التتار من البداية إلى عين جالوت - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 14 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 03-12-2019, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

عزل السلطان عز الدين علي وتولي قطز الحكم (91)


راغب السرجاني



قطز رحمه الله وإن كان يدير الأمور فعلياً في مصر، إلا أن الذي يجلس على الكرسي سلطان طفل، ولا شك أن هذا كان يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي كذلك من عزيمة الأعداء عندما يرون الحاكم طفلاً.
في ضوء الخطر التتري الرهيب، والمشاكل الداخلية الطاحنة، والاضطرابات وثورات المماليك البحرية، وأطماع الأمراء الأيوبيين الشاميين لم يجد قطز رحمه الله أي معنى لأن يبقى السلطان الطفل نور الدين علي على كرسي أهم دولة في المنطقة وهي مصر،

والتي لم يعد هناك أي أمل في صد التتار إلا فيها، وهنا أخذ قطز رحمه الله القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي، وصعود قطز بنفسه على عرش مصر، ولم يكن هذا القرار غريباً، فـ قطز كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، والجميع بما فيهم السلطان الطفل نفسه نور الدين علي يدركون ذلك تمام الإدراك، ولكن قطز لم يكن يتحرك إلا من خلف هذه الصورة الهزلية المضحكة، وهي صورة السلطان الطفل، فما كان من قطز إلا أن أخذ هذا القرار الجاد في (24) ذي القعدة سنة (657) من الهجرة؛ ليظهر من ورائها الأسد الهصور قطز رحمه الله الذي على يديه ستتغير معالم الأرض وجغرافية العالم، وتتغير كثير من صفحات التاريخ.

وقبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام، ومنذ أن صعد قطز رحمه الله إلى كرسي الحكم، بدأ يعد العدة للقاء التتار، وحدثت أحداث جسام على أرض مصر، فقد انتهج نهجاً جديداً على ذلك الزمن، ورفع رايات جديدة ما رفعت منذ أمد، وجهز جيوشاً ما جهزت منذ أزمان بعيدة، وفي عهده كان اليوم الذي لا يشبهه من أيام الزمان إلا قليل، وأما كيف حدث كل ذلك، فتعالوا نرى وننظر إلى قطز رحمه الله كيف عمل؟

وكيف استلم البلاد؟ وكيف وصل بها إلى ما وصل إليه رحمه الله؟!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 03-12-2019, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: (1) أوجه التشابه بين الأحداث أيام التتار والأحداث التي نعيشها

- التتار من البداية إلى عين جالوت

وضع مصر الداخلي والخارجي عند تولي قطز (92)


راغب السرجاني


إذا كان الوضع السياسي والعسكري داخل البلاد على هذه الصورة الخطيرة فالمسرح السياسي الخارجي كذلك، كان يحمل مشكلات في غاية الأهمية.
فالعلاقات بين مصر وبين الدول التي حولها كانت ممزقة تماماً، والعلاقات الدبلوماسية مع كل إمارات الشام كانت مقطوعة تماماً، ولم تكن مقطوعة فقط، بل كانت روح العداء الشديد هي السائدة بين الفريقين، وكذلك لم يكن لمصر أي سند من الشمال الإفريقي أو ليبيا أو السودان، فقد كانت مصر تعيش في عزلة مقيتة ستسهل جداً على الوحش التتري مهمة ابتلاع مصر، كما فعل بأشياعها من قبل.

لم يكن الوضع الاقتصادي في مصر أحسن حالاً من الوضع السياسي أو الاجتماعي، فلقد كانت البلاد تمر بأزمة اقتصادية طاحنة؛ بسبب الحروب الصليبية المتكررة، والحروب التي دارت بينها وبين جيرانها من أهل الشام، والفتن والصراعات على المستوى الداخلي، وكل هذه الأمور أدت إلى أزمة اقتصادية طاحنة، كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية، فتردى الاقتصاد إلى أبعد درجات التردي، وباتت البلاد فعلاً على حافة هاوية سحيقة شبه مؤكدة.
كل هذا وأعداء الأمة قد اجتمعوا عليها وبضراوة شديدة، فهناك الغرب الصليبي الحاقد جداً، وكان قد مني بهزائم ساحقة في مصر منذ عشر سنوات في المنصورة وفارسكور، ولا شك أن الصليبيين يريدون الثأر والانتقام، فالاضطرابات الأخيرة في مصر والانقلابات، وحوادث القتل المتكررة، فرصة لرد الاعتبار وللثأر وللانتقام، وهناك الإمارات الصليبية المزروعة في فلسطين منذ عشرات السنين، وهذه قريبة جداً من مصر، وممكن أن تفكر هذه الإمارات في غزو مصر في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وفوق كل ذلك هناك الهم الكبير القادم من الشرق وهو التتار.

