مصطلح التشييد التصوري "Representation"وصلته بالأدب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2022, 10:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي مصطلح التشييد التصوري "Representation"وصلته بالأدب

مصطلح التشييد التصوري "Representation"وصلته بالأدب
د. مطيع عبدالسلام عز الدين السروري






كثيرون منا قرأ أو درَس أو حتى شاهد بعضَ الروايات والمسرحيات الأدبية، ولا بد أننا قد لاحظنا أن الإنسان في تلك الأعمال يعاني مِن تحديات كثيرة، يُخفِق في بعضها ويتردى، وينجح في بعضها الآخر ويترقى، ولكن عزيزي القارئ، هل لديك شكٌّ في أن تلك الأعمالَ الأدبية تقارب الواقع؟ ربما ستتردد في الإجابة، وربما تكون إجابتُك بالنفي لتأكيد الوضع، ولكن هل يُدهِشك أن تعرفَ أن هناك مَن يحاول إقناعنا أن هذه الأعمالَ الأدبية إما تعكس الواقع مثل المِرْآة، أو أنها لا علاقة لها بالواقع، حيث لا واقع أصلًا خارج عالم هذه الأعمال، وأن هذا الرأيَ الأخير خاصة تُفرَد له المقالات الفلسفية التنظيرية، ويدرَّس على أنه موضوع علمي في كثير من كليات الجامعات، ويتم من خلاله منح الدرجات العلمية العليا: ماجستير ودكتوراه؟

في مجال العلوم الإنسانية اليوم، التي أُسميها الدراساتِ الإنسانية المنظَّمة، لا تكاد تجدُ أي دراسة أو نقد لرواية أو قصة أو مسرحية أو شِعر تخلو مِن موضوع التشييد التصوري في تلك الأعمال، ستجد إما دراسات عن التشييد التصوري لأبطالِ تلك القصص من ناحية العِرْق "Race"، أو النوع "Gender"، أو الدِّين "Religion"، أو دراسات عن تشييدات تصورية تحاول إبراز مدى الترويج الأدبي لأفكار معينة من نواحٍ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، إلخ، أو إغفال ذلك، أو ستجد دراسات نقدية عن تشييدات تصورية عن الأدباء أنفسِهم كنصوصٍ موازية لأعمالهم الأدبية، وكل ما سبق يندرج تحت مفهوم الهوية "Identity"، التي هي في الأساس، وَفْقًا للتنظيرات الفلسفية، شيءٌ مُشَكَّلٌ أو مُشيَّد، وليس أساسيًّا أو جوهريًّا أو أصليًّا في الإنسان، وكل ما سبق يعني أن مصطلحَ التشييد التصوري ليس مصطلحًا يمكن التغاضي عنه؛ فهو يُعْنَى بالإنسان نفسِه، وبأموره الحياتية اليومية، وعلاقاته مع الآخرين إيجابًا وسلبًا.

أتمنى أن يعمَلَ هذا المقالُ على استحثاث الفكر فيما يخصُّ صلة الأعمال الأدبية بالواقع؛ لأهميتها بالنسبة لنا كعربٍ مسلمين توجُّهًا فكريًّا وقناعة وممارسة، وسأبدأ بعرض فلسفي مبسط؛ لأهميته في مناقشة ملابسات هذه العلاقة، وأثرها على تفكيرنا وحياتنا.

التشييد التصوري:
مصطلح التشييد التصوري "Representation" له دلالتان: دلالة ما قبل بنيوية، ودلالة ما بعد بنيوية، ما يهمنا هنا هو أنه في الدلالة قبل ظهور الفلسفة البنيوية كان يعني تشييدَ أو تصويرَ شيء من خلال اللغة "********"، نقلًا عن أو مساويًا للواقع "Reality"، وبهذا يتفاعل معه الآخرون على أنه صورةٌ مطابقة للواقع، استخدم هذا المصطلح، في الأساس، قبل القرن العشرين، مِن قِبَل أولئك الفلاسفة الذين رأوا أن اللغة عاكسةٌ للواقع "Referential"، كما هو الحال مع الفلسفة الغربية القديمة منذ أفلاطون وأرسطو وحتى العصور الوسطى الأوروبية، وصولًا إلى الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر؛ ولذلك - مِن وجهة نظرهم - يمكن إعادة تشييد أو تصوير الأشياء في الكلام أو الكتابة كمِرآة عاكسة للواقع تمامًا.

