهُ مِسك.
والذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لولا أن يَشُقَّ على المسلمين، ما قعدتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغزو في سبيلِ الله أبدًا، ولكنْ لا أجدُ سَعةً فأَحمِلَهم، ولا يَجدون سَعة، ويَشُقُّ عليهم أن يتخلَّفوا عني.
والذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لَوَدِدْتُ أني أغزو في سبيلِ الله فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل".
صحيح مسلم (1876).

"تضمَّنَ الله لمن خرجَ في سبيله...": معناه: أوجبَ الله تعالَى له الجنةَ بفضلهِ وكرمهِ سبحانَهُ وتعالى. وهذا الضمانُ موافقٌ لقولهِ تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [سورة التوبة: 111].
قولهُ سبحانَهُ وتعالَى: "لا يُخرِجُهُ إلّا جهادًا في سبيلي": "جهادًا" بالنصب، وكذا ما بعده "إيمانًا بي وتصديقًا" منصوبٌ على أنه مفعولٌ له، وتقديره: لا يُخرجهُ المخرج، ويُحركهُ المحرك، إلا للجهادِ والإيمانِ والتصديق. ومعناه: لا يُخرجهُ إلّا محضُ الإيمانِ والإخلاصِ لله تعالى.
ومعنى الحديث: أنَّ الله تعالَى ضمنَ أن الخارجَ للجهادِ ينالُ خيرًا بكلِّ حال، فإمَّا أن يُستَشهدَ فيَدخُلَ الجنة، وإمَّا أن يرجعَ بأجر، وإمَّا أن يرجعَ بأجرٍ وغنيمة.
"ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيلِ الله...": الكَلْم هو الجُرح.

قالَ الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: فيه دليلٌ على أن الشهيدَ لا يُزالُ عنه الدمُ بغَسلٍ ولا غيره، والحكمةُ في مجيئهِ يومَ القيامةِ على هيئته، أن يكونَ معه شاهدُ فضيلتهِ وبذلهِ نفسَهُ في طاعةِ الله تعالى.

"لولا أن يَشُقَّ على المسلمين...": فيه ما كان عليه صلَّى الله عليه وسلَّمَ من الشفقةِ على المسلمين والرأفةِ بهم، وأنه كان يَتركُ بعضَ ما يختارهُ للرفقِ بالمسلمين، وأنه إذا تعارضتِ المصالحُ بدأ بأهمها.

وفيه مراعاةُ الرفقِ بالمسلمين، والسعيُ في زوالِ المكروهِ والمشقَّةِ عنهم.

"لَوَدِدْتُ أني أغزو في سبيلِ الله فأُقتَل...": فيه فضيلةُ الغزوِ والشهادة، وفيه: تمني الشهادةِ والخير، وتمني ما لا يمكنُ في العادةِ من الخيرات، وفيه أن الجهادَ فرضُ كفاية لا فرضَ عين.



















وفي طريقٍ أخرى عند البخاري ومسلم: "لا يُكلَمُ أحدٌ في سبيلِ الله، والله أعلمُ بمن يُكلَمُ في سبيله..."، قالَ الإمامُ النووي: هذا تنبيهٌ على الإخلاصِ في الغزو، وأن الثوابَ المذكورَ فيه إنما هو لمن أخلصَ فيه، وقاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُليا.



















قالوا: وهذا الفضلُ وإنْ كان ظاهرهُ أنه في قتالِ الكفار، فيدخلُ فيه مَن خرجَ في سبيلِ الله في قتالِ البُغاة، وقطّاعِ الطرق، وفي إقامةِ الأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحوِ ذلك. والله أعلم[4].
(4)









أجر المجاهد









عن أبي هريرة قال:









سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: "مثَلُ المجاهدِ في سبيلِ اللَّه - واللَّهُ أعلَمُ بمن يُجاهِدُ في سبيلِه - كمثَلِ الصائمِ القائِم. وتَوَكَّلَ اللَّهُ للمُجاهدِ في سبيلِهِ بأنْ يَتَوَفَّاهُ: أنْ يُدخِلَهُ الجنةَ، أو يَرْجِعَهُ سالِمًا مع أجرٍ أو غنيمة".









صحيح البخاري (2635).



















"واللَّهُأعلَمُ بمن يُجاهِدُ في سبيلِه": في إشارةٌ إلى اعتبارِ الإخلاص، كما سبقَ بيانهُ في الحديثِ السابق.



















قالَ الحافظُ ابنُ حجر: شبَّهَ حالَ الصائمِ القائمِ بحالِ المجاهدِ في سبيلِ الله، في نيلِ الثوابِ في كلِّ حركةٍ وسكون؛ لأن المرادَ من الصائمِ القائمِ مَن لا يَفترُ ساعةً عن العبادة، فأجرهُ مستمر، وكذلكَ المجاهد، لا تضيعُ ساعةٌ من ساعاتهِ بغيرِ ثواب[5].
(5)









مثَل المجاهد









عن أبي هريرة قال:









قيلَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يَعْدِلُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟









قال: "لا تَستطيعوه".









قال: فأعادوا عليه مرتينِ أو ثلاثًا، كلُّ ذلك يقول: "لا تستطيعونه".



















وقالَ في الثالثة: "مثَلُ المجاهدِ في سبيلِ الله، كمثَلِ الصائمِ القائمِ القانتِ بآياتِ الله، لا يَفتُرُ مِن صيامٍ وصلاةٍ حتى يَرجِعَ المجاهدُ في سبيلِ اللهِ تعالى".









صحيح البخاري (2635).



















هذه فضيلةٌ ظاهرةٌ للمجاهدِ في سبيلِ الله، تقتضي أن لا يعدلَ الجهادَ شيءٌ من الأعمال.



















قالَ القاضي عياض: اشتملَ حديثُ البابِ على تعظيمِ أمرِ الجهاد؛ لأن الصيامَ وغيرَهُ ممَّا ذُكِرَ من فضائلِ الأعمال، قد عدلها كلَّها الجهادُ، حتى صارتْ جميعُ حالاتِ المجاهدِ وتصرفاتهِ المباحةَ معادلةً لأجرِ المواظِبِ على الصلاةِ وغيرها[6].
(6)









أفضل الناس









عن أبي سعيد الخدري رضيَ الله عنه قال:









قيل: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أفضل؟









فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "مؤمنٌ يجاهدُ في سبيلِ الله بنفسهِ وماله".









قالوا: ثم من؟









قال: "مؤمنٌ في شِعْبٍ من الشِّعاب، يتَّقي الله، ويدَعُ الناسَ من شرِّه".









صحيحُ البخاري (2634) واللفظُ له، صحيح مسلم (1888).



















قالَ القاضي عياض: هذا عامٌّ مخصوص، وتقديره: هذا من أفضلِ الناس، وإلا فالعلماءُ أفضل، وكذا الصدِّيقون، كما جاءتْ به الأحاديث.



















قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مؤمنٌ في شِعْبٍ من الشِّعابِ يتَّقي الله ويدَعُ الناسَ من شرِّه": فيه دليلٌ لمن قال بتفضيلِ العزلةِ على الاختلاط، وفي ذلك خلافٌ مشهور، فمذهبُ الشافعيِّ وأكثرِ العلماء، أن الاختلاطَ أفضل، بشرطِ رجاءِ السلامةِ من الفتن، ومذهبُ طوائفَ أن الاعتزالَ أفضل، وأجابَ الجمهورُ عن هذا الحديثِ بأنه محمولٌ على الاعتزالِ في زمنِ الفتنِ والحروب، أو هو فيمن لا يَسلَمُ الناسُ منه، ولا يصبرُ عليهم، أو نحوُ ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياءُ صلواتُ الله وسلامهُ عليهم وجماهيرُ الصحابةِ والتابعين والعلماءِ والزهَّادِ مختلطين، فيحصِّلون منافعَ الاختلاط، كشهودِ الجمعةِ والجماعةِ والجنائزِ وعيادةِ المرضَى وحِلَقِ الذكرِ وغيرِ ذلك.



















وأمَّا "الشِّعْبُ" فهو ما انفرجَ بين جبلين، وليسَ المرادُ نفسَ الشِّعْبِ خصوصًا، بل المرادُ الانفرادُ والاعتزال، وذكرَ الشِّعبَ مثالًا؛ لأنه خالٍ عن الناسِ غالبًا[7].





[1] كلمات من فتح الباري 6/ 14، 86. وتعريف الرباط استنتاج من قبل معد الكتاب.









[2] حاشية السندي على سنن النسائي 6/ 39.




[3] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 61.




[4] مقاطع من شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 20 - 22.




[5] فتح الباري 6/ 7.




[6] فتح الباري 6/ 5.




[7] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 34.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-08-2020, 02:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (2)
أ. محمد خير رمضان يوسف






(7)

من خير معاش الناس

عن أبي هريرة:

عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مِن خيرِ مَعاشِ الناسِ لهم، رجلٌ مُمسكٌ عِنانَ فرسهِ في سبيلِ الله، يَطيرُ على متنِه، كلَّما سمعَ هَيْعةً أو فَزْعةً طارَ عليه، يَبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه. أو رجلٌ في غُنَيمةٍ في رأسِ شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَفِ، أو بطنِ وادٍ من هذه الأودية، يُقيمُ الصلاةَ، ويؤتي الزكاةَ، ويعبدُ ربَّهُ حتى يأتيَه اليقينُ، ليسَ من الناسِ إلا في خير".

صحيح مسلم (1889).



المعاش: هو العيش، وهو الحياة.

يطيرُ على متنه: يسارعُ على ظهره.

الهيعة: الصوتُ عند حضورِ العدوّ.

الفزعة: النهوضُ إلى العدوّ.



يَبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه: يطلبهُ في مواطنه التي يُرجَى فيها؛ لشدَّةِ رغبتهِ في الشهادة.

قالَ الإمامُ النووي: وفي هذا الحديثِ فضيلةُ الجهادِ والرباطِ والحرصِ على الشهادة.

والغُنيمة: تصغيرُ الغنَم، أي: قطعةٌ منها.

والشَّعفة: أعلَى الجبل[1].



(8)

الجهاد ينفي النار

عن أبي عبس عبدالرحمن بن جبر:

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "ما اغبرَّتْ قدَما عبدٍ في سبيلِ اللهِ فتَمسَّهُ النارُ".

صحيح البخاري (2656).



قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمَهُ الله: في ذلك إشارةٌ إلى عظيمِ قدرِ التصرفِ في سبيلِ الله، فإذا كان مجرَّدُ مسِّ الغبارِ للقدمِ يحرِّمُ عليها النار، فكيفَ بمن سعَى وبذلَ جهدَهُ واستنفدَ وسعه؟[2].



(9)

ثواب الجهاد

عن أبي سعيد الخدري:

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "يا أبا سعيد، مَن رَضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا، وجبَتْ له الجنَّة".

فعجِبَ لها أبو سعيد، فقال: أعِدْهَا عليَّ يا رسولَ الله!



ففَعَل، ثم قال: "وأُخرَى يُرفَعُ بها العبدُ مائةَ درجةٍ في الجنة، ما بينَ كلِّ درجتينِ كما بين السماءِ والأرض"!

قال: وما هي يا رسولَ الله؟



قال: "الجهادُ في سبيلِ الله، الجهادُ في سبيلِ الله".

صحيح مسلم (1884).



قالَ القرطبي: الدرجة: المنزلةُ الرفيعة، ويُرادُ بها غرفُ الجنةِ ومراتبها، التي أعلاها الفردوس[3].



(10)

مئة درجة للمجاهد!

عن أبي هريرة:

عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن آمنَ باللهِ ورسولِه، وأقامَ الصلاةَ، وصامَ رمضانَ، كانَ حقًّا على اللهِ أن يُدخِلَهُ الجنةَ، هاجرَ في سبيلِ اللهِ، أو جلسَ في أرضهِ التي وُلِدَ فيها".



قالوا: يا رسولَ الله، أفلا نُنبِئُ الناسَ بذلك؟

قال: "إنَّ في الجنةِ مئةَ درجة، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيله، كلُّ درجتَينِ ما بينهما كما بين السماءِ والأرض، فإذا سألتمُ اللهَ فسَلُوهُ الفِردَوس، فإنهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلَى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة".

صحيح البخاري (6987).



لم تُذكَرُ الزكاةُ والحجُّ في أول الحديث، لكونهما غيرَ واجبين في كلِّ الأحول، فالزكاةُ تجبُ إذا بلغَ المالُ النصاب، ويجبُ الحجُّ على المستطيع.



وجلسَ في بيته: فيه تأنيسٌ لمن حُرِمَ الجهاد، وأنه ليس محرومًا من الأجر، بل له من الإيمانِ والتزامِ الفرائضِ ما يوصلهُ إلى الجنة، وإن قصرَ عن درجةِ المجاهدين.



قولهم: "أفلا نُنبِئُ الناسَ بذلك"؟ وجوابُ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ لهم، المراد: لا تبشِّرِ الناسَ بما ذكرتهُ من دخولِ الجنةَ لمن آمنَ وعملَ الأعمالَ المفروضةَ عليه، فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوهُ إلى ما هو أفضلُ منه من الدرجاتِ التي تحصلُ بالجهاد.



ومنه تفجَّرُ الأنهار: أي: من الفردوس، ووهمَ مَن زعمَ أن الضميرَ للعرش.

والفردوسُ أعلَى درجاتِ الجنة، وأوسطُها وأفضلُها، وفوقَها عرشُ الرحمن.

وفي الحديثِ فضيلةٌ ظاهرةٌ للمجاهدين، وفيه عظمُ الجنة، وعظمُ الفردوسِ منها.



وفيه إشارةٌ إلى أن درجةَ المجاهدِ قد ينالُها غيرُ المجاهد، إما بالنيةِ الخالصة، أو بما يوازيهِ من الأعمالِ الصالحة؛ لأنه صلَّى الله عليه وسلَّمَ أمرَ الجميعَ بالدعاءِ بالفردوس، بعد أن أعلمَهم أنه أُعِدَّ للمجاهدين[4].



(11)

الجنة تحت ظلال السيوف

عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس، قالَ وهو بحضرةِ العدوّ:

قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أبوابَ الجنَّةِ تحتَ ظِلالِ السُّيوف".