كان المسرح السياسي الداخلي في مصر يموج بالاضطرابات العاصفة والأزمات الشديدة، وكانت الفتن الناتجة عن التصارع على الحكم، وبالذات في العشر السنوات الأخيرة عنيفة جداً ومتكررة، وكانت هذه الأوضاع قد استقرت نسيباً عندما تولى الملك المعز عز الدين أيبك الحكم سبع سنوات متصلة، ولكنها عادت من جديد للاشتعال بمقتله ثم مقتل شجرة الدر، ثم ولاية الطفل نور الدين علي، ثم خلعه بواسطة قطز رحمه الله وتوليه بدله، فالأمور كانت مضطربة جداً.

وقطز وإن كان الآن قد استقر على كرسي الحكم، إلا أن هناك الكثير من الطامعين في الكرسي، ولا شك أيضاً أن هناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً، ومن المؤكد أن هؤلاء الطامعين والحاقدين سوف يتحركون، أو على الأقل سيحاولون التحرك لإقصاء قطز عن العرش، أو حتى قتله كما اعتاد الكثير من المماليك أن يفعلوا.


وكانت الفتنة مازالت دائرة بين المماليك البحرية الصالحية، الذين كانوا يؤيدون شجرة الدر، والمماليك المعزية الذين يؤيدون الآن سيف الدين قطز رحمه الله، وكذلك لا ننسى أن كثيراً جداً من المماليك البحرية فروا إلى مختلف الإمارات الإسلامية في الشام، ومن بقي منهم في مصر بقي على وجل وترقب، وهذا الانقسام ولا شك أضعف القوة العسكرية المصرية؛ لأن المماليك البحرية كانوا هم أساس الجيش المصري تقريباً.

استلم قطز رحمه الله تركة مثقلة بالهموم الكبيرة، والمشاكل الضخمة، وتعالوا بنا لنرى كيف تصرف قطز رحمه الله مع هذا الوضع شديد التأزم؟ وما هي خطواته التي خطاها من أجل التغيير؟ وما هو الإعداد الذي قام به لمواجهة الهجمة التترية الشرسة؟ وهذا الدرس من أهم الدروس في هذه المجموعة، فهو يتحدث عن خطوات بناء الأمة، فـ قطز يعلمنا كيف نبتدئ، عندما يكون الوضع متأزماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بل وأخلاقياً، حتى يصلح من شأن البلاد، لتصبح أقوى دولة في الأرض كما أصبحت في زمانه.
وكل هذا حدث في زمن قصير جداً، وستستغربون جداً عندما تعرفون كيف عمل قطز هذه الأشياء؟ وفي كم من المدة؟
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 03-12-2019, 05:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

حالة الشعب المصري عند تولي قطز للحكم (93)



راغب السرجاني


أما حالة الشعب ومعنوياته فقد كان في تلك الآونة يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، والأزمات الاقتصادية عادة ما تؤثر كثيراً على حياة الشعوب، وتجعلهم يفقدون الطموح في أي شيء، ولا يرغبون إلا في الحصول على لقمة العيش،
إلا إذا جاء القائد الذي يعظم عندهم الموت في سبيل الله، ويرفع عندهم قيمة الدين، ويهون قيمة الدنيا، ويهون المشاكل المادية والأزمات الاقتصادية، فكل ذلك يضمحل إلى جانب الهدف الأعلى: الجهاد في سبيل الله، وعندها يصبح الموت أمنية، وقد كان الوضع الذي استلم فيه قطز الحكم وضعاً صعباً للغاية، فالفتن الدائرة على كرسي الحكم منذ عشر سنوات جعلت الحكام لا يلتفتون كثيراً ولا قليلاً إلى شعوبهم، وكان همهم فقط تثبيت دعائم الملك، وأما أحلام الشعوب فقد كانت تأتي في مراتب متأخرة جداً في أولوياتهم، ولذلك فإن الشعب في ذلك الوقت لم يكن بالشعب الأمثل الذي يشتاق إلى مثل ذلك اليوم الذي يقابل فيه التتار،
لا يحلم بذلك اليوم الذي ينتصر فيه على هذه القوة العاتية، بل على العكس كان كغيره من شعوب المسلمين، يخاف من التتار، ويصيبه الذعر الشديد والهلع الكبير عند سماع أخبار جيوشهم، وكلما اقترب التتار بصورة أكبر من مصر اضطربت الأفئدة وتتابعت الأنفاس، ولذلك كانت مهمة رفع الهمة والروح المعنوية وتحميس الشعب على المقاومة من أصعب المهام التي واجهت قطز رحمه الله.


