آفاق جديدة تكشف عنها تجربة البنوك الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 774 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 128 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-04-2019, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي آفاق جديدة تكشف عنها تجربة البنوك الإسلامية

آفاق جديدة تكشف عنها تجربة البنوك الإسلامية
أ. عبد الرحيم محمود حمدي




تحدثنا حتى الآن عن تجربة البنوك الإسلامية باعتبارها نموذجًا اقتصاديًّا جديدًا أثبت فعالية ونجاحًا، وأخذ ينتشر في هذا الإطار، وبمقياس النجاح التسويقي للسلع أو الخدمات الجديدة يمكن للتجربة أن تتوقف عند هذا الحد، وتشرع في استثمار أرباحها، وتوسيع قاعدتها مثلها مثل أي سلعة أو ميكانزم جديد للتعامل.

ولكن الممارسة العملية لتجربة البنوك الإسلامية - كما كشفت عنها تجربة بنك فيصل الإسلامي - بدأت تلفت النظر بشدة إلى ميزات جديدة تتمتع بها التجربة سواء باعتبارها "ميكانزم" للعمل، أو باعتبارها دالة على أفكار اقتصادية ذات محتوى معين هو المحتوى الإسلامي.

وتبشر الممارسة بأن تطوير هذه الميزات في إطار فكري وعملي موحد، قد تفتح آفاقًا لإمكانيات حلول فكرية وعملية لبعض أهم المشكلات الاقتصادية الحالية التي أفرزها عجز النموذجين الليبرالي الرأسمالي والاشتراكي.

وستتعرض فيما يلي بإيجاز ما كشفت عنه التجربة في مختلف المجالات.

في مجال السياسة التمويلية:
ألزم بنك فيصل الإسلامي نفسه بأن تكون نسبة الأرباح التي يقتطعها لنفسه - بالاتفاق المسبق طبعًا - من حصص الربح العام المتحقق عن مشاركاته في حدود الأرباح القانونية التي تحددها الدولة - (يطبق السودان نظام الأرباح القانونية للسلع) - والتوسع في تطبيق هذا المبدأ - والمنطلق من التزام اجتماعي - بمعنى تطبيقه كنظام لكل الجهاز المصرفي، سيؤدي في تقديرنا إلى نتائج هامة جدًّا نوجزها فيما يلي:
1 - التزام أفضل بتطبيق الأسعار القانونية التي قد ترى الدولة ضرورة تطبيقها؛ وذلك لأن أي عميل أو شريك سيجد نفسه مضطرًّا للالتزام بشروط التمويل المقدم من البنك الذي يتعامل معه؛ ومنها: الالتزام بالبيع في حدود الأسعار القانونية، وإلا فإنه سيفقد تمويله إذا ثبت تلاعبه، ولن يجد فُرَصًا للتعامل مع أي بنك آخر، والرادع المتمثل في احتمال فِقدان التمويل هو أقوى بكثير من أي رادع قانوني واقتصادي آخر مستعمل الآن؛ لأنه يعني انقطاع الحبل السري بين المستثمر أو رجل الأعمال، وبين الجهاز التمويلي للمجتمع، ولعل الدراسين لاقتصاديات البلاد الغربية التي فشلت محاولاتها مرارًا لمعالجة التضخم بفرض سياسات تجميد الأجور مقابل تجميد الأسعار statutary lhocome & prices policy يجدون في أسلوب المشاركة حلا لهذه المشكلة الجافة، وتتضح أهمية هذا الأمر بمقارنة معدلات زيادات الأسعار (والأرباح) في البلاد الغربية - وهو يتراوح بين 3% و10%، وبين ما يجري في العديد من بلادنا الإسلامية والعربية اليوم؛ حيث تقاس الزيادة في الأسعار (بفعل المغالاة في فرض الأرباح إلى حد كبير) بما لا يقل عن 30%. ويرتفع إلى 120% في بعض البلاد.