إلا أن معنى هذا المصطلح تغيَّر بتغيُّر مفهوم اللغة من خلال تنظيرات الفلاسفة الغربيين في القرن العشرين لتصبح اللغة في هذه التنظيرات غيرَ عاكسة للواقع "Non - referential"، كما هو الحال في تنظيرات فيردنناد دو سوسور (1857 - 1913)، وبهذا يكون المصطلح قد حافَظ على شكله/ لفظه، ولكن معناه تغيَّر كما سنلاحظ حالًا، في التنظيرات اللغوية والأدبية البنيوية وما بعدها، وخاصة مع تنظيرات الفيلسوفَيْنِ الفرنسييْنِ: ميشيل فوكو (1926 - 1984)، وجاك ديريدا (1930 - 2004)، لم يعد المصطلح يعني تجسيدَ أو تصوير الشيء كما هو، بل أصبح "الواقع" دائم التشكُّل من خلال اللغة؛ أي: لا وجود لواقع خارج اللغة، وهذا بسبب أن العلاقة بين اللغة والواقع أصبح يُنظر لها على أنها اعتباطية أو عشوائية "Arbitrary"، مثلًا، فلسفيًّا ليس هناك علاقة بين الشكل أو الكلمة/ اللفظة وبين معناها، هل تستطيع، مثلًا، أن تعرف الشيء الذي تدل عليه كلمة "boligrafo"؟ تأملها جيدًا، فقد تستطيع التعرفَ على المعنى من اللفظة نفسها أو شكلها؟ ربما لم تستطع، حسنٌ! إنها تعني "قلم" باللغة الإسبانية، ولكن شكلها اللغوي لا يوحي بالشيء الذي تعنيه، وإنما - كما تقول الفلسفة - أن ذلك المعنى يتشكل في أذهاننا اعتباطًا أو عشوائيًّا، ومثلها كلمة "pen" باللغة الإنجليزية؛ فهل تخطر على بالك الآن لفظة "قلم" العربية نفسها؟

نتيجة لذلك، كما ترى الفلسفة البنيوية وما بعدها، فإن اللغةَ تعمَل على تشييد واقع في أذهاننا، هو أصلًا ليس موجودًا بدونها أو خارجها، فلا وجودَ لشيء مادي، بل تشكيل لغوي فقط، وبهذا أصبح يُنظر على أن اللغة هي التي تشكِّل الواقع، ولم يكن دورها إعادة تشييده أو تصويره كما كان متبنًّى سابقًا قبل البنيوية؛ أي: ليس هناك صورة أصل، وصورة مشيدة أو مصورة، بل هناك واقع يتشكَّل من خلال اللغة فقط، ولا وجود لواقع أصلًا خارجٍ عن اللغة، كما يظن الناس، وبحسَب هذه التنظيرات الفلسفية كلها، اللغة هي الحياة نفسها، والتحكُّم فيها تحكُّم نسبي، حيث لا حقائقَ ولا ثوابت ولا قِيَم خارج اللغة؛ أي اللغة هي كل شيء، وهي التي تتحكم بالإنسان نفسه، وليس كما يظن هو أنه يتحكَّم بها.

وبهذا المعنى لمصطلح التشييد التصوري "Representation"، أصبح مصطلح التشويه "Misrepresentation" بلا معنى، وهذا ما تم أخذُه كخلل في كتاب إدوارد سعيد (1935 - 2003) المسمى بـ: الاستشراق "Orientalism" عندما قال فيه: إن خطاباتِ الغرب تعمَل تشويه "Misrepresenting" للشرق، وكانوا - وَفْق التنظيرات التي اعتمد عليها إدوارد سعيد في نقده - يقصِدون بنقدهم ذلك أنْ ليس هناك أصلًا شيءٌ اسمه "شرق Orient" خارج تلك الخطابات الغربية التي انتقدها إدوراد سعيد، وبذلك وقع إدوارد سعيد في تناقُضٍ وَفْق أولئك النقَّاد.

كيف يمكننا كعرب ومسلمين فَهْمَ مفهوم التشييد التصوري والتعامل معه؟
يمكننا أن نقبَل القول بأن الأعمال الأدبية لا تعكس الواقع؛ لأن الفلسفةَ تُقنِعنا أن اللغة لا تعكس الواقع، ولكن هل نقبَلُ القول بأنْ لا واقعَ أصلًا خارج اللغة (أو الأعمال الأدبية)؛ لأن الفلسفةَ تزعم ذلك؟ وكردٍّ على هذا أقول: الواقع موجود، شاء الفلاسفة المنظِّرون ذلك أم أبَوْا، تعبيرنا قد لا يعكس الواقع تمامًا، ولكن نستطيع القول: إنه يقارِبه؛ لأن الواقع موجود، ولا سبيل لإنكاره؛ ولذلك العلاقة بين الأعمال الأدبية (التي أصلها لغة) والواقع علاقة مقاربة، وهذا ما نستشفُّه مِن كلام المفكر العربي المسلم الدكتور عبدالوهاب المسيري (1938 - 2008) في كتابه القيم بعنوان: "اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود" (2001)، عندما يقول: إن العلاقة بين اللغة والكون علاقة "اتصال وانفصال"، وأن قول الفلسفة الغربية: إن تلك العلاقة هي "علاقة اندماج كامل، أو انفصال كامل" هو تلبيسٌ للأذهان، وإن "تزيَّتْ بلباس العِلمية والموضوعية"، بحسَب تعبيره.