وهنا نقطة مهمة، وهي أن الجيش غير المؤيد بشعبه لا يقوى أبداً على الصمود، فلابد من السند الشعبي للقائد والجيش، وإلا فالنصر مستحيل، فليست العملية عملية حرب وقتال في موقعة عابرة، بل إنها عملية يعيشها الشعب بكامله، بكل طوائفه رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً، فلا بد أن يكون الشعب بأكمله على استعداد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 03-12-2019, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت


المراحل التي وصل إليها قطز في بناء الأمة حتى أوائل عام 658هـ (94)



راغب السرجاني


تعالوا بنا نرتب الأوراق مرة أخرى مع قطز رحمه الله لنرى إلى أين وصل الآن.

أولاً: الوضع الداخلي مستقر، والحكومة الجديدة في مصر تدين بالولاء التام له رحمه الله.


ثانياً: المهمة الأولى للدولة في تلك الآونة واضحة ومعلنة، وهي إعداد جيش قوي لمقابلة التتار في معركة فاصلة، وهذا هو الذي نسميه: وضوح الهدف، وهو معرفة البلد لما تريده.


ثالثاً: العفو عن المماليك البحرية الذي أشاع جواً من الهدوء النفسي والراحة القلبية، ليس فقط عند المماليك، ولكن عند عموم شعب مصر، ومن المؤكد أن جو المشاحنات يترك آثاراً سلبية ليس على القادة والجيش فقط، وإنما على الشعب كله، ولا شك أيضاً أن الجيش المصري قد ازداد قوة باتحاد طرفيه الكبار: المماليك البحرية الصالحية، والمماليك المعزية.

أما الخطوة التالية فقد كانت أيضاً خطوة رائعة، بل في غاية الروعة، فبعد الاستقرار الداخلي في مصر حرص قطز رحمه الله على الاستقرار الخارجي مع جيران مصر من المسلمين، فالعلاقات كما ذكرنا قبل ذلك كانت متوترة جداً بين مصر وبين الإمارات الشامية الأيوبية، وقد فكرت هذه الإمارات أكثر من مرة في غزو مصر، ونقضت الحلف الذي كان بينها وبين مصر أيام الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله، واستقطبت المماليك البحرية عندها عندما فروا من مصر، وكانت تتربص بمصر الدوائر في كل يوم، بل إن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر، ومع كل هذه الخلفيات المعقدة للعلاقة بين مصر والإمارات الأيوبية في الشام إلا أن قطز رحمه الله سعى لإذابة الخلافات التي بينه وبين أمراء الشام، وكان يسعى بصدق إلى الوحدة بين مصر والشام، أو على الأقل تحييد أمراء الشام، وعدم إقامة الحرب بينه وبين أمراء الشام، حتى يحارب التتار.

رابعاً: انضم إلى جيش مصر الكثير من الجنود الشاميين، فقد انضم إليه معظم جيش الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب، وكذلك جيش حماه وعلى رأسه المنصور أمير حماه.



إذاً: هذا هو الوضع السياسي والعسكري في مصر في أوائل سنة (658) من الهجرة، وفي ذلك الوقت سقطت حلب ودمشق وكل فلسطين حتى غزة في أيدي التتار، وأصبح التتار قريبين جداً من مصر (35) كيلو متر فقط من سيناء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #95  
قديم 10-12-2019, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

إعداد العدة لمواجهة التتار والعفو عن المماليك البحرية (95)


راغب السرجاني



لما استقر الوضع نسبياً في مصر انتقل قطز رحمه الله إلى الخطوة الثانية: وهي إعداد العدة لمواجهة التتار، وكانت خطوة في منتهى الروعة والحكمة، وأبرزت الأخلاق الرفيعة جداً لـ قطز رحمه الله، فقد أصدر قراراً بالعفو العام الحقيقي عن كل المماليك البحرية، ولم يكن هذا العفو خدعة سياسية لأجل معين، كما يفعل بعض الزعماء والقواد، ولم يكن شهر عسل مؤقت إلى أن تهدأ الأمور، وإنما كان أمراً يهدف فعلاً إلى المصالحة الحقيقية، ويرمي بصدق إلى إصلاح الأوضاع ولم الشمل ودرء المفاسد.