2 - يؤدي نظام تمويل البنوك الإسلامية - سواء عن طريق المشاركة أو المضاربة - إلى أن تتمكن الدولة بصورة أكثر فعالية من توجيه التمويل المصرفي للمناشط التي ترى أهميتها أكثر من غيرها، ويرجع ذلك إلى أن البنك الإسلامي أقدر على توجيه تمويله إلى المنشط المطلوب أكثر من البنك الربوي الذي يعطى العميل تسهيلاً بالسحب على المكشوف، ولا يستطيع أن يتحكم في الوجه التي يوجه إليها العميل تسهيلاته، بينما يستطيع البنك الإسلامي ذلك بصورة دقيقة؛ لأنه يدخل معه مشاركة في عملية محددة ومعينة، أو يرفض الدخول إذا رغب منذ البداية، وفي البلاد التي تعطي أهمية عملية أو فكرية لتوجيه اقتصادها أو قطاعات معينة منه، فإن نظام المشاركة عن طريق الجهاز المصرفي هو وسيلة فعالة للمساعدة في هذا الاتجاه.

3 - لقد أوضحت لنا الممارسة العملية أن صيغ التمويل الإسلامي أكثر كفاءة وفعالية وعملية لتحقيق هدف تدوير موارد البنك بين القطاعات ذات الربحية العالية، والأخرى ضئيلة الربحية.

فهوامش الربحية التي يتقاضاها البنك على عمليات المرابحة للآمر بالشراء، تبدأ من 4/ 1% بالنسبة لسلع كسلعة السكر - (حيث إن هامش ربحيتها القانوني لا يتحمل أكثر من ذلك) - إلى مستوى 2% و3% على بعض السلع التموينية الأساسية الأخرى التي موَّلها البنك للجمعيات التعاونية، ويرتفع تدريجيًّا إلى 5% على تمويل البترول للمؤسسة العامة للبترول، ثم إلى 7% لسلعة الدواء، ويتراوح بين 3% إلى 8% لمختلف السلع في عمليات التجارة المحلية، ويرتفع بعد ذلك إلى 15% على بعض السلع التي تبلغ هوامش ربحيتها القانونية 40% إلى 60%، ويعني هذا عمومًا أن البنك يكتفي بربح المورد، وقد يشارك أحيانًا في ربح تاجر الجملة[1]، وفي كل الأحوال فهي تشكل 4/ 1 إلى 3/ 1 الأرباح القانونية المسموح بها قانونيًّا.

وبالنسبة لعمليات المشاركة، فإن الربح يختلف بالطبع حسب أداء كل شراكة، وقد يتراوح أداء مصنع معين بين سنة وأخرى؛ بحيث يختلف العائد على استثمار البنك من تمويله لهذا المصنع بين 8% إلى 21%، عاكسًا بذلك الظروف الطبيعية للإنتاج في كل حالة.

ويدل هذا المدى الواسع من هوامش الأرباح والذي يعكس تداخل عوامل اجتماعية وسياسية اقتصادية، على مرونة التمويل الإسلامي أولاً، ويدل ثانيًا على أن هذا النوع من التمويل أكثر عدالة في معاملة كل قطاع أو فئة أو سلعة من الناحية الاقتصادية، فهو بهذا يقدم طريقة فعالة لتدوير الموارد بين القطاعات ذات الربحية العالية والأخرى التي لا تتحمل ربحية عالية، مُحققًا بذلك أهدافًا اجتماعية عليا وضرورية للتوازن الاجتماعي.