فقامَ رجلٌ رَثُّ الهيئةِ فقال: يا أبا موسى، آنتَ سمِعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ هذا؟

قال: نعم.



قال: فرجعَ إلى أصحابِه فقال: أَقرَأُ عليكمُ السلام.

ثم كسرَ جَفنَ سيفِه فألقاه، ثم مشَى بسيفهِ إلى العدو، فضرَبَ به حتى قُتِل.

صحيح مسلم (1902).



"أبواب الجنَّةِ تحتَ ظِلالِ السُّيوف": قال النوويُّ في شرحِ مسلم:قالَ العلماء: معناهُ أن الجهادَ وحضورَ معركةِ القتالِ طريقٌ إلى الجنة، وسببٌ لدخولها.



وقالَ المناوي: هو كنايةٌ عن الدنوِّ من العدوِّ في الحرب، بحيثُ تَعلوهُ السيوف، بحيث يصيرُ ظلُّها عليه، يعني: الجهادُ طريقٌ إلى الوصولِ إلى أبوابها بسرعة، والقصدُ الحثُّ على الجهاد[5].

وجَفنُ السيف: غِمده.



(12)

قاتل وقتيل في الجنة!

عن أبي هريرة رضيَ الله عنه:

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَينِ يَقتُلُ أحدُهما الآخَرَ، كلاهما يدخُلُ الجنَّةَ".

فقالوا: كيفَ يا رسولَ الله؟!



قال: "يُقاتِلُ هذا في سبيلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فيُستَشهَدُ، ثم يَتوبُ اللهُ على القاتِلِ فيُسلِمُ، فيُقاتِلُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فيُستَشهَد".



صحيح البخاري (2671)، صحيح مسلم (1890) واللفظُ له.



"يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَينِ...": معناه - كما قالَ الخطابي -: الإخبارُ عن رضا الله بفعلِ أحدهما وقبولهِ للآخر، ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة، مع اختلافِ حالَيهما.



وقالَ ابنُ عبدالبرِّ: يُستفادُ من هذا الحديث، أن كلَّ مَن قُتِلَ في سبيلِ الله فهو في الجنة[6].



(13)

تجهيز الغازي

عن زيد بن خالد رضيَ الله عنه:

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: "مَن جهَّزَ غازيًا في سبيلِ اللهِ فقد غزا، ومَن خلَفَ غازيًا في سبيلِ اللهِ بخيرٍ فقد غزا".

صحيح البخاري (2688) واللفظُ له، صحيح مسلم (1895).



أي: حصلَ له أجرٌ بسببِ الغزو. وهذا الأجرُ يحصلُ بكلِّ جهاد، وسواءٌ قليلهُ وكثيره، ولكلِّ خالفٍ له في أهلهِ بخير، من قضاءِ حاجةٍ لهم، وإنفاقٍ عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم. ويختلفُ قدرُ الثوابِ بقلَّةِ ذلك وكثرته.

وفي هذا الحديث: الحثُّ على الإحسانِ إلى مَن فعلَ مصلحةً للمسلمين، أو قامَ بأمرٍ من مهمَّاتهم[7].





[1] مقتطفات من شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 35.




[2] فتح الباري 6/ 30.




[3] الديباج على مسلم 4/ 475.




[4] باختصار من فتح الباري 6/ 13.




[5] تحفة الأحوذي 5/ 245.




[6] القولان في فتح الباري 6/ 40، 41.




[7] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 40.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-08-2020, 02:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (3)
أ. محمد خير رمضان يوسف

(14)
700 ناقة!
عن أبي مسعود الأنصاري قال:
جاءَ رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ، فقال: هذه في سبيلِ الله.
فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لكَ بها يومَ القيامةِ سبعُمائةِ ناقة، كلُّها مَخطومةٌ".

صحيح مسلم (1892).
الخِطامُ هو الزمام، يوضَعُ على خَطم البعيرِ ليُقادَ به. والخَطم: مقدِّمةُ الأنف.
رجَّحَ الإمامُ النوويُّ أن يكونَ الحديثُ على ظاهره، وهو أن يكونَ له في الجنةِ بها سبعمائة، كلُّ واحدةٍ منهنَّ مخطومة، يركبهنَّ حيثُ شاءَ للتنزُّه، كما جاءَ في خيلِ الجنةِ ونُجُبِها[1].

(15)
طوبى للمجاهد
عن أبي هريرة:
عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "طوبَى لعبدٍ آخذٍ بعِنانِ فَرسهِ في سبيلِ الله، أشعثَ رأسُهُ، مغبرَّةٍ قدماه، إنْ كان في الحراسةِ كان في الحراسة، وإنْ كان في السَّاقةِ كان في السَّاقة، إنِ استأذنَ لم يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لم يُشَفَّعْ".

جزءٌ من حديثٍ رواهُ البخاري (2730).

"طوبَى لعبدٍ..": إشارةٌ إلى الحضِّ على العملِ بما يحصلُ به خيرُ الدنيا والآخرة.
"إنْ كان في الحراسةِ كان في الحراسة": التقدير: إن كان المهمُّ في الحراسةِ كان فيها.
والساقة: الذين يسوقون جيشَ الغزاة، ويكونون من ورائهِ يحفظونه.
"إنِ استأذنَ لم يُؤْذَنْ له": فيه تركُ حبِّ الرئاسةِ والشهرة، وفضلُ الخمولِ والتواضع[2].

(16)
القوة الرمي
عن عُقبةَ بنِ عامر قال:
سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على المنبرِ يقول: "ï´؟ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ï´¾ [سورة الأنفال: 60]، ألا إنَّ القوةَ الرميُ، ألا إنَّ القوةَ الرميُ، ألا إنَّ القوةَ الرميُ".

صحيح مسلم (1917).

قالَ الإمامُ النووي: هذا تصريحٌ بتفسيرها، وردٌّ لما يحكيهِ المفسِّرون من الأقوالِ سوى هذا.

وفيه وفي الأحاديثِ بعده: فضيلةُ الرمي والمناضلة، والاعتناءُ بذلك بنيَّةِ الجهادِ في سبيلِ الله تعالى، وكذلك المشاجعة، وسائرُ أنواعِ استعمالِ السلاح، وكذا المسابقةُ بالخيلِ وغيرها، كما سبقَ في بابه.

والمرادُ بهذا كلِّه: التمرُّنُ على القتالِ والتدرُّب، والتحذُّقُ فيه، ورياضةُ الأعضاءِ بذلك[3].

والمناضلة: المسابقة أو التدرب على الرمي بالسهام.

وقال القرطبي: إنما فسَّرَ القوةَ بالرمي، وإن كانت القوةُ تظهرُ بإعدادِ غيرهِ من آلاتِ الحرب، لكونِ الرمي أشدَّ نكايةً في العدوِّ وأسهلَ مؤنة، لأنه قد يَرمي رأسَ الكتيبةِ فيُصابُ فيهزمُ مَن خلفه[4] .
قلت: ويشملُ ذلك أنواعَ الرمي بالأسلحةِ الحديثة.

(17)
حاجة للشهيد!