على عكس ما يفعله بعض الزعماء السياسيين الذين لم يتفقهوا بعد في السياسة، ولا يدركون موازين القوى في بلادهم، فهؤلاء يتعاملون تعاملاً غبياً مع الأحداث، فهم إما أن يقصوا هذه القوى تماماً عن كل شيء، بل وأحياناً يقيدون حرياتها، وأحياناً يخرجونها من البلد تماماً، وإما أن يتجاهلوها تماماً وكأنها لا وجود لها، فيضعون رءوسها في الرمال، ولا يعترفون بوجودها، وينكرون طاقتها، ويهملون كيانها وهكذا، وكل هذا لا شك أنه لا يصب أبداً في مصلحة البلد أو الشعب.


أما قطز رحمه الله فكان رجلاً مخلصاً متجرداً لله وواقعياً جداً، فلم ينكر قوة المماليك البحرية، فمن الغباء أن ينكر وجود قوة كقوتهم، بل إنه من حبه لوطنه ولأمته وإخلاصه لله عز وجل حاول أن يستميل هذه القوة لصالح البلاد والشعب، ولذلك اتخذ هذا القرار على رغم خطورته على كرسيه رحمه الله، وكان قراراً في منتهى الروعة.


وقد مر بنا كيف حدثت الفتنة بين المماليك البحرية وبين المماليك المعزية، ووصلت هذه الفتنة إلى الذروة بعد مقتل الملك المعز عز الدين أيبك ثم شجرة الدر، ووصل الأمر إلى أن معظم قادة المماليك البحرية وعلى رأسهم القائد الكبير ركن الدين بيبرس فروا من مصر إلى مختلف إمارات الشام، ومنهم من شجع أمراء الشام على غزو مصر، ووصل الأمر إلى حد خطير، فلما اعتلى قطز رحمه الله عرش مصر أصدر القرار الحكيم جداً بالعفو عن المماليك البحرية، وبدعوتهم إلى العودة إلى مصر، وهذا القرار أبرز أخلاق قطز الرفيعة رحمه الله، ونسيانه لكل الضغائن السابقة، مع كون القوة في يديه، وهذه من أرفع الأخلاق، العفو عند المقدرة،

كما أبرز كذلك النظرة السياسية العميقة لـ قطز رحمه الله، فقواد المصريين في ذلك الوقت من المماليك المعزية وغيرهم قد لا تكفي لحرب التتار، ولا شك أن المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية جداً، ولها خبرات واسعة في الحروب، فقد اشترك الكثير منهم في حروب الصليبيين السابقة، ومن أشهرها موقعة المنصورة العظيمة، وموقعة فارسكور، اللتان كانتا قبل عشر سنوات، وركن الدين بيبرس ممن اشترك في هاتين الموقعتين، فضم قوة المماليك البحرية إلى قوة المماليك المعزية سينشئ جيشاً قوياً أقدر على مهاجمة التتار، وهذا مما لا يشك فيه أحد، ومن المعلوم أن الوحدة طريق من أهم الطرق إلى النصر، كما أن التنازع والتصارع والفرقة طريق الفشل والهزيمة.

كان قطز رحمه الله يعلم أن أوضاع المماليك البحرية في بلاد الشام غير مستقرة، وما هربوا إلى هناك إلا مضطرين، وأملاكهم وحياتهم وقوتهم في مصر، وهو بهذا الإعلان النبيل الذي قام به سيستقدم عدداً لا بأس به منهم، وبمجرد أن أعلن هذا القرار جاءت المماليك البحرية من كل مكان تتوافد على مصر، فجاءوا من بلاد سلاجقة الروم، التي هي تركيا الآن، ومن الكرك بالأردن، ودمشق، وحلب وغيرها، وهكذا عاد المماليك من جديد قوة واحدة، واستقبلهم قطز رحمه الله استقبالاً لائقاً،

ولم يتكبر عليهم تكبر المتمكن، بل عاملهم كواحد منهم؛ لأن أصله من المماليك، واستقدم قائد المماليك البحرية ركن الدين بيبرس وزعيمهم، وهو أخطر رجل في المماليك البحرية مطلقاً، ولو كان قطز في داخله غدر أو خيانة أو مصالح سياسية متجردة من الأخلاق ما استقدم بيبرس إلى مصر أبداً وعندما فر بيبرس من مصر ذهب إلى الناصر يوسف الأيوبي في دمشق، وقد كان الناصر خائناً موالياً للتتار في فترات كثيرة،
ثم ادعى الجهاد ضدهم في فترات أخرى، فعندما ذهب إليه بيبرس أنكر عليه خضوعه أمام التتار وعزمه على عدم القتال، ولكن الناصر يوسف لم يسمع كلامه، وعندما قدم التتار في اتجاه دمشق فر الناصر يوسف ومن معه إلى الجنوب، واضطر بيبرس وقد وجد نفسه منفرداً -وكان يود أن يجاهد في سبيل الله- أن يهرب كذلك إلى الجنوب باتجاه فلسطين، ثم لما وصل جيش التتار إلى فلسطين ترك الناصر يوسف جيشه وهرب إلى الكرك، ثم إلى الصحراء، فوجد بيبرس نفسه وحيداً في غزة، فلم يستطع أن يعمل شيئاً، وقد كان يود أن يجاهد في سبيل الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #96  
قديم 10-12-2019, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