ورب قائل: إن ثمت إمكانية لتحقيق أمر مماثل عن طريق تحديد أسعار فائدة مميزة لتمويل قطاعات أو فئات اجتماعية معينة، ولكننا نزعم أن درجة المرونة والخصوصية specivity التي تميز التمويل الإسلامي، والذي يستطيع أن يحدد لكل عملية على حِدَة فئاتها المعينة من الأرباح، هو أقدر على تحقيق هذا الهدف، ونضيف أن التمويل الإسلامي يستطيع إضافة لهذا أن يوضح الأداء الحقيقي - متمثلاً في معيار الربح بالنسبة لكل عميل أو فئة أو قطاع على حدة - فيكشف مباشرة عمن يستحق التمويل ويستطيع استغلاله بكفاءة لصالحه وصالح المجتمع، وعمن يفشل في ذلك - ولكن سعر الفائدة يخفي هذه الحقيقة؛ لأن الخسارة تتراكم على الطرف الثاني، حتى يعجز، فينهار بالتفليس أو غيره - فيخسر المجتمع موارد كان أحق أن تحول في الوقت المناسب لمن يستطيع استغلالها بصورة أحسن نيابة عن المجتمع.

4 - وكشفت لنا الممارسة العملية أن المجتمع التجاري يمكن أن يستجيب لقبوله تكلفة أعلى للتمويل في السلع والقطاعات التي تشجع هوامش ربحيتها بذلك، طالما كانت هذه التكلفة في حدود المعقول، وهذا يعني أن الصيغة الإسلامية للتمويل هي أيضًا «ميكانزم» جيد لتطبيق نظرية العقد الاجتماعي تطبيقًا عمليًّا.

5 - إن الصيغة الإسلامية للتمويل هي التي يمكن أن تحقق ربحًا أعلى لأصحاب الودائع في المجتمع، (فتساعد بذلك على تجميع المدخرات وتحقيق التراكم الرأسمالي المساعد للتنمية)؛ لأنها تقوم على مبدأ المتاجرة - سرعة وكفاءة تدوير الموارد - ومشاركة المودع في أن نسبة ربح متحققة مستحقة له.

ويقابل ذلك الصيغة الربوية التي تعاني من تناقض خطير، فإن هي أرادت إغراء المودعين برفع نسبة الفائدة، أحجم المستثمرون وعم الركود وانتشرت العطالة، وإن خفضت سعر الفائدة لتشجع المستثمرين، أحجم المودعون وانحرفوا لقطاعات الربحية السريعة (سوق الأوراق المالية) التي لا تضيف شيئًا حقيقيًّا لإنتاج المجتمع.

ويشوب الصيغة الربوية أيضًا عيب أساسي لا يشعر به المودعون، فهم محرومون من تلقي نصيبهم الحقيقي من الأرباح العائدة على ودائعهم، فعدم وجود علاقة تعاقدية بينهم وبين البنك - (كصيغة المضاربة ورب المال التي تحكم علاقة المودع بالبنك الإسلامي) - تعطي البنوك الربوية سلطة وحق تحديد النصيب الذي يتلقاه المودعون في عائد أرباح البنك لقرار إداري لا يعكس بالضرورة الأرباح الحقيقية التي كان يجب أن يتقاضاها المودعون.

في مجال السياسة المالية:
السياسات المالية تستخدمها الدول الآن للتحكم في حركة السوق والأسعار وغيرها عن طريق قرارات ووسائل إدارية.
وقد كشفت لنا الممارسة أن طريقة البنك الإسلامي في التمويل أنسب لتطبيق أو تنفيذ السياسة المالية للدولة.

إذا أرادت الدولة التحكم مثلاً في حجم الواردات كوسيلة لتحسين عجز ميزان المدفوعات لجأت - كما هو الحال في السودان - للسيطرة على إدخال السلع عن طريق إصدار التراخيص وحصص الاستيراد إلخ، وبما أن البنك الإسلامي لا يستطيع إلا المشاركة بتمويل شراء وبيع السلع، فإنه يجد نفسه عاجزًا تمامًا عن الحركة إذا توقفت الدولة عن إصدار تلك التراخيص، ولكن البنك الربوي يستطيع في نفس الوقت الاستمرار في التسليف، وبهذا يمكن أن يستغل ذوو النفوس الضعيفة التسهيلات المصرفية لتمويل التهريب وللمضاربة في أسعار العملات الأجنبية في سوق العملات الحرة.