عن مسروق قال:
سألْنَا عبدَاللهِ (هو ابنُ مسعودٍ) عن هذه الآيةِ: ï´؟ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ï´¾ [سورة آل عمران:169]، قال: أمَا إنّا قد سألْنا عن ذلك، فقال:
"أرواحُهم في جَوفِ طَيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرحُ من الجنةِ حيثُ شاءت، ثم تأوي إلى تلكَ القناديل، فاطَّلعَ إليهم ربُّهم اطَّلاعةً، فقال: هل تَشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نَشتهي ونحن نَسرحُ من الجنةِ حيثُ شِئنا؟

ففعلَ ذلكَ بهم ثلاثَ مراتٍ، فلمّا رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يُسألوا، قالوا: يا ربِّ، نريدُ أنْ تردَّ أرواحَنا في أجسادِنا حتى نُقتَلَ في سبيلِكَ مرةً أخرى.
فلمّا رأَى أنْ ليسَ لهم حاجةٌ تُرِكوا".

صحيح مسلم (1887).

قال النوويُّ رحمَهُ الله: فيه أن الجنةَ مخلوقةٌ موجودة، وهو مذهبُ أهلِ السنَّة، وهي التي أُهبِطَ منها آدم، وهي التي يَنعَمُ فيها المؤمنون في الآخرة، هذا إجماعُ أهلِ السنَّة.

وفيه إثباتُ مجازاةِ الأمواتِ بالثوابِ والعقابِ قبلَ القيامة.

قالَ القاضي [عياض]: وفيه أن الأرواحَ باقيةٌ لا تفنَى، فيَنعَمُ المحسنُ، ويعذَّبُ المسيءُ، وقد جاءَ به القرآنُ والآثار، وهو مذهبُ أهلِ السنة، خلافًا لطائفةٍ من المبتدعةِ قالت: تفنَى.

"فقال: هل تَشتهون شيئًا؟...": هذا مبالغةٌ في إكرامِهم وتنعيمِهم، إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطرُ على قلبِ بشر، ثم رغَّبهم في سؤالِ الزيادة، فلم يجدوا مزيدًا على ما أعطاهم، فسألوهُ - حين رأوا أنه لا بدَّ من سؤال - أن يُرجِعَ أرواحَهم إلى أجسادهم ليجاهدوا، أو يبذلوا أنفسَهم في سبيلِ الله تعالى، ويستلذُّوا بالقتلِ في سبيلِ الله. والله أعلم[5] .

(18)
عندما يتمنَّى الشهيد!
عن أنس بن مالك، يحدَّثُ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
"ما من أحدٍ يَدخُلُ الجَنَّةَ يحبُّ أن يرجِعَ إلى الدنيا، وأنَّ له ما على الأرضِ من شيءٍ، غيرُ الشهيدِ، فإنهُ يَتمنَّى أن يَرجِعَ فيُقتَلُ عَشْرَ مرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِن الكرامة".

صحيح البخاري (2662)، صحيح مسلم (1877) واللفظُ له.

قالَ ابنُ بطّال: هذا الحديثُ أجلُّ ما جاءَ في فضلِ الشهادة.
قال: وليس في أعمالِ البرِّ ما تُبذَلُ فيه النفسُ غيرُ الجهاد، فلذلك عظمَ فيه الثواب[6].

(19)
الشهادة تكفِّر الخطايا.. إلا الدَّين
عن أبي قتادة:
عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أنه قامَ فيهم، فذكرَ لهم أنَّ الجهادَ في سبيلِ الله، والإيمانَ بالله، أفضلُ الأعمال. فقامَ رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ قُتِلتُ في سبيلِ الله، تُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟
فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "نعم، إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ الله، وأنتَ صابرٌ مُحتسِبٌ، مُقبِلٌ غيرُ مُدبِرٍ".

ثم قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "كيفَ قلتَ
قال: أرأيتَ إنْ قُتِلتُ في سبيلِ الله، أَتُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟
فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم: "نعم، وأنتَ صابرٌ مُحتسِبٌ، مُقبِلٌ غيرُ مُدبِرٍ، إلّا الدَّينَ، فإنَّ جبريلَ عليه السلامُ قالَ لي ذلك".

صحيح مسلم (1885).

المحتسِب: هو المخلِصُ لله تعالى، فإن قاتلَ لعصبية، أو لغنيمة، أو لصِيْت، أو نحوِ ذلك، فليس له هذا الثوابُ، ولا غيره.

وأما قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إلا الدَّين"، ففيه تنبيهٌ على جميعِ حقوقِ الآدميين، وأن الجهادَ والشهادةَ وغيرهما من أعمالِ البرِّ لا يكفِّرُ حقوقَ الآدميين، وإنما يكفِّرُ حقوقَ الله تعالى[7].

(20)
تحذير من الدَّين أيضًا
عن عبدالله بن عمرو بن العاص:
أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "يُغفَرُ للشهيدِ كلُّ ذنبٍ إلّا الدَّين".

صحيح مسلم (1886).

يُستفادُ منه أن الشهادةَ لا تكفِّرُ التبعات، وحصولُ التبعاتِ لا يمنعُ حصولَ درجةِ الشهادة، وليس للشهادةِ معنًى إلا أن الله يثيبُ مَن حصلتْ له ثوابًا مخصوصًا، ويكرمهُ كرامةً زائدة، وقد بيَّنَ الحديثُ أن الله يتجاوزُ عنه ما عدا التبعات..[8].

وأخذُ الدَّين ليس بعصيان، بل الاقتراضُ والتزامُ الدَّين جائز، وإنما شدَّدَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على مَن ماتَ وعليه دَينٌ ولم يتركْ ما يقضي دَينَهُ كيلا تضيعَ حقوقُ الناس[9].


[1] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 38.

[2] ينظر فتح الباري 6/ 83، ومعنى الساقة من نهاية ابن الأثير 2/ 424.

[3] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 64.

[4] نقلته من فتح الباري 6/ 91.

[5] مقتطفات من شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 31.

[6] فتح الباري 6/ 32.

[7] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 29.

[8] فتح الباري 10/ 193.

[9] عون المعبود 9/ 138.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-08-2020, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (4)
أ. محمد خير رمضان يوسف




(21)
سبب الجهاد
عن أبي موسى قال:
جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: الرجلُ يُقاتِلُ حَمِيَّةً، ويُقاتِلُ شجاعةً، ويُقاتِلُ رياءً، فأيُّ ذلكَ في سبيلِ الله؟
قال: "مَن قاتلَ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيلِ الله".
صحيح البخاري (7020) واللفظُ له، صحيح مسلم (1904).

المرادُ بكلمةِ الله: دعوةُ اللهِ إلى الإسلام، ويحتملُ أن يكونَ المرادُ أنه لا يكونُ في سبيلِ الله إلا من كان سببُ قتالهِ طلبَ إعلاءِ كلمةِ الله فقط، بمعنى أنه لو أضافَ إلى ذلك سببًا من الأسبابِ المذكورةِ أخلَّ بذلك...