تجميع قطز الناس تحت راية الجهاد (96)


راغب السرجاني



حرص قطز رحمه الله على إبراز خطورة العدو القادم التتار، وعلى إظهار الغاية النبيلة التي من أجلها صعد إلى كرسي الحكم، ومن المعروف أن الأزمات الشديدة التي تمر بالأمة، يمكن أن تكون أزمات مجمِّعة إذا أحسن القائد استغلالها، ومع أن المشكلة تكون كبيرة جداً أمام الناس، والقضية خطيرة، والناس يخافون ذلك، إلا أنهم يتجمعون بسبب هذا الخوف.

فـ قطز رحمه الله استغل خوف الناس من قضية التتار ليجمعهم سوياً تحت راية واحدة، ومن أفضل الأمور لتجميع الناس ولتوحيد الصف: الجهاد، والقائد الذي لا يجمع شعبه على قضية جهادية يفقد حب شعبه وولاءهم له، بل وقد تكثر الفتن والقلاقل في زمانه؛ لأن الناس سيركنون إلى حياة الدعة والسكون، وسينشغلون بسفاسف الأمور، وعندما نراجع التاريخ الإسلامي نجد أنه ما رفع قائد مسلم في كل تاريخ المسلمين راية الجهاد بصدق إلا واستقرت بلاده، ومع أنه داخل في حروب ضارية إلا أن بلاده سوف تستقر، ويسير شعبه خلفه بكل حب وصدق ووفاء.


والذي لا يرفع هذه الراية يذل نفسه وشعبه، وهذه سنة مستمرة في التاريخ، وستكون إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل كتب الذل على من تخلى عن الجهاد.
وذكرنا قبل ذلك الكثير والكثير من المواقف التي تؤيد هذا المعنى.


ثم إن قطز رحمه الله أعلن بوضوح من أول يوم استلم فيه الحكم: أنه سيجعل الأمر في الناس يختارون من يشاءون دون التقيد بعائلة معينة أو مماليك بذاتهم، وأنه لن يأخذ بالتوريث الذي كان الناس يخافون منه.
وهنا كلام في غاية الأهمية، وهو أنه لا يستقيم لنا أن نقول ما قاله المحللون الغربيون المستشرقون، أو بعض المحللين المسلمين الذين يعتمدون في تحليلاتهم على المدارس الغربية في التحليل والنقد: من أن قطز إنما قال ذلك ليقمع المناوئين له، وليثبت نفسه في كرسيه، مستغلاً حب المسلمين للجهاد.


يعني: أنه يمثل على الناس، فلا يستقيم لنا أبداً أن نطعن في نية قطز رحمه الله من وراء الكلمات التي قالها، ولا أن نفترض أن وراء هذه الكلمات مرامي أخرى، وإحسان الظن بالمؤمنين أمر مطلوب شرعاً، فإن الكلمات والأفعال دائماً تقيم وتحسب في ضوء سيرة الشخص وحياته، وهذه الجملة في منتهى الأهمية، فاحفظوها: الكلمات والأفعال تقيم وتحسب دائماً في ضوء سيرة الشخص وحياته، فقد يقول شخص كلاماً يفهم منه معنى، ويقوله شخص آخر فيفهم منه فهماً مختلفاً تماماً.