في مجال السياسة النقدية:
أبرزت الممارسة أيضًا أن صيغ التمويل الإسلامي - وبالأخص صيغتي المشاركة والمضاربة (أو القراض) - هي من أكثر الوسائل فاعلية لضبط حجم واتجاهات التمويل، وبالتالي محاربة التضخم، فالتمويل الإسلامي في حالتي المشاركة والمضاربة لا يقدم للعميل حجمًا متاحًا من النقود يتصرف فيه كما يشاء، ولكن يقدم كوسيلة لإدخال سلع أو خدمات معينة لشراكة نشأت بين البنك وشريكه، ويستطيع البنك ضبط عدة عوامل أساسية؛ منها: سعر البيع والشراء، ونوع السلعة، وتكلفة العمليات المختلفة عند مرحلة التعاقد، ويستطيع متابعة التنفيذ بدقة أثناء سير الشراكة، فيرفض مثلاً مشتريات بأعلى من التكلفة المتفق عليها، أو اعتماد نفقات تزيد عن المعدل السائد، ما لم يكن هناك مبرر معقول لذلك، ويستطيع في حدود معقولة أن يراقب التزام الشريك بالبيع وفق الأسعار المحددة للشراكة[2]، ويستطيع البنك أيضًا متابعة سير التنفيذ حسب الجدول الزمني المنتفق ليمنع حبس السلعة عن السوق - (أي احتكارها بصورة غير مشروعة) - مما يؤدي إلى ارتفاع سعرها.

وهكذا فإن ميكانيكية إدارة الشراكة ومتابعتها تعني أن البنك يملك السلطة والقدرة الفعلية على منع تمويله من أن يستغل في غير الوجهة المقصودة لها، أو أن يستغل للمضاربة الضارة (بمعنى specgulation) لرفع الأسعار، أو للتخزين وحبس السلع عن الدورة الاقتصادية لخلق ندرة اصطناعية تستغل أيضًا لرفع الأسعار، وهذه كلها عوامل مساعدة على التضخم، على أننا نبادر إلى القول: إن السبب الرئيس للتضخم يكون في اختلال وظيفة النقود وتحويلها من مجرد مخزن للقمة ووحدة للقياس لمساعدة التبادل، إلى سلعة ذات قيمة يحق لها أن تكسب لمجرد حيازة المرء لها، وما لم يتغير هذا المفهوم، وتُلغى وتحرم الوسائل التي تؤدي إلى هذه الغاية - كسعر الفائدة، وقيام أسواق المتاجرة بالعملات إلخ - فإن التضخم سيستمر في تهديد العملية الإنتاجية كلها بالتوقف، كما بدأ يظهر في العالم الغربي اليوم.

في مجال التنمية:
كشفت التجربة العملية لبنك فيصل الإسلامي عن عدة ظواهر تؤدي في مجموعها إلى حقيقة رئيسية، وهي أن البنك الإسلامي هو الأنسب والأقدر على التنمية:
1 - تنطلق صيغة التحويل الإسلامي من قاعدة نظرية أساسية هي أن العمل أو الجهد البشري وحده هو الذي يستحق الجزاء المالي، وأن المال لا يستحق الكسب شرعًا ما لم يخالطه عمل حقيقي.

إن التزام القائمين على أمر البنوك الإسلامية بهذه النظرية، يدفعهم إلى التعامل مع قطاعات في المجتمع (تمثل الغالبية العددية في الواقع)، ظلت محرومة من التمويل المصرفي الربوي تمامًا لعدم استيفائها لشروطه، ومنها: أن تكون ابتداءً مالكة لموارد وأصول تضمن للبنك استعادة قروض.