أقول: التنظيرات الفلسفية فيها مغالَطات، أبرزها أنها تتجاهل مسؤوليةَ الإنسان عما يتفوَّه به، أو يكتبه (أمام الله عز وجل، على الأقل)، وتتجاهل كذلك المقدرات التي خلَقها الله سبحانه وتعالى فيه، وأولها: مقدرة التفكير والتفكر إلى جانب هِبَتِه سبحانه وتعالى له لمقدرة اللغة: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة: 31]، وتختزل كل شيء - بما في ذلك الإنسان - إلى لغة أو ممارسات خطابية، صحيحٌ أن اللغة (سواء تم القصد بها اللغة التخاطبية أو بأشكالها الخطابية من أدبية وغيرها) لها تأثير على الإنسان، ولا شك في ذلك، ولكن أن تتم محاولة إقناعنا أنها تتحكم في الإنسان أكثرَ مما يتحكم بها في ظل إلغاءٍ كامل للواقع خارجها، فتلك مغالطة، وإن "تزيَّتْ بلباس العلمية والموضوعية"، كما يقول الدكتور المسيري.

باختصار: علاقةُ الأعمال الأدبية بالواقع علاقة مقاربة، علاقة "اتصال وانفصال"، عرَّفَتْنا الفلسفة أنها علاقة انفصال، ولكنها تنكر أنها علاقة اتصال في نفس الوقت، أقول: إنها علاقة اتصال من حيث - أولًا - إن هناك شيئًا (سواء كان معنويًّا أو ملموسًا) نعرف أنه موجود، ولا سبيلَ لإنكاره (حتى وإن لم نُسَمِّه)، وثانيًا: من حيث إن اللغة - كوسيلة تواصل - حتى وإن لم تكُنْ تعكس الشيء، فإنها تقرِّب الواقع لأذهاننا، الأعمال الأدبية ليست خيالية تمامًا، ولا واقعية تمامًا، وإنما خليط بين الاثنين، تهدف في نهاية المطاف - لنا كعربٍ مسلمين على الأقل - للرقي بإنسانيتنا في الواقع المعيش، وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة فينا، إنْ أحسَن أُدباؤُنا ونقَّادنا ضبطَ معادلة تلك العلاقة، وليس أن تفصِلَنا فكرًا وممارسة عن واقعٍ يراد لنا أن نتخيَّلَه دائمَ التشكُّل في الأذهان فقط.

بالنسبة لي كعربي مسلم، أرى أن هناك مستويينِ لا بد مِن أخذهما بعين الاعتبار عند النظر لمصطلح "التشييد التصوري"، وما يستتبع ذلك مِن النظر لمفهوم اللغة كأساس، وكذلك الأدب كمجال تطبيقي حيوي مَعِيش، هذانِ المستويانِ هما: مستوى "حسي معيشي جزئي"، ومستوى "عقائدي مصيري كلي"، إذا اقتصَر الكلام على المستوى الأول (الجزئي)، فمصطلح "التشييد التصوري" مهم جدًّا لتسليطِ الضوء على الممارسات الأدبية المختلفة، التي تسعى لتشييد تصورات كثيرة لعلاقات الإنسان بأخيه الإنسان، بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، أما موضوعُ تلك التنظيرات الآنفة الذِّكر على المستوى الثاني (الكلي)، فالأمر يختلف، ويحتاج لمساحة أكبر مما يتسع له المقال هنا؛ ولذلك، في هذه النقطة الأخيرة خاصة، حيث يتوسَّع هذا المقال الأخير في الحديث عن هذينِ المستويين في الحياة؛ فالرؤية الإسلامية، على هذا المستوى الثاني، مختلفةٌ وأساسية وشاملة للغة، وتتعدى اللغة كليةً إلى ما هو أوسعُ مِن علاقات القوى "Power Relations" التي تحكُمُ النظرةَ الفلسفية الغربية برمَّتِها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.74 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]