وذكرَ الحافظُ ابنُ حجر أنه لا يُطلَقُ على كلِّ مقتولٍ في الجهادِ شهيد؛ لأنه لا تُعرفُ نيَّته، هل هي في سبيلِ الله أم لا؟ يعني هل قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا أم لغيرِ ذلك؟
وإن كان مع ذلك يُعطَى حكمَ الشهداءِ في الأحكامِ الظاهرة، ولذلك أطبقَ السلفُ على تسميةِ المقتولين في بدرٍ وأُحدٍ وغيرهما شهداء، والمرادُ بذلك الحكمُ الظاهرُ المبنيُّ على الظنِّ الغالب. والله أعلم[1].

وقالَ الإمامُ النووي: فيه بيانُ أن الأعمالَ إنما تُحسَبُ بالنيَّاتِ الصالحة، وأن الفضلَ الذي وردَ في المجاهدين في سبيلِ الله يختصُّ بمن قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا[2].

(22)
الغارة على العدو
عن أنس بن مالك:
أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ كان إذا غزَا بنا قومًا لم يكنْ يَغزو بنا حتى يُصبح، ويَنظر، فإنْ سمعَ أذانًا كَفَّ عنهم، وإنْ لم يسمعْ أذانًا أغارَ عليهم.

قال: فخرجنا إلى خيبر، فانتهَينا إليهم ليلاً، فلمّا أصبحَ ولم يسمعْ أذانًا ركبَ، وركبتُ خلفَ أبي طلحة، وإنَّ قدَمي لتَمَسُّ قدمَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال: فخرجوا إلينا بمكاتِلِهم ومساحِيهم، فلمَّا رأَوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالوا: محمدٌ واللهِ، محمدٌ والخميسُ.

قال: فلمَّا رآهُم رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، خَرِبَتْ خيبرُ، إنَّا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساءَ صباحُ المنذَرين".
صحيح البخاري (585) واللفظُ له، صحيح مسلم (1365).

المسحاةُ هي المجرفةُ من الحديد.
والمكتل: الزنبيلُ الكبير.
والخميس: الجيش.
"فساءَ صباحُ المنذَرين": أي بئسَ صباحُهم؛ لنزولِ عذابِ الله بالقتلِ والإغارةِ عليهم إن لم يؤمنوا[3].
"الله أكبر...": فيه دليلٌ لاستحبابِ الذكرِ والتكبيرِ عند الحرب.

"خربت خيبر": ذكروا فيه وجهين:
أحدهما: أنه دعاء، تقديره: أسألُ اللهَ خرابَها.
والثاني: أنه إخبارٌ بخرابِها على الكفار، وفتحِها للمسلمين[4].

(23)
أبو دجانة يأخذ سيفًا بحقّ
عن أنس:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أخذَ سيفًا يومَ أُحُدٍ، فقال: "مَن يأخذُ مني هذا
فبَسطوا أيديَهم، كلُّ إنسانٍ منهم يقول: أنا، أنا.
قال: "فمَن يأخذُه بحقِّه
قال: فأحجمَ القومُ.
فقالَ سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ، أبو دُجانة: أنا آخذُهُ بحقِّه.
قال: فأخذَه، ففَلقَ بهِ هامَ المشركين.
صحيح مسلم (2470).

أحجمَ القوم: تأخَّروا.
فلقَ هامَ المشركين: شقَّ رؤوسَهم[5].

(24)
مصير تمرات!
عن جابر بنِ عبدالله رضيَ الله عنهما قال:
قالَ رجلٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يومَ أُحُد: أرأيتَ إنْ قُتِلتُ، فأين أنا؟
قال: "في الجنَّة".
فأَلقَى تمَراتٍ في يده، ثم قاتلَ حتى قُتِل!
صحيح البخاري (3820) واللفظُ له، صحيح مسلم (1899).

فيه ما كان الصحابةُ عليه من حبِّ نصرِ الإسلام، والرغبةِ في الشهادةِ ابتغاءَ مرضاةِ الله[6].
وقالَ الإمامُ النووي: فيه ثبوتُ الجنةِ للشهيد، وفيه المبادرةُ بالخير، وأنه لا يُشتغَلُ عنه بحظوظِ النفوس[7].

(25)
رجل صدق ما عاهد الله عليه
عن أنسٍ رضيَ الله عنه قال:
غابَ عِمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ عن قتالِ بدرٍ، فقال: يا رسولَ الله، غبتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتالَ المشركينَ ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنعُ.

فلمَّا كانَ يومُ أُحُد، وانكشفَ المسلمون، قال: اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما صنعَ هؤلاء، يعني أصحابَهُ، وأبرأُ إليكَ ممَّا صنعَ هؤلاء، يعني المشركين.

ثم تقدَّمَ، فاستقبلَهُ سعدُ بنُ معاذ، فقال: يا سعدُ بنَ معاذٍ، الجنةَ وربِّ النضْر، إني أجدُ ريحَها مِن دونِ أُحُد.

قالَ سعدٌ: فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع.

قالَ أنس: فوجدنا بهِ بضعًا وثمانينَ ضربةً بالسيف، أو طعنةً برمحٍ، أو رَميةً بسهمٍ. ووجدناهُ قد قُتِلَ وقد مثَّلَ به المشركون، فما عرفَهُ أحدٌ إلا أختُهُ ببَنانِه.

قال أنس: كنا نرى، أو نظنُّ، أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ فيهِ وفي أشباهِهِ : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب: 23].
صحيح البخاري (2651) واللفظُ له، صحيح مسلم (1903).

أجدُ ريحَها مِن دونِ أُحُد: قالَ ابنُ بطَّال وغيره: يحتملُ أن يكونَ على الحقيقة، وأنه وجدَ ريحَ الجنةِ حقيقة، أو وجدَ ريحًا طيبةً ذكَّرَهُ طِيبُها بطِيب ريحِ الجنة، ويجوزُ أن يكونَ أرادَ أنه استحضرَ الجنةَ التي أُعِدَّتْ للشهيد، فتصوَّرَ أنها في ذلك الموضعِ الذي يقاتلُ فيه...

وفي قصةِ أنس بنِ النضر من الفوائد: جوازُ بذلِ النفسِ في الجهاد، وفضلُ الوفاءِ بالعهدِ ولو شقَّ على النفس، حتى يصلَ إلى إهلاكها، وأن طلبَ الشهادةِ في الجهادِ لا يتناولهُ النهيُ عن الإلقاءِ إلى التهلكة.

وفيه فضيلةٌ ظاهرةٌ لأنس بنِ النضر، وما كان عليه من صحةِ الإيمان، وكثرةِ التوقِّي والتورُّع، وقوةِ اليقين[8] .