وقد حقق بنك فيصل الإسلامي السوداني هذا المفهوم بصورة واضحة منذ البداية عندما جرب التعامل مع قطاع الحرفيين منذ العام الثاني لإنشائه، فصمم تمويلاً ميسرًا لهم يمكنهم بحد أدنى من الضمان - (في معظم الحالات يكون هو الضمان الشخصي من طرف ثالث أو ضمان تسجيل العدة موضع التمويل لاسم البنك) - من الحصول على احتياجاتهم من المعدات، والماكينات والعربات واللواري، وعربات الأجرة، والمواد الخام بأقساط تمتد حتى ثلاث سنوات بمقدم دفع يبدأ من 15% من قيمة الأقساط.

وقد دلت التجربة العملية أن هذه القطاعات تمارس عملها وسداد التزاماتها بمسؤولية كاملة عكس ما كان يتوقع، والسبب واضح جدًّا، وهو أن هذه الفئات - وقد حرك فيها التمويل الإسلامي شعور العزة بكدحها وكفاحها - أخذت تدرك ما يفرض هذا الشعور من مسؤولية مقابلة، انعكس أثرها في التزامها الممتاز بسداد التزاماتها المالية للبنك وبالتالي للمجتمع.

وهكذا تظهر التجربة أن هذا الطرف من المجتمع - (كما سبق أن أظهرت استعداد طبقة رجال الأعمال قبول تكلفة أعلى للتمويل الإسلامي) - مستعد أيضًا للتضحية في سبيل المجتمع، وهذا هو الوجه الآخر للعقد الاجتماعي، لقد أبرز التمويل الإسلامي المغزى الرائع للحديث النبوي الشريف: ((المسلم للمسلم كالبُنيان يشد بعضه بعضًا)).

ومغزى هذا أن التحويل الإسلامي القائم على إعلاء قيمة العمل يُحرك فئات كانت راكدة ومحرومة في المجتمع، فيمكنها من المساهمة والإضافة الحقيقية للمجتمع، أو كما جرى العرف الاقتصادي الحديث على القول، فإنه يستوعب involves أساسية في عملية التنمية، فيضعها في مسارها الصحيح، وهو: التنمية من أجل الانسان.

2 - وصيغة التمويل الإسلامي تجبر البنك على إعطاء أهمية أكبر لدراسة استثماراته ومتابعتها، والمساعدة على حسن تنفيذها؛ أي: إنها تسخر إمكانيات البنك الفنية لإتاحة عنصر الإدارة الحديثة لشركائه، وقد دلت دراسات التنمية أن الإدارة هي إحدى العناصر الحرجة في عملية التنمية.

3 - ودلت التجربة أيضًا على أن قيام البنوك الإسلامية يجذب فعلاً إلى الدورة الاقتصادية الحديثة أموالاً ومواردَ كانت محبوسة عنها في أيدي المتورعين عن التعامل بالربا مع البنوك القائمة، أو الذين يشككون في استغلال البنوك الربوية لأموالهم مقابل سعر فائدة بسيط لا يعكس قيمتها لاقتصادية، فيظنون بها ويحبسونها في صور عقيمة من الادخار والاكتناز لا يفيد المجتمع، وقد سبقت الإشارة إلى أن ودائع بنك فيصل الإسلامي السوداني زادت في نفس الوقت الذي زادت فيه ودائع البنوك السودانية زيادة كبيرة؛ مما يعني أن الإضافة التي حققتها ودائع بنك فيصل الإسلامي - على محدودية انتشاره وقِصَر عمره - هي زيادة حقيقية بلغت حوالي 13%.

ويعني هذا أن البنوك الإسلامية أكثر قدرة على تجميع مدخرات الإنسان البسيط؛ لأنها تعده باستغلال أحسن لها.