وكلمة الجهاد هذه إذا قالها قطز رحمه الله، فسأفهم منها معاني معينة، وإذا قالها قبل ذلك الناصر يوسف الأيوبي فسأفهم منها معاني أخرى تماماً، وقد تكلمنا من قبل على موقف الناصر يوسف، والآن نتكلم على موقف قطز رحمه الله، وشتان بين الموقفين، فكلاهما قال: إنه سيجاهد في سبيل الله، ونحن نريد الآن تقييم هذه الكلمة في ضوء سيرة قطز رحمه الله، ومن خلال تتبع سيرته بعد أن تولى الملك، وفي أثناء تحركاته إلى عين جالوت، وفي موقعة عين جالوت وما بعدها، سنرى في كل ذلك ما يثبت أن كلامه جميعاً كان كلاماً صادقاً، وأن رغبته في قتال التتار، والانتصار لهذا الدين، كانت أعلى بكثير من رغبته في الملك، وقد جعل الله عز وجل نصر الأمة على يديه كما سنرى، وليس من سنة الله عز وجل أن يكتب نصر الأمة على يد المنافقين والفاسدين،{إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81].


ولم يخلد تاريخ المسلمين رجل اختلطت في قلبه النوايا ولعبت به الأهواء، لذلك قطز رحمه الله نحسبه على خير، ولا نزكي على الله أحداً، وقد أجمع علماء أمة الإسلام على عدالته وفضله وتقواه، وقالوا فيه كلاماً كثيراً، وسنذكر بعضه بإذن الله في الدروس القادمة.


وإذا كان من الممكن قبول عذر المستشرقين والمحللين الغربيين في أن قطز كان يقصد الملك وليس الجهاد؛ لأنهم في سياستهم وحياتهم لا يرون إلا هذه الأمثلة التي تريد الدنيا، فما هو عذر المحللين المسلمين الذين قالوا مثل ذلك الكلام؟ فليس لهم عذر في الحقيقة؛ لأن هذا المثال المخلص الراقي الذي لا يريد شيئاً لنفسه ولا لذاته، ويهب حياته بكاملها لربه ولدينه ولشعبه، ولقضايا أمته، كثير ومتكرر جداً في أمتنا، وفي تاريخنا.

وقد سبق قطز رحمه الله على هذا الطريق الكثير والكثير من أبطالنا، ولحق به كذلك آخرون، وسيظل الخير بإذن الله في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #97  
قديم 10-12-2019, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت


- التتار من البداية إلى عين جالوت


حزم سيف الدين قطز في الإدارة (97)

راغب السرجاني


مع أن قطز رحمه الله قد استخدم الأخلاق العالية والأهداف النبيلة في تجميع القواد والعلماء حوله، إلا أنه لم يتخل عن حزمه في الإدارة، فـ قطز رحمه الله لم يكن رجلاً طيبًا فقط، يقول هذه الكلمات وليس عنده فنون الإدارة والسياسة والقيادة، بل كان حازماً جداً رحمه الله،
فقد عزل الوزير ابن بنت الأعز المعروف بولائه الشديد لـ شجرة الدر، وولى بدلاً منه وزيراً آخر كان يدين له بالولاء، وكان يثق في قدراته وإمكانياته، وهذا الوزير الجديد كان اسمه زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع، وفي ذات الوقت أقر قائد الجيش فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي في مكانه، وهو ليس فارس الدين أقطاي الذي تكلمنا عليه من قبل، فـ فارس الدين أقطاي الأول كان قد قتل قبل ست سنوات سنة (652) من الهجرة.

فـ قطز ولى قائداً من قواد المماليك البحرية، مع شدة الخلاف بين الطائفتين، لكن عندما وجد فيه الكفاءة العسكرية والقدرة على القيادة والأمانة والصدق -وهي مؤهلات ضرورية لأي إمارة- ولاه، وبذلك نجد أن قطز رحمه الله قد حفظ الأمانة، ووسّد الأمر لأهله، بغض النظر عن كونهم من المماليك البحرية أو المعزية، وهذا تجرد واضح من قطز رحمه الله،

كما أنه أيضاً يعتبر ذكاء سياسياً من قطز رحمه الله؛ لأنه بتولية هذا الرجل من المماليك الصالحية قيادة الجيش، استمال قلوب المماليك البحرية الذين فروا إلى أنحاء الشام وتركيا، وبث الاطمئنان في نفوسهم، وهذا ولا شك سيؤدي إلى استقرار الأوضاع في مصر، كما أنه سيستفيد من الخبرات العسكرية الفذة للمماليك البحرية، وأوجد بذلك فرصة للتعاون مع المماليك البحرية.

وعلم قطز رحمه الله أن الناس إن لم يشغلوا بالجهاد شغلوا بأنفسهم، ولذلك فبمجرد أن اعتلى عرش مصر أمر وزيره زين الدين وكذلك قائد الجيش فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي أن يجهزا الجيش ويعدا العدة وينظما الصفوف، وانشغل الناس كلهم بهذه الغاية النبيلة والمهمة الخطيرة: الجهاد في سبيل الله.