(26)
فتيَان بطلان
عن عبدالرحمن بن عوفٍ أنه قال:
بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدر، نظرتُ عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غُلامَينِ من الأنصار، حديثةٍ أسنانُهما، تمنَّيتُ لو كنتُ بين أَضْلَعَ منهما، فغمزني أحدُهما فقال: يا عمِّ، هل تعرفُ أبا جهل؟
قال: قلتُ: نعم، وما حاجتُكَ إليه يا ابنَ أخي؟
قال: أُخبِرْتُ أنه يَسبُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والذي نفسي بيدِه، لئنْ رأيتُهُ لا يفارقُ سوادي سوادَه حتى يموتَ الأعجلُ منا.
قال: فتعجَّبتُ لذلك. فغمزني الآخرُ فقالَ مثلَها.
قال: فلم أنْشَبْ أنْ نظرتُ إلى أبي جهلٍ يَزولُ في الناس، فقلتُ: ألا تريانِ؟ هذا صاحبُكما الذي تسألانِ عنه.
قال: فابتدراه، فضرباهُ بسيفَيهما حتى قتلاه.
ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَراه، فقال: "أيكما قتلَه
فقالَ كلُّ واحدٍ منهما: أنا قتلتُ.
فقال: "هل مَسحتُما سيفَيكما
قالا: لا.
فنظرَ في السَّيفَين، فقال: "كلاكما قتلَه".
وقضَى بسلَبهِ لمعاذِ بنِ عمرو بنِ الجَموح.
والرجلانِ معاذُ بنُ عَمرو بنِ الجموح، ومعاذُ بنُ عَفْراء.
صحيح البخاري (2972)، صحيح مسلم (1752) واللفظُ له.

معنى أضلَع: أقوى.
لم أنشَب: لم ألبَث.
قالَ الإمامُ النووي: قالَ أصحابنا - يعني الشافعية -: اشتركَ هذان الرجلانِ في جراحته، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح ثخنَهُ أولًا فاستحقَّ السلَب، وإنما قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "كلاكما قتله" تطييبًا لقلبِ الآخر، من حيثُ أن له مشاركةً في قتله، وإلّا فالقتلُ الشرعيُّ الذي يتعلَّقُ به استحقاقُ السلَب - وهو الإثخانُ وإخراجهُ عن كونهِ متمنِّعًا - إنما وُجِدَ من معاذ بن عمرو بن الجموح، فلهذا قضَى له بالسلَب...

وفي هذا الحديثِ من الفوائد:
المبادرةُ إلى الخيرات.
والاشتياقُ إلى الفضائل.
وفيه الغضبُ لله ولرسولهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه أنه ينبغي أن لا يُحتقَرَ أحد، فقد يكونُ بعضُ مَن يُستَصغَرُ عن القيامِ بأمرٍ أكبرَ مما في النفوس وأحقَّ ذلك الأمر، كما جرَى لهذين الغلامين[9].

(27)
جُليبيب!
عن أبي برزة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان في مغزًى لهُ، فأفاءَ اللهُ عليه، فقالَ لأصحابِه: "هل تَفقِدون مِن أحدٍ
قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا.
ثم قال: "هل تَفقِدون مِن أحدٍ
قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا.
ثم قال: "هل تَفقِدون مِن أحدٍ
قالوا: لا.
قال: "لكنِّي أَفقِدُ جُلَيبيبًا، فاطلبوهُ".
فطُلِبَ في القتلَى، فوجدوهُ إلى جَنبِ سبعةٍ قد قتلهم، ثم قَتلوهُ.
فأتَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فوقفَ عليه، فقال: "قتلَ سبعةً ثم قتلوهُ. هذا منِّي وأنا منه، هذا منِّي وأنا منه".
قال: فوضعَهُ على ساعدَيهِ، ليسَ لهُ إلَا ساعِدا النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. قال: فحُفِرَ له، ووُضِعَ في قبرِه. ولم يَذكرْ غَسلًا.
صحيح مسلم (2472).

كان في مغزًى: أي في سفرِ غزو.
هذا منِّي وأنا منه: معناهُ المبالغةُ في اتحادِ طريقتِهما واتفاقِهما في طاعةِ الله تعالَى.
وفي حديثهِ أن الشهيدَ لا يُغسَل، ولا يُصلَّى عليه[10].


[1] ينظر فتح الباري 6/ 28، 90.

[2] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 49.

[3] شرح المفردات من تحفة الأحوذي 5/ 131.

[4] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 219.

[5] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 24.

[6] فتح الباري 7/ 354.

[7] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 44.

[8] منتخب من فتح الباري 6/ 22 - 23.

[9] مختار من شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 63.

[10] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 26.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-08-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (5)
أ. محمد خير رمضان يوسف





(28)
الأجر الكثير على العمل اليسير
عن البراء قال:
جاءَ رجلٌ من بني النَّبِيتِ - قَبِيلٍ مِن الأنصارِ - فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَا الله، وأنكَ عبدُهُ ورسولُه. ثم تقدَّم، فقاتلَ حتى قُتل.
فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَمِلَ هذا يسيراً، وأجِرَ كثيراً".
صحيح مسلم (1900).
فيه أن الجهادَ والاستشهادَ أقصرُ طريقٍ إلى الجنة. والله أعلم.

(29)
فلستُ أبالي..
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال:
بعثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ سريَّةً عَينًا، وأمَّرَ عليهم عاصم بنَ ثابت، وهو جدُّ عاصم بنِ عمر بنِ الخطاب. فانطلقوا، حتى إذا كان بين عُسْفانَ ومكةَ، ذُكِروا لحيٍّ من هُذيلٍ يُقالُ لهم بنو لِحْيان، فتَبِعوهم بقريبٍ من مئةِ رامٍ، فاقتَصُّوا آثارهم حتى أتَوا مَنزلًا نزَلوه، فوجدوا فيه نوَى تمرٍ تزوَّدوهُ من المدينة، فقالوا: هذا تمرُ يَثرِب. فتَبِعوا آثارَهم حتى لَحقوهم.

فلمّا انتهَى عاصمٌ وأصحابهُ لجؤوا إلى فَدْفَد، وجاءَ القومُ فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهدُ والميثاقُ إنْ نزلتُم إلينا أنْ لا نقتلَ منكم رجلًا.

فقالَ عاصم: أمّا أنا فلا أنزلُ في ذمَّةِ كافر. اللهمَّ أخبرْ عنّا نبيَّك.

فرمَوهم، حتى قَتلوا عاصمًا في سبعةِ نفرٍ بالنَّبْل. وبقيَ خُبَيبٌ وزيدٌ ورجلٌ آخر، فأعطَوهم العهدَ والميثاق. فلمَّا أعطَوهم العهدَ والميثاقَ نَزلوا إليهم. فلمّا استَمكنوا منهم حَلُّوا أوتارَ قِسِيِّهم فربطوهم بها. فقالَ الرجلُ الثالثُ الذي معهما: هذا أولُ الغدر. فأبَى أن يَصحبَهم. فجرَّروهُ وعالجوهُ على أن يَصحبَهم، فلم يفعل، فقتلوه.

وانطلقوا بخُبيبٍ وزيدٍ حتى باعوهما بمكة. فاشترَى خُبيبًا بنو الحارث بنِ عامر بنِ نوفل، وكان خُبيبٌ هو قَتلَ الحارثَ يومَ بدر. فمكثَ عندهم أسيرًا. حتى إذا أجمعوا قتلَه، استعارَ موسَى مِن بعضِ بناتِ الحارثِ ليَستَحِدَّ بها، فأعارته، قالت: فغفلتُ عن صبيٍّ لي، فدرجَ إليه حتى أتاهُ، فوضعَهُ على فخذه، فلمَّا رأيتهُ فَزِعتُ فَزعةً عَرفَ ذاكَ مني، وفي يديهِ الموسَى، فقال: أتخشَين أن أقتله؟ ما كنتُ لأفعلَ ذلكَ إنْ شاءَ الله.