ومن الناحية الأخرى - ناحية المستثمر - فإن طريقة التمويل الإسلامي هي أكثر طمأنة له؛ لأن المال المقدم له كله رأسمال مخاطر، فهو يعرف أن البنك سيخسر معه إذا خسر المشروع - (وغالبًا ما تكون خسارة البنك هي الأكبر) - ولهذا يقوم المستثمر على طرق مختلفة المجالات، وفي هذا تشجيع واضح أيضًا للاستثمار والبنك الإسلامي غير مخير في قبول هذا المنحى؛ لأنه لا يكسب ولا يستثمر بدون الاستثمار، ويبقى التحدي أمام البنك هو كيفية «تجويد» استثماراته؛ ليحقق لمودعيه ومستثمريه ومؤسسيه أحسن عائد، فهو إذًا بنك «ديناميكي» لا يكتفي فقط بلعب دور الوسيط الذي تتراكم لديه أموال المودعين فيقرضها - لقاء ضمانات قوية - للمستلفين، ويتقاضى فائدة عنها يمرر جزءًا منها للمودعين.

فالبنك الإسلامي هو بنك تنمية شاء أم أبى.

4 - وقد أظهرت طريقة التمويل الإسلامي قدرتها على كشف الأداء الحقيقي للشريك المستفيد من التمويل، فبقدر ما يبذل من الجهد يزيد العائد على الشراكة، فيزيد ربحه وربح البنك، وبالتالي ربح المودع، والمجتمع من وراء ذلك كله والعكس صحيح، وقد دلت التجربة العملية أن بعض التسهيلات الممنوحة لتمويل عمليات شراكة أو قروض تمويلية بدون فائدة، قد تَم تدويرها - بمعدل 5 إلى 7 محلات خلال العام الواحد، وهذه كفاءة عالية في إدارة الموارد، وحتى في حالة العمليات ذات الطبيعة الموسمية، فإن التسهيلات الممنوحة ضوعف استغلالها مرتين أو ثلاثًا.

وهناك أكثر من مغزى لهذه الحقيقة:
أ- معرفة البنك للشركاء الممتازين والمترسين، وتساعد على ترشيد موارد المجتمع، وإعطاء من يستطيع استغلال ودائعه أحسن من غيره فرصة أكبر، فيزيد بهذا العائد على المجتمع، ولا يَعني هذا حرمان الضعفاء وقليلي الخبرة، بل يعني أن يعطوا على قدر إمكانياتهم، ثم يُساعَدُوا فنيًّا وإداريًّا؛ حتى لا يَحبسوا مالاً كان يمكن أن ينتج أحسن في يد آخرين.

ب- أن التمويل الإسلامي يستطيع أن يقتنع بهامش ربح بسيط للعملية الواحدة على أن يتكرر هذا الهامش، عن طريق كفاءة الاستعمال لينتج ربحًا معقولاً لصاحبه.

جـ- إن ميكانيكية التمويل الإسلامي تستفيد أيضًا من عامل الربح؛ لتحقق مستوى عاليًا من الكفاءة في إدارة الموارد، وفي هذا رد على الذين يقولون: إن سعر الفائدة هو الأداة الوحيدة القادرة على تحقق إدارة الأموال والموارد بكفاءة.

إن الظواهر الخمسة المذكورة أعلاه كلها ترمي بثقل واضح في اتجاه التنمية، وتقود المرء للقول: إن البنك الإسلامي هو وسيلة ممتازة لتحقيق أهداف التنمية ولتنفيذها أيضًا.

من بحث منشور في المؤتمر الأول لجماعة الفكر والثقافة الإسلامية
الخرطوم، السودان 29 محرم - 2 صفر 1403هـ

[1] هوامش الرخية القانونية في السودان مقسمة بين المورد وتاجر الجملة وتاجر القطاعي.
[2] يستطيع بعض الشركاء بالطبع التلاعب في أسعار البيع، ولكن انكشاف أمرهم سيؤدي مستقبلاً إلى حرمانهم من التعامل مع الجهاز المصرفي، على افتراض أن الجهاز كله ملتزم إسلاميًّا وأخلاقيًّا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.51 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]