إذاً: الخطوة الأولى في سياسة قطز رحمه الله كانت السيطرة على الوضع الداخلي للبلاد، وشغل الناس بالقضايا المجمعة للأمة، وإبراز الهدف الحقيقي من السلطان، وهو إقامة الشرع، والدفاع عن البلاد، والقيام بشئون الرعية، وحماية مصالح العباد، وأنه ليس من مطالب الحكم أبداً، ولا من أغراضه، جمع المال أو ضمان توريث الكرسي للأبناء أو أبناء الأبناء، ولذلك استقرت الأحوال الداخلية في مصر، وتوحد الصف الداخلي، وهذه خطوة عظيمة جداً وأساسية ومحورية في بناء الأمة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #98  
قديم 10-12-2019, 02:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

استقرار الوضع الداخلي (98)



راغب السرجاني


ا

الخطوة الأولى التي حرص عليها قطز رحمه الله:
هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، واستقرار الوضع لن يأتي إلا بقطع أطماع الآخرين في كرسي الحكم الذي يجلس عليه، فالطامع في الكرسي لن تهدأ له نفس، ولن تستقر له حال، حتى يجلس على الكرسي الذي يريد، وهو رحمه الله لم يقطع أطماعهم عن طريق التهديد والوعيد، فالتهديد والوعيد قد يزيد الفتن اشتعالاً، ويؤجج نيران الحقد والحسد والغل في المجتمع، ولم يقطعها كذلك بتزوير إرادة الشعب، وإيهام الجميع أن الشعب يريده هو بذاته، ولم يقطعها بالخداع والغش والمؤامرات والتحايل أبداً،
ولكنه عمل شيئاً غريباً جداً، فقد ارتفع رحمه الله بأخلاق المنافسين، إلى درجة لم يتعودوا عليها في الفترة الأخيرة في مصر، فقد جمع رحمه الله الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء، وأصحاب الرأي في مصر، وهؤلاء هم المحركين الفعليين لطوائف الشعب المختلفة، والقدرة على التأثير على الناس،
وقال لهم: إني ما قصدت من اعتلاء العرش في مصر، وإقصاء السلطان الطفل نور الدين علي وجلوسي مكانه، إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فلا يعقل أن نقاتل التتر أكبر دولة في الأرض في ذلك الزمن وعلى الكرسي طفل سنه (15) سنة، فحتى لا تسقط هيبتنا من أعين التتار إذا رأوا هذا الأمر.

إذاً: فالقضية الأولى من استلامه الحكم واضحة جداً في ذهنه رحمه الله، وهو حرب التتار والجهاد في سبيل الله، ولا يتأتى ذلك بغير ملك.
ثم يقول: فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم.


فهو لن يتدخل رحمه الله في ذلك الأمر، وإنما المهم عنده هو إنهاء القضية الكبيرة التي تواجهها الأمة الإسلامية بأكملها، وليس مصر فقط، وهي قضية العدو الخارجي التتار، الذين احتلوا نصف البلاد ويقتربون الآن من النصف الآخر.
وعندما سمع الرجال الذين جمعهم قطز رحمه الله هذا الكلام هدءوا جميعاً، ورضوا بذلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #99  
قديم 10-12-2019, 02:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت


- التتار من البداية إلى عين جالوت

رسالة هولاكو إلى الملك المظفر قطز ورد قطز ومن معه (99)


راغب السرجاني



أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


أما بعد:
في المحاضرة السابقة تحدثنا عن صعود قطز رحمه الله إلى كرسي الحكم في مصر، وعن خطواته في إعادة بناء الأمة وتأهيلها ليوم اللقاء مع التتار، وكيف أنه اهتم رحمه الله بالاستقرار الداخلي، ووحد هدف الأمة، وعفا عن المماليك البحرية، ووحد بينهم وبين المماليك المعزية، وراسل أمراء الشام، وحاول قدر الاستطاعة ضمهم إلى قواته، وانظم إليه بالفعل جيش الناصر الأيوبي وأمير حماة، وزادت بذلك قوة جيشه بشكل كبير.
وتحدثنا أيضاً عن شعب مصر في ذلك الوقت، وكيف أنه كان يعاني من أزمة اقتصادية ومشاكل اجتماعية، ومع ذلك كان الشعب يعظم العلماء ويجلهم، ويحب الدين ويحترمه، ويعرف قيمة الجهاد في سبيل الله ولا يستغربه أبداً، بل يعتقد أنه حل أساسي، وأحياناً يعتبره حلاً وحيداً في كثير من الأزمات التي تمر بالأمة.