وكانت تقول: ما رأيتُ أسيرًا قطُّ خيرًا مِن خُبيب، لقد رأيتهُ يأكلُ مِن قِطْفِ عنبٍ وما بمكةَ يومئذٍ ثمرة، وإنه لموْثَقٌ في الحديد، وما كان إلّا رزقٌ رزقَهُ الله.

فخرجوا به من الحرمِ ليقتلوه، فقال: دعوني أصلِّ رَكعتين.
ثم انصرفَ إليهم فقال: لولا أن ترَوا أنَّ ما بي جزعٌ من الموتِ لزدت.
فكان أولَ مَن سنَّ الركعتين عند القتلِ هو.

ثم قال: اللهمَّ أَحصِهم عددًا. ثم قال:
ولستُ أُبالي حين أُقتَلُ مسلمًا
على أيِّ شِقٍّ كان للهِ مَصرعي

وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشأْ
يُبارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ ممزَّعِ

ثم قامَ إليه عقبة بنُ الحارث فقتله.

وبعثَتْ قريشٌ إلى عاصمٍ ليُؤتَوا بشيءٍ من جسدهِ يعرفونه، وكان عاصمٌ قَتلَ عظيمًا من عظمائهم يومَ بدر، فبعثَ الله عليه مثلَ الظُّلَّةِ من الدَّبْر، فحمَتْهُ مِن رُسلهم، فلم يَقدروا منه على شيء.
صحيح البخاري (3858).

ليستحدَّ: المرادُ أن يحلقَ عانته.
القِطف: العنقود.
الأوصالُ جمعُ وَصل، وهو العضو.
الشلو: الجسد.
الممزَّع: المقطَّع.
الظلَّة: السحابة.
الدَّبْر: النحل، أو الزنابير.

وفي الحديث:
أن للأسيرِ أن يمتنعَ من قبولِ الأمان، ولا يمكِّنَ من نفسهِ ولو قُتل، أنَفةً من أنه يَجري عليه حكمُ كافر، وهذا إذا أرادَ الأخذَ بالشدَّة، فإن أرادَ الأخذَ بالرخصةِ له أن يستأمن.

وفيه: الوفاءُ للمشركين بالعهد، والتورعُ عن قتلِ أولادهم، والتلطفُ بمن أُريدَ قتله.
وإثباتُ كرامةِ الأولياء.
والدعاءُ على المشركين بالتعميم.
والصلاةُ عند القتل.
وفيه إنشاءُ الشعرِ وإنشادهُ عند القتل.
ودلالةٌ على قوةِ يقينِ خُبيب وشدَّتهِ في دينه.

وفيه أن الله يَبتلي عبدَهُ المسلمَ بما شاءَ كما سبق في علمهِ ليُثيبه، ولو شاءَ ربك ما فعلوه.
وفيه استجابةُ دعاءِ المسلم، وإكرامهُ حيًّا وميتًا.
وغيرُ ذلكَ من الفوائدِ مما يظهرُ بالتأمل[1].

(30)
استحبابُ الدعاء بالنصر
عن عبدالله بن أبي أوفَى قال:
دعا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يوم الأحزابِ على المشركين فقال: "اللهمَّ مُنزِلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اللهمَّ اهزِمِ الأحزاب، اللهمَّ اهزِمهُم وزَلزِلهم".
صحيح البخاري (2775) واللفظُ له، صحيح مسلم (1742).

وقد هزمهم الله تعالى، كما في قوله: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [سورةالأحزاب: 9]، وهم أحزابٌ من مشركي العرب، اجتمعوا على المسلمين يومَ الخندق.
فالدعاءُ مستحبٌّ عند لقاءِ العدو[2].

(31)
طلب الشهادة
عن أنس بنِ مالك قال:
"مَن طلبَ الشهادةَ صادقًا أُعطيَها ولو لم تُصِبْهُ".
صحيح مسلم (1908).
أي: أُعطيَ ثوابَ الشهادةِ ولو لم يُقتَل[3].

(32)
سؤال الشهادة

عن سهل بنِ حُنيف:
أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدق، بلَّغَهُ اللهُ منازلَ الشهداء، وإنْ ماتَ على فِراشه".
صحيح مسلم (1909).

أي أنه إذا سألَ الشهادةَ بصدق، أُعطيَ من ثوابِ الشهداءِ وإن كان على فراشه.
وفيه استحبابُ سؤالِ الشهادة، واستحبابُ نيَّةِ الخير[4].

(33)
من حُبس عن الغزو

عن جابر قال:
كنّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزاةٍ، فقال: "إنَّ بالمدينةِ لرجالًا ما سِرتُم مَسيرًا ولا قطعتُم واديًا إلّا كانوا معكم، حبَسَهم المرضُ".
صحيح مسلم (1911) واللفظُ له، صحيح البخاري (2684) من حديث أنس.

في هذا الحديث: فضيلةُ النيةِ في الخير، وأن مَن نوَى الغزوَ وغيرَهُ من الطاعات، فعرضَ له عذرٌ منعَهُ، حصلَ له ثوابُ نيته، وأنه كلَّما أكثرَ من التأسفِ على فواتِ ذلك، وتمنَّى كونَهُ مع الغزاةِ ونحوهم، كثرَ ثوابه. والله أعلم [5].

(34)
من لم يغز
عن أبي هريرة قال:
قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه و سلَّم: "مَن ماتَ ولم يغزُ، ولم يحدِّثْ به نفسَهُ، ماتَ على شُعبةٍ مِن نفاق".
قالَ ابنُ سهم: قال عبد الله بن المبارك: فنُرَى أن ذلك كان على عهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم.
صحيح مسلم (1910).

قالَ الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: قوله: "نُرَى" بضمِّ النون، أي: نظنّ. وهذا الذي قالَهُ ابنُ المباركِ محتَمل، وقد قالَ غيرهُ إنه عامّ، والمراد: أن من فعلَ هذا فقد أُشبِهَ المنافقين المتخلِّفين عن الجهادِ في هذا الوصف، فإنَّ تركَ الجهادِ أحدُ شُعَبِ النفاق[6].


[1] باختصار شديد مما ورد في فتح الباري، اعتبارًا من 7/ 384.

[2] ينظر تحفة الأحوذي 5/ 266.

[3] فتح الباري 6/ 16.

[4] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 55.

[5] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 57.


[6] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 56.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-08-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون في الجهاد والاستشهاد

الأربعون في الجهاد والاستشهاد (6)
أ. محمد خير رمضان يوسف




(35)
والمرأة تغزو
عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ[1] قالت:
غزوتُ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ سبعَ غزَوات، أَخلُفُهم في رِحالهم، فأصنَعُ لهم الطعام، وأداوي الجرحَى، وأقومُ على المرضَى.
صحيح مسلم (1812).

فيه دليلٌ على أنه يجوزُ خروجُ النساءِ إلى الحربِ لهذه المصالح.
والجهادُ ليس بواجبٍ عليهنَّ، في أدَّلةٍ أخرى[2].

قالَ الحافظُ ابنُ حجر في تمريضِ النساءِ الرجالَ: وأما حُكمُ المسألة، فتجوزُ مداواةُ الأجانبِ عند الضرورة، وتقدَّرُ بقدرها فيما يتعلَّقُ بالنظرِ والجسِّ باليدِ وغيرِ ذلك[3].

(36)
غزو المرأة
عن الرُّبيِّع بنتِ معوِّذٍ[4] قالت:
كنّا نَغزو مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فنَسقي القوم، ونَخدمُهم، ونَردُّ الجرحَى والقتلَى إلى المدينة.
صحيح البخاري (2727).

(37)
النهي عن المثلة والنهب
عن عبدالله بن يزيد الأنصاري قال:
نهَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن النُّهْبَى والمُثْلَة.
صحيح البخاري (2342).

النُّهبَى: أخذُ مالِ المسلمِ قهرًا جهرًا، ومنه أخذُ مالِ الغنيمةِ قبلَ القسمةِ اختطافًا بغيرِ تسوية[5].

قال الخطابي: إنما نَهى عن النهب؛ لأن الناهبَ إنما يأخذُ ما يأخذهُ على قدرِ قوَّتهِ لا على قدرِ استحقاقه، فيؤدِّي ذلك إلى أن يأخذَ بعضُهم فوق حظِّه، وأن يبخسَ بعضهم حقَّه، وإنما لهم سهامٌ معلومة، للفرسِ سهمان، وللرجلِ سهم، فإذا انتهبوا الغنيمةَ بطلتِ القسمة، وعدمتِ التسوية.

وقالَ في المثلة: المثلةُ تعذيبُ المقتول، بقطعِ أعضائهِ وتشويهِ خَلقه، قبلَ أن يُقتَلَ أو بعده، وذلك مثلُ أن يَجدعَ أنفَهُ أو أذنَه، أو تُفقأَ عينه، أو ما أشبهَ ذلك من أعضائه.

ثم قال ما حاصله: إن النهيَ إذا لم يمثِّلِ الكافرُ بالمقتولِ المسلم، فإن مثَّلَ بالمقتولِ جازَ أن يمثَّلَ به، ولذلك قطعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أيدي العُرَنيين وأرجلَهم، وسملَ أعينهم، وكانوا فعلوا ذلك برعائهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. وكذلك جازَ في القصاصِ بين المسلمين، إذا كان القاتلُ قطعَ أعضاءَ المقتولِ وعذَّبَهُ قبلَ القتل، فإنه يعاقَبُ بمثله، وقد قالَ الله تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [سورة البقرة: 194][6].

(38)
النهي عن قتل النساء والصبيان
عن عبدالله بن عمر قال:
وُجِدَتِ امرأةٌ مقتولةٌ في بعضِ مغازي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنهَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن قتلِ النساءِ والصبيان.
صحيح البخاري (2852) واللفظُ له، صحيح مسلم (1744).

الجمهورُ على أن المرأةَ إذا قاتلتْ جازَ قتلُها، يؤيدهُ ما أخرجهُ أبو داود والنسائي وابن حبان من حديثِ رياح بن الربيع، قال: كنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ في غزوة، فرأى الناسَ مجتمعين، فرأى امرأةً مقتولة، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". فإن مفهومَهُ أنها لو قاتلتْ لقُتلت.

واتفقَ الجميعُ على منعِ القصدِ إلى قتلِ النساءِ والولدان، أما النساءُ فلضعفهن، وأما الولدانُ فلقصورهم عن فعلِ الكفر...[7].

(39)
شهداء الأمة
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه:
أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "الشهداءُ خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحبُ الهَدْم، والشهيدُ في سبيلِ الله".
صحيح البخاري (2674)، صحيح مسلم (1914) ولفظهما سواء.

المطعون: الذي يموتُ في الطاعون.
المبطون: صاحبُ داءِ البطن، وهو الإسهال.
الغَرِق: الذي يموتُ غريقًا في الماء.
صاحبُ الهدم: من يموتُ تحته.

قالَ العلماء: وإنما كانت هذه الموتاتُ شهادةً بتفضُّلِ الله تعالى، بسببِ شدَّتها وكثرةِ ألمها.

وقالوا: المرادُ بشهادةِ هؤلاء كلِّهم غير المقتولِ في سبيلِ الله، أنهم يكونُ لهم في الآخرةِ ثوابُ الشهداء، وأما في الدنيا فيُغسَلون ويصلَّى عليهم[8].

(40)
شهيد آخر
عن عبدالله بن عمرو رضيَ الله عنهما قال:
سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "مَن قُتِلَ دون مالهِ فهو شهيد".
صحيح البخاري (2348)، صحيح مسلم (141) ولفظهما سواء.
أي: عند دفعهِ من يريدُ أخذَ مالهِ ظلمًا.

قالَ المباركفوري رحمَهُ الله: لأن المؤمنَ محترَمٌ ذاتًا ودمًا وأهلًا ومالًا، فإذا أُريدَ منه شيءٌ من ذلكَ جازَ له الدفعُ عنه، فإذا قُتِلَ بسببهِ فهو شهيد[9].

وهناك ثلاثةٌ آخرون وردَ أنهم شهداء، في حديثٍ صحيحٍ رواهُ مالكٌ في الموطأ، ضمنَ سبعةِ شهداء، وهم: صاحبُ ذاتِ الجنب، والحَرِق، والمرأةُ تموتُ بجُمع، وهي الحاملُ جامعةً ولدَها في بطنها[10].

واجتمعتْ خصالُ الشهادةِ عند ابنِ حجر عشرينَ خصلة، أوردَ أربعَ عشرةً منها في شرحهِ على صحيحِ البخاري[11].

والحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحات.














المراجع[12]
تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].
تهذيب الكمال في أسماء الرجال/ جمال الدين المزي؛ تحقيق بشار عواد معروف.- ط5.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1413 هـ.
حاشية السندي على سنن النسائي/
الديباج على مسلم/ جلال الدين السيوطي [التراث].
سنن الترمذي (الجامع الصحيح)/ تحقيق أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، إبراهيم عطوة.- القاهرة: دار الحديث، د.ت.
شرح النووي على صحيح مسلم
صحيح البخاري
صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.
عون المعبود شرح سنن أبي داود
فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].
النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث].


[1] هي نُسيبة بنت كعب الأنصارية. تعدُّ في أهل البصرة. كانت من كبار نساء الصحابة، وكانت تغزو كثيرًا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تمرِّض المرضى وتداوي الجرحى، وشهدت غسل ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها أصلٌ في غسل الميت. تهذيب الكمال 35/ 315.

[2] ينظر تحفة الأحوذي 5/ 164.

[3] فتح الباري 10/ 136.

[4] صحابية أنصارية كريمة، من المبايعات تحت الشجرة. روى لها الجماعة. تهذيب الكمال 35/ 173.

[5] فتح الباري 9/ 644.

[6] نقلًا من عون المعبود 7/ 235، 265.

[7] باختصار من فتح الباري 6/ 148.

[8] باختصار من شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 62.

[9] تحفة الأحوذي 4/ 566.

[10] تفصيله في شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 62 - 63.

[11] ينظر فتح الباري 6/ 42 - 43.

[12] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 187.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 183.41 كيلو بايت... تم توفير 4.18 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]