وبينما قطز رحمه الله في إعداده وتجهيزه جاءته أربعة من رسل التتار برسالة عجيبة من هولاكو يعلن فيها الحرب عليه إن فكر في أي مقاومة، وكانت الرسالة تحمل تهديداً ووعيداً وإرهاباً،

يقول فيها هولاكو: (باسم إله السماء الذي ملكنا أرضه وسلطنا على خلقه)، وهو في بداية الرسالة كأنه يعترف بأن الله عز وجل هو الذي ملكه على الخلق، وأنه يطيع الله عز وجل.

ثم يقول: (الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك)، فهو يريد أن يحقر من شأن قطز رحمه الله، فهو يقول له: إنه من جنس المماليك، (الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك، صاحب مصر وأعمالها وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها وباديها وحاضرها وأكابرها وأصاغرها)، يعني: قطز الذي يملك كل شيء في مصر يجب أن يعلم ذلك.


ثم يقول: (أنا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلموا إلينا أمركم، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب، فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص، فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع).


ولا ندري من أين أتى بهذه الكلمة: ودعاؤكم علينا لا يسمع.
ثم يقول: (لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رب السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف:20]، { {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].


فهو يستشهد بآيات من كتاب الله عز وجل، وكأنه يؤمن به.
وكان الذي يكتب له هذه الرسائل الأدباء المسلمون الذين اشتراهم هولاكو عليه لعنة الله بالمال، وباعوا دينهم وأوطانهم بهذا المال، وكتبوا مثل هذه الرسائل المرعبة.
ثم يقول هولاكو: (فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرم الحرب نارها، وتوري شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية، فقد أنصفناكم إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم).

وانتهت الرسالة العجيبة، ولم تحمل أي نوع من أنواع الدبلوماسية، فقد كانت إعلاناً صريحاً بالحرب أو البديل الآخر وهو التسليم المذل، ولا بد أن يكون التسليم مذلاً، بمعنى: أن يكون دون فرض أي شروط، أو طلب أي حقوق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #100  
قديم 10-12-2019, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

- التتار من البداية إلى عين جالوت

نعقاد المجلس الاستشاري المصري والحلول المطروحة على تهديد هولاكو (100)



راغب السرجاني



عقد قطز رحمه الله مجلساً استشارياً أعلى، جمع فيه كبار القادة والأمراء والوزراء والعلماء، وبدءوا في مناقشة القضية الخطيرة التي طرحت أمامهم، وكانت الخيارات محدودة جداً، إما الحرب بكل تبعاتها، وإما التسليم غير المشروط،
وقطز رحمه الله كانت القضية واضحة في ذهنه تمام الوضوح، فهو لم يطرح الخيارين على نفسه للتفكير، خيار السلام أو الاستسلام، فهذا الموقف غير وارد أبداً عنده، فهو يعلم تمام العلم أن الحقوق لا توهب بل تؤخذ، وأن الجيوش المعتدية لا تقنع بالعودة إلى بلادها أبداً، بل ترغم على ذلك.

لكن الأمراء الذين اجتمعوا معه لم يكونوا على نفس الدرجة العالية جداً من الفقه والفهم، صحيح أنهم كانت لديهم حمية دينية عالية جداً، وأنهم يحبون الإسلام حباً جماً، وعلى درجة راقية من الفروسية والمهارة القتالية، ولكن الاختبار صعب جداً.


وقد كانت الفجوة هائلة فعلاً بين إمكانيات التتار كدولة من كوريا شرقاً إلى بولندا غرباً، وبين إمكانيات مصر التي مهما زادت فهي محدودة، وبين أعداد التتار وأسلحتهم، وأعداد المصريين وأسلحتهم، هذا فوق السمعة الرهيبة لجيوش التتار، وفوق الملايين المسلمة التي ذبحت على أيدي التتار،

بالإضافة إلى الجيوش الخوارزمية والأرمينية والكرجية والعباسية والأوروبية والشامية التي هزمت هزيمة ساحقة من جيوش التتار قبل ذلك.
وكان قد شاع في هذا الزمن مقولة ذكرناها قبل ذلك قالها العوام وقالها الخواص كذلك، فقد كانوا يقولون: إذا أخبرك أحد أن التتار يهزمون فلا تصدق.


كل هذه التراكمات جعلت الأمراء يترددون في قبول ما رآه قطز رحمه الله أمراً واضحاً جداً لا تردد فيه، وظهر على معظم الأمراء الهلع والضعف والتثاقل إلى الأرض.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 188.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 182.33